المجموعة الثالثة:
س1:بيِّن أهمية معرفة مسائل الإيمان بالقرآن، وكيف يُحقق طالب العلم هذه المعرفة؟
معرفة مسائل الإيمان بالقرآن من الأهمية بمكان؛ لأنها تبيِّن ما يتحقق به الإيمان بالقرآن، وما يقدح في ذلك، وما هي المسائل التي يبحثها العلماء في هذا الباب، وما هي مراتب المخالفة لذلك، وما هي درجات المخالفين وأحكامهم.
ويحقق طالب العلم هذه المعرفة فيما يتعلق بمسائل القرآن الاعتقادية بمعرفة ما يلي:
- معرفة القول الحق في مسائل الاعتقاد، بما دلَّت عليه نصوص القرآن والسنَّة، وبما أجمع عليه سلف الأمة –رحمهم الله-، حتى يكون معتقده في القرآن صحيحاً مبنيّاً على الدليل والحجة الصحيحة.
- معرفة مآخذ الاستدلال من الأدلة، وما تحسن معرفته من الأدلة والآثار، حتى يمكنه أن يدعو إلى الحق في هذه المسائل متى احتيج إليه في ذلك.
- معرفة أقوال المخالفين في هذا الباب، ومراتبهم ودرجات مخالفتهم، ومعرفة أصول شبههم وحجج أهل السنة في الردِّ عليهم، ومنهجهم في معاملتهم، حتى يتبيَّن له أصول الرد على المخالفين في هذا الباب.
س2:لخِّص عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن.
خلاصة عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن يمكن إجماله فيما يلي:
- أن القرآن كلام الله –تعالى- حقيقة لا كلام غيره.
- أن القرآن من الله بدأ أي -نزل من الله-، وإلى الله يعود –أي يرفع آخر الزمان-.
- أن القرآن حروفه ومعانيه من الله –تعالى-.
- أن القرآن ليس بمخلوق؛ لأنه كلام الله -تعالى-.
- من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر.
- القرآن سمعه جبريل من الله -تعالى-، وسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- من جبريل، وسمعه الصحابة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم نُقِل إلينا متواتراً.
- أن هذا الذي بين الدفتين في المصاحف هو القرآن، محفوظ في السطور، وفي الصدور.
- أن كل حرف من القرآن قد تكلَّم الله به حقيقة.
- أن القرآن بلسان عربيٍّ مبين، تكلَّم الله به باللسان العربي.
- أن من ادعى وجود قرآن غيره، فهو كافر بالله -تعالى-.
س3:عدد مما درست من امتحن من أهل الحديث في مسألة خلق القرآن، مبيِّناّ أنواع الأذى الذي لحق بهم.
اُمتُحن بالقول بخلق القرآن نفر كثير من أهل الحديث، وعُذِّبوا وأوذوا في ذلك أذى كثيراً، فكان منهم من ثبَّته الله، ومنهم من ترخص بالإكراه، وفيما يلي ذكر جماعة من أولئك الأخيار وما جرى عليهم من المحن:
· عثمان بن مسلم الصفار شيخ الإمام أحمد: اُمتُحن وهُدِّد بقطع ما يجري عليه من بيت المال، فثبت ولم يُجِب، وهو أوَّل من امتحن.
· جماعة من أهل الحديث منهم: يحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وإسماعيل الجوزي، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي، وابن أبي مسعود: أُحضروا إلى المأمون في بلده، فامتُحنوا عنده فهابوا وأجابوا، فأُطلِقوا.
· المحدثون في دمشق: هشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن، وعبد الله بن ذكوان: اُمتُحنوا عند والي دمشق امتحاناً يسيراً فأجابوا.
· الناسك العابد أحمد بن أبي الحواري: امتحنه والي دمشق فترفق به، فأبى أن يجيبه، فسجنه، ثم أُتي بصبيانه وامرأته فبكوا عنده فأجاب بأن ما في القرآن من الجبال والشجر مخلوق.
· أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني قاضي دمشق، ومن شيوخ الإمام أحمد: اُمتُحن عند المأمون، ورُهِّب بالقتل، فأبى أن يجيب، وجادله المأمون فلم يجبه إلى ما قال، ثم أُتي بالسيف فأجاب مترخِّصاً بالإكراه، ثم حبس حتى مات.
· جماعة من أهل الحديث منهم عبيد الله القواريري، والحسن بن حماد الحضرمي الملقب بسجادة: اُمتُحنوا في عند أمير بغداد، فأجابوا ترخصاً بالإكراه، إلا القواريري وسجادة، فحُبسا وقُيِّدا، ثم دُعيا فأجابا ترخصاً بالإكراه.
· محمد بن نوح العجلي من أهل الحديث: اُمتُحن عند أمير بغداد فلم يُجب فحُبس وقُيِّد ، ثم حُمل إلى المأمون مقيّداً، وبعد موت المأمون أعيد إلى بغداد مقيَّداً ليحبس فيها وفي الطريق مرض مرضاً شديداً فمات وهو مقيَّد.
· الإمام أحمد بن حنبل: اُمتُحن في عهد خليفتين المأمون والمعتصم:
- في عهد المأمون: امتحنه الأمير إسحاق بن إبراهيم، فلم يجبه، فقُيِّد وحُبِس، ثم أمر المأمون بنقله مقيَّداً إليه في الرقّة، فحُبِس فيها، وتوعَّده المأمون بالقتل إن لم يجبه، لولا أنَّ الله كفاه إيَّاه، إذ مات المأمون قبل أن يرَاه.
- في عهد المعتصم: حُمل الإمام أحمد مقيَّداً إلى بغداد، ليُحبس فيها، وقد مرض مرضاً شديداً، نُقِّل في عدة محابس، ثم نوظر مراراً، فظهرت حجته، ثم زيدت عليه القيود، ثم ناظره ابن أبي دؤاد مع في خمسين من المعتزلة، فأظهر الله قوله عليهم، فلما طالت المناظرة، وانقطعت حجج المعتزلة أمروا بقتله بعد أن كفروه واستحلّوا دمه، ثم بدا لهم أن يعتاضوا عن قتله بالضرب تلو الضرب؛ ليكون أشد في تعذيبه، ولعله يرجع عن قوله من شدة الألم، فقام الجلادون عليه، يضربونه الواحد تلو الآخر حتى أغمي على الإمام مراراً، ثم سُحب، وكُبَّ على وجهه، وداسوه، ثم أمر المعتصم بتخلية سبيله بعد أن ندم مما فعل به.
· أبو نعيم الفضل بن دكين: امتحنه والي الكوفي فأبى أن يجيبه فطُعن في عنقه فمات من جراحته.
· العباس بن عبد العظيم العنبري، وعلي بن المديني: اُمتُحنا فلم يُجيبا، فأما العباس فأُقيم وضُرب بالسوط حتى أجاب، وعلي بن المديني ينظر إليه فأجاب كذلك.
· أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي عالم مصر ومفتيها، تلميذ الشافعي: امتحنه والي مصر فأبى أن يجيب، فحمل إلى بغداد وفي عنقه غلّ، وفي رجليه قيد، وبينهما سلسلة فيها لبنة وزنها أربعون رطلاً، فأبى أن يجيب، وسجن حتى مات في قيوده.
· المحدث محمود بن غيلان المروزي من شيوخ البخاري ومسلم: حبس لعدم قوله بخلق القرآن.
· أسرى المسلمين لدى الروم لما فاداهم الواثق: اُمتُحنوا فمن أجب أُعطي دينارين، وخُلِّي عنه، ومن امتنع أُبقي في الأسر.
· الأئمة والمؤذنون: اُمتُحنوا فسُجن من لم يجب.
· أحمد بن نصر الخزاعي: امتحنه الواثق فأبى أن يجيب فكُفِّر واُستُحِلَّ دمه، ورُبط بحبل فضربه الواثق على عاتقه ثم على رأسه ثم طعنه، فخرَّ صريعاً، ثم عُلِّق رأسه وصُلِب جسده.
· المحدِّث فضل بن نوح الأنماطي: ضُرب؛ إذ لم يقل بخلق القرآن، وفُرِّق بينه وبين امرأته.
· أبو عبد الرحمن، عبد الله بن محمَّد بن إسحاق الأذرمي، شيخ من أهل الشام من بلدة أذنه: اُمتُحن بحضرة الواثق، فقُيِّد، وناظره ابن أبي دؤاد، فانقطع، وظهرت حجة الشيخ، وأقرَّه الواثق على قوله، ثمَّ أُطلقه، ولم يمتحن بعده أحداً.
س4:ما حكم من وقف في القرآن؟
الواقفون في القرآن ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: طائفة من الجهمية يتسترون بالوقف، وهم في حقيقة أمرهم يقولون بخلق القرآن، وهؤلاء أشد فتنة وشرًّا من الجهمية الذين يصرحون بالقول بخلق القرآن، وقد حكم الإمام أحمد وغيره بتكفيرهم، وعلامة هذا الصنف كونهم من أهل الكلام.
الصنف الثاني: الواقفون شكّاً وتردُّداً، فلا يقولون هو مخلوق ولا غير مخلوق؛ لشكِّهم في ذلك، فهؤلاء لم يؤمنوا حقيقةً بكلام الله تعالى؛ لأن الإيمان يقتضي التصديق، والشكُّ منافٍ للتصديق الواجب، فالشاكُّ ليس بمؤمن، وقد حكم الأئمة بتكفير من هذه حاله، لكن إن كان الواحد منهم جاهلاً ليس بعالم، فالواجب عليه أن يتعلم ويسأل حتى يتبيَّن الحق ويزول جهله، فإن قبل واتبع الحق قُبل منه، وإن أبى بعد قيام الحجة عليه حكم بكفره.
الصنف الثالث: طائفة من أهل الحديث قالوا بالوقف مع اعتقادهم بأنه غير مخلوق، وقالوا: لا نقول إنه مخلوق، ولا إنه غير مخلوق، اجتهاداً منهم وظناً بأن هذا قول محدث فلا يُتكلَّم فيه، وهؤلاء أنكر عليهم الأئمة سكوتهم وتوقفهم بعد ما وقع في الناس من فتنة، إذ أنه لا يسعهم السكوت حينئذٍ عن التصريح بالحق، بل يجب عليهم الكلام لتزول الشبهة واللبس عن عامة الناس، ولئلا يكون سكوتهم توطئة لأصحاب الأهواء، وقد كان الإمام أحمد يشتد عليهم بالإنكار، بل يأمر بهجرهم وعدم الكتابة عنهم.
س5:بيِّن سبب اختلاف الأفهام في مسألة اللفظ.
سبب اختلاف الأفهام في مسألة اللفظ أنها مسألة غامضة تتوقف على مراد القائل، ويدخلها التأوُّل، إذ أن كلّاً من هذه الألفاظ: القول واللفظ والتلاوة ألفاظ مجملة مشتركة تأتي اسماً، وتأتي مصدراً، فقد تُطلق ويراد بها الاسم بمعنى المفعول: أي الملفوظ والمتلو والمقول، وحينئذ يكون إطلاق الخلقية موافقة لقول الجهمية بخلق القرآن، وقد تطلق ويراد بها المصدر أي التلفظ والقول والتلاوة، وحينئذ يكون إطلاق الخلقية مراداً به فعل العبد لا القرآن. فكان كل واحد من إطلاق الخلقية وعدمها على اللفظ موهماً؛ لأنها عبارة حمَّالة وجوه، ولا يُتبيَّن المراد بها، ولهذا نهى الأئمة عن هذه المسألة.
وهذا شأن الألفاظ المبتدعة المشتبهة فإن إطلاقها يورث لبس الحق بالباطل، ويوقع في الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة؛ فإن ما كان مأثوراً حصلت له الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة، وما كان بضدِّ ذلك ظهر به الجفاء الأهواء.