والمعنوية منها عددان
لما فرغ المصنف رحمه الله عن بيان العوامل اللفظية شرع في بيان العوامل المعنوية فقال: والمعنوية:
أي والعوامل المعنوية في المائة عددان.
العامل في المبتدأ والخبر:
أي العامل في المبتدأ والخبر معنوي على ما ذهب إليه الأكثرون وهو: تجريد الاسم عن العوامل اللفظية للإسناد.
وهذا المعنى عامل في المبتدأ والخبر.
وهذا أمر معنوي يعرف بالجنان ولا يتلفظ باللسان.
والمذهب الثاني: أن عامل المبتدأ معنوي؛ وهو تجريد الاسم عن العوامل اللفظية – وعامل الخبر لفظي، وهو المبتدأ.
والمذهب الثالث: أن المبتدأ عامل في الخبر، والخبر عامل في المبتدأ.
فعلى المذهب الأول عامل المبتدأ والخبر معنوي.
وعلى المذهب الثاني عامل المبتدأ معنوي – وعامل الخبر لفظي.
وعلى المذهب الثالث: عامل المبتدأ والخبر لفظي.
واعلم أن المبتدأ هو الاسم حقيقة كقولك:
زيد قائم.
أو مؤولا نحو: {وأن تصوموا خير لكم}.
فإن تصوموا: مبتدأ، وخير " خبره.
فالمبتدأ اسم مؤول: أي صومكم خير لكم.
وأن يكون ذلك الاسم مجردا عن العوامل اللفظية.
أو يكون المبتدأ صفة مشتقة كضارب – ومضروب – وحسن – وأفضل.
أو جارية مجرى المشتق نحو: قرشي: أي منسوب إلى قريش حال كون تلك الصفة واقعة بعد حرف النفي نحو: (ما) و(لا) وأن النافية أو ألف الاستفهام – ونحوه – كـ "هل" و"ما" و"من" و"متى" و"أين" و"كيف" و"أيان".
حال كون تلك الصفة الواقعة بعد حرف النفي أو ألف الاستفهام رافعة لظاهر نحو:
أقائم الزيدان
أو رافعة لضمير جار مجرى ظاهر نحو:
{أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم}.
فالهمزة للاستفهام.
راغب: مبتدأ
وأنت: فاعل راغب ساد مسد الخبر.
وعن آلهتي: جار ومجرور متعلق براغب.
و"يا": حرف النداء.
وإبراهيم: منادى مفرد معرفة.
فراغب: صفة واقعة بعد همزة الاستفهام رافعة للضمير الجاري مجرى الاسم الظاهر وهو أنت.
تقديره: أراغب إبراهيم عن آلهتي.
فوضع أنت موضع الظاهر نحو:
ما قائم الزيدان:
فما: حرف نفي، وقائم: مبتدأ
والزيدان: فاعله ساد مسد الخبر.
وأقائم الزيدان. فالهمزة للاستفهام.
وقائم مبتدأ.
والزيدان: فاعل قائم ساد مسد الخبر.
وما مضروب العمران.
فما: حرف نفي.
ومضروب: مبتدأ.
والعمران: مفعول ما لم يسم فاعله ساد مسد الخبر.
وهل ذاهبة جاريتاك.
فهل: للاستفهام.
وجاريتاك: فاعل ذاهبة ساد مسد الخبر:
ولا قرشي قومك.
فلا: حرف نفي. وقرشي: مبتدأ.
وقومك: فاعل قرشي ساد مسد الخبر.
وإن حاضر القاضي المرأة.
فإن: حرف نفي، وحاضر مبتدأ.
والقاضي: مفعول حاضر.
والمرأة: فاعل حاضر ساد مسد الخبر.
ومتى ذاهب العمران.
فمتى: سؤال عن الوقت متضمن لمعنى الاستفهام.
وذاهب: مبتدأ.
والعمران: فاعل ذاهب ساد مسد الخبر.
ومن خاطب الخالدان؟
فمن: للاستفهام.
وخاطب
والخالدان: فاعل خاطب ساد مسد الخبر.
وكيف مصبح أبناك؟
فكيف: سؤال عن الحال متضمن لمعنى الاستفهام.
ومصبح: مبتدأ.
وأبناك: فاعل مصبح ساد مسد الخبر.
وكم ماكث صديقاك؟
فكم: كناية عن العدد للاستفهام.
وماكث: مبتدأ.
وصديقاك: فاعل ماكث ساد مسد الخبر.
وأيان قادم رفيقاك؟
فأيان: سؤال عن الوقت متضمن لمعنى الاستفهام.
وقادم: مبتدأ.
ورفيقاك: فاعل قادم ساد مسد الخبر.
وما مقيم إلا أخواك.
فعمل ما لغو بإلا.
ومقيم: مبتدأ – وأخواك: فاعل.
وليس قائم الزيدان.
فليس: لنفي الحال.
وقائم: مبتدأ.
والزيدان: فاعل قائم ساد مسد الخبر.
وليس منطلق إلا رفيقاك.
فليس: بمعنى ما التميمية وعمله لغو بإلا.
ومنطلق: مبتدأ.
ورفيقاك: فاعل منطلق ساد مسد الخبر.
وأما نحو:
قائم زيد.
ففيه الأمران.
الأول: أن الهمزة للاستفهام، وقائم: مبتدأ.
وزيد: فاعل قائم ساد مسد الخبر.
والثاني: زيد: مبتدأ. وقائم: خبره.
وأما الخبر فهو المجرد المسند به.
والعامل في الفعل المضارع
أي العامل الثاني من المعنوي عامل في الفعل المضارع.
فذهب الفراء- وأكثر الكوفيين- إلى أن عامل الرفع في المضارع تعريته عن النواصب والجوازم.
واختار ابن الحاجب: هذا المذهب.
وذهب البصريون إلى أن المضارع يرتفع بوقوعه موقعا يصح وقوع الاسم فيه لأنك تقول في:
زيد ضارب، زيد يضرب.
فعلى هذا التقدير يكون عامل المضارع معنويا لأنه يعرف بالجنان ولا يتلفظ باللسان.
فإن قيل: قد يقع المضارع في الموقع الذي لا يصح وقوع الاسم فيه نحو: الذي يضرب – وسيقوم – فكيف يصح مذهب البصريين؟
قيل: إن المضارع واقع موقع الاسم لأنك تقول في الذي يضرب: الذي هو ضارب أو الذي ضارب هو.
وسيقوم: واقع موقع الاسم لأن السين صارت أحد أجزاء الكلمة.
فإن قيل: إن خبر كاد شرطه فيه أن يكون مضارعا نحو: كاد زيد يقوم.
فذلك المضارع لا يقع موقع الاسم.
قيل: إن الأصل فيه أن يقال: كاد زيد قائما.
لكن عدل عن الاسم إلى الفعل للدلالة على الحدوث لأن كاد يستعمل في قرب الفعل من الحدوث – والفعل يدل على الحدوث ولا يدل الاسم.
وأيضا: أن خبر كاد كما جاء مضارعا جاء اسما نحو: وما كدت آيبا، (تأمل).
فإن قيل: إن الماضي أيضا يقع موقع الاسم لأنك تقول: في زيد ضارب زيد ضرب.
فضرب – وقع موقع ضارب فلزم أن يكون الماضي مرفوعا لوجود علة كونه مرفوعا. وهو وقوعه موقع الاسم.
قيل: هذا حكم بلا دليل – لأن العامل إنما يعمل الرفع والنصب والجر بعد أن يثبت للمحل استحقاق ذلك – والماضي لا يستحق الإعراب. فكيف يعمل فيه العامل ألا ترى أنك تقول:
من أين جئت وإلى أين تذهب.
فتفتح أين مع أنه دخل عليه حرف الجر لأنه مبني لا يستحق الإعراب.
وذهب بعضهم إلى أن المضارع لما وقع موقع الاسم فكأنه كان كالاسم فأعطي أسبق إعراب الاسم وأقواه – وهو الرفع.
وذهب الكسائي إلى أن عامل الرفع في المضارع حروف المضارعة لأنها أدخلت في أول الكلمة فحدث الرفع بحدوثها إذ أصل المضارع.
أما الماضي أو المصدر فلم يكن فيهما هذا الرفع بل حدث مع حديث الحرف فاعتبار العامل المعنوي الخفي غير صحيح.
وأجيب عنه.
إن الرفع لو كان بحروف المضارعة لكان باقيا بعد الناصب والجازم لأن عامل الرفع هي حروف المضارعة وهي موجودة بعد دخولها أيضا لكنه إذا دخل عليه الناصب والجازم لم يبق هذا الرفع.
تم