السؤال الأول:
تكلّم بإيجاز عن أشهر الطرق المأثورة عن الصحابة في تعلّم التفسير وتعليمه.
ج1/ ●طرق الصحابة في تعلّم التفسير وتعليمه:
1- طريقة الإقراء والتعليم، ومثال هذه الطريقة :
ماورد عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان الرجل منا إذا تعلم عشر ءايات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن) رواه ابن أبي شيبة وابن جرير.
؛ فكان المتصدرون للإقراء من الصحابة علماء في التفسير وكانوا قدوة ولم يقتصر تعليمهم على الحروف فقط بل كان تعليما للمعاني وتفقيها للأحكام وإرشادا للمواعظ والآداب.
2- طريقة القراءة والتفسير:
مثال ذلك : عن عبد الله ابن مسعود :" أنه كان إذا اجتمع إليه إخوانه نشروا المصحف فقرءوا وفسر لهم" رواه ابن عبيد وصححه ابن كثير.
3- طريقة السؤال والجواب:
وذلك عن طريق أن يسأل العالم أصحابه ؛ فإن أصابوا أقرّرهم على صوابهم وإن أخطؤوا بيّن لهم الصواب ، ومثال ذلك:
أ: ما رواه ابن جرير من طريق الأسود بن هلالٍ المحاربي، قال: قال أبو بكرٍ: " ما تقولون في هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} قال: فقالوا " ربنا الله ثم استقاموا من ذنبٍ، قال: فقال أبو بكرٍ: " لقد حملتم على غير المحمل، قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إلهٍ غيره ".
4- طريقة التذاكر والتدارس:
أخذوا هذه الطريقة من حث النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة القرءان وتدارسه ،فكان له في التفقه في معانيه والوقوف على عجائبه؛ ومثاله:
كما جاء في صحيح مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))
ومن ذلك قول ابن مسعود:((من أراد العلم فليثور القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين))
والمراد بإثارة القرآن بحث معانيه والتفكّر فيه وتدارسه.
وكما قال شمر بن حمدويه الهروي:((تثوير القرآن: قراءته ومفاتشة العلماء به في تفسيره ومعانيه)).
4- تصحيح الخطأ الشائع في فهم الآية :
ومثاله: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب فقال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله: { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه". رواه الإمام أحمد.
5- الرد على من تأوّل تأوُّلا خاطئا في القرءان:
مثاله :كما في رواية أن قدامة قال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم تجلدوني، فقال عمر رضي الله عنه: لم؟ قال قدامة: قال الله عز وجل: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا} الآية، قال عمر رضي الله عنه: (أخطأت التأويل , إن اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله عليك).
6- الدعوة بالقرءان:
فقد تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم أساليب الدعوة والتذكير بالقرءان بأساليب فيها ترغيب وترهيب وإرشاد وتبصير ، ومثال ذلك:
تفسير ابن عباس لآيات من سورة النور في خطبته في الحج:
عن شقيق قال: " سمعت ابن عباس وكان على الموسم فخطب الناس ثم قرأ سورة النور فجعل يفسرها {الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري}، ثم قال: النور في قلب المؤمن وفي سمعه وبصره مثل ضوء المصباح كضوء الزجاجة، كضوء الزيت {أو كظلمات في بحر لجي}والظلمات في قلب الكافر كظلمة الموج كظلمة البحر كظلمات السحاب. فقال صاحبي: ما رأيت كلاما يخرج من رأس رجل!! لو سمعت هذا الترك لأسلمت ".
7- مناظرة المخالفين وكشف شبههم:
كما في مناظرة ابن عباس للخوارج
8- إجابة السائلين عن التفسير:
وهذه أمثلتها كثيرة ومنها:
ما قاله عطاء بن أبي رباح :((ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس كانوا يجيئون أصحاب القرآن فيسألونه، ثم يجيء أهل العلم فيسألونه، ثم يجيء أصحاب الشعر فيسألونه» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة)).
9- اجتهاد الرأي:
كانوا أقرب الأمة_ في الاجتهاد بالرأي في التفسير_ إلى الصواب ، وذلك مثل اجتهاد أبي بكر رضي الله عنه في تفسير الكلالة؛ فإنه قد روي عنه من طرق متعددة أنه قال:
((إني قد رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله منه بريء؛ إن الكلالة ما خلا الولد والوالد)).
وقد أصاب أبو بكر في هذا الاجتهاد وكان من حسن أدبه في الاجتهاد أنه بيّن للصحابة أنه رأي يحتمل الصواب والخطأ عنده، وأنّه إن كان خطأ فالله برئ منه لا يصح أن يُنسب إليه خطأ على أنّه مراده، ودليل إصابته ما في الصحيحين من حديث محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: مرضت مرضاً، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وأبو بكر، وهما ماشيان، فوجداني أغمي علي؛ فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه علي، فأفقت؛ فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت آية الميراث {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة }..
وفي رواية عند مسلم فقلت:(((يا رسول الله، إنما يرثني كلالة، فنزلت آية الميراث))
السؤال الثاني:
بيّن سبب قلّة الرواية عن بعض أكابر الصحابة وكثرتها عن أحداثهم
ج 2/ قلت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم:
- هلكوا قبل أن يحتاج إليهم لكثرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب لأنهما وليا فسئلا وقضيا بين الناس.
- وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أئمة يقتدى بهم ويحفظ عليهم ما كانوا يفعلون ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها .
- كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديثا عنه من غيرهم مثل أبي بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسعد بن عبادة وغيرهم ،مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص،غيرهم.
** فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم الأحدث منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل نعمان بن بشير ومعاوية ابن أبي سفيان لأنهم بقوا وطالت أعمارهم واحتاج الناس إليهم.
السؤال الثالث:
لخّص سيرة اثنين من أعلام الصحابة في التفسير، واذكر الفوائد التي استفدتها من دراستك لها
ج3/ من أعلام الصحابة:
1) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
· فضائله:
كان من علماء الصحابة وقرائهم، شهد بدراً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلماً.
· شهادة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء له:
- عن أبي قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أرحم أمتي بأمّتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح))رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في الكبرى.
- عن عمر بن الخطاب مرفوعا: ( يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة).رواه أبو نعيم وابن أبي عاصم، وروي من طرق أخرى يشدّ بعضها بعضاً، وفي لفظ: ((معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة)).
· وفاته رضي الله عنه:
مات في طاعون عمواس سنة 18 ه وهو ابن 38 عاما,
· من أمثلة ما رُوي عنه في التفسير:
أ: عمرو بن ميمون، ثنا حميد بن أبي الخزامى قال: سئل معاذ بن جبل عن قول الله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} قال: ({لا انفصام لها} يعني: لا انقطاع لها- مرتين- دون دخول الجنة). رواه ابن أبي حاتم.
ب:عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود، إني رسول رسول الله إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله؛ إلى الجنة أو إلى النار {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير} (29). رواه ابن أبي حاتم.
· من روى عنه من الصحابة:
ابن عباس وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وأنس، وجابر وأبو الطفيل.
· من روى عنه من التابعين:
عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وقيس بن أبي حازم، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وأبو وائل شقيق بن سلمة،، ومالك بن يحامر السكسكي، وميمون بن أبي شبيب، وأبو حمزة الشيباني، وعمرو بن مرة.
واختلف في سماع مسروق منه.
· من أرسل عنه:
: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبادة بن نسي، وطاووس بن كيسان، وخالد بن معدان، وأبو ظبيان، وعطاء بن يسار، وسالم بن أبي الجعد، ومكحول، والزهري.
2) أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:42هـ):
· إسلامه وهجرته:
أسلم بمكة، ثم رجع إلى أرضه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر؛ فشهد خيبر وما بعدها ،كما روى عنه ابنه أبو بردة :أنه قال :" خرجنا من اليمن في بضع وخمسين من قومي، ونحن ثلاثة إخوة: أنا وأبو رهم وأبو عامر, فأخرجتنا سفينتنا إلى النجاشي، وعنده جعفر وأصحابه، فأقبلنا حين افتتحت خيبر؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي)).
· فضائله:
-كان من القراء المجوّدين، حسن الصوت بتلاوة القرآن
- بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ داعياً ومعلّما، وولاه عمر القضاء بالبصرة، ثم ولاه عثمان الكوفة.، وهو الذي فتح تستر في زمان عمر، وكان مجاهداً فقيهاً قاضياً مقرئاً معلّما حكيماً.
· شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بفضائله وبحسن صوته:
- عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له : ((يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)).
وفي رواية عند مسلم: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيتَ مزمارا من مزامير آل داود).
- في الصحيحين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا له:((اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما)).
- عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضا الأشعري، يقول: لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هم قومك يا أبا موسى، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري)) رواه بن ابن أبي شيبة في مسنده، والحاكم في مستدركه وصححه
· من أمثلة ما رُوي عنه في التفسير:
- قال الحسن بن الصباح البزار: حدثنا أبو بردة عن أبي موسى قال: (إنه كان فيكم أمانان قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} قال: ((أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة)) رواه ابن جرير.
- عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن أبي موسى : {فرت من قسورة} قال: الرماة. رواه ابن جرير.
· من أخذ عنه في التفسير:
عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين وعن عائشة ومعاذ وابن مسعود وجابر بن عبد الله.
· من روى عنه في التفسير:
- من الصحابة:
عياض بن عمرو الأشعري.
- ومن التابعين:
ابنه أبو بردة، ومعاوية بن قرّة، وأبو عثمان النهدي، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو تميمة الهجيمي، وسعيد بن المسيب، وقسامة بن زهير، وأبو العالية الرياحي، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبادة بن نسي الكندي قاضي طبرية.
- وأرسل عنه:
الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وقتادة السدوسي، ومحمد بن سيرين.
** الفوائد المستفادة من دراسة سير اعلام المفسرين من الصحابة:
1- ورع الصحابة وحرصهم على طلب العلم وتلاوة القرءان وتلقي معانيه من الرسول صلى الله عليه وسلم والتفقه فيه.
2- عدم اقتصار الصحابة على أداء الحروف فقط ولكن حرصهم على تثوير القرءان وتدبره والتفكر فيه.
3- كان القرءان الكريم هو المصدر الأساسي للصحابة في جميع أمورهم الدينية والدنيوية.
4- مع انشغال الصحابة بالجهاد والقضاء والولاية في بعض الأحيان واشتغالهم بأمور المسلمين إلا أن ذلك لم يشغلهم عن تلاوة القرءان وتدبر معانيه وإمعان النظر فيه والوقوف على عجائبه.
5- ورع الصحابة عن القول في كتاب الله بغير علم وحُسن اجتهادهم وتحريهم للصواب و إسناد الخطأ للنفس وللشيطان.