دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الأولى 1431هـ/3-05-2010م, 07:44 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الفصل الثاني: في الجرح والتعديل

الفصل الثاني: في الجرح والتعديل
الفرع الأول: في بيانهما وذكر أحكامهما
الجرح: وصف متى التحق بالراوي والشاهد سقط الاعتبار بقوله، وبطل العمل به.
والتعديل: وصف متى التحق بهما اعتبر قولهما وأخذ به.
ثم التزكية والجرح: هل يشترط فيهما عدد المزكّي والجارح، أم لا؟ فيه خلاف.
قال قوم: لا يشترط العدد في الرواية، ويشترط في الشهادة.
[وقال آخرون: يشترط فيهما].
وقال آخرون: لا يشترط فيهما، والأول أصح، لأن الرواية نفسها تثبت بالواحد، فكان جرحها وتزكيتها أولى.
أما سبب الجرح، فيجب ذكره دون سبب التعديل، إذ قد يجرح بما لا يراه جارحًا، لاختلاف المذاهب فيه.
وأما العدالة: فليس لها سبب واحد، فتفتقر إلى ذكره.
وقال قوم: مطلق الجرح يبطل الثقة، ومطلق التعديل لا تحصل به الثقة، لتسارع الناس إلى البناء على الظاهر، فلابد من ذكر سببه.
وقال آخرون: لا يجب ذكر سببهما جميعًا، لأنه إن لم يكن بصيرًا بهذا الأمر، فلا يصلح للتزكية والجرح، وإن كان بصيرًا، فأي معنى للسؤال؟.
والصحيح: أن هذا يختلف باختلاف أحوال المزكي، فمن حصلت الثقة ببصيرته، وضبطه يكتفى بإطلاقه، ومن عرفت مدالته في نفسه ولم تعرف بصيرته بشرط العدالة، فقد يراجع ويستفسر.
أما إذا تعارض الجرح والتعديل، فإنه يقدم الجرح، فإنه اطلاع على زيادة وصف ما اطلع عليها المعدل ولا نفاها، فإن نفاها، بطلت عدالة المزكي، إذ النفي لا يعلم إلا إذا نفى جرحه بقتل إنسان مثلاً، فقال المعدّل: رأيته حيًا بعده، وحينئذ يتعارضان.
وقال قوم: إن عدد المعدل إذا زاد، قدّم على الجارح، وهو ضعيف، لأن سبب تقدم الجرح إنما هو اطلاع الجارح على مزيد وصف، فلا ينتفي بكثرة العدد.
والتزكية: تكون بالقول أو بالرواية عنه، أو بالعمل بخبره، أو بالحكم بشهادته.
وأعلى هذه الأسباب: صريح القول. وتمامه أن يقول: هو عدل رضي، لأني عرفت منه كيت وكيت، فإن لم يذكر السبب، وكان بصيرًا بشروط العدالة، كفى.
وأما الرواية عن المزكي، فقد اختلف في كونها تعديلاً، والصحيح: أن من عرف من عادته، أو من صريح قوله أنه لا يستجيز الرواية إلا عن عدل، كانت الرواية تعديلاً، وإلا فلا، إذ من عادة أكثرهم الرواية عن كل من سمعوه ولو كلّفوا الثناء عليهم سكتوا.
وأما العمل بالخبر، فإن أمكن حمله على الاحتياط، أو على العمل بدليل آخر، ووافق الخبر، فليس بتعديل، وإن عرف يقينًا أنه عمل بالخبر، فهو تعديل، إذ لو عمل بخبر غير العدل لفسق، وبطلت عدالته.
وأما الحكم بالشهادة، فذلك أقوى من تزكيته بالقول، وأما تركه العمل بشهادته وبخبره، فليس جرحًا، إذ قد يتوقف في شهادة العدل وروايته لأسباب سوى الجرح.
الفرع الثاني: في جواز الجرح ووقوعه
قد عاب بعض من لا يفهم على أهل الحديث الكلام في الرجال، لأنهم لم يقفوا على الغرض من ذلك، ولا أدركوا المقصد فيه، وإنما حمل أصحاب الحديث على الكلام في الرجال، وتعديل من عدّلوا، وجرح من جرحوا، الاحتياط في أمور الدين، وحراسة قانونه، وتمييز مواقع الغلط والخطأ في هذا الأصل الأعظم الذي عليه مبنى الإسلام وأساس الشريعة.
ولا يظنّ بهم أنهم أرادوا الطعن في الناس والغيبة والوقيعة فيهم، ولكنهم بينوا ضعف من ضعفوه، لكي يعرف فتجتنب الرواية عنه والأخذ بحديثه، تورعًا وحسبة وتثبتًا في أمر الدين، فإن الشهادة في الدين أحق وأولى أن يتثبّت فيها من الشهادة في الحقوق والأموال، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلام في ذلك وتبيين أحوال الناس، وهو من الأمور المتعينة العائدة بالنفع العظيم في أصول الدين.
قال ابن سيرين: كانوا في الزمن الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتن سألوا عن الإسناد، ليأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع، فإن
القوم كانوا أصحاب حفظ وإتقان، وربّ رجل وإن كان صالحًا، لا يقيم الشهادة ولا يحفظها.
وكل من كان متهمًا بالكذب في الحديث، أو كان مغفلاً يخطئ كثيرًا، فالذي اختاره أهل العلم من الأئمة: أن لا يشتغل بالرواية عنه.
وقد تكلم جماعة من أهل الحديث في جماعة من أكابر العلماء، وضعفوهم من قبل حفظهم، ووثقهم آخرون لجلالتهم وصدقهم، وإن كانوا قد وهموا في بعض ما رووا، ألا ترى أن الحسن البصري وطاوسًا قد تكلما في معبد الجهنّي وتكلم سعيد بن جبير في طلق بن حبيب. وتكلم إبراهيم النخعي وعامر الشعبي في الحارث الأعور.
وكذلك أيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وسليمان التيمي، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وغير هؤلاء من أئمة الحديث والفقه قد تكلموا في الرجال وضعفوهم.
وعلى ذلك جاء الناس بعدهم، ما زالوا يتكلمون في الرجال ليعرفوا.
كيف والمسلمون مجمعون على أنه لا يجوز الاحتجاج في أحكام الشريعة إلا بحديث الصدوق العاقل الحافظ؟ فيكفي هذا مبيحًا لجرح من ليس هذا صفته، وتبيين حاله، ليعلم عمن تؤخذ الأدلة، وتتلقّى الرواية.
الفرع الثالث: في بيان طبقات المجروحين
الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - جميعهم عدول بتعديل الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يحتاجون إلى بحث عن عدالتهم.
وعلى هذا القول معظم المسلمين من الأئمة والعلماء من السلف والخلف.
وذهب جمهور المعتزلة إلى أن عائشة وطلحة والزبير ومعاوية. وجميع أهل العراق والشام فسّاق بقتالهم الإمام الحق، يعنون عليًا كرم الله ووجهه.
وقال قوم من سلف القدرية: يجب رد شهادة علي، والزبير، وطلحة، مجتمعين ومتفرقين، لأن فيهم فاسقًا لا بعينه.
وقال قوم: تقبل شهادة كل واحد منهم إذا انفرد، لأنه لم يتعين فسقه، أما إذا كان مع مخالفه، ردت شهادته، إذ يعلم أن أحدهما فاسق.
وشك بعضهم في فسق عثمان - رضي الله عنه - وقتلته.
وكل هذا جرأة على السلف تخالف السنة، فإن ما جرى بينهم كان مبنيًا على الاجتهاد، وكل مجتهد مصيب، والمصيب واحد مثاب، والمخطئ معذور، لا ترد شهادته.
وقال قوم: ليس ذلك أمرًا مجتهدًا فيه، فإن قتلة عثمان والخوارج مخطئون قطعًا، لكن جهلوا خطأهم، فكانوا متأولين، والفاسق المتأول لا ترد روايته، وهذا أقرب من المصير إلى سقوط تعديل القرآن للصحابة.

[تعريف الصحابة]
ثم الصحبة من حيث الوضع تنطبق على من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو ساعة، لكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته، ولا حدّ لتلك الكثرة بتقدير، بل بتقريب.
وقيل: هو من اجتمع فيه أمران. أحدهما: هذا. والآخر: أن تكون صحبته طالت معه على سبيل الأخذ عنه، والاتّباع له، لأن من أطال مجالسة العالم، لا على سبيل الاستفادة والاتباع له، لا يدخل في زمرة أصحابه.
ولمعرفة الصحابي طريقان:
أحدهما: يوجب العلم، وهو الخبر المتواتر، أنه صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والآخر: يوجب الظن، وهو إخبار الثقة والنقل الصحيح.
هذا حكم عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - باختلاف الناس فيهم.
وأما من جاء بعدهم فالكلام فيهم يطول، ولا يخلو قوم من عدالة أو فسق، والعدالة قليلة، وأسباب الفسق كثيرة، فكل من عري عن شرط من شروط الرواية أو الشهادة التي تقدم ذكرها، فهو مجروح لا يقبل قوله.
[طبقات المجروحين]
وطبقات المجروحين كثيرة، وقد أوردنا منها في هذا الفرع عشر طبقات، ذكرها الحاكم - رحمه الله تعالى -.
الطبقة الأولى
وهي أعظم أنواع الجرح، وأخبث طبقات المجروحين: الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».
وهي كبيرة من الكبائر، وقد ارتكبها جماعة كثيرة، اختلفت أغراضهم ومقاصدهم في ارتكابها.
فممن ارتكبها، قوم من الزنادقة، مثل المغيرة بن سعيد الكوفي، ومحمد بن سعيد الشامي المصلوب في الزندقة، وغيرهما، وضعوا الأحاديث وحدثوا بها ليوقعوا بذلك الشك في قلوب الناس.
فمما رواه محمد محمد بن سعيد عن أنس بن مالك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي»: «إلا أن يشاء الله» فزاد هذا الاستثناء لما كان يدعو إليه من الإلحاد والزندقة.
ومنهم قوم وضعوا الحديث لهوًى يدعون الناس إليه، فمنهم من تاب وأقر على نفسه.
قال شيخ من شيوخ الخوارج: بعد أن تاب: إن هذه الأحاديث دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيرناه حديثًا.
وقال أبو العيناء: وضعت أنا والجاحظ حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي، فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله، وأبى أن يقبله.
وقال سليمان بن حرب: دخلت على شيخ وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ قال: وضعت أربعمائة حديث، وأدخلتها في برنامج الناس، فلا أدري كيف أصنع؟.
ومنهم جماعة وضعوا الحديث حسبة، كما زعموا يدعون الناس إلى فضائل الأعمال، مثل أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبد الله الجويباري وغيرهم.
قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.
ومنهم جماعة وضعوا الحديث تقربًا إلى الملوك، مثل غياث بن إبراهيم، دخل على المهدي بن منصور، وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة، فروى حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل، أو جناح» قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما قام وخرج، قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «جناح» ولكن هذا أراد أن يتقرب إلينا، يا غلام اذبح الحمام، قال: فيذبح حمامًا بمال كثير. فقيل: يا أمير المؤمنين، وما ذنب الحمام؟ قال: من أجلهن كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل لمأمون بن أحمد المروزي: ألا ترى إلى الشافعي - رحمه الله - وإلى من تبع له بخراسان؟ فقال: حدثنا أحمد بن عبيد الله، حدثنا عبيد الله بن معدان الأزدي، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يكون في أمتي رجل يقال له: محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة، هو سراج أمتي».
ومنهم: قوم من السؤال والمكدين يقفون في الأسواق والمساجد، فيضعون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث بأسانيد صحيحة قد حفظوها، فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد.
قال جعفر بن محمد الطيالسي: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام من بين أيديهما قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال لا إله إلا الله يخلق من كلمة منها طائر منقاره من ذهب، وريشه مرجان، وأخذ في قصة من نحو عشرين ورقة،
فجعل أحمد ينظر إلى يحيى بن معين، ويحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقال: والله ما سمعت به إلا هذه الساعة، قال: فسكتا جميعًا حتى فرغ من قصصه. وأخذ قطعة، ثم قعد ينتظر بقيتها، فقال يحيى بيده: أن تعال، فجاء متوهمًا لنوال يجيزه، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فقال: أنا ابن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان لابد من الكذب، فعلى غيرنا، فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم، قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، وما علمته إلا هذه الساعة، فقال له يحيى: وكيف علمت أني أحمق؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غير هذا، قال: فوضع أحمد كمّه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما.
فهؤلاء الطوائف كذبة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن يجري مجراهم.
الطبقة الثانية من المجروحين
قوم عمدوا إلى أحاديث مشهورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسانيد معروفة ووضعوا لها غير تلك الأسانيد، فركبوها عليها ليستغربوها بتلك الأسانيد.
منهم: إبراهيم بن اليسع من أهل مكة يحدث عن جعفر بن محمد الصادق، وهشام بن عروة، فركب حديث هذا على حديث هذا، وحديث هذا على حديث هذا.
ومنهم: حماد بن عمرو، وبهلول بن عبيد.
الطبقة الثالثة
قوم من أهل العلم حملهم الشّره على الرواية عن قوم ماتوا قبل أن يولدوا، مثل إبراهيم بن هدبة، كان يروي عن الأوزاعي ولم يدركه.
الطبقة الرابعة
قوم عمدوا إلى أحاديث صحيحة عن الصحابة - رضي الله عنهم -، فرفعوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كأبي حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي، روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الشفق هو الحمرة»، والحديث في «الموطأ» عن نافع عن ابن عمر من قوله.
ومثل يحيى بن سلام البصري، روى عن مالك عن وهب بن كيسان عن جابر - رضي الله عنه -، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، إلا خلف الإمام» وهو في «الموطأ» عن وهب عن جابر من قوله.
الطبقة الخامسة
قوم عمدوا إلى أحاديث مروية عن التابعين أرسلوها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزادوا فيها رجلاً من الصحابة.
مثل إبراهيم بن محمد المقدسي، روى عن الفريابي عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي ظبيان، عن سلمان، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: «ليس شيء خير من ألف مثله إلا الإنسان» والحديث في كتاب الثوري عن الأعمش عن إبراهيم مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الطبقة السادسة
قوم الغالب عليهم الصلاح والعبادة. ولم يتفرغوا إلى ضبط الحديث وحفظه، وإتقانه، فاستخفوا بالرواية، فظهرت أحوالهم.
مثل ثابت بن موسى الزاهد، دخل على شريك بن عبد الله القاضي، والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكر متن الحديث، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال: «من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» وإنما أراد بذلك، ثابت بن موسى لزهده وورعه، فظن ثابت بن موسى أنه روى الحديث مرفوعًا بهذا الإسناد، فكان ثابت يحدث به عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وليس لهذا الحديث أصل إلا من هذا الوجه.
الطبقة السابعة
قوم سمعوا من شيوخ، وأكثروا عنهم، ثم عمدوا إلى أحاديث لم يسمعوها من أولئك الشيوخ، فحدثوا بها، ولم يميزوا بين ما سمعوا وبين ما لم يسمعوا.
قال يحيى بن معين: قال لي هشام بن يوسف: جاءني مطرف بن مازن، فقال: أعطني حديث ابن جريج ومعمر، حتى أسمعه منك، فأعطيته، فكتبه عني، ثم جعل يحدث به عن معمر وابن جريج أنفسهما.
الطبقة الثامنة
قوم سمعوا كتبًا مصنفة عن شيوخ أدركوهم، ولم ينسخوا أسماعهم عنهم عند السماع، وتهانوا بها، إلى أن طعنوا في السن، وسئلوا عن الحديث فحملهم الجهل والشره على أن حدثوا بتلك الكتب من كتب مشتراة، ليس لهم فيها سماع ولا بلاغ، وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون.
وهذا النوع مما كثر في الناس، وتعاطاه قوم من أكابر العلماء، اللهم إلا أن تكون النسخة مقروءة على شيخه، أو مقابلة بأصل شيخه، أو أصل مقابل بأصل شيخه، ونحو ذلك من الاحتياط والضبط، فإن ذلك جائز له أن يرويه، لا سيما في هذا الزمان، فإن التعويل على النقل من الكتب والقراءة لما فيها، لا على الحفظ، فإن الحفظ كان وظيفة أولئك الموفّقين السعداء.
وقد تقدم في الباب الأول من هذه المقدمة شرح ذلك مستقصًى.
الطبقة التاسعة
قوم ليس الحديث من صناعتهم، ولا يرجعون إلى نوع من الأنواع التي يحتاج المحدث إلى معرفتها، ولا يحفظون حديثهم، فيجيئهم طالب العلم، فيقرأ عليهم ما ليس من حديثهم، فيجيبون ويقرون بذلك وهم لا يدرون.
قال يحيى بن سعيد: كنا عند شيخ من أهل مكة أنا وحفص بن غياث، فإذا جارية بن هرم يكتب عنه، فجعل حفص يضع له الحديث، فيقول: حدثتك عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين بكذا وكذا؟ فيقول: حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين بكذا وكذا، فيقول حفص: حدثك القاسم بن محمد عن عائشة بكذا وكذا؟ فيقول: حدثني القاسم بن محمد عن عائشة بكذا وكذا، ويقول: حدثك
سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله؟ فيقول: حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس بمثله، فلما فرغ ضرب حفص بيده إلى ألواح جارية فمحاها، فقال جارية: تحسدونني؟ فقال له حفص: لا، ولكن هذا يكذب، قال حفص: فقلت ليحيى: من الرجل؟ فلم يسمّه لي، فقلت له يومًا: يا أبا سعيد: لعلي كتبت عن هذا الشيخ ولا أعرفه، قال: هو موسى بن دينار.
الطبقة العاشرة
قوم كتبوا الحديث ورحلوا فيه، وعرفوا به، فتلفت كتبهم بأنواع من التلف، فلما سئلوا عن الحديث حدثوا به من كتب غيرهم. أو من حفظهم على التخمين، فسقطوا بذلك.
منهم عبد الله بن لهيعة الخضرمي، على جلالة محله، وعلو قدره، لما احترقت كتبه بمصر ذهب حديثه، فخلط من حفظه، وحدث بالمناكير، فصار في حد من لا يحتج بحديثه، وكان أحمد بن حنبل يقول: سماع ابن المبارك وأقرانه الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل وفاته بعشرين سنة صحيح، لأجل احتراق كتبه.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الفصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir