في جمع الصحابة رضي الله عنهم القرآن وإيضاح ما فعله أبو بكر وعمر وعثمان
الحمد لله الذي نوّر بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، والصلاة والسلام على من خصه الله بجوامع الكلم وأتاه الحكمة وفصل الخطاب، وبعد:
فإن الله تعالى بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا إلى البشرية قبل أكثر من أربعة عشر قرنا وأنزل عليه القرآن جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله مفرقا عليه مدة حياته عند الحاجة وحدوث ما يحدث على ما يشاء الله عز وجل، فاعتنى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يلقنه أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه، وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في السورة التي يذكر فيها كذا، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ختم السورة حتى ينزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا أنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أن السورة قد ختمت،
ولم يجمعه -صلى الله عليه وسلم-في مصحف واحد لما كان يعلم من جواز ورود النسخ على أحكامه، ورسومه، فلما ختم الله دينه بوفاة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وانقطع الوحي، قيض لخلفائه الراشدين عند الحاجة إليه جمعه بين الدفتين، من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا، فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن قدموا شيئا، أو أخروا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فماهي المراحل التي مر بها القرآن الكريم حتى وصل إلينا؟
أقسم الحديث في هذا المقام إلى ثلاثة فصول رئيسية/
- الجمع في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه-.
- الجمع في خلافة عثمان -رضي الله عنه-.
- الخلاصة.
- الخاتمة.
وتندرج تحتها المسائل التالية:
الجمع في خلافة أبو بكر رضي الله عنه /
- إشارة عمر بن الخطاب لأبي بكر -رضي الله عنهما- بجمع القرآن.
- المقصود بجمع أبي بكر.
- سبب جمع المصحف في خلافته -رضي الله عنه-.
- الترتيب الذي سلكه في جمع المصحف.
- السبب في اختيار زيد بن ثابت -رضي الله عنه- كاتبا.
- المواضع التي تتبع فيها زيد -رضي الله عنه- القرآن.
- الآيات التي تلمسها زيد فلم يجدها إلا مع صحابي واحد.
- شروط كتابة الآية في المصحف.
- الأقوال الواردة في معنى قول زيد -رضي الله عنه-: [فقدت آية كذا] والراجح في ذلك.
- تنقل الصحيفة بين الصحابة.
- معنى قول علي-رضي الله عنه-: [أن أبا بكر جمع القرآن بين اللوحين..]
- موقف الصحابة من جمع أبي بكر -رضي الله عنه- للقرآن.
الجمع في خلافة عثمان رضي الله عنه /
- إشارة حذيفة بن اليمان لعثمان -رضي الله عنهما- بجمع القرآن.
- المقصود بجمع عثمان -رضي الله عنه-.
- سبب الجمع في خلافته -رضي الله عنه-.
- طريقة جمع القرآن في خلافته -رضي الله عنه-.
- الترتيب الذي سلكه عثمان -رضي الله عنه- في جمعه للقرآن:
- الأربعة الذين وكلوا بنسخ المصاحف في خلافته.
- الأقوال الواردة فيمَن كان يملي ومَن كان يكتب في جمع عثمان -رضي الله عنه- للقرآن والجمع بينهم.
- توحيد عثمان -رضي الله عنه-للمصحف وإرساله لكل أفق بمصحف وأمره بحرق ما سوى الصحف المرسلة.
- عدد المصاحف العثمانية التي كُتبت والأمصار التي أُرسلت إليها.
- صحة الأثر الوارد في تمزيق مروان للصحيفة التي عند حفصة -رضي الله عنها-.
- موقف الصحابة والسلف من تمزيق عثمان -رضي الله عنه- للمصاحف غير المرسلة.
- معنى حديث عمر -رضي الله عنه- [بشاهدين من كتاب الله].
الجمع في خلافة أبو بكر رضي الله عنه/
- إشارة عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما بجمع القرآن.
عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر: ))إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر(( رواه البخاري
- المقصود بجمع أبي بكر.
المقصود من جمع أبي بكر هو جمعه في مكان واحد، غير مفرق، على اللفظ الذي أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتبة الوحي في المصاحف،ذخرا للإسلام يرجع إليه إن اصطلمقراؤه، والعياذ بالله.
- سبب جمع المصحف في خلافته رضي الله عنه.
خشية ذهاب القرآن لما حدث في وقعة اليمامة:
عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر)):إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رآه عمر((رواه البخاري
- الطريقة التي جُمع فيها المصحف في خلافته رضي الله عنه.
أمر أبو بكر زيدَ بن ثابت وعمرَ بن الخطاب رضي الله عنهما بجمع القرآن في صحيفة مما كتب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقعدا على باب المسجد يجمعان ما كتب من القرآن في العسب وكسر الأكتاف وقطع الأدم ليجمعا القرآن فيكتبان ما جاء به شاهد ينفي الورق.
1- عن عروة قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.
2- عن زيد قال:قلت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو اجتمعت أنا وعمر جميعا، فقال أبو بكر لعمر، فقال عمر: نعم، فانطلق بنا فخرجنا، حتى جلسنا على باب المسجد الذي يلي موضع الجنائز فجلسنا، وجعل الناس يأتون بالقرآن، منهم من يأتي به في الصحيفة، ومنهم من يأتي به في العسب حتى فرغنا من ذلك.كتاب الانتصار
3- عن ابن شهاب أنه قال: إن المسلمين لما أصيبوا باليمامة فزع أبو بكر رضي الله عنه إلى القرآن، وخاف أن تهلك منه طائفة، وإنما كان في العسب والرقاع، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم، حتى جمع على عهد أبي بكر رضي الله عنه، فكتبوه في الورق وجمعوه فيه، وقال أبو بكر: التمسوا له اسما،فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: كان الحبشة يدعونه المصحف.كتاب الانتصار
4- وقد عبر الشيخ أبو القاسم الشاطبي رحمه الله عما فعله الإمامان بأبيات من جملة قصيدته المسماة بـ"العقيلة"
وقيل أن زيد بن ثابت كتبته على عهد أبي بكر في قطع الأدم وكسر الأكتاف، وفي كذا وكذا، قال:(فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب، فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده. فلما هلك كانت الصحيفة عند حفصة...(تفسير الطبري
وعلى هذا يكون قد كتبه زيد ثلاث مرات في أيام الأئمة الثلاثة رضي الله عنهم، وهذه رواية غريبة، إلا أن ظاهر القصة يدل على صحتها؛ لأن اختصاص آل عمر بالصحيفة بعد عمر دل على أنه كان كتبها لنفسه، ولو كانت هي التي كتبت في زمن أبي بكر لما اختص بها آل عمر، والله أعلم.
وقال القاضي أبو بكر خلافا في أن أبا بكر جمع القرآن بين لوحين أو في صحف وأوراق متفرقة، وبكل معنى من ذلك قد وردت الآثار. وقيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين،"كتاب الانتصار"
- الترتيب الذي سلكه أبو بكر رضي الله عنه في جمع المصحف.
جمع أبو بكر آيات كل سورة كتابة لها من الأوراق المكتوبة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، بإملائه، وهو على وفق ما كان محفوظًا عندهم بتأليف النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ترتيب مصحف أبي بكر رضي الله عنه.
- السبب في اختيار زيد بن ثابت كاتبا.
1- أنه شاب عاقل وكان يكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عن زيدقال: قال أبو بكر:))إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه))
2- أنه شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-علىجبريل وهي التي بيّن فيها ما نسخ وما بقي.وكتبها وقرأها عليه -صلى الله عليه وسلم-.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه،
- المواضع التي تتبع فيها زيد -رضي الله عنه- القرآن.
تتبعها من العسب وكسر الأكتاف وقطع الأدم، واللخاف وصدور الرجال
عن زيد قال: قال أبو بكر: ((إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه. إلى أن قال فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال))
- الآيات التي تلمسها زيد فلم يجدها إلا مع صحابي واحد.
1- خاتمة براءة:
عن زيد قال: قال أبو بكر:))إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه،إلى أن قال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم} حتى خاتمة "براءة"،((
2- آية الأحزاب:
عن زيد بن ثابت قال:فقدت آية من الأحزاب حين نسخت الصحف، قد كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}فألحقتها في سورتها في المصحف.رواه ابن شهاب
- شروط كتابة الآية في المصحف.
شرطان:
أ- أن تكون محفوظة في الصدور مكتوبة في السطور:
قال زيد: قال أبو بكر: ))إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتبع القرآن فاجمعه. إلى أن قال؛ فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}، حتى خاتمة "براءة"، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر((
جاء في كتاب ابن أبي داود عن أبي العالية: أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من "سورة براءة": {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}، فظنوا أنها آخر ما نزل من القرآن. فقال أبي: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأني بعدهن آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه}إلى{وهو رب العرش العظيم}فهذا آخر ما نزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به، يعني بكلمة التوحيد.
- قال الشيخ أبو الحسن: "كان أبي يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله --صلى الله عليه وسلم- في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما. بل كان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر "براءة" ثم لم يقنع بذلك حتى طلبها وسأل عنها غيره فوجدها عند خزيمة، وإنما طلبها من غيره مع علمه بها، ليقف على وجوه القراءات. والله أعلم".
فكان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكتبوا من حفظهم لأن قراءتهم كانت مختلفة لما أبيح لهم من قراءة القرآن على سبعة أحرف والله أعلم
فلم تكن البينة على أصل القرآن، فقد كان معلوما لهم كما ذكر، وإنما كانت على ما أحضروه من الرقاع المكتوبة فطلب البينة عليها أنها كانت كتبت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وبإذنه على ما سمع من لفظه.
ب- توثيقها بشاهدين:
جاء في كتاب أبي بكر عبد الله بن أبي داود عن عروة قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى فاكتباه.
- الأقوال الواردة في معنى قول زيد: [فقدت آية كذا] والراجح في ذلك.
1- فقدُ كتابتها لا فقدها حفظًا:وهو الراجح والله أعلم
مأخوذ من معنى قوله: "فقدت آية كذا فوجدتها مع فلان..." أنه كان يتطلب نسخ القرآن من غير ما كتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد كتابة تلك الآية مع ذلك الشخص، وإلا فالآية كانت محفوظة عنده وعند غيره،، وبدليل أبي في تقصيه آواخر سورة براءة مع علمه إياها إلا أنه قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-وهذا المعنى أولى
2- فقدها؛ يعني نسيانها وهو قول مكي وغيره:
ذكر مكي وغيره: أنهم كانوا يحفظون الآية، لكنهم أنسوها فوجدوها في حفظ ذلك الرجل فتذاكروها وأثبتوها لسماعهم إياها من النبي صلى الله عليه وسلم.
- تنقل الصحيفة بين الصحابة.
حكى زيدٌ أمْرَ أبي بكرٍ -رضي الله عنهما- له بجمع القرآن فقال في آخر حديثه: ((فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر((
وروى عبد الله عن سالم وخارجة مثله.
- معنى قول علي -رضي الله عنه-:[أن أبا بكر جمع القرآن بين اللوحين..]
اختلف في أن أبا بكر جمع القرآن بين لوحين أو في صحف وأوراق متفرقة، وبكل معنى من ذلك قد وردت الآثار.
1- قيل: كتبه أولا في صحف ومدارج نسخت ونقلت إلى مصاحف جعلت بين لوحين.
2- وقيل: جمع القرآن الذي هو الآن بين اللوحين، وكان هذا أقرب إلى الصواب جمعا بين الروايات. وكأن أبا بكر رضي الله عنه كان جمع كل سورة أو سورتين أو أكثر من ذلك في صحيفة على قدر طول السورة وقصرها. فمن ثم قيل: إنه جمع القرآن في مصحف،
- موقف الصحابة من جمع أبي بكر رضي الله عنه للقرآن.
قال علي -رضي الله عنه-: ))يرحم الله أبا بكر، هو أول من جمع ما بين اللوحين((، وفي رواية عنه: ))أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر((رواه ابن أبي شيبة
الجمع في خلافة عثمان _رضي الله عنه_ /
- إشارة حذيفة بن اليمان لعثمان -رضي الله عنهما-بجمع القرآن.
عن أنس بن مالك قال: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأرسل عثمان إلى حفصة:أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان،...))
- المقصود بجمع عثمان -رضي الله عنه-.
هو أن يجمع المسلمين علىتلاوتهعلى اللفظ الذي كُتب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتعدوه إلى غيره من القراءات التي كانت مباحة لهم، المنافية لخط المصحف من الزيادة والنقصان وإبدال الألفاظ فيكثر فيه التصرف، ويتفاحش تغيره، وتنمحق ألفاظه المنزلة.
- سبب الجمع في خلافته-رضي الله عنه-.
لما ولي عثمان وكثر المسلمون وانتشروا في البلاد خيف عليه الفساد واكثار التصرف فيه، وتفاحش تغيره، وانمحاق ألفاظه المنزلة، لما رأى من اختلافهم في قراءاتهم لاختلاف لغاتهم.
عن أنس بن مالك قال: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق. فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى...))
- طريقة جمع القرآن في خلافته رضي الله عنه.
عن أنس بن مالك قال: أرسل عثمان إلى حفصة:أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا)
وعن زيد بن ثابت، قال في رواية عن جمعه للقرآن: (أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة فأعطته إياها، فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شيء، فردها إليها وطابت نفسه(تفسير الطبري
- قال القاضي: وقد وردت الرواية أن عثمان لما أراد أن يجمع المصحف خطب فقال:أعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله عز وجل، شيء لما جاء به، قال: فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك شيئا كثيرا، ثم دخل فدعاهم رجلا رجلا يناشده: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمله عليك؟فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟قالوا: كاتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت، قال:فأي الناس أعرب؟قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان:فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف فرقها في الناس.تفسير الطبري
وأما ما روي أن عثمان جمع القرآن أيضا من الرقاع كما فعل أبو بكر فرواية لم تثبت، ولم يكن له إلى ذلك حاجة، وقد كفيه بغيره
- الترتيب الذي سلكه عثمان رضي الله عنه في جمعه للقرآن:
عثمان رضي الله عنه نسخ من صحف أبي بكرمصحفا جامعا لها، مرتبًا سورة سورة على هذا الترتيب الذي هو بين أيدينا، ويدل على ذلك ظاهر حديث يزيد الفارسي عن ابن عباس قال:قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى "براءة" و"الأنفال" فقرنتم بينهما؟الحديث، فإنه يدل على أن لعثمان في جمعه القرآن بعد أبي بكر تصرفا ما.
- الأربعة الذين وكلوا بنسخ المصاحف في خلافته.
زيد بن ثابت، سعيد بن العاص، عبد الرحمن بن الحارث، وعبدالله بن الزبير
الدليل/ عن أنس بن مالك قال: (أن عثمان أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم)
- مَن كان يملي ومَن كان يكتب في جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن.
قيل: كان يكتب المصحف في جمع عثمان هو زيد والذي يمليه سعيد -رضي الله عنهما-
الدليل/ عن مصعب بن سعد قال: قالعثمان عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتاني به.
فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعسيب فيه الكتاب، فمن أتاه بشيء قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: أي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال: أي الناس أكتب؟ قالوا: زيد بن ثابت، قال: فليكتب زيد، وليمل سعيد..رواه أبو إسحاق
وقيل: كان زيد وسعيد يكتبان وأبي يملي رضي الله عنهما
الدليل/
عن موسى بن جبير أن عثمان بن عفان دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص فقال لأبي:إنك كنت أعلم الناس بما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، كنت تقرئ في زمانه، وكان عمر بن الخطاب يأمر الناس بك، فأمل على هؤلاء القرآن في المصاحف، فإني أرى الناس قد اختلفوا،قال: فكان أبي يملي عليهم القرآن، وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ينسخان.رواه يحيى بن عبدالله.
وقيل: الذي كان يملي أبان بن سعيد بن العاص. وهذا القول غلط
الجمع بين القولين/
بالنسبة للقولين الأولين فلا تعارض بينهما فإنه لا يمتنع أن يمله سعيد ويمله أيضا أبي، فيحتاج إلى أبي لحفظه وإحاطته علما بوجوه القراءات المنزلة التي يجب إثبات جميعها، وأنه لا يطرح شيء منها، ويجب نصب سعيد بن العاص لموضع فصاحته وعلمه بوجوه الإعراب وكونه أعربهم لسانا، فإن سعيدا كان أفصح الناس وأشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمتنع أن ينصب لإملائه قوم فصحاء، حفاظ يتظاهرون على ذلك، ويذكر بعضهم بعضا، ويستدرك بعضهم ما لعله يسهو عنه غيره. وهذا من أحوط الأمور وأحزمها .
وأما ما جاء في القول الثالث بأن الذي نصبه عثمان لإملاء المصحف أبان بن سعيد بن العاص. فالسيرة تشهد بأن ذلك غلط؛ لأن أهلها قد رووا أن أبان بن سعيد متقدم الموت، وأنه قد هلك قبل جمع عثمان المصحف بزمان طويل، وأنه قتل بالشام في وقعة أجنادين في سنة ثلاث عشرة، وإنما المنصوب لإملاء المصحف الذي أقامه عثمان لذلك سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وهو ابن أخي أبان بن سعيد بن العاص.كتاب الانتصار
- توحيد عثمان رضي الله عنه وإرساله لكل أفق بمصحف وأمره بحرق ما سوى الصحف المرسلة.
استحضر عثمان رضي الله عنه الصحف من عند حفصة، ونسخها في المصاحف، وبعث بها إلى الأمصار.شرح السنة
عن أسلم مولى عمر قال: لما رأى ذلك عثمان (اختلافهم في القرآن) شاور فيه أهل القرآن من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأوا أن يجمعوه في مصحف واحد، ثم يفرق في البلاد مصحفا مصحفا، ثم تحرق سائر الصحف، إلى أن قال؛ فنسخوا القرآن في مصحف واحد حتى فرغوا منه، ثم نسخ من ذلك المصحف مصاحف، فبعث إلى كل بلد مصحفا، وأمرهم بالاجتماع على هذا المصحف.
- عدد المصاحف العثمانية التي كُتبت والأمصار التي أُرسلت إليها.
1- جاء على أنها سبعة لمكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة وواحد حبسه في المدينة
2-وجاء على أنها أربع الكوفة والبصرة والشام وواحد عنده وهو الذي عليه أكثر العلماء.
الأدلة/
· قال أبو حاتم السجستاني: لما كتب عثمان رضي الله عنه المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدا.
· قال أبو عمرو الداني أكثر العلماء على أن عثمان رحمه الله لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ: فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، واحتبس عند نفسه واحدة. كتاب "المقنع":
- صحة الأثر الوارد في تمزيق مروان للصحيفة التي عند حفصة رضي الله عنها.
عن سالم بن عبد الله قال أنه لما توفيت حفصة، رحمة الله عليها، أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر ساعة رجعوا من جنازة حفصة بعزيمة ليرسلن بها، فأرسل بها ابن عمر إلى مروان فمزقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف ما نسخ عثمان رحمة الله عليه، قاله ابن شهاب
قال أبو عبيد: لم نسمع في شيء من الحديث أن مروان مزق الصحف، إلا في هذا الحديث.
والسبب في تمزيق المصحف إن صح ذلك: ما فعله مروان من طلبه الصحف من ابن عمر وتمزيقها -إن صح ذلك- فلم يكن لمخالفة بين الجمعين، إلا فيما يتعلق بترتيب السور، فخشي أن يتعلق متعلق بأنه في جمع الصديق غير مرتب السور، فسد الباب جملة.
- موقف الصحابة والسلف من تمزيق عثمان رضي الله عنه للمصاحف غير المرسلة.
· عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك -أو قال: لم يعب ذلك أحد.
· عن قال علي رضي الله عنه: لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان.
· وفي روايةله أخرجها البيهقي في المدخل: ((يرحم الله عثمان، لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان))
· وروى الحافظ البيهقي في المدخل قوله: (فلقد سمعت رجالا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون: لقد أحسن.(
· قال أبو مجلز لاحق بن حميد رحمه الله -وهو من جلة تابعي البصرة-: يرحم الله عثمان، لو لم يجمع الناس على قراءة واحدة لقرأ الناس القرآن بالشعر.
· قال حماد بن سلمة: كان عثمان في المصحف كأبي بكر في الردة.
· قال عبد الرحمن بن مهدي: كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف.
- معنى حديث عمر رضي الله عنه: [بشاهدين من كتاب الله].
معنى هذا الحديث -والله أعلم- من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان زيد جامعا للقرآن.
قال: ويجوز أن يكون معناه: من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله تعالى، أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، ولم يزد على شيء مما لم يقرأ أصلا، ولم يعلم بوجه آخر.قاله الشيخ أبو الحسن في كتابه "جمال القراء.
نخلص من هذا إلى أن التأليف كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم وكان القرآن محفوظا في صدور الرجال إلا أنه كان مكتوبا في العسب والرقاع واللخاف حتى كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه لما استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة فكان الجمع في الصحف، والنسخ في المصاحف كان في زمن عثمان، مع بذل المجهود في معارضة ما كان في الصحف بما كان مثبتا في صدور الرجال، وكان بمشورة من حضره من علماء الصحابة رضي الله عنهم، وكان ما يجمعون وينسخون معلوما لهم.
أما القرآن حفظًافإنه مجموع كله في صدور الرجال أيام حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومؤلفا هذا التأليف الذي نشاهده ونقرؤه إلا "سورة براءة"، فإنها كانت من آخر ما نزل من القرآن، ولم يبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه موضعها من التأليف حتى خرج من الدنيا، فقرنها الصحابة -رضي الله عنهم- بـ"الأنفال"،فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفناكما ذكرنا الأثر الدال عليه سابقًا، وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة، وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة رحمة من الله عز وجل لعباده، وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال جل ذكره:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ما كان من صواب فمن الله وحده، ومن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، والحمد لله رب العالمين.