فوائد مستخرجة من سورة الناس
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين هذه بعض الفوائد المستخرجة من سورة الناس :
1) في نصوص الوحي من القرآن والسنة مما يستدفع به الإنسان الشر ويستجلب به الخير في الذكر والدعاء ما يغني عن غيره من كلام البشر القاصر الذي لا ينفعه بل وقد يضره , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين الفلق والناس : " ما تعوذ بمثلهما " , وقال لرديفه الذي قال : " تعس الشيطان " عندما عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقل تعس الشيطان , فإنك إذا قلت : تعس الشيطان , تعاظم , وقال : بقوتي صرعته , وإذا قلت : بسم الله , تصاغر حتى يصير مثل الذباب .
2) لم يكلف الله الإنسان ما لا طاقة له به , فجعله أمام عدوه بلا سلاح , أو وكل أمر محاربته لنفسه الضعيفة العاجزة , أو تركه جاهل لا يعلم عدوه وأدواته وأسلحته , لكنه أخبره بعدوه وسلاحه الوسوسة وأخبره بما يقابله من الاستعاذه منه واللجوء له , حتى أنه لقنه تلقيناً فقال له عز وجل , ( قل أعوذ برب الناس )الخ السورة
وفي الاستعاذه بهذه السورة لطائف غنية عن الحصر لا يستوفيها عقل الإنسان القاصر نشير إلى بعضها فقط ولاشك أن النفع من الذكر يكون بحسب ماقام في القلب :
3) بدأ سبحانه وتعالى في هذه السورة بطلب الاستعاذة ب ( رب الناس ) ربهم القائم بما يصلح له أمورهم المدبر لهم شؤونهم , الذي رباهم بنعمه منذ أن كانوا اجنة في بطون أمهاتهم , و ما من خير حصلوا عليه بأسباب تحصيله أو أتاهم دون سعي إلا بأمره وفضله , وما من شر صرف عنهم أو ضرر رفع عنهم إلا بلطفه ورحمته , وأضاف الربوبية للناس مع أنه رب كل العالمين ليخبرك أيها الإنسان المستعيذ به أن الرب الذي دفع عنك كل الشرور بتربيته وحمايته وحفظه منذ أن كنت جنين في بطن أمك هو الذي سيدفع عنك هذا الشر فطمئن له وثق به .
4) ثم عطف سبحانه وتعالى عطف بيان بالآية التي بعدها ( ملك الناس ) وفي استشعار هذا المعنى للمستعيذ زيادة إيمان وثقة بعصمة الله له من عدوه . فهو يستعيذ بمن له كمال الملك والتصرف فيه وفي عدوه والمستعيذ عبد مملوك مفتقر لحماية ونصرة من له تمام السلطان والقهر على عدوه المعتدي الظالم .
5) ثم كانت الآية التي بعدها ( إله الناس ) وهي عطف بيان أيضاً ل ( رب الناس ) وفي هذه الآية معاني أخرى أيضاً للمستعيذ , فهو إن كان ربك الذي رباك بما يصلح أمرك ويقيم شانك ومالكك الحقيقي المتصرف فيك المدبر لك ومن له السلطة العليا والقوة المطلقة التي لا تقهر ولا تغلب ,فهو وحده المستحق للجوئك واعتصامك واستعاذتك وهو وحده من ترجوه وتتأمله أن ينصرك على عدوك ويدفع عنك شره وكيده .
6) وفي هذه الإضافات في الآيات السابقة ( رب الناس ) ( ملك الناس ) ( إله الناس ) انتقال من العام للخاص فهو رب كل مربوب كما يقال : رب الدار ورب المتاع ولأنه ليس كل رب مالك له حق التصرف الكامل , أتى بالبيان ( ملك الناس ) فهو ربك ومالكك الحقيقي , وإن كان هو ربك وموجدك وخالقك المنعم عليك وهو مالكك المدبر لك وأنت مملوكه الفقير الذي يجب عليك طاعة سيدك واتباع أمره واجتناب نهيه اقتضى ذلك أن يكون هو وحده إلهك ومعبودك . فمقتضى الملك يستلزم العبودية لذا أتى بعد ( ملك الناس ) بقوله : ( إله الناس ) .
7) أظهر سبحانه لفظ الناس ولم يضمره فلم يقل , ملكهم وإلههم , لزيادة التكريم والرعاية والعناية , ولأن المستعاذ منه الوسواس الذي يوسوس في صدورهم , وفيه تقوية رجاء للمستعيذ أنه بربوبية الله وملكه وبعبوديتك له سيحميك من عدوك ويعيذك منه .
8) الوسواس اسم فاعل مشتق من مصدر الوسوسة لأنها صنعته وصفته التي لا تنفك عنه وهو الشيطان وبما أنه جاثم على قلب الإنسان فهو يعود ليوسوس مرة بعد مرة , إنما يخنس ويختفي بذكر الله وإذا غفل الإنسان وسها عاد , والوسوسة : هي خواطر ومعاني وأفكار ضارة يلقيها الشيطان على قلب الإنسان على وجه التكرار , مثل حروف الكلمة ( الوسوسة ) المكررة . وأصلها الصوت الخفي ومنه قيل : لأصوات الحلي وسواس .
9) ابتلي الإنسان بهذا العدو الجاثم على القلب , الذي لا تنقطع وساوسه الضارة وخواطره الشيطانية وأفكاره الخبيثة إنما تخنس لتعود مرة ثانية , فأخبرنا الله سبحانه بمن هذا وصفه لنقابله بدوام الاستعاذة والذكر , فكما هو لا يمل الباطل ولا يفتر من عمل الشر وهو قد علم مصيره البائس في هذا الطريق ,على المؤمن المثاب المأجور الموعود بالرحمة أن لا يتعب ولا يتكاسل عن مقابلة وسوسته بالاستعاذة ودوام الذكر .
10) قرن الله سبحانه وتعالى بين الجنة والناس في المستعاذ منه ليعُلم أنه يتساوى مع الشيطان في الشر كل من عمل بعمله وسعى سعيه من الناس .
11) العدو الظاهر أخف ضرراً من العدو الباطن الذي يجري مجرى الدم من الإنسان , فالذي تراه قد يكون أيسر لك دفع ضرره عنك وقد تبينت لك عداوته , أما العدو الموسوس في نفسك قد يصعب عليك التعرف على شره وهو من خبثه يورد على النفس من الخواطر الضارة الذي تميل له وتهواه .
12) لعظم مضرة هذه الوساوس الشيطانية على دين العبد ,التي يلقيها على وجه التكرار حتى تتقبلها نفسه فيستجيب لها جعل الإستعاذة منها مبنية على ثلاث صفات من صفات المستعاذ به وهو قوله سبحانه : ( رب الناس * ملك الناس * إله الناس )
هذه بعض الفوائد القاصرة أستقيتها من معاني وألفاظ عظيمة بعظم قائلها , والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين .
المراجع :
الكشاف للزمخشري
التفسير القيم لابن القيم
تفسير ابن كثير
نظمم الدرر في تناسب الآيات والسور لبرهان الدين البقاعي
أضواء البيان للشنقيطي
تفسير جزء عم لابن عثيمين