الكِنايةُ(1)
هي(2) لفظٌ(3) أُرِيدَ به لازِمُ معناه(4) مع جوازِ إرادةِ ذلك المعنى(5)، نحوُ: طويلُ النجادِ(6). أي: طويلُ القامَةِ(7).
وتَنقسمُ(8) باعتبارِ الْمَكْنِيِّ عنه(9) إلى ثلاثةِ أقسامٍ(10):
(الأوَّلُ)(1) كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها(2) صفةً(3)، كقولِ الخَنْساءِ(4):
طويلُ النِّجادِ رفيعُ العِمادِ ..... كثيرُ الرَّمادِ إذا ما شَتَا(5)
تريدُ(6) أنه(7) طويلُ القامَةِ(8) سيِّدٌ(9) كريمٌ(10).
(والثاني)(11) كِنايةٌ يكون الْمَكْنِيُّ عنه فيها نِسبةً(12)، نحوُ: الْمَجْدُ(13) بينَ ثوبَيْه، والكرَمُ(14) تحتَ رِدائِه.(15)
تريدُ(1) نِسبةَ الْمَجْدِ والكرَمِ إليه(2).
(والثالثُ)(3) كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها غيرَ صفةٍ ولا نِسبةٍ(4)، كقولِه(5):
الضاربِين(6) بكلِّ(7) أبيضَ مُخْذِمِ(8) ..... و(9) الطاعنِين(10) مَجامعَ الأضغانِ(11)
فإنه(12) كنَّى بمجامعِ الأضغانِ عن القلوبِ(13).
_____________________________
(1) الكِنايةُ
أي: تعريفُها وأقسامُها
(2) (هي ) أي: الكِنايةُ, لغةً: ما يَتَكَلَّمُ به الإنسانُ ويُريدُ به غيرَه, أو تَرْكُ التصريحِ بالشيءِ واصطلاحاً.
(3) (لفظٌ) له معنًى حقيقيٌّ أُطْلِقَ, ولم يُرَدْ منه ذلك المعنى الحقيقيُّ بل.
(4) (أُريدَ به لازِمُ معناه) الحقيقيِّ لاستعمالِه فيه والمرادُ باللزومِ هنا مطلَقُ الارتباطِ ولو بعرْفٍ.
(5) (مع جوازِ إرادةِ ذلك المعنى) الحقيقيِّ لذاتِه مع لازِمِه على أنَّ الغرَضَ المقصودَ بالذاتِ هو اللازمُ بمعنى أنه لابدَّ أن لا تَصْحَبَه قرينةٌ مانِعةٌ من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ.
(6) نحوُ: (طويلُ النِّجادِ) أي: عِلاقةُ السيفِ وطولُها يَستلزِمُ طولَ القامةِ فقولُك: فلانٌ طويلُ النِّجادِ.
(7) (أي: طويلُ القامةِ) فقد استُعمِلَ اللفظُ في لازمِ معناه مع جوازِ أن يُرادَ بهذا الكلامِ الإخبارُ بأنه طويلُ عِلاقةِ السيفِ, وطويلُ القامةِ بأن يُرادَ بطويلِ النجادِ معناه الحقيقيُّ واللازِميُّ؛ لأنه لم تُوجَدْ قرينةٌ تَمنعُ من إرادةِ معناه الحقيقيِّ, فقولُه: لفْظٌ. جنْسٌ وقولُه أُريدَ لازِمُ معناه. قيْدٌ أوَّلُ خرَجَ به اللفظُ الذي أُرِيدَ به نفسُ معناه, وهو الحقيقةُ, وقولُه: مع جوازِ إلخ قيْدٌ ثانٍ خرَجَ به المَجازُ؛ إذ لا يَجوزُ فيه إرادةُ المعنى الحقيقيِّ مع المعنى المَجازيِّ على أنَّ الغرَضَ المقصودَ بالذاتِ هو المَجازيُّ فقط عندَ مَن يَمْنَعُ الجمْعَ بينَ الحقيقةِ والمَجازِ؛ إذ يَشْتَرِطُ في قرينتِه كما سَبقَ أن تكونَ مانِعةً من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ, ومن هذا الفرْقِ بينَ الكِنايةِ والمَجازِ عُلِمَ أنهما يَجْتَمِعَانِ في جوازِ إرادةِ المعنى الحقيقيِّ للانتقالِ منه للمرادِ وفي امتناعِ إرادتِه بحيث يكونُ هو المعنى المقصودَ بالذاتِ, وعُلِمَ أيضاً أن الكِنايةَ واسطةٌ بينَ الحقيقةِ والمَجازِ فليست حقيقةً؛ لأن اللفظَ لم يُرَدْ به معناه, بل لازِمُه، ولا مَجازاً لأن المَجازَ لابدَّ له من قرينةٍ مانِعةٍ عن إرادةِ المعنى الموضوعِ له.
(8) (وتَنقسمُ) الكِنايةُ.
(9) (باعتبارِ المكنَّى عنه) أي: المعنى المقصودِ بلفظِها يعنى: المعنى الذي يُطلَبُ الانتقالُ من المعنى الأصليِّ إليه.
(10) (إلى ثلاثةِ أقسامٍ) بحكْمِ الاستقراءِ وتَتَبُّعُ مواردِ الكِناياتِ
(1) (الأوَّلُ من الثلاثةِ الأقسامِ):
(2) (كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها) أي: يكونُ المقصودُ إفادتَه وإفهامَه بطريقِ الكِنايةِ.
(3) (صفةً) من الصفاتِ المعنويَّةِ, وهي المعنى القائمُ بالغيرِ كالجُودِ والكرمِ وطولِ القامةِ وذلك بأن يكونَ المقصودُ بالذاتِ منها هو إفهامَ معنى الصفةِ من صفةٍ أخرى أُقيمتْ مُقامَ تلك الصفةِ فصارَ تصوُّرُ المثبَتةِ, أعنِي: الْمَكْنِيَّ عنها, هو المقصودَ بالذاتِ, لا نفسَ إثباتِها؛ لأن نفسَ إثباتِها كالمعلومِ, وهذه الصفةُ قسمان, قريبةٌ وهي ما يكونُ انتقالُ الذهنِ منها إلى الْمَكْنِيِّ عنه بغيرِ واسِطةٍ بين المعنى المنتقَلِ عنه والمعنى المنتقَلِ إليه, وبعيدةٌ وهي ما يكونُ الانتقالُ منها إلى الْمَكْنِيِّ عنه بواسِطةٍ أو بوسائطَ.
(4) كقولِ الخنساءِ تَمْدَحُ أخاها صخْراً:
(5) (طويلُ النِّجادِ رفيعُ العِمادِ. كثيرُ الرمادِ إذا ما شَتَا) أي: فرَّقَ وأَنْفَقَ.
(6) (تريدُ) أي: الخنساءُ بقولِها طويلُ النِّجادِ.
(7) (أنه) أي: الممدوحُ وهو أخوها صخْرٌ.
(8) (طويلُ القامَةِ) وتريدُ بقولِها رفيعُ العِمادِ أنه.
(9) (سيدٌ) وتريدُ بقولِها كثيرُ الرمادِ أنه.
(10) (كريمٌ ) أي: كثيرُ الإعطاءِ فقد اشتملَ هذا البيتُ على ثلاثِ كناياتٍ يُكْنَى بها عن الصفةِ, والأُولَيَانِ قريبتان, والأخيرةُ بعيدةٌ, والوسائطُ فيها هي الانتقالُ من كثرةِ الرمادِ إلى كثرةِ الإحراقِ, ومنها إلى كثرةِ الطبْخِ والخبْزِ, ومنها إلى كثرةِ الأَكَلَةِ, ومنها إلى الكرمِ, وهو المقصودُ.
(11) (والثاني ) منها:
(12) (كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها نسبةً) أي: إثباتَ صفةٍ لموصوفٍ أو نفيَها عنه, وذلك بأن يُصرِّحَ بالصفةِ ويَقصِدَ الكِنايةَ بإثباتِها لشيءٍ عن إثباتِها للمرادِ, وهو الموصوفُ بها, فيصيرُ الإثباتُ للمرادِ بسببِ الإثباتِ لغيرِه هو المقصودَ بالذاتِ.
(13) (نحوُ المجدِ) أي: الشرفِ.
(14) (بينَ ثوبَيْه والكرمُ) هو صفةٌ يَنشأُ عنها بذْلُ المالِ عن طِيبِ نفْسٍ.
(15) (تحتَ ردائِه) فكَنَّى عن ثُبوتِ المجْدِ والكرَمِ له بكونِ الأوَّلِ بينَ أجزاءِ ثوبَيْه، وبكونِ الثاني تحتَ أجزاءِ ردائِه, ومن المعلومِ أنَّ الكونين لا يَخلو عن موصوفٍ بهما, وليس إلا صاحبُ الثوبين والرداءِ فأفادَ الثُّبوتَ للموصوفِ بطريقِ الكِنايةِ والمجدُ والكرَمُ مذكوران فلا يُطْلَبان, وإنما يُطلَبُ ثبوتُهما لموصوفِهما فـ
(1) (تُريدُ) بهذا القولِ.
(2) (نِسبةَ المجْدِ والكرمِ إليه) لا غيرُ.
(3) (والثالثُ) منها.
(4) (كِنايةٌ يكونُ الْمَكْنِيُّ عنه فيها غيرَ صفةٍ ولا نِسبةٍ يأن يكونَ الْمَكْنِيُّ عنه موصوفاً أو غيرَ هذه الثلاثةِ, فالأوَّلُ.
(5) (كقولِه) أي: الشاعرِ
(6) (الضارِبِين) نُصِبَ على المدحِ, أي: أَمْدَحُ الضارِبِين.
(7) (بكلِّ) سيفٍ.
(8) (أبيضَ مُخْذِمِ) بضمِّ الميمِ وكسْرِ الذالِ المعجَمةِ, وبينَهما خاءٌ ساكنةٌ, أي: قاطعٍ.
(9) (و) أمدَحُ.
(10) (الطاعنين) أي: الضاربين بالرمْحِ.
(11) (مَجامعَ الأضغانِ) مَجامعَ جمْعُ مَجْمَعٍ, اسمُ مكانٍ من الجمْعِ, والأضغانُ جمْعُ ضِغْنٍ, وهو الحقْدُ.
(12) (فإنه) أي: الشاعرَ.
(13) (كَنَّى بمجامِعِ الأضغانِ عن القلوبِ) فكأنه يقولُ: والطاعنين قلوبَ الأقرانِ لإجهازِ نفوسِهم وإخراجِ أرواحِهم بسرعةٍ، والقلوبُ لا صفةٌ ولا نسبةٌ, بل هي موصوفةٌ, والثاني وهو أن يكونَ الْمَكْنِيُّ غيرَ الثلاثةِ السابقةِ نحوُ قولِه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فإنه كَنَّى به عن نفي الْمِثلِ وهو ليس بنسبةٍ ولا صفةٍ ولا بموصوفٍ بنفي مِثلِ الْمِثلِ فتدَبَّرْ.