النوع الثاني عشر
أفعال المدح والذم
أي: لما فرغ المصنف عن بيان أفعال المقاربة شرع في بيان أفعال المدح والذم.
فإن قيل: لم قدم المصنف أفعال المدح والذم على أفعال القلوب؟
قيل: إن أفعال المدح والذم تعمل الرفع وأفعال القلوب تعمل النصب.
فالعمدة أفضل من الفضلة - فعامل العمدة أفضل من عامل الفضلة فالأشرف مقدم على غير الأشرف.
فلهذا قدم المصنف أفعال المدح والذم على أفعال القلوب.
وهي ما وضعت لإنشاء مدح أو ذم – ترفع الاسم المعرف باللام. والمضاف للمعرف باللام.
وهي أربعة:
الأول: نعم
فيه أربع لغات:
الأولى: فتح النون وكسر العين. نحو: نعم.
والثانية: فتح النون وإسكان العين نحو: نعم.
والثالثة: كسر النون مع إسكان العين نحو: نعم
والرابعة: كسر النون والعين، نحو: نعم
والمشهور هي اللغة الثالثة – هي كسر النون مع إسكان العين: نحو: نعم الرجل زيد.
فنعم: من أفعال المدح.
والرجل: مرفوع على أنه فاعل نعم.
وزيد: مخصوص بالمدح، على هذا التقدير – نعم الرجل زيد – جملة واحدة.
ويقال: نعم من أفعال المدح والرجل فاعل نعم.
وزيد: خبر مبتدأ محذوف تقديره – نعم الرجل هو زيد – فعلى هذا التقدير: نعم الرجل زيد جملتان.
الأولى: جملة فعلية.
والثانية: جملة اسمية مستأنفة بيانية جواب لسؤال مقدر – لأنه إذا قيل: نعم الرجل – فكأن السائل سأل: من هو؟ فقيل في جوابه: هو زيد.
والثاني: بئس
أصله بئس ثم خففت الهمزة بحذف كسرها نحو:
بئس الرجل عمرو.
فبئس: من أفعال الذم – والرجل فاعل بئس.
وعمرو: مخصوص بالذم فعلى هذا التقدير بئس الرجل عمرو جملة واحدة-
وإذا قيل: بئس الرجل هو عمرو – فجملتان.
الجملة الأولى: فعلية.
والجملة الثانية: اسمية مستأنفة بيانية جواب لسؤال مقدر – لأنه إذا قيل: بئس الرجل – فقيل من هو؟
قيل في جوابه: هو عمرو.
وأما المثال للمضاف: فقولك:
بئس غلام الرجل عمرو.
فعلى هذا التقدير جملة واحدة – وإذا قيل: بئس غلام الرجل هو عمر – فعلى هذا التقدير جملتان.
وقد يكون فاعل نعم مضمرا، مميزا بنكرة منصوبة مفردة نحو: نعم رجلا أنت.
ففاعل نعم الضمير المستتر فيه.
ورجلا: مفرد منصوب على أنه تمييز.
وأنت: مخصوص بالمدح
أو مميزا بنكرة منصوبة مضاف إلى نكرة نحو: نعم صاحب رجل أنت
أو مضافة إلى معرفة نحو: نعم صاحب زيد أنت.
أو إضافة لفظية نحو: نعم حسن الوجه زيد.
وقس عليه:
بئس حسن الوجه عمرو.
وبئس صاحب زيد عمرو.
وبئس صاحب رجل زيد.
وقد يحذف المخصوص إلا علم كقوله تعالى {فنعم الماهدون} أي: نحن – لما دل عليه سياق الآية – {والأرض فرشناها فنعم الماهدون}.
{ونعم العبد} أي أيوب.
والثالث: ساء، مثل بئس
نحو: ساء الرجل زيد
مثال الاسم المعرف باللام.
وساء غلام الرجل زيد.
مثال لما أضيف إلى المعرف باللام.
وساء رجلا زيد –
مثلا لما أضمر وفسر بنكرة منصوبة.
وساء صاحب رجل زيد.
مثال لما أضمر وفسر بنكرة منصوبة مضافة إلى نكرة.
وساء صاحب زيد عمرو.
مثال لما أضيف إلى معرفة.
والرابع: حبذا – مثل نعم
وإنما حبذا مثل: نعم – وساء مثل بئس لموافقتهما إياهما معنى – وحبذا: مركب من فعل وفاعل.
وأصل حبذا: من حب الشيء.
أو حب: بفتح الحاء وضمها، بمعنى صار محبوبا.
وأصلها حبب: مضموم العين فسكون العين بحذف الحركة وأدغمت في اللام فصار حب-
أو نقلت ضمة العين إلى الحاء بعد سلب حركة الحاء وأدغمت الباء الأولى في الثانية فصار حب نحو:
حبذا الرجل زيد-
فحب: فعل – وذا: فاعل حب – والرجل: صفة لذا – وزيد: مخصوص بالمدح – أو زيد خبر مبتدأ محذوف تقديره:
حبذا الرجل هو زيد –
وهو زيد: جملة اسمية جواب عن سؤال مقدر.
لأنه: إذا قيل: حبذا الرجل – فكأن السائل سأل: من هو؟ فقيل في جوابه: زيد.
فعلى هذا التقدير يكون: حبذا الرجل زيد جملتان.
أو يقال: زيد: مبتدأ
وحبذا الرجل: خبر مقدم عليه – وأغنى اسم الإشارة غناء الضمير فعلى الاعتبار الأول – والاعتبار الثالث: حبذا الرجل زيد: جملة واحدة – وذا في حبذا لا يتغير عما هو عليه – فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، إذا كان مثنى أو مجموعا أو مؤنثا لجريها مجرى الأمثال التي لا تتغير فيقال:
حبذا زيد
حبذا الزيدان حبذا الزيدون
حبذا هند حبذا الهندان
حبذا الهندات.
حبذا رجلا زيد.
فحب: فعل، وذا: فاعل – ورجلا: منصوب على التمييز، وزيد: مخصوص بالمدح –
وحبذا راكبا زيد.
فحب: فعل – وذا: فاعل.
وراكبا: حال.
وزيد: مخصوص بالمدح.
وقد اختلف في حبذا: أاسم أم فعل؟
فذهب أكثرهم إلى أن المغلب عليه الاسمية – لأن الاسم أقوى من الفعل؛ لأن الفعل مشتق من الاسم –
ولما ركب أحدهما على الآخر كان الغالب هو الأقوى.
وذهب الآخرون إلى أن المغلب عليه الفعلية لتصدره بها.
وذهب الآخرون إلى أنه لا يغلب عليه اسمية ولا فعلية ولا غلبة لأحدهما.
وقولك حبذا زيد.
فقد ذكر في ارتفاع المخصوص هنا وجوه:
الأول: أن يكون حبذا مبتدأ – وزيد: خبره.
وهذا إنما يتأتى على قول من يغلب على الاسمية.
والثاني: أن يكون ذا مرفوعا – بحب ارتفاع الفاعل بفعله – وزيد: بدل منه – كأنه قيل: حب زيد.
والثالث: أن يكون زيد خبرا لمبتدأ محذوف – كأنه قيل: لما قيل: من المحبوب؟ فقيل: زيد – أي: هو زيد.
والرابع: أن يكون زيد مبتدأ – وحبذا: خبره مقدما عليه.
وقد أغنى اسم الإشارة غناء الضمير فيمن جعله جملة – وفيمن جعله اسما مفردا – فلا إشكال. والخامس: أن يرتفع بفاعلية حبذا – وهذا لا يكون إلا فيمن يغلب عليه الفعلية.
وقال بعضهم في: حبذا زيد.
زيد: فاعل حب – وذا: زائدة.