ما جاء في القرآن على هيئتين في الاستفهام
ومما جاء في القرآن على هيئتين في الاستفهام فوقع مع أحدهما التبيين، ولم يقع مع الآخر، على أن يخرج الاستفهام فيهما جميعا مخرج التقرير والتعظيم، قوله تعالى: {وما أدراك} و{وما يدريك}.
فمما كان من قوله" (يدريك) بغير مبين ما هو في القرآن، وأكثر ما جاء في قوله" {وما أدراك ما هيه}، ثم قال: {نار حامية} وقال: {وما إدراك ما يوم الدين} ثم قال: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا} وقال:{وما أدراك ما القارعة. يوم يكون الناس} الآية.
وقال: {وما أدراك ما الحطمة. نار الله الموقدة} {وما أدراك} الآية، وقال: {وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر} ثم قال في الحاقة: {وما أدراك ما الحاقة}، ولم يقع بعد ذلك تفسير.
ومجاز هذه عند أهل النظر حذف الخبر لعلم المخاطب، يريد تعظيم الأمر كقولك: لو رأيت فلانا، وفي يده السيف. أي لرأيت بارعا، فاستغنى عن ذلك.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على المنبر فسقى، فقال: ((يا أبا طالباه لو رأيت ابن أخيك إذ تقول:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه)) ولم يقل: لرأيت ما يسرك.
وفي القرآن: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} ثم قال: {بل لله الأمر جميعا}، فخبره، عند المفسرين: لكان هذا القرآن، وكان جواب قولهم: {ائت بقرآن غير هذا أو بدله}.
وعلى حذف الخبر كقول الراجز:
لو قد حداهن أبو الجودي = برجز مسحنفر الروي
مستويات كنوي البرني
وقال:
إن محلا، وإن مرتحلا وإن في السفر إذ مضوا مهلا
يريد: إن لنا، فحذف لعلم السامع.
وكل شيء جاء في القرآن: {وما يدريك} فغير مشروح خبره. فمن ذلك: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} و{ما يدريك لعله يزكى}. وأما قوله: {وما تدري نفس}. فليس من هذا، لأن (ما) ههنا نافية، و(ما) قبله كان استفهاما.