الاستعانة
معنى الاستعانة
الاستعانة هي طلب الإعانة على تحصيل نفع يرجى حصوله، وهذا الطلب يكون بالقلب والقول والعمل.
والاستعانة عند الإطلاق تشمل الاستعاذة والاستغاثة؛ فهي أوسع هذه المعاني الثلاثة، لأن حقيقة الاستعاذة طلب الإعانة على دفع مكروه، والاستغاثة هي طلب الإعانة على تفريج كربة.
فالاستعانة بابها واسع وهي من أعظم العبادات وأجلها، ولذلك جُعلت قسيمةً العبادة في سورة الفاتحة وهي من العبادة لأهميتها فقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
فالاستعانة بمعناها العام تشمل الدعاء والتوكل والاستعاذة والاستغاثة والاستهداء والاستنصار والاستكفاء وغيرها.
وبيان ذلك أن كل ما يقوم به العبد من قول أو عمل يرجو به تحصيل منفعة أو دفع مفسدة فهو استعانة.
وحاجة العبد إلى الاستعانة بالله تعالى لا تعدلها حاجة ، بل هو مفتقر إليه في جميع حالاته،
فهو محتاج في كل أحواله إلى الهداية والإعانة عليها ، ومحتاج إلى تثبيت قلبه على الحق ، ومغفرة ذنبه وستر عيبه وحفظه من الشرور والآفات وقيام مصالحه وغير ذلك من الحاجات التي لا تنفك عنها لحظة من لحظات حياته، وغيرها كثير مما يكثر احتياجه إليه وافتقاره إلى الإعانة عليه.
والعبد حارث همام يجد في قلبه كلَّ وقت مطلوباً من المطلوبات يحتاج إلى الإعانة على تحقيقه.
والله تعالى هو المستعان الذي بيده تحقيق النفع ودفع الضر ، فلا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يدفع السيئات إلا هو سبحانه .
وهذا أمر تكرر تأكيده في القرآن العظيم في مواضع كثيرة:
منها: قول الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
وقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}
وقوله: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
وقوله: {أمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}
فالرزق هو جلب النفع، والنصر هو دفع الضر.
وقوله: {فابتغوا عند الله الرزق}
وقوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}وتقديم الظرف للحصر.
وقوله: {وأن إلى ربك المنتهى}
قال ابن القيم رحمه الله: ({وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}متضمن لكنز من الكنوز وهو أن كلَّ شيء لا يطلب إلا ممن عنده خزائنه ومفاتيح تلك الخزائن بيديه، وأن طلبه من غيره طلب ممن ليس عنده ولا يقدر عليه.
وقوله: {وأن إلى ربك المنتهى}متضمن لكنز عظيم وهو أن كل مراد إن لم يُرَد لأجله ويتصل به وإلا فهو مضمحل منقطع؛ فإنه ليس إليه المنتهى، وليس المنتهى إلا إلى الذي انتهت إليه الأمور كلها؛ فانتهت إلى خلقه ومشيئته وحكمته وعلمه؛ فهو غاية كل مطلوب.
وكل محبوب لا يحب لأجله؛ فمحبته عناء وعذاب، وكل عمل لا يراد لأجله؛ فهو ضائع وباطل، وكل قلب لا يصل إليه؛ فهو شقي محجوب عن سعادته وفلاحه.
فاجتمع ما يراد منه كله في قوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}واجتمع ما يراد له كله في قوله: {وأن إلى ربك المنتهى}فليس وراءه سبحانه غاية تطلب، وليس دونه غاية إليها المنتهى.
وتحت هذا سرٌّ عظيم من أسرار التوحيد، وهو أن القلب لا يستقرُّ ولا يطمئنُّ ولا يسكن إلا بالوصول إليه، وكل ما سواه مما يحب ويراد؛ فمراد لغيره، وليس المراد المحبوب لذاته إلا واحد إليه المنتهى، ويستحيل أن يكون المنتهى إلى اثنين، كما يستحيل أن يكون ابتداء المخلوقات من اثنين؛ فمن كان انتهاء محبته ورغبته وإرادته وطاعته إلى غيره بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج ما كان إليه، ومن كان انتهاء محبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعمته ولذته وبهجته وسعادته أبد الآباد)ا.هـ.
والمقصود أنه لا يحصل لعبد نفع في أمر من أمور دينه ودنياه إلا بالله جل وعلا، فهو المستعان وحده على كل ذلك.
وكل سبب من الأسباب التي يبذلها العبد لتحقيق النفع أو دفع الضر لا يستقل بالمطلوب، فلا يوجد سبب مستقل بالمطلوب، بل لا بد أن يكون معه سبب مساعد ولا بد معه أيضاً من انتفاء المانع، ولا يكون كل ذلك إلا بإذن الله جل وعلا.
فمن أبصر هذا حقيقةً أسلم قلبه لله جل وعلا، وعلم أنه لا يكون إلا ما يشاء الله ، وأن ما يطلبه من خير الدنيا والآخرة لا يناله إلا بإذن الله وهدايته ومشيئته، وأن لنيل ذلك أسباباً هدى الله إليها وبيَّنها.
فيقوم في قلبه أنواع من العبودية لله جل وعلامن المحبة والرجاء والخوف والرغب والرهب والتوكل وإسلام القلب له جل وعلاوالثقة به وإحسان الظن فيه ؛ ويحصل في قلب المؤمن بسبب ذلك من السكينة والطمأنينة والبصيرة ما تطيب به حياته وتندفع به عنه شرور كثيرة وآفات مستطيرة.