إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ..... عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ..... من الضاريات في الدماء الدواربي
لهن عليهم عادة قد عرفنها ..... إذا عرضوا الخطية فوق الكواكب
فسرق هذا المعنى المتنبي حين قال:
ولي لجب (غير مسموع) أمامه بناجٍ ..... ولا الوحش المزار بسالم
تدور عليه الشمس وهي كليلة ..... تنازعه من بين ريش القشاعم
إذا ضوءها لاقى من الطير فرجة ..... تدوَّر بين البيض مثل الدراهم
وسرقة أبو تمام بقوله:
أقامت مع الرايات حتى كأنها ..... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
وقد ضللت عقبان أعلامه ضحى ..... بعقبان طير بالدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها ..... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
لكن كانت السرقات هنا حسنة جداً، فالمتنبي أضاف إلى سرقته حسناً وهو وصف ضوء الشمس على الأرض من بين الطير والجيش كما ذكرنا بالأمس في التشبيه، والمتنبي أضاف.. أقصد أبو تمام أضاف معنى جديدا، وهو أن الطير كأنها من الجيش، لأنها تمشي معهم،
أقامت مع الرايات حتى كأنها ..... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
والاقتباس من القرآن اختلف في حكمه أهل العلم، فرأى بعضهم تحريمه؛ لأنه نقل للقرآن الذي هو كلام الله على أن يكون غير نثر ولا شعر إلى أن يدخل في الشعر، وكذلك الاقتباس من السنة، وذهب آخرون إلى جوازه مطلقاً، ولكن القول الراجح التوسط: أن الاقتباس إذا كان في معنى مفيد وبأدب وبأسلوب رائق جاز، وإن كان فيما هو سوء أدب لم يجز، فمثال ما هو سوء أدب من الاقتباس، قول الشاعر:
وردفه ينطق من خلفه ..... "لمثل ذا فليعمل العاملون"
فهذا سوء أدب؛ لأنه نقل كلام الله تعالى في أمور الآخرة إلى الغزل في أمور الدنيا، فهذا سوء أدب قطعاً ولا يجوز، أما الاقتباس في غير ذلك كالكلام المفيد، كمثل قول السيوطي رحمه الله:
عاب إملائي الحديث رجال ..... قد سعوا في الضلال سعيا حثيثا
إنما ينكر الأماني قوم ..... "لا يكادون يفقهون حديثا"
فهذا جيد لا حرج فيه، ومثل ما قال أحد المشايخ عندنا:
كن للإله ناصرا وأنكر المناكر ..... وكن مع الحق الذي يرضاه منك دائرا
ولا تعد نافعاً عن سواءه أو ضائرا ..... واسلك سبيل المصطفى ومت عليه سائرا
فما كفى أولنا أليس يكفي الآخر ..... وكل قوم أحدثوا في أمره مهاجرا
قد زعموا مزاعماً وسودوا دفاترا ..... واحتنكوا أهل البلاء واحتنكوا الحواضرا
وأورثت أكابر بدعتها أصاغرا ..... وإن دعا مجادل في أمرهم إلى مرا
{فلا تماري فيهم إلا مراء ظاهرا}
فهذا اقتباس جميل، وهذا هو النشيد الوطني عندنا، كذلك يقول في أرجوزة أخرى:
آمن أخي واستقم ..... ونهج أحمد التزم
واجتنب الطرق لا ..... تغررك أضغاث الحلم
هو يرد على المتصوفة:
واجتنب الطرق لا ..... تغررك أضغاث الحلم
لا خير في دين لدى ..... خير القرون قد عدم
أحدثه من لم يجئ ..... قطع بأنه عصم
من بعد ما قد أنزلت ..... اليوم أكملت لكم
وبعد ما صح لدى ..... جمع على غدير حم
ادع إلى سبيله ..... وخص في الناس وعم
وقل إذا ما أعرضوا ..... عليكمُ أنفسكم
طبعاً القراءة قراءة ورش عن نافع، فلذلك جاء عليكمُ بمد ميم الجمع، وهذه قراءة ابن كثير أيضاً، وهكذا في الآية السابقة.
قال: الاقتباس: هو أن يُضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث، ولا يختص بذلك الذي ذكر؛ بل من الكلام المشهور أياً كان، لا على أنه منه، ولكن يستعان به فقط، كقوله:
لا تكن ظالماً ولا ترضى بالظلم ..... وأنكر بكل ما يستطاع
يوم يأتي الحساب ما لظلوم ..... من حميم ولا شفيع يطاع
فهذا اقتباس من الآية، وكذلك قول الشاعر:
لا تعادي الناس في أوطانهم ..... قلما يُرعى غريب وطني
وإذا ما شئت عيشاً بينهم ..... خالق الناس بخلق حسنِ
هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخلق حسن)).
ولا بأس بتغيير يسير في اللفظ المقتبس للوزن أو غيره، وذلك مثل قول الشاعر:
قد كان ما خفتُ أن يكون ..... إنا إلى الله راجعونا
أصل ذلك: إن لله وإنا إليه راجعون، فغير ذلك تغيراً خفيفاً.