سيرة الإمام المفسر مقاتل بن سليمان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد ,,
فهذا بحث مختصر في سيرة المفسر الجليل مجاهد بن سليمان رحمه الله :
اسمه ونسبه :
مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي البلخي ، يكنى بأبو الحسن ، أصله من بلخ ، قدم إلى بغداد وحدث بها ، ثم إلى البصرة ومات بها
مشائخه :
أخذ العلم عن علماء أجلاء من أشهرهم :
عطاء بن رباح ، وابن شهاب الزهري ، وعبد الله بن بريده ، وعطيه العوفي ، وونافع مولى ابن عمر ، والضحاك بن مزاحم ، وعمرو بن شعيب .
تلاميذه :
روى عنه جمع ممن تتلمذ على يديه منهم : حمزة بن زياد الطوسي ، وحماد بن محمد ، وأبو الجنيد الغرير ، وعبد الرزاق بن همام ، وسفيان بن عيينه ، وعبد الله بن المبارك .[1]
نشأته :
نشأ مقاتل في ظروف بيئية وأوساط سياسية ، وأحوال اجتماعية وعوامل نفسية مظطربة ، كل هذه الأمور كان لها أثرها على فكره واتجاهه الدعوي .
مناقبه وعلمه والمآخذ عليه :
كان من أعلام المفسرين في زمانه ، صاحب التفسير المعروف ب (تفسير مقاتل ) ، كان متروك الحديث متهما بالكذب فيه ، وكان يأخذ علم القران من اليهود والنصارى ،كان مشبها مجسما .[2]
مصنفاته :
كان رحمه الله من جملة العلماء الذين ورثوا العلم النافع في مصنفات .. منها :
1- التفسير الكبير . وهو تفسير كامل للقران ، موجود في خمسة أجزاء .
2- نوادر التفسير .[3]
3- الناسخ والمنسوخ .
4- الرد على القدرية . والثلاثة السابقة في حكم المفقود .
5- الوجوه والنظائر في القران .
6- تفسير خمسمائة آية من القران .
7- الأقسام واللغات
8- الآيات المتشابهة .[4]
مقاتل مابين الحديث والتفسير :
فرق العلماء بين الأخذ من مقاتل في التفسيروبين الأخذ منه في الحديث ، وفي كتابة الحديث عنه ، فأهل الحديث ينفون حديثه وينكرونه ولا يقبلونه [5]وذكر ذلك في كتب الجر والتعديل والعلل .
قال البخاري : (مقاتل بن سليمان خرساني منكر الحديث ) ، وعن يحيى قال : (مقاتل بن سليمان ليس حديثه بشيء )[6]، وقال ابن وكيع : (كان سليمان بن مقاتل كذابا )[7].
فمع سعة علمه رحمه الله في التفسير إلا أنه كان لا يقبل حديثه ، ولا يؤخذ عنه ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه ولا يتابع عليه ، على أن كثيرا من الثقات والمعروفين قد حدث عنه ، والشافعي يقول : (الناس عيال على مقاتل بالتفسير ) ، وله كتاب الخمسمائة آيه التي يرويها عنه أبو نصير منصور بن عبد الحميد البارودي ، وفي ذلك الكتاب حديث كثير مسند فهو مه ضعفه إلا أنه يكتب عنه .[8]
أقوال العلماء فيه :
- عن يحيى قال : قال لي عباد بن كثير : ما عندك من مقاتل ؟ قال : إن أهل بلادنا كرهوه ، قال (فلا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله منه ) .
- عن أحمد بن سعيد بن أبي مريم قال : قال لي نعيم : رأيت عند سفيان بن عيينه كتابا لمقاتل بن سليمان ، قلت يا أبا محمد : تروي لمقاتل في التفسير ؟ قال : (لا ، ولكن استدل به وأستعين )
- سئل مقاتل بن حيان : يا أبا بسطام من أعلم أنت أم مقاتل بن سليمان ؟ قال :(ما وجدت علم مقاتل في الناس إلا كالبحر الأخضر في سائل البحور )
- كان إبراهيم الحربي يأخذ من كتب مقاتل فينظر فيها ، فقلت له ذات يوم : أخبرني يا أبا إسحاق مابال الناس يطعنون في مقاتل ؟ قال: (حسدا منهم لمقاتل )
- قال الأثرم : سألت أحمد عن مقاتل ، قال : (لي ما أقول ، ما رأيت أحدا أعلم بالتفسير من مقاتل بن سليمان )
- قال ابن المبارك :(ما أحسن تفسيره لو كان ثقه ) .[9]
# اتهام مقاتل بالتجسيم والتشبيه والرد على ذلك :
اتهم مقاتل رحمه الله بأنه مجسم ومشبه والذين قالوا ذلك في الحقيقة لم يأتوا بدليل واحد يثبت ما زعموا ، والحق الذي لا ريب فيه أنه بريء من هذه التهمة لأسباب :
1-من خلال الاطلاع على تفسيره للقران ، لم نجد آية واحدة يشير فيها مقاتل إلى التجسيم أو التشبيه وتفسيره خال من هذا الإتهام .
2- في تفسيره لآيات العقيدة تبين أنه يسير في تفسيره وفق عقيدة أهل السنة والجماعة ، مثل تفسيره لقوله تعالى :"الرحمن على العرش استوى " يقول : (في التقديم مثل خلق السماوات والأرض يعني استقر)
3-يحتمل أن يكون كذلك في صدر حياته ثم عدل عنه ، أو يكون خصومه تقولوه عليه ، أو يكون مقاتل بن سليمان أخر غير المفسر ، أو أن رواة مقاتل خدموه وحذفوا منه ذلك القول ، أو يكون قاله في علم الكلام عند جداله مع جهم في الصفات ، ولم يقله في مؤلفاته .
والأرجح والله أعلم أن خصومه تقولوه حسدا منهم .[10]
# كتابه (تفسير القران ) :
ألَّف مقاتل تفسيرًا للقرآن، - وهذا التفسير كاملٌ، وقد ذكر تفسير القرآن آية آية.، ويعتبر من أكمل التفاسير التي اختصرت الأسانيد للتيسير على عامة الناس .
وكانت طريقته في التأليف أنه ذكر من سيروي عنهم التفسير، ثمَّ يسرده بدون إسناد، ولا نسبة الأقوال إلى قائليها، وقد انتقد على طريقته هذه.
ويظهر من هؤلاء الذين ذكر أسماءهم أنه نقل عن بعض المحدثين أحاديث من طرقهم تتعلق بالتفسير، كما نقل عمن عُرفَ بالتفسيرِ.
- كما يظهر من قراءة كتابه أنَّ له أرائه الخاصَّة التي بثَّها في هذه النقول التي ذكرها رواتُه الذين رواها عنهم .
كما قد يذكرها من بعده ممن روى عنهم التفسير
- وقد يورد آثارًا خلال التفسير لكنها قليلة.
- فيه عناية بتفسير القرآن بالقرآن، وبذكر النظائر.
- عنايته بأسباب النُّزول، وبمن نزل فيه الخطاب، فيحمل بعض الآيات على أنها نزلت في فلان، أو قال فلان كذا فنزلت.
# منهج الإمام مقاتل في تفسيره :
أ/التفسير بالمأثور :
اهتم رحمه الله بالتفسير بالمأثور فاشتمل تفسيره على مواطن كثيرة على تفسير القران بالقران ، وكذلك تفسير القران بالسنة النبوية باعتبارها الشارحه ، والموضحة والمبينة للقران ، كما أنه فسر القران بأقوال الصحابة والتابعين ولكنه كان مقلا في ذلك .
** نماذج من تفسيره القران بالقران :
في قوله تعالى : "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا " البقرة 214
قال رحمه الله :(ثم بين للمؤمنين أن لابد من البلاء والمشقة في ذات الله ، فقال سبحانه "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " نظيرها في آل عمران :"أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " آل عمران 142 ، وفي العنكبوت : "أحسب الناس أ، يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " 2 ، وذلك أن المنافقين قالوا للمؤمنين في قتال أحد : لم تقتلون أنفسكم وتهلكون أموالكم ، فإنه لو كان محمد بيننا لم يسلط عليكم القتل ، فرد المؤمنون عليهم فقالوا : قال الله من قتل منا دخل الجنة ، فقال المنافقون : لم تمنون أنفسكم بالباطل ؟ فأنزل الله يوم أحد : "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " )[11]
** نموذج من تفسيره القران بالسنة :
عند تفسيره لقوله تعالى :"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " يقول : لا يدلين أحدكم بخصومة في استحلال مال أخيه وهو يعلم أنه مبطل ، فذلك قوله تعالى : "لتأكلوا فريقا " أي : طائفة ، "من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون " أنكم تدعون الباطل ، فقال عليه الصلاة والسلام : (إنما أنا بشر مثلكم ) ثم قال : (أيما رجل قضيت له بمال امرئ مسلم ، فإنما هي قطعة من نار جهنم أقطعها فلا تأكلوها )[12]
** نموذج من تفسير القران بأقوال الصحابة :
في قوله تعالى :"ولقد خلقنا الإنسان " يعني آدم ، "من صلصال " ثم ذكر تفسير ابن عباس للآية : (الصلصال : الطين الجيد ، يعني الجير إذا ذهب عنه الماء وتشقق ، فإذا حرك تقطع )[13]
** نموذج من تفسير القران بأقوال التابعين :
في قوله تعالى : "والبحر المسجور" حيث ذكر الحسن البصري رحمه الله أنه :( المملوء) مثل قوله "في الحميم ثم في النار يسجرون ")[14]
ب/ اهتم بعلوم القران ، وكان من أوائل من كتبوا فيه ، فكان يبين المكي والمدني عقب ذكر اسم كل سورة من سور القران .
ج/ كان مهتما بأسباب النزول مبينا معنى الآية من خلاله ، وذلك بإيراد سبب النزول بالمعنى مرة ، وبالنص أخرى ، وأحيانا يورد سبب النزول بروايتين .
د/ موقفه من الإسرائيليات :
إن المتتبع لرأي الإمام مقاتل يجد أنه مكثر من الروايات الإسرائيلية ، ولعل هذا من أبرز المآخذ على تفسيره .
ه / ندرة تعرضه للقراءات القرآنية الصحيحة خلال تفسيره ، وتعرضه للقراءات التفسيرية فقط.
# التفسير بالرأي :
كان مقاتل من أوائل المفسرين بالرأي مثل المطلق والمقيد ، والعام والخاص ، والمجمل والمفصل ، وتطرق لها في تفسيره ، أما بالنسبة لعلم المناسبات فلم يصرح بذكره ، لأنه من المفسرين القدامى جدا ، ولم يكن قد ظهر بصورته الحالية إلا متأخرا . [15]
وفاته :
توفي بالبصرة عام (150)ه .. [16]
# الخاتمة :
فهذا ما تيسر بحثه وتلخيصه من سيرة الإمام المفسر مقاتل بن سليمان رحمه الله ، اجتهدت في جمع مادته سائلة المولى أن ينفع بها وأن يجعلها علما نافعا وعملا صالحا وذخرا للمفسر وللباحثة ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
[1] تاريخ بغداد للبغدادي (13/162)
[2] المجروحين لابن حيان (3/14)
[3] الأعلام للزركلي (8/206)
[4] معجم المؤلفين (12/317)
[5] الطبقات الكبرى (7/373)
[6] تاريخ بغداد (13/168)
[7] الجرح والتعديل لابن ابي حاتم (8/454) ، الضعفاء والمتروكين للدار قطني (3/133)
[8] الكامل في ضعفاء الرجال للجرجاني (1/186-190 بتصرف ) ، انظر تاريخ دمشق لابن عساكر (60/113) ، انظر الارشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي (3/938)
9انظر طبقات الحنابلة (1/68) ، تاريخ دمشق لابن عساكر (6/119)
[10] منهج الإمام مقاتل بن سليمان في تفسيره لجهاد أحمد حجاج(11-12)
[11] انظر تفسير مقاتل (1/39)
[12] المرجع السابق (1/99)
[13] انظر تفسير مقاتل (2/202)
[14] المرجع السابق (3/282)
[15] انظر تهذيب التهذيب لابن حجر –بتصرف -(10/279)
[16] تاريخ بغداد (13/162)
# المراجع :
*الكامل في ضعفاء الرجال لأبي أحمد بن عدي الجرجاني (365)ه ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد عوض ، شارك في التحقيق : عبد الفتاح أبو سن
ن : الكتب العلمية بيروت - لبنان ، ط : الأولى 1418ه -1998م
*تاريخ بغداد لأبوبكر أحمد الخطيب البغدادي (463)ه ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، ن : دار الكتب العلمية - بيروت ، ط : الأولى 1417ه
*الطبقات الكبرى لابو عبد الله محمد البغدادي المعروف بابن سعد (230 ه)، تحقيق : احسان عباس ، ن : دار صادر -بيروت ، ط : الأولى : 1968م
*التاريخ الكبير لمحمد بن اسماعيل البخاري (256ه)،طبعة دار المعارف العثمانية ، حيدر أباد - الدكن ،طبع تحت مراقبة محمد بن عبد المعيد خان .
*الجرح والتعديل لأبو محمد عبد الرحمن الرازي ابن أبي حاتم (327 ه) ، ن : طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الركن -الهند ، ن : داراحياء التراث العربي - بيروت ط: الأولى 1271ه -1952م
*المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لمحمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم الدارمي (354ه)تحقيق :محمود ابراهيم زايد ، ن : دار الوعي -حلب ،ط :الأولى 1396ه
*الضعفاء والمتروكين لأبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (385ه)تحقيق د.عبدالرحيم محمد القشقري ، ن : مجلة الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة ، ط :مجلة الجامعة الإسلامية .
*الإرشاد في معرفة علماء الحديث لأبو يعلى الخليلي (446ه) ، تحقيق : د.محمدسعيد عمر ادريس ، ن : مكتبة الرشد -الرياض ،ط : الأولى 1409ه
*طبقات الحنابلة لأبو الحسن بن أبي يعلى (526ه)،ن :دار المعرفة -بيروت ،ط : بدون .
*تاريخ دمشق لأبو القاسم علي بن الحسين المعروف بابن عساكر (571ه) تحقيق : عمرو بن غرمة العمودي ، ن: دار الفكر ، ط : 1415ه -1995م.
*التقرير في أسانيد التفسير تأليف : عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي ، ن : مكتبة دار المنهاج ، ط : الأولى 1432ه .
*التيسير لمعرفة المشهور من أسانيد وكتب التفسير لأبي الحسن علي بن أحمد الرازحي ،ن: دار الآثار -صنعاء ، ط: 1428ه-2007م .
تم بحمد الله ..