دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 رمضان 1435هـ/1-07-2014م, 09:27 PM
لمياء لمياء غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 322
افتراضي صفحة الطالبة / لمياء للقراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه وحده جل شأنه نستعين

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 ذو القعدة 1435هـ/24-09-2014م, 11:14 AM
لمياء لمياء غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 322
افتراضي تلخيص المقصد الرابع من المقاصد العامة لمقدمة تفسير ابن كثير

[color="red"]تلخيص المقصد الرابع من مقدمة تفسير ابن كثير[/color]
المقصد العام : د- نزول القرآن على سبعة أحرف
[color="rgb(139, 0, 0)"]المقاصد الفرعية:[/color]
أولاً :- الأدلة من السنة على نزول القرآن على سبعة أحرف
ثانياً :- شدة عناية الصحابة رضوان الله عليهم بألفاظ القرآن
ثالثاً :- طريقة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ساور أبي بن كعب رضي الله عنه من شك
رابعاً :- الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف
خامساً :- هل الأحرف السبعة موجودة كلها في المصحف الآن أم أنه على حرف واحد فقط؟
سادساً :- أقوال العلماء والأئمة في معنى الأحرف السبعة


أولاً :- الأدلة من السنة على نزول القرآن على سبعة أحرف :

- روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).

- وقد روي -أيضا- في بدء الخلق، ومسلم ورواه ابن جرير من حديث الزهري ثم قال الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا تختلف في حلال ولا في حرام.

- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).

- أيضاً عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)).

- وعنه أيضاً رضي الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).


ثانياً :- شدة عناية الصحابة رضوان الله عليهم بألفاظ القرآن :

- روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرسله، اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه)).

- وقال الإمام أحمد رحمه الله : "قرأ رجل عند عمر فغير عليه فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغير علي قال: فاجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((قد أحسنت)). قال: فكأن عمر وجد من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمر، إن القرآن كله صواب، ما لم يجعل عذاب مغفرة أو مغفرة عذابا)) "



ثالثاً :- طريقة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ساور أبي بن كعب رضي الله عنه من شك :

- عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). إسناده صحيح.

- قال ابن كثير رحمه الله تعليقاً على القصة "وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27]."

- وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)).


رابعاً :- الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف :

- عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.

- وروى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي رضي الله عنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف)).

- وأيضاً روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه.


خامساً :- هل الأحرف السبعة موجودة كلها في المصحف الآن أم أنه على حرف واحد فقط؟ :

1- قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري، رحمه الله : وصح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه ثم قال: وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر، وترغيب وترهيب، وقصص ومثل، ونحو ذلك من الأقوال فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن دون غيره فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه، والذي قالوا من ذلك كما قالوا، وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.
ثم بسط القول في هذا بما حاصله: أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم لما رأى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها. إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.
قال ابن كثير: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم، وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بغيرها، وألا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة، ولكنها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وكان كذلك ينهي عن المتعة في أشهر الحج لئلا يتقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أبو موسى يفتي بالتمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة لأئمة المهديين.

- قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.

2- قال أبو عبيد : وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين في أحاديث تترى، قال: وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال أبو عبيد: والعجز هم بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
قال ابن جرير: واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.
- تعليق :
ومما سبق يتبين اختلاف العلماء في هذا الأمر على قولين:
إما أن الأحرف السبعة نسخت في عهد عثمان رضي الله عنه واتفق الصحابة على حرف واحد نسخت به المصاحف
وإما أن الأحرف السبعة موجودة كلها في القرآن مفرقة فيه وحظ بعضها أكبر من بعض
والله تعالى أعلم


سادساً :- أقوال العلماء والأئمة في معنى الأحرف السبعة :

اختلفت أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن على خمس وثلاثين قول وأهمها خمسة أقوال :
فالأول- وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
مثال -روى عن ابن عباس، عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.

القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعربيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.

القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.

القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".

القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1435هـ/11-10-2014م, 04:54 AM
محمود بن عبد العزيز محمود بن عبد العزيز غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: مصر، خلَّصها الله من كل ظلوم
المشاركات: 802
Thumbs up

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمياء مشاهدة المشاركة
[color="red"]تلخيص المقصد الرابع من مقدمة تفسير ابن كثير[/color]
المقصد العام : د- نزول القرآن على سبعة أحرف
[color="rgb(139, 0, 0)"]المقاصد الفرعية:[/color]
أولاً :- الأدلة من السنة على نزول القرآن على سبعة أحرف
ثانياً :- شدة عناية الصحابة رضوان الله عليهم بألفاظ القرآن
ثالثاً :- طريقة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ساور أبي بن كعب رضي الله عنه من شك
رابعاً :- الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف
خامساً :- هل الأحرف السبعة موجودة كلها في المصحف الآن أم أنه على حرف واحد فقط؟
سادساً :- أقوال العلماء والأئمة في معنى الأحرف السبعة


أولاً :- الأدلة من السنة على نزول القرآن على سبعة أحرف :

- روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).

- وقد روي -أيضا- في بدء الخلق، ومسلم ورواه ابن جرير من حديث الزهري ثم قال الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا تختلف في حلال ولا في حرام.

- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ما حاك في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أنني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، وقال الآخر: أليس تقرأني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم)). فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف وكل حرف شاف كاف)).

- أيضاً عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)).

- وعنه أيضاً رضي الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبي، إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت: على حرفين. فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. قلت: على ثلاثة. حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)).


ثانياً :- شدة عناية الصحابة رضوان الله عليهم بألفاظ القرآن :

- روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرسله، اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه)).

- وقال الإمام أحمد رحمه الله : "قرأ رجل عند عمر فغير عليه فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يغير علي قال: فاجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((قد أحسنت)). قال: فكأن عمر وجد من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمر، إن القرآن كله صواب، ما لم يجعل عذاب مغفرة أو مغفرة عذابا)) "



ثالثاً :- طريقة تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع ما ساور أبي بن كعب رضي الله عنه من شك :

- عن أبي بن كعب، أنه قال: سمعت رجلا يقرأ في سورة النحل قراءة تخالف قراءتي، ثم سمعت آخر يقرؤها بخلاف ذلك، فانطلقت بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذين يقرآن في سورة النحل فسألتهما: من أقرأكما؟ فقالا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأذهبن بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خالفتما ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهما: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)) ثم قال للآخر: ((اقرأ)). فقرأ، فقال: ((أحسنت)). قال أبي: فوجدت في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمر وجهي، فعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهي، فضرب يده في صدري ثم قال: ((اللهم أخسئ الشيطان عنه، يا أبي، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين فقلت: رب، خفف عن أمتي، ثم أتاني الثالثة، فقال: مثل ذلك وقلت له مثل ذلك، ثم أتاني الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة، فقلت: يا رب، اللهم اغفر لأمتي، يا رب، اغفر لأمتي، واختبأت الثالثة شفاعة لأمتي يوم القيامة)). إسناده صحيح.

- قال ابن كثير رحمه الله تعليقاً على القصة "وهذا الشك الذي حصل لأبي في تلك الساعة هو، والله أعلم، السبب الذي لأجله قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وإعلام ودواء لما كان حصل له سورة {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} إلى آخرها لاشتمالها على قوله تعالى: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة} [البينة: 2، 3]، وهذا نظير تلاوته سورة الفتح حين أنزلت مرجعه، عليه السلام، من الحديبية على عمر بن الخطاب، وذلك لما كان تقدم له من الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 27]."

- وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : عن أبي بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فقمنا جميعا، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرآ))، فقرآ، فقال: ((أصبتما)). فلما قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال، كبر علي ولا إذا كنت في الجاهلية، فلما رأى الذي غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقا، وكأنما أنظر إلى رسول الله فرقا فقال: ((يا أبي، إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة مسألة تسألنيها)). قال: ((قلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم عليه السلام)).


رابعاً :- الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف :

- عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الثالثة قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف قال: ((أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك)). ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا.

- وروى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي رضي الله عنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة، والغلام، فقال: مرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف)).

- وأيضاً روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إن أمتك يقرؤون القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منهم على حرف فليقرأ كما علم، ولا يرجع عنه. وقال عبد الرحمن: إن في أمتك الضعيف، فمن قرأ على حرف فلا يتحول منه إلى غيره رغبة عنه.


خامساً :- هل الأحرف السبعة موجودة كلها في المصحف الآن أم أنه على حرف واحد فقط؟ :

1- قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري، رحمه الله : وصح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبع بما يعجز عن إحصائه ثم قال: وما برهانك على ما قلته دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر، وترغيب وترهيب، وقصص ومثل، ونحو ذلك من الأقوال فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة؟ قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن دون غيره فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه، والذي قالوا من ذلك كما قالوا، وقد روينا بمثل الذي قالوا من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة، من أنه نزل من سبعة أبواب الجنة، كما تقدم. يعني كما تقدم في رواية عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود: أن القرآن نزل من سبعة أبواب الجنة.
قال ابن جرير: والأبواب السبعة من الجنة هي المعاني التي فيها من الأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والقصص والمثل، التي إذا عمل بها العامل وانتهى إلى حدودها المنتهي، استوجب بها الجنة.
ثم بسط القول في هذا بما حاصله: أن الشارع رخص للأمة التلاوة على سبعة أحرف، ثم لما رأى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، اختلاف الناس في القراءة، وخاف من تفرق كلمتهم -جمعهم على حرف واحد، وهو هذا المصحف الإمام، قال: واستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعله من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له، ونظر منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها. إلى أن قال: فإن قال من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة؛ لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قراءة الأمة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين. إلى أن قال: فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف ونصبه وجره وتسكين حرف وتحريكه، ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)) بمعزل؛ لأن المراء في مثل هذا ليس بكفر، في قول أحد من علماء الأمة، وقد أوجب صلى الله عليه وسلم بالمراء في الأحرف السبعة الكفر، كما تقدم.
قال ابن كثير: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أحد الخلفاء الراشدين المهديين المأمور باتباعهم، وإنما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بغيرها، وألا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة، ولكنها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وكان كذلك ينهي عن المتعة في أشهر الحج لئلا يتقطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أبو موسى يفتي بالتمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة لأئمة المهديين.

- قال القرطبي: قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من السبعة وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف. ذكره ابن النحاس وغيره.
قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها، وإنما اختار القراءة المنسوبة إليه لأنه رآها أحسن والأولى عنده. قال: وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب.

2- قال أبو عبيد : وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف الواحد منها بلغة قبيلة والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة، وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظا فيها من بعض، وذلك بين في أحاديث تترى، قال: وقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن.
قال أبو عبيد: والعجز هم بنو أسد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف هم عليا هوازن الذين قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم. ولهذا قال عمر: لا يملي في مصاحفنا إلا غلمان قريش أو ثقيف.
قال ابن جرير: واللغتان الأخريان: قريش وخزاعة رواه قتادة عن ابن عباس، ولكن لم يلقه.
- تعليق :
ومما سبق يتبين اختلاف العلماء في هذا الأمر على قولين:
إما أن الأحرف السبعة نسخت في عهد عثمان رضي الله عنه واتفق الصحابة على حرف واحد نسخت به المصاحف
وإما أن الأحرف السبعة موجودة كلها في القرآن مفرقة فيه وحظ بعضها أكبر من بعض
والله تعالى أعلم


سادساً :- أقوال العلماء والأئمة في معنى الأحرف السبعة :

اختلفت أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن على خمس وثلاثين قول وأهمها خمسة أقوال :
فالأول- وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأبو جعفر بن جرير، والطحاوي- : أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو:
أقبل وتعال وهلم.
مثال -روى عن ابن عباس، عن أبي بن كعب: أنه كان يقرأ: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد: 13]: "للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} [البقرة: 20] "مروا فيه" "سعوا فيه".
قال الطحاوي. وغيره: وإنما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسير الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.

القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: {وعبد الطاغوت} [المائدة: 60] و{يرتع ويلعب} [يوسف: 12].
قال القرطبي: ذهب إلى هذا القول أبو عبيد، واختاره ابن عطية. قال أبو عبيد: وبعض اللغات أسعد به من بعض، وقال القاضي الباقلاني: ومعنى قول عثمان: إنه نزل بلسان قريش، أي: معظمه، ولم يقم دليل على أن جميعه بلغة قريش كله، قال الله تعالى: {قرآنا عربيا} [يوسف: 2]، ولم يقل: قرشيا.
قال: واسم العرب يتناول جميع القبائل تناولا واحدا، يعني حجازها ويمنها، وكذلك قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر، قال: لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات كتحقيق الهمزات، فإن قريشا لا تهمز. وقال ابن عطية: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]، حتى سمعت أعربيا يقول لبئر ابتدأ حفرها: أنا فطرتها.

القول الثالث: أن لغات القرآن السبع منحصرة في مضر على اختلاف قبائلها خاصة؛ لقول عثمان: إن القرآن نزل بلغة قريش، وقريش هم بنو النضر بن الحارث على الصحيح من أقوال أهل النسب، كما نطق به الحديث في سنن ابن ماجه وغيره.

القول الرابع: وحكاه الباقلاني عن بعض العلماء- : أن وجوه القراءات ترجع إلى سبعة أشياء، منها ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل: {ويضيقُ صدري} [الشعراء: 13] و "يضيقَ"، ومنها ما لا تتغير صورته ويختلف معناه مثل: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا} [سبأ: 19] و "باعَد بين أسفارنا"، وقد يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل: {ننشزها} [البقرة: 259]، و"ننشرها" أو بالكلمة مع بقاء المعنى مثل {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5]، أو "كالصوف المنفوش" أو باختلاف الكلمة واختلاف المعنى مثل: {وطلح منضود} "وطلع منضود" أو بالتقدم والتأخر مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19]، أو "سكرة الحق بالموت"، أو بالزيادة مثل "تسع وتسعون نعجة أنثى"، "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين". "فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم".

القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني القرآن وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. قال ابن عطية: وهذا ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى حروفا، وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحليل حلال ولا في تغيير شيء من المعاني، وقد أورد القاضي الباقلاني في هذا حديثا، ثم قال: وليست هذه هي التي أجاز لهم القراءة بها.

أحسنتِ بارك الله فيكِ، تلخيصكِ جيد، واستخلاصك للمسائل طيب، وعليه بعض الملاحظات اليسيرة:
1. لم تنبهي في المسألة الأولى على الحديث الوارد في نزول القرآن على ثلاثة أحرف، ولو عدلتِ عنوانها بـ «ما جاء في نزول القرآن على سبعة أحرف» لكان أحسن.
2. مسألة «عناية الصحابة بألفاظ القرآن» ما علاقتها بمقصد «نزول القرآن على سبعة أحرف»، أرى أن مقصد «جمع القرآن» أليق بها وألصق، أما هنا فلا أرى لها تعلقًا بعنوان المقصد.
3. مسألة تعامل النبي، في نظري: هي كسابقتها، لا تعلق لها بالمقصد، والمراد من التلخيص: الوقوف على المقاصد التي بنى عليها المؤلف كتابه، ومعرفة المسائل التي ناقشها بطريقة مُرتَّبة مُحرَّرة، وإن أردتِ ذكرها والمسألة التي قبلها في هذا المقصد فيمكن إدراجهما تحت مسألة «الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف»، والله أعلم.
4. مسألة هل الأحرف السبعة موجودة كلها في المصحف؛ فيها استطراد لا يليق بروح التلخيص، وكلام ابن جرير المذكور ما هو إلا نصرة لمذهبه في معنى الأحرف السبعة الذي ذكرتيه في المسألة التي تليها. وكنتُ أرى أن تذيلي هذه المسألة بالتي تليها.
5. الترتيب يبدو لي ليس منطقيًّا، ولو رتبتُه -على ما سلف من ملاحظات- لقلتُ: ما جاء في نزول القرآن على سبعة أحرف / أقوال العلماء والأئمة في معنى الأحرف السبعة / الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف.
توزيع الدرجات:
- الشمول: 30 / 30
- الترتيب: 17 / 20
- التحرير: 20 / 20
- حسن العرض: 15 / 15
- حسن الصياغة: 15 / 15

الدرجة النهائية: 97 / 100
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 صفر 1436هـ/24-11-2014م, 09:45 PM
لمياء لمياء غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 322
افتراضي تلخيص مقاصد المرشد الوجيز لأبي شامة

تلخيص مقاصد المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة

الباب الأول
المقصد العام : بيان ما يتعلق بنزول القرآن وتلاوته والمشتهرون من الصحابة بالحفظ والإتقان

المقاصد الفرعية :
أولاً : بيان زمن إنزال القرآن
ثانيا : مراحل نزول القرآن

ثالثاً : الحكمة من نزول القرآن إلى السماء الدنيا أولاً
رابعاً : الحكمة من نزول القرآن منجماً
خامساً : وعد الله عز وجل لنبيه بحفظ القرآن وبيانه
سادساً : أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن
سابعاً : بيان توقيفية ترتيب آيات القرآن
ثامناً : المشتهرون بالحفظ والإتقان من الصحابة
تاسعاً : أنواع النسخ في القرآن

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أولاً : بيان زمن إنزال القرآن
أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان والدليل قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، وقال جلت قدرته: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات؛ إذ لا منافاة بينها، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأخير منه، ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة} على ليلة القدر.


ثانياً : مراحل نزول القرآن :
أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم نزل مفرقاً على محمدٍ صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة والدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله عطية بن الأسود فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة... يعني وغير ذلك من الأشهر.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.
يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق .

وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها :
- ذكر أبو الحسن الماوردي في تفسيره قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم أرسالا في الشهور والأيام.
يعني بهذا الإنزال تنجيم السفرة ذلك على جبريل، وذكر قول الشعبي: أن الله عز وجل ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر .

والثاني: أنه أنزل فيها جملة واحدة :
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً}
- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض، قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}، صحيح على شرطهما.
- وقال أبو الحسن الواحدي المفسر: وقال مقاتل: أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في عشرين سنة.

والثالث: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة :
- قال ابن جبير: نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: {لتقرأه على الناس على مكث}.
- وفي "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الليلة التي تليها، فينزل جبريل عليه السلام ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة.

- وما رواه داود عن الشعبي، يعد قولا رابعا في معنى قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن}، وكأنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة تغيير بعض ألفاظه على ما سيأتي، وإن ضم إلى ذلك كونه ابتدأ نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته.


ثالثاً : الحكمة من نزول القرآن جملةً إلى السماء الدنيا أولاً :
1- تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا.

2- تشريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار الفقر والإيثار بما فتح الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرا وفقيرا صابرا صلى الله عليه وسلم.
- فإن قلت: في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها؟
قلت: الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل، فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر؛ لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء .

3- تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد تبارك وتعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله تعالى إلى الأمة، ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال عز وجل: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.


رابعاً : الحكمة من نزول القرآن منجماً :
قال تعالى في كتابه العزيز: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}، يعنون كما أنزل على من كان قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله: {كذلك} أي أنزلناه كذلك مفرقا {لنثبت به فؤادك} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام .

2- كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه .

فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.
قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم. {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.

3- وأيضا في القرآن ما هو جواب عن أمور سألوه عنها، فهو سبب من أسباب تفريق النزول، ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا.

فهذه وجوه ومعان حسنة في حكمة نزوله منجما، وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة، فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشرة .

خامساً : وعد الله عز وجل لنبيه بحفظ القرآن وبيانه :
كان الله تعالى قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم نسيانه بقوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، أي علينا أن نجمعه في صدرك فتقرؤه فلا ينفلت عنك منه شيء، وقال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}، أي غير ناس له.
وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، فكان ذلك يعرف منه، فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أخذه {إن علينا جمعه وقرآنه}، إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: أنزلناه فاستمع له {ثم إن علينا بيانه} أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى.

وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، قال: جمعه في صدرك ثم تقرؤه {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه .


سادساً : أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن :
أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أول سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته، ثم نزل {يا أيها المدثر} ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا .

وآخر ما نزل من الآيات {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية، وقيل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} إلى آخرها، وقيل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين، وقيل آيات الربا، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن {واتقوا يوما} هي آخرهن، ونزل يوم عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية.


سابعاً : بيان توقيفية ترتيب آيات القرآن :
كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: ((ضعوا هذه في سورة كذا))، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان في كل عام، وعرضه عليه عام وفاته مرتين، وكذلك كان يعرض جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.

كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الشيء من القرآن دعا بعض من كان يكتب فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم". وفي رواية: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم}، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت.
وفي البخاري عن البراء بن عازب قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... والمجاهدون في سبيل الله}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادع لي زيدا، وليجئ باللوح والدواة والكتف)) -أو الكتف والدواة- ثم قال: ((اكتب: {لا يستوي القاعدون ...} )).
وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى فقال: يا رسول الله فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها {غير أولي الضرر}.


ثامناً : المشتهرون بالحفظ والإتقان من الصحابة :
- عن مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب)).
وفيه عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
قال ابن سيرين : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري، رضي الله عنهم.
وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد. ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير عثمان رضي الله عنهم.

- والصحيح أن الحفاظ كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمون القراء. وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأه في شهر))، الحديث.
وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذه الآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان من ألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا على ظاهره.
وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة وسعدا وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعمرو بن العاص وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن السائب، قارئ مكة.
ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة.


تاسعاً : أنواع النسخ في القرآن :
أما ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب:
1- ما نسخت تلاوته وبقي حكمه كآية الرجم .
2- ما نسخت تلاوته وحكمه، وزانك كآية الرضاع.
3- ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته كآية عدة الوفاة حولا نسخت بالآية التي قبلها التي ذكر فيها {أربعة أشهر وعشرا}.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان مما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن". ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن .

قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندنا.

معناه، فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فلما اتصل ذلك بعمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فاشتهر ذلك وثبت، والله أعلم

- قال العلماء أن جميع القرآن الذي أنزله الله تعالى وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ويرفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وأن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم كان بجميعه بيانا شائعا ذائعا وواقعا على طريقة واحدة، ووجه تقوم به الحجة وينقطع العذر، وأن الخلف نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه قد نسخ منه بعض ما كانت تلاوته ثابتة مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله سبحانه ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم، وأن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة، وأنه قد يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، كما رتب آيات سوره، ويمكن أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم، وإن القرآن لم يثبت آيه على تاريخ نزوله، بل قدم ما تأخر إنزاله، وأخر بعض ما تقدم نزوله على ما قد وقف عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

الباب الثاني
[color="rgb(153, 50, 204)"]المقصد العام :[/color] [color="rgb(153, 50, 204)"]جمع الصحابة رضي الله عنهم القرآن وإيضاح ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان[/color]

المقاصد الفرعية :
أولاً - السبب في عدم جمع النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن في حياته
ثانياً - سبب الجمع الأول للقرآن في عهد أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-
ثالثاً - سبب اختيار أبي بكرٍ الصديق لزيدٍ بن ثابت -رضي الله عنهما- للقيام بمهمة الجمع الأول
رابعاً - سبب جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
خامساً - اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على ما فعله عثمان -رضي الله عنه-
سادساً - بيان من قام بالجمع من الصحابة :
سابعاً - بيان الأمصار التي بعث إليها عثمان -رضي الله عنه- بالنسخ من المصحف
ثامناً - الفرق بين جمع أبي بكرٍ وعثمان -رضي الله عنهما للقرآن

****************************************
أولاً - السبب في عدم جمع النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن في حياته :
يشبه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما لم يجمعه في مصحف واحد، لما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه، ورسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه صلى الله عليه وسلم، وانقطع الوحي، قيض لخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين.

ثانياً - سبب الجمع الأول للقرآن في عهد أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- :
- روى البخاري أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر.

- وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.


ثالثاً - سبب اختيار أبي بكرٍ الصديق لزيدٍ بن ثابت -رضي الله عنهما- للقيام بمهمة الجمع الأول :
- قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير.

- ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.

- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين .


رابعاً - سبب جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- :
- السبب في ذلك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

خامساً - اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على ما فعله عثمان -رضي الله عنه-
- قال علي رضوان الله عليه: لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. وفي رواية أخرى لو وليت من أمر المصاحف ما ولي عثمان لفعلت ما فعل عثمان.

- وعن علي رضي الله عنه أيضاً أنه قال: اختلف الناس في القرآن على عهد عثمان فجعل الرجل يقول للرجل: قراءتي خير من قراءتك، فبلغ ذلك عثمان فجمعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس قد اختلفوا اليوم في القراءة وأنتم بين ظهرانيهم، فقد رأيت أن أجمع على قراءة واحدة، قال: فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، قال: وقال علي: لو وليت مثل الذي ولي، لصنعت مثل الذي صنع. وفي رواية: يرحم الله عثمان، لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان .

- ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.

- وقال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر.

- وقال حماد بن سلمة: كان عثمان في المصحف كأبي بكر في الردة.

- وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.

- وكل ما سبق يشهد لعثمان -رضي الله عنه- بالفضل في جمع المسلمين على المصحف الذي بين أيدينا اليوم وأن ذلك كان بتأييد وإجماع من الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً ولم يعارضه فيه أحد.

سادساً - بيان من قام بالجمع من الصحابة :
- روي أن عثمان أرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

- قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فألحقتها في سورتها في المصحف.

- دعا عثمان رضي الله عنه أربعة نفر، ثلاثة من قريش ورجلا من الأنصار: عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وزيد بن ثابت فقال: انسخوه. فنسخوه على هذا التأليف، وقال: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه على ما تقولون أنتم، فإن القرآن أنزل على لسان قريش، فنسخوا القرآن في مصحف واحد حتى فرغوا منه، ثم نسخ من ذلك المصحف مصاحف، فبعث إلى كل بلد مصحفا، وأمرهم بالاجتماع على هذا المصحف .


سابعاً - بيان الأمصار التي بعث إليها عثمان -رضي الله عنه- بالنسخ من المصحف :
اختلف العلماء في عدد الأمصار وماهيتها على أقوال أهمها :
1- قال أبو حاتم السجستاني: لما كتب عثمان رضي الله عنه المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا.

2- قال أبو عمرو الداني في كتاب "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان رحمه الله لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ: فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، واحتبس عند نفسه واحدة.

ثامناً - الفرق بين جمع أبي بكرٍ وعثمان -رضي الله عنهما للقرآن :
1- اختلفا في سبب الجمع حيث جمعه أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- خوفاً من ذهاب شيئٍ منه بعد أن قتل كثير من القراء في موقعة اليمامة ، بينما جمعه عثمان -رضي الله عنه خوفاً من اختلاف المسلمين واستفحال الأمر حتى وصل لتكفير بعضهم بعضاً لاختلاف القراءات بعد فتح أرمينية وأذربيجان.

2- جمع أبو بكرٍ القرآن بين دفتين على اختلاف القراءات والرسم الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للكتبه شاملاً الناسخ والمنسوخ، بينما جمع عثمان القرآن على رسم موحد اتفق عليه الصحابة جميعاً.

3- لم ينسخ أبو بكر المصحف الذي جمعه بينما نسخ عثمان المصحف الذي جمعه وبعث بنسخ للأمصار وحرق مادونه حتى لا يختلف المسلمون على كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى.

4- كان جمع أبي بكر للقرآن من صدور الرجال وعسب النخيل واللخاف بينما في عهد عثمان كان القرآن مجموعاً في المصحف الذي نسخه أبو بكر رضي الله عنهما فأعاد نسخه برسم موحد .

5- وذكر أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع" عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أول من جمع القرآن في المصاحف، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

[color="rgb(153, 50, 204)"]الباب الثالث[/color]
المقصد العام : معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))

المقاصد الفرعية :
أولاً - إثبات نزول القرآن القرآن على سبعة أحرف
ثانياً - الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف
ثالثاً - أشهر الأقوال في المراد بالأحرف السبعة
رابعاً - الأقوال في القبائل التي نزل بلسانها القرآن
خامساً - هل المصحف الآن يحوي الأحرف السبعة أم هو على حرفٍ واحد؟
سادساً - حكم اتباع ومخالفة رسم المصحف

*****************************************************
أولاً - إثبات نزول القرآن القرآن على سبعة أحرف :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف))

- وعن عمر بن الخطاب أنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ "سورة الفرقان" على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((أرسله))، فأرسله عمر فقال لهشام: ((اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه))

- وفي واقعةٍ أخرى : عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى فقرأ قراءة أنكرتها، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ -وفي رواية: ثم قرأ هذا- سوى قراءة صاحبه، فأقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال: ((يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم)).

- وفي رواية: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلين اختصما في آية من القرآن، وكل يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه، فتقارءا إلى أبي فخالفهما أبي، فتقارؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، اختلفنا في آية من القرآن وكلنا يزعم أنك أقرأته، فقال لأحدهما: ((اقرأ))، فقرأ فقال: ((أصبت))، وقال للآخر: ((اقرأ))، فقرأ خلاف ما قرأ صاحبه فقال: ((أصبت))، وقال لأبي: ((اقرأ))، فقرأ فخالفهما فقال: ((أصبت))، وذكر الحديث.

- وعن علقمة عن عبد الله قال: لقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا فنقرأ عليه، فيخبرنا أن كلنا محسن، ولقد كنت أعلم أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان، حتى كان عام قبض فعرض عليه مرتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه، فيخبرني أني محسن، فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعنه رغبة عنه، فإنه من جحد بآية -وفي رواية: بحرف- منه جحد به كله.

- وفي كتاب ابن أبي شيبة عن أم أيوب قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أصبت)).

** ويتبين مما سبق تواتر الأحاديث في كتب السنن في ثبوت الأحرف السبعة ولا خلاف في ذلك .


ثانياً - الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف :
- في جامع الترمذي عن أبي بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: ((يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).

- وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عليه السلام عند أحجار المراء فقلت: يا جبريل إني أرسلت إلي أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).

- قال بعض الشيوخ: الواضح من ذلك أن يكون الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب، ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزل عليهم أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف بعضهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم، ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك، فتأخذه العزة، فجعلهم يقرءونه على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم منا منه عز وجل لئلا يكلفهم ما يشق عليهم، فيتباعدوا عن الإذعان .

** مما سبق يتبين أن الأحرف السبعة إنما نزل بها القرآن تيسيراً على الأمة ورحمة من الله عز وجل بها ودرءاً للمفاسد .


ثالثاً - أشهر الأقوال في المراد بالأحرف السبعة :
اختلف العلماء قديماً وحديثاً في المراد بالأحرف السبعة وذلك لأنه لم يثبت فيها شيئ عن النبي صلى الله عليه وسلم فاجتهد العلماء في معرفتها على أقوال أهمها ما سيأتي:
القول الأول :
قوله سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم نسمع به قط، ولكن نقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، قال: ومما يبين ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"، وكذلك قال ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، هذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى سبعة، وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض .
وهذا قول أبي عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-
واستدل على هذا القول بأحاديث منها مارواه أنس بن مالك أن عثمان رحمة الله عليه قال للرهط القرشيين الثلاثة حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم. ( يعني أول نزله قبل الرخصة)

القول الثاني :
وهو قول أبي جعفر محمد بن سعدان النحوي: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) مشكل لا يدرى معناه؛ لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على الحرف المقطوع من الحروف المعجمة، والحرف أيضا المعنى والجهة كقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على جهة من الجهات ومعنى من المعاني.

القول الثالث :
وهو لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني : معنى سبعة أحرف سبع لغات من لغات العرب، وذلك أن القرآن نزل بلغة قريش وهذيل وتميم وأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر .

القول الرابع :
وهو قول أبي بكر بن العرب
"لم تتعين هذه السبعة بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بإجماع من الصحابة، وقد اختلفت فيها الأقوال، فقال ابن عباس: اللغات سبع والسماوات سبع والأرضون سبع، وعدد السبعات، وكأن معناه أنه نزل بلغة العرب كلها، وقيل: هذه الأحرف في لغة واحدة، وقيل: هي تبديل الكلمات إذا استوى المعنى.

القول الخامس :
قال أبو عمر: وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) سبع لغات، وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر؛ لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه، وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي مكي، وقد اختلفت قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا. وقالوا: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
واستدل على هذا القول بأحاديث منها "أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء كفر)).

القول السادس :
ذهب قوم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
ورجحه أبو جعفر الطبري -رحمه الله-

القول السابع :
- أما ما اختلف فيه القراء من الإمالة والفتح والإدغام والإظهار والقصر والمد والتشديد والتخفيف وشبه ذلك، فهو من القسم الأول لأن القراءة بما يجوز منه في العربية، وروي عن أئمة وثقات: جائزة في القرآن؛ لأن كله موافق للخط". قال: "وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة ذهب جماعة من العلماء، وهو قول ابن قتيبة، وابن شريح، وغيرهما، لكنا شرحنا ذلك من قولهم".
قال: "وهو الذي نعتقده ونقول به وهو الصواب إن شاء الله تعالى".
- واختار أبو علي الأهوازي طريقة أخرى فقال:
"قال بعضهم: معنى ذلك هو الاختلاف الواقع في القرآن، يجمع ذلك سبعة أوجه: الجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"، والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"، والإعراب، كقوله تعالى: "المجيد" و {المجيد}، والتصريف، كقوله تعالى: "يعرشون" و {يعرشون}، والأدوات التي يتغير الإعراب لتغيرها، كقوله تعالى: "ولكن الشياطين" {ولكن الشياطين}، واللغات، كالهمز وتركه، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، والإدغام، والإظهار، وتغيير اللفظ والنقط بالتفاق الخط، كقوله تعالى: "ننشرها" و {ننشزها}، ونحو ذلك". قال: "وهذا القول أعدل الأقوال وأقربها لما قصدناه، وأشبهه بالصواب".
ثم ذكر وجها آخر فقال: "قال بعضهم: معنى ذلك سبعة معان في القراءة".
"أحدها: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون".
"الثاني: أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا".
"والثالث: أن تكون القراءتان مختلفتين في اللفظ، إلا أن المعنيين متفرقان في الموصوف، مثل قوله تعالى: "ملك" و {مالك}.
"والرابع: أن تكون في الحرف لغتان، والمعنى واحد وهجاؤها واحد، مثل قوله تعالى: "الرشد" والرشد".
"والخامس: أن يكون الحرف مهموزا وغير مهموز، مثل "النبيء" و {النبي}.
"والسادس: التثقيل والتخفيف، مثل {الأكل} و"الأكل".
"والسابع: الإثبات والحذف، مثل "المنادي" و {المناد} ".
قال أبو علي: "وهذا معنى يضاهي معنى القول الأول الذي قبله، وعليه اختلاف قراءة السبعة الأحرف".

- ومما يظهر أن العلماء اختلفوا في تحديد وجوه هذه الأحرف السبعة على ما تقدم فهي إما مفرقة كلها في القرآن أو أنها موجودة في معنى واحد لكلمة مختلفة الألفاظ وهذا نادر أو أن بعض الأحرف هو الموجود حالياً في المصاحف أو أنه حرف واحد فقط وتم نسخ باقي الأحرف الست من قبل الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه وهذا ما أنكره وضعه بعض العلماء على ما سيأتي بيانه.

رابعاً - الأقوال في القبائل التي نزل بلسانها القرآن :
- روي عن عثمان رضي الله عنه: "أنزل القرآن بلسان مضر".
- وعن سعيد بن المسيب قال: "نزل القرآن على لغة هذ الحي من لدن هوازن وثقيف إلى ضرية".
- وعن أبي العالية قال: "قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم من كل خمس رجل، فاختلفوا في اللغة، ورضي قراءتهم كلهم، وكانت تميم أعرب القوم".
- قال أبو حاتم السجستاني: "أحب الألفاظ واللغات إلينا لغات قريش ثم من دنا منهم من بطون العرب ومن بطون مضر خاصة للحديث الذي جاء في مضر".
- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، صارت في عجز هوازن منها خمسة".
- قال أبو حاتم: "عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر".
- وأخيراً قال قاسم بن ثابت: "ولو أن رجلا مثل مثالا، يريد به الدلالة على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). وجعل الأحرف على مراتب سبعة، فقال: "منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أوتي على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن".


خامساً - هل المصحف الآن يحوي الأحرف السبعة أم هو على حرفٍ واحد؟ :
هذا أيضاً من المسائل التي اختلف فيها العلماء على قولين :
القول الأول :
أن عثمان رضي الله عنه جمه الأمة على حرف واحد فقط قيل هو حرف زيد بن ثابت لاجتماع الأنصار والمهاجرين عليه وذلك لانتهاء الرخصة التي رخصت لهم في بادئ الأمر نظراً لقلة الكتبة والحفاظ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا على حرفٍ واحد ووحدوا به المصاحف وحرق ما دونه .
وأيد هذا القول ابن جرير الطبري.

القول الثاني :
أن المصحف الموجود الآن والذي اجتمعت عليه الأمة منذ عهد عثمان رضي الله عنه يحوي الحروف السبعة وهي مفرقة فيه وحظ بعض الأحرف في ذلك أكثر من بعض .
وهذا القول أيده القاضي أبو بكر بن الطيب وأنكر القول الأول إنكاراً شديداً.

سادساً - حكم اتباع ومخالفة رسم المصحف :
قال صاحب "شرح السنة":
"جمع الله تعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر بكتبته، جمعا بعد ما كان مفرقا في الرقاع ليكون أصلا للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان بنسخه في المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعا لمادة الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع، كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد وهو الإمام للأمة، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابة والسواد".

- وعليه فلا يجوز مخالفة رسم المصحف وأن ذلك محرم بالإجماع والله أعلم
**********************************************

الباب الرابع

المقصد العام :[color="rgb(153, 50, 204)"] معنى القراءات المشهورة الآن وتعريف الأمر في ذلك كيف كان[/color]

المقاصد الفرعية :
أولاً - الدليل العقلي على أن القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة
ثانياً - رد قول من نسب مقولة أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة المذكورة في الحديث إلى مجاهد -رحمه الله-
ثالثاً - مسائل هامة أوردها أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم :
1) ما السبب في اختلاف أئمة القراء بعد المرسوم لهم ، هل ذلك شيئ تخيروه من قبل أنفسهم ، أم ذلك شيئ وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف لهم ؟
2) ما القول في هذه القراءات السبع التي ألفت في الكتب ؟
رابعاً - مسائل أوردها مكي بن أبي طالب -رحمه الله- :

1) ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة ، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارهامما قرأ به على أئمته ؟
2) ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هم فوقهم فنسبت إليهم السبعة أحرف مجازاً ، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم ممن هو أعلى درجة منهم وأجل قطراً ؟
3) لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة فقط ؟
خامساً - أول من اقتصر على القراء السبعة من العلماء
سادساً - شروط صحة القراءة والقبول بها
سابعاً - سبب اختيار ابن مجاهد لابن عامر من قراء الشام
ثامناْ - القراء الأئمة الذين اعتنوا بالقراءة فاشتهروا وأخذ عنهم الناس

****************************************
أولاً - الدليل العقلي على أن القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة :
حكى عبد الواحد بن أبي هاشم عن شيخه ابن جرير الطبري :
ثبتت الأمة على حرف واحد من السبعة التي خيروا فيها، وكان سبب ثباتهم على ذلك ورفض الستة ما أجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوا على الأمة تكفير بعضهم بعضا أن يستطيل ذلك إلى القتال وسفك الدماء وتقطيع الأرحام، فرسموا لهم مصحفا، أجمعوا جميعا عليه وعلى نبذ ما عداه لتصير الكلمة واحدة، فكان ذلك حجة قاطعة وفرضا لازما".
ثم برهن بالدليل العقلي على أن القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة بما يلي :
قال : "وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).
"فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تخلف عظيم، أكان ذلك ينص من النبي صلى الله عليه وسلم أم كيف ذلك".
"وكيف يكون ذلك والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون، وغيره كان السابع -وهو يعقوب الحضرمي- فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب"؟.
"وكيف يكون ذلك والكسائي إنما قرأ على حمزة وغيره، وإذا كانت قراءة حمزة أحد الحروف السبعة فكيف يخرج حرف آخر من الحروف السبعة؟".


ثانياً - رد قول من نسب مقولة أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة المذكورة في الحديث إلى مجاهد -رحمه الله- :
قال ابن أبي هاشم :

وقد ظن جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، فقراءة كل واحد من هؤلاء حرف من تلك الأحرف، ولقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنه قال ذلك.
"رام هذا الغافل مطعنا في أبي بكر شيخنا، فلم يجده، فحمله ذلك على أن قوله قولا لم يقله هو ولا غيره، ليجد مساغا إلى ثلبه، فحكى عنه أنه اعتقد أن تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أن تلك السبعة الأحرف هي قراءة السبعة القراء الذين ائتم بهم أهل الأمصار، فقال على الرجل إفكا واحتقب عارا، ولم يحظ من أكذوبته بطائل، وذلك أن أبا بكر رحمه الله كان أيقظ من أن يتقلد مذهبا لم يقل به أحد، ولا يصح عند التفتيش والفحص".


ثالثاً - مسائل هامة أوردها أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم :
1) ما السبب في اختلاف أئمة القراء بعد المرسوم لهم ، هل ذلك شيئ تخيروه من قبل أنفسهم ، أم ذلك شيئ وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف لهم ؟
"قيل: لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون كأبي موسى بالبصرة وعلي وعبد الله بالكوفة وزيد وأبي بن كعب بالحجاز ومعاذ وأبي الدرداء بالشام، فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه".

2) ما القول في هذه القراءات السبع التي ألفت في الكتب ؟
"قلنا: إنما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة بعد أن كتبت بلغة قريش، فإن القرآن إنما نزل بلغتها ثم أذن رحمة من الله تعالى لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة ولا معجمة قرأها الناس فما أنفذوه منها نفذ، وما احتمل وجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه".
"فلما أراد بعضهم أن يجمع ما شذ عن خط المصحف من الضبط جمعه على سبعة أوجه اقتداء بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).
قال أبو محمد مكي:
"هذه القراءات كلها التي يقرؤها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه وعلى اطراح ما سواه، ولم ينقط ولم يضبط فاحتمل التأويل لذلك".

رابعاً - مسائل أوردها مكي بن أبي طالب -رحمه الله- :
1) ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة ، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارهامما قرأ به على أئمته ؟
"فالجواب: أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعات بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ، فكانوا في برهة من أعمارهم، يقرءون الناس بما قرءوا، فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه؛ إذ كان ذلك مما قرءوا به على أئمتهم".
"ألا ترى أن نافعا قال: قرأت على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما شك فيه واحد تركته. يريد -والله أعلم- مما خالف المصحف. وكان من قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه ذلك".
"وهذا قالون ربيبه وأخص الناس به، وورش أشهر الناس المتحملين إليه اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه".

2) ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هم فوقهم فنسبت إليهم السبعة أحرف مجازاً ، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم ممن هو أعلى درجة منهم وأجل قطراً ؟
"فالجواب: أن الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف. فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين وكمال العلم، واشتهر أمره وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرئ به، ولم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان رضي الله عنه مصحفا إماما، هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر".

3) لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة فقط ؟
"فالجواب: أنهم جعلوا سبعة لعلتين:
"إحداهما: أن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف".
"والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن، وهي سبعة على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمتنع ذلك؛ إذ عدد الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى".

خامساً - أول من اقتصر على القراء السبعة من العلماء :
"وأول من اقتصر على هؤلاء السبعة أبو بكر بن مجاهد، قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها وتابعه على ذلك من أتى بعده إلى الآن، ولم تترك القراءة برواية غيرهم واختيار من أتى بعدهم إلى الآن".

سادساً - شروط صحة القراءة والقبول بها :
ثلاثة أشياء :
"قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع الأمة عليه".
"وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق لفظه خط المصحف فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا، مفترقين أو مجتمعين، فهذا هو الأصل الذي بني عليه في ثبوت القراءات عن سبعة أو عن سبعة آلاف، فاعرفه وابن عليه".

سابعاً - سبب اختيار ابن مجاهد لابن عامر من قراء الشام :
"لأن قراءة ابن عامر قراءة اتفق عليها أهل الشام وإنها مسندة إلى أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكان غرض ابن مجاهد أن يأتي بسبعة من القراء من الأمصار التي نفدت إليها المصاحف، ولم يمكنه ذلك في البحرين واليمن لإعواز أئمة القراءة منهما، فأخذ بدلهما من الكوفة لكثرة القراء بها، وإذا كان هذا غرضه فلم يكن له بد من ذكر إمام من أهل الشام، ولم يكن فيهم من انتصب لذلك من التابعين مثل ابن عامر، فذكره.

ثامناْ - القراء الأئمة الذين اعتنوا بالقراءة فاشتهروا وأخذ عنهم الناس :
وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار، في كل مصر منهم ثلاثة رجال:
"فكان من قراء المدينة: أبو جعفر ثم شيبة بن نصاح ثم نافع وإليه صارت قراءة أهل المدينة".
"وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة أو أكثرهم".
وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب وعاصم والأعمش، ثم تلاهم حمزة رابعا، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم. وأما الكسائي فإنه يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة بعضا وترك بعضا".
"وكان من قراء البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر. والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة، واتخذوه إماما أبو عمرو. وقد كان لهم رابعا، وهو عاصم الجحدري، غير أنه لم يرو عنه في الكثرة ما روي عن هؤلاء الثلاثة".
"وكان من قراء الشام: عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث الذماري وثالث، قد سمي لي بالشام ونسيت اسمه، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا من التابعين".
- ثم أردف المؤلف : قلت: الذي نسيه أبو عبيد، قيل: هو خليد بن سعد صاحب أبي الدرداء، وعندي أنه عطية بن قيس الكلابي أو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر. فإن كل واحد منهما كان قارئا للجند، وكان عطية بن قيس تصلح المصاحف على قراءته بدمشق على ما نقلناه في ترجمتهما في التاريخ.

- وختم المؤلف بملاحظة قائلاً :
فظهر لي من هذا: أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع من هذا على قدر ما رووا، وأن ذلك المتلقن له من النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه أقرأ غيره كما سمعه، ثم من بعده كذلك إلى أن اتصل بالسبعة، ومثاله قراءة نافع "يحزن" بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا حرف الأنبياء، وقراءة ابن عامر "إبراهام" بالألف في بعض السور دون بعض، ونحو ذلك مما يقال فيه: إنه جمع بين اللغتين، والله أعلم.
**************************************************************
الباب الخامس
المقصد العام : في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية والشاذة الضعيفة المروية
المقاصد الفرعية :
أولاً - تصنيف الإمام أبي بكر بن مجاهد لحملة القرآن
ثانياً - تفصيل ابن مجاهد للآثار التي رويت في حروف القرآن
ثالثاً - بيان أن القراءة التي يقرأها الناس اليوم على تنوعها هي أحدث القراءات عهداً بالعرضة الأخيرة
رابعاً - المراد بالقراءة الشاذة أو الضعيفة
خامساً - بيان أصح القراءات سنداً وأفصحها في العربية
سادساً - انقسام القراءات السبعة المأخوذة عن الأئمة إلى مجمع عليه وشاذ
سابعاً - أمثلة على ما نسب إلى القراء السبعة وفيه إنكار لأهل اللغة وسببه

ثامناً - هل يلزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف عليها بين القراء ؟
تاسعاً - حكم القراءة بالشاذ
عاشراً - قصة ابن سنبوذ وبيان بدعته وتوبته منها

**************************
أولاً - تصنيف الإمام أبي بكر بن مجاهد لحملة القرآن :
قال الإمام أبو بكر بن مجاهد في "كتاب السبعة":
"اختلف الناس في القراءات، كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين، توسعة ورحمة للمسلمين، وبعض ذلك قريب من بعض، وحملة القرآن متفاضلون في حمله ونقله الحروف، منازل في نقل حروفه".
- الصنف الأول : "فمن حملة القرآن المعرب العالم بوجوه الإعراب في القراءات، العارف باللغات ومعاني الكلام، البصير بعيب القراءة المنتقد للآثار، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين"
- الصنف الثاني :"ومنهم من يعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه، فهو مطبوع على كلامه".
- الصنف الثالث :"ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، وليس عنده إلا الأداء لما تعلم، لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ ولا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقا، فيحمل ذلك عنه وقد نسيه وأوهم فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ على من نسي وضع الإعراب ودخلته الشبهة فتوهم، فذلك لا يقلد في القراءة ولا يحتج بنقله".
- الصنف الرابع : "ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعنى ويعرف اللغات ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس في الآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعا، وقد روينا في كراهة ذلك وخطره أحاديث".


ثانياً - تفصيل ابن مجاهد للآثار التي رويت في حروف القرآن :
قال ابن مجاهد : "وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام: منها المجتمع عليه السائر المعروف، ومنها المتروك المكروه عند الناس: المعيب من أخذ به، وإن كان قد روي وحفظ، ومنها ما قد توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله.
"وكذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن":
"منها اللغة الشاذة القليلة، ومنها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنه قد قرئ به، ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غير جائز عند من لا يبصر من العربية غير اليسير، ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير، وبكل قد جاءت الآثار في القراءات".

ثالثاً - بيان أن القراءة التي يقرأها الناس اليوم على تنوعها هي أحدث القراءات عهداً بالعرضة الأخيرة :
- قال: "والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذاهبه على ما روي -يعني- عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه، قال زيد: القراءة سنة".
- ذكر عن محمد بن سيرين أنه قال:
"كانوا يرون أن قراءتنا هذه هي أحدثهن بالعرضة الأخيرة"، وفي رواية قال: "نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين".
- وعنه عن عبيدة السلماني قال: "القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هي التي يقرؤها الناس اليوم".

رابعاً - المراد بالقراءة الشاذة أو الضعيفة :
فكل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي قراءة صحيحة معتبرة ، فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه الشيخ المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع وأمر بإلحاقه "بكتاب الكشف عن وجوه القراءات" من تصانيفه، وقد تقدم فيما نقلناه من كلامه في الباب الرابع الذي قبل هذا الباب.
قال الشيخ الحسن -رحمه الله - :
شذ الرجل يشذ ويشذ شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم، وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور.


خامساً - بيان أصح القراءات سنداً وأفصحها في العربية :
"وقد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه وقالوا: قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سندا وأفصحها في العربية، وبعدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي".
"وإذا اجتمع للحرف قوته في العربية وموافقة المصحف واجتماع العامة عليه فهو المختار عند أكثرهم. وإذا قالوا: قراءة العامة، فإنما يريدون ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة. فهو عندهم سبب قوي يوجب الاختيار. وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وسموه أيضا بالعامة".


سادساً - انقسام القراءات السبعة المأخوذة عن الأئمة إلى مجمع عليه وشاذ :
يقول المؤلف -رحمه الله-
ونحن فإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت، فلسنا ممن يقول: إن جميع ما روي عنهم يكون بهذه الصفة، بل قد روي عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف وشاذ بخروجه عن الضابط المذكور باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولهذا ترى كتب المصنفين في القراءات السبع مختلفة في ذلك، ففي بعضها ذكر ما سقط في غيرها، والصحيح بالاعتبار الذي ذكرناه موجود في جميعها إن شاء الله تعالى.
فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم، فوق ما ينقل عن غيرهم.


سابعاً - أمثلة على ما نسب إلى القراء السبعة وفيه إنكار لأهل اللغة وسببه :
- فما نسب إليهم وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم:
الجمع بين الساكنين في تاءات البزي، وإدغام أبي عمرو، وقراءة حمزة "فما اسطاعوا"، وتسكين من أسكن "بارئكم" و"يأمركم" ونحوه و"سبأ" و"يا بني" و"مكر السيئ""، وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي ويصبر" و"أفئدة من الناس" وقراءة "ليكة" بفتح الهاء، وهمز "سأقيها"، وخفض "والأرحام"، ونصب "كن فيكون"، والفصل بين المضافين في "الأنعام"، وغير ذلك .
- فكل هذا محمول على قلة ضبط الرواة فيه على ما أشار إليه كلام ابن مجاهد المنقول في أول هذا الباب.
وإن صح فيه النقل فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة مباحة عليها، على ما هو جائز في العربية، فصيحا كان أو دون ذلك.


ثامناً - هل يلزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف عليها بين القراء ؟ :
قال المؤلف :
قد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فإن القراءات السبع المراد بها ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق.
فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.


تاسعاً - حكم القراءة بالشاذ :
- قال شيخ الشافعية : "والقراءة الشاذة ما نقل قرآنا من غير تواتر واستفاضة، متلقاة بالقبول من الأمة كما اشتمل عليه "المحتسب" لابن جني وغيره، وأما القراءة بالمعنى على تجوزه من غير أن ينقل قرآنا فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلا، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا، فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه ولا يخلي ذا ضلالة ولا يحل للمتمكن من ذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه".
- قال شيخ المالكية : "لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها، عالما كان بالعربية أو جاهلا. وإذا قرأ بها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك".
- عقب المؤلف قائلاً : قلت: المنع من هذا ظاهر، وأما ما ليس كذلك فلا منع منه، فإن الجميع جائز، والتخيير في هذا، وأكثر منه كان حاصلا بما ثبت من إنزال القرآن على سبعة أحرف توسعة على القراء، فلا ينبغي أن يضيق بالمنع من هذا ولا ضرر فيه، نعم، أكره ترداد الآية بقراءات مختلفة كما يفعله أهل زماننا في جميع القراءات لما فيه من الابتداع، ولم يرد فيه شيء عن المتقدمين. وقد بلغني كراهته عن بعض متصدري المغاربة المتأخرين، والله أعلم.


عاشراً - قصة ابن سنبوذ وبيان بدعته وتوبته منها :
"بلغ الوزير أبا علي محمد بن مقلة أن رجلا -يعرف بابن شنبوذ- يغير حروفا من القرآن، فاستحضره واعتقله في داره أياما، ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن مجاهد وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ ونوظر بحضرة الوزير، فأغلظ للوزير في الخطاب وللقاضي ولابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة، وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر، واستصبى القاضي، فأمر الوزير بضربه، فنصب بين الهنبازين وضرب سبع درر، فدعا -وهو يضرب- على ابن مقلة بأن تقطع يده ويشتت شمله، ثم وقف على الحروف التي قيل إنه يقرأ بها فأنكر ما كان منها شنعا".
وقال فيما سوى ذلك: "إنه قد قرأ به قوم فاستتابوه فتاب. وقال: إنه قد رجع عما كان يقرأ به وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان رضي الله عنه وبالقراءة المتعالمة المشهورة التي يقرأ بها الناس، فكتب عليه الوزير أبو علي محضرا بما سمع من لفظه، صورته:
"يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: قد كنت أقرأ حروفا تخالف ما في مصحف عثمان المجمع عليه الذي اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلاوته، ثم بان لي أن ذلك خطأ، فأنا منه تائب، وعنه مقلع، وإلى الله عز وجل منه بريء؛ إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه ولا أن يقرأ بغير ما فيه".
وكتب ابن شنبوذ فيه :
يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: إن ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك".
وكتب بخطه :
"فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره فأمير المؤمنين -أطال الله بقاه- في حل وفي سعة من دمي، وذلك في يوم الأحد لسبع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة في مجلس الوزير أبي علي بن علي، أدام الله توفيقه".
"وكان مما اعترف به يومئذ: "فامضوا إلى ذكر الله"، "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"، "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا"، "كالصوف المنفوش"، "تبت يدا أبي لهب وقد تب"، "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب"، "والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى"، "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما"، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم"، "تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وتحت ذلك بخط ابن مجاهد :
"اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضرتي وكتب ابن مجاهد بيده".
قلت: ثم مات ابن شنبوذ في صفر سنة ثمان وعشرين بعد موت ابن مجاهد بأربع سنين، وعزل ابن مقلة ونكب في سنة أربع وعشرين بعد نكبة ابن شنبوذ بسنة واحدة، فجرى عليه من الإهانة بالضرب والتعليق والمصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلى قطع يده ولسانه ونسأل الله تعالى العافية.

- عبرة أوردها المؤلف للعظة من الجناية في حق أهل القرآن :
وابن شنبوذ وإن كان ليس بمصيب فيما ذهب إليه ولكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، فكان الرفق به ومداراته أولى من إقامته مقام الدعار المفسدين في الأرض وإجرائه مجراهم في العقوبة، فكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا في ذلك إن شاء الله تعالى، ولكنه سبحانه وتعالى: {يفعل ما يشاء} ويبتلي من شاء بما شاء سبحانه {لا يسأل عما يفعل}، وهو تعالى أعلم وأحكم.
*******************************************************

الباب السادس
المقصد العام :[color="rgb(153, 50, 204)"] في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها[/color]

المقاصد الفرعية :
أولاً - فضل فهم معاني القرآن وتدبر آياته والعمل بمقتضاه على الاكتفاء بحفظ ألفاظه وتجويد حروفه
ثانياً - نماذج من تأثر السلف بالقرآن
ثالثاً - الحث على التأني في تلاوة القرآن
رابعاً - الحث على تحسين الصوت بالقرآن والنهي عن التطريب فيه
خامساً - النهي عن التنطع في التلاوة في التلاوة والتكلف في القراءة
سادساً - الفرق بين العمل بالقرآن ومعرفة العمل وتحقيق ألفاظه وحفظها
سابعاً - أصناف من حملة القرآن
ثامناً - ما يجب أن يتحلى به قارئ القرآن


**************************
أولاً - فضل فهم معاني القرآن وتدبر آياته والعمل بمقتضاه على الاكتفاء بحفظ ألفاظه وتجويد حروفه :
- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همة إلا في قوة حفظه وسرعة سرده وتحرير النطق بألفاظه والبحث عن مخارج حروفه والرغبة في حسن الصوت به.
وكل ذلك وإن كان حسنا ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم وأولى وأحرى وهو فهم معانيه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه والوقوف عند حدوده وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته، ونحن نسرد من الأخبار والآثار ما يشهد لما قلناه بالاعتبار.
- أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن" عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}، قال: يتبعونه حق إتباعه.
وعن الشعبي في قوله تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم}، قال: أما إنه ما كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العمل به.
- وعن الحسن: أن أولى الناس بالقرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرؤه.
- حدثنا ابن المبارك عن مسعر عن عبد الأعلى التيمي قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه: فليس بخليق أن يكون أوتي علما ينفعه؛ لأن الله تبارك وتعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.
- وعن أبي الزاهرية: أن رجلا أتى أبا الدرداء بابنه فقال: با أبا الدرداء، إن ابني هذا جمع القرآن، فقال: اللهم اغفر، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه.
- وروي مرفوعا وموقوفا: ((اقرءوا القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه)).


ثانياً - نماذج من تأثر السلف بالقرآن :
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع وبها يسجد: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
- وعن تميم الداري: أنه أتى المقام ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تذكر فيها الجاثية، فلما أتى على هذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه يردد {وقل رب زدني علما}، حتى أصبح.
- وعن عامر بن عبد قيس: أنه قرأ ليلة من سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن هشام بن عروة عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "سورة الطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم}، قال: وهي في الصلاة.
- وعن سعيد بن جبير: أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.
- وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله.


ثالثاً - الحث على التأني في تلاوة القرآن :
- عن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: ترسل فيه ترسلا.
- وعن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرها وأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.
- وسئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}.
- وحدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل، فإنه زين القرآن.
- وعن محمد بن كعب قال: لأن أقرأ {إذا زلزلت} و {القارعة}، أرددهما وأتفكر فيهما، أحب إلي من أن أهذ القرآن.
- وعن إبراهيم عن علقمة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: إياكم والهذاذين الذين يهذون القرآن ويسرعون بقراءته، فإنما مثل ذلك كمثل الأكمة التي لا أمسكت ماء ولا أنبتت كلأ.


رابعاً - الحث على تحسين الصوت بالقرآن والنهي عن التطريب فيه :
- قال أبو عبيد : حدثنا أبو النضر عن شعبة قال: حدثني معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقته أو جمله يسير، وهو يقرأ سورة الفتح -أو قال: من سورة الفتح- ثم قرأ معاوية قراءة لينة، فرجع ثم قال: لولا أخشى أن يجتمع الناس علينا، لقرأت ذلك اللحن.
قال: قلت لعطاء ما تقول في القراءة على الألحان؟ فقال: وما بأس بذلك، سمعت عبد الله بن عمر يقول: كان داود عليه السلام يفعل كذا وكذا لشيء ذكره، يريد أن يبكي بذلك ويبكي.
- ثم ذكر أبو عبيد أحاديث كثيرة في تحسين الصوت بالقرآن، ثم قال: وعلى هذا المعنى تحمل هذه الأحاديث، إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، لا الألحان المطربة الملهية.
- عن طاوس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن صوتا بالقرآن -أو أحسن قراءة- فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
- وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)).
- وعن عابس الغفاري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته خصالا: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوما يتخذون القرآن من أمير، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا بأفضلهم، إلا ليغنيهم به غناء.
- وعن أنس: أنه سمع رجلا يقرأ بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه.
- وعن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن في الصلاة قبل العشاء الآخرة وبعدها ويغلط أصحابه.


خامساً - النهي عن التنطع في التلاوة في التلاوة والتكلف في القراءة :
- قال أبو بكر بن أبي شيبة:
حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)).
- وقال عبد الله: إياكم والتنطع والاختلاف.
- وقال حذيفة: إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يدع واوا ولا ألفا، يلفت كما تلفت البقرة بلسانها، لا يجاوز ترقوته.
- وعن ابن المنكدر عن جابر -رضي الله عنه قال : كنا جلوسا نقرأ القرآن، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا فقال: ((اقرءوا القرآن، فيوشك أن يأتي قوم يقرءونه، يقومونه كما يقوم القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه)).
- وفي رواية سهل بن سعد: يقومون حروفه كما يقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه.
- وقال أبوعمرو الداني الحافظ المقرئ -رحمه الله- :
"التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن يوفي الحروف حقوقها من المد والهمز والتشديد والإدغام والحركة والسكون والإمالة والفتح، إن كانت كذلك من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف".
قال: "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من القراء من الإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك".
- قال أبو الحسن السخاوي -رحمه الله- :
لا تحسب التجويد مدا مفرطا أو مد ما لا مد فيه لوان
أو أن تشدد بعد مد همزة أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أن تفوه بهمزة متهوعا فيفر سامعها من الغثيان
للحرف ميزان، فلا تك طاغيا فيه، ولا تك مخسر الميزان
فإذا همزت فجئ به متلطفا من غير ما بهر وغير توان
وامدد حروف المد عند مسكن أو همزة حسنا أخا إحسان


سادساً - الفرق بين العمل بالقرآن ومعرفة العمل وتحقيق ألفاظه وحفظها :
قال أبو حامد الغزالي في كتاب ذم الغرور:
"اللب الأقصى هو العمل، والذي فوقه هو معرفة العمل، وهو كالقشر للعمل وكاللب بالإضافة إلى ما فوقه، والذي فوقه هو سماع الألفاظ وحفظها بطريق الرواية، وهو قشر بالإضافة إلى المعرفة ولب بالإضافة إلى ما فوقه، وما فوقه هو العلم باللغة والنحو، وفوق ذلك القشرة العليا وهو العلم بمخارج الحروف، والعارفون بهذه الدرجات كلهم مغترون إلا من اتخذ هذه الدرجات منازل، فلم يعرج عليها إلا بقدر حاجته، فتجاوز إلى ما وراءه، حتى وصل إلى باب العمل، وطالب بحقيقة العمل قلبه وجوارحه، ورجى عمره في حمل النفس عليه وتصحيح الأعمال وتصفيتها عن الشوائب والآفات، فهذا هو المقصود المخدوم من جملة علوم الشرع، وسائر العلوم خدم له ووسائل إليه وقشور له ومنازل بالإضافة إليه، وكل من لم يبلغ المقصد فقد خاب، سواء كان في المنزل القريب، أو في المنزل البعيد، وهذه العلوم لما كانت متعلقة بعلوم الشرع اغتر بها أربابها".
وقال في كتاب تلاوة القرآن: "أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحجب سدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن: أولها أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لا يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة الشيطان لمن كان مطيعا لمثل هذا التلبيس".
ثم قال: "وتلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ".


سابعاً - أصناف من حملة القرآن :
قال الحسن: قراء القرآن على ثلاثة أصناف:
صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة، كثير هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم واستشعروا الخوف وارتدوا الحزن، فأولئك يسقي الله بهم الغيث وينصرهم على الأعداء، والله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر".


ثامناً - ما يجب أن يتحلى به قارئ القرآن :
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار يحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه، وجعله رفيق السفرة الكرام البررة، وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا)).
- وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن بحزن فإنه نزل بحزن)).
- عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا))
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون.
- وقال الفضيل بن عياض: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد من الخلق حاجة، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه".
- "قال سفيان بن عيينة: من أعطى القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن، فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم}. وقال: {ورزق ربك خير وأبقى}، يعني القرآن".
- وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "كتاب ثواب القرآن" :
حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يقرأ القرآن عند الأمر يعرض من أمر الدنيا.
- وقال أبو عبيد: جلست إلى معمر بن سليمان بالرقة، وكان من خير من رأيت، وكانت له حاجة إلى بعض الملوك، فقيل له: لو أتيته فكلمته، فقال: قد أردت إتيانه، ثم ذكرت القرآن والعلم، فأكرمتهما عن ذلك.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الأولى 1436هـ/3-03-2015م, 07:30 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمياء مشاهدة المشاركة
تلخيص مقاصد المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة

الباب الأول
المقصد العام : بيان ما يتعلق بنزول القرآن وتلاوته والمشتهرون من الصحابة بالحفظ والإتقان

المقاصد الفرعية :
أولاً : بيان زمن إنزال القرآن
ثانيا : مراحل نزول القرآن

ثالثاً : الحكمة من نزول القرآن إلى السماء الدنيا أولاً
رابعاً : الحكمة من نزول القرآن منجماً
خامساً : وعد الله عز وجل لنبيه بحفظ القرآن وبيانه
سادساً : أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن
سابعاً : بيان توقيفية ترتيب آيات القرآن
ثامناً : المشتهرون بالحفظ والإتقان من الصحابة
تاسعاً : أنواع النسخ في القرآن

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أولاً : بيان زمن إنزال القرآن
أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان والدليل قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، وقال جلت قدرته: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، فليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في شهر رمضان جمعا بين هؤلاء الآيات؛ إذ لا منافاة بينها، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ليلة القدر في شهر رمضان، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسها في العشر الأخير منه، ولا ليلة أبرك من ليلة، هي خير من ألف شهر. فتعين حمل قوله سبحانه: {في ليلة مباركة} على ليلة القدر.


ثانياً : مراحل نزول القرآن :
أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم نزل مفرقاً على محمدٍ صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة والدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله عطية بن الأسود فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة... يعني وغير ذلك من الأشهر.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام.
يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق .

وفي المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال: [ هذه مسألة منفصلة ]
أحدها: أنه ابتدئ إنزاله فيها :
- ذكر أبو الحسن الماوردي في تفسيره قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم أرسالا في الشهور والأيام. [ هذا قول آخر يجمع الأقوال الثلاثة الأولى مما ذكرتِ ]
يعني بهذا الإنزال تنجيم السفرة ذلك على جبريل، وذكر قول الشعبي: أن الله عز وجل ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر .

والثاني: أنه أنزل فيها جملة واحدة :
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً}
- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض، قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا}، صحيح على شرطهما.
- وقال أبو الحسن الواحدي المفسر: وقال مقاتل: أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا، فكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة كلها إلى مثلها من العام القابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر، ونزل به جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام في عشرين سنة.

والثالث: أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة :
- قال ابن جبير: نزل القرآن كله من السماء العليا إلى السماء السفلى ثم فصل في السماء السفلى في السنين التي نزل فيها.
قال قتادة: كان بين أوله وآخره عشرون سنة، ولهذا قال: {لتقرأه على الناس على مكث}.
- وفي "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الليلة التي تليها، فينزل جبريل عليه السلام ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة.

- وما رواه داود عن الشعبي، يعد قولا رابعا في معنى قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن}، وكأنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة تغيير بعض ألفاظه على ما سيأتي، وإن ضم إلى ذلك كونه ابتدأ نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته.


ثالثاً : الحكمة من نزول القرآن جملةً إلى السماء الدنيا أولاً :
1- تفخيم لأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم، ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لم نهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله، ولكن الله تعالى باين بينه وبينها فجمع له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا.

2- تشريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، كما شرف بحيازة درجتي الغني الشاكر والفقير الصابر، فأوتي مفاتيح خزائن الأرض، فردها واختار الفقر والإيثار بما فتح الله عليه من البلاد، فكان غنيا شاكرا وفقيرا صابرا صلى الله عليه وسلم.
- فإن قلت: في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها؟ [ هذه مسألة منفصلة ]
قلت: الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل، فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإن كان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر؛ لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمد المرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء .

3- تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة، فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن، فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا، ووضعت النبوة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام بالرسالة ثم الوحي، كأنه أراد تبارك وتعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله تعالى إلى الأمة، ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال عز وجل: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.


رابعاً : الحكمة من نزول القرآن منجماً :
قال تعالى في كتابه العزيز: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة}، يعنون كما أنزل على من كان قبله من الرسل، فأجابهم الله تعالى بقوله: {كذلك} أي أنزلناه كذلك مفرقا {لنثبت به فؤادك} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك عليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام .

2- كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو نزل جملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه .

فإن قلت: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.
قلت: ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه، فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأن يلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم. {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.

3- وأيضا في القرآن ما هو جواب عن أمور سألوه عنها، فهو سبب من أسباب تفريق النزول، ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا.

فهذه وجوه ومعان حسنة في حكمة نزوله منجما، وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة، فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشرة .

خامساً : وعد الله عز وجل لنبيه بحفظ القرآن وبيانه :
كان الله تعالى قد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم حفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم نسيانه بقوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، أي علينا أن نجمعه في صدرك فتقرؤه فلا ينفلت عنك منه شيء، وقال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}، أي غير ناس له.
وفي الصحيحين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، فكان ذلك يعرف منه، فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أخذه {إن علينا جمعه وقرآنه}، إن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه فتقرؤه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: أنزلناه فاستمع له {ثم إن علينا بيانه} أن نبينه بلسانك، فكان إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله تعالى.

وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه}، قال: جمعه في صدرك ثم تقرؤه {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}، قال: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه .


سادساً : أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن :
أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أول سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته، ثم نزل {يا أيها المدثر} ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا .

وآخر ما نزل من الآيات {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية، وقيل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} إلى آخرها، وقيل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخر الآيتين، وقيل آيات الربا، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن {واتقوا يوما} هي آخرهن، ونزل يوم عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية.


سابعاً : بيان توقيفية ترتيب آيات القرآن :
كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: ((ضعوا هذه في سورة كذا))، وكان يعرضه على جبريل في شهر رمضان في كل عام، وعرضه عليه عام وفاته مرتين، وكذلك كان يعرض جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام مرة، وعرض عليه عام وفاته مرتين.

كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الشيء من القرآن دعا بعض من كان يكتب فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا)).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم". وفي رواية: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم}، فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت.
وفي البخاري عن البراء بن عازب قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... والمجاهدون في سبيل الله}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ادع لي زيدا، وليجئ باللوح والدواة والكتف)) -أو الكتف والدواة- ثم قال: ((اكتب: {لا يستوي القاعدون ...} )).
وخلف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أم مكتوم الأعمى فقال: يا رسول الله فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها {غير أولي الضرر}.


ثامناً : المشتهرون بالحفظ والإتقان من الصحابة :
- عن مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب)).
وفيه عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
قال ابن سيرين : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري، رضي الله عنهم.
وعن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار: أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد. ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثا، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم غير عثمان رضي الله عنهم.

- والصحيح أن الحفاظ كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمون القراء. وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأه في شهر))، الحديث.
وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذه الآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان من ألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا على ظاهره.
وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له، فذكر من المهاجرين أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة وسعدا وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعمرو بن العاص وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن السائب، قارئ مكة.
ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة.


تاسعاً : أنواع النسخ في القرآن :
أما ما نسخ من القرآن فعلى ثلاثة أضرب:
1- ما نسخت تلاوته وبقي حكمه كآية الرجم .
2- ما نسخت تلاوته وحكمه، وزانك كآية الرضاع.
3- ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته كآية عدة الوفاة حولا نسخت بالآية التي قبلها التي ذكر فيها {أربعة أشهر وعشرا}.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كان مما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن". ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن .

قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندنا.

معناه، فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فلما اتصل ذلك بعمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها. فاشتهر ذلك وثبت، والله أعلم

- قال العلماء أن جميع القرآن الذي أنزله الله تعالى وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ويرفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه، وأن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم كان بجميعه بيانا شائعا ذائعا وواقعا على طريقة واحدة، ووجه تقوم به الحجة وينقطع العذر، وأن الخلف نقله عن السلف على هذه السبيل، وأنه قد نسخ منه بعض ما كانت تلاوته ثابتة مفروضة، وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله سبحانه ورتبه عليه رسوله من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر، ولا أخر منه مقدم، وأن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القرآن وذات التلاوة، وأنه قد يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، كما رتب آيات سوره، ويمكن أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتول ذلك بنفسه صلى الله عليه وسلم، وإن القرآن لم يثبت آيه على تاريخ نزوله، بل قدم ما تأخر إنزاله، وأخر بعض ما تقدم نزوله على ما قد وقف عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك"

[ ترتيب آيات القرآن وحفظ الله عز وجل للقرآن في صدر النبي وحملة القرآن من الصحابة ، هذه المسائل تتبع جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ]
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

الباب الثاني
[color="rgb(153, 50, 204)"]المقصد العام :[/color] [color="rgb(153, 50, 204)"]جمع الصحابة رضي الله عنهم القرآن وإيضاح ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان[/color]

المقاصد الفرعية :
أولاً - السبب في عدم جمع النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن في حياته
ثانياً - سبب الجمع الأول للقرآن في عهد أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- [ هو الجمع الثاني على الحقيقة فالأول هو الجمع النبوي ]
ثالثاً - سبب اختيار أبي بكرٍ الصديق لزيدٍ بن ثابت -رضي الله عنهما- للقيام بمهمة الجمع الأول
رابعاً - سبب جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
خامساً - اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على ما فعله عثمان -رضي الله عنه-
سادساً - بيان من قام بالجمع من الصحابة :
سابعاً - بيان الأمصار التي بعث إليها عثمان -رضي الله عنه- بالنسخ من المصحف
ثامناً - الفرق بين جمع أبي بكرٍ وعثمان -رضي الله عنهما للقرآن

****************************************
أولاً - السبب في عدم جمع النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن في حياته :
يشبه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما لم يجمعه في مصحف واحد، لما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه، ورسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه صلى الله عليه وسلم، وانقطع الوحي، قيض لخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين.

ثانياً - سبب الجمع الأول للقرآن في عهد أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- :
- روى البخاري أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر.

- وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.


ثالثاً - سبب اختيار أبي بكرٍ الصديق لزيدٍ بن ثابت -رضي الله عنهما- للقيام بمهمة الجمع الأول :
- قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمراني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير.

- ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل وهي التي بين فيها ما نسخ وما بقي.

- قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف، رضي الله عنهم أجمعين .


رابعاً - سبب جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- :
- السبب في ذلك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

خامساً - اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على ما فعله عثمان -رضي الله عنه-
- قال علي رضوان الله عليه: لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. وفي رواية أخرى لو وليت من أمر المصاحف ما ولي عثمان لفعلت ما فعل عثمان.

- وعن علي رضي الله عنه أيضاً أنه قال: اختلف الناس في القرآن على عهد عثمان فجعل الرجل يقول للرجل: قراءتي خير من قراءتك، فبلغ ذلك عثمان فجمعنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الناس قد اختلفوا اليوم في القراءة وأنتم بين ظهرانيهم، فقد رأيت أن أجمع على قراءة واحدة، قال: فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، قال: وقال علي: لو وليت مثل الذي ولي، لصنعت مثل الذي صنع. وفي رواية: يرحم الله عثمان، لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان .

- ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقرؤون بالقراءة التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في زمن عثمان وعظم الأمر فيه، وكتب الناس بذلك من الأمصار إلى عثمان، وناشدوه الله تعالى في جمع الكلمة وتدارك الناس قبل تفاقم الأمر، وقدم حذيفة بن اليمان من غزوة إرمينية، فشافهه بذلك، فجمع عثمان عند ذلك المهاجرين والأنصار، وشاورهم في جمع القرآن على حرف واحد ليزول بذلك الخلاف وتتفق الكلمة، فاستصوبوا رأيه، وحضوه عليه، ورأوا أنه من أحوط الأمور للقرآن، فاستحضر الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.
[ هنا تفاصيل جمع عثمان رضي الله عنه وكان يمكن اختصارها أكثر من ذلك ]

- وقال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر.

- وقال حماد بن سلمة: كان عثمان في المصحف كأبي بكر في الردة.

- وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.

- وكل ما سبق يشهد لعثمان -رضي الله عنه- بالفضل في جمع المسلمين على المصحف الذي بين أيدينا اليوم وأن ذلك كان بتأييد وإجماع من الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً ولم يعارضه فيه أحد.
[ تؤخر هذه المسألة في مسائل جمع عثمان للقرآن ]
سادساً - بيان من قام بالجمع من الصحابة :
- روي أن عثمان أرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.

- قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}، فألحقتها في سورتها في المصحف.

- دعا عثمان رضي الله عنه أربعة نفر، ثلاثة من قريش ورجلا من الأنصار: عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وزيد بن ثابت فقال: انسخوه. فنسخوه على هذا التأليف، وقال: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه على ما تقولون أنتم، فإن القرآن أنزل على لسان قريش، فنسخوا القرآن في مصحف واحد حتى فرغوا منه، ثم نسخ من ذلك المصحف مصاحف، فبعث إلى كل بلد مصحفا، وأمرهم بالاجتماع على هذا المصحف .


سابعاً - بيان الأمصار التي بعث إليها عثمان -رضي الله عنه- بالنسخ من المصحف :
اختلف العلماء في عدد الأمصار وماهيتها على أقوال أهمها :
1- قال أبو حاتم السجستاني: لما كتب عثمان رضي الله عنه المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا.

2- قال أبو عمرو الداني في كتاب "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان رحمه الله لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ: فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، واحتبس عند نفسه واحدة.

ثامناً - الفرق بين جمع أبي بكرٍ وعثمان -رضي الله عنهما للقرآن :
1- اختلفا في سبب الجمع حيث جمعه أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- خوفاً من ذهاب شيئٍ منه بعد أن قتل كثير من القراء في موقعة اليمامة ، بينما جمعه عثمان -رضي الله عنه خوفاً من اختلاف المسلمين واستفحال الأمر حتى وصل لتكفير بعضهم بعضاً لاختلاف القراءات بعد فتح أرمينية وأذربيجان.

2- جمع أبو بكرٍ القرآن بين دفتين على اختلاف القراءات والرسم الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للكتبه شاملاً الناسخ والمنسوخ، بينما جمع عثمان القرآن على رسم موحد اتفق عليه الصحابة جميعاً.

3- لم ينسخ أبو بكر المصحف الذي جمعه بينما نسخ عثمان المصحف الذي جمعه وبعث بنسخ للأمصار وحرق مادونه حتى لا يختلف المسلمون على كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى.

4- كان جمع أبي بكر للقرآن من صدور الرجال وعسب النخيل واللخاف بينما في عهد عثمان كان القرآن مجموعاً في المصحف الذي نسخه أبو بكر رضي الله عنهما فأعاد نسخه برسم موحد .

5- وذكر أبو عمرو الداني في كتابه "المقنع" عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر أول من جمع القرآن في المصاحف، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

[color="rgb(153, 50, 204)"]الباب الثالث[/color]
المقصد العام : معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))

المقاصد الفرعية :
أولاً - إثبات نزول القرآن القرآن على سبعة أحرف
ثانياً - الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف
ثالثاً - أشهر الأقوال في المراد بالأحرف السبعة
رابعاً - الأقوال في القبائل التي نزل بلسانها القرآن
خامساً - هل المصحف الآن يحوي الأحرف السبعة أم هو على حرفٍ واحد؟
سادساً - حكم اتباع ومخالفة رسم المصحف

*****************************************************
أولاً - إثبات نزول القرآن القرآن على سبعة أحرف :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف))

- وعن عمر بن الخطاب أنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ "سورة الفرقان" على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((أرسله))، فأرسله عمر فقال لهشام: ((اقرأ يا هشام))، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت))، ثم قال: ((اقرأ يا عمر))، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه))

- وفي واقعةٍ أخرى : عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى فقرأ قراءة أنكرتها، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ -وفي رواية: ثم قرأ هذا- سوى قراءة صاحبه، فأقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال: ((يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه على حرفين، فرددت إليه يهون على أمتي فرد إلي في الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم)).

- وفي رواية: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلين اختصما في آية من القرآن، وكل يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه، فتقارءا إلى أبي فخالفهما أبي، فتقارؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، اختلفنا في آية من القرآن وكلنا يزعم أنك أقرأته، فقال لأحدهما: ((اقرأ))، فقرأ فقال: ((أصبت))، وقال للآخر: ((اقرأ))، فقرأ خلاف ما قرأ صاحبه فقال: ((أصبت))، وقال لأبي: ((اقرأ))، فقرأ فخالفهما فقال: ((أصبت))، وذكر الحديث.

- وعن علقمة عن عبد الله قال: لقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمرنا فنقرأ عليه، فيخبرنا أن كلنا محسن، ولقد كنت أعلم أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان، حتى كان عام قبض فعرض عليه مرتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه، فيخبرني أني محسن، فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنها رغبة عنها، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعنه رغبة عنه، فإنه من جحد بآية -وفي رواية: بحرف- منه جحد به كله.

- وفي كتاب ابن أبي شيبة عن أم أيوب قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف أيها قرأت أصبت)).

** ويتبين مما سبق تواتر الأحاديث في كتب السنن في ثبوت الأحرف السبعة ولا خلاف في ذلك .


ثانياً - الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف :
- في جامع الترمذي عن أبي بن كعب قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: ((يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).

- وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقيت جبريل عليه السلام عند أحجار المراء فقلت: يا جبريل إني أرسلت إلي أمة أمية الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).

- قال بعض الشيوخ: الواضح من ذلك أن يكون الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب، ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزل عليهم أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف بعضهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم، ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك، فتأخذه العزة، فجعلهم يقرءونه على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم منا منه عز وجل لئلا يكلفهم ما يشق عليهم، فيتباعدوا عن الإذعان .

** مما سبق يتبين أن الأحرف السبعة إنما نزل بها القرآن تيسيراً على الأمة ورحمة من الله عز وجل بها ودرءاً للمفاسد .


ثالثاً - أشهر الأقوال في المراد بالأحرف السبعة :
اختلف العلماء قديماً وحديثاً في المراد بالأحرف السبعة وذلك لأنه لم يثبت فيها شيئ عن النبي صلى الله عليه وسلم فاجتهد العلماء في معرفتها على أقوال أهمها ما سيأتي:
القول الأول :
قوله سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، هذا لم نسمع به قط، ولكن نقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، قال: ومما يبين ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: "إني سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هلم وتعال"، وكذلك قال ابن سيرين: "إنما هو كقولك هلم وتعال وأقبل"، ثم فسره ابن سيرين فقال: في قراءة ابن مسعود (إن كانت إلا زقية واحدة)، وفي قراءتنا: {صيحة واحدة}، فالمعنى فيهما واحد، وعلى هذا سائر اللغات.
وليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، هذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى سبعة، وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض .
وهذا قول أبي عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله-
واستدل على هذا القول بأحاديث منها مارواه أنس بن مالك أن عثمان رحمة الله عليه قال للرهط القرشيين الثلاثة حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش، فإنه نزل بلسانهم. ( يعني أول نزله قبل الرخصة)

القول الثاني :
وهو قول أبي جعفر محمد بن سعدان النحوي: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) مشكل لا يدرى معناه؛ لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة، والحرف يقع على الحرف المقطوع من الحروف المعجمة، والحرف أيضا المعنى والجهة كقوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أي على جهة من الجهات ومعنى من المعاني.
[ هل هذا قول منفصل أم استطراد في بيان قول آخر ]

القول الثالث :
وهو لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني : معنى سبعة أحرف سبع لغات من لغات العرب، وذلك أن القرآن نزل بلغة قريش وهذيل وتميم وأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر .

[ ما الفرق بين هذا القول والقول الأول ؟]

القول الرابع :
وهو قول أبي بكر بن العرب
"لم تتعين هذه السبعة بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بإجماع من الصحابة، وقد اختلفت فيها الأقوال، فقال ابن عباس: اللغات سبع والسماوات سبع والأرضون سبع، وعدد السبعات، وكأن معناه أنه نزل بلغة العرب كلها، وقيل: هذه الأحرف في لغة واحدة، وقيل: هي تبديل الكلمات إذا استوى المعنى.

القول الخامس :
قال أبو عمر: وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) سبع لغات، وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر؛ لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل وطبع عليه وفطر به لم ينكر عليه، وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي مكي، وقد اختلفت قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا. وقالوا: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا أكثر أهل العلم.
واستدل على هذا القول بأحاديث منها "أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء كفر)).

القول السادس :
ذهب قوم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف، فمنها زاجر، ومنها آمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
ورجحه أبو جعفر الطبري -رحمه الله-

القول السابع :
- أما ما اختلف فيه القراء من الإمالة والفتح والإدغام والإظهار والقصر والمد والتشديد والتخفيف وشبه ذلك، فهو من القسم الأول لأن القراءة بما يجوز منه في العربية، وروي عن أئمة وثقات: جائزة في القرآن؛ لأن كله موافق للخط". قال: "وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة ذهب جماعة من العلماء، وهو قول ابن قتيبة، وابن شريح، وغيرهما، لكنا شرحنا ذلك من قولهم".
قال: "وهو الذي نعتقده ونقول به وهو الصواب إن شاء الله تعالى".
- واختار أبو علي الأهوازي طريقة أخرى فقال:
"قال بعضهم: معنى ذلك هو الاختلاف الواقع في القرآن، يجمع ذلك سبعة أوجه: الجمع والتوحيد، كقوله تعالى: {وكتبه} "وكتابه"، والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: {لا يقبل} و"لا تقبل"، والإعراب، كقوله تعالى: "المجيد" و {المجيد}، والتصريف، كقوله تعالى: "يعرشون" و {يعرشون}، والأدوات التي يتغير الإعراب لتغيرها، كقوله تعالى: "ولكن الشياطين" {ولكن الشياطين}، واللغات، كالهمز وتركه، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، وبين بين، والمد، والقصر، والإدغام، والإظهار، وتغيير اللفظ والنقط بالتفاق الخط، كقوله تعالى: "ننشرها" و {ننشزها}، ونحو ذلك". قال: "وهذا القول أعدل الأقوال وأقربها لما قصدناه، وأشبهه بالصواب".
ثم ذكر وجها آخر فقال: "قال بعضهم: معنى ذلك سبعة معان في القراءة".
"أحدها: أن يكون الحرف له معنى واحد، تختلف فيه قراءتان تخالفان بين نقطة ونقطة مثل {تعملون} و"يعملون".
"الثاني: أن يكون المعنى واحدا وهو بلفظتين مختلفتين، مثل قوله تعالى: {فاسعوا} و"فامضوا".
"والثالث: أن تكون القراءتان مختلفتين في اللفظ، إلا أن المعنيين متفرقان في الموصوف، مثل قوله تعالى: "ملك" و {مالك}.
"والرابع: أن تكون في الحرف لغتان، والمعنى واحد وهجاؤها واحد، مثل قوله تعالى: "الرشد" والرشد".
"والخامس: أن يكون الحرف مهموزا وغير مهموز، مثل "النبيء" و {النبي}.
"والسادس: التثقيل والتخفيف، مثل {الأكل} و"الأكل".
"والسابع: الإثبات والحذف، مثل "المنادي" و {المناد} ".
قال أبو علي: "وهذا معنى يضاهي معنى القول الأول الذي قبله، وعليه اختلاف قراءة السبعة الأحرف".

- ومما يظهر أن العلماء اختلفوا في تحديد وجوه هذه الأحرف السبعة على ما تقدم فهي إما مفرقة كلها في القرآن أو أنها موجودة في معنى واحد لكلمة مختلفة الألفاظ وهذا نادر أو أن بعض الأحرف هو الموجود حالياً في المصاحف أو أنه حرف واحد فقط وتم نسخ باقي الأحرف الست من قبل الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه وهذا ما أنكره وضعه بعض العلماء على ما سيأتي بيانه.

رابعاً - الأقوال في القبائل التي نزل بلسانها القرآن :
- روي عن عثمان رضي الله عنه: "أنزل القرآن بلسان مضر".
- وعن سعيد بن المسيب قال: "نزل القرآن على لغة هذ الحي من لدن هوازن وثقيف إلى ضرية".
- وعن أبي العالية قال: "قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم من كل خمس رجل، فاختلفوا في اللغة، ورضي قراءتهم كلهم، وكانت تميم أعرب القوم".
- قال أبو حاتم السجستاني: "أحب الألفاظ واللغات إلينا لغات قريش ثم من دنا منهم من بطون العرب ومن بطون مضر خاصة للحديث الذي جاء في مضر".
- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، صارت في عجز هوازن منها خمسة".
- قال أبو حاتم: "عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر".
- وأخيراً قال قاسم بن ثابت: "ولو أن رجلا مثل مثالا، يريد به الدلالة على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)). وجعل الأحرف على مراتب سبعة، فقال: "منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أوتي على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن".


خامساً - هل المصحف الآن يحوي الأحرف السبعة أم هو على حرفٍ واحد؟ :
هذا أيضاً من المسائل التي اختلف فيها العلماء على قولين :
القول الأول :
أن عثمان رضي الله عنه جمه الأمة على حرف واحد فقط قيل هو حرف زيد بن ثابت لاجتماع الأنصار والمهاجرين عليه وذلك لانتهاء الرخصة التي رخصت لهم في بادئ الأمر نظراً لقلة الكتبة والحفاظ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا على حرفٍ واحد ووحدوا به المصاحف وحرق ما دونه .
وأيد هذا القول ابن جرير الطبري.

القول الثاني :
أن المصحف الموجود الآن والذي اجتمعت عليه الأمة منذ عهد عثمان رضي الله عنه يحوي الحروف السبعة وهي مفرقة فيه وحظ بعض الأحرف في ذلك أكثر من بعض .
وهذا القول أيده القاضي أبو بكر بن الطيب وأنكر القول الأول إنكاراً شديداً.

سادساً - حكم اتباع ومخالفة رسم المصحف :
قال صاحب "شرح السنة":
"جمع الله تعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد، وهو آخر العرضات على رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر بكتبته، جمعا بعد ما كان مفرقا في الرقاع ليكون أصلا للمسلمين، يرجعون إليه ويعتمدون عليه، وأمر عثمان بنسخه في المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه قطعا لمادة الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع، كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة، والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد وهو الإمام للأمة، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابة والسواد".

- وعليه فلا يجوز مخالفة رسم المصحف وأن ذلك محرم بالإجماع والله أعلم
**********************************************

الباب الرابع

المقصد العام :[color="rgb(153, 50, 204)"] معنى القراءات المشهورة الآن وتعريف الأمر في ذلك كيف كان[/color]

المقاصد الفرعية :
أولاً - الدليل العقلي على أن القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة
ثانياً - رد قول من نسب مقولة أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة المذكورة في الحديث إلى مجاهد -رحمه الله-
ثالثاً - مسائل هامة أوردها أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم :
1) ما السبب في اختلاف أئمة القراء بعد المرسوم لهم ، هل ذلك شيئ تخيروه من قبل أنفسهم ، أم ذلك شيئ وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف لهم ؟
2) ما القول في هذه القراءات السبع التي ألفت في الكتب ؟
رابعاً - مسائل أوردها مكي بن أبي طالب -رحمه الله- :

1) ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة ، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارهامما قرأ به على أئمته ؟
2) ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هم فوقهم فنسبت إليهم السبعة أحرف مجازاً ، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم ممن هو أعلى درجة منهم وأجل قطراً ؟
3) لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة فقط ؟
خامساً - أول من اقتصر على القراء السبعة من العلماء
سادساً - شروط صحة القراءة والقبول بها
سابعاً - سبب اختيار ابن مجاهد لابن عامر من قراء الشام
ثامناْ - القراء الأئمة الذين اعتنوا بالقراءة فاشتهروا وأخذ عنهم الناس

****************************************
أولاً - الدليل العقلي على أن القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة :
حكى عبد الواحد بن أبي هاشم عن شيخه ابن جرير الطبري :
ثبتت الأمة على حرف واحد من السبعة التي خيروا فيها، وكان سبب ثباتهم على ذلك ورفض الستة ما أجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوا على الأمة تكفير بعضهم بعضا أن يستطيل ذلك إلى القتال وسفك الدماء وتقطيع الأرحام، فرسموا لهم مصحفا، أجمعوا جميعا عليه وعلى نبذ ما عداه لتصير الكلمة واحدة، فكان ذلك حجة قاطعة وفرضا لازما".
ثم برهن بالدليل العقلي على أن القراءات السبعة المشهورة ليست هي الأحرف السبعة بما يلي :
قال : "وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).
"فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تخلف عظيم، أكان ذلك ينص من النبي صلى الله عليه وسلم أم كيف ذلك".
"وكيف يكون ذلك والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون، وغيره كان السابع -وهو يعقوب الحضرمي- فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب"؟.
"وكيف يكون ذلك والكسائي إنما قرأ على حمزة وغيره، وإذا كانت قراءة حمزة أحد الحروف السبعة فكيف يخرج حرف آخر من الحروف السبعة؟".


ثانياً - رد قول من نسب مقولة أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة المذكورة في الحديث إلى مجاهد -رحمه الله- :
قال ابن أبي هاشم :

وقد ظن جماعة ممن لا خبرة له بأصول هذا العلم أن قراءة هؤلاء الأئمة السبعة هي التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، فقراءة كل واحد من هؤلاء حرف من تلك الأحرف، ولقد أخطأ من نسب إلى ابن مجاهد أنه قال ذلك.
"رام هذا الغافل مطعنا في أبي بكر شيخنا، فلم يجده، فحمله ذلك على أن قوله قولا لم يقله هو ولا غيره، ليجد مساغا إلى ثلبه، فحكى عنه أنه اعتقد أن تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أن تلك السبعة الأحرف هي قراءة السبعة القراء الذين ائتم بهم أهل الأمصار، فقال على الرجل إفكا واحتقب عارا، ولم يحظ من أكذوبته بطائل، وذلك أن أبا بكر رحمه الله كان أيقظ من أن يتقلد مذهبا لم يقل به أحد، ولا يصح عند التفتيش والفحص".


ثالثاً - مسائل هامة أوردها أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم :
1) ما السبب في اختلاف أئمة القراء بعد المرسوم لهم ، هل ذلك شيئ تخيروه من قبل أنفسهم ، أم ذلك شيئ وقفوا عليه بعد توجيه المصاحف لهم ؟
"قيل: لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون كأبي موسى بالبصرة وعلي وعبد الله بالكوفة وزيد وأبي بن كعب بالحجاز ومعاذ وأبي الدرداء بالشام، فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه".

2) ما القول في هذه القراءات السبع التي ألفت في الكتب ؟
"قلنا: إنما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة بعد أن كتبت بلغة قريش، فإن القرآن إنما نزل بلغتها ثم أذن رحمة من الله تعالى لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة ولا معجمة قرأها الناس فما أنفذوه منها نفذ، وما احتمل وجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه".
"فلما أراد بعضهم أن يجمع ما شذ عن خط المصحف من الضبط جمعه على سبعة أوجه اقتداء بقوله: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).
قال أبو محمد مكي:
"هذه القراءات كلها التي يقرؤها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه وعلى اطراح ما سواه، ولم ينقط ولم يضبط فاحتمل التأويل لذلك".

رابعاً - مسائل أوردها مكي بن أبي طالب -رحمه الله- :
1) ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هؤلاء الأئمة ، وكل واحد منهم قد انفرد بقراءة اختارهامما قرأ به على أئمته ؟
"فالجواب: أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعات بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ، فكانوا في برهة من أعمارهم، يقرءون الناس بما قرءوا، فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه؛ إذ كان ذلك مما قرءوا به على أئمتهم".
"ألا ترى أن نافعا قال: قرأت على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما شك فيه واحد تركته. يريد -والله أعلم- مما خالف المصحف. وكان من قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه ذلك".
"وهذا قالون ربيبه وأخص الناس به، وورش أشهر الناس المتحملين إليه اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه".

2) ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هم فوقهم فنسبت إليهم السبعة أحرف مجازاً ، وصاروا في وقتنا أشهر من غيرهم ممن هو أعلى درجة منهم وأجل قطراً ؟
"فالجواب: أن الرواة عن الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف. فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة في النقل وحسن الدين وكمال العلم، واشتهر أمره وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرئ به، ولم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان رضي الله عنه مصحفا إماما، هذه صفته وقراءته على مصحف ذلك المصر".

3) لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة فقط ؟
"فالجواب: أنهم جعلوا سبعة لعلتين:
"إحداهما: أن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف".
"والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن، وهي سبعة على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمتنع ذلك؛ إذ عدد الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى".

خامساً - أول من اقتصر على القراء السبعة من العلماء :
"وأول من اقتصر على هؤلاء السبعة أبو بكر بن مجاهد، قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها وتابعه على ذلك من أتى بعده إلى الآن، ولم تترك القراءة برواية غيرهم واختيار من أتى بعدهم إلى الآن".

سادساً - شروط صحة القراءة والقبول بها :
ثلاثة أشياء :
"قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف، واجتماع الأمة عليه".
"وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده، واستقام وجهه في العربية، ووافق لفظه خط المصحف فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا، مفترقين أو مجتمعين، فهذا هو الأصل الذي بني عليه في ثبوت القراءات عن سبعة أو عن سبعة آلاف، فاعرفه وابن عليه".

سابعاً - سبب اختيار ابن مجاهد لابن عامر من قراء الشام :
"لأن قراءة ابن عامر قراءة اتفق عليها أهل الشام وإنها مسندة إلى أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وكان غرض ابن مجاهد أن يأتي بسبعة من القراء من الأمصار التي نفدت إليها المصاحف، ولم يمكنه ذلك في البحرين واليمن لإعواز أئمة القراءة منهما، فأخذ بدلهما من الكوفة لكثرة القراء بها، وإذا كان هذا غرضه فلم يكن له بد من ذكر إمام من أهل الشام، ولم يكن فيهم من انتصب لذلك من التابعين مثل ابن عامر، فذكره.

ثامناْ - القراء الأئمة الذين اعتنوا بالقراءة فاشتهروا وأخذ عنهم الناس :
وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار، في كل مصر منهم ثلاثة رجال:
"فكان من قراء المدينة: أبو جعفر ثم شيبة بن نصاح ثم نافع وإليه صارت قراءة أهل المدينة".
"وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة أو أكثرهم".
وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب وعاصم والأعمش، ثم تلاهم حمزة رابعا، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم. وأما الكسائي فإنه يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة بعضا وترك بعضا".
"وكان من قراء البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر. والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة، واتخذوه إماما أبو عمرو. وقد كان لهم رابعا، وهو عاصم الجحدري، غير أنه لم يرو عنه في الكثرة ما روي عن هؤلاء الثلاثة".
"وكان من قراء الشام: عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث الذماري وثالث، قد سمي لي بالشام ونسيت اسمه، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا من التابعين".
- ثم أردف المؤلف : قلت: الذي نسيه أبو عبيد، قيل: هو خليد بن سعد صاحب أبي الدرداء، وعندي أنه عطية بن قيس الكلابي أو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر. فإن كل واحد منهما كان قارئا للجند، وكان عطية بن قيس تصلح المصاحف على قراءته بدمشق على ما نقلناه في ترجمتهما في التاريخ.

- وختم المؤلف بملاحظة قائلاً :
فظهر لي من هذا: أن اختلاف القراء في الشيء الواحد مع اختلاف المواضع من هذا على قدر ما رووا، وأن ذلك المتلقن له من النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه أقرأ غيره كما سمعه، ثم من بعده كذلك إلى أن اتصل بالسبعة، ومثاله قراءة نافع "يحزن" بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا حرف الأنبياء، وقراءة ابن عامر "إبراهام" بالألف في بعض السور دون بعض، ونحو ذلك مما يقال فيه: إنه جمع بين اللغتين، والله أعلم.
**************************************************************
الباب الخامس
المقصد العام : في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية والشاذة الضعيفة المروية
المقاصد الفرعية :
أولاً - تصنيف الإمام أبي بكر بن مجاهد لحملة القرآن
ثانياً - تفصيل ابن مجاهد للآثار التي رويت في حروف القرآن
ثالثاً - بيان أن القراءة التي يقرأها الناس اليوم على تنوعها هي أحدث القراءات عهداً بالعرضة الأخيرة
رابعاً - المراد بالقراءة الشاذة أو الضعيفة
خامساً - بيان أصح القراءات سنداً وأفصحها في العربية
سادساً - انقسام القراءات السبعة المأخوذة عن الأئمة إلى مجمع عليه وشاذ [ هذه التسمية تشعر بكثرة الحروف الضعيفة الواردة في القراءات السبعة ! ]
سابعاً - أمثلة على ما نسب إلى القراء السبعة وفيه إنكار لأهل اللغة وسببه

ثامناً - هل يلزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف عليها بين القراء ؟
تاسعاً - حكم القراءة بالشاذ
عاشراً - قصة ابن سنبوذ وبيان بدعته وتوبته منها

**************************
أولاً - تصنيف الإمام أبي بكر بن مجاهد لحملة القرآن :
قال الإمام أبو بكر بن مجاهد في "كتاب السبعة":
"اختلف الناس في القراءات، كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين، توسعة ورحمة للمسلمين، وبعض ذلك قريب من بعض، وحملة القرآن متفاضلون في حمله ونقله الحروف، منازل في نقل حروفه".
- الصنف الأول : "فمن حملة القرآن المعرب العالم بوجوه الإعراب في القراءات، العارف باللغات ومعاني الكلام، البصير بعيب القراءة المنتقد للآثار، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين"
- الصنف الثاني :"ومنهم من يعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه، فهو مطبوع على كلامه".
- الصنف الثالث :"ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، وليس عنده إلا الأداء لما تعلم، لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ ولا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقا، فيحمل ذلك عنه وقد نسيه وأوهم فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ على من نسي وضع الإعراب ودخلته الشبهة فتوهم، فذلك لا يقلد في القراءة ولا يحتج بنقله".
- الصنف الرابع : "ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعنى ويعرف اللغات ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس في الآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعا، وقد روينا في كراهة ذلك وخطره أحاديث".


ثانياً - تفصيل ابن مجاهد للآثار التي رويت في حروف القرآن :
قال ابن مجاهد : "وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام: منها المجتمع عليه السائر المعروف، ومنها المتروك المكروه عند الناس: المعيب من أخذ به، وإن كان قد روي وحفظ، ومنها ما قد توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله.
"وكذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن":
"منها اللغة الشاذة القليلة، ومنها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنه قد قرئ به، ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غير جائز عند من لا يبصر من العربية غير اليسير، ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير، وبكل قد جاءت الآثار في القراءات".

ثالثاً - بيان أن القراءة التي يقرأها الناس اليوم على تنوعها هي أحدث القراءات عهداً بالعرضة الأخيرة :
- قال: "والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذاهبه على ما روي -يعني- عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه، قال زيد: القراءة سنة".
- ذكر عن محمد بن سيرين أنه قال:
"كانوا يرون أن قراءتنا هذه هي أحدثهن بالعرضة الأخيرة"، وفي رواية قال: "نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين".
- وعنه عن عبيدة السلماني قال: "القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هي التي يقرؤها الناس اليوم".

رابعاً - المراد بالقراءة الشاذة أو الضعيفة :
فكل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي قراءة صحيحة معتبرة ، فإن اختلت هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه الشيخ المقرئ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع وأمر بإلحاقه "بكتاب الكشف عن وجوه القراءات" من تصانيفه، وقد تقدم فيما نقلناه من كلامه في الباب الرابع الذي قبل هذا الباب.
قال الشيخ الحسن -رحمه الله - :
شذ الرجل يشذ ويشذ شذوذا، إذا انفرد عن القوم واعتزل عن جماعتهم، وكفى بهذه التسمية تنبيها على انفراد الشاذ وخروجه عما عليه الجمهور.


خامساً - بيان أصح القراءات سنداً وأفصحها في العربية :
"وقد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه وقالوا: قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سندا وأفصحها في العربية، وبعدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي".
"وإذا اجتمع للحرف قوته في العربية وموافقة المصحف واجتماع العامة عليه فهو المختار عند أكثرهم. وإذا قالوا: قراءة العامة، فإنما يريدون ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة. فهو عندهم سبب قوي يوجب الاختيار. وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وسموه أيضا بالعامة".


سادساً - انقسام القراءات السبعة المأخوذة عن الأئمة إلى مجمع عليه وشاذ :
يقول المؤلف -رحمه الله-
ونحن فإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت، فلسنا ممن يقول: إن جميع ما روي عنهم يكون بهذه الصفة، بل قد روي عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف وشاذ بخروجه عن الضابط المذكور باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولهذا ترى كتب المصنفين في القراءات السبع مختلفة في ذلك، ففي بعضها ذكر ما سقط في غيرها، والصحيح بالاعتبار الذي ذكرناه موجود في جميعها إن شاء الله تعالى.
فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم، فوق ما ينقل عن غيرهم.


سابعاً - أمثلة على ما نسب إلى القراء السبعة وفيه إنكار لأهل اللغة وسببه :
- فما نسب إليهم وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم:
الجمع بين الساكنين في تاءات البزي، وإدغام أبي عمرو، وقراءة حمزة "فما اسطاعوا"، وتسكين من أسكن "بارئكم" و"يأمركم" ونحوه و"سبأ" و"يا بني" و"مكر السيئ""، وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي ويصبر" و"أفئدة من الناس" وقراءة "ليكة" بفتح الهاء، وهمز "سأقيها"، وخفض "والأرحام"، ونصب "كن فيكون"، والفصل بين المضافين في "الأنعام"، وغير ذلك .
- فكل هذا محمول على قلة ضبط الرواة فيه على ما أشار إليه كلام ابن مجاهد المنقول في أول هذا الباب.
وإن صح فيه النقل فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة مباحة عليها، على ما هو جائز في العربية، فصيحا كان أو دون ذلك.


ثامناً - هل يلزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف عليها بين القراء ؟ :
قال المؤلف :
قد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فإن القراءات السبع المراد بها ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق.
فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.


تاسعاً - حكم القراءة بالشاذ :
- قال شيخ الشافعية : "والقراءة الشاذة ما نقل قرآنا من غير تواتر واستفاضة، متلقاة بالقبول من الأمة كما اشتمل عليه "المحتسب" لابن جني وغيره، وأما القراءة بالمعنى على تجوزه من غير أن ينقل قرآنا فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلا، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا، فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه ولا يخلي ذا ضلالة ولا يحل للمتمكن من ذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه".
- قال شيخ المالكية : "لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها، عالما كان بالعربية أو جاهلا. وإذا قرأ بها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك".
- عقب المؤلف قائلاً : قلت: المنع من هذا ظاهر، وأما ما ليس كذلك فلا منع منه، فإن الجميع جائز، والتخيير في هذا، وأكثر منه كان حاصلا بما ثبت من إنزال القرآن على سبعة أحرف توسعة على القراء، فلا ينبغي أن يضيق بالمنع من هذا ولا ضرر فيه، نعم، أكره ترداد الآية بقراءات مختلفة كما يفعله أهل زماننا في جميع القراءات لما فيه من الابتداع، ولم يرد فيه شيء عن المتقدمين. وقد بلغني كراهته عن بعض متصدري المغاربة المتأخرين، والله أعلم.


عاشراً - قصة ابن سنبوذ وبيان بدعته وتوبته منها :
"بلغ الوزير أبا علي محمد بن مقلة أن رجلا -يعرف بابن شنبوذ- يغير حروفا من القرآن، فاستحضره واعتقله في داره أياما، ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن مجاهد وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ ونوظر بحضرة الوزير، فأغلظ للوزير في الخطاب وللقاضي ولابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة، وعيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر، واستصبى القاضي، فأمر الوزير بضربه، فنصب بين الهنبازين وضرب سبع درر، فدعا -وهو يضرب- على ابن مقلة بأن تقطع يده ويشتت شمله، ثم وقف على الحروف التي قيل إنه يقرأ بها فأنكر ما كان منها شنعا".
وقال فيما سوى ذلك: "إنه قد قرأ به قوم فاستتابوه فتاب. وقال: إنه قد رجع عما كان يقرأ به وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان رضي الله عنه وبالقراءة المتعالمة المشهورة التي يقرأ بها الناس، فكتب عليه الوزير أبو علي محضرا بما سمع من لفظه، صورته:
"يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: قد كنت أقرأ حروفا تخالف ما في مصحف عثمان المجمع عليه الذي اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلاوته، ثم بان لي أن ذلك خطأ، فأنا منه تائب، وعنه مقلع، وإلى الله عز وجل منه بريء؛ إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه ولا أن يقرأ بغير ما فيه".
وكتب ابن شنبوذ فيه :
يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: إن ما في هذه الرقعة صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله عز وجل وسائر من حضر على نفسي بذلك".
وكتب بخطه :
"فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره فأمير المؤمنين -أطال الله بقاه- في حل وفي سعة من دمي، وذلك في يوم الأحد لسبع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة في مجلس الوزير أبي علي بن علي، أدام الله توفيقه".
"وكان مما اعترف به يومئذ: "فامضوا إلى ذكر الله"، "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"، "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا"، "كالصوف المنفوش"، "تبت يدا أبي لهب وقد تب"، "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب"، "والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى"، "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما"، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم"، "تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وتحت ذلك بخط ابن مجاهد :
"اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضرتي وكتب ابن مجاهد بيده".
قلت: ثم مات ابن شنبوذ في صفر سنة ثمان وعشرين بعد موت ابن مجاهد بأربع سنين، وعزل ابن مقلة ونكب في سنة أربع وعشرين بعد نكبة ابن شنبوذ بسنة واحدة، فجرى عليه من الإهانة بالضرب والتعليق والمصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلى قطع يده ولسانه ونسأل الله تعالى العافية.

- عبرة أوردها المؤلف للعظة من الجناية في حق أهل القرآن :
وابن شنبوذ وإن كان ليس بمصيب فيما ذهب إليه ولكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، فكان الرفق به ومداراته أولى من إقامته مقام الدعار المفسدين في الأرض وإجرائه مجراهم في العقوبة، فكان اعتقاله وإغلاظ القول له كافيا في ذلك إن شاء الله تعالى، ولكنه سبحانه وتعالى: {يفعل ما يشاء} ويبتلي من شاء بما شاء سبحانه {لا يسأل عما يفعل}، وهو تعالى أعلم وأحكم.
*******************************************************

الباب السادس
المقصد العام :[color="rgb(153, 50, 204)"] في الإقبال على ما ينفع من علوم القرآن والعمل بها وترك التعمق في تلاوة ألفاظه والغلو بسببها[/color]

المقاصد الفرعية :
أولاً - فضل فهم معاني القرآن وتدبر آياته والعمل بمقتضاه على الاكتفاء بحفظ ألفاظه وتجويد حروفه
ثانياً - نماذج من تأثر السلف بالقرآن
ثالثاً - الحث على التأني في تلاوة القرآن
رابعاً - الحث على تحسين الصوت بالقرآن والنهي عن التطريب فيه
خامساً - النهي عن التنطع في التلاوة في التلاوة والتكلف في القراءة
سادساً - الفرق بين العمل بالقرآن ومعرفة العمل وتحقيق ألفاظه وحفظها
سابعاً - أصناف من حملة القرآن
ثامناً - ما يجب أن يتحلى به قارئ القرآن


**************************
أولاً - فضل فهم معاني القرآن وتدبر آياته والعمل بمقتضاه على الاكتفاء بحفظ ألفاظه وتجويد حروفه :
- لم يبق لمعظم من طلب القرآن العزيز همة إلا في قوة حفظه وسرعة سرده وتحرير النطق بألفاظه والبحث عن مخارج حروفه والرغبة في حسن الصوت به.
وكل ذلك وإن كان حسنا ولكن فوقه ما هو أهم منه وأتم وأولى وأحرى وهو فهم معانيه والتفكر فيه والعمل بمقتضاه والوقوف عند حدوده وثمرة خشية الله تعالى من حسن تلاوته، ونحن نسرد من الأخبار والآثار ما يشهد لما قلناه بالاعتبار.
- أخرج أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب فضائل القرآن" عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة في قوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}، قال: يتبعونه حق إتباعه.
وعن الشعبي في قوله تعالى: {فنبذوه وراء ظهورهم}، قال: أما إنه ما كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العمل به.
- وعن الحسن: أن أولى الناس بالقرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرؤه.
- حدثنا ابن المبارك عن مسعر عن عبد الأعلى التيمي قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه: فليس بخليق أن يكون أوتي علما ينفعه؛ لأن الله تبارك وتعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}.
- وعن أبي الزاهرية: أن رجلا أتى أبا الدرداء بابنه فقال: با أبا الدرداء، إن ابني هذا جمع القرآن، فقال: اللهم اغفر، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه.
- وروي مرفوعا وموقوفا: ((اقرءوا القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه)).


ثانياً - نماذج من تأثر السلف بالقرآن :
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليل كله، حتى أصبح، بها يقوم وبها يركع وبها يسجد: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
- وعن تميم الداري: أنه أتى المقام ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تذكر فيها الجاثية، فلما أتى على هذه الآية {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه يردد {وقل رب زدني علما}، حتى أصبح.
- وعن عامر بن عبد قيس: أنه قرأ ليلة من سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين}، لم يزل يرددها حتى أصبح.
- وعن هشام بن عروة عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال: افتتحت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما "سورة الطور" فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت، وهي تكررها: {ووقانا عذاب السموم}، قال: وهي في الصلاة.
- وعن سعيد بن جبير: أنه ردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}.
- وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله.


ثالثاً - الحث على التأني في تلاوة القرآن :
- عن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}، قال: ترسل فيه ترسلا.
- وعن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرها وأرتلها، أحب إلي من أن أقرأ كما تقول.
- وسئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد وركوعهما واحد وسجودهما واحد وجلوسهما واحد، أيهما أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}.
- وحدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قرأ علقمة على عبد الله، فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي، رتل، فإنه زين القرآن.
- وعن محمد بن كعب قال: لأن أقرأ {إذا زلزلت} و {القارعة}، أرددهما وأتفكر فيهما، أحب إلي من أن أهذ القرآن.
- وعن إبراهيم عن علقمة قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: إياكم والهذاذين الذين يهذون القرآن ويسرعون بقراءته، فإنما مثل ذلك كمثل الأكمة التي لا أمسكت ماء ولا أنبتت كلأ.


رابعاً - الحث على تحسين الصوت بالقرآن والنهي عن التطريب فيه :
- قال أبو عبيد : حدثنا أبو النضر عن شعبة قال: حدثني معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على ناقته أو جمله يسير، وهو يقرأ سورة الفتح -أو قال: من سورة الفتح- ثم قرأ معاوية قراءة لينة، فرجع ثم قال: لولا أخشى أن يجتمع الناس علينا، لقرأت ذلك اللحن.
قال: قلت لعطاء ما تقول في القراءة على الألحان؟ فقال: وما بأس بذلك، سمعت عبد الله بن عمر يقول: كان داود عليه السلام يفعل كذا وكذا لشيء ذكره، يريد أن يبكي بذلك ويبكي.
- ثم ذكر أبو عبيد أحاديث كثيرة في تحسين الصوت بالقرآن، ثم قال: وعلى هذا المعنى تحمل هذه الأحاديث، إنما هو طريق الحزن والتخويف والتشويق، لا الألحان المطربة الملهية.
- عن طاوس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحسن صوتا بالقرآن -أو أحسن قراءة- فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
- وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)).
- وعن عابس الغفاري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته خصالا: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوما يتخذون القرآن من أمير، يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا بأفضلهم، إلا ليغنيهم به غناء.
- وعن أنس: أنه سمع رجلا يقرأ بهذه الألحان التي أحدث الناس، فأنكر ذلك ونهى عنه.
- وعن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن في الصلاة قبل العشاء الآخرة وبعدها ويغلط أصحابه.


خامساً - النهي عن التنطع في التلاوة في التلاوة والتكلف في القراءة :
- قال أبو بكر بن أبي شيبة:
حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم)).
- وقال عبد الله: إياكم والتنطع والاختلاف.
- وقال حذيفة: إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يدع واوا ولا ألفا، يلفت كما تلفت البقرة بلسانها، لا يجاوز ترقوته.
- وعن ابن المنكدر عن جابر -رضي الله عنه قال : كنا جلوسا نقرأ القرآن، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا فقال: ((اقرءوا القرآن، فيوشك أن يأتي قوم يقرءونه، يقومونه كما يقوم القدح ويتعجلونه ولا يتأجلونه)).
- وفي رواية سهل بن سعد: يقومون حروفه كما يقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه.
- وقال أبوعمرو الداني الحافظ المقرئ -رحمه الله- :
"التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن يوفي الحروف حقوقها من المد والهمز والتشديد والإدغام والحركة والسكون والإمالة والفتح، إن كانت كذلك من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف".
قال: "فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من القراء من الإفراط في التمطيط، والتعسف في التفكيك، والإسراف في إشباع الحركات إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك".
- قال أبو الحسن السخاوي -رحمه الله- : [ لا تستطردي بإكثار الاستشهادات من أقوال العلماء ، يكفي اختصار القول في المسألة ثم ذكر الدليل عليه - حسب ما تيسر - من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين ثم الاستشهاد بقول أحد العلماء ]
لا تحسب التجويد مدا مفرطا أو مد ما لا مد فيه لوان
أو أن تشدد بعد مد همزة أو أن تلوك الحرف كالسكران
أو أن تفوه بهمزة متهوعا فيفر سامعها من الغثيان
للحرف ميزان، فلا تك طاغيا فيه، ولا تك مخسر الميزان
فإذا همزت فجئ به متلطفا من غير ما بهر وغير توان
وامدد حروف المد عند مسكن أو همزة حسنا أخا إحسان


سادساً - الفرق بين العمل بالقرآن ومعرفة العمل وتحقيق ألفاظه وحفظها :[ هذه المسألة تتبع مسألة فهم القرآن وتدبره وإعادة ذكرها من الاستطراد الذي لا يناسب تلخيص المقاصد ]
قال أبو حامد الغزالي في كتاب ذم الغرور:

"اللب الأقصى هو العمل، والذي فوقه هو معرفة العمل، وهو كالقشر للعمل وكاللب بالإضافة إلى ما فوقه، والذي فوقه هو سماع الألفاظ وحفظها بطريق الرواية، وهو قشر بالإضافة إلى المعرفة ولب بالإضافة إلى ما فوقه، وما فوقه هو العلم باللغة والنحو، وفوق ذلك القشرة العليا وهو العلم بمخارج الحروف، والعارفون بهذه الدرجات كلهم مغترون إلا من اتخذ هذه الدرجات منازل، فلم يعرج عليها إلا بقدر حاجته، فتجاوز إلى ما وراءه، حتى وصل إلى باب العمل، وطالب بحقيقة العمل قلبه وجوارحه، ورجى عمره في حمل النفس عليه وتصحيح الأعمال وتصفيتها عن الشوائب والآفات، فهذا هو المقصود المخدوم من جملة علوم الشرع، وسائر العلوم خدم له ووسائل إليه وقشور له ومنازل بالإضافة إليه، وكل من لم يبلغ المقصد فقد خاب، سواء كان في المنزل القريب، أو في المنزل البعيد، وهذه العلوم لما كانت متعلقة بعلوم الشرع اغتر بها أربابها".
وقال في كتاب تلاوة القرآن: "أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحجب سدلها الشيطان على قلوبهم، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن: أولها أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لا يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورا على مخارج الحروف، فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة الشيطان لمن كان مطيعا لمثل هذا التلبيس".
ثم قال: "وتلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظ العقل تفسير المعاني، وحظ القلب الاتعاظ والتأثر والانزجار والائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ".


سابعاً - أصناف من حملة القرآن : [ تقدم هذه المسألة تحت مسألة فهم القرآن وتدبره ]
قال الحسن: قراء القرآن على ثلاثة أصناف:
صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة، كثير هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثرهم الله، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم واستشعروا الخوف وارتدوا الحزن، فأولئك يسقي الله بهم الغيث وينصرهم على الأعداء، والله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر".


ثامناً - ما يجب أن يتحلى به قارئ القرآن : [ يصنف تحتها في نقاط ثم نذكر الأدلة تحتها ]
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ القرآن فقام به آناء الليل والنهار يحل حلاله ويحرم حرامه خلطه الله بلحمه ودمه، وجعله رفيق السفرة الكرام البررة، وإذا كان يوم القيامة كان القرآن له حجيجا)).
- وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرءوا القرآن بحزن فإنه نزل بحزن)).
- عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا))
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون.
- وقال الفضيل بن عياض: ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد من الخلق حاجة، إلى الخليفة فمن دونه، وينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه".
- "قال سفيان بن عيينة: من أعطى القرآن فمد عينيه إلى شيء مما صغر القرآن، فقد خالف القرآن، ألم تسمع قوله سبحانه وتعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم * لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم}. وقال: {ورزق ربك خير وأبقى}، يعني القرآن".
- وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "كتاب ثواب القرآن" :
حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يقرأ القرآن عند الأمر يعرض من أمر الدنيا.
- وقال أبو عبيد: جلست إلى معمر بن سليمان بالرقة، وكان من خير من رأيت، وكانت له حاجة إلى بعض الملوك، فقيل له: لو أتيته فكلمته، فقال: قد أردت إتيانه، ثم ذكرت القرآن والعلم، فأكرمتهما عن ذلك.


بارك الله فيكِ أختي ونفع بكِ ، تلخيصكِ جيد وإليكِ بعض الملحوظات التي أرجو أن تراعيها في تلخيصات المقاصد القادمة بإذن الله :
1: المقصد العام للكتاب :
نبدأ به تلخيص المقاصد لأي كتاب.

2: عاملتِ كل باب من أبواب الكتاب كأنه كتاب منفصل ، وهذه هي الخطوة الأولى ولكن عليكِ إتباعها بـ :
- صياغة المقصد العام للكتاب من المقاصد العامة لكل باب فنقول :
المقصد العام للكتاب :
معرفة كيفية نزول القرآن وجمعه وتلاوته، ومعنى الأحرف السبعة التي نزل عليها، والمراد بالقراءات السبع وضابط ما قوي منها، وبيان ما انضم إليها، والتعريف بحق تلاوته وحسن معاملته.
- المقاصد العامة لكل باب هي بمثابة المقاصد الفرعية للكتاب.
- العناوين التي لونتها باللون الأحمر هي المسائل الواردة تحت كل مقصد فرعي.

3: اختصار العبارات :

إذا عددتِ الأقوال فاختصري كل قول أولا ثم أوردي دليله ، مثاله ما ورد تحت المراد بالأحرف السبعة ، نقول :
القول الأول : سبع لغات :
القول الثاني : سبعة أوجه :
وهكذا ، وبهذه الطريقة سيتبين لكِ أنكِ عددتِ أقوالا هي في الأصل قول واحد.

4: ترتيب الأدلة واختصارها :
- نذكر الحديث من مخرجه ، ثم نتبعه بذكر من روى الحديث من الأئمة مثال : رواه البخاري.
- نبدأ بالأحاديث ثم الآثار عن الصحابة ثم الآثار عن التابعين فمن دونهم.
- نرتب الأحاديث فنبدأ بالصحيح منها ، مثال :
ما أوردته تحت الأحاديث الواردة في الأحرف السبعة ، ذكر أبو شامة عند هذه المسألة أحاديث عدة منها ما رواه البخاري ومسلم ومنها ما رواه أحدهما فقط ثم ما رواه أحد أصحاب الكتب الستة ثم غيرهم.
فنرتبها بهذا الترتيب ونراعي ذكر من روى الحديث ولا نغفل ذلك كما فعلتِ في بعض المواضع.

5: ذكرتِ في بعض المواضع : المسائل التي ذكرها فلان وفلان وقد ابتعدتِ في هذه النقطة عن معنى " تلخيص المقاصد "
- فالمطلوب ذكر مقصد المؤلف " أبي شامة " من الاستشهاد بأقوال هؤلاء العلماء ، فتذكرين المسائل في عناوين واضحة ثم تختصرين ما فهمتِ ، ثم تستشهدين بأقوال بعض العلماء.
- ذكرتِ بعض المسائل الاستطرادية مثل قصة ابن شنبوذ ، فمقصد المؤلف هنا بيان حرمة مخالفة رسم المصحف وكان يكفي ذكر هذه المسألة والدليل عليها.

6: التنسيق : قد أحسنتِ تنظيم التلخيص ولكن أرجو تجنب استخدام اللون الأحمر في التلخيص وقد بينتُ لكِ بعض الملحوظات باللون الأحمر وكبرت حجم الخط مع وضع خط تحتها لتتمكني من ملاحظتها ، وأرجو أن تقيسي بما أشرت إليه على باقي المواضع.




تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 19 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 18 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 14 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 14 / 15
___________________
=
95 %


وفقني الله وإياكِ لما يحب ويرضى ونفع بي وبكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 5 جمادى الآخرة 1436هـ/25-03-2015م, 11:37 PM
لمياء لمياء غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 322
افتراضي تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن عطية

بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن عطية –رحمه الله-
المقصد العام
بعض المعارف المختصرة بين يدي تفسير كلام الله تعالى

[color="rgb(139, 0, 0)"]المقاصد الفرعية
[/color]
أولاً – خطبة تفسير ابن عطية:
ثانياً – الأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن وأجر قارئه :
ثالثاً - باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
رابعاً - باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين:
خامساً _ باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)):
سادساً - باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره:
سابعاً - باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق:
ثامناً - أقوال العلماء في أوجه الإعجاز في القرآن الكريم:
تاسعاً - باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى:
عاشراً - باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية:

***********************************************
أولاً – خطبة تفسير ابن عطية:
- بدأ ابن عطية –رحمه الله- خطبة كتابه بحمد الله والثناء عليه وشكره على نعمه وآلائه ومنها إنزال كتابه العزيز.
- ثم أردف بالصلاة والسلام على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وذكر فضائله ومآثره بعبارات موجزة بليغة.
- ثم تكلم رحمه الله عن طلب العلم والمشقة في تحصيله حتى يُنال منه ويُنهل ، وتفرع العلوم والمعارف وانتقائه منها أجلها وأشرفها وهو علم كتاب الله لما له من فضل على سائر العلوم والمعارف.
- يقول ابن عطية أنه علم أن نكت علم كتاب الله وفوائده تغلب قوة الحفظ لما لها من الثقل فهي تتفصى من الصدر تفصي الإبل من العقل ،واستشهد رحمه الله بقوله تعالى :" إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " سورة المزمل
وقوله صلى الله عليه وسلم :" قيدوا العلم بالكتاب" ، فكان ذلك داعياً له على على كتابة هذا التفسير .
- وأخيراً ذكر ابن عطية منهجه في تفسيره والذي راعى فيه عدة أمور منها:
• ترتيب المعاني.
• الجمع والإيجاز والتحرير.
• انتقاء القصص.
• إثبات أقوال العلماء في
• تنبيهه على ألفاظ إلحاد أهل القول بالرموز وعلم الباطن وغيرهم.
• إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها.
• تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ.
خاتماً خطبته رحمه الله بسؤال الله الإخلاص والقبول.

*********************************************************
ثانياً – الأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن وأجر قارئه :
أورد ابن عطية رحمه الله الكثير من الأحاديث والآثار التي وردت في فضل القرآن والحث على تعلمه وأهمها مايلي:
• ما ورد في أن في تعلمه النجاة من الفتن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.
وقيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار.

* ما ورد في أنه جامع للعلوم:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)).
وقال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الأشرار ويوضع الأخيار وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخذتموه: عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.

• أجر تلاوة القرآن:
قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
وحدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن)).
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32].
فقال سابقكم سابق ومقتصدكم ناج وظالمكم مغفور له وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن أصفر البيوت بيت صفر من كتاب الله))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).
• فضل حامل القرآن:
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله)) وقال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.

• ما يجب على المسلم تجاه القرآن:
وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ألا وعترتي وأهل بيتي هو الثقل الآخر فلا تسبعوهم فتهلكوا)).
وقال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن))
وقال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
وقال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
**********************************************************************************
ثالثاً - باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه
- أهمية علم العربية في فهم معاني القرآن :
روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة)).
وقال الحسن: أهلكتهم العجمة يقرأ أحدهم الآية فيعيى بوجوهها حتى يفتري على الله فيها.
- فضل علم التفسير :

وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
وقال إياس بن معاوية مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب.
وقال ابن عباس: الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر.
وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.
وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن أنزلت وما يعني بها0
كان ابن عباس يبدأ في مجلسه بالقرآن ثم بالتفسير ثم بالحديث.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما من شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن رأي الرجل يعجز عنه.

****************************************************************************
رابعاً - باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين
_ ذم القول في القرآن بالرأي :
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ))

- الفرق بين الاجتهاد بضوابط والقول بالرأي :
قال القاضي أبو محمد عبد الحق –رحمه الله- تعليقاً على الحديث السابق: ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.
قال ابن عطية –رحمه الله-: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه.
- نماذج من تورع السلف عن القول بالرأي :
ذكر ابن عطية نموذج من تورع السلف في القول بالقرآن بغير علم فقال : كان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.

- أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير من المتأخرين :
• طبقة الصحابة :

بدأ ابن عطية بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم عبد الله بن عباس وذكر ثناء علي وابن مسعود رضي الله عنهما عليه ، كذلك قول ابن عباس " ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب."
وذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((اللهم فقهه في الدين)) وحسبك بهذه الدعوة.
ويليهما في التفسير عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص.
ثم قال رحمه الله "وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم" .

• طبقة التابعين :
بدأ ابن عطية بالحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة.
قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.
وأما السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف وألف الناس فيه كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.

• أئمة التفسير من المتأخرين :
بدأ ابن عطية بذكر ابن جرير الطبري رحمهما الله وأثنى على تفسيره ثم أتبع بأبي إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله ونضر وجوههم.
***********************************************************************************************************
خامساً _ باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه))
أبرز ابن عطية –رحمه الله- الخلاف بين العلماء في ماهية الأحرف السبعة التي أُنزل بها القرآن والتي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)) ، ثم ضعَّف رحمه الله بعض هذه الأقوال وجعل أحدها محتملاً وهو:
• أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
ثم أورد ابن عطية كلاماً للقاضي أبو بكر بن الطيب وقام بنقده فقال : "انتهى ما جمعت من كلام القاضي أبي بكر رضي الله عنه وإطلاقه البطلان على القول الذي حكاه فيه نظر لأن المذهب الصحيح الذي قرره آخرا من قوله ونقول في الجملة إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات العرب الذين نزل القرآن بلسانهم وهو اختلاف ليس بشديد التباين حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر وإنما هو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.
واستدلال القاضي رضي الله عنه بأن لغة عمر وأبي وهشام وابن مسعود واحدة فيه نظر لأن ما استعملته قريش في عبارتها ومنهم عمر وهشام وما استعملته الأنصار ومنهم أبي وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد يختلف ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب الله سبحانه فليست لغتهم واحدة في كل شيء وأيضا فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وعساه قد أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته."
• رأي ابن عطية في ماهية الأحرف السبعة :
هو ما قرره في تبيينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) بقوله "أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة".
• وأي قبائل العرب تحديداً التي أنزل القرآن بلغتها والعلة في ذلك:
قال ابن عطية :"فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات حسبما تقدم.
وعلة اختيار هذه القبائل دون غيرها نجده في قول ابن عطية:" قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخيل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهي جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها.
وأما ما والى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك.
وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد آل جفنة وابن الرافلة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني إسرائيل.
وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور.
فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوي هذا المنزع أنه لما اتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة ألا ترى أن (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89]. حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي: أحاكمك.
وكذلك قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قول تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي فقال عمر: الله أكبر {أو يأخذهم على تخوف} أي: على تنقص لهم.
وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة {والنخل باسقات} [ق: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة.
فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.
ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي عليه السلام ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا.
وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف))0
وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب لسورة الفرقان وقراءة هشام بن حكيم لها وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة كل منهما وقد اختلفتا ((هكذا أقرأني جبريل)) هل ذلك إلا لأنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة؟.

*********************************************************************************
سادساً - باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره
• مراحل جمع القرآن الكريم:
1- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.
2- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسببه:
لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت .
وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
3- جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه وسببه:
لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية حسبما قد ذكرناه انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.

_ لغة قريش هي اللغة المرجع في الجمع الأخير:
قال الطبري إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش فاختلفوا في التابوه والتابوت قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء فأثبته بالتاء وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق وتروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى ثم تدفن، ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.
_ ترتيب السور والآي هل هو توقيفي أم من فعل الصحابة رضوان الله عليهم :
قال القاضي أبو بكر بن الطيب وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه في ذلك وقد ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة براءة وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا أحد ما قيل في براءة وذلك مستقصى في موضعه موفى إن شاء الله تعالى.
وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب.

_ لمن يرجع الفضل في شكل المصحف وتنقيطه:
وأما شكل المصحف ونقطه فروي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله فتجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه وزاد تحزيبه وأمر وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك وألف إثر ذلك بواسط كتاب في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا إلى أن ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات.
وأسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
وذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له: نصر الحروف.

_ وأما عن وضع الأعشار فقال فيه ابن عطية :"وأما عن وضع الأعشار فمر بي في بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك.
وذكر أبو عمرو الداني عن قتادة أنه قال: بدؤوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وهذا كالإنكار.

***********************************************************************************************
سابعاً - باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق
أورد ابن عطية في هذه المسألة أقوال أهمها:
- إن في كتاب الله تعالى من كل لغة .
- أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه قول تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة إنها الأسد بلغة الحبشة .
- القول الثالث وهو الذي قال به ابن عطية وخلاصته : أن جميع ألفاظ القرآن إما أصلها عربي وإما أعجمية وعربت واستعملتها العرب وذلك معنى قوله تعالى :" بلسان عربي مبين"

***************************************************************************************
ثامناً - أقوال العلماء في أوجه الإعجاز في القرآن الكريم
أورد ابن عطية الخلاف بين العلماء في كيفية وقوع الإعجاز والتحدي في القرآن الكريم فذكر هذه الأقوال:
- إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها
- إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.
- إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
وقد ضعَّف ابن عطية هذه الأقوال ،ثم رجح القول التالي:

- أن الإعجاز والتحدي في القرآن وقع لكل كافر من كفار العرب فيما يبين له بينه وبين نفسه عجزه عنه وأن البشر لا يأتي بمثله ويتحقق مجيئه من قبل المتحدي وكفار العرب لم يمكنهم قط أن ينكروا أن رصف القرآن ونظمه وفصاحته متلقى من قبل محمد صلى الله عليه وسلم
فإذا تحديت إلى ذلك وعجزت فيه علم كل فصيح ضرورة أن هذا نبي يأتي بما ليس في قدرة البشر الإتيان به إلا أن يخص الله تعالى من يشاء من عباده
وهذا هو القول الذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه
ووجه إعجازه أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا.
فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة وبهذا النظر يبطل قول من قال إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
*************************************************************************************
تاسعاً - باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى
يقول ابن عطية في هذا الباب موضحاً رأيه في تلك الألفاظ: اعلم أن القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ووقف الله ذرية آدم على ربوبيته بقوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] ونحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.
وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء واستعملها أبو المعالي في الإرشاد وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه
قال القاضي أبو محمد عبد الحق وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس وأنا أتحفظ منه في هذا التعليق جهدي لكني قدمت هذا الباب لما عسى أن أقع فيه نادرا واعتذارا عما وقع فيه المفسرون من ذلك.
وقد استعملت العرب أشياء في ذكر الله تعالى تنحمل على مجاز كلامها فمن ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فاغفر فداء لك ما اقتفينا).
وقول أم سلمة فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.، ثم أورد ألفاظ أخرى جاءت في بعض الأشعار كقول الشاعر الجوهري:
لا همَّ لا أدري وأنت الداري

فقال فيها: وكذلك أقول إن الطريقة كلها عربية لا يثبت للنظر المنخول شيء منها
وقال أوس:
أبني لبينى لا أحبكم = وجد الإله بكم كما أجد
ثم علق ابن عطية في نهاية الباب بقوله:
"ومن هذا الاستعمال الذي يبنى الباب عليه قول سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار يقول هذا للرامي الذي رماه وقال: خذها وأنا ابن العرقة.
وفي هذه الأمثلة كفاية فيما نحوناه إذ النظير لذلك كثير موجود وإن خرج شيء من هذه على حذف مضاف فذلك متوجه في الاستعمال الذي قصدنا الاعتذار عنه والله المستعان."
************************************************************************************************
عاشراً - باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية
- أسماء القرآن :
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر.
- معنى هذه الأسماء:
• فالقرآن مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة ، وقيل : هو بمعنى التأليف.
• وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
• وأما الفرقان أيضا فهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
• وأما الذكر فسمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

- معنى السورة ولغات العرب فيها:
وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون سؤر وسؤرة
فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب ،قال أبو عبيدة: إنما اختلفا في هذا فكأن سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن.

- معنى الآية:
وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ومنه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: (بآية ما أكلت معكم حيسا).
فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية
ووزن آية عند سيبويه فعلة بفتح العين أصلها أيية تحركت الياء الأولى وما قبلها مفتوح فجاءت آية.
وقال الكسائي أصل آية آيية على وزن فاعلة حذفت الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابة.
وقيل: أصلها أية على وزن فعلة بسكون العين أبدلت الياء الساكنة ألفا استثقالا للتضعيف قاله الفراء وحكاه أبو علي عن سيبويه في ترجمة {وكأين من نبي} [آل عمران: 146].
وقال بعض الكوفيين أصلها أيية على وزن فعلة بكسر العين أبدلت الياء الأولى ألفا لثقل الكسر عليها وانفتاح ما قبلها.

*************************************************

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 رجب 1436هـ/21-04-2015م, 07:53 PM
لمياء لمياء غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 322
افتراضي تلخيص مقاصد مقدمة ابن جرير

بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير
المقصد العام
بيان بعض العلوم والمعاني المتعلقة بعلم التفسير
المقاصد الفرعية
أولا –خطبة المقدمة
ثانياً -القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، ومعاني منطق من نزل بلسانه من وجه البيان -والدلالة على أن ذلك من الله جل وعز هو الحكمة البالغة- مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام
- أهمية البيان في إبلاغ الرسالة:
- كل رسول أرسل بلسان قومه ليبين لهم رسالة ربهم:
- إنزال القرآن بلسان العرب :
ثالثاً -القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
- الإشكالية في وجود ألفاظ لغير العرب في القرآن :
- انتقاد بعض الأقوال والرد عليها:
- رأي ابن جرير في حل هذه الإشكالية والرد على من أنكرها:
رابعاً -القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب
- اختلاف الصحابة في قراءة القرآن:
- نزول القرآن على سبعة أحرف:
- معنى نزول القرآن على سبعة أحرف:
- استدلال ابن جرير على صحة قوله:
- الدليل على أن السبعة أحرف هي سبعة ألسن من لغات العرب وليست سبع معان:
- إبطال قول من قال بأن الأحرف السبعة متفرقة في القرآن وموجودة الآن في المصاحف التي بين أيدينا:
- ماهية الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن:
- اجتماع الأمة على حرف واحد من الأحرف السبعة وعلة ذلك:
- ثم أجاب ابن جرير عن الإشكال الآتي ببراعة:
- أي من ألسن العرب التي أنزل بها القرآن؟
خامساً - القول في البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة))، وذكر الأخبار المروية بذلك
- اختلاف النقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:
- بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: )أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة)
سادساً – القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن
- أنواع البيان المُنَزَّل على نبينا صلى الله عليه وسلم:
سابعاً -ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي
- ذكر ابن جرير بعض الآثار المروية في هذا الشأن أهمها:
- القول بالرأي في القرآن لا يجوز:
- بيان علة ذلك:
ثامناً -ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن، ومن كان يفسره من الصحابة
- نماذج من عناية الصحابة بتفسير القرآن وفهم معانيه:
- أهمية علم التفسير في الدعوة:
- حث الله عز وجل عباده على التدبر في آي القرآن والاعتبار بما فيه:
- ضرورة فهم كلام الله تعالى المُنزَّل:
تاسعاً -ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن
- تعظيم القول في تفسير القرآن:
عاشراً -ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
- المشتهرون بالتفسير من الصحابة والتابعين:
- أحق المفسرين في إصابة الحق في تأويل القرآن:
الحادي عشر -القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه
- أسماء القرآن التي وردت في التنزيل:
- ترجيح ابن جرير لمعنى كلمة قرآن:
- أسماء سور القرآن التي سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- بيان معنى السورة:
- بيان معنى الآية:
الثاني عشر - القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب
- أسماء الفاتحة:
- أسباب التسمية:
- اختلاف العلماء في تحديد الآيات السبع للفاتحة:
- سبب تسمية الفاتحة بالمثاني:


أولا – خطبة المقدمة :
- بدأ ابن جرير –رحمه الله- خطبته بحمد الله والثناء عليه بعبارات بليغة موجزة، ثم أردف بذكر إرسال الله الرسل ليقيم الحجة على عباده ، واستشهد بقوله تعالى :(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). النساء 165 ،ثم تأييدهم بالحجج البالغة والآي المعجزة لئلا يقول القائل منهم (ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون* ولئن أطعتن بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون) .المؤمنون 33:34
- وتابع ابن عطية ببيان تفضيل النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين، وتفضيل أمته على سائر الأمم، ثم ذكر أحد أوجه هذا التفضيل وهو إنزال الوحي وحفظه ليكون لهم هادياً ودليلاً.
- ثم انتقل رحمه الله لذكر أهمية العناية بعلم التفسير ، مبيناً منهجه في تفسيره وتأويله لكلام الله المنزه بنقاط سريعة أهمها:
1- جمعه للعلوم التي يحتاجها الناس لبيان معاني كلام الله.
2- ذكره أقوال السلف وما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه.
3- ذكر مذاهب السلف وعلل كل مذهب.
4- ترجيحه لأحد الأقوال بالدليل المختصر والموجز.
- وأخيراً ختم ابن جرير –رحمه الله- خطبته بذكر ما سيبدأ به تفسيره ببيان بعض العلوم والمعاني التي قد يدخل اللبس على من لم يسبق له معرفتها.

ثانياً - القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، ومعاني منطق من نزل بلسانه من وجه البيان -والدلالة على أن ذلك من الله جل وعز هو الحكمة البالغة- مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام
- أهمية البيان في إبلاغ الرسالة:
بين ابن جرير رحمه الله في هذا الباب فضل البيان وأهميته في إبلاغ الرسالات ودحض الحجج الباطلة ، وأنه من أعظم نعم الله تعالى على عباده ، واستشهد بقوله تعالى {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18].
ثم ختم كلامه بقوله فإذ كان تفاضل مراتب البيان، وتباين منازل درجات الكلام، بما وصفنا قبل -وكان الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه، أحكم الحكماء، وأحلم الحلماء، - كان معلوما أن أبين البيان بيانه، وأفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
- كل رسول أرسل بلسان قومه ليبين لهم رسالة ربهم:
أوضح ابن جرير فائدة إرسال الرسل كل بلسان قومه فقال: لأن المخاطب والمرسل إليه، إن لم يفهم ما خوطب به وأرسل به إليه، فحاله -قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده- سواء، إذ لم يفده الخطاب والرسالة شيئا كان به قبل ذلك جاهلا. والله جل ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه، لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث، والله تعالى عن ذلك متعال.
ثم استشهد على كلامه بقوله تعالى : {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4].، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- إنزال القرآن بلسان العرب :
بين ابن جرير حتمية إنزال القرآن بالعربية بقوله:
وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي. وبذلك أيضا نطق محكم تنزيل ربنا، فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- بعض أشكال موافقة البيان في القرآن بالبيان في لغة المُنزَل إليهم :
وافق القرآن الكريم المُنَزَّل على أمة العرب لغتهم وبيانهم ، وإن باينه كتاب الله بالفضيلة التي فضل بها سائر الكلام والبيان، فنجد فيه الكناية والتصريح، والتكرار والترداد، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار،والتقديم والتأخير ، وهذه أمثلة فقط لما سيذكره ابن جرير في تلك المسألة.

ثالثاً - القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
طرح ابن جرير هذه المسألة والإشكالية فيها، ثم تناول أقوال العلماء بالنقد لكل قول والرد عليه ،ثم قال بأحد الأقوال وأورد وجه ترجيحه لهذا القول..
- الإشكالية في وجود ألفاظ لغير العرب في القرآن :
أورد ابن جرير بعض الأمثلة لكلمات جاءت في القرآن قال فيها المفسرون أنها بلسان الحبشة أو الفرس أو غيرهم ،وهذا ينافي كون القرآن نزل بلسان العرب ليخاطبهم به، فكيف ذلك؟ :
· عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
· عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟
· عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
· عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
· عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.
وفيما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكرها الكتاب، مما يدل على أن فيه من غير لسان العرب؟
- انتقاد بعض الأقوال والرد عليها:
انتقد ابن جرير بعض الأقوال التي تناولت هذه الإشكالية بقوله:
فلو أن قائلا قال -فيما ذكرنا من الأشياء التي عددنا وأخبرنا اتفاقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية، وما أشبه ذلك مما سكتنا عن ذكره-: ذلك كله فارسي لا عربي، أو ذلك كله عربي لا فارسي، أو قال: بعضه عربي وبعضه فارسي، أو قال: كان مخرج أصله من عند العرب فوقع إلى العجم فنطقوا به، أو قال: كان مخرج أصله من عند الفرس فوقع إلى العرب فأعربته - كان مستجهلا لأن العرب ليست بأولى أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العجم، ولا العجم بأحق أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العرب، إذ كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجودا في الجنسين.
وإذ كان ذلك موجودا على ما وصفنا في الجنسين، فليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر. والمدعي أن مخرج أصل ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى الآخر، مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم، ويزيل الشك، ويقطع العذر مجيئه.
ويقال لمن أبى ما قلنا -ممن زعم أن الأحرف التي قدمنا ذكرها في أول الباب وما أشبهها، إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته-: ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
- رأي ابن جرير في حل هذه الإشكالية والرد على من أنكرها:
قال ابن جرير:
(الصواب في ذلك عندنا: أن يسمى: عربيا أعجميا، أو حبشيا عربيا، إذ كانت الأمتان له مستعملتين -في بيانها ومنطقها- استعمال سائر منطقها وبيانها. فليس غير ذلك من كلام كل أمة منهما، بأولى أن يكون إليها منسوبا- منه.
فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها، ووجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمال سائر منطقهم، فسبيل إضافته إلى كل جنس منها، سبيل ما وصفنا -من الدرهم والدينار والدواة والقلم، التي اتفقت ألسن الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد، في أنه مستحق إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس- باجتماع وافتراق.
وذلك هو معنى قول من روينا عنه القول في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب، من نسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الحبشة، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الفرس، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الروم. لأن من نسب شيئا من ذلك إلى ما نسبه إليه، لم ينف -بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه- أن يكون عربيا، ولا من قال منهم: هو عربي، نفى ذلك أن يكون مستحقا النسبة إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها. وإنما يكون الإثبات دليلا على النفي، فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني، كقول القائل: فلان قائم، فيكون بذلك من قوله دالا على أنه غير قاعد، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما. فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى. وذلك كقول القائل فلان قائم مكلم فلانا، فليس في تثبيت القيام له ما دل على نفي كلام آخر، لجواز اجتماع ذلك في حال واحد من شخص واحد. فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به.
فكذلك ما قلنا -في الأحرف التي ذكرنا وما أشبهها- غير مستحيل أن يكون عربيا بعضها أعجميا، وحبشيا بعضها عربيا، إذ كان موجودا استعمال ذلك في كلتا الأمتين. فناسب ما نسب من ذلك إلى إحدى الأمتين أو كلتيهما محق غير مبطل.)
(وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك، هو معنى قول من قال: في القرآن من كل لسان- عندنا بمعنى، والله أعلم: أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به، نظير ما وصفنا من القول فيما مضى.
وذلك أنه غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.)

رابعاً - القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب
قال أبو جعفر: قد دللنا، على صحة القول بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه، على أن الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم، وعلى فساد قول من زعم أن منه ما ليس بلسان العرب ولغاتها.
- اختلاف الصحابة في قراءة القرآن:
أورد ابن جرير أحاديث عديدة تبين اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في قراءة القرآن، منها : (عن زيد بن أرقم، قال: كنا معه في المسجد فحدثنا ساعة ثم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة، أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب، فاختلفت قراءتهم، فقراءة أيهم آخذ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعلي إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم، كل حسن جميل.)
- نزول القرآن على سبعة أحرف:
أورد ابن جرير الأحاديث الدالة على نزول القرآن بأحرف سبعة منها: (حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال: حدثنا عبد الله بن ميمون، قال: حدثنا عبيد الله -يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمع عمر بن الخطاب رجلا يقرأ القرآن، فسمع آية على غير ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذا قرأ آية كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف)).)

- معنى نزول القرآن على سبعة أحرف:
قال أبو جعفر صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة، بما يعجز عن إحصائه.
فإن قال: وما برهانك على أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، وقوله: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف))، هو ما ادعيته - من أنه نزل بسبع لغات، وأمر بقراءته على سبعة ألسن- دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل ونحو ذلك من الأقوال؟ فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة.
قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرناها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن دون غيره، فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه. والذي قالوه من ذلك كما قالوا.
وقد روينا - بمثل الذي قالوا من ذلك - عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من أصحابه، أخبارا قد تقدم ذكرنا بعضها، وسنستقصي ذكر باقيها ببيانه، إذا انتهينا إليه، إن شاء الله.
- استدلال ابن جرير على صحة قوله:
استدل ابن جرير على رأيه بقوله :(والدلالة على صحة ما قلناه - من أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب- أنهم تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)).
- الدليل على أن السبعة أحرف هي سبعة ألسن من لغات العرب وليست سبع معان:
أبطل ابن جرير قول من قال من العلماء أن السبعة أحرف هي سبع معان تحليل وتحريم، ووعد ووعيد، وزجر ونهي، إلى آخره ،ثم دلل على بطلان هذا القول ومن ثم إثبات قوله بما يلي:
ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك، لو كان تماريا واختلافا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم صلى الله عليه وسلم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه. لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا، وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه وفرضه، في تلاوة من دلت تلاوته على فرضه - ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه، في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فعله، ولمن شاء منهم أن يتركه تركه في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير!
وذلك من قائله إن قاله، إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله وحكم كتابه فقال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].
وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.
وفي صحة كون ذلك كذلك، ما يبطل دعوى من ادعى خلاف قولنا في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) للذين تخاصموا إليه عند اختلافهم في قراءتهم. لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف. مع أن في قيام الحجة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض في شيء واحد في وقت واحد بحكمين مختلفين، ولا أذن بذلك لأمته - ما يغني عن الإكثار في الدلالة على أن ذلك منفي عن كتاب الله.
وفي انتفاء ذلك عن كتاب الله، وجوب صحة القول الذي قلناه، في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، عند اختصام المختصمين إليه فيما اختلفوا فيه من تلاوة ما تلوه من القرآن، وفساد تأويل قول من خالف قولنا في ذلك.
وأخرى أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم. فما الوجه الذي أوجب له إنكار ما أنكر، إن لم يكن كان ذلك اختلافا منهم في الألفاظ واللغات؟
- إبطال قول من قال بأن الأحرف السبعة متفرقة في القرآن وموجودة الآن في المصاحف التي بين أيدينا:
فإن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، عندك -كما قال هذا القائل- متفرقة في القرآن، مثبتة اليوم في مصاحف أهل الإسلام، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويت عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر كلا أن يقرأ كما علم. لأن الأحرف السبعة إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن، فغير موجب حرف من ذلك اختلافا بين تاليه لأن كل تال فإنما يتلو ذلك الحرف تلاوة واحدة على ما هو به في المصحف، وعلى ما أنزل.
وإذ كان ذلك كذلك، بطل وجه اختلاف الذين روى عنهم أنهم اختلفوا في قراءة سورة، وفسد معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل قارئ منهم أن يقرأه على ما علم. إذ كان لا معنى هنالك يوجب اختلافا في لفظ، ولا افتراقا في معنى. وكيف يجوز أن يكون هنالك اختلاف بين القوم، والمعلم واحد، والعلم واحد غير ذي أوجه؟ وفي صحة الخبر عن الذين روى عنهم الاختلاف في حروف القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأنهم اختلفوا وتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، على ما تقدم وصفناه- أبين الدلالة على فساد القول بأن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن، لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني.
- ماهية الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن:
اختار ابن جرير هذا الرأي: (الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلم، وتعال، وأقبل، وإلي، وقصدي، ونحوي، وقربي، ونحو ذلك، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا آنفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة، أن ذلك بمنزلة قوله: "هلم وتعال وأقبل"، وقوله: {ما ينظرون إلا صيحة}، و (إلا زقية).
- اجتماع الأمة على حرف واحد من الأحرف السبعة وعلة ذلك:
قال ابن جرير: فإن قال: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة، إن كان الأمر في ذلك على ما وصفت، وقد أقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمر بالقراءة بهن، وأنزلهن الله من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم؟ أنسخت فرفعت، فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ أم نسيتهن الأمة، فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه؟ أم ما القصة في ذلك؟
قيل له: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الأمة وهي مأمورة بحفظها. ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت. كما أمرت، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق، أو إطعام، أو كسوة. فلو أجمع جميعها على التكفير فيها بواحدة من الكفارات الثلاث، دون حظرها التكفير بأي الثلاث شاء المكفر، كانت مصيبة حكم الله، مؤدية في ذلك الواجب عليها من حق الله. فكذلك الأمة، أمرت بحفظ القرآن وقراءته، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت - لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه، بما أذن له في قراءته به.
فإن قال: وما العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية؟
-
قيل: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه زيد، قال: لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة، دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر رحمه الله فقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة تهافتوا تهافت الفراش في النار، وإني أخشى أن لا يشهدوا موطنا إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا - وهم حملة القرآن- فيضيع القرآن وينسى. فلو جمعته وكتبته! فنفر منها أبو بكر وقال: أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم! فتراجعا في ذلك. ثم أرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت، قال زيد: فدخلت عليه وعمر محزئل فقال أبو بكر: إن هذا قد دعاني إلى أمر فأبيت عليه، وأنت كاتب الوحي. فإن تكن معه اتبعتكما، وإن توافقني لا أفعل. قال: فاقتص أبو بكر قول عمر، وعمر ساكت، فنفرت من ذلك وقلت: نفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم! إلى أن قال عمر كلمة: "وما عليكما لو فعلتما ذلك؟" قال: فذهبنا ننظر، فقلنا: لا شيء والله! ما علينا في ذلك شيء! قال زيد: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب.
فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة، فكانت عنده. فلما هلك، كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
- ثم أجاب ابن جرير عن الإشكال الآتي ببراعة:
فإن قال بعض من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة. لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم، لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة، عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قرأة الأمة. وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين، بعد أن يكون في نقلة القرآن من الأمة من تجب بنقله الحجة ببعض تلك الأحرف السبعة.
وإذ كان ذلك كذلك، لم يكن القوم بتركهم نقل جميع القراءات السبع، تاركين ما كان عليهم نقله، بل كان الواجب عليهم من الفعل ما فعلوا. إذ كان الذي فعلوا من ذلك، كان هو النظر للإسلام وأهله. فكان القيام بفعل الواجب عليهم، بهم أولى من فعل ما لو فعلوه، كانوا إلى الجناية على الإسلام وأهله أقرب منهم إلى السلامة، من ذلك.
- أي من ألسن العرب التي أنزل بها القرآن؟
أجاب ابن جرير عن هذا التساؤل بقوله: (فإن قال لنا قائل: فهل لك من علم بالألسن السبعة التي نزل بها القرآن؟ وأي الألسن هي من ألسن العرب؟
قلنا: أما الألسن الستة التي قد نزلت القراءة بها، فلا حاجة بنا إلى معرفتها، لأنا لو عرفناها لم نقرأ اليوم بها مع الأسباب التي قدمنا ذكرها. وقد قيل إن خمسة منها لعجز هوازن، واثنين منها لقريش وخزاعة. روي جميع ذلك عن ابن عباس، وليست الرواية به عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله. وذلك أن الذي روى عنه: "أن خمسة منها من لسان العجز من هوازن"، الكلبي عن أبي صالح، وأن الذي روى عنه: "أن اللسانين الآخرين لسان قريش وخزاعة"، قتادة، وقتادة لم يلقه ولم يسمع منه.
-
حدثني بذلك بعض أصحابنا، قال: حدثنا صالح بن نصر الخزاعي، قال: حدثنا الهيثم بن عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة، وذلك أن الدار واحدة.
-
وحدثني بعض أصحابنا، قال: حدثنا صالح بن نصر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي الأسود الدئلي، قال: نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو وكعب بن لؤي. فقال خالد بن سلمة لسعد بن إبراهيم: ألا تعجب من هذا الأعمى! يزعم أن القرآن نزل بلسان الكعبين؛ وإنما نزل بلسان قريش!
قال أبو جعفر: والعجز من هوازن: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف.)

خامساً - القول في البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة))، وذكر الأخبار المروية بذلك
- اختلاف النقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:
أورد ابن جرير نقولاً مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أُنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة) على النحو التالي:
· عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
· عن أبي قلابة، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل)).
· عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف عن أمتي. قال: اقرأه على حرفين. فقلت: رب خفف عن أمتي. فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة، كلها شاف كاف)).
- بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: )أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة)
أوضح ابن جرير المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم "من سبعة أبواب الجنة" بقوله:
كل هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متقاربة المعاني، لأن قول القائل: فلان مقيم على باب من أبواب هذا الأمر، وفلان مقيم على وجه من وجوه هذا الأمر، وفلان مقيم على حرف من هذا الأمر - سواء. ألا ترى أن الله تعالى ذكره وصف قوما عبدوه على وجه من وجوه العبادات، فأخبر عنهم أنهم عبدوه على حرف فقال: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11]، يعني أنهم عبدوه على وجه الشك، لا على اليقين به والتسليم لأمره.
فكذلك رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نزل القرآن من سبعة أبواب)) و((نزل على سبعة أحرف)) سواء، معناهما مؤتلف، وتأويلهما غير مختلف في هذا الوجه.
ومعنى ذلك كله، الخبر منه صلى الله عليه وسلم عما خصه الله به وأمته، من الفضيلة والكرامة التي لم يؤتها أحدا في تنزيله.
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.
فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الكتاب الأول نزل من باب واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب))، فإنه صلى الله عليه وسلم عنى بقوله: ((نزل الكتاب الأول من باب واحد))، والله أعلم، ما نزل من كتب الله على من أنزله من أنبيائه، خاليا من الحدود والأحكام والحلال والحرام، كزبور داود، الذي إنما هو تذكير ومواعظ، وإنجيل عيسى، الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض -دون غيرها من الأحكام والشرائع- وما أشبه ذلك من الكتب التي نزلت ببعض المعاني السبعة التي يحوي جميعها كتابنا، الذي خص الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته. فلم يكن المتعبدون بإقامته يجدون لرضى الله تعالى ذكره مطلبا ينالون به الجنة، ويستوجبون به منه القربة، إلا من الوجه الواحد الذي أنزل به كتابهم، وذلك هو الباب الواحد من أبواب الجنة الذي نزل منه ذلك الكتاب.
وخص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
فجميع ما في القرآن -من حروفه السبعة، وأبوابه السبعة التي نزل منها- جعله الله لعباده إلى رضوانه هاديا، ولهم إلى الجنة قائدا. فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن من سبعة أبواب من الجنة)).

سادساً - القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن
- أنواع البيان المُنَزَّل على نبينا صلى الله عليه وسلم:
قسم ابن جرير البيان إلى ثلاثة أقسام:
1- ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار:
وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
2- ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم:
وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. وهذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
3- ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن:
وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم. وذلك كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا.
ثم روى ابن جرير عن ابن عباس أربعة أقسام قائلاً:
وبمثل ما قلنا من ذلك روي الخبر عن ابن عباس:
-
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.
ورواية أخرى عن ابن عباس أيضاً:
عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب)).

سابعاً - ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي
- ذكر ابن جرير بعض الآثار المروية في هذا الشأن أهمها:
· عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
· عن ابن عباس قال: من تكلم في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
· عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
_ قال أبو جعفر: وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا: من أن ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه، ولأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان. والقائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
- القول بالرأي في القرآن لا يجوز:
قال ابن جرير:
فالقائل في تأويل كتاب الله، الذي لا يدرك علمه إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جعل الله إليه بيانه -قائل ما لا يعلم وإن وافق قيله ذلك في تأويله، ما أراد الله به من معناه. لأن القائل فيه بغير علم، قائل على الله ما لا علم له به. وهذا هو معنى الخبر الذي حدثنا به العباس بن عبد العظيم العبري، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا سهيل أخو حزم، قال: حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).
- بيان علة ذلك:
قال أبو جعفر: يعني صلى الله عليه وسلم أنه أخطأ في فعله، بقيله فيه برأيه، وإن وافق قيله ذلك عين الصواب عند الله. لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب. فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

ثامناً - ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن،ومن كان يفسره من الصحابة
- نماذج من عناية الصحابة بتفسير القرآن وفهم معانيه:
ذكر ابن جرير عدة نماذج توضح شدة عناية السلف بفهم القرآن والعمل بما فيه..
· عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
· عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
· حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
· عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
- أهمية علم التفسير في الدعوة:
ذكر ابن جرير فضائل لعلم التفسير أهمها دوره في الدعوة..
· عن الأعمش، عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
· عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- حث الله عز وجل عباده على التدبر في آي القرآن والاعتبار بما فيه:
قال أبو جعفر: وفي حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التي أمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه- ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه.
- ضرورة فهم كلام الله تعالى المُنزَّل:
· عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.
ثم ختم ابن جرير هذا الباب بضرورة فهم كلام العرب حتى يتسنى للعبد أن يفهم كلام الله عز وجل ويتدبر معانيه.

تاسعاً - ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن
- تعظيم القول في تفسير القرآن:
ذكر ابن جرير عدة آثار تدل على تعظيم القول في التفسير وتعظيم السلف القول في القرآن ..
· عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل.
· عن عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع.
· عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
· عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.
· عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
· عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
· قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى.
ثم فسر ابن جرير هذه الآثار المروية عن السلف في إحجامهم عن القول في التفسير إلا بحذر وعلم على النحو التالي:
(أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك مما تحويه آي القرآن، من سائر حكمه الذي جعل الله بيانه لخلقه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.)
(ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله، فقد بين لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له بوحيه مع جبريل. وذلك هو المعنى الذي أمره الله ببيانه لهم فقال له جل ذكره: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنه كان لا يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد- هو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أنزل إليه صلى الله عليه وسلم الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما نزل إليهم.
وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه.)
(وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.)

عاشراً - ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
- المشتهرون بالتفسير من الصحابة والتابعين:
· عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
· عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
· عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
· عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
- ذكر من لم يتلق التفسير من الصحابة الذين هم أدرى الناس بمعاني القرآن ومن ذُمَّ قوله في التفسير:
· عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.
· عن ابن إدريس، قال حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
· عن الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عند الكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
· عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
· عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم.
· عن سعيد بن بشير، يقول عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.
- أحق المفسرين في إصابة الحق في تأويل القرآن:
قال ابن جرير:
(فأحق المفسرين بإصابة الحق -في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل- أوضحهم حجة فيما تأول وفسر، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه: إما من جهة النقل المستفيض، فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض، وإما من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن عنه فيه النقل المستفيض، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته؛ وأوضحهم برهانا -فيما ترجم وبين من ذلك- مما كان مدركا علمه من جهة اللسان: إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة، كائنا من كان ذلك المتأول والمفسر، بعد أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.)

الحادي عشر - القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه
_ أسماء القرآن التي وردت في التنزيل:
ذكر ابن جرير أربعة أسماء للقرآن وردت في التنزيل ولكل اسم منها وجه ومعنى في لسان العرب:
1- "القرآن"، فقال في تسميته إياه بذلك في تنزيله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [يوسف: 3]، وقال: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} [النمل: 76].
ومعناه في كلام العرب:
ما رُوي عن ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا من قول القائل: قرأت القرآن.
عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به.
وأما على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، من قول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
وذلك أن بشر بن معاذ العقدي حدثنا قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
فرأى قتادة أن تأويل "القرآن": التأليف.
2- "الفرقان"، قال جل ثناؤه في وحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مسميه بذلك: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان:1].
ومعناه في كلام العرب:
الفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة.
كان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج.
وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
قال ابن جرير: (كل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني. وذلك أن من جعل له مخرج من أمر كان فيه، فقد جعل له ذلك المخرج منه نجاة. وكذلك إذا نجي منه، فقد نصر على من بغاه فيه سوءا، وفرق بينه به وبين باغيه السوء.
فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
وأصل "الفرقان" عندنا: الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل. فقد تبين بذلك أن القرآن سمي "فرقانا"، لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل. وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.)
وكذلك كان السدي يتأوله.
3- "الكتاب": قال تبارك اسمه في تسميته إياه به: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما} [الكهف: 1، 2].
معناه في كلام العرب:
قال ابن جرير: (وأما تأويل اسمه الذي هو "كتاب": فهو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا. والكتاب: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة. وسمي "كتابا"، وإنما هو مكتوب.)
4- "الذكر"، فقال تعالى ذكره في تسميته إياه به: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].
معناه في كلام العرب:
قال ابن جرير: (وأما تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين: أحدهما: أنه ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه. والآخر: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.)
- ترجيح ابن جرير لمعنى كلمة قرآن:
قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباس وقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس.
لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
ولو وجب أن يكون معنى قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} فإذا ألفناه فاتبع ما ألفنا لك فيه - لوجب ألا يكون كان لزمه فرض {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] ولا فرض {يا أيها المدثر * قم فأنذر} [المدثر: 1، 2] قبل أن يؤلف إلى ذلك غيره من القرآن. وذلك، إن قاله قائل، خروج من قول أهل الملة.
وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازما النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.
- أسماء سور القرآن التي سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
· عن واثلة بن الأسقع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطيت مكان التوراة السبع الطول، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل)).
· عن المسيب، عن ابن مسعود قال: الطول كالتوراة، والمئون كالإنجيل، والمثاني كالزبور، وسائر القرآن بعد فضل على الكتب.
· قال أبو جعفر: والسبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، في قول سعيد بن جبير.
· وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن.
* وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
* وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني. وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
· وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميت مثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
· وقد قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.
وبمثل ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء سور القرآن التي ذكرت، جاء شعر الشعراء. فقال بعضهم:
حلفت بالسبع اللواتي طولت
وبمئين بعدها قد أمئيت
وبمثان ثنيت فكررت
وبالطواسين التي قد ثلثت
وبالحواميم اللواتي سبعت
وبالمفصل اللواتي فصلت
· قال أبو جعفر: وهذه الأبيات تدل على صحة التأويل الذي تأولناه في هذه الأسماء.
· وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
- بيان معنى السورة:
قال ابن جرير: تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفة وغرف".
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه. غير أن السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور".
ومن الدلالة على أن معنى السورة: المنزلة من الارتفاع، قول نابغة بني ذبيان:
ألم تر أن الله أعطاك سورة = ترى كل ملك دونها يتذبذب
يعني بذلك: أن الله أعطاه منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها منازل الملوك.
وقد همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.
- بيان معنى الآية:
قال ابن جرير : وأما الآية من آي القرآن، فإنها تحتمل وجهين في كلام العرب:
أحدهما: أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه، كقول الشاعر:
ألكنى إليها عمرك الله يا فتى = بآية ما جاءت إلينا تهاديا
يعني: بعلامة ذلك. ومنه قوله جل ثناؤه: {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك} [المائدة: 114] يعني بذلك علامة منك لإجابتك دعاءنا وإعطائك إيانا سؤلنا.
· معنى آخر للآية ذكره ابن جرير:
والآخر منهما: القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم
يعني بقوله "آية": رسالة مني وخبرا عني.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.

الثاني عشر - القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب
- أسماء الفاتحة:
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
- أسباب التسمية:
قال ابن جرير: وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما". فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: "أم الرأس". وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش.
وقد قيل إن مكة سميت "أم القرى"، لتقدمها أمام جميعها، وجمعها ما سواها. وقيل: إنما سميت بذلك، لأن الأرض دحيت منها فصارت لجميعها أما.
وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
- اختلاف العلماء في تحديد الآيات السبع للفاتحة:
أورد ابن جرير الخلاف في تحديد الآيات السبع للفاتحة على قولين:
1- فقال عظم أهل الكوفة: صارت سبع آيات بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} وروي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين.
2- وقال آخرون: هي سبع آيات، وليس منهن {بسم الله الرحمن الرحيم} ولكن السابعة "أنعمت عليهم". وذلك قول عظم قرأة أهل المدينة ومتفقهيهم.
- سبب تسمية الفاتحة بالمثاني:
قال ابن جرير: (فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
-
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمد لله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. )
· في نهاية الباب علق ابن جرير على مسألة تسمية القرآن بالمثاني بقوله:(وليس في وجوب اسم "السبع المثاني" لفاتحة الكتاب، ما يدفع صحة وجوب اسم "المثاني" للقرآن كله، ولما ثنى المئين من السور. لأن لكل ذلك وجها ومعنى مفهوما، لا يفسد - بتسمية بعض ذلك بالمثاني - تسمية غيره بها.)
***********************************************************

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 شوال 1437هـ/18-07-2016م, 09:43 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمياء مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن جرير

المقصد العام

بيان بعض العلوم والمعاني المتعلقة بعلم التفسير
المقاصد الفرعية
أولا –خطبة المقدمة
ثانياً -القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، ومعاني منطق من نزل بلسانه من وجه البيان -والدلالة على أن ذلك من الله جل وعز هو الحكمة البالغة- مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام
- أهمية البيان في إبلاغ الرسالة:
- كل رسول أرسل بلسان قومه ليبين لهم رسالة ربهم:
- إنزال القرآن بلسان العرب :
ثالثاً -القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
- الإشكالية في وجود ألفاظ لغير العرب في القرآن :
- انتقاد بعض الأقوال والرد عليها:
- رأي ابن جرير في حل هذه الإشكالية والرد على من أنكرها:
رابعاً -القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب
- اختلاف الصحابة في قراءة القرآن:
- نزول القرآن على سبعة أحرف:
- معنى نزول القرآن على سبعة أحرف:
- استدلال ابن جرير على صحة قوله:
- الدليل على أن السبعة أحرف هي سبعة ألسن من لغات العرب وليست سبع معان:
- إبطال قول من قال بأن الأحرف السبعة متفرقة في القرآن وموجودة الآن في المصاحف التي بين أيدينا:
- ماهية الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن:
- اجتماع الأمة على حرف واحد من الأحرف السبعة وعلة ذلك:
- ثم أجاب ابن جرير عن الإشكال الآتي ببراعة:
- أي من ألسن العرب التي أنزل بها القرآن؟
خامساً - القول في البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة))، وذكر الأخبار المروية بذلك
- اختلاف النقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:
- بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: )أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة)
سادساً – القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن
- أنواع البيان المُنَزَّل على نبينا صلى الله عليه وسلم:
سابعاً -ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي
- ذكر ابن جرير بعض الآثار المروية في هذا الشأن أهمها:
- القول بالرأي في القرآن لا يجوز:
- بيان علة ذلك:
ثامناً -ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن، ومن كان يفسره من الصحابة
- نماذج من عناية الصحابة بتفسير القرآن وفهم معانيه:
- أهمية علم التفسير في الدعوة:
- حث الله عز وجل عباده على التدبر في آي القرآن والاعتبار بما فيه:
- ضرورة فهم كلام الله تعالى المُنزَّل:
تاسعاً -ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن
- تعظيم القول في تفسير القرآن:
عاشراً -ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
- المشتهرون بالتفسير من الصحابة والتابعين:
- أحق المفسرين في إصابة الحق في تأويل القرآن:
الحادي عشر -القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه
- أسماء القرآن التي وردت في التنزيل:
- ترجيح ابن جرير لمعنى كلمة قرآن:
- أسماء سور القرآن التي سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- بيان معنى السورة:
- بيان معنى الآية:
الثاني عشر - القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب
- أسماء الفاتحة:
- أسباب التسمية:
- اختلاف العلماء في تحديد الآيات السبع للفاتحة:
- سبب تسمية الفاتحة بالمثاني:


أولا – خطبة المقدمة :
- بدأ ابن جرير –رحمه الله- خطبته بحمد الله والثناء عليه بعبارات بليغة موجزة، ثم أردف بذكر إرسال الله الرسل ليقيم الحجة على عباده ، واستشهد بقوله تعالى :(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). النساء 165 ،ثم تأييدهم بالحجج البالغة والآي المعجزة لئلا يقول القائل منهم (ما هذا إلا بشرٌ مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون* ولئن أطعتن [ أطعتم ] بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون) .المؤمنون 33:34
- وتابع ابن عطية ببيان تفضيل النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين، وتفضيل أمته على سائر الأمم، ثم ذكر أحد أوجه هذا التفضيل وهو إنزال الوحي وحفظه ليكون لهم هادياً ودليلاً.
- ثم انتقل رحمه الله لذكر أهمية العناية بعلم التفسير ، مبيناً منهجه في تفسيره وتأويله لكلام الله المنزه بنقاط سريعة أهمها:
1- جمعه للعلوم التي يحتاجها الناس لبيان معاني كلام الله.
2- ذكره أقوال السلف وما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه.
3- ذكر مذاهب السلف وعلل كل مذهب.
4- ترجيحه لأحد الأقوال بالدليل المختصر والموجز.
- وأخيراً ختم ابن جرير –رحمه الله- خطبته بذكر ما سيبدأ به تفسيره ببيان بعض العلوم والمعاني التي قد يدخل اللبس على من لم يسبق له معرفتها.

ثانياً - القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، ومعاني منطق من نزل بلسانه من وجه البيان -والدلالة على أن ذلك من الله جل وعز هو الحكمة البالغة- مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين القرآن سائر الكلام
- أهمية البيان في إبلاغ الرسالة:
بين ابن جرير رحمه الله في هذا الباب فضل البيان وأهميته في إبلاغ الرسالات ودحض الحجج الباطلة ، وأنه من أعظم نعم الله تعالى على عباده ، واستشهد بقوله تعالى {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [ الزخرف: 18].
ثم ختم كلامه بقوله فإذ كان تفاضل مراتب البيان، وتباين منازل درجات الكلام، بما وصفنا قبل -وكان الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه، أحكم الحكماء، وأحلم الحلماء، - كان معلوما أن أبين البيان بيانه، وأفضل الكلام كلامه، وأن قدر فضل بيانه، جل ذكره، على بيان جميع خلقه، كفضله على جميع عباده.
- كل رسول أرسل بلسان قومه ليبين لهم رسالة ربهم:
أوضح ابن جرير فائدة إرسال الرسل كل بلسان قومه فقال: لأن المخاطب والمرسل إليه، إن لم يفهم ما خوطب به وأرسل به إليه، فحاله -قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده- سواء، إذ لم يفده الخطاب والرسالة شيئا كان به قبل ذلك جاهلا. والله جل ذكره يتعالى عن أن يخاطب خطابا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه، لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث، والله تعالى عن ذلك متعال.
ثم استشهد على كلامه بقوله تعالى : {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [ إبراهيم: 4].، وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ النحل: 64].
- إنزال القرآن بلسان العرب :
بين ابن جرير حتمية إنزال القرآن بالعربية بقوله:
وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربيا، فبين أن القرآن عربي. وبذلك أيضا نطق محكم تنزيل ربنا، فقال جل ذكره: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [ يوسف: 2]. وقال: {وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين} [ الشعراء: 192-195].
- بعض أشكال موافقة البيان في القرآن بالبيان في لغة المُنزَل إليهم :
وافق القرآن الكريم المُنَزَّل على أمة العرب لغتهم وبيانهم ، وإن باينه كتاب الله بالفضيلة التي فضل بها سائر الكلام والبيان، فنجد فيه الكناية والتصريح، والتكرار والترداد، وبالقلة من الإكثار في بعض الأحوال، واستعمال الإطالة والإكثار،والتقديم والتأخير ، وهذه أمثلة فقط لما سيذكره ابن جرير في تلك المسألة.

ثالثاً - القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
طرح ابن جرير هذه المسألة والإشكالية فيها، ثم تناول أقوال العلماء بالنقد لكل قول والرد عليه ،ثم قال بأحد الأقوال وأورد وجه ترجيحه لهذا القول..
- الإشكالية في وجود ألفاظ لغير العرب في القرآن :
أورد ابن جرير بعض الأمثلة لكلمات جاءت في القرآن قال فيها المفسرون أنها بلسان الحبشة أو الفرس أو غيرهم ،وهذا ينافي كون القرآن نزل بلسان العرب ليخاطبهم به، فكيف ذلك؟ :
· عن ابن عباس: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال: بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ.
· عن أبي ميسرة: {يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي، بلسان الحبشة ؟
· عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {فرت من قسورة} [المدثر: 51] قال: هو بالعربية الأسد، وبالفارسية شار، وبالنبطية أريا، وبالحبشية قسورة.
· عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا؟ فأنزل الله تعالى ذكره: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} [فصلت: 44] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فمنه: {حجارة من سجيل} [هود: 82] قال: فارسية أعربت "سنك وكل".
· عن أبي ميسرة، قال: في القرآن من كل لسان.
وفيما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكرها الكتاب، مما يدل على أن فيه من غير لسان العرب؟
- انتقاد بعض الأقوال والرد عليها:
انتقد ابن جرير بعض الأقوال التي تناولت هذه الإشكالية بقوله:
فلو أن قائلا قال -فيما ذكرنا من الأشياء التي عددنا وأخبرنا اتفاقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية، وما أشبه ذلك مما سكتنا عن ذكره-: ذلك كله فارسي لا عربي، أو ذلك كله عربي لا فارسي، أو قال: بعضه عربي وبعضه فارسي، أو قال: كان مخرج أصله من عند العرب فوقع إلى العجم فنطقوا به، أو قال: كان مخرج أصله من عند الفرس فوقع إلى العرب فأعربته - كان مستجهلا لأن العرب ليست بأولى أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العجم، ولا العجم بأحق أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العرب، إذ كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجودا في الجنسين.
وإذ كان ذلك موجودا على ما وصفنا في الجنسين، فليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر. والمدعي أن مخرج أصل ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى الآخر، مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم، ويزيل الشك، ويقطع العذر مجيئه.
ويقال لمن أبى ما قلنا -ممن زعم أن الأحرف التي قدمنا ذكرها في أول الباب وما أشبهها، إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى العرب، وقعت إلى العرب فعربته-: ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك، من الوجه الذي يجب التسليم له، فقد علمت من خالفك في ذلك، فقال فيه خلاف قولك؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال: هذه الأحرف، وما أشبهها من الأحرف غيرها، أصلها عربي، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها- من الوجه الذي يجب التسليم له؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
- رأي ابن جرير في حل هذه الإشكالية والرد على من أنكرها:
قال ابن جرير:
(الصواب في ذلك عندنا: أن يسمى: عربيا أعجميا، أو حبشيا عربيا، إذ كانت الأمتان له مستعملتين -في بيانها ومنطقها- استعمال سائر منطقها وبيانها. فليس غير ذلك من كلام كل أمة منهما، بأولى أن يكون إليها منسوبا- منه.
فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها، ووجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمال سائر منطقهم، فسبيل إضافته إلى كل جنس منها، سبيل ما وصفنا -من الدرهم والدينار والدواة والقلم، التي اتفقت ألسن الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد، في أنه مستحق إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس- باجتماع وافتراق.
وذلك هو معنى قول من روينا عنه القول في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب، من نسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الحبشة، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الفرس، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الروم. لأن من نسب شيئا من ذلك إلى ما نسبه إليه، لم ينف -بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه- أن يكون عربيا، ولا من قال منهم: هو عربي، نفى ذلك أن يكون مستحقا النسبة إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها. وإنما يكون الإثبات دليلا على النفي، فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني، كقول القائل: فلان قائم، فيكون بذلك من قوله دالا على أنه غير قاعد، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما. فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى. وذلك كقول القائل فلان قائم مكلم فلانا، فليس في تثبيت القيام له ما دل على نفي كلام آخر، لجواز اجتماع ذلك في حال واحد من شخص واحد. فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به.
فكذلك ما قلنا -في الأحرف التي ذكرنا وما أشبهها- غير مستحيل أن يكون عربيا بعضها أعجميا، وحبشيا بعضها عربيا، إذ كان موجودا استعمال ذلك في كلتا الأمتين. فناسب ما نسب من ذلك إلى إحدى الأمتين أو كلتيهما محق غير مبطل.)
(وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك، هو معنى قول من قال: في القرآن من كل لسان- عندنا بمعنى، والله أعلم: أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به، نظير ما وصفنا من القول فيما مضى.
وذلك أنه غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة، مقر بكتاب الله، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله -أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي، وبعضه نبطي لا عربي، وبعضه رومي لا عربي، وبعضه حبشي لا عربي ، بعد ما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا. لأن ذلك إن كان كذلك، فليس قول القائل: القرآن حبشي أو فارسي، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانها دون العرب- بأولى بالتطويل من قول القائل: هو عربي. ولا قول القائل: هو عربي بأولى بالصحة والصواب من قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا. إذ كان الذي بلسان غير العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه، نظير الذي فيه من لسان العرب.)

رابعاً - القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب
قال أبو جعفر: قد دللنا، على صحة القول بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه، على أن الله جل ثناؤه أنزل جميع القرآن بلسان العرب دون غيرها من ألسن سائر أجناس الأمم، وعلى فساد قول من زعم أن منه ما ليس بلسان العرب ولغاتها.
- اختلاف الصحابة في قراءة القرآن:
أورد ابن جرير أحاديث عديدة تبين اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في قراءة القرآن، منها : (عن زيد بن أرقم، قال: كنا معه في المسجد فحدثنا ساعة ثم قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود سورة، أقرأنيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب، فاختلفت قراءتهم، فقراءة أيهم آخذ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعلي إلى جنبه، فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم، كل حسن جميل.)
- نزول القرآن على سبعة أحرف:
أورد ابن جرير الأحاديث الدالة على نزول القرآن بأحرف سبعة منها: (حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال: حدثنا عبد الله بن ميمون، قال: حدثنا عبيد الله -يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمع عمر بن الخطاب رجلا يقرأ القرآن، فسمع آية على غير ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذا قرأ آية كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف)).)

- معنى نزول القرآن على سبعة أحرف:
قال أبو جعفر صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب البعض منها دون الجميع، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة، بما يعجز عن إحصائه.
فإن قال: وما برهانك على أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، وقوله: ((أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف))، هو ما ادعيته - من أنه نزل بسبع لغات، وأمر بقراءته على سبعة ألسن- دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك، من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل ونحو ذلك من الأقوال؟ فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة.
قيل له: إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرناها، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن دون غيره، فيكون ذلك لقولنا مخالفا، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه. والذي قالوه من ذلك كما قالوا.
وقد روينا - بمثل الذي قالوا من ذلك - عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من أصحابه، أخبارا قد تقدم ذكرنا بعضها، وسنستقصي ذكر باقيها ببيانه، إذا انتهينا إليه، إن شاء الله.
- استدلال ابن جرير على صحة قوله:
استدل ابن جرير على رأيه بقوله :(والدلالة على صحة ما قلناه - من أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن على سبعة أحرف))، إنما هو أنه نزل بسبع لغات، كما تقدم ذكرنا من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وسائر من قد قدمنا الرواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب- أنهم تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة، دون ما في ذلك من المعاني، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف)).
- الدليل على أن السبعة أحرف هي سبعة ألسن من لغات العرب وليست سبع معان:
أبطل ابن جرير قول من قال من العلماء أن السبعة أحرف هي سبع معان تحليل وتحريم، ووعد ووعيد، وزجر ونهي، إلى آخره ،ثم دلل على بطلان هذا القول ومن ثم إثبات قوله بما يلي:
ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك، لو كان تماريا واختلافا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك، لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم صلى الله عليه وسلم، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه. لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا، وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه وفرضه، في تلاوة من دلت تلاوته على فرضه - ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه، في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فعله، ولمن شاء منهم أن يتركه تركه في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير!
وذلك من قائله إن قاله، إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله وحكم كتابه فقال تعالى ذكره: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].
وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه، لا بأحكام فيهم مختلفة.
وفي صحة كون ذلك كذلك، ما يبطل دعوى من ادعى خلاف قولنا في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) للذين تخاصموا إليه عند اختلافهم في قراءتهم. لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها- وصوبها. ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل علي القرآن على سبعة أحرف)) إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف. مع أن في قيام الحجة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض في شيء واحد في وقت واحد بحكمين مختلفين، ولا أذن بذلك لأمته - ما يغني عن الإكثار في الدلالة على أن ذلك منفي عن كتاب الله.
وفي انتفاء ذلك عن كتاب الله، وجوب صحة القول الذي قلناه، في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف))، عند اختصام المختصمين إليه فيما اختلفوا فيه من تلاوة ما تلوه من القرآن، وفساد تأويل قول من خالف قولنا في ذلك.
وأخرى أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء، وينهى عما شاء، ويعد فيما أحب من طاعاته، ويوعد على معاصيه، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال- فيخاصم غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه. بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم. فما الوجه الذي أوجب له إنكار ما أنكر، إن لم يكن كان ذلك اختلافا منهم في الألفاظ واللغات؟
- إبطال قول من قال بأن الأحرف السبعة متفرقة في القرآن وموجودة الآن في المصاحف التي بين أيدينا:
فإن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، عندك -كما قال هذا القائل- متفرقة في القرآن، مثبتة اليوم في مصاحف أهل الإسلام، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويت عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر كلا أن يقرأ كما علم. لأن الأحرف السبعة إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن، فغير موجب حرف من ذلك اختلافا بين تاليه لأن كل تال فإنما يتلو ذلك الحرف تلاوة واحدة على ما هو به في المصحف، وعلى ما أنزل.
وإذ كان ذلك كذلك، بطل وجه اختلاف الذين روى عنهم أنهم اختلفوا في قراءة سورة، وفسد معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل قارئ منهم أن يقرأه على ما علم. إذ كان لا معنى هنالك يوجب اختلافا في لفظ، ولا افتراقا في معنى. وكيف يجوز أن يكون هنالك اختلاف بين القوم، والمعلم واحد، والعلم واحد غير ذي أوجه؟ وفي صحة الخبر عن الذين روى عنهم الاختلاف في حروف القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأنهم اختلفوا وتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، على ما تقدم وصفناه- أبين الدلالة على فساد القول بأن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن، لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني.
- ماهية الأحرف السبعة التي أنزل بها القرآن:
اختار ابن جرير هذا الرأي: (الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن، هن لغات سبع، في حرف واحد، وكلمة واحدة، باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلم، وتعال، وأقبل، وإلي، وقصدي، ونحوي، وقربي، ونحو ذلك، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا آنفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة، أن ذلك بمنزلة قوله: "هلم وتعال وأقبل"، وقوله: {ما ينظرون إلا صيحة}، و (إلا زقية).
- اجتماع الأمة على حرف واحد من الأحرف السبعة وعلة ذلك:
قال ابن جرير: فإن قال: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة، إن كان الأمر في ذلك على ما وصفت، وقد أقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأمر بالقراءة بهن، وأنزلهن الله من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم؟ أنسخت فرفعت، فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ أم نسيتهن الأمة، فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه؟ أم ما القصة في ذلك؟
قيل له: لم تنسخ فترفع، ولا ضيعتها الأمة وهي مأمورة بحفظها. ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت. كما أمرت، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: إما بعتق، أو إطعام، أو كسوة. فلو أجمع جميعها على التكفير فيها بواحدة من الكفارات الثلاث، دون حظرها التكفير بأي الثلاث شاء المكفر، كانت مصيبة حكم الله، مؤدية في ذلك الواجب عليها من حق الله. فكذلك الأمة، أمرت بحفظ القرآن وقراءته، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت - لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه، بما أذن له في قراءته به.
فإن قال: وما العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية؟
-
قيل: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه زيد، قال: لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة، دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر رحمه الله فقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة تهافتوا تهافت الفراش في النار، وإني أخشى أن لا يشهدوا موطنا إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا - وهم حملة القرآن- فيضيع القرآن وينسى. فلو جمعته وكتبته! فنفر منها أبو بكر وقال: أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم! فتراجعا في ذلك. ثم أرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت، قال زيد: فدخلت عليه وعمر محزئل فقال أبو بكر: إن هذا قد دعاني إلى أمر فأبيت عليه، وأنت كاتب الوحي. فإن تكن معه اتبعتكما، وإن توافقني لا أفعل. قال: فاقتص أبو بكر قول عمر، وعمر ساكت، فنفرت من ذلك وقلت: نفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم! إلى أن قال عمر كلمة: "وما عليكما لو فعلتما ذلك؟" قال: فذهبنا ننظر، فقلنا: لا شيء والله! ما علينا في ذلك شيء! قال زيد: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب.
فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة، فكانت عنده. فلما هلك، كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها في فرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: "يا أمير المؤمنين: أدرك الناس! فقال عثمان: "وما ذاك؟" قال غزوت فرج إرمينية، فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق. وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام، فيكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا، وقال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي. فجعل أبان بن سعيد بن العاص، قال: فلما بلغا: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} [البقرة: 248] قال: زيد فقلت: "التابوه" وقال أبان بن سعيد: "التابوت"، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: "التابوت" قال: فلما فرغت عرضته معه عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} إلى قوله: {وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها، ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} إلى آخر السورة [التوبة: 128، 129] فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا، فأثبتها في آخر "براءة"، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء. فردها إليها، وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف. فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا.
- ثم أجاب ابن جرير عن الإشكال الآتي ببراعة:
فإن قال بعض من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة. لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم، لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة، عند من يقوم بنقله الحجة، ويقطع خبره العذر، ويزيل الشك من قرأة الأمة. وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين، بعد أن يكون في نقلة القرآن من الأمة من تجب بنقله الحجة ببعض تلك الأحرف السبعة.
وإذ كان ذلك كذلك، لم يكن القوم بتركهم نقل جميع القراءات السبع، تاركين ما كان عليهم نقله، بل كان الواجب عليهم من الفعل ما فعلوا. إذ كان الذي فعلوا من ذلك، كان هو النظر للإسلام وأهله. فكان القيام بفعل الواجب عليهم، بهم أولى من فعل ما لو فعلوه، كانوا إلى الجناية على الإسلام وأهله أقرب منهم إلى السلامة، من ذلك.
- أي من ألسن العرب التي أنزل بها القرآن؟
أجاب ابن جرير عن هذا التساؤل بقوله: (فإن قال لنا قائل: فهل لك من علم بالألسن السبعة التي نزل بها القرآن؟ وأي الألسن هي من ألسن العرب؟
قلنا: أما الألسن الستة التي قد نزلت القراءة بها، فلا حاجة بنا إلى معرفتها، لأنا لو عرفناها لم نقرأ اليوم بها مع الأسباب التي قدمنا ذكرها. وقد قيل إن خمسة منها لعجز هوازن، واثنين منها لقريش وخزاعة. روي جميع ذلك عن ابن عباس، وليست الرواية به عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله. وذلك أن الذي روى عنه: "أن خمسة منها من لسان العجز من هوازن"، الكلبي عن أبي صالح، وأن الذي روى عنه: "أن اللسانين الآخرين لسان قريش وخزاعة"، قتادة، وقتادة لم يلقه ولم يسمع منه.
-
حدثني بذلك بعض أصحابنا، قال: حدثنا صالح بن نصر الخزاعي، قال: حدثنا الهيثم بن عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة، وذلك أن الدار واحدة.
-
وحدثني بعض أصحابنا، قال: حدثنا صالح بن نصر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي الأسود الدئلي، قال: نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو وكعب بن لؤي. فقال خالد بن سلمة لسعد بن إبراهيم: ألا تعجب من هذا الأعمى! يزعم أن القرآن نزل بلسان الكعبين؛ وإنما نزل بلسان قريش!
قال أبو جعفر: والعجز من هوازن: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف.)

خامساً - القول في البيان عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة))، وذكر الأخبار المروية بذلك
- اختلاف النقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:
أورد ابن جرير نقولاً مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أُنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة) على النحو التالي:
· عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان الكتاب الأول نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زاجر وآمر وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا)).
· عن أبي قلابة، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف، أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل)).
· عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: رب خفف عن أمتي. قال: اقرأه على حرفين. فقلت: رب خفف عن أمتي. فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب من الجنة، كلها شاف كاف)).
- بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: )أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة)
أوضح ابن جرير المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم "من سبعة أبواب الجنة" بقوله:
كل هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متقاربة المعاني، لأن قول القائل: فلان مقيم على باب من أبواب هذا الأمر، وفلان مقيم على وجه من وجوه هذا الأمر، وفلان مقيم على حرف من هذا الأمر - سواء. ألا ترى أن الله تعالى ذكره وصف قوما عبدوه على وجه من وجوه العبادات، فأخبر عنهم أنهم عبدوه على حرف فقال: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11]، يعني أنهم عبدوه على وجه الشك، لا على اليقين به والتسليم لأمره.
فكذلك رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نزل القرآن من سبعة أبواب)) و((نزل على سبعة أحرف)) سواء، معناهما مؤتلف، وتأويلهما غير مختلف في هذا الوجه.
ومعنى ذلك كله، الخبر منه صلى الله عليه وسلم عما خصه الله به وأمته، من الفضيلة والكرامة التي لم يؤتها أحدا في تنزيله.
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله على نبي من أنبياء الله صلى الله عليهم، فإنما نزل بلسان واحد، متى حول إلى غير اللسان الذي نزل به، كان ذلك له ترجمة وتفسيرا لا تلاوة له على ما أنزله الله وأنزل كتابنا بألسن سبعة، بأي تلك الألسن السبعة تلاه التالي، كان له تاليا على ما أنزله الله لا مترجما ولا مفسرا، حتى يحوله عن تلك الألسن السبعة إلى غيرها، فيصير فاعل ذلك حينئذ -إذا أصاب معناه- له مترجما. كما كان التالي بعض الكتب التي أنزلها الله بلسان واحد -إذا تلاه بغير اللسان الذي نزل به- له مترجما، لا تاليا على ما أنزله الله به.
فذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الكتاب الأول، نزل على حرف واحد، ونزل القرآن على سبعة أحرف)).
وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الكتاب الأول نزل من باب واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب))، فإنه صلى الله عليه وسلم عنى بقوله: ((نزل الكتاب الأول من باب واحد))، والله أعلم، ما نزل من كتب الله على من أنزله من أنبيائه، خاليا من الحدود والأحكام والحلال والحرام، كزبور داود، الذي إنما هو تذكير ومواعظ، وإنجيل عيسى، الذي هو تمجيد ومحامد وحض على الصفح والإعراض -دون غيرها من الأحكام والشرائع- وما أشبه ذلك من الكتب التي نزلت ببعض المعاني السبعة التي يحوي جميعها كتابنا، الذي خص الله به نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته. فلم يكن المتعبدون بإقامته يجدون لرضى الله تعالى ذكره مطلبا ينالون به الجنة، ويستوجبون به منه القربة، إلا من الوجه الواحد الذي أنزل به كتابهم، وذلك هو الباب الواحد من أبواب الجنة الذي نزل منه ذلك الكتاب.
وخص الله جل وعز نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته، بأن أنزل عليهم كتابه على أوجه سبعة من الوجوه التي ينالون بها رضوان الله، ويدركون بها الفوز بالجنة، إذا أقاموها فكل وجه من أوجهه السبعة باب من أبواب الجنة الذي نزل منه القرآن. لأن العامل بكل وجه من أوجهه السبعة، عامل على باب من أبواب الجنة، وطالب من قبله الفوز بها. فالعمل بما أمر الله جل ذكره في كتابه، باب من أبواب الجنة، وترك ما نهى الله عنه فيه؛ باب آخر ثان من أبوابها؛ وتحليل ما حلل الله فيه، باب ثالث من أبوابها؛ وتحريم ما حرم الله فيه، باب رابع من أبوابها؛ والإيمان بمحكمه المبين، باب خامس من أبوابها؛ والتسليم لمتشابهه الذي استأثر الله بعلمه وحجب علمه عن خلقه والإقرار بأن كل ذلك من عند ربه، باب سادس من أبوابها؛ والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بعظاته، باب سابع من أبوابها.
فجميع ما في القرآن -من حروفه السبعة، وأبوابه السبعة التي نزل منها- جعله الله لعباده إلى رضوانه هاديا، ولهم إلى الجنة قائدا. فذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((نزل القرآن من سبعة أبواب من الجنة)).

سادساً - القول في الوجوه التي من قِبَلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن
- أنواع البيان المُنَزَّل على نبينا صلى الله عليه وسلم:
قسم ابن جرير البيان إلى ثلاثة أقسام:
1- ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار:
وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم، وما أشبه ذلك: فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا بالخبر عن أشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه.
2- ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم:
وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده-، وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آيه، التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. وهذا وجه له لا يجوز لأحد القول فيه، إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها، دالة أمته على تأويله.
3- ما يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن:
وذلك: إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها اللازمة غير المشترك فيها، والموصوفات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا يجهله أحد منهم. وذلك كسامع منهم لو سمع تاليا يتلو: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 11، 12]، لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الإصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل المعاني التي جعلها الله إفسادا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحا.
ثم روى ابن جرير عن ابن عباس أربعة أقسام قائلاً:
وبمثل ما قلنا من ذلك روي الخبر عن ابن عباس:
-
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، قال: قال ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.
قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس: من أن أحدا لا يعذر بجهالته، معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله. وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به.
ورواية أخرى عن ابن عباس أيضاً:
عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب)).

سابعاً - ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي
- ذكر ابن جرير بعض الآثار المروية في هذا الشأن أهمها:
· عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)).
· عن ابن عباس قال: من تكلم في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
· عن أبي معمر، قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في القرآن ما لا أعلم!
_ قال أبو جعفر: وهذه الأخبار شاهدة لنا على صحة ما قلنا: من أن ما كان من تأويل القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بنصبه الدلالة عليه - فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه. بل القائل في ذلك برأيه - وإن أصاب عين الحق فيه - فمخطئ في فعله، بقيله فيه برأيه، ولأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان. والقائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم. وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف: 33].
- القول بالرأي في القرآن لا يجوز:
قال ابن جرير:
فالقائل في تأويل كتاب الله، الذي لا يدرك علمه إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جعل الله إليه بيانه -قائل ما لا يعلم وإن وافق قيله ذلك في تأويله، ما أراد الله به من معناه. لأن القائل فيه بغير علم، قائل على الله ما لا علم له به. وهذا هو معنى الخبر الذي حدثنا به العباس بن عبد العظيم العبري، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا سهيل أخو حزم، قال: حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ)).
- بيان علة ذلك:
قال أبو جعفر: يعني صلى الله عليه وسلم أنه أخطأ في فعله، بقيله فيه برأيه، وإن وافق قيله ذلك عين الصواب عند الله. لأن قيله فيه برأيه، ليس بقيل عالم أن الذي قال فيه من قول حق وصواب. فهو قائل على الله ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه وحظر عليه.

ثامناً - ذكر بعض الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن،ومن كان يفسره من الصحابة
- نماذج من عناية الصحابة بتفسير القرآن وفهم معانيه:
ذكر ابن جرير عدة نماذج توضح شدة عناية السلف بفهم القرآن والعمل بما فيه..
· عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن.
· عن أبي عبد الرحمن، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا.
· حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: والذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت؟ وأين نزلت؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله منى تناله المطايا لأتيته.
· عن مسروق، قال: كان عبد الله يقرأ علينا السورة، ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار.
- أهمية علم التفسير في الدعوة:
ذكر ابن جرير فضائل لعلم التفسير أهمها دوره في الدعوة..
· عن الأعمش، عن شقيق، قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور، فجعل يفسرها.
· عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة، فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت.
- حث الله عز وجل عباده على التدبر في آي القرآن والاعتبار بما فيه:
قال أبو جعفر: وفي حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات - بقوله جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وقوله: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} [الزمر: 27، 28] وما أشبه ذلك من آي القرآن، التي أمر الله عباده وحثهم فيها على الاعتبار بأمثال آي القرآن، والاتعاظ بمواعظه- ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله من آيه.
- ضرورة فهم كلام الله تعالى المُنزَّل:
· عن سعيد بن جبير، قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، كان كالأعجمي أو كالأعرابي.
ثم ختم ابن جرير هذا الباب بضرورة فهم كلام العرب حتى يتسنى للعبد أن يفهم كلام الله عز وجل ويتدبر معانيه.

تاسعاً - ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكرو القول في تأويل القرآن
- تعظيم القول في تفسير القرآن:
ذكر ابن جرير عدة آثار تدل على تعظيم القول في التفسير وتعظيم السلف القول في القرآن ..
· عن عائشة، قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد، علمهن إياه جبريل.
· عن عبيد الله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع.
· عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا أقول في القرآن شيئا.
· عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة السلماني عن آية، قال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين علموا فيم أنزل القرآن.
· عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها، فأبى أن يقول فيها.
· عن الوليد بن مسلم، قال: جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله، فسأله عن آية من القرآن، فقال له: أحرج عليك إن كنت مسلما، لما قمت عنى - أو قال: أن تجالسني.
· قال الشعبي: والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله تعالى.
ثم فسر ابن جرير هذه الآثار المروية عن السلف في إحجامهم عن القول في التفسير إلا بحذر وعلم على النحو التالي:
(أما الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، فإن ذلك مصحح ما قلنا من القول في الباب الماضي قبل، وهو: أن من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك تفصيل جمل ما في آيه من أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه، الذي هو مجمل في ظاهر التنزيل، وبالعباد إلى تفسيره الحاجة - لا يدرك علم تأويله إلا ببيان من عند الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أشبه ذلك مما تحويه آي القرآن، من سائر حكمه الذي جعل الله بيانه لخلقه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.)
(ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثر بعلم تأويله، فلم يطلع على علمه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله.
فأما ما لا بد للعباد من علم تأويله، فقد بين لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ببيان الله ذلك له بوحيه مع جبريل. وذلك هو المعنى الذي أمره الله ببيانه لهم فقال له جل ذكره: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44].
ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنه كان لا يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد- هو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أنزل إليه صلى الله عليه وسلم الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما نزل إليهم.
وفي أمر الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيام الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ما أمره الله ببلاغه وأدائه على ما أمره به، وصحة الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعلم معانيهن والعمل بهن - ما ينبئ عن جهل من ظن أو توهم أن معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آيا بعدد، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه.)
(وأما الأخبار التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من التابعين، بإحجامه عن التأويل، فإن فعل من فعل ذلك منهم، كفعل من أحجم منهم عن الفتيا في النوازل والحوادث، مع إقراره بأن الله جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه، إلا بعد إكمال الدين به لعباده، وعلمه بأن لله في كل نازلة وحادثة حكما موجودا بنص أو دلالة. فلم يكن إحجامه عن القول في ذلك إحجام جاحد أن يكون لله فيه حكم موجود بين أظهر عباده، ولكن إحجام خائف أن لا يبلغ باجتهاده ما كلف الله العلماء من عباده فيه.
فكذلك معنى إحجام من أحجم عن القيل في تأويل القرآن وتفسيره من العلماء السلف، إنما كان إحجامه عنه حذارا أن لا يبلغ أداء ما كلف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم.)

عاشراً - ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير ومن كان منهم مذموما علمه به
- المشتهرون بالتفسير من الصحابة والتابعين:
· عن مسلم، قال: قال عبد الله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
· عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، فيقول له ابن عباس: "اكتب"، قال: حتى سأله عن التفسير كله.
· عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها.
· عن أبي بكر الحنفي، قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به.
- ذكر من لم يتلق التفسير من الصحابة الذين هم أدرى الناس بمعاني القرآن ومن ذُمَّ قوله في التفسير:
· عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، وإنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير.
· عن ابن إدريس، قال حدثنا زكريا، قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان، فيأخذ بأذنه فيعركها ويقول: تفسر القرآن وأنت لا تقرأ القرآن!
· عن الأعمش، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {والله يقضي بالحق} [غافر: 20] قال: قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة {إن الله هو السميع البصير} [غافر: 20]، قال الحسين: فقلت للأعمش: حدثني به الكلبي، إلا أنه قال: إن الله قادر أن يجزى بالسيئة السيئة وبالحسنة عشرا، فقال الأعمش: لو أن الذي عند الكلبي عندي ما خرج مني إلا بخفير.
· عن صالح بن مسلم، قال: مر الشعبي على السدي وهو يفسر، فقال: لأن يضرب على استك بالطبل، خير لك من مجلسك هذا.
· عن سلم بن عبد الرحمن النخعي، قال: كنت مع إبراهيم، فرأى السدي، فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم.
· عن سعيد بن بشير، يقول عن قتادة، قال: ما بقي أحدا يجري مع الكلبي في التفسير في عنان.
- أحق المفسرين في إصابة الحق في تأويل القرآن:
قال ابن جرير:
(فأحق المفسرين بإصابة الحق -في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل- أوضحهم حجة فيما تأول وفسر، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائر أمته من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه: إما من جهة النقل المستفيض، فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض، وإما من جهة نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن عنه فيه النقل المستفيض، أو من جهة الدلالة المنصوبة على صحته؛ وأوضحهم برهانا -فيما ترجم وبين من ذلك- مما كان مدركا علمه من جهة اللسان: إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة، كائنا من كان ذلك المتأول والمفسر، بعد أن لا يكون خارجا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة.)

الحادي عشر - القول في تأويل أسماء القرآن وسوره وآيه
_ أسماء القرآن التي وردت في التنزيل:
ذكر ابن جرير أربعة أسماء للقرآن وردت في التنزيل ولكل اسم منها وجه ومعنى في لسان العرب:
1- "القرآن"، فقال في تسميته إياه بذلك في تنزيله: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [يوسف: 3]، وقال: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} [النمل: 76].
ومعناه في كلام العرب:
ما رُوي عن ابن عباس: من التلاوة والقراءة، وأن يكون مصدرا من قول القائل: قرأت القرآن.
عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {فإذا قرأناه} يقول: بيناه، {فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] يقول: اعمل به.
وأما على قول قتادة، فإن الواجب أن يكون مصدرا، من قول القائل: قرأت الشيء، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.
وذلك أن بشر بن معاذ العقدي حدثنا قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} يقول: حفظه وتأليفه، {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} يقول: اتبع حلاله، واجتنب حرامه.
فرأى قتادة أن تأويل "القرآن": التأليف.
2- "الفرقان"، قال جل ثناؤه في وحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مسميه بذلك: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} [الفرقان:1].
ومعناه في كلام العرب:
الفرقان" من "فرق الله بين الحق والباطل".
عن عكرمة: أنه كان يقول: هو النجاة.
كان ابن عباس يقول: "الفرقان": المخرج.
وكان مجاهد يقول في قول الله جل ثناؤه: {يوم الفرقان} [الأنفال: 41] يوم فرق الله فيه بين الحق والباطل.
قال ابن جرير: (كل هذه التأويلات في معنى "الفرقان" -على اختلاف ألفاظها- متقاربات المعاني. وذلك أن من جعل له مخرج من أمر كان فيه، فقد جعل له ذلك المخرج منه نجاة. وكذلك إذا نجي منه، فقد نصر على من بغاه فيه سوءا، وفرق بينه به وبين باغيه السوء.
فجميع ما روينا -عمن روينا عنه- في معنى "الفرقان"، قول صحيح المعنى، لاتفاق معاني ألفاظهم في ذلك.
وأصل "الفرقان" عندنا: الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرقة بين المحق والمبطل. فقد تبين بذلك أن القرآن سمي "فرقانا"، لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل. وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء.)
وكذلك كان السدي يتأوله.
3- "الكتاب": قال تبارك اسمه في تسميته إياه به: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما} [الكهف: 1، 2].
معناه في كلام العرب:
قال ابن جرير: (وأما تأويل اسمه الذي هو "كتاب": فهو مصدر من قولك: "كتبت كتابا" كما تقول: قمت قياما، وحسبت الشيء حسابا. والكتاب: هو خط الكاتب حروف الكتاب المعجم مجموعة ومفترقة. وسمي "كتابا"، وإنما هو مكتوب.)
4- "الذكر"، فقال تعالى ذكره في تسميته إياه به: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9].
معناه في كلام العرب:
قال ابن جرير: (وأما تأويل اسمه الذي هو "ذكر"، فإنه محتمل معنيين: أحدهما: أنه ذكر من الله جل ذكره، ذكر به عباده، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه، وسائر ما أودعه من حكمه. والآخر: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه، كما قال جل ثناؤه: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44]، يعني به أنه شرف له ولقومه.)
- ترجيح ابن جرير لمعنى كلمة قرآن:
قال أبو جعفر: ولكلا القولين -أعني قول ابن عباس وقول قتادة- اللذين حكيناهما، وجه صحيح في كلام العرب. غير أن أولى قوليهما بتأويل قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قول ابن عباس.
لأن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحى إليه، ولم يرخص له في ترك اتباع شيء من أمره إلى وقت تأليفه القرآن. فكذلك قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} نظير سائر ما في آي القرآن التي أمره الله فيها باتباع ما أوحى إليه في تنزيله.
ولو وجب أن يكون معنى قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} فإذا ألفناه فاتبع ما ألفنا لك فيه - لوجب ألا يكون كان لزمه فرض {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] ولا فرض {يا أيها المدثر * قم فأنذر} [المدثر: 1، 2] قبل أن يؤلف إلى ذلك غيره من القرآن. وذلك، إن قاله قائل، خروج من قول أهل الملة.
وإذ صح أن حكم كل آية من آي القرآن كان لازما النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والعمل به، مؤلفة كانت إلى غيرها أو غير مؤلفة -صح ما قال ابن عباس في تأويل قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} أنه معني به: فإذا بيناه لك بقراءتنا، فاتبع ما بيناه لك بقراءتنا- دون قول من قال: معناه، فإذا ألفناه فاتبع ما ألفناه.
- أسماء سور القرآن التي سماها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
· عن واثلة بن الأسقع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعطيت مكان التوراة السبع الطول، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل)).
· عن المسيب، عن ابن مسعود قال: الطول كالتوراة، والمئون كالإنجيل، والمثاني كالزبور، وسائر القرآن بعد فضل على الكتب.
· قال أبو جعفر: والسبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، في قول سعيد بن جبير.
· وإنما سميت هذه السور السبع الطول، لطولها على سائر سور القرآن.
* وأما "المئون: فهي ما كان من سور القرآن عدد آيه مائة آية، أو تزيد عليها شيئا أو تنقص منها شيئا يسيرا.
* وأما "المثاني: فإنها ما ثنى المئين فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني. وقد قيل: إن المثاني سميت مثاني، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر، وهو قول ابن عباس.
· وروي عن سعيد بن جبير، أنه كان يقول: إنما سميت مثاني لأنها ثنيت فيها الفرائض والحدود.
· وقد قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان.
وقال جماعة أخر: بل المثاني فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة.
وبمثل ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسماء سور القرآن التي ذكرت، جاء شعر الشعراء. فقال بعضهم:
حلفت بالسبع اللواتي طولت
وبمئين بعدها قد أمئيت
وبمثان ثنيت فكررت
وبالطواسين التي قد ثلثت
وبالحواميم اللواتي سبعت
وبالمفصل اللواتي فصلت
· قال أبو جعفر: وهذه الأبيات تدل على صحة التأويل الذي تأولناه في هذه الأسماء.
· وأما "المفصل": فإنما سميت مفصلا لكثرة الفصول التي بين سورها بـ "بسم الله الرحمن الرحيم".
- بيان معنى السورة:
قال ابن جرير: تسمى كل سورة من سور القرآن سورة، وتجمع سورا، على تقدير "خطبة وخطب"، "وغرفة وغرف".
والسورة، بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع. ومن ذلك سور المدينة، سمي بذلك الحائط الذي يحويها، لارتفاعه على ما يحويه. غير أن السورة من سور المدينة لم يسمع في جمعها "سور"، كما سمع في جمع سورة من القرآن "سور".
ومن الدلالة على أن معنى السورة: المنزلة من الارتفاع، قول نابغة بني ذبيان:
ألم تر أن الله أعطاك سورة = ترى كل ملك دونها يتذبذب
يعني بذلك: أن الله أعطاه منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها منازل الملوك.
وقد همز بعضهم السورة من القرآن. وتأويلها، في لغة من همزها، القطعة التي قد أفضلت من القرآن عما سواها وأبقيت.
- بيان معنى الآية:
قال ابن جرير : وأما الآية من آي القرآن، فإنها تحتمل وجهين في كلام العرب:
أحدهما: أن تكون سميت آية، لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالة على الشيء يستدل بها عليه، كقول الشاعر:
ألكنى إليها عمرك الله يا فتى = بآية ما جاءت إلينا تهاديا
يعني: بعلامة ذلك. ومنه قوله جل ثناؤه: {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك} [المائدة: 114] يعني بذلك علامة منك لإجابتك دعاءنا وإعطائك إيانا سؤلنا.
· معنى آخر للآية ذكره ابن جرير:
والآخر منهما: القصة، كما قال كعب بن زهير بن أبي سلمى:
ألا أبلغا هذا المعرض آية = أيقظان قال القول إذ قال أم حلم
يعني بقوله "آية": رسالة مني وخبرا عني.
فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول ووصول.

الثاني عشر - القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب
- أسماء الفاتحة:
عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني)).
- أسباب التسمية:
قال ابن جرير: وسميت "فاتحة الكتاب"، لأنها يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها في الصلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
وسميت "أم القرآن" لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب. وإنما قيل لها -لكونها كذلك- أم القرآن، لتسمية العرب كل جامع أمرا -أو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع- "أما". فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: "أم الرأس". وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش.
وقد قيل إن مكة سميت "أم القرى"، لتقدمها أمام جميعها، وجمعها ما سواها. وقيل: إنما سميت بذلك، لأن الأرض دحيت منها فصارت لجميعها أما.
وأما تأويل اسمها أنها "السبع"، فإنها سبع آيات، لا خلاف بين الجميع من القراء والعلماء في ذلك.
- اختلاف العلماء في تحديد الآيات السبع للفاتحة:
أورد ابن جرير الخلاف في تحديد الآيات السبع للفاتحة على قولين:
1- فقال عظم أهل الكوفة: صارت سبع آيات بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} وروي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين.
2- وقال آخرون: هي سبع آيات، وليس منهن {بسم الله الرحمن الرحيم} ولكن السابعة "أنعمت عليهم". وذلك قول عظم قرأة أهل المدينة ومتفقهيهم.
- سبب تسمية الفاتحة بالمثاني:
قال ابن جرير: (فلأنها تثنى قراءتها في كل صلاة تطوع ومكتوبة. وكذلك كان الحسن البصري يتأول ذلك.
-
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال سألت الحسن عن قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] قال: هي فاتحة الكتاب. ثم سئل عنها وأنا أسمع فقرأها: {الحمد لله رب العالمين} حتى أتى على آخرها، فقال: تثنى في كل قراءة - أو قال - في كل صلاة. )
· في نهاية الباب علق ابن جرير على مسألة تسمية القرآن بالمثاني بقوله:(وليس في وجوب اسم "السبع المثاني" لفاتحة الكتاب، ما يدفع صحة وجوب اسم "المثاني" للقرآن كله، ولما ثنى المئين من السور. لأن لكل ذلك وجها ومعنى مفهوما، لا يفسد - بتسمية بعض ذلك بالمثاني - تسمية غيره بها.)
***********************************************************
أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
وإليكِ بعض الملحوظات :
1: تحديد مقاصد الكتاب المراد تلخيصه :
- ركزت في تلخيصك على تحديد مقاصد كل باب على حدة ، وهذا جائز إن كنا سنقتصر على تلخيص باب واحد ، لكن إن أردنا تلخيص الكتاب ككل فلابد أن نتبع مجهودكِ الذي قمتِ به بخطوة أخرى تتم العمل وتجعله أكثر وضوحًا وفائدة ، وهو إعادة النظر في مسائل كل باب ومحاولة تحديد المقاصد الفرعية للكتاب ككل - وهذه المقاصد ليست عناوين الأبواب بالضرورة - ، وبهذا قد تتقدم مسألة في آخر الكتاب على مسألة في أوله ، لأنها ضمن المقصد الفرعي الأول للكتاب.
مثلا :
بعض المقاصد التي ذكرتها تصلح أن تكون تحت مقصد " بيان إعجاز القرآن " ، وأخرى مثل المقصد الرابع والخامس تصلح أن توضع ضمن مقصد واحد وهو " نزول القرآن على سبعة أحرف ، والمقاصد من السادس إلى التاسع تضم تحت مقصد واحد : " بيان تأويل القرآن " ، أو بيان تفسير القرآن .. وهكذا
- قد يستطرد الكاتب ببيان بعض الفوائد لمقصد ما ، هو لب ما أراده ، وأن يتفطن الطالب لهذا الهدف هو الغاية من دراسة تلخيص المقاصد ، وهو ما يجعل تلخيص المقاصد من أفضل أنواع التلاخيص.
مثلا :
استطراد الكاتب في بداية مقدمته ببيان صفات الله - عز وجل - وبعض معجزاته ، وإرساله للرسل ، وتأييد كل رسول بمعجزة ليقيم الحجة على عباده ، كان هذا للوصول إلى أن القرآن هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بين بعد ذلك أوجه إعجازه ، وقد ذكرتِ ذلك - مفرقًا - في عدة مقاصد ومسائل فرعية ، كان الأفضل جمعها تحت مقصد واحد وهو " بيان إعجاز القرآن ".
وعليه فإن قولكِ " خطبة المقدمة " ، واعتبارها مقصدًا فرعيًا من مقاصد المقدمة ، اختيار غير موفق ؛ فالخطبة ليست مقصدًا في حد ذاته ، وإنما تُكتب لمقصد أساسي بين يدي الكتاب.

2: التحرير العلمي:
- مسألة : "هل في القرآن ألفاظ أعجمية ؟ " ، كان من الممكن اختصارها في عبارات وجيزة بأسلوبك ، وقد وردت فيها ثلاثة أقوال ضعف ابن جرير قولين ورجح الثالث ؛ فنحرر المسألة على الطريقة المعروفة :
ورد في المسألة ثلاثة أقوال :
الأول :
الثاني :
الثالث :
ورجح بن جرير القول ... واستدل بــ ... ورد على أصحاب القول كذا بـ .... وأصحاب القول بكذا بـ ...

- معنى نزول القرآن على سبعة أحرف :
هذه أيضًا مسألة خلافية ورد فيها أقوال عدة لم يستوعبها ابن جرير ؛ فيمكن القول : ذكر ابن جرير عدة أقوال في هذه المسألة منها :
الأول :
الثاني :
...
ثم رجح القول بـــ ..... ، لـــ ... ورد على القائلين بـالقول كذا بــ ...
ويُفعل مثل ذلك في جميع المسائل الخلافية.

- ذكرتِ في بعض المواضع نص كلام ابن جرير وفيه استطراد ، وتلخيصه بأسلوبك ، وبعبارة وجيزة أفضل.
- الأحاديث التي تذكرينها في تلخيصكِ ، يُختصر إسنادها ؛ فتذكرين مخرج الحديث ، ثم نص الحديث ، ثم من روى هذا الحديث من الأئمة ، وأغلب ما ذُكر في تفسير ابن جرير من رواية ابن جرير نفسه ؛ فنقول : رواه ابن جرير في مقدمة تفسيره.

- يتفرع على الملحوظة السابقة ملحوظة أخرى وهي قولك : حدثنا فلان عن فلان ...، التلخيص يُنسب إليكِ ، لا إلى ابن جرير ؛ فلا يصح قول حدثنا فلان إلا إذا قلنا قبلها قال ابن جرير ، والأولى اختصار السند كما ذُكر سابقًا.

3: الصياغة :
- توضيح عنوان المقصد ، وعدم الاعتماد على عنوان الباب كما ذُكر سابقًا في الملحوظة الأولى.
- مسألة " اختلاف الصحابة في قراءة القرآن " ؛ بهذه الصياغة لا تصح ، ويمكن وضع الحديث الذي ذكرتِ ضمن الأدلة على بيان أن القرآن نزل على سبعة أحرف.
- " القول بالرأي في القرآن لا يجوز " ، ما رأيكِ في صياغتها بـ " حكم القول بالرأي في القرآن " ؟


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 15 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 15 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 13 / 15
___________________
= 83 %

أرجو ألا أكون قد أكثرت عليكِ ، ومع تطبيق الملحوظات في تلخيصات قادمة تجدين نتيجة أفضل بإذن الله ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شوال 1437هـ/21-07-2016م, 03:00 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمياء مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

تلخيص مقاصد مقدمة تفسير ابن عطية –رحمه الله-
المقصد العام
بعض المعارف المختصرة بين يدي تفسير كلام الله تعالى

[color="rgb(139, 0, 0)"]المقاصد الفرعية
[/color]
أولاً – خطبة تفسير ابن عطية:
ثانياً – الأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن وأجر قارئه :
ثالثاً - باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
رابعاً - باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين:
خامساً _ باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)):
سادساً - باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره:
سابعاً - باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق:
ثامناً - أقوال العلماء في أوجه الإعجاز في القرآن الكريم:
تاسعاً - باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى:
عاشراً - باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية:

***********************************************
أولاً – خطبة تفسير ابن عطية:
- بدأ ابن عطية –رحمه الله- خطبة كتابه بحمد الله والثناء عليه وشكره على نعمه وآلائه ومنها إنزال كتابه العزيز.
- ثم أردف بالصلاة والسلام على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وذكر فضائله ومآثره بعبارات موجزة بليغة.
- ثم تكلم رحمه الله عن طلب العلم والمشقة في تحصيله حتى يُنال منه ويُنهل ، وتفرع العلوم والمعارف وانتقائه منها أجلها وأشرفها وهو علم كتاب الله لما له من فضل على سائر العلوم والمعارف.
- يقول ابن عطية أنه علم أن نكت علم كتاب الله وفوائده تغلب قوة الحفظ لما لها من الثقل فهي تتفصى من الصدر تفصي الإبل من العقل ،واستشهد رحمه الله بقوله تعالى :" إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " سورة المزمل
وقوله صلى الله عليه وسلم :" قيدوا العلم بالكتاب" ، فكان ذلك داعياً له على على كتابة هذا التفسير .
- وأخيراً ذكر ابن عطية منهجه في تفسيره والذي راعى فيه عدة أمور منها:
• ترتيب المعاني.
• الجمع والإيجاز والتحرير.
• انتقاء القصص.
• إثبات أقوال العلماء في
• تنبيهه على ألفاظ إلحاد أهل القول بالرموز وعلم الباطن وغيرهم.
• إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها.
• تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ.
خاتماً خطبته رحمه الله بسؤال الله الإخلاص والقبول.

*********************************************************
ثانياً – الأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن وأجر قارئه :
أورد ابن عطية رحمه الله الكثير من الأحاديث والآثار التي وردت في فضل القرآن والحث على تعلمه وأهمها مايلي:
• ما ورد في أن في تعلمه النجاة من الفتن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.
وقيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار.

* ما ورد في أنه جامع للعلوم:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)).
وقال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الأشرار ويوضع الأخيار وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخذتموه: عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.

• أجر تلاوة القرآن:
قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
وحدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن)).
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32].
فقال سابقكم سابق ومقتصدكم ناج وظالمكم مغفور له وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن أصفر البيوت بيت صفر من كتاب الله))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).
• فضل حامل القرآن:
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله)) وقال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.

• ما يجب على المسلم تجاه القرآن:
وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
وروي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ألا وعترتي وأهل بيتي هو الثقل الآخر فلا تسبعوهم فتهلكوا)).
وقال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن))
وقال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
وقال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
**********************************************************************************
ثالثاً - باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه
- أهمية علم العربية في فهم معاني القرآن :
روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة)).
وقال الحسن: أهلكتهم العجمة يقرأ أحدهم الآية فيعيى بوجوهها حتى يفتري على الله فيها.
- فضل علم التفسير :

وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.
وقال إياس بن معاوية مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب.
وقال ابن عباس: الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر.
وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.
وقال الحسن: والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن أنزلت وما يعني بها0
كان ابن عباس يبدأ في مجلسه بالقرآن ثم بالتفسير ثم بالحديث.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما من شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن رأي الرجل يعجز عنه.

****************************************************************************
رابعاً - باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين
_ ذم القول في القرآن بالرأي :
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ))

- الفرق بين الاجتهاد بضوابط والقول بالرأي :
قال القاضي أبو محمد عبد الحق –رحمه الله- تعليقاً على الحديث السابق: ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.
قال ابن عطية –رحمه الله-: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه.
- نماذج من تورع السلف عن القول بالرأي :
ذكر ابن عطية نموذج من تورع السلف في القول بالقرآن بغير علم فقال : كان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.

- أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير من المتأخرين :
• طبقة الصحابة :

بدأ ابن عطية بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم عبد الله بن عباس وذكر ثناء علي وابن مسعود رضي الله عنهما عليه ، كذلك قول ابن عباس " ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب."
وذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((اللهم فقهه في الدين)) وحسبك بهذه الدعوة.
ويليهما في التفسير عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص.
ثم قال رحمه الله "وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم" .

• طبقة التابعين :
بدأ ابن عطية بالحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة.
قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.
وأما السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف وألف الناس فيه كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.

• أئمة التفسير من المتأخرين :
بدأ ابن عطية بذكر ابن جرير الطبري رحمهما الله وأثنى على تفسيره ثم أتبع بأبي إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول وأما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله ونضر وجوههم.
***********************************************************************************************************
خامساً _ باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه))
أبرز ابن عطية –رحمه الله- الخلاف بين العلماء في ماهية الأحرف السبعة التي أُنزل بها القرآن والتي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه)) ، ثم ضعَّف رحمه الله بعض هذه الأقوال وجعل أحدها محتملاً وهو:
• أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
ثم أورد ابن عطية كلاماً للقاضي أبو بكر بن الطيب وقام بنقده فقال : "انتهى ما جمعت من كلام القاضي أبي بكر رضي الله عنه وإطلاقه البطلان على القول الذي حكاه فيه نظر لأن المذهب الصحيح الذي قرره آخرا من قوله ونقول في الجملة إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات العرب الذين نزل القرآن بلسانهم وهو اختلاف ليس بشديد التباين حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر وإنما هو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.
واستدلال القاضي رضي الله عنه بأن لغة عمر وأبي وهشام وابن مسعود واحدة فيه نظر لأن ما استعملته قريش في عبارتها ومنهم عمر وهشام وما استعملته الأنصار ومنهم أبي وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد يختلف ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب الله سبحانه فليست لغتهم واحدة في كل شيء وأيضا فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وعساه قد أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته."
• رأي ابن عطية في ماهية الأحرف السبعة :
هو ما قرره في تبيينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) بقوله "أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة".
• وأي قبائل العرب تحديداً التي أنزل القرآن بلغتها والعلة في ذلك:
قال ابن عطية :"فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات حسبما تقدم.
وعلة اختيار هذه القبائل دون غيرها نجده في قول ابن عطية:" قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وهذا نحو ما ذكرناه وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخيل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهي جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أن أبا عبيد القاسم بن سلام وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها.
وأما ما والى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك.
وأما الذي يلي الشام وهو شمالي الجزيرة وهي بلاد آل جفنة وابن الرافلة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم وكثير من بني إسرائيل.
وأما غربي الجزيرة فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم وأكثرها غير معمور.
فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم ويقوي هذا المنزع أنه لما اتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب وتجرد أهل المصرين البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها وتجنبوا اليمن والعراق والشام فلم يكتب عنهم حرف واحد وكذلك تجنبوا حواضر الحجاز مكة والمدينة والطائف لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها فأفسدوا اللغة وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلى الله عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة ألا ترى أن (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89]. حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي: أحاكمك.
وكذلك قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قول تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي فقال عمر: الله أكبر {أو يأخذهم على تخوف} أي: على تنقص لهم.
وكذلك اتفق لقطبة بن مالك إذ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة {والنخل باسقات} [ق: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر إلى غير هذا من الأمثلة.
فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.
ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي عليه السلام ليوسع بها على أمته فقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا.
وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف))0
وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب لسورة الفرقان وقراءة هشام بن حكيم لها وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة كل منهما وقد اختلفتا ((هكذا أقرأني جبريل)) هل ذلك إلا لأنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة؟.

*********************************************************************************
سادساً - باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره
• مراحل جمع القرآن الكريم:
1- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.
2- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسببه:
لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت .
وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
3- جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه وسببه:
لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية حسبما قد ذكرناه انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.

_ لغة قريش هي اللغة المرجع في الجمع الأخير:
قال الطبري إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش فاختلفوا في التابوه والتابوت قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء فأثبته بالتاء وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق وتروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى ثم تدفن، ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.
_ ترتيب السور والآي هل هو توقيفي أم من فعل الصحابة رضوان الله عليهم :
قال القاضي أبو بكر بن الطيب وترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه في ذلك وقد ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة براءة وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا أحد ما قيل في براءة وذلك مستقصى في موضعه موفى إن شاء الله تعالى.
وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب.

_ لمن يرجع الفضل في شكل المصحف وتنقيطه:
وأما شكل المصحف ونقطه فروي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله فتجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه وزاد تحزيبه وأمر وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك وألف إثر ذلك بواسط كتاب في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا إلى أن ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات.
وأسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
وذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له: نصر الحروف.

_ وأما عن وضع الأعشار فقال فيه ابن عطية :"وأما عن وضع الأعشار فمر بي في بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك.
وذكر أبو عمرو الداني عن قتادة أنه قال: بدؤوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وهذا كالإنكار.

***********************************************************************************************
سابعاً - باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق
أورد ابن عطية في هذه المسألة أقوال أهمها:
- إن في كتاب الله تعالى من كل لغة .
- أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه قول تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة إنها الأسد بلغة الحبشة .
- القول الثالث وهو الذي قال به ابن عطية وخلاصته : أن جميع ألفاظ القرآن إما أصلها عربي وإما أعجمية وعربت واستعملتها العرب وذلك معنى قوله تعالى :" بلسان عربي مبين"

***************************************************************************************
ثامناً - أقوال العلماء في أوجه الإعجاز في القرآن الكريم
أورد ابن عطية الخلاف بين العلماء في كيفية وقوع الإعجاز والتحدي في القرآن الكريم فذكر هذه الأقوال:
- إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها
- إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.
- إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
وقد ضعَّف ابن عطية هذه الأقوال ،ثم رجح القول التالي:

- أن الإعجاز والتحدي في القرآن وقع لكل كافر من كفار العرب فيما يبين له بينه وبين نفسه عجزه عنه وأن البشر لا يأتي بمثله ويتحقق مجيئه من قبل المتحدي وكفار العرب لم يمكنهم قط أن ينكروا أن رصف القرآن ونظمه وفصاحته متلقى من قبل محمد صلى الله عليه وسلم
فإذا تحديت إلى ذلك وعجزت فيه علم كل فصيح ضرورة أن هذا نبي يأتي بما ليس في قدرة البشر الإتيان به إلا أن يخص الله تعالى من يشاء من عباده
وهذا هو القول الذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه
ووجه إعجازه أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا.
فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة وبهذا النظر يبطل قول من قال إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
*************************************************************************************
تاسعاً - باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى
يقول ابن عطية في هذا الباب موضحاً رأيه في تلك الألفاظ: اعلم أن القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ووقف الله ذرية آدم على ربوبيته بقوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] ونحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.
وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء واستعملها أبو المعالي في الإرشاد وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه
قال القاضي أبو محمد عبد الحق وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس وأنا أتحفظ منه في هذا التعليق جهدي لكني قدمت هذا الباب لما عسى أن أقع فيه نادرا واعتذارا عما وقع فيه المفسرون من ذلك.
وقد استعملت العرب أشياء في ذكر الله تعالى تنحمل على مجاز كلامها فمن ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فاغفر فداء لك ما اقتفينا).
وقول أم سلمة فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.، ثم أورد ألفاظ أخرى جاءت في بعض الأشعار كقول الشاعر الجوهري:
لا همَّ لا أدري وأنت الداري

فقال فيها: وكذلك أقول إن الطريقة كلها عربية لا يثبت للنظر المنخول شيء منها
وقال أوس:
أبني لبينى لا أحبكم = وجد الإله بكم كما أجد
ثم علق ابن عطية في نهاية الباب بقوله:
"ومن هذا الاستعمال الذي يبنى الباب عليه قول سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار يقول هذا للرامي الذي رماه وقال: خذها وأنا ابن العرقة.
وفي هذه الأمثلة كفاية فيما نحوناه إذ النظير لذلك كثير موجود وإن خرج شيء من هذه على حذف مضاف فذلك متوجه في الاستعمال الذي قصدنا الاعتذار عنه والله المستعان."
************************************************************************************************
عاشراً - باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية
- أسماء القرآن :
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر.
- معنى هذه الأسماء:
• فالقرآن مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة ، وقيل : هو بمعنى التأليف.
• وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
• وأما الفرقان أيضا فهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
• وأما الذكر فسمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

- معنى السورة ولغات العرب فيها:
وأما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون سؤر وسؤرة
فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب ،قال أبو عبيدة: إنما اختلفا في هذا فكأن سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن.

- معنى الآية:
وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ومنه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: (بآية ما أكلت معكم حيسا).
فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية هذا قول بعضهم وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية
ووزن آية عند سيبويه فعلة بفتح العين أصلها أيية تحركت الياء الأولى وما قبلها مفتوح فجاءت آية.
وقال الكسائي أصل آية آيية على وزن فاعلة حذفت الياء الأولى مخافة أن يلتزم فيها من الإدغام ما لزم في دابة.
وقيل: أصلها أية على وزن فعلة بسكون العين أبدلت الياء الساكنة ألفا استثقالا للتضعيف قاله الفراء وحكاه أبو علي عن سيبويه في ترجمة {وكأين من نبي} [آل عمران: 146].
وقال بعض الكوفيين أصلها أيية على وزن فعلة بكسر العين أبدلت الياء الأولى ألفا لثقل الكسر عليها وانفتاح ما قبلها.

*************************************************
بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ونفع بكِ.
الملحوظات :
1: صياغة المقصد العام بحاجة إلى مزيد توضيح وتفصيل.
2: خطبة المقدمة ليست مقصد لذاته وإنما أراد بها بيان سبب اعتنائه بعلم التفسير ومنهجه في التفسير.
3: المقاصد الفرعية ليست بالضرورة عناوين الأبواب ، وليس بالضرورة أن يكون ترتيبها نفس ترتيب الأبواب في الكتاب.
4: الأحاديث والآثارة الواردة في فضل القرآن: يمكن اختصار عنوان المقصد لـ " بيان فضل القرآن " ، ولو تأملتِ الأحاديث لوجدتِ أن بالإمكان استخراج مسائل أكثر منها ، بل واستخراج مقصد فرعي آخر وهو آداب تلاوة القرآن.
5: قلتِ تحت التفسير بالرأي : " قال القاضي أبو محمد عبد الحق –رحمه الله- تعليقاً على الحديث السابق " ، وسبق هذه الجملة حديثين ؛ والذي يظهر أن المقصود الحديث الأخير، وهذا غير صحيح ، فحبذا لو عينتِ الحديث المقصود كأن تقولي حديث عائشة ، مع العلم أن هذا الحديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
6: محاولة الإيجاز والاختصار بشكل أكبر ، ولعلكِ تحققين ذلك إن اعتمدتِ على التلخيص بأسلوبك دون النسخ من كلام ابن عطية ، إلا فيما يُحتاج إليه.



تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 17 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 15 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 12 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 13 / 15
___________________
= 87 %

بارك الله فيكِ ونفع بكِ وسددكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir