تلخيص الباب الرابع : في معني القراءات المشهورة الآن، وتعريف الأمر في ذلك كيف كان.
ذكر أهم ما جاء في الباب من مسائل:
== بيان خطأ من ظن أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة
إن من الخطأ ما ذهب إليه جماعة من أن القراءات السبع التي بين أيدينا الآن هي الأحرف السبعة التي جاءت في قول النبي ﷺ : "أنزل القرآن علي سبعة أحرف".(ذكره صاحب المرشد الوجيز وقريبا منه ما ذكره مكي وأبو علي الأهوازي)
== بيان ما يترتب علي قول من يقول أن القراءات السبع هي الأحرف السبعة
- أن ما لم يقرأ به هؤلاء القراء السبعة فهو يجب تركه لأنهم قرأوا بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
- أن ما قرأ به الأئمة من التابعين والصحابة مما يوافق خط المصحف ولم يقرأ به السبعة فيجب تركه.
- ويجب أن لا تروي قراءة عن ثامن لأنهم استوعبوا الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
== هل ينسب إلى ابن مجاهد أنه قال ذلك ؟
لا؛ لا ينسب إليه وهذا من الخطأ
وقد قال أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم: "رام هذا الغافل مطعنا في أبي بكر شيخنا، فلم يجده، فحمله ذلك على أن قوله قولا لم يقله هو ولا غيره، ليجد مساغا إلى ثلبه..."
وبين أن من الأسباب أن هذا القول ما كان ابن مجاهد ليقول به لأنه لم يسبقه به أحد من السلف ولا يصح هذا القول عند التدقيق والبحث لأمور يأتي بيانها.
== بيان الفرق بين القراءات السبع، والأحرف السبعة من وجوه منها:
- أن المراء في الأحرف السبعة كفراً، أما في القراءات فليس في قول أحد من العلماء أنه كفر كالاختلاف في الهمز وعدمه.
- أن أهل العلم فسروا الأحرف السبعة في الحديث بأنهن سبع لغات
واستدلوا لذلك
بقول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: إن ذلك كقولك هلم وتعال وأقبل".
ومن أمثلة ذلك أيضاً:
قراءة عبد الله: (إن كانت إلا زقية واحدة) و(كالصوف المنفوش)، وقراءة أبي رضي الله عنه: (أن بوركت النار ومن حولها)
== مسألة: وهل هذا الاختلاف في القراءة بالأحرف السبعة موجود الآن ؟
لا؛ ليس موجودا، ولا معمول بشئ منه، بل هو اليوم متلو على حرف واحد متفق الصورة في الرسم غير متناف في المعاني إلا حروفا يسيرة اختلفت صور رسمها في مصاحف الأمصار واتفقت معانيها فجرى مجرى ما اتفقت صورته".(ذكره أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم).
ثم ذكر أمثلة علي هذا الاختلاف فقال:
-في مصحف أهل المدينة والشام (وأوصى بها إبراهيم)، وفي مصحف الكوفيين "ووصى"،
-وفي مصحف أهل الحرمين {لئن أنجيتنا}، وفي مصحف الكوفيين "أنجينا".
وقال: وهذا الاختلاف لا شك أن زيد بن ثابت سمع رسول الله ﷺ يقرؤها على هذه الهيئات فأثبتها في المصاحف مختلفة الصور على ما سمعها من رسول الله ﷺ".
== حكم القراءة بالأحرف السبعة
هي رخصة من الله تخفيفاً علي هذه الأمة الأمية، حيث رُخص لهم قراءته علي سبعة أحرف حتي يسهل عليهم أخذ القرآن ولا يشق عليهم ذلك.
== ما الدليل علي جواز ترك القراءة بباقي الأحرف ؟
يرجع ذلك لأمور :
-منها: أن القراءة بها إنما كانت رخصة للأمة للتسهيل عليها فللأمة الأخذ بها أو تركها إن لم يشق عليها ذلك مشقة بالغة.
-ومنها: أن إجماع الصحابة منعقد علي تركها لم ينكر أحد علي عثمان رضي الله عنه ما فعله. ذكره أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم عن الطبري
-ومنها: أن الأخذ بالأحرف السبعة رخصة وأما الحفاظ علي الجماعة وحفظ الأرحام من تقطيعها والدماء من سفكها ؛ فواجب لأن به قيام دين الناس وكان هذا هو الدافع لتركهم الأحرف الستة.
== من صور الاختلاف في القراءات ولا يدخل في الأحرف السبعة
الاختلاف في النصب والرفع والتحريك والإسكان والهمز وتركه والتشديد والتخفيف والمد والقصر وإبدال حرف بحرف يوافق صورته فكل هذا لا يدخل في الحديث ويترتب علي ذلك أن المراء فيه بين القراء ليس كفراً في قول أحد من المسلمين.
== ما السبب في اختلاف القراء مع وجود مصحف واحد مرسوم؟
ذكر أبو طاهر القاسم ابن هشام كلاماً في بيان سبب ذلك حاصله :
أن المصاحف كانت خالية من الشكل، والنقط وحصر الحروف المحتملة علي أحد الوجوه وكان الصحابة القراء متفرقون في الأمصار يأخذ عنهم الناس القرآن فلما أتاهم المصحف الإمام أثبتوا ما فيه وتركوا ما عندهم، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم مما يستدلون به على انتقالهم عنه". (وهذا مذكور عند مكي وأبو بكر ابن العربي أيضا )
وقال مكي في كلام له عن الإمام نافع:
"وهذا قالون ربيبه وأخص الناس به، وورش أشهر الناس المتحملين إليه اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه".
"ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش، وإنما ذلك لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده فوافق ذلك رواية قرأها نافع على بعض أئمته فتركه على ذلك.
وكذلك ما قرأ عليه به قالون وغيره".
== لماذا اشتهر القراء السبعة بالقراءات عن غيرهم من الأئمة وهل تركت قراءات الأئمة الآخرين؟
-أنه بكثرة القراء وكثرة الاختلاف فأراد الناس أن يقتصروا علي القراءات التي توافق المصحف فنظروا إلي إمام ثقة، أمين في النقل، عالم بما يقرئ به، حسن الدين ، واشتهر في المكان الموجود به بهذه الصفات فكان هؤلاء السبعة هم الأشهر في الأماكن الموجودين بها فأقبل عليهم الناس وارتحلوا إليهم من البلدان
-وكان أول من اقتصر عليهم أبو بكر بن مجاهد وكان قد انتهت إليه الرياسة في علم القراءة فاختار هؤلاء السبعة ، وعلي ذلك أتي من بعده
-لكن لم تترك قراءات غيرهم واختيار من أتي بعدهم إلي الآن كقراءة يعقوب الحضرمي وعاصم الجحدري وأبي جعفر وشيبة إمامي نافع وكذلك اختيار أبي حاتم وأبي عبيد (هذا حاصل ما ذكره ابو محمد مكي في هذا المقام ، وما نقله أبو علي الأهوازي عن شيخه أبو الحسن علي ابن محمد)
== من هم القراء السبعة ومن المقدم منهم؟
-أبو عمرو من أهل البصرة، وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها، والكسائي من أهل العراق، وابن كثير من أهل مكة، وابن عامر من أهل الشام، ونافع من أهل المدينة
-والمقدم، نافع وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات وأصحها سندا وأفصحها في العربية، ويتلوها في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله.
== ذكر من اشتهر مع السبعة المتقدمين في كل مصر من الأمصار؟
قال أبو عبيد :
وهم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار، في كل مصر منهم ثلاثة رجال:
"فكان من قراء المدينة: أبو جعفر ثم شيبة بن نصاح ثم نافع وإليه صارت قراءة أهل المدينة".
"وكان من قراء مكة: عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن، وأقدمهم ابن كثير، وإليه صارت قراءة أهل مكة أو أكثرهم".
"وكان من قراء الكوفة: يحيى بن وثاب وعاصم والأعمش، ثم تلاهم حمزة رابعا، وهو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته من غير أن يطبق عليه جماعتهم. وأما الكسائي فإنه يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة بعضا وترك بعضا".
"وكان من قراء البصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر. والذي صار إليه أهل البصرة في القراءة، واتخذوه إماما أبو عمرو. وقد كان لهم رابعا، وهو عاصم الجحدري، غير أنه لم يرو عنه في الكثرة ما روي عن هؤلاء الثلاثة".
"وكان من قراء الشام: عبد الله بن عامر ويحيى بن الحارث الذماري وثالث، قد سمي لي بالشام ونسيت اسمه، فهؤلاء قراء الأمصار الذين كانوا من التابعين".
قال صاحب المرشد الوجيز: الذي نسيه أبو عبيد، قيل: هو خليد بن سعد صاحب أبي الدرداء، وعندي أنه عطية بن قيس الكلابي أو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر. فإن كل واحد منهما كان قارئا للجند، وكان عطية بن قيس تصلح المصاحف على قراءته بدمشق على ما نقلناه في ترجمتهما في التاريخ.
== لماذا كان عدد القراء؛ سبعة ؟
ذكر مكي سببين لهذا العدد:
إحداهما: أن عثمان رضي الله عنه كتب سبعة مصاحف ووجه بها إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف".
"والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف التي نزل بها القرآن، وهي سبعة على أنه لو جعل عددهم أكثر أو أقل لم يمتنع ذلك؛ إذ عدد الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى".
ثم قال أنه ألفت مؤلفات فيها خمسة فقط أو ثمانية ، وأن العلة في القراءة هي أن تكون وفق الضوابط والقواعد الموضوعة.
== بيان المقصود من كلام الطبري في قراءة ابن عامر
قصد ابن الطبري استبعاد أن يكون ابن عامر قد قرأ علي عثمان رضي الله عنه ، وهذا لا يضر لأنه قرأ علي غيره من الصحابة وكان يقول: هذه حروف أهل الشام التي يقرءونها . وقال الطبري : "ولعله أراد أنه أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقا كثيرا".
فهي قراءة مسندة إلي أحد الصحابة واتفق عليها أهل الشام مما يدل علي أنها صحيحة متصلة للرسول صلي الله عليه وسلم.
== الواجب علينا تجاه القراءات السبع
ننقل ما ذكره أبو طاهر حيث قال:
"فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين،
وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار،
إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام".
قال: "ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه".
والله اعلم، وصلي الله علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.