حكم قول قوس قزح .....
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاءني إيميل قبل فترة من أحد الأصدقاء عن حكم قول قوس قزح وذكر حديثا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم ذكر كلاما للنووي وابن القيم - رحمهما الله - في كراهة إضافة القوس لقزح، فبحثت على الحديث فوجدت أن الشيخ الألباني ذكره في السلسلة الضعيفة وحكم عليه بالوضع، وكذلك ذكره قبله ابن الجوزي في كتابه الموضوعات، والسيوطي في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث ، الموضوعة، والشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، وغيرهم، فأردت أن أنشره وأرسله للفائدة، ومن كان له تعليق أو فائدة فلا يبخل بها لتتم الفائدة.
(قال الشيخ الألباني- رحمه الله- في المجلد الثاني( ص 264) حديث رقم( 872
- " لا تقولوا قوس قزح ، فإن قزح شيطان ، ولكن قولوا : قوس الله عز وجل ، فهو أمان لأهل الأرض من الغرق " .
موضوع .
أخرجه أبو نعيم ( 2 / 309 ) والخطيب ( 8 / 452 ) من طريق زكريا بن حكيم الحبطي عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس مرفوعا . وقال أبو نعيم : " غريب من حديث أبي رجاء ، لم يرفعه فيما أعلم إلا زكريا بن حكيم " .
قلت : وفي ترجمته ساقه الخطيب ثم عقبه بقول ابن معين فيه وكذا النسائي : " ليس بثقة " . وقال ابن حبان ( 1 / 311 ) : " يروي عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم ، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها " .
والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 1 / 144 ) من رواية الخطيب ثم قال : " لم يرفعه غير زكريا ، قال فيه يحيى والنسائي : ليس بثقة ، قال أحمد : ليس بشيء ، قال ابن المديني : هالك " . وتعقبه السيوطي في " اللآلي " فقال ( 1 / 87 ) : " قلت : أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ، قال النووي في " الأذكار " : يكره أن يقال : قوس قزح ، واستدل بهذا الحديث ، وهذا يدل على أنه غير موضوع " .
قلت : وهذا تعقب يغني حكايته عن رده ! لأن الحديث في " الحلية " من هذه الطريق التي فيها ذلك الهالك المتفق على تضعيفه ، فمثله لا يكون حديثه إلا ضعيفا جدا ، فكيف يستدل به على حكم شرعي وهو الكراهة ؟! بل لا يجوز الاستدلال به عليه ولوفرض أنه ضعيف فقط ، أي ليس موضوعا ولا ضعيفا جدا ، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بالحديث الضعيف اتفاقا .
وما أرى النووي رحمه الله تعالى أتي إلا من قبل تلك القاعدة الخاطئة التي تقول : " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال " ! وهي قاعدة غير صحيحة كما أثبت ذلك في مقدمة كتابنا " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " ، ولعله يطبع قريبا إن شاء الله تعالى ، فإنه - أعني النووي - ظن أن الحديث ضعيف فقط ! وهو أشد من ذلك كما رأيت . والله المستعان .
ومن مساويء هذه القاعدة المزعومة إثبات أحكام شرعية بأحاديث ضعيفة ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا وحسبك منها الآن هذا الحديث ، بل إن بعضهم يثبت ذلك بأحاديث موضوعة اعتمادا منه على تضعيف مطلق للحديث من بعض الأئمة ، بينما هو في الحقيقة موضوع ، ولا ينافي القول به الاطلاق المذكور . وهذا باب واسع لا مجال لتفصيل الكلام فيه في هذا المكان .
هذا ويغلب على الظن أن أصل الحديث موقوف ، تعمد رفعه ذلك الهالك ، أو على الأقل المتقدم عن ابن عباس موقوفا عليه ، وقد رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 85 - 86 ) من طريق أخرى عنه موقوفا عليه مختصرا بلفظ : " إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق " . ورجاله كلهم ثقات ، وقال الحافظ ابن كثير في " البداية " ( 1 / 38 ) : " إسناده صحيح " . وفيه عندي نظر لأن في سنده عارما أبا النعمان واسمه محمد بن الفضل وكان تغير بل اختلط في آخر عمره .
ويؤيده أيضا أن ابن وهب رواه في " الجامع " ( ص 8 ) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 1 / 176 - 177 ) من حديث علي موقوفا عليه أيضا .
ثم رواه ابن وهب عن القاسم بن عبد الرحمن من قوله . وإذا ثبت أن الحديث موقوف ، فالظاهر حينئذ أنه من الإسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب ، وموقف المؤمن تجاهها معروف ، وهو عدم التصديق ولا التكذيب ، إلا إذا خالفت شرعا أو عقلا . والله أعلم . اهـ. انتهى كلام الشيخ الألباني - رحمه الله - .
وأما كلام ابن القيم فذكره في زاد المعاد(2/472) في فصل في ألفاظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن تقال فقال كراهةُ أن يقول: قَوْسُ قُزَح، لِهذَا الذى يُرى فى السَمَاء.
وقد بوب البخاري في كتابه الأدب المفرد بباب :قوس قزح، وأود فيه قول ابن عباس رضي الله عنه برقم (765) : المجرة باب من أبواب السماء وأما قوس قزح فأمان من الغرق بعد قوم نوح عليه السلام
وهذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الأدب المفرد، ثم ذكر البخاري بعد ذلك قولا آخر لابن
عباس برقم (767) وهو : القوس أمان لأهل الأرض من الغرق. وهذا القول صححه الشيخ الألباني
وقد ذكر بعض أهل اللغة في سبب إضافة كلمة قوس لقزح أربعة معاني: الأول: أن قزح اسم شيطان ويذكرون الحديث السابق الموضوع.
الثاني: أن قزح جمع قُزْحة بضم القاف وسكون الزاي ومعناه الطرائق والألوان التي في القوس.
الثالث: أن قزح اسم جبل في مزدلفة لأنه أول مرة رأو فيه هذا القوس كان على هذا الجبل فنسب إليه.
الرابع: أن قزح اسم ملك من الملائكة موكول به، وهذا لم يذكر له دليل.
وكذلك فإن كل من كره استعمال هذا اللفظ ذكر الحديث السابق ولم يذكر غير ذلك من الأدلة، وعليه فلا وجه لكراهته حتى يثبت نصاً صحيحاً في ذلك، والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
..
منقــــــــــــــــول