تفسير قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الحشر/ 1) ، (الصف/ 1)
ذكر الله تعالى في هذه الآية العظيمة الأوصاف، الجليلة المعاني، تسبيح الخلق له، والتسبيح هو مما اختص به الرب سبحانه لنفسه؛ لذا لا نجده يضاف إلا إليه، فلا يقال سبحان فلان أو سبِّح فلانَ أو لفلان أو باسم فلان، ومن أسمائه السُّبوح؛ وهو مما لا يجوز لأحد التسمي به كالله والرحمن ونحوهما، وفي هذا الآية الكريمة مسائل منها:
3- هل يكون التسبيح باللسان أم بالقلب أو بالجوارح؟
4- على ماذا يدل التسبيح بالفعل الماضي كما هو في الاية؟
5- معنى اللام في قوله {لله}:
6- هل الأصل أن يتعدى فعل التسبيح بمفعوله بحرف الجر أم يتعدى بنفسه ؟
7- لماذا اختير لفظ الجلالة دونا عن غيره من الأسماء كالرب والرحمن والخالق وغيرها؟
10- لماذا ابتدأت الآية بذكر السماوات قبل الآرض.؟
11- لماذا جاء ذكر السماوات بالجمع؟
13- لماذا كرر {ما في} ولم يقل {ما في السموات والأرض} كآية الحديد؟
14- صيغ ورود التسبيح في كتاب الله:
15- دلالة ورود التسبيح بصيغه المتعددة في القرآن:
16- استعمالات التسبيح القولي:
17- من البديع والبيان في الآية:
وأما الجواب على هذه المسائل فهو كالتالي:
جاء في تاج العروس:السَّبْح : ( الإِبْعادُ في السَّيْرِ ) . قال ابن الفَرَج : سمعتُ أَبا الجَهْمِ الجَعْفَريَّ يقول : سَبَحْتُ في الأَرْضِ ، وسَبَخْتُ فيها ، إِذا تَبَاعَدْت فيها .ا.هـ
وقال أبو القاسم الزجاجي: سبحان الله معناه براءة الله من السوء تنزيها لله معناه إبعادا لله من السوء .
والنزهة البعد ورجل نزيه أي بعيد من السوء.ا.هـ كتاب حروف المعاني.
وقال ابن الأثير: وأصلُ التَّسْبِيح : التَّنزيهُ والتقديس والتبرئة من النَّقاَئِص ثم استُعْمِل في مواضعَ تقْرُب منه اتِّسَاعا . يُقال سبَّحته أسبِّحه تسبيحا وسُبحانا فمعنى سُبْحان اللّهِ : تَنْزيه اللّهِ وهو نَصْب على المصدر بفِعْل مُضْمر كأنه قال : أُبَرئُ اللّه من السُّوء بَراءةً . وقيل معناه : التَّسرُّع إليه والخِفَّة في طاعَته . وقيل معناه : السُّرْعة إلى هذه اللَّفْظة . ا.هـ النهاية في غريب الأثر.
وقال الطبري: وأصلُ التسبيح لله عند العرب: التنزيهُ له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك، كما قال أعشى بني ثعلبة:
قُولُ -لمَّا جَاءَنِي فَخْرُه-:... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
يريد: سُبحان الله من فَخر علقمة، أي تنزيهًا لله مما أتى علقمة من الافتخار، على وجه النكير منه لذلك. ا.هـ جامع البيان في تأويل القرآن.
مما سبق يتلخص أن التسبيح من السبح وهو المر السريع ولهذا قيل هو السرعة والخفة في العبادة ومنه هذه الكلمة الخفيفة على اللسان (سبحان الله) ، وكذلك لأنه من السبح بمعنى التباعد فقائله يبعد الله بلسانه قولا متوافقا به قلبه عن أي نقص وعيب يتنزه عنه الله عز وجل.
ورد معنيان عن السلف في التسبيح عند تفسير قوله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك} ذكرهما الطبري وابن كثير وغيرهما، فقيل:
1- نصلي لك، قاله ابن عباس ،وابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله السدي ذكره ابن أبي حاتم بإسناده .
2- التسبيح: التسبيح (المعروف)، قاله قتادة، ذكره ابن أبي حاتم بإسناده.
ويضاف معنىً ثالث وهو: الطاعة، يؤخذ من قول أعلام اللغة كالفيروز آبادي وابن الأثير وغيرهما من المتقدمين.
قال الفيروز آبادي: وسُبحانَ اللَّهِ : تَنْزيهاً لِلَّهِ من الصَّاحِبَةِ والوَلَدِ... أو معناهُ: السُّرْعَةُ إليه والخِفَّةُ في طاعَتِهِ . وسُبْحانَ مِن كذا : تَعَجُّبٌ منه .أ.هـ. القاموس المحيط.
وقال ابن عثيمين: إن كل ما في السماوات والأرض يسبح الله بلسان الحال وبلسان المقال إلا الكافر فإنه يسبح الله بلسان الحال لا بلسان المقال؛ لأن الكافر يصف الله بكل نقص. ا.هـ باختصار من تفسير العثيمين لسورة الحجرات.
ومما سبق يتضح أن هذه الأنواع الثلاثة لا تتخالف، وتسعها دلالة اللغة، وكلها تشمل التسبيح؛ فالتسبيح قول ياللسان بسبحان الله خصوصا، أو بلا إله إلا الله وغيرها من الأذكار، وعمل بالجنان وأخصها الصلاة، وكل مخلوق فهو طائع لربه كونا تحت أقداره.
3- هل يكون التسبيح باللسان أم بالقلب أو بالجوارح؟
# قوله: { ومن الليل فسبحه } (ق/ 40، الطور/ 49) أي: فصلِّ له، وكذا قوله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} (الصافات/ 143) أي : من المصلين.
# عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات. رواه أحمد في المسند. فهو قد سمى النافلة سبحة من التسبيح.
ويكون باللسان -وأفضله ما توافق عليه القلب- كقوله تعالى: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب* إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} (ص/ 17، 18) وقال: { يا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ والطَّيْرَ } [سبأ 10].
4- على ماذا يدل التسبيح بالفعل الماضي كما هو في الاية؟
يدل على تمكن الفعل وثباته وتحقق حدوثه، فمنذ الأزل لم يزل الله مبعد عن كل نقص وعيب وينزهه كل المخلوقات شاءت أم أبت، وليس تنزيهه أمر حادث بعد أن لم يكن.
قال ابن عاشور: وصيغ فعل التسبيح بصيغة الماضي للدلالة على أن تنزيهه تعالى أمر مقرر أمر الله به عباده من قبل وألهمه الناس وأودع دلائله في أحوال ما لا اختيار له ، كما دل عليه قوله تعالى : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ( ( الرعد : 15 ).
5- معنى اللام في قوله {لله}:
# لام التعليل؛ بمعنى: لأجل ، أي لطاعتك أحدث التسبيح ولوجهك خالصًا ، قاله السمين الحلبي وذكره الزمخشري.
# لام التقوية، للتأكيد، وفائدتها: زيادة بيان ارتباط المعمول بعامله لأن فعل التسبيح متعد بنفسه لا يحتاج إلى التعدية بحرف، قال تعالى : {فاسجد له وسبحه} ( الإنسان/ 26 ) ، فاللام هنا نظيره اللام في قولهم : شكرت لك ، ونصحت لك. ذكره وابن عاشور وبمثله قال الزمخشري.
# لام التبليغ أو لام التبيين: قالوا: نصح له ونصحه، كقوله تعالى: {واشكروا لي و لا تكفرون} وكقوله تعالى : {فتعسا لهم}( محمد/ 8 ) ذكره بان عاشور.
والراجح: أنها تجمع المعنيين الأول والثاني فنحن نسبح لأجل وجه الله وجاءت اللام لتأكيد حصول الفعل، وإن كان المعنى الأول معنىً لطيف وعقدي عظيم، والله أعلم.
6- هل الأصل أن يتعدى فعل التسبيح لمفعوله بحرف الجر أم يتعدى بنفسه؟
1-يأتي متعديا باللام، نحو الفواتح في المسبحات الخمس ابتداء بسورة الحديد وانتهاء بالتغابن.
2- ويأتي متعديا بالباء، كما في قوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) } (الواقعة/ 96).
3-ويتعدى بنفسه وهذا الأصل، كما في قوله تعالى: { ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} (الطور/ 49 وكما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى/ 1) .
وممن ذكر من العلماء أن الأصل فيه عدم التعدية: الزمخشري من المتقدمين، وابن عاشور من المتأخرين.
7- لماذا اختير لفظ الجلالة دونا عن غيره من الأسماء كالرب والرحمن والخالق وغيرها؟
وذلك لأن التسبيح اختص به الله، فكان من المناسب أن يوقع على اسم لله يختص به دونا عن العالمين، ومن الأنسب أن يكون هو اسم الجلالة الجامع لمعاني الجلال والكبرياء والجمال والكمال، كما أن التسبيح هو تنزيه وهو من التعظيم فناسب أن يكون التعظيم لأعظم اسم في الوجود ليدل على حقيقة عظمة وجلال مسماه ولا بوجد ما هو أجل من لفظة (الله)، والله أعلم.
(ما) موضوعة لغير العاقل، وقيل تشمل العاقل وغير العاقل ؛ فعلى القول الثاني لا إشكال، وعلى الأول تكون جاءت للتغليب ، لأن من يسبح الله من غير العاقل كحيوان ونبات وجماد أكثر من جنس العقلاء من ملائكة وإنس وجن ومما لا يعلمهم إلا الله لو وجدوا.
قال ابن عاشور: قال السهيلي: أن ما الموصولة يؤتى بها لقصد الإبهام لتفيد المبالغة في التفخيم، كقول العرب: سبحان ما سبح الرعد بحمده، وقوله تعالى: والسماء وما بناها.ا.هـ التحرير والتنوير.
وعلى هذه المسالة تتفرع مسألة: هل تسبيح الغير عاقل حقيقة أم مجاز؟
الجواب: هو تسبيح حقيقي وإن كنا لا نعرف كنهه ، وذلك لعدة أسباب:
1- أن الأصل في الألفاظ هو الحقيقة لأنه هو ما وضعت له، وهو مذهب المحققين من أهل العلم كالشافعي وأحمد وابن تيمية وابن القيم من المتقدمين، ومن المتأخرين محمد الأمين الشنقيطي والسعدي.
2- قال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}(الإسراء/ 44). فنص الله على أن كل شيء يسبح لله؛ وذلك لأن النفي والاستثناء يفيدان الحصر وفيه توكيد الجملة بما لا يدع للبس مجال، ثم نص سبحانه أننا لا نفقه تسبيحهم، وهو خبر عن الله وجب تصديقه؛ سمعا لوروده وعقلا لأنه أمر معقول؛ فلو تكلم أعجمي لما فقهنا حديثه وهو آدمي مثلنا، فمن باب أولى ألا نفقه من هو من غير جنسنا.
3- ذكرت نصوص صريحة من الكتاب والسنة تثبت حدوث الفهم والاستجابة لله حقيقة من غير العقلاء، منها: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} (الرعد/13) وكقوله تعالى: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب* إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} (ص/ 17، 18) وقال: { يا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ والطَّيْرَ } (سبأ/ 10).وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إني لأعرف حجرا كان يسلم علي في مكة" روه مسلم، وحديث حنين الجدع حين مرّ به رسول الله، بعدما تركه ليخطب على المنبر الذي صنع لأجله، فضمه إليه رسول الله ليسكت، وقال : "لو لم أفعل لظلّ يحن ليوم القيامة" وأصل الحديث عند البخاري ورواها غيره.
هي للظرفية ، لتدل على أن كل مخلوق سواء كان يسكن العالم العلوي أو السفلي فهو مسبح لربه طائع له شاء أم أبى لا يخرج عن ذلك كائن من كان.
10- لماذا ابتدأت الآية بذكر السماوات قبل الأرض.؟
لفضلها وشرفها وشرف من فيها، ومن ناحية ثانية لأن السموات أسبق في الوجود من الأرض فناسب ذكرها أولا، قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النازعات 27-30).
11- لماذا جاء ذكر السماوات بالجمع؟
للدلالة على الكثرة،كثرة المسبحين لله .
إما أن تكون لمطلق الجمع والتشريك في الحكم فكل من في السماوات وكل من في الأرض يسبح لله ، وإما أن تكون بحسب السبق الوجودي؛ فمن في السموات وجدوا قبل وجود الأرض وأهلها فكان من المناسب ذكرهم قبل، ولعل هذا أرجح والله أعلم.
13- لماذا كرر {ما في} ولم يقل {ما في السموات والأرض} كآية الحديد؟
لأن في التكرار توكيد ومبالغة من ناحية، ومن ناحية أخرى أبلغ؛ للدلالة على اختلاف تسبيح العالم العلوي عن تسبيح العالم السفلي؛ وذلك لأن العالم العلوي أشرف؛ ففيهم {مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} و {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ}، فتسبيحهم ليس كتسبيح من هو محاط بالمعاصي ، قلبه لاهي، وعن الكمال عاري، تسبيح من يعبد قليلا فيملّ أو يتعب أو تشغله صروف المعيشة من طلب رزق ومرض ومشاكل وأعباء، أو قواطع أو الشيطان أو إخوان الردى أو النفس والهوى.
أما آية الحديد فلما كان في نظمها ثلاث آيات -خلاف فاتحتها- فيهن العطف مباشرة بدون تكرار لـ (ما في) ، فناسب أن تنتظم معهن فاتحتها بدون تكرار ، والآيات هن: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}( آية: 2،5) ، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (آية/ 4).
14- صيغ ورود التسبيح في كتاب الله:
ورد التسبيح على أربع صيغ:
1- بالمصدر أو اسم المصدر على الخلاف: ورجح الأول الكرماني وكذلك المبرد في المقتضب لكنه قال: ليس منه فعل فإنما حده الإضافة إلى الله - عز وجل - وهو معرفة | وتقديره - إذا مثلته فعلا : تسبيحا لله، ورجح الثاني ابن عاشور- كما في قوله تعالى: { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (البقرة/ 32) وفي قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} (الإسراء/ 1).
2-وبالفعل الماضي: كما في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحديد/ 1) وفي قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الحشر/ 1) ، (الصف/ 1).
3-والمضارع: كما في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الجمعة/ 1) ، (التغابن/ 1) .
4-والأمر: كما في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى/ 1).
15- دلالة ورود التسبيح بصيغة المتعددة في القرآن:
استوعب سبحانه كل تصريفات هذه الكلمة من جميع جهاتها في كتابه العزيز للتنبيه على شرفه سبحانه وعظمة جلاله، وعلى استحقاقه التسبيح في كل زمان ومكان وعلى أنه وصفا لازما له ، وللدلالة على عظيم قدر التسبيح وفضله عند الله، ومحبة الله له ولفاعله، وفيه من الحث على فعله ما هو بيِّن لكل ذي لب.
وفي مجيء هذا بلفظ الماضي والمضارع إشعار بأن من شأن ما استند إليه تعالى أن يسبحه في جميع أوقاته وأما مجى ء المصدر مطلقا فهو أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال. أ.هـ. كتاب الكليات
وقال علي الطنطاوي: جاء التسبيح بهذه الصيغ المتنوعة للإشعار بان تسبيح هذه المخلوقات لله تعالى شامل لجميع الأوقات. ا.هـ التفسير الوسيط.
16- استعمالات التسبيح القولي:
يستعمل في التنزيه وفي التعجب وكليهما متلازمين؛ فمن الأول قوله تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } (الإسراء/ 1) فهو يقصد به التنزيه أصالة والتعجب تبعا وكما في قوله: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه له ما في السموات وما في الأرض} (يونس/ 68 )، ومن الثاني: قوله تعالى: { سبحانك هذا بهتان عظيم } (النور/ 16)إذ المقصود التعجب من عظم أمر الإفك أصالة والتنزيه عما قالوه تبعا.
مستفاد من كلام أبي البقاء صاحب كتاب الكليات.
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (سبوح) وهو حرف مبني على (فعول)، من (سبح الله) إذا نزهه وبرأه من كل عيب ... وقال الأعشى:
سُبْحان مِنْ عَلْقَمَة الْفاخِر
أراد التبرؤ من علقمة ، وقد يكون تعجب بالتسبيح من فخره ، كما يقول القائل إذا تعجب من شيء: سبحان الله، فكأنه قال: عجبا من علقمة الفاخر.
حسن البيان: لأن السامع لم يتوقف في فهم الكلام ولم ينفر من الألفاظ ، بل حتى في الألفاظ فقد جاء بما هو معروف متداول، فلم يقل الغبراء بدلا من الأرض، ولم يقل الخضراء بدلا من السماء!.
الطباق: السموات يقابلها الأرض.
الإيجاز: ذكرت الآية على وجازتها العالم العلوي بما فيه -بقوله تعالى: {ما في السماوات}-، والسفلي بما فيه -بقوله تعالى: {ما في السماوات}-، وخالقهما -بقوله تعالى: {لله}-، وكل أنواع العبادات -بقوله تعالى: {يسبح}- بعبارة موجزة.
قال أبو البقاء الكفومي: ودل على التنزيه البليغ من جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس وقد استوعب النظم الجليل جميع جهات هذه الكلمة إعلاما بأن المكونات من لدن إخراجها من العدم إلى الوجود إلى الأبد مسبحة لذاته تعالى قولا وفعلا طوعا وكرها. كتاب الكليات.
التعريض: فإنه تعالى عرض بمن لا يسبحه طاعة وينزهه عما يليق، وهو في حقيقة أمره تحت قهره وسلطانه وطاعته وليس له خروج عن أقداره شأنه كل مخلوق.
قال ابن عاشور: تعريض بالمشركين الذين أهملوا أهم التسبيح وهو تسبيحه عن الشريك والند .أ.هـ التحرير والتنوير (تفسير سورة الحديد، آية1)
ذكر الله عز وجل في هذه الآية العظيمة أن جميع من في السماوات السبع والأرضون السبع من العقلاء وغيرهم كلهم لا يخرج عنهم أحد سبحوا لله بمعنى نزهوه عن كل نقص وعيب لا يتناسب مع جلالة قدره وعظمة سلطانه وكمال صفاته، وأطاعوه بلسان الحال والمقال، وحتى الكافر ليس له خروج عن قهر ربه وسلطانه وأقداره وإن لم يحصل منه التنزيه عن نسبة ما لا يليق بربه وخالقه ومربيه بنعمه وإحسانه من الشريك والولد والزوجة وما أشبه ذلك.
3- تفسير العثيمين لسورة الحجرات.
5- تاج العروس للفيروز آبادي.
6- غريب القرآن لابن قتيبة الدينوري.
8- كتاب حروف المعاني لأبي القاسم الزجاجي.
9- .التحرير والتنوير لابن عاشور.
10- الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي.
11- النهاية في غريب الأثر لابن الأثير.
12- أسرار التكرار في القرآن للكرماني.
14- كتاب الكليات لأبي البقاء.