رسالة تفسيرية بالأسلوب الاستنتاجي لقوله تعالى :" أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)" سورة التكاثر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذه الأيام والليالي المباركة من شهر رمضان، أسأل لي ولكم حسن الصيام والقيام وتلاوة القرآن وبلوغ ليلة القدر والفوز بالأجر والغفران.
تأتي سورة التكاثر تتوسط سورة القارعة قبلها وسورة العصر بعدها، ومقصد سورة القارعة قرع القلوب لاستحضار أهوال يوم القيامة، ومقصد سورة التكاثر تذكير المنشغلين بالدنيا عن أهمية العمل للآخرة، وتأتي سورة العصر لتأكيد التذكرة وبيان حقيقة الربح والخسارة في الحياة.
من الفوائد المستنبطة من سورة التكاثر:
1- يجب على الإنسان ألا ينشغل عن ما خلق له من عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)" سورة الكور.
2- في الآيات توبيخ الله تعالى ويذم المنشغلين بالدنيا ، الذين ألهاهم حرصهم على تكثير أموالهم وأولادهم عن طاعة الله تعالى، وقد أتى أيضا ذم ذلك في مثال سورة الحديد عن الدنيا، قوله تعالى:" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)"، وأيضا من السنة عَنْ عبْدِاللَّه بنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَقْرَأُ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر:1] قَالَ: «يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟!» رواه مسلم. .
3- والآيات فيها تذكرة وتحذير للمؤمنين من الإنشغال بالدنيا فتلهيهم عن الدين وتنسيهم الاستعداد للقاء الله تعالى.
4- بيان أن الإنسان مجبول على حب الأموال والأولاد وأن الإنشغال بطاعة الله والاستعداد للآخرة خير له، كما جاء في قوله تعالى:" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ۞ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) " سورة آل عمران.
5- قال تعالى:"ألهاكم التكاثر"، قيل عن بن عباس هي أألهاكم التكاثر على استفهام التقرير والإنكار.
6- قال تعالى:"ألهاكم التكاثر"، ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل كل ما يتكاثر به بين الناس من أموال وأولاد وأنساب ومناصب وقوة وعلم وجمال ، .... وفي زماننا هذا يتكاثر الناس أيضا بأشياء غير مألوفة ، مثل من يصنع أكبر كعكة أو من يمتنع عن النوم أكثر وقتا .... ولا حول ولا قوة إلا بالله .
6- قوله تعالى:" حتى زرتم المقابر" ، أي حتى أتاكم الموت، وأصبحتم من الأموات، والزائر ليس بمقيم، وإنما هي دار مؤقتة ليصل إلى دار الخلود الآخرة، فإما جنة وإما نار.
7- قوله تعالى:" حتى زرتم المقابر" ، وصيغة الماضي تبين وتؤكد أنه بعد القبر بعث وحساب وجزاء.
8- الإتعاظ بزيارة القبور للرجال ، وذلك بأن يتأمل في حال هذا الذي سبقه إلى لحده ليس معه إلا عمله ، كيف كان في الدنيا ذا مال ولا يملكه الآن ، أو ذا أولاد دفنوه وتركوه في قبره ، أو ذا منصب وجاه وعشيرة وهو الآن عبد لله لا يملك إلا عمله إن كان خيرا فخير له، وإن كان شرا فشر عليه.
9- زيارة القبور من العبادات التي تزهد في الدنيا وهي للرجال ، فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رواه مسلم ، وفي لفظ عند الترمذي (1054) : (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ) .
10- توعد الله تعالى للعباد إذا ظلوا منشغلين بالدنيا عن طاعته وعبادته بأنهم سيعلمون عاقبة أمرهم ، وأكد على ذلك بقوله تعالى :"كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون".
11- قوله تعالى:"كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون"، هذا توعد لله تعالى لعباده ، فالأولى هو أن يعلم في الدنيا ويتعظ ، والثانية إن لم يعلم في الدنيا فسيعلم عند موته وفي الآخرة إذا حل به العذاب.
12- قوله تعالى:" :"كلا لو تعلمون علم اليقين" ، هذه الآية توجب على العبد المسارعة في التعلم عن ربه وعن الدار الآخرة العلم اليقيني الجازم الذي لا شك فيه، والذي يصل به إلى الفوز برضا الله ودخول الجنة.
13- لو علم الإنسان ما خلق له في الدنيا علم اليقين، ما ألهته الدنيا عن عبادة الله تعالى.
14- قوله تعالى:" ثم لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين"، هي تأكيد على البعث ورؤية النار بالعين الرؤية البصرية، والحساب والجزاء.
15- قوله تعالى:" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" ، كل إنسان سيسأل عن نعم الله تعالى، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ , وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ , وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ " .
16- قوله تعالى:" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" ، النعيم يوجب للعبد الشكر باستشعار النعم ، وحفظها واستخدامها في طاعة الله، وعدم استخدامها في معصية الله، والصبر على الطاعة وعن المعصية وعند الشدائد.
17- من شكر الله فإن الله يحب الشاكرين، وكفر وجحد النعم فهو من الخاسرين .
جزاكم الله خير
سامحوني على أي تقصير في الأسلوب اللغوي أو غيره من الأخطاء.