دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 04:26 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

(فروض): الفروض جمع فرض وهو في اللغة: القطع والحز.
أما اصطلاحاً: فهو ما أمر به الشارع على وجه الإلزام.
فإذن هو مرادف للواجب وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة وغيرهم بل هو مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين.
ـ وذهب الإمام أحمد في رواية وهو مذهب أبي حنيفة إلى أن الفرض أكثر من الواجب ، فالفرض عندهم: ما ثبت بدليل قطعي.
ـ فعلى القول الأول ـ وهو قول الجمهور ـ تسمى الصلاة فرضاً وكذلك الزكاة ، وكذلك إعفاء اللحية يسمى فرضاً: أي سواء ثبت بدليل قطعي كالصلاة أو ثبت بدليل ظني كإعفاء اللحية ونحوها من الواجبات.
ـ أما على القول الثاني: فالصلاة تسمى فرضاً ، لكن مثل إعفاء اللحية ونحوه يقال: واجب.
ـ وهذا في الحقيقة أولى ؛ لأن هذا الإصطلاح ـ ولا مشاحة في الإصطلاح ـ فيه تمييز بين الواجبات نفسها.
فالأظهر هو القول بالتفريق بين الواجب والفرض ، وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة.

قال المصنف ـ رحمه الله ـ: (فروضه ستـة):
يريد بالفروض هنا: أركان الوضوء ، وذلك لأن ما ذكره المؤلف من هذه الست كلها جزء من ماهية الوضوء ، وجزء الشيء ركنه.

قوله: (( غسل الوجه)):
هذا هو الفرض الأول ، ودليله قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) وهذا بالإجماع وسيأتي مزيد تفصيل له عند الكلام على صفة الوضوء.
قوله: (( والفم والأنف منه )):
أي المضمضة والاستنشاق ، فعلى ذلك المضمضة والاستنشاق فرض ؛ لأنهما من الوجه، فالوجه ما يواجه به وهذه الأعضاء تتم بها المواجهة كما تتم المواجهة ببقية أجزاء الوجه.
ـ وهذا الكلام فيه نظر ، فالأظهر: أن الفم والأنف ليسا من الوجه حقيقة ، وذلك لأنهما وإن كانا في الظاهر من الوجه لكن الذي يتم تغسيله إنما هو باطنهما ولا شك أن الباطن ليس مما يواجه به.
كما أنهم لم يوجبوا تخليل اللحية الكثيفة وأوجبوا غسل ظاهرها ، مع أن اللحية مما يواجه به ، فأوجبوا غسل ظاهرها ؛ لأنه من الوجه ولم يوجبوا غسل باطنها وكذلك هنا: فالأنف والفم غسل ظاهرهما يجب بالإجماع.
ـ أما باطنهما ، فالراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة من وجوب المضمضة والاستنشاق لكن ليس للتعليل الذي ذكره وإنما للأدلة الشرعية الدالة على ذلك منها:
ـ ما ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) ([1]) فهو فيه إيجاب الاستنشاق لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم والأصل في الأمر الوجوب.
ـ وأما المضمضة فدليلها: ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـقال: (إذا توضأت فمضمض) ([2]) فهذا أمر والأمر للوجوب.
ـ ولم يصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث البته ـ كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم ـ أنه ترك المضمضة والاستنشاق.
ـ وذهب جمهور أهل العلم إلى أن المضمضة والاستنشاق ليسا بواجبين وإنما سنتان.
قالوا: لأن الله ـ عز وجل ـ في الآية إنما أمر بغسل الوجه ولم يأمر بالمضمضة والاستنشاق ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ـ كما في سنن أبي داود بإسناد صحيح: (توضأ كما أمرك الله) ([3]) ، وليس مما أمر الله به المضمضة والاستنشاق.
وفي هذا الإستدلال نظر ، وذلك لأن ما يأمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو مثل ما يأمر به الله ، كما أن ما يحرمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل ما يحرمه الله ـ كما صح في الحديث ، فقد أمرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمضمضة والاستنشاق ، وداوم على ذلك ولم يصح عنه أنه ترك ذلك البتة ، وقد أمرنا الله بمتابعته وسماع أمره ، فعلى ذلك قوله: (توضأ كما أمرك الله) وقد أمرنا الله بطاعة رسوله ، وقد أمر رسوله بالمضمضة والاستنشاق.
فالراجح: هو ما ذهب إليه الحنابلة من فرضية المضمضة والاستنشاق.

قوله: (( وغسل اليدين )):
وهذا هو الفرض الثاني ودليله قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) ([4]).
وسيأتي تفصيل الكلام على ذلك عند صفة الوضوء.

قوله: (( ومسح الرأس )):
هذا الفرض الثالث وهو مجمع عليه وأنه من أركان الوضوء.

قوله: (( وفيه الأذنان )):
1ـ أي أن الأذنين من الرأس ، فيجب مسحهما كما يجب مسح الرأس ، وهذا هو مذهب الحنابلة.
وذهب جمهور أهل العلم إلى عدم إيجاب ذلك ، ورأوا أن مسح الأذنين من المستحبات المشروعات وليس من المفترضات الواجبات.
ودليل الحنابلة: ما روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (الأذنان من الرأس) رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي أمامة.
ورواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة.
ورواه غيرهم من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأصحها إسناداً ما رواه الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد وهذه الطرق الكثيرة ترتقي بالحديث إلى درجة الصحة، لذا ذهب إليه الإمام أحمد فقال: (إن الأذنين من الرأس) ، فيجب مسحهما كما يجب مسح الرأس.
أما الجمهور: فقالوا: لم يصح هذا الحديث ، فعلى ذلك الأذنان ليسا من الرأس فلا يجب مسحهما وإنما يستحب.
ـ وإذا ثبت لنا الحديث فإننا نقول بإيجاب ذلك ، وهذا القول هو الراجح وهو مذهب الحنابلة من وجوب مسح الأذنين وإنهما من الرأس.

قوله: (( وغسل الرجلين )):
وهذا هو الفرض الرابع ، وهو فرض بالإجماع ، وقد قال تعالى: (فاغسلوا وجوهكم 000 وأرجلكم).

قوله: (( والترتيب )):
الترتيب فرض عند الحنابلة والشافعية.
ودليلهم: أن الله عز وجل في كتابه الكريم قد أدخل الممسوح بين المغسولات ، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فأدخل الله الممسوح بين المغسولات ، فحينئذ: فصل النظير عن نظيره ، وهذا لا فائدة منه إلا الترتيب وفرضيته لأن الآية في ذكر فرائض الوضوء.
ولو أن رجلا قال: (أكرمت زيداً ، وأهنت عمراً ، وأكرمت بكراً) فهذا الكلام من العِيِّ لا من البيان.
وأنه فصل النظير عن نظيره والواجب ألا يفعل ، وأما أن يفصل فهذا من العي.
والله عز وجل ينزه عن ذلك فلا بد من فائده.
لذا استدل به أهل العلم على إيجاب الترتيب ، لأن الله أدخل الممسوح من المغسولات.
ولا يقال: إن الترتيب مستحب ؛ لأن الآية قررته في سياق الفرض وليس في سياق الاستحباب.
ـ كما أن الله ـ عز وجل ـ لم يرتب الأعضاء الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب بل رتبه هكذا مختلفة ، وذلك لا فائدة منه إلا إيجاب الترتيب.
ـ ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصح عنه أنه توضأ غير مرتب أبداً ، كما قرر هذا ابن تيمية وابن القيم والنووي وغيرهم.
فالراجح: هو إيجاب الترتيب.
·فلو أن رجلاً توضأ غير مرتب كأن يمسح الرأس قبل غسل اليدين فإن وضوءه باطل فيجب عليه أن يعيد الوضوء إن كان هناك فاضل.
أما إن لم يكن هناك فاصل فإنه يصح منه غسل اليدين ، فيجب عليه أن يمسح الرأس مرة أخرى.
·فإن توضأ منكساً أربع مرات فهل يصح وضوءه أم لا ؟
بمعنى: غسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه ثم غسل وجهه وفعل ذلك أربع مرات.
قالوا: يصح وضوؤه ؛ لأن كل وضوء من هذه الوضوءات المنكسة يصح منها عضو واحد.
فعلى الوضوء الأول يصح غسل الوجه ، وفي الوضوء الثاني يصح غسل اليدين وفي الوضوء الثالث يصح مسح الرأس وفي الوضوء الرابع يصح غسل الرجلين. وهي صفة غريبة ولكن ذكرناها للفائدة.
ـ وذهب المالكية والأحناف إلى عدم وجوب الترتيب.

قوله: (( والموالاة وهي أَلاَّ يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله )):
هذا الفرض السادس من فروض الوضوء.
وهنا: ذكر فرضية الموالاة وذكر ضابطها ، فيه مبحثان:
ـ المبحث الأول: في فرضيتها.
(1) ـ مذهب الحنابلة هو فرضية الموالاة ، وأن الموالاة بين الأعضاء فرض وهذا مذهب المالكية.
واستدلوا: بما ثبت في المسند بإسناد جيد كما قال الإمام أحمد وصححه ابن كثير ، وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: رأى رجلاً يصلي وعلى قدمه لمعة قدر درهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة) ([5]).
ووجه ذلك: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يأمره أن يكتفي بغسل هذه البقعة التي لم يصبها الماء بل أمره أن يعيد الوضوء كله ، فلو لم تكن الموالاة واجبة لاكتفى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يغسل هذا المأمور البقعة التي لم يصبها الماء.
ـ وقد ثبت في مسلم: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (إرجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى([6])).
فهنا قوله: (فأحسن وضوءك) يفسره بالرواية المتقدمة وفي رواية لأحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن ذلك التفسير يقوي هذه اللفظة: (ثم رجع فتوضأ ثم صلى).
قالوا: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المفسر للقرآن بفعله ، لم يثبت عنه أنه توضأ غير موال بل كل وضوئه على الموالاة.
(2) ـ وذهب الشافعية والأحناف إلى أن الموالاة غير واجبة بل هي مستحبة.
ودليلهم: أنه لم يثبت في الآية المتقدمة ، وقد قال تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق 00) الآية.
والواو لا تفيد التعقيب ، بل لو تَرَاخَى فإنه لا حرج.
ـ لكن تقدم الدليل الدال على ذلك من السنة ، ثم إن القرآن قد فسره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفعله ، وقد تقرر عند الأصوليين أن فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمجمل القرآن يعطي حكم ذلك المجمل.
مثاله: النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً والفجر ركعتين والظهر والعصر أربعاً ، فهذا فعل وهو بيان لمجمل في القرآن ، فيكون فرضاً كما أن قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) ([7]) فرض.
ـ المبحث الثاني: في ضابط الموالاة:
قال المؤلف: (( وهي ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله )): لو أن رجلا غسل وجهه ثم جلس زمناً فغسل يديه هذا الزمن قد جف فيه الماء الذي على وجهه، فحينئذ لا يكون وضوؤه صحيحاً بل يبطل لانتفاء الموالاة.
ـ فإن قيل لهم: لكن الزمان يختلف ، ففي الشتاء يتأخر الجفاف وفي الصيف يكون سريعاً.
قالوا: نقيد ذلك بالزمان المعتدل.
فمثلاً: الزمان المعتدل خمس دقائق لأن يجف الماء عن الوجه فلو لم يجف الماء فجلس خمس دقائق فإنه يكون قد قطع الموالاة ، وفي الصيف ذهب الماء بدقيقة بسبب حرارة الشمس.
فنقول: ينتظر خمس دقائق ؛ لأنه هو الزمان المعتدل.
هذا هو ضابط الحنابلة ، وهو ضابط الشافعية أيضا القائلين باستحباب الموالاة فإنهم يستحبونها وهو ضابطها عندهم.
ـ وهذا الضابط أولاً: لا دليل عليه ، ثانياً: يشق ضبطه فإن عامة الناس لا يمكنهم أن يضبطوا فعل ذلك.
فإيقاع هذا الضابط في الواقع فيه مشقة وعسر.
ـ وذكر بعض أهل العلم ضابطاً آخر وهو أصح منه وهو رواية عن الإمام أحمد ، وقال الخلال فيها: (وهو الأشبه بقوله والعمل عليه) ، والضابط هو: إرجاع ذلك إلى العرف.
فإذا كان هناك فاصل عرفي ثبت عرفاً أنه طويل فإنه تنتفي الموالاة ، وإن كان قصيراً فإن الموالاة لا تنتفي.
مثال: رجل توضأ فلم يغسل عقبيه ، ثم ذهب إلى المسجد فلما دخله أخبره بعض المصلين ، بهذا الموضع الذي لم يصله الماء ، فهذا فاصل طويل عرفاً.
لكن لو أن رجلاً توضأ وبمجرد ما انتهى من الوضوء أخبر أن موضعاً من يديه لم يصبه الماء فإنه فاصل قصير عرفاً فلا يعيد.
فهذا القول هو الأرجح وهو أن ذلك راجع إلى العرف وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها بعض أصحابه.
ـ ومثل ذلك: كل ما لم يثبت في الشرع ولا في اللغة تحديد له فإنه يقيد بالعرف.

فإذن: الموالاة فرض من فروض الوضوء وضابطها: ألا يفصل بنهما بفاصل طويل عرفاً.
ـ فإن قيل: لو أن رجلاً توضأ فغسل وجهه ويديه ثم انقطع عنه الماء بأي سبب من الأسباب ثم بعد ذلك حضر الماء ، بعد فاصل طويل عرفاً ـ فهل يمسح رأسه ويغسل رجليه أم أنه يستأنف ؟
قولان لأهل العلم:
1ـ فالمشهور في مذهب الحنابلة أنه يعيد الوضوء ؛ لأن الموالاة شرط فوجب أن يأتي بها ولا يسقط بالعذر.
2ـ وذهب المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن العذر مسقط للموالاة ، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)([8]) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ([9]).
ـ وأوضح منه في الاستدلال ،ما في الصحيح ـ وسيأتي ذكره إن شاء الله ـ من العمل الكثير في الصلاة ، فإنه يقتل الحية والعقرب ، ونحو ذلك ثم يعود إلى الصلاة.
فهذا قاطع عن الصلاة وهو معذور فيه ومع ذلك فإنه لا يعيد الصلاة بل يبني عليها.
ـ وهذا القول فيه قوة.
ـ والقول الأول: فيه أيضا: فإنه يمكن أن يجاب عما استدلوا به:
بأن قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، أن يقولوا: أنه لا مشقة في إعادة الوضوء ، فإنه لا مشقة في أن يوافق أمر الله عز وجل بالإتيان بالوضوء موالياً ، فليس في ذلك شيء به المشقة.
ـ وأما الإستدلال بقتل الحية ونحوها أثناء الصلاة فيمكن أن يقال: أنه مازال في الصلاة ، فهو يصلي لله وهو مازال في نيته لم يقطع صلاته ، ومازال يتعبد لله بالصلاة وأجيز له أن يتحرك بهذه الحركة التي هي في الظاهر منافية للصلاة لكنها أجيزت من قبل الشارع للضرورة.
ـ ولا شك أن كلا القولين فيه قوة إلا أن الأحوط ما ذهب إليه الحنابلة من أنه لا يسقط بالعذر.
ـ وقيل ذلك النسيان والجهل والإكراه ، فإنه لا يسقط بها.
بل الذي يسقط إنما هو الإثم.
ـ فلو أن رجلاً ترك الموالاة جاهلاً أو ناسياً فإنه لا إثم عليه ولكن يجب عليه أن يعيد الوضوء.
ودليل ذلك ما تقدم من الحديث ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى الرجل الذي في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء أمره أن يعيد الوضوء ولم يستفصل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه أهو ناسي أم لا ، أهو جاهلٌ أم لا ؟
ونحو ذلك: وترك الإستفصال في مقام الإحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما هو مقعد عند الأصوليين فهذه من العمومات.
إذن: الراجح أن الموالاة لا تسقط بالإكراه ولا بالنسيان ولا بالجهل.
ـ وهل تسقط بالعذر أم لا ؟
تقدم البحث في هذا وتقوية كلا القولين وأن الإحتياط ما ذهب إليه أهل القول الأول.
مسألة:
إذا ثبت وجوب الترتيب بين الأعضاء الأربعة ، فهل يجب عليه أن يرتب بين المضمضة والاستنشاق ، وبين المضمضة والاستنشاق والوجه ، وبين المضمضة والاستنشاق وبقية الأعضاء ؟ هل يجب ألا يرتب بين المضمضة والاستنشاق أم لا ؟ فلو أنه استنشق قبل أن يتمضمض فهل يكون فعله جائزاً أم لا ؟.
1ـ قال الحنابلة: فعله جائز ؛ لأنهما من الوجه.
فلو أن رجلاً غسل أعلى الوجه قبل أسفله أو أسفله قبل أعلاه فإنه لا حرج عليه في ذلك.
ووجه صاحب الفروع وهو مذهب لبعض أهل العلم وجوب ذلك ، وهو أظهر ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر بهما ، لم يثبت عنه تقديم الاستنشاق على المضمضة بل كان يتمضمض ثم يستنشق.
فالأظهر: هو إيجاب ذلك كما هو فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أمر بهما وكان على هذه الطريقة في تقديم المضمضة على الاستنشاق.
ـ فإن قدم الوجه على المضمضة والاستنشاق.
قال الحنابلة: لا حرج لأنهما من الوجه.
ـ فإن قدم غيرهما عليهما ، فكان منه أن غسل وجهه ثم غسل يديه ثم مسح رأسه ثم تمضمض واستنشق فهل يكون صحيحاً أم لا ؟
روايتان عن الإمام أحمد وهما قولان في المذهب:
1ـ الأول: أن المضمضة والاستنشاق يجب أن يكونا مع غسل الوجه فحينئذ يجب أن يقدما على غسل اليدين ؛ لأنهما من أجزاء الوجه.
قالوا: وهذا المحفوظ من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيح من حديث عثمان ، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد ، وفي السنن من حديث علي بن أبي طالب.
بأن المحفوظ هو تقديم المضمضة والاستنشاق مع الوجه على بقية الأعضاء.
2ـ الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد أن ذلك جائز وهو مذهب بعض أصحابه.
ودليل ذلك: ما صح في سنن أبي داود من حديث المقدام بن معد يكرب الكندي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (غسل كفيه ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثم تمضمض واستنشق ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) رواه الإمام أحمد وزاد: (ثم غسل رجليه) ([10]).
ورواه الضياء في (المختارة) ، وقد اشترط فيها أن تكون كل الأحاديث التي فيها صحيحة ثابتة ، وقد أورد فيها هذا الحديث.
فهذا الحديث يدل على صحة الرواية الثانية فالحديث إسناده صحيح وهو ثابت.
وهذا يقوي القول المتقدم وأن المضمضة والاستنشاق ليسا من الوجه بل هي عضوان منفردان عنه.
فعلى ذلك إذا قدم غسل اليدين على المضمضة والاستنشاق فإنه يجوز ذلك مادام أنه قد فعلهما لأن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق وبقية الأعضاء ليس بمفترض.
وهذا مذهب أحمد في رواية واختاره طائفة من أصحاب أحمد.
إذن: المضمضة والاستنشاق لها باب آخر في باب الترتيب.
أما تقديم الاستنشاق على المضمضة فالمشهور في المذهب جوازه ، وقد تقدم أن الراجح هو وجوب تقديم المضمضة على الاستنشاق.

وتقديمهما على الوجه وعلى بقية الأعضاء تقدم أن الراجح جواز تقديم بقية الأعضاء على المضمضة والاستنشاق وكذلك يجوز تقديم الوجه على المضمضة والاستنشاق.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (( النية شرط لطهارة الأحداث كلها )):
النية: هي القصد والعزم على الفعل ، ومحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها إلا في الحج لثبوت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلا فالنية محلها القلب وليس للسان فيها مدخل أصلاً.
ـ وأعلم أن الجهر بالنية قد اتفق بالعلماء على بدعيته حتى ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن صاحبه يستحق التعزيز لأنه من البدع المحدثة في الدين.
ـ فإن أسرَّ به ولم يجهر ، ويزيد بالاسرار به أن يتلفظ بلسانه من غير أن يجهر به مثل قراءة القرآن في الصلاة فهل يشرع ؟
ـ المشهور في المذهب مشرعية ذلك ، قالوا: ليواطىء اللسان القلب.
ـ أما الإمام أحمد فإن نصَّه الذي بقي عليه وهو مذهب مالك أن ذلك ليس بمشروع وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه وهو الصواب ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يثبت عنه ذلك ولم يثبت عن أصحابه ، وما كان كذلك فإنه بدعه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فالجهر أو الإسرار بالنية بدعة ، فالنية محلها القلب.
ـ والأصل في النية قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) ([11]) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب وهو حديث عظيم وهو ثلث الإسلام كما قال غير واحد من أهل العلم ، فإن العبادات كلها مبناها على هذا الحديث العظيم.
لذا قال المؤلف: (النية شرط لطهارة الأحداث كلها).
والشرط: هو ما تنعدم العبادة بانعدامه وتبطل بفقدانه ولكن الشرط إذا وجد فلا يلزم وجودها.
فمثلاً: الوضوء شرط من شروط الصلاة ، فإذا فقد أو اختل شرط من شروطه فإن العبادة تكون باطلة ، ولكن إذا وجد الوضوء فليس شرطاً أن توجد الصلاة ، هذا توضيحه.
أما تعريفه فهو: ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
فالنية شرط في العبادات كلها وهي شرط من شروط الطهارة للأحداث كلها.
فإذا توضأ بلا نية كأن يتوضأ للتبريد ونحوه فإن هذا الوضوء باطل ؛ لأنه فقد شرطاً وهو النية ، فهو لم ينو بوضوئه التعبد لله ، وإنما نوى التبريد ونحوه.

قوله: (( فينوي رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها )):
بمعنى: رجل يريد أن يتوضأ فماذا ينوي ؟
قال: ( ينوي رفع الحدث 0000).
وقد تقدم تعريف الحديث وأنه: الوصف القائم في البدن الذي يمنع من الصلاة ونحوها.
ـ فإذا فعل ناقضا من تواقض الوضوء فإنه يكون متصفاً بهذا الوصف ، فإذا توضأ وهو ينوي رفع الحديث فإن حدثه يرتفع ويكون مجزئاً عنه ، وهذا مذهب جماهير العلماء.

قوله: (( أو الطهارة لما لا يباح إلا بها )):
هناك أشياء لا تباح إلا بالطهارة ، مثل الصلاة ومس المصحف ، والطواف على قول ، ونحو ذلك فهذه العبادات لا تصح إلا بالطهارة ، فإذا فعل الطهارة كأن يتوضأ ليصلي أو ليطوف بالبيت أو ليمس المصحف فإن ذلك يجزئ عنه عند جمهور العلماء لأن هذا الفعل منه متضمن لرفع الحدث ؛ لأن هذه الأفعال لا تصح إلا بالطهارة ورفع الحدث.
ـ فلو أن رجلاً تطهر ليمس المصحف ، فيجوز له أن يصلي وغير ذلك من العبادات التي لا تصح إلا بالطهارة ؛ لأنه قد تطهر لما لا يباح إلا بالطهارة.
فإذن: إذا توضأ لما لا تباح العبادات إلا به ، فإن وضوءه صحيح وله أن يصلي فيه وأن يتعبد لله فيه بسائر العبادات.

قوله: (( فإن نَوَى ما تسن له الطهارة كقراءة أو تجديداً مسنوناً ناسياً حَدَثه ارتفع )):
فإذا نوى ما تسن له الطهارة كقراءة القرآن من غير مسٍ للمصحف أو نية ذكر الله عز وجل أو لغيرها من النيات التي تكون لأعمال لا تشترط فيها الطهارة فهل له أن يصلي فيه الصلاة المفروضة وغير ذلك ؟
قال المؤلف: ((نعم يصح أن يصلي فيه الصلاة المفروضة))
ـ وفي قول في المذهب أنه لا يجزئ عنه.
ـ والأصح هو المشهور في المذهب ؛ لأن هذا الفعل متضمن لرفع الحدث.
فإن هذا الوضوء فيه متضمن لرفع الحدث ؛ لأن هذا الوصف القائم بالبدن وهو الحدث يكره له أن يقرأ القرآن وهو عليه فتوضأ بنية قراءة القرآن فيكون متضمناً لرفع الحدث القائم به.
فعلى ذلك: إذا توضأ لما يسن له الطهارة ، فالراجح وهو المشهور في المذهب أنه يجزئ ذلك.

قوله: (( أو تجديداً مسنوناً ناسياً حدثه ارتفع)): فهنا قيَّد التجديد بقيدين:
1ـ القيد الأول: أن يكون مستوناً
2ـ القيد الثاني: أن يكون ناسياً لحدثه.
والمراد بالتجديد: الرجل يكون عليه الوضوء الشرعي الذي يمكنه أن يصلي فيه ونحو ذلك لكنه مع ذلك يستحب له أن يتوضأ وضوءاً آخر وهو التجديد.
وفي البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( كان يتوضأ لكل صلاة ) ([12]).
فتجديد الوضوء سنة.
وأما ما روى الأربعة إلا النسائي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات)([13]) فهو ضعيف.
فالتجديد في الأصل سنة فلماذا قيده هنا بقوله: (مسنوناً).
قالوا: المسنون هو الوضوء الذي فعل بعد وضوء قد صلي فيه.
فعلى ذلك: لو أن رجلاً توضأ لصلاة الظهر ثم توضأ مرة أخرى لها قبل أن يصليها فهذا ليس بمشروع ، فالمسنون إذن هو: التجديد الطارئ على وضوءٍ قد صُلِّيَ فيه.
ـ وقيْده بفيد آخر وهو قوله: (ناسياً حدثه).
فلو أن رجلاً نوى التجديد وهو ذاكر للحدث فإنه لا يجزئ عنه لأنه متلاعب بالشرع ، فكيف ينوي هذه النية وهو ليس على طهارة شرعية ؛ لأنه ذاكر لحدثه فحينئذ لا يكون فعل التجديد الشرعي ، لأن التجديد الشرعي إنما يكون مع ثبوت الوضوء السابق وهذا لا وضوء عليه فحينئذ لا يجزئ عنه.
ـ إذن: إذا ثبت التجديد بهذين الشرطين وهما: أن يكون مسنوناً ، وأن يكون ناسياً لحدثه ، فإنه يرتفع الحدث بمعنى: رجل عليه حدث ، فلما أراد أن يصلي الظهر ظن أنه مازال على وضوئه فتوضأ وهو ناسٍ لحدثه ، فهذا الوضوء منه سنة ؛ لأنه طارئ على وضوئه لصلاة الفجر مثلاً فتَذَكَّر بعد أن انتهى من الوضوء أو بعد الصلاة ، تذكر أنه لا وضوء له سابق فيكون وضوؤه صحيحاً.
هذا هو المشهور في المذهب.
ـ وذهب بعض الحنابلة وهو اختيار أبي الخطاب والقاضي ، ولعله مذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك لا يجزئ عنه.
ـ أما أهل القول الأول: فقالوا: هي طهارة شرعية ؛ لأنه إنما جدد وضوءه وهو ناسٍ لحدثه فحينئذ تكون طهارته طهارة شرعية فمادام كذلك فإنها تجزئ عنه برفع حدثه.
ـ أما أهل القول الثاني: فقالوا: وإن نوى الطهارة الشرعية لكنه لم ينو طهارة ترتفع بها الأحداث ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
وهذا القول أصح.
فالأصح أنه لا يجزئ عنه ـ كما لو تصدق بصدقة بنية أنها صدقة فإنها لا تجزئ عن الزكاة.
فإن النية: تمييز العبادة عن العبادة ، فالنية تمييز غسل العبادة عن غسل التبريد ، وكذلك تميز الطهارة المستحبة عن الطهارة الواجبة.
فهذا قد نوى طهارة شرعية لكنها ليست متضمنه لرفع الحدث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

قوله: (( وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب وكذا عكسه )):
فإذا نوى غسلاً مسنوناً كغسل الجمعة على مذهب جمهور الفقهاء (أجزأ عن واجب) كغسل الجنابة.
مثال: رجل أصبح يوم الجمعة وعليه جنابة فاغتسل ناوياً غسل الجمعة ، فهل يجزئ عن غسل الجنابة ؟.
قالوا: نعم ، وقيده بعضهم: مع نسيان الحدث الأكبر.
إذن: هذا هو المشهور في المذهب وأنه إذا اغتسل بنية الغسل المسنونة كغسل الجمعة أو غسل العيد ولم ينو رفع الجنابة فإن ذلك يجزئ عنه.
والعلة هي: ما تقدم لأنها طهارة شرعية.
ـ وفي هذا ضعف كما تقدم.
ـ فالأرجح: وهو قول للحنابلة أنها لا تجزئ لحديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا قد تطهر طهارة لا ترفع بمثلها الأحداث وإنما تطهر طهارة مستحبه لا تطرأ على الأحداث فترفعها فهي طهارة مسنونة.
فالراجح: أنها لا تجزئ عنه.
وقد روى ابن حبان بإسناد حسن: ( أن أبا قتادة رأى إبنه وهو يغتسل يوم الجمعة ، فقال: (إن كنت على جنابة فأعد غسلاً آخر ) ([14]).
قوله: (( وكذا عكسه )):
رجل عليه جنابة وهو في يوم جمعة فاغتسل عن الجنابة فهل يجزئ عنه في غسل الجمعة أم لا ؟
قالوا: نعم يجزئ عنه.
واعلم أن العلماء قد اتفقوا على أنه إذا نواهما معاً فإنه يجزئ عنه.
أما هذه المسألة فتبحث فيما إذا انفرد بأحد النيتين ، ففي المسألة السابقة إذا انفرد بنية غسل الجمعة.
وفي هذه المسألة إذا انفرد بنية رفع الجنابة فهل يجزئ عنه ؟
قالوا: نعم يجزئ عنه.
وفي هذا نظر ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا لم ينو غسل الجمعة فلا يجزئ عنه ، وهو قول في المذهب.
فلا تصح العبادة إلا بالنية وغسل الجمعة عبادة ولم ينوه فلا يجزئ عنه.

قوله: (( وإن اجتمعت أحداث توجب وضوءاً أو غسلاً فنوى بطهارته أحدهما ارتفع سائرها )):
مثاله: رجل عليه ناقضان ، ناقض بخارج من السبيلين ، وناقض بالنوم. فتوضأ بنية رفع الحدث الناتج عن الخارج من السبيلين ، فهل يرتفع حدثه مطلقاً أم يبقى الحدث المترتب على النوم ؟
قال المؤلف: (( إرتفعت سائرها ))
قالوا: لأنها ذات حكم واحد ، وهي متداخلة في هذا الباب فإذا ارتفع أحدها ارتفع سائرها فأصبح طاهراً مطلقاً.
ـ ولكن قيده بعض الحنابلة بقيد غريب وهو: (بشرط إلا ينوي عدم ارتفاع غيره).
بمعنى: رجل توضأ وقال: هذا عن حدث النوم وليس عن حدث الخارج عن السبيلين.
ـ وهذا في الحقيقة الذي ينوي هذه النية ليس محلاً للبحث ؛ لأنه ليس أهلاً للتكليف ، فمثل هذا الفعل لا يصدر في الحقيقة عن مكلف فضلاً أن تكون مسألة ولكنها في الحقيقة من غرائب العلم.
ولو قيل بمثلها وتوقع وقوعها في المكلف فالأصح أنه يرتفع حدثه وإن نوى عدم ارتفاع غيره.
لأن الحكم ليس إليه في رفع الأحداث ، وإنما إلى الله ـ عز وجل ـ فمادام أنه توضأ الوضوء الشرعي عن الحدث وإن نوى عدم ارتفاع بعضها فترتفع سائرها.

قوله: (( ويجب الإتيان بها عند أول واجبات الطهارة وهو التسمية )):
تقدم أن النية واجبة وشرط ، فإذا ثبت هذا فيجب أن يشمل النية سائر فرائض الوضوء. وأول فرائضه التسمية ، فيجب أن تكون النية سابقة للتسمية.
ـ فإذا قلنا بفرضية التسمية ، ثم سمَّى ولم ينو بعد ثم نوى فإنه لا تجزئ عنه ؛ لأن هذا الفرض وهو التسمية الذي يختل الوضوء باختلاله لم تثبت فيه النية فيكون حينئذ باطلاً.
وهذه المسألة يدل عليها حديث: (إنما الأعمال بالنيات).
فإذن: يجب أن تشمل النية سائر فرائض الوضوء.
كما لو أنه كبَّر تكبيرة الإحرام ثم نوى الصلاة بعد ، فإنها لا تجزئ عنه ، فكذلك هنا.
إذن: يجب عليه أن ينوي قبل البداءة بفرائض الوضوء.
ـ وإذا قلنا إنهما ـ أي المضمضة والاستنشاق ـ ليسا بواجبين فيجب عليه أن ينوي قبل غسل الوجه.
ـ فأول الفرائض عند الجمهور خلافاً للحنابلة هو غسل الوجه.
فيجب عليه ـ حينئذ ـ أن ينوي قبل غسل الوجه.
إذن: يجب أن تشمل النية فرائض الوضوء كلها.
ـ فإن قدمها بزمن يسير عرفاً فلا يضر ما لم يقطعها بمعنى: لا تشترط في النية أن تكون ذلك بمجرد بدئه بل لو قدمها بزمن يسير فلا حرج ما لم يقطع النية.
ـ وذهب بعض فقهاء الحنابلة كالقاضي ـ إلى أنه لو قدمها بزمن كثير فإن ذلك لا يضر ما لم يقطعها ، وهذا قول قوي.

قوله: (( وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب )):
تقدم أنه يجب عليه ذلك قبل فرائضها.
ويسن له عند أول مسنوناتها إن وجد قبله واجب كغسل الكفين قبل المضمضة والاستنشاق ، فإن قلنا إن التسمية ليست بواجبه فإنه يسن له أن ينوي قبل التسمية لتدخل التسمية وهي مسنونة في النية.
ـ وإن قلنا إنها واجبة فإن غسل الكفين قبل التسمية فيستحب له أن ينوي.
إذن: إذا كانت السنة في أول الوضوء قبل الواجبات فيسن له أن ينوي قبلها لتدخل السنن والمستحبات في السنة ، لأنها عبادات ولا تصح العبادة إلا بالنية.
فمثلاً: لو أن رجلاً غسل كفيه ثم سمَّى ثم تمضمض أو استنشق ، وهكذا لكنه قبل غسل الكفين لم ينو فإنه لا يثاب على ذلك ، فالمشروع له أن ينوي.
ـ هذا على تقدير وجود السنة قبل الواجب.
وإلا فالواجب أن يبدأ أولاً بالتسمية حتى يثبت له غسل الكفين.
لأن غسل الكفين قبل التسمية لا حكم له في الأظهر (بناء على ترجيح وجوب التسمية وقد سبق خلافه).
ـ فإذن: إذا قدر وجود سنة قبل فرائض الوضوء فإنه يسن أن ينوي قبلها لتدخل هذه السنة في النية ، فيثاب عليها.

قوله: (( واستصحاب ذكرها في جميعها ، ويجب استصحاب حكمها )):
قوله: (( واستصحاب ذكرها في جميعها)): المراد بالذكر التذكر.
فهنا: يسن له أن يستصحب التذكر بمعنى: يكون قلبه متذكراً أنه إنما يتوضأ لله ولإقامة الصلاة.
هذا هو السنة لتكون أفعاله كلها متعلقة بالنية لله عز وجل.
ـ هذا مستحب وليس بواجب ، فلو غفل عن تذكر النية فإنه لا يضره.
ـ بمعنى: رجل نوى الوضوء ثم غفل عن النية واستمر في الوضوء فإنه لا يضره ذلك باتفاق العلماء ، إذ لا يشترط تذكر النية بل هو مستحب لتكون أفعاله متعلقة بنيته.
ولكن قال : (( ويجب استصحاب حكمها)): هذا هو الواجب أن يستصحب حكمها ، والمراد بحكمها نية إبقائها وعدم قطعها ، فينوي الوضوء ويستمر فيه حتى ينتهي منه من غير أن ينوي أن يقطعه.
ـ رجل لمَّا غَسَّل وجهه وغسل يديه نوى أن يقطع الوضوء فقطع النية ، فإنه ـ حينئذ ـ يبطل وضوؤه ؛ لأنه قطع النية بقطع حكمها.
وأما إذا لم ينو قطع ذلك فإن وضوءه صحيح.
إذن: لا يشترط تذكر النية وإنما يشترط استصحاب حكمها.
إذن: يشترط في النية أن يبقى مستصحباً لحكمها وهو نية عدم قطعها والبقاء عليها.
فإن خالف فإن وضوءه يَبطُل بذلك.
وأما تذكر النية فإنه مشروع لتبقى أفعاله متعلقة بنيته.
ـ فإن نوى قطع العبادة بعد فعلها فإنه لا يضره باتفاق العلماء ، فإن قطع النية بعد إنتهاء العبادة لا أثر له إجماعاً.
ومثل ذلك الشك فإن الشك بعد العبادة لا يؤثر.
فإذا توضأ ثم شك هل سَمَّى أم لا ؟
فإن هذا الشك بعد العبادة لا يؤثر.
ـ فالشك بعد العبادة وقطع النية ليس لهما أثر باتفاق العلماء.
إذ العبادة أولا صحت فقطع النية لا أثر له بعد رفعها إلى الله وثبوتها.
وأما الشك فإنه طرأ على يقين فإن العبادة إذا انتهت فقد تيقن قبولها فليس له بعد ذلك أن يشك فيها والشك يكون طارئاً على يقين فلا أثر له.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوضوء, فروض

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir