دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > طرق التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 رجب 1437هـ/24-04-2016م, 02:44 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي تفسير القرآن بالقرآن

تفسير القرآن بالقرآن

أَجَلُّ طرق التفسير وأحسنها وأرفعها قدراً تفسير القرآن بالقرآن، فالله تعالى هو الأعلم بمرادِهِ من كلامه، وهو الذي يوفّق من يشاء من عباده لفهم مراده، وإذا تبيّن تفسير القرآن بالقرآن فهو أرفع درجات التفسير.
ولذلك اجتهد العلماء في التماس بيان معاني القرآن من القرآن، فما أجمل منه في موضع بُيِّن في موضع آخر أو أُحيل على بيانه، وإدراك هذا التفسير مما تفاضل فيه المفسّرون وتفاوتت مراتبهم فيه تفاوتاً كبيراً، غير أنه ينبغي أن يُعلم أن تفسير العلماء للقرآن بالقرآن على نوعين:
النوع الأول: تفسير مستنده النصّ الصريح في القرآن.
والنوع الثاني: تفسير اجتهادي غير معتمد على نصّ صريح في مسألة التفسير.

ومثال الصريح: قول الله تعالى: {والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب}؛ فنصّ الله تعالى على بيان المراد بالطارق بأنه النجم الثاقب، وهذا نصّ صريح في المسألة ليس لأحد قول في مخالفته.
ومثاله الآخر: قول الله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فنزول قوله تعالى: {من الفجر} كان متأخراً عن نزول الآية؛ كما في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعدٍ، قال: " أنزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض، من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر}، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {من الفجر}؛ فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار).

التفسير المتّصل والتفسير المنفصل
- وتفسير القرآن بالقرآن منه ما يكون التفسيرُ فيه في موضع الآية المفسَّرة؛ كما في قوله تعالى: {هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} فبيّن المراد بالمتقين بذكر أوصافهم وأعمالهم.
- ومنه ما تكون فيه الآية المفسَّرة في موضع، والآية المفسِّرة في موضع آخر، كما في قول الله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل}، وهذا في سورة النحل؛ والإشارة إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون (146)} وهذا يدل على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل.
وكما في قول الله تعالى في سورة المائدة: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} بيانه في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم}.

وهذا النوع منه ما يَتيسر الوقوف عليه لتشابه الألفاظ في الموضعين، ومنه لا يَتفطن له إلا الأفذاذ من العلماء، لدقة مأخذ الاستدلال، ولطافة انتزاع المعنى منه، وهو من ميادين التفاضل بين العلماء في التفسير.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما من البارعين في هذا النوع.
قال عبد الله بن دينار: كان عمر بن الخطاب يسأل ابن عباس عن الشيء من القرآن ثم يقول: «غُصْ غَوَّاص» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.

دخول الاجتهاد في تفسير القرآن بالقرآن
وأما التفسير الاجتهادي للقرآن بالقرآن، فهو تفسير يعتمد فيه المجتهد على استخراج دلالة من آية لبيان معنى آية أخرى من غير أن يكون فيها نصّ صريح في مسألة التفسير.
وهذا الاجتهاد قد يصيب فيه المجتهد وقد يُخطئ؛ فما أصاب فيه المجتهد مرادَ الله تعالى، فقد وفق فيه للكشف عن بيان الله للقرآن بالقرآن، وما أخطأ فيه أو أصاب فيه بعض المعنى دون بعض فلا يصح أن ينسب اجتهاده فيه إلى التفسير الإلهي للقرآن.

إفادة التفسير بهذا الطريق لليقين
والتفسير الاجتهادي قد يُقيم عليه المفسّر دلائل صحيحة تُفيد العلم اليقيني، وقد يقصر بيانه عن بلوغ هذه المرتبة فيفيد الظنّ الغالب، أو يفيد وجهاً معتبراً في التفسير، وقد يُخطئ المجتهد في اجتهاده؛ فهو على هذه المراتب.
فليس كلّ ما يُذكر من تفسير للقرآن بالقرآن يكون صحيحاً لا خطأ فيه؛ بل منه ما يدخله اجتهاد المجتهدين من المفسّرين؛ وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب، وقد يصيب بعض المعنى دون بعض، أو يذكر وجها من أوجه التفسير ويغفل ما سواه، وقد يكون في تفسيره ما هو محلّ نظر.

ولكل تلك الأحوال أمثلة كثيرة مبثوثة في كتب التفسير.
- ومن تلك الأمثلة: ما ذكره بعض أهل العلم في تحديد مقدار ما أمر الله بإنفاقه في قوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم} حيث ذكر أن من تبعيضية، والتبعيض هنا غير مقدر، والتقدير مبين في قول الله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}؛ فهذا اجتهاد من المفسر في تفسير القرآن بالقرآن، والدلالة فيه محتملة لكنها غير متعينة؛ فإن الله أثنى على من آثر على نفسه فأنفق ما زاد على قدر العفو فأنفق ما هو محتاج إليه كما في قول الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، وأثنى على من أنفق بعض العفو ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما أراد أن يوصي بماله: ((الثلث والثلث كثير؛ إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)). رواه البخاري.
ولذلك قال ابن عباس كما في صحيح البخاري: (لو غض الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير).

- ومن تلك الأمثلة: اختلاف المفسرين في مرجع الضمير في قول الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ؛ فمن أهل العلم من ذهب إلى أن مرجع الضمير إلى أقرب مذكور وهو الذكر، والمراد به هنا القرآن الكريم؛ وهو القول المأثور عن السلف الصالح، منهم مجاهد وقتادة وثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
ومن المفسرين من ذهب إلى أن مرجع الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: وإنا لمحمد صلى الله عليه وسلم لحافظون؛ واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: {والله يعصمك من الناس}؛ وقد ذكر هذا الاستدلال الزمخشري والبغوي والقرطبي وغيرهم، وأصل القول ذكره ابن جرير قبلهم لكن من دون هذا الاستدلال.
وهذا الاستدلال فيه نظر، لأن سورة الحجر مكية، وسورة المائدة مدنية؛ وهذا القول خلاف الأصل، وهو أن يرجع الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يصرفه صارف؛ ولا صارف هنا.
ولذلك قال الأمين الشنقيطي رحمه الله: (بيّن تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نزل القرآن العظيم، وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شيء أو يبدل، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميدٍ } وقوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} إلى قوله: {ثم إن علينا بيانه } وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية أن الضمير في قوله: {وإنا له لحافظون} راجع إلى الذكر الذي هو القرآن.

وقيل: الضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: {والله يعصمك من الناس} والأول هو الحق كما يتبادر من ظاهر السياق)ا.هـ.

- ومن تلك الأمثلة: قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في المراد بالأرض في قول الله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}
حيث ذهب إلى أن المراد بالأرض هنا الجنة؛ واستدل لذلك بقول الله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين}
وهذا القول قال به جماعة من السلف، وفي المسألة أقوال أخرى يستدل لها بأدلة أخرى:
فقيل: هي الأرض التي وعدها الله بني إسرائيل كما قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}
وقال تعالى في شأن فرعون وقومه: {فأخرجناهم من جنات وعيون . وكنوز ومقام كريم . كذلك وأورثناها بني إسرائيل}
وقال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين . ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض..} الآية.
وقيل: هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا كما قال الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم..} الآية.
وهذا من النصر الذي يجعله الله لعباده المؤمنين في الحياة الدنيا، وهو مقتضى العاقبة الحسنة التي كتبها لأوليائه بأن يزيل دولة الباطل مهما عتت وتجبرت ويورث الأرض عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهذا من السنن الكونية التي تحققت كثيراً، كما قال الله تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون} ، وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} .
ومن ذلك قول الله تعالى للرسل السابقين: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم}
وقوله تعالى: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.
وقوله تعالى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديراً}
وهذا القول ذكر أصله ابن جرير في تفسيره، وزاده إيضاحاً الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان.
والراجح أن دلالة الآية تَسَعُ هذه الأقوال كلها وليس بينها تعارض.
وعلى هذا فتفسير ابن زيد رحمه الله هو بيان لبعض المعنى، وقد استدلَّ له بآية من القرآن ، والأدلة على الأقوال الأخرى أكثر في القرآن الكريم.

والمقصود التنبيه على أنَّه ليس كل ما يُذكر من تفسير القرآن بالقرآن يكون صحيحاً لا خلاف فيه؛ لأن منه ما يكون صادراً عن اجتهاد قد يصيب فيه المفسر وقد يخطئ، وقد يصيب بعض المعنى، وقد يكون لقوله وجه معتبر في حال من الأحوال، فيكون صحيحاً في خصوص ذلك الحال من غير تعميم.

عناية العلماء بتفسير القرآن بالقرآن
وقد اعتنى بهذا النوع من التفسير جماعة من أهل العلم وظهر أثر ذلك فيما نقل عنهم من التفسير.
- فروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم أمثلة كثيرة لتفسير القرآن بالقرآن؛ لكنه غالباً ما يكون مأخذه اجتهاد المفسر لإصابة المعنى المراد ؛ فيستدل لذلك بالقرآن.
واعتنى به بعدهم جماعة من كبار المفسرين ومن أشهر من ظهرت عنايته به في تفاسيرهم: إمام المفسّرين محمّد بن جرير الطبري
وإسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي.
ومحمد الأمين الجكني الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.
ولم يزل المفسّرون يقدّمون تفسير القرآن بالقرآن على غيره من أنواع التفسير.

المؤلفات في تفسير القرآن بالقرآن
لا تكاد تخلو كتب التفسير المعتبرة من اعتماد على تفسير القرآن بالقرآن، لكن العلماء يتفاضلون في العناية بهذا الطريق، وفي إصابة المعنى المراد به.
وقد أفرد بعض العلماء كتباً في التفسير اعتنوا فيها بتفسير القرآن بالقرآن، ومن تلك الكتب:
1. مفاتيح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن؛ لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت:1182هـ).
2. تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، لعبد الحميد الفراهي الهندي (ت:1349هـ)، وهو كتاب قيم مطبوع.
3. تفسير القرآن بكلام الرحمن، لأبي الوفاء ثناء الله الآمرتسري الهندي (ت:1367هـ)، وهو الذي بَاهَل ميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة الأحمدية في الهند في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وكانت المباهلة على أن الكاذب يموت في حياة الصادق وقد مات ميرزا غلام أحمد عام 1326 ه‍ قبل وفاة ثناء الله الذي مات عام 1367 هـ.
4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الجكني الشنقيطي (ت:1393هـ)، وهو من أجل الكتب في هذا النوع وأعظمها نفعاً.

أنواع تفسير القرآن بالقرآن
وتفسير القرآن للقرآن على أنواع كثيرة:

- فمنه تفسير إحدى القراءات لغيرها، وقد قال مجاهد بن جبر رحمه الله: (لو كنت قرأتُ قراءة ابن مسعودٍ لم أحتج أن أسأل ابن عباسٍ عن كثيرٍ من القرآن مما سألت). رواه الترمذي.
وذلك لأنّ القراءات يفسّر بعضها بعضاً.
- ومن ذلك أيضاً تفسير القرآن بما ثبت من الأحرف السبعة، هذا النوع من التفسير من دلائل تقدّم الصحابة رضي الله عنهم في علم التفسير فإنّهم قد علموا من ذلك شيئاً كثيراً مما لم يصل إلينا.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن ذكر مرويّات في الأحرف السبعة: (فأمَّا ما جاء من هذه الحروف التي لم يؤخذ علمها إلا بالإسناد والروايات التي يعرفها الخاصة من العلماء دون عوام الناس، فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين، وتكون دلائل على معرفة معانيه وعلم وجوهه، وذلك كقراءة حفصة وعائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) وكقراءة ابن مسعود: (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم) ، ومثل قراءة أبي بن كعب (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فيهن...)، وكقراءة سعد (فإن كان له أخ أو أخت من أمه) وكما قرأ ابن عباس: (لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) ، وكذلك قراءة جابر (فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم).
فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسِّرة للقرآن، وقد كان يُروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك، فكيف إذا روي عن كبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار في نفس القراءة؟ فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى، وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف معرفة صحة التأويل، على أنها من العلم الذي لا تعرف العامة فضله، إنما يعرف ذلك العلماء.
وكذلك يُعتبر بها وجه القراءة، كقراءة من قرأ {يقص الحق} فلما وجدتها في قراءة عبد الله (يقضي بالحق) علمت أنت أنما هي يقضي الحق، فقرأتها أنت على ما في المصحف، واعتبرت صحتها بتلك القراءة.
وكذلك قراءة من قرأ {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} لما وجدتها في قراءة أبيّ (تنبّئهم) علمت أن وجه القراءة تُكلّمهم، في أشياء من هذه كثيرة لو تُدُبِّرَت وجد فيها علم واسع لمن فهمه)ا.هـ.

- ومن أنواع تفسير القرآن بالقرآن: تفسير اللفظ بلفظ أشهر منه وأوضح.
- ومنها: بيان المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام.
- ومنها: بسط المختصر، وتنويع الأسلوب، واللف والنشر، والتفصيل والإجمال.
والقرآن يصدّق بعضه بعضاً، يأتلف ولا يختلف، وما أجمل منه في موضع بيّن في موضع آخر، أو أحيل إلى بيانه.
وقد أحكم الله آياته وفصّلها وبيّنها ليتدبّرها من تبلغه ويتفكّر فيها، ولا يبلغ الناس أن يحيطوا به علماً، لكنه يكفيهم فيما يحتاجون إليه، ويتفاضلون في العلم به، ومن خفي عليه شيء منه؛ فليكله إلى عالمه.

وقد أفاض الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في مقدمة تفسيره أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن في ذكر أنواع بيان القرآن للقرآن وذكر أنواعاً كثيرة ومثل لكل نوع بمثال.

ومن الأنواع التي ذكرها رحمه الله:
1: تفسير اللفظ بلفظ أشهر منه وأوضح كقوله تعالى في حجارة قوم لوط: {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} وبين معناه في الذاريات بقوله تعالى: {قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين . لنرسل عليهم حجارة من طين}.
2: بيان الإجمال الواقع بسبب اشتراك في اسم أو فعل أو حرف.
3: بيان الإجمال الواقع بسبب إبهام في اسم جنس جمعا كان أو مفردا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف.
4: بيان الإجمال الواقع بسبب احتمال في مفسر الضمير.
5: بيان ما سئل عنه في موضع آخر.
6: بيان ما يفيد تخصيص المعنى اللغوي.
7: بيان ما يفيد خلاف المتبادر إلى الذهن.
8: تفصيل ما ذكر مجملاً في موضع آخر، ولذلك أمثلة كثيرة في القصص والأخبار والمأمورات والمنهيات.
9: أن يُذكر أمر في موضع ثم يُذكر في موضع آخر شيء يتعلق بذلك الأمر كأن يذكر له سبب أو مفعول أو ظرف زمان أو ظرف مكان أو متعلق.
10: بيان أن أحد المعاني الداخلة في معنى الآية هو المقصود.
إلى غير ذلك من أنواع تفسير القرآن بالقرآن.

التوسّع في تفسير القرآن بالقرآن
ومما ينبغي التفطّن له أن تفسير القرآن بالقرآن قد توسّع فيه بعض المفسّرين حتى صار في بعض ما ذكروه تكلّف ظاهر.
واستعمله بعض أهل الأهواء لمحاولة الاستدلال به على بِدَعِهم وأهوائهم؛ والقرآن حمّالٌ ذو وجوه؛ كما قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنه محكم ومتشابه فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
ومن ذلك كثرة استدلال نفاة الصفات على تأويل ما ثبت من الصفات الواردة في القرآن بقول الله تعالى: {ليس كمثله شيء}.
وكثرة استدلال نفاة الحكمة والتعليل من الجبرية بقول الله تعالى: {لا يُسأل عمّا يفعل} على ردّ ما يثبت خلاف معتقدهم؛ فيذكرون أموراً لا تليق بحكمة الله جلّ وعلا من لوازم أقوالهم الباطلة، وإذا اعتُرض عليهم استدلوا بقول الله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل} .
والأمثلة على انحراف المبتدعة في محاولة تفسير القرآن بالقرآن كثيرة، وفي تفسير الرازي أمثلة كثيرة لهذا النوع من الانحراف.
والتفسير الاجتهادي والخاطئ في تفسير القرآن بالقرآن لا يصحّ اعتبارهما من التفسير الإلهي، ولو ادُّعِيَ فيه أنه تفسير للقرآن بالقرآن.

شروط صِحَّة تفسير القرآن بالقرآن
ولصحّة قول المفسّر في تفسير القرآن بالقرآن شرطان:
الشرط الأول: صحّة المستدلّ عليه.
والشرط الثاني: صحّة وجه الدلالة.

ولذلك يجب أن لا يخالف التفسير أصلاً صحيحاً من القرآن والسنة وإجماع السلف الصالح؛ فكلّ تفسير اقتضى معنى باطلاً دلّت الأدلّة الصحيحة على بطلانه فهو تفسير باطل يدلّ على خطأ المفسِّر أو وَهْمِه أو تمحُّله.
وقد يكون وجه الدلالة ظاهراً مقبولاً ، وقد يكون خفيّا صحيحاً ، وقد يكون فيه خفاء والتباس فيكون محلّ نظر واجتهاد، وقد يدلّ على بعض المعنى.
والتفسير الذي يخالف صاحبه منهج أهل السنة في التلقي والاستدلال تفسير بدعي خاطئ.

أمثلة وتطبيقات:
1. قال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله تعالى: {صَعِيدًا جُرُزًا} قال: (الجرز: الأرض التي ليس فيها شيء، ألا ترى أنه يقول: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا}). قال: (والجرز: لا شيء فيها، لا نبات ولا منفعة، والصعيد المستوي). رواه ابن جرير.

2. قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب(ت:1232هـ) في كتابه "التوضيح عن توحيد الخلاق": (ومنه قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} يفهم منه عموم الاستغفار فيرد إلى محكمه وهو قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا....} الآية فإنه لم يأذن الله للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين والله لا يغفر أن يشرك به).

3. قال محمد الأمين الشنقيطي: (قوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} لم يبين هنا هذا الذي سئل موسى من قبل ما هو؟
ولكنه بينه في موضع آخر، وذلك في قوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة}).

4. وقال محمد الأمين الشنقيطي أيضاً رحمه الله: (قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
لم يصرح هنا بالمراد بما كسبته قلوبهم، ولم يذكر هنا ما يترتب على ذلك إذا حنث، ولكنه بين في سورة «المائدة» أن المراد بما كسبت القلوب، هو عقد اليمين بالنية والقصد، وبيَّن أن اللازم في ذلك إذا حنث كفارة، هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ومن عجز عن واحد من الثلاثة فصوم ثلاثة أيام، وذلك في قوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم...} الآية)ا.هـ.
فهذا تفسير ببعض المعنى؛ لأن ما تكسبه القلوب أعمّ من عقد الأيمان، فالله تعالى يؤاخذ بما تكسبه القلوب ومن ذلك عقد الأيمان.

روابط مهمة:
- البيان الإلهي للقرآن


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القرآن, تفسير

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir