النوع السبعون والحادي والسبعون: الفصل والوصل
الفصل: ترك عطف الجمل، والوصل: عطفها ـ فالأول: يكون لفقدان التغاير ويسمى كمال الاتصال ـ ككون الثانية تأكيداً للأولى كقوله تعالى: {لا ريب فيه} فإنه لما بولغ في وصفه ببلوغه الدرجة القصوى في الكمال بجعل المبتدأ (ذلك) وتعريف الخبر باللام ـ جاز أن يتوهم السامع قبل التأمل أنه مما يرمى به جُزافاً تبع نفياً لذلك، وكقوله: {هدى للمتقين} فإن معناه: أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كُنهها حتى كأنه هداية محضة فهو معنى: {ذلك الكتاب} إذ معناه: الكتاب الكامل ـ والمراد كماله في الهداية.
أو بدلاً منها لعدم توفيتها بالمراد نحو: {أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون} فإن المراد التنبيه على نعم الله والثاني أوفى لدلالته عليها بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين.
أو بياناً نحو: {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدُلك....} الآية. ويكون لفقد الجامع المشترك بين الجمل نحو: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم...} فُصل لكون ما قبله حديثاً عن القرآن وصفاته وهذا حديث عن الكفار وصفاتهم.
ولاختلاف الجملتين خبراً وإنشاءً، وجوز النحاة العطف في مثل ذلك كقوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات...} في سورة البقرة ويُسمى هذا القسم والذي قبله عند أهل المعاني: كمال الانقطاع.
ومن المقتضي للفصل: ألا يُقصد إعطاء الثانية حُكم الأولى نحو: {وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون * الله يستهزئ بهم...} لم يعطف: {الله يستهزئ بهم} على: {إنا معكم} لأنه ليس من مقولهم ـ ولا على: (قالوا) لئلا يُشاركه في الاختصاص بالظرف.
وكذا كونها جواباً لسؤال اقتضته الأولى ويسمى: استئنافاً بيانياً نحو: {يُسبح له فيها بالغدو والآصال رجال...} {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء...}، {قالوا سلاماً قال سلام...} أي: فماذا قال؟
وأما الوصل فيكون للجامع نحو: {يُخادعون الله وهو خادعهم} {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} ـ{وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}ـ {لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} أي لا تعبدوا وأحسنوا والله أعلم.