شرح طريقة إعداد دروس التفسير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فكما علمتم من خطة الدراسة أن مقرر هذا الأسبوع في إعداد دروس التفسير، وهذا المقرر ستكون دراسته والتطبيق عليه على مرحلتين:
المرحلة الأولى بعد إتقان المهارات الأساسية في التفسير.
والمرحلة الثانية: بعد إتقان مهارات التفسير المتقدمة إن شاء الله تعالى.
وتقرير هذا المقرر كان لثلاثة مقاصد:
المقصد الأول: أن يدرك طالب علم التفسير أثر إعداد الدروس العلمية في تحسين تحصيله العلمي وتقويته.
وذلك لأن اشتغاله بإعداد الدرس يصرف همّته إلى الاجتهاد في تفهّم مسائله، فربّما انتفع معدّ الدرس به أكثر من انتفاع متلقّيه؛ لأنَّه يجد نفسه مطالباً ببحث مسائل الدرس من جميع جوانبها، والاستعداد للإجابة على أسئلة الطلاب عما ذكره وما تركه، وهذا الشعور النفسي حافز مهم لإتقان الدروس العلمية.
ولذلك كان من أهل العلم من يستعين على ضبط مسائل العلم بتدريس بعض الكتب تدريساً يعدّ له إعداد جيّدا، ويستفيد فيه من أسئلة طلابه ومناقشاتهم.
والإمام مسلم رحمه الله لمّا أجاب من سأله أن يكتب له مختصراً في الأحاديث الصحيحة عُرف فيما بعد بصحيح مسلم.
وقد قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة مجيباً من سأله أن يكتب له هذا الصحيح: (أما بعد:
فإنك - يرحمك الله بتوفيق خالقك - ذكرتَ أنَّكَ هممتَ بالفحص عن تعرّف جملة الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنن الدين وأحكامه، وما كان منها في الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، وغير ذلك من صنوف الأشياء بالأسانيد التي بها نُقلت وتداولها أهل العلم فيما بينهم؛ فأردت - أرشدك الله - أن توقَف على جملتها مؤلفة محصاة، وسألتني أن ألخصها لك في التأليف بلا تكرار يكثر؛ فإنَّ ذلك زعمت مما يشغلك عما له قصدت من التفهم فيها والاستنباط منها.
وللذي سألت - أكرمك الله - حين رجعت إلى تدبّره، وما تؤول به الحال - إن شاء الله - عاقبة محمودة ومنفعة موجودة، وظننتُ حين سألتني تجشُّمَ ذلك أن لو عُزِمَ لي عليه وقُضِيَ لي تمامه؛ كان أول من يصيبه نفع ذلك إياي خاصة قبل غيري من الناس، لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف إلا أن جملة ذلك؛ أن ضبط القليل من هذا الشأن وإتقانه أيسر على المرء من معالجة الكثير منه..) إلخ.
وإنّ طالب العلم إذا اجتاز مرحلة المبتدئين؛ ثمّ اشتغل مدّة من عمره - مع مواصلة الطلب - بإعداد الدروس العلمية
والاجتهاد في تفهّم مسائلها وتحريرها وبيانها، ودوّن تلك الدروس في أصله العلمي؛ كان ذلك من أحسن الضبط لمسائل العلم، وأقرب إلى إثراء أصله العلمي وتحسينه وتحبيره، بما يستفيده من الفوائد والتحريرات، ونفائس الاستدلالات والنقولات.
ومن أحسن الطرق التي يميّز بها جوانب القوة والضعف لديه؛ فيجتهد في تدارك أمره، وتحسين تحصيله.
وإذا تعاهد ما يكتب بالمراجعة والإضافة والتحسين رسخت معرفته بالمسائل العلمية في قلبه، وتوطّدت في نفسه، ولا يلبث من هذا شأنه سنوات يسيرة حتى يكونَ من أهل العلم العارفين به بإذن الله تعالى.
فهذا هو المقصد الأول من تقرير هذا المقرر.
والمقصد الثاني: أن يكون عوناً لطالب علم التفسير على التدرب على نشر علمه، وإيصاله إلى من ينتفع به، وأن يعرف ما أنعم الله به عليه من ملكات حسنة في إيصال العلم ونشره.
والمقصد الثالث: أن يتعرّف على نوع المتلقّين الذي يمكنه تعليمهم ودعوتهم وإفادتهم، وهذه أمور يتفاضل فيها طلاب العلم كثيراً رجالاً ونساءً؛ فإذا وجد في نفسه إجادة وبراعة في مخاطبة نوع من المتلقين؛ فهذا باب فضل من الله تعالى فُتح له فيه.
والمتلقّون على أنواع متعددة؛ يختلفون باختلاف المجتمعات وتيسّر وسائل التعليم والتواصل.
فمنهم: طلاب العلم المتوسّطين الذي لهم حظّ من التحصيل العلمي.
ومنهم: طلاب العلم المبتدئين.
ومنهم: العامّة رجالاً ونساء كباراً وصغاراً.
ومنهم: النساء خاصة ولا سيما فيما يختصصن به.
ومنهم: الأطفال وهم على مراحل عمرية.
ومنهم: غير المسلمين، وهم على أنواع كثيرة باختلاف أديانهم وثقافاتهم وشبهاتهم.
ومنهم: أصحاب الأحوال الخاصة؛ الذين يمتازون بوصف خاص يجمعهم؛ ككبار السنّ، والمراهقين، والمرضى، وأهل البلاء على اختلاف أنواعه، وأصحاب الحرف والمهن على اختلاف أنواعها.
إلى غير ذلك من الأنواع التي يصعب حصرها، ولكل نوع منها ما يناسب من المادة العلمية، ومستوى الإفادة، ولغة الخطاب والأسلوب.
حتى يعدّ لهم المفسّر ما يكون أنفع لهم، وأحسن أثراً عليهم.
خطوات إعداد درس التفسير:
سأجمل الحديث عن الخطوات المقترحة لإعداد درس التفسير؛ وهي خطوات ستدرس في المرحلة الثانية إن شاء الله تعالى بشيء من التفصيل وتبيين المعايير.
والمقصود في هذه المرحلة تطبيق ما سبقت دراسته من المهارات الأساسية في التفسير، وتلخيص دروس التفسير، والبناء على ما تقدّم بإضافة ما يدرس في هذا المقرر، وتطبيق خطواته.
المرحلة الأولى: إعداد مادّة الدرس الأصلية.
وأقترح لها الخطوات التالية إجمالاً:
1. استخلاص المسائل التفسيرية.
2. تحديد العناصر، وترتيب المسائل.
3. تحرير أقوال المفسّرين.
4. تلخيص الدرس.
وهذه الخطوات يُقترح أن يقومها طالب علم التفسير مهما كان نوع المخاطبين؛ لأنّ الغرض منها أن يُتقن هو دراسة مسائل الدرس ويضبطها جيداً، لئلا يؤدّي به التعجّل في هذه المرحلة إلى أن يجد نفسه جاهلاً ببعض المسائل المهم في الدرس إذا سُئل عن شيء منها، أو يدفعه سبق فهمه إلى قول خاطئ كان يعتقد صوابه أو التوسّع في بعض الدعاوى والعبارات الخاطئة التي جرّه إليها ضعف إعداده لمادّة الدرس، وعجلته عن تفهّم مسائله وضبطها.
وكثيراً ما يعرف لطالب العلم اليقظ في هذه المرحلة إشكالات علمية؛ فيحرص على معرفة جوابها، ويستفيد من طرق حلّ الإشكالات في الدروس اللاحقة؛ حتى يكتسب الخبرة في إعداد الدروس وحلّ الإشكالات على تعدّدها وتنوّعها بإذن الله تعالى.
المرحلة الثانية: إعداد الدرس للإلقاء.
وهذه المرحلة تقوم على خمس خطوات إجمالاً:
أولاً: تعيين نوع المتلقّين.
ثانياً: تحديد المقاصد ( فوضوح مقاصد الدرس وأهدافه أمر مهمّ لمن يلقيه)
ثالثاً: تحديد عناصر الدرس وترتيبها بما يناسب المتلقين.
رابعاَ: صياغة مادّة الدرس بأسلوب يناسب المتلقين.
خامسأً: إبراز الفوائد، والحرص على تحقيق مقاصد الدرس.
ومن إحسان الصياغة:
أ: حسن الابتداء بأن يكون مدخل الدرس حسناً مسترعياً للانتباه.
ب: حسن التخلّص والانتقال من عنصر إلى عنصر.
ج: حسن الختام؛ بأن يكون في آخر درسه ما يعلق بأذهان المتلقّين أو يحملهم على التفكّر فيه.
تفاعل المتلّقين وقياس مستوى تحصيلهم:
المقصود مما تقدّم أن يعدّ المدرّس درساً يُناسب المتلقّين من حيث المادة العلمية، ويبقى موضوع تفاعل المتلقين وقياس مستوى تحصيلهم أمراً مهما له أدواته وأساليبه التي تختلف اختلافاً كثيراً بحسب نوعهم ونوع الوسيلة التي تُلقى بها مادّة الدرس.
تنبيه: حديثنا في هذا المقرر في هذه المرحلة متّجه بالدرجة الأولى إلى ضبط المادة العلمية التي تلقى إلى المتلّقين، وأما ما زاد على ذلك من مهارات التدريس الإضافية؛ فهذه ستؤجّل إلى المرحلة الثانية، وأرجو أن ييسّر الله تعالى استضافة بعض المتخصّصّين في هذا المجال لنستفيد منهم.
التطبيقات: