حسْنُ التعليلِ هو أن يُدَّعَى(12) لوصفٍ علَّةٌ(13) غيرُ حقيقيَّةٍ(14)
فيها(1) غرابةٌ(2)، كقولِه(3):
لو لم تكنْ نيَّةُ الجوزاءِ(4) خِدْمَتَه(5) .... لَمَا رأيْتَ عليها(6) عِقْدَ مُنْتَطَقِ(7)
_____________________
(12) (حسْنُ التعليلِ هو أن يُدَّعَى) أي: يُثْبَتَ بالدَّعْوَى.
(13) (لوصْفٍ علَّةٌ) مناسِبةٌ له.
(14) (غيرُ حقيقيَّةٍ) أي: غيرُ مطابِقةٍ للواقعِ بمعنى أنها ليستْ علَّةً في نفْسِ الأمْرِ بل اعتُبِرَتْ علَّةً بوجْهٍ يُتَخَيَّلُ به كونُ التعليلِ بها صحيحاً سواءٌ كانت أمراً اعتباريًّا أو موجوداً في الخارجِ, وهذا القيْدُ لازِمٌ؛ إذ لو كانت تلك العِلَّةُ حقيقيَّةً, أي: عِلَّةً في نفسِ الأمرِ لم يكنْ ذلك من محسِّناتِ الكلامِ لعدَمِ التصرُّفِ فيه.
(1) (فيها) أي: في هذه العِلَّةِ.
(2) (غَرَابَةٌ) أي: اعتبارٌ لطيفٌ مشتمِلٌ على دقَّةِ نظَرٍ سواءٌ كان هذا الوصفُ الذي ادَّعَيْتَ له علَّةً, ثابتاً فيُقصَدُ بيانُ علَّتِه أو غيرَ ثابتٍ, فيُرادُ إثباتُها, وسواءٌ كان الوصفُ الثابتُ ظاهرَ العلَّةِ كقولِ المتنبِّي:
ما به قتْلُ أعادِيه ولكنْ ...... يَتَّقِي إخلافَ ما تَرجُو الذئابُ
فإنَّ قتْلَ الأعادي عادةُ الملوكِ ليَسْلَموا من أذاهم وضَرِّهم ولكنَّ المتنبِّيَ اختَرَعَ لذلك سبباً غريباً, وهو الكرَمُ الغَريزيُّ ومحبَّتُه إجابةُ طالبِ الإحسانِ وتجنُّبُ إخلافِ مرجوِّ الذئابِ أو كان غيرَ ظاهرِ العلَّةِ, كقولِ أبي هلالٍ العسْكَرِيِّ:
زعَمَ البنَفْسِجُ أنه كعُذَارِه .... حُسْناً فسَلُّوا من قفاه لسانَه
فخروجُ ورقةِ البنفسجِ إلى الخلْفِ, لا علَّةَ له, لكنَّه ادَّعى أن علَّتَه الافتراءُ على المحبوبِ, وسواءٌ كان الوصْفُ الغيرُ الثابتِ ممكِناً كقولِ مسلِمِ بنِ الوليدِ:
يا وَاشِياً حسُنَتْ فينا إساءتُه ..... نَجَّى حذارُكَ إنساني من الغَرَقِ.
فاستحسانُ الإساءةِ ممكِنٌ غيرُ ثابتٍ فقُصِدَ إثباتُه. أو كان غيرَ ممكِنٍ.
(3) (كقولِه) أي: الخطيبِ القُزْوِينِيِّ مترْجِماً بالعربيَّةِ بيتاً فارسيًّا.
(4) (لو لم تكنْ نيَّةُ الجوزاءِ) برْجٌ من البروجُ الفلَكيَّةِ الاثني عشرَ فيه عدَّةُ نجومٍ تُسمَّى نِطاقَ الجوزاءِ ومنْطِقَةَ الجَوْزاءِ. والْمِنْطَاقُ والمِنْطَقةُ ما يُشَدُّ به الوسَطُ وقد يكونُ مُرَصَّعاً بالجواهرِ حتى يكونَ كعقْدٍ خالصٍ من الدُّرِّ.
(5) (خِدْمتَه) بالنصْبِ خبرُ لم تكنْ أي: خدمةَ الممدوحِ.
(6) (لما رأيتَ عليها) أي: على الجوازاءِ
(7) (عِقدَ مُنْتَطَقِ) بفتحِ الطاءِ اسمُ مفعولٍ أي: لما رأَيْتَ عليها عِقْداً مُنْتَطَقاً به, أي: مشدوداً في وسَطِها كالنِّطاقِ أي: الحزامِ فجَعلَ الشاعرُ علَّةَ شَدِّ الجوزاءِ النطاقَ في وسطِها خدمةَ الممدوحِ, وهي صفةٌ غيرُ ممكِنةٍ, فقَصَدَ إثباتَها على خِلافِ الواقعِ.