ثم قال: الاستعارة، والاستعارة في اللغة طلب العارية, والعارية بالمد طلب غلة الآلة, أي: استعمالها لمدة محددة, أو لعمل محدد, ثم ترجعها, وهي مشتقة من العار؛ لأن طلبها من غير حاجة عار, أو لأن منعها أيضاًُ من غير حاجة عار, أو مشتقة من الاعتوار؛ لأنها يتعاورها الناس, تستعير هذا الكتاب من هذا الشخص, تقرأ فيه ثم ترده إليه, فيعيره شخصاً آخر وهكذا, فيتعاوره الناس فهذا الذي سميت به العارية عارية, وجمعها عواري, ومنه قول الشاعر:
فتلك سرابيل ابن داود بيننا ..... عواري والأيام غير قصار
وكذلك قول الآخر:
إنما أنفسـنا عـارية ..... والعواري قصارى أن ترد
والعواري قصارى معناه: منتهى أمرها أن ترد إلى معيرها, وهو الله سبحانه وتعالى, فحياتنا إنما هي عارية فقط.
إنما أنفسـنا عـارية ..... والعواري قصارى أن ترد
والاستعارة في الاصطلاح هي المجاز الذي علاقته التشبيه, المجاز الذي علاقته المشابهة, ففيها التشبيه, لكنه ليس له أداة, ماله أداة في الأصل, كقولك: زيد أسد, ‘‘فزيد أسد‘‘ هذا استعارة؛ لأنك استعرت لفظ الأسد من الحيوان المفترس, فأعرته لرجل شجاع, كما إذا أخذت ثوبه وأعرته للآخر فلبسه, كذلك أخذت اسمه فجعلت الاسم كالثوب, وجردته عن الحيوان المفترس, وأعرته للرجل الشجاع فلبسه، وذلك كقول الله تعالى: { كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور }.
فالكفر كالظملة، والإيمان كالنور, فالإيمان مشبه بالنور الذي يُخْرَجُ الناس إليه, والكفر مشبه بالظلام الذي يُخْرَجُ الناس منه, فأطلقت الظلمات على الكفر والجهل والظلم, وأطلق النور على الهداية والاستقامة,هذا الإيمان.
وهنا لم يقل: لتخرج الناس من الظلمة إلى النور؛ لأنهم ليسوا في ظلمة الكفر فقط, بل في ظلمة الكفر, وفي ظلمة الجهل, وفي ظلمة الظلم, وكلها ظلمات ، وظلمات الجاهلية { لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد } أي: من الضلال إلى الهدى, فلقد استعملت الظلمات والنور في غير معناهما الحقيقي, والعلاقة بين المعنيين المشابهة, بين الضلال والظلام, وبين الهدى والنور, والقرينة هي قوله: { لتخرج الناس من الظلمات إل النور بإذن ربهم }، فما سبق قرينة وما لحق أيضاً قرينة؛ لأنه قال: { إلى صراط العزيز الحميد} يسير جداً .
القرينة ما قبل ذلك, وما بعده أيضاً.
وأصل الاستعارة تشبيه حُذف أحد طرفيه ووجه شبهه, فهو تشبيه الذي حُذف فيه المشبه، وحُذفت فيه الأداة, فأثبت المشبه به فقط. "زيد أسد" أصل الكلام تشبيه زيد بالأسد, فحُذف المشبه, وحُذفت أداة التشبيه, وجُعل الأسد اسماً لزيد, جاء الأسد, رأيت أسداً يرمي, فحُذف إذاً ثلاثة أمور؛ ثلاثة أركانمن أركان التشبيه ، أركان التشبيه كم؟!
ـ أحد الجالسين: (أربعة)
الشيخ: أربعة. حذف منها ثلاثة, وبقي واحد, حذف منها:
1- المشبه .
2- وأداة التشبيه .
3- ووجه الشبه.
فبقي المشبه به فقط { من الظلمات إلى النور }. فالظلمات, أصل الكلام أن يقال: الكفر والجهل والظلم كالظلمات في الغواية والشر, فحُذف المشبه وهو الكفر والظلم والجهل, وحٌذفت أداة التشبيه وهي الكاف, وحُذف وجه الشبه وهو الغواية وما معها ، فبقي المشبه به فقط, وهو الظلمات, وكذلك النور.