دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الطحاوية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 02:46 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي قوله: (ومن لم يتوق النفي والتشبيه زلَّ ولم يصب التنزيه...)

وَمَن لمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ والتشبيهَ، زَلَّ ولم يُصِبِ التَّنْزِيهِ.
فَإِنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلاَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الوَحْدَانِيَّةِ.
مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الفَرْدَانِيَّةِ. ليس في معناهُ أَحَدٌ من البَرِيَّةِ.
وتعالى عن الحدودِ والغاياتِ، والأركانِ، والأعضاءِ، والأدواتِ.
لا تَحْوِيهِ الجهاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ المُبْتَدَعَاتِ.

  #2  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 03:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات على الطحاوية لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه. فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى([1]) عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.



([1]) قوله: تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات والجهات الست كسائر المبتدعات، هذا الكلام فيه إجمال قد يستغله أهل التأويل والإلحاد في أسماء الله وصفاته وليس لهم بذلك حجة، لأن مراده رحمه الله تنزيه البارئ سبحانه عن مشابهة المخلوقات، لكنه أتى بعبارة مجملة تحتاج إلى تفصيل حتى يزول الاشتباه فمراده بالحدود يعني التي يعلمها البشر فهو سبحانه لا يعلم حدوده إلا هو سبحانه لأن الخلق لا يحيطون به علما، كما قال عز وجل في سورة طه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}//سورة طه الآية 110//. ومن قال من السلف بإثبات الحد في الاستواء أو غيره فمرداه حد يعلمه الله سبحانه لا يعلمه العباد. وأما (الغايات والأركان والأعضاء والأدوات) فمراده رحمه الله تنزيهه عن مشابهة المخلوقات في حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم ونحو ذلك، فهو سبحانه موصوف بذلك لكن ليست صفاته مثل صفات الخلق ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، وأهل البدع يطلقون مثل هذه الألفاظ لينفوا بها الصفات بغير الألفاظ التي تكلم بها وأثبتها لنفسه حتى لا يفتضحوا وحتى لا يشنع عليهم أهل الحق، والمؤلف الطحاوي رحمه الله لم يقصد هذا المقصد لكونه من أهل السنة المثبتين لصفات الله، وكلامه في هذه العقيدة يفسر بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ويفسر مشتبهة بمحكمه، وهكذا قوله: (لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) مراده الجهات الست المخلوقة وليس مراده نفي علو الله واستوائه على عرشه، لأن ذلك ليس داخلا في الجهات الست بل هو فوق العالم ومحيط به، وقد فطر الله عباده على الإيمان بعلوه سبحانه وأنه في جهة العلو وأجمع أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان على ذلك، والأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة المتواترة كلها تدل على أنه في العلو سبحانه فتنبه لهذا الأمر العظيم أيها القارئ الكريم واعلم أنه الحق وما سواه باطل. والله ولي التوفيق.

  #3  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 03:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التعليقات المختصرة للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

(1) وَمَن لمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ والتشبيهَ، زَلَّ ولم يُصِب التَّنْزِيهَ.
(2) فَإِنَّ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلاَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الوَحْدَانِيَّةِ.
(3) مَنْعُوتٌ بِنُعُوتِ الفَرْدَانِيَّةِ. ليس في معناهُ أَحَدٌ من البَرِيَّةِ.
(4) وتعالى عن الحدودِ والغاياتِ، والأركانِ، والأعضاءِ، والأدواتِ.
(5) لا تَحْوِيهِ الجهاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ المُبْتَدَعَاتِ.




(1) لَا بُدَّ كما سَبَقَ من الوسطِ بينَ التعطيلِ وبينَ التشبيهِ، فلا يُبَالِغُ وَيَغْلُو في تنزيهِ اللَّهِ حتى يُعَطِّلَ اللَّهَ من صفاتِهِ كما فَعَلَ المُعَطِّلَةُ، ولا يُثْبِتُ إِثْبَاتًا فيهِ غُلُوٌّ حتى يُشَبِّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ، بل يَعْتَدِلُ فيُثْبِتُ للهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رسولُهُ، من غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيلٍ، وَمِن غيرِ تعطيلٍ ولا تَكْيِيفٍ، هذا هو الصراطُ المستقيمُ المعتدِلُ.
فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا شَبِيهَ لَهُ، ولا مَثِيلَ ولا عَدِيلَ لَهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

(2) صفاتُ الوحدانيَّةِ بأنَّ اللَّهَ واحدٌ لا شريكَ لَهُ، لا في رُبُوبِيَّتِهِ ولا في أُلُوهِيَّتِهِ، ولا في أسمائِهِ وصفاتِهِ، فهو واحدٌ في كُلِّ هذه الحقائقِ.

(3) مَنْعُوتٌ، أي: موصوفٌ بصفاتِ الكمالِ، ونُعُوتِ الجلالِ، التي لا يُشْبِهُهُ فيها أحدٌ من خَلْقِهِ، بل أَسْمَاؤُهُ وصفاتُهُ خاصَّةٌ بهِ وَلَائِقَةٌ بهِ، وصفاتُ المَخْلُوقِينَ وَأَسْمَاءُ المَخْلُوقينَ خَاصَّةٌ بِهِمْ وَلَائِقَةٌ بهِم، وبهذا يَتَّضِحُ لكَ الحقُّ والصوابُ، وَتَبْرَأُ من طريقةِ المُعَطِّلَةِ وَمِن طَرِيقَةِ المُشَبِّهَةِ.

(4) هذا فيهِ إجمالٌ: إنْ كَانَ يُرِيدُ الحدودَ المَخْلُوقةَ فاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَن الحدودِ والحُلولِ في المَخْلُوقاتِ، وإنْ كَانَ يُرِيدُ بالحدودِ: الحدودَ غيرَ المَخْلُوقةِ، وهي جِهَةُ العُلُوِّ، فهذا ثابتٌ للهِ جلَّ وَعَلَا وتَعَالَى، فاللَّهُ لا يُنَزَّهُ عن العلوِّ؛ لأنَّهُ حَقٌّ، فلَيْسَ هذا من بابِ الحدودِ ولا من بابِ الجهاتِ المَخْلُوقةِ.
والغاياتُ فيها إجمالٌ أيضًا، فهي تَحْتَمِلُ حَقًّا وَتَحْتَمِلُ باطِلًا، فإنْ كَانَ المرادُ بالغايةِ: الحكمةَ من خَلْقِ المَخْلُوقاتِ، وأَنَّهُ خَلَقَهَا لِحِكْمَةٍ، فهذا حقٌّ، ولكنْ يُقَالُ: حكمةٌ، لا يُقَالُ: غايةٌ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).
وإنْ أُرِيدَ بالغايةِ: الحاجةُ إلى المَخْلُوقاتِ، فَنَعَمْ، هذا نَفْيٌ صحيحٌ، فاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لم يَخْلُق الخلقَ لحاجتِهِ وَفَقْرِهِ إليهم، فإِنَّهُ غَنِيٌّ عن العالمَينَ.
(والأركَانِ، والأعضاءِ، والأدواتِ) فيها إجمالٌ أيضًا، إنْ أُرِيدَ بالأركَانِ والأعضاءِ والأدواتِ: الصفاتُ الذاتيَّةُ مثلَ الوجهِ، واليديْنِ، فهذا حَقٌّ، وَنَفْيُهُ باطلٌ. وإنْ أُرِيدَ نَفْيُ الأعضاءِ التي تُشَابِهُ أعضاءَ المَخْلُوقينَ وأدواتِ المَخْلُوقينَ فاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عن ذلكَ؛ فالأبعاضِ والأعضاءِ، فالحاصلُ أنَّ هذا فيهِ تفصيلٌ:

أولًا: إذا أُريدَ بذلكَ نَفْيُ الصفاتِ الذاتيَّةِ عن اللَّهِ تَعَالَى مِن الوجهِ واليدين، وما ثبَتَ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِن صِفاتِهِ الذاتِيَّةِ، فَهذا باطِلٌ.

ثانيًا: أَمَّا إنْ أُرِيدَ بذلكَ أنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عن مشابهةِ أبعاضِ المَخْلُوقينَ وأعضاءِ المَخْلُوقينَ وأدواتِ المَخْلُوقينَ، فَنَعَمْ، اللَّهُ مُنَزَّهٌ عن ذلكَ؛ لِأَنَّهُ لا يُشْبِهُهُ أحدٌ من خلقِهِ، لا في ذاتِهِ, ولا في أسمائِهِ, ولا في صفاتِهِ.

الحاصلُ: أنَّ هذه الألفاظَ التي ساقَهَا المُصَنِّفُ فيها إجمالٌ, ولكنْ يُحْمَلُ كلامُهُ على الحقِّ؛ لِأَنَّهُ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ولأَنَّهُ من أَئِمَّةِ المُحَدِّثِينَ، فلا يُمْكِنُ أنْ يَقْصِدَ المعانيَ السيِّئَةَ، ولكنَّهُ يَقْصِدُ المعانيَ الصحيحةَ، وَلَيْتَهُ فَصَّلَ ذلكَ وَبَيَّنَهُ, ولم يُجْمِلْ هذا الإجمالَ.


(5) نقولُ: هذا فيهِ إجمالٌ، إنْ أُرِيدَ الجهاتُ المَخْلُوقةُ، فاللَّهُ مُنَزَّهٌ عن ذلكَ، لا يَحْوِيهِ شَيْءٌ من مَخْلُوقاتِهِ، وإنْ أُرِيدَ جِهَةُ العُلُوِّ وأَنَّهُ فوقَ المَخْلُوقاتِ كلِّهَا، فهذا حقٌّ ونَفْيُهُ باطلٌ، ولَعَلَّ قَصْدَ المُؤَلِّفِ بالجهاتِ الستِّ، أي: الجهاتِ المَخْلُوقةِ؛ لا جِهَةِ العُلُوِّ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ للعلوِّ – رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمُثْبِتٌ للاستواءِ.


  #4  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 08:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي


قوله: (ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه).

ش: النفي والتشبيه مرضان من أمراض القلوب، فإن أمراض القلوب نوعان: مرض شبهة، ومرض شهوة، وكلاهما مذكور في القرآن، قال تعالى: فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض. فهذا مرض الشهوة، وقال تعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً. وقال تعالى: وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم. فهذا مرض الشبهة، وهو أردأ من مرض الشهوة، إذ مرض الشهوة يرجى له الشفاء بقضاء الشهوة، ومرض الشبهة لا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته. والشبهة التي في مسألة الصفات نفيها وتشبيهها، وشبه النفي أردأ من شبه التشبيه، فإن شبه النفي رد وتكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وشبه التشبيه غلو مجاوزة للحد فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وتشبيه الله بخلقه كفر فإن الله تعالى يقول: ليس كمثله شيء، ونفي الصفات كفر، فان الله تعالى يقول: وهو السميع البصير. وهذا أصل نوعي التشبيه، فإن التشبيه نوعان: تشبيه الخالق بالمخلوق، وهذا الذي يتعب أهل الكلام في رده وإبطاله، وأهله في الناس أقل من النوع الثاني، الذين هم أهل تشبيه المخلوق بالخالق، كعباد المشايخ، وعزير، والشمس والقمر، والأصنام، والملائكة، والنار، والماء، والعجل، والقبور، والجن، وغير ذلك. وهؤلاء هم الذين أرسلت لهم الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له.

قوله: (فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية).

ش: يشير الشيخ رحمه الله إلى تنزيه الرب تعالى بالذي هو وصفه كما وصف نفسه نفياً وإثباتاً. وكلام الشيخ مأخوذ من معنى سورة الإخلاص. فقوله: موصوف بصفات الوحدانية. مأخوذ من قوله تعالى: قل هو الله أحد * الله الصمد. وقوله: منعوت بنعوت الفردانية. من قوله تعالى: الله الصمد * لم يلد ولم يولد. وقوله: ليس في معناه أحد من البرية من قوله تعالى: ولم يكن له كفواً أحد. وهو أيضاً مؤكد لما تقدم من إثبات الصفات ونفي التشبيه. والوصف والنعت مترادفان، وقيل: متقاربان. فالوصف للذات، والنعت للفعل، وكذلك الوحدانية والفردانية. وقيل في الفرق بينهما: إن الوحدانية للذات، والفردانية للصفات، فهو تعالى موحد في ذاته، منفرد بصفاته. وهذا المعنى حق ولم ينازع فيه أحد، ولكن في اللفظ نوع تكرير. وللشيخ نظير هذا التكرير في مواضع من العقيدة، وهو بالخطب والأدعية أشبه منه بالعقائد، والتسجيع بالخطب أليق. و ليس كمثله شيء. أكمل في التنزيه من قوله: ليس في معناه أحد من البرية.

قوله: ( وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات ).

ش: أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة، وهي: أن الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها الا إذا تبين، ما أثبت بها فهو ثابت، وما نفي بها فهو منفي. لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إجمال وإبهام، كغيرها من الألفاظ الإصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي. ولهذا كان النفاة ينفون بها حقاً وباطلاً، ويذكرون عن مثبتها ما لا يقولون به، وبعض المثبتين لها يدخل لها معنى باطلاً، مخالفاً لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان. ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.
فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه. والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا اثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها: فإن كان معنى صحيحاً قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة، مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها، ونحو ذلك.
والشيخ رحمه الله أراد الرد بهذا الكلام على المشبهة، كداود الجواربي وأمثاله القائلين: إن الله جسم، وانه جثة وأعضاء وغير ذلك ! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. فالمعنى الذي أراده الشيخ رحمه الله من النفي الذي ذكره هنا حق، لكن حدث بعده من أدخل في عموم نفيه حقاً وباطلاً، فيحتاج إلى بيان ذلك. وهو: أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حداً، وأنهم لا يحدون شيئاً من صفاته. قال أبو داود الطيالسيى: كان سفيان و شعبة و حماد بن زيد و حماد بن سلمة و شريك و أبو عوانة - لا يحدون ولا يشبهون ولا يمثلون، يروون الحديث ولا يقولون: كيف ؟ وإذا سئلوا قالوا بالأثر. وسيأتي في كلام الشيخ: وقد أعجز خلقه عن الإحاطة به. فعلم أن مراده أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحدة، لأن المعنى أنه متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم. سئل عبد الله بن المبارك: بم نعرف رنبا ؟ قال: بأنه على العرش، بائن من خلقه، قيل: بحد ؟ قال: بحد، انتهى. ومن المعلوم أن الحد يقال على ما ينفصل به الشيء ويتميز به عن غيره، والله تعالى غير حال في خلقه، ولا قائم بهم، بل هو القيوم القائم بنفسه، المقيم لما سواه. فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلاً، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته. وأما الحد بمعنى العلم والقول، وهو أن يحده العباد، فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة. قال أبو القاسم القشيري في رسالته: سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، سمعت أبا منصور بن عبد الله، سمعت أبا الحسن العنبري، سمعت سهل بن عبد الله التستري يقول، وقد سئل عن ذات الله فقال: ذات الله موصوفة بالعلم، غير مدركة بالإحاطة، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان، من غير حد ولا إحاطة ولا حلول، وتراه العيون في العقبى، ظاهراً في ملكه وقدرته، وقد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته، فالقلوب تعرفه، والعيون لا تدركه، ينظر إليه المؤمن بالأبصار، من غير إحاطة ولا إدراك نهاية.
وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات - فيستدل بها النفاة على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية، كاليد والوجه. قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر: له يد ووجه ونفس، كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس، فهو له صفة بلا كيف، ولا يقال: أن يده قدرته ونعمته، لأن فيه إبطال الصفة، انتهى. وهذا الذي قاله الإمام رضي الله عنه، ثابت بالأدلة القاطعة: قال تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي. والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه. وقال تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. وقال تعالى: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك. وقال تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة. وقال تعالى: واصطنعتك لنفسي. وقال تعالى: ويحذركم الله نفسه. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة لما يأتي الناس آدم فيقولون له: خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء، الحديث. ولا يصح تأويل من قال: إن المراد باليد: بالقدرة، فإن قوله: لما خلقت بيدي. لا يصح أن يكون معناه بقدرتي مع تثنية اليد، ولو صح ذلك لقال إبليس: وأنا أيضاً خلقتني بقدرتك، فلا فضل له علي بذلك. فإبليس -مع كفره - كان أعرف بربه من الجهمية. ولا دليل لهم في قوله تعالى: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون. لأنه تعالى جمع الأيدي لما أضافها إلى ضمير الجمع، ليتناسب الجمعان، فاللفظان للدلالة على الملك والعظمة. ولم يقل: أيدي مضافاً إلى ضمير المفرد، ولا يدينا بتثنية اليد مضافاً الى ضمير الجمع. فلم يكن قوله: مما عملت أيدينا نظير قوله: لما خلقت بيدي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: حجابه النور، ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء، أو جوارح، أو أدوات، أو أركان، لأن الركن جزء الماهية، والله تعالى هو الأحد الصمد، لا يتجزأ، سبحانه وتعالى، والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية، تعالى الله عن ذلك، ومن هذا المعنى قوله تعالى: الذين جعلوا القرآن عضين. والجوارح فيها معنى الإكتساب والإنتفاع. وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة. وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى، ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى. فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني، سالمة من الإحتمالات الفاسدة، فكذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفياً ولا إثباتاً، لئلا يثبت معنى فاسد، أو ينفى معنى صحيح. وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل.
وأما لفظ الجهة، فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق،، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله تعالى كان مخلوقاً، والله تعالى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات، تعالى الله عن ذلك. وإن أريد بالجهة أمر عدمي، وهو ما فوق العالم، فليس هناك إلا الله وحده. فإذا قيل: إنه في جهة بهذا الاعتبار، فهو صحيح، ومعناه: أنه فوق العالم حيث انتهت المخلوقات فهو فوق الجميع، عال عليه. ونفاة لفظ الجهة الذين يريدون بذلك نفي العلو، يذكرون من أدلتهم: أن الجهات كلها مخلوقة، وأنه كان قبل الجهات، وأن من قال إنه في جهة يلزمه القول بقدم شيء من العالم، وأنه كان مستغنياً عن الجهة ثم صار فيها. وهذه الألفاظ ونحوها إنما تدل على أنه ليس في شيء من المخلوقات، سواء سمي جهة أو لم يسم، وهذا حق. ولكن الجهة ليست أمراً وجودياً، بل أمر اعتباري، ولا شك أن الجهات لا نهاية لها، وما لا يوجد فيما لا نهاية له فليس بموجود.
وقول الشيخ رحمه الله: لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات. - هو حق، باعتبار أنه لا يحيط به شيء من مخلوقاته، بل هو محيط بكل شيء وفوقه. وهذا المعنى هو الذي أراده الشيخ رحمه الله، لما يأتي في كلامه: أنه تعالى محيط بكل شيء وفوقه. فإذا جمع بين كلاميه، وهو قوليه: لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، وقوله: محيط بكل شيء وفوقه - علم أن مراده أن الله تعالى لا يحويه شيء، ولا يحيط به شيء، كما يكون لغيره من المخلوقات، وأنه تعالى هو المحيط بكل شيء، العالي عن كل شيء.
لكن بقي في كلامه شيئان: أن إطلاق مثل هذا اللفظ - مع ما فيه من الإجمال والإحتمال - كان تركه أولى، وإلا تسلط عليه، وألزم بالتناقض في إثبات الإحاطة والفوقية ونفي جهة العلو، وإن أجيب عنه بما تقدم، من أنه إنما نفى أن يحويه شيء من مخلوقاته، فالإعتصام بالألفاظ الشرعية أولى. الثاني: أن قوله: كسائر المبتدعات - يفهم منه أنه ما من مبتدع إلا وهو محوي ! ! وفي هذا نظر. فإنه إن أراد أنه محوي بأمر وجودي، فممنوع، فإن العالم ليس في عالم آخر، وإلا لزم التسلسل، وان أراد أمراً عدمياً، فليس كل مبتدع في العدم، بل منها [ما هو داخل في غيره، كالسماوات والأرض في الكرسي، ونحو ذلك، ومنها] ما هو منتهى المخلوقات، كالعرش. فسطح العالم ليس في غيره من المخلوقات، قطعاً للتسلسل، كما تقدم. ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال: بأن سائر بمعنى البقية، لا بمعنى الجميع، وهذا أصل معناها، ومنه السؤر، وهو ما يبقيه الشارب في الإناء. فيكون مراده غالب المخلوقات، لا جميعها، إذ السائر على الغالب أدل منه على الجميع، فيكون المعنى: أن الله تعالى غير محوي - كما يكون أكثر المخلوقات محوياً، بل هو غير محوي - بشيء، تعالى الله عن ذلك. ولا نظن بالشيخ رحمه الله أنه ممن يقول إن الله تعالى ليس داخل العالم ولا خارجه بنفي التعيينين، كما ظنه بعض الشارحين، بل مراده: أن الله تعالى منزه عن أن يحيط به شيء من مخلوقاته، وأن يكون مفتقراً إلى شيء منها، العرش أو غيره.
وفي ثبوت هذا الكلام عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه نظر، فإن أضداده قد شنعوا عليه بأشياء أهون منه، فلو سمعوا مثل هذا الكلام لشاع عنهم تشنيعهم عليه به، وقد نقل أبو مطيع البلخي عنه إثبات العلو، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وظاهر هذا الكلام يقتضي نفيه، ولم يرد بمثله كتاب ولا سنة، فلذلك قلت: إن في ثبوته عن الإمام نظراً، وان الأولى التوقف في إطلاقه، فإن الكلام بمثله خطر، بخلاف الكلام بما ورد عن الشارع، كالإستواء والنزول ونحو ذلك. ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل الى سماء الدنيا كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم - يكون العرش فوقه، ويكون محصوراً بين طبقتين من العالم ! فقوله مخالف لإجماع السلف، مخالف للكتاب والسنة. وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني: سمعت الأستاذ أبا منصور بن [حماد] - بعد روايته حديث النزول - يقول: سئل أبو حنيفة رضي الله عنه ؟ فقال: ينزل بلا كيف. انتهى.
وإنما توقف من توقف في نفي ذلك، لضعف علمه بمعاني الكتاب والسنة وأقوال السلف، ولذلك ينكر بعضهم أن يكون فوق العرش، بل يقول: لا مباين، ولا مجانب، لا داخل العالم ولا خارجه، فيصفونه بصفة العدم والممتنع، ولا يصفونه بما وصف به نفسه من العلو والإستواء على العرش، ويقول بعضهم: بحلوله في كل موجود، أو يقول: هو وجود كل موجود ونحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.
وسيأتي لإثبات صفة العلو لله تعالى زيادة بيان، عند الكلام على قول الشيخ رحمه الله: محيط بكل شيء وفوقه، إن شاء الله تعالى.

  #5  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 08:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية لمعالي الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)


قال رحمه الله تعالى بعد ما ذكر: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه" وهذا رد على الطائفتين؛ طائفة المؤولة المحرفة، وطائفة المجسمة، المجسمة شبهوا , والمؤولة أو المحرفة نفوا، فهؤلاء نفوا الصفات , والمجسمة مثلوا , فمن كان ممثلاً أو محرفاً فقد زل ولم يصب التنزيه , ولهذا نقول إن وقوله: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه" أن هذا تحذير , حتى للموحد لا يخطر ببالك أن الله جل وعلا في صفته ثم مشابهة بينه وبين صفة الخلق , فكل ما خطر ببالك فالله جل وعلا بخلافه، لا من جهة كمال الصفة، ولا من جهة الكيفية , وإنما نثبت كمال الصفة، الكمال المطلق لكن كيف هذا الكمال، حدود هذا الكمال، لا نستطيع ذلك.

نقف عند هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يزيدني وإياكم من الهدى والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

سؤال: لو ذكرتم كتباً تكفي طالب اللغة تتحدث عن نشأة اللغات؟
الجواب: نشأة اللغات فيها كتب كثيرة ليست سليمة، يعني لم أر كتاباً سليماً في جملة تفاصيله؛ لأنه لا يخلو كل باحث من من خلفيات عنده ومقررات سابقة تسيطر عليه في بحثه ذاك، لكن من أحسنها أو مما يُطلعك على ذلك كتاب اسمه (مولد اللغة) للشيخ مصطفى الغلاييني، وثم كتب أخرى.

سؤال: أول درس لي في العقيدة هو هذا الدرس الطحاوية , ولم أدرس في الواسطية وغيرها فبماذا تنصحني؟
الجواب: إذا كان هذا أول درس فصعب؛ لأنني راعيت في هذا الشرح من انتقل معنا من الواسطية إلى الطحاوية , لذلك يذكر أشياء فيها مباحث لم تذكر فيما قبل , يعني ما نكرر المعلومات تماماً وإنما نزيد في بعض المسائل.
فأنا أوصي الأخ هذا أول درس له أن يبتدئ من أحد أهل العلم بكتاب (لمعة الاعتقاد) وينتقل منه إلى الواسطية , ثم بعد ذلك ينتقل إلى شرح الطحاوية.

ردا على سؤال غير مسموع: تولدت اللغة من أخرى هل مرة حصلت مواضعة؟ أنت ستصل بك المسألة إلى {وعلم آدم الأسماء كلها} هذا إجابة العلماء اختلفوا هل اللغات توقيفية أو اصطلاحية والصحيح من الأقوال فيها عدة أقوال الصحيح أن الأسماء المطلقة توقيفية , الأسماء اللغوية بدون أن نقول بلغة فلان بلغة العرب أو باللغة السريانية وهكذا، الأسماء مطلقاً هذه توقيفية لقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أما بعد ذلك التداخل والتوسع فيما (غير مسموع) يوجد برهان واضح.
ـ...............
ـ لا شك اللغة تنمو، اللغة تنمو.
ـ...............
ـ لا تطبيق مثال إذا كان المعنى الكلي موجودا فكل ما يذكر مثال؛ لأن المعنى الكلي يختلف باختلاف الإضافة , مثلاً عندك السمع، السمع هذا.. هذه كلمه عامة , السمع معروف , لو أردت أن تُعبر عن السمع تقول: إدراك المسموعات , واضح؟ وأيضاً فيه إشكال؛ لأنك رجعت بتعريف السمع إلى المسموع , واضح؟ المسموع رجعنا بالمسموع إلى السمع صار فيه دور (غير مسموع) ولذلك لا يصح تعريفاً على طريقة المناطقة وإنما هو تقريب.

إذا قلنا السمع إدراك المسموعات، سمع الإنسان يصح أن يُطلق عليه سمع، سمع البعوضة يصح أن يُطلق عليه سمع، الإنسان في سمعه تلحظ فيه أذن وفيه صماخ وفيه الغضاريف الزائدة , هذه التي يجتمع فيها تتلقى بها , هذا وسيلة حصول السمع لكن البعوضة ما فيها عندها سمع، إذن فالكلية الحاصلة , وهو إدراك المسموع موجود لكن تمام المعنى بالنسبة للإنسان يناسب ذاته، الكيفية مختلفة، ما يناسب البعوضة أو الذبابة من السمع يناسبها بقدرها، آلة السمع عندها مختلفة عن آلة السمع عندنا، البصر في بعض الحيوانات تبصر بأي؟ بالذبذبات , يعني بإرسال أصوات , يعني عندها إحساس آخر , وتقول: إنها تبصر؛ لأنها تدرك المبصرات , إذا جاءت إلى الشيء مالت عنه وهي ليس لها ما تبصر (طيب) كيف؟

إذن كيف الاتصاف بالصفة، كيفية الاتصاف بالصفة هذا لا يجوز أن يُجعل حكماً على المعنى الكلي، فالمعنى الكلي ما يشمل هذه الصفات المشتركة بين الكائنات، بل المعاني المشتركة العامة فهي تأتي في الإنسان تطبيقاً، تأتي يطبقها الإنسان على نفسه , يطبقها على الحيوان , يطبقها بزائد ناقص , وإنما تختلف من حيث كمال المعنى ومن حيث الكيفية , ما مثلت لك , ولهذا قال طائفة من أهل العلم في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}: إن الله جل وعلا نبه على السمع والبصر في هذا لأجل اشتراكه بين كل الكائنات الحية , الكائنات الحية التي لها سمع ولها بصر , ومع ذلك أثبته لنفسه مع قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؛ لأنه موجودا , ووصف الله به نفسه فمعنى ذلك أنه إثبات صفة لا إثبات مشابهة أو كيفية.


سؤال: هل يصح إطلاق لفظ العارف أو قاضي القضاة على العالم؟
الجواب: أما لفظ العارف فلا بأس به , استعمله أئمتنا في بعض كلامهم: قال بعض العارفين، قال فلان العارف بالله، على قلة والأحسن أن يترك، وأما لفظ قاضي القضاة فهو محرم؛ لأن قاضي القضاة هو الرب جل جلاله.

سؤال: ما رأيكم فيمن قال: ليس لله مكان؟
الجواب: هذا باطل , المكان لا يطلق ولا ينفى؛ لأنه ما جاء في الكتاب ولا في السنة , وإنما نقول: الله جل وعلا مستوٍ على عرشه كما وصف به نفسه.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ردا على سؤال غير مسموع: لا ما يلزم، ما يلزم إذا صار فيه في الغيبية، الأمور الغيبية، الأمور الغيبية ما تدخل فيها؛ لأن هذه الأشياء غائبة، وهم أول الغائب , إذا أردت أن تؤول فيكون التأويل على الظاهر، إذا كان الظاهر الكيفية فالتأويل (غير مسموع) إذا كان الظاهر أصل المعنى فيكون التأويل على أصل المعنى إذا كان الظاهر (غير مسموع) فيكون التأويل (غير مسموع) يعني الأشياء متنوعة عندنا كيفية وأصل المعنى (إيش؟) وكمال المعنى إذا كان الدليل فيه (غير مسموع) نتكلم في أي دليل إذا كان الدليل فيه بدون ذكر الإنسان فلا مانع أن يكون للإنسان التأويل الشرعي يعني التأويل هذا الدليل (غير مسموع) هه (غير مسموع) بقرينة؛ لأن هذا المراد في الحقيقة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) معلوم أن الجنة ليست في الأرض وأن الأرض ليست فيها الآن بقعة من الجنة , فإذن روضة من رياض الجنة هذا هناك (وإيش) المراد بها؟ قالوا: هذا المعنى، المعنى روضة ما بين بيتي ومنبري، هذه البقعة لها وضوح كيفية واضحة لنا هذه البقعة ما بين البيت والمنبر كونها روضة من رياض الجنة , لا بد أن يكون ثم تأويل لها , تأويل صحيح لها فسرت بأنها روضة من رياض الجنة , يعني: أنها وسيلة من وسائل أن تكون في الجنة والتعبد فيها وما يجده المؤمن من اليقين, ومن حب النبي عليه الصلاة والسلام. واضح؟
ـ.........................
ـ كيف؟
ـ.........................
ـ ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) ما بين البيت والمنبر هذا (إيش؟) هذا (غير مسموع) واضح؟ روضة من رياض الجنة هذا الحكم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد (غير مسموع) وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين، أما بعد.., فهذه بعض الأسئلة بين يدي الدرس.

سؤال: ما معنى هذه العبارة: لا يستعمل في العلم الإلهي قياس تمثيلي أو شمولي، وإنما يستعمل قياس الأولى؟
جواب: هذه الأقيسة الثلاثة مستعملة عند المناطقة: قياس التمثيل، وقياس الشمول، وقياس الأولى، والتمثيل والشمول يقتضي الاشتراك في الجنس؛ لأن المثال هو أحد أفراد الجنس، وأما القياس الذي يصح أن يطبق في صفات الله جل وعلا، وفيما يليق به جل جلاله فهو قياس الأولى، يعني: أن يقال: كل كمال في المخلوق فالله جل وعلا أولى به؛ لأن الله سبحانه متصف بصفات الكمال المطلق، وإذا كان في المخلوق نوع كمال يناسبه فالله جل وعلا له الكمال المطلق، مثاله المخلوق الغنى كمال في حقه، يعني عند الناس، وكذلك سلامته؛ سلامته في حكمته وإدراكه، وهذا كمال في حقه، كذلك قدرته كمال في حقه، كذلك سمعه وبصره، وسلامة آلاته، هذا كمال في حقه، وهكذا.

فهذه الصفات التي في المخلوق، التي تكون فيه كمالا فهي تثبت لله جل وعلا؛ لأن الله سبحانه أولى بالكمال، وأولى بنفي النقص عنه جل جلاله، ومن الأمثلة التي تشكل على بعض الناس في هذا الباب هو أن يقال: إن الله جل وعلا نفى عنه الولادة، فقال {لم يلد ولم يولد} فليس له ولد؛ لأنه غير محتاج إليه، والمخلوق الولد في حقه كمال؛ إذ العقيم ليس بكامل عند الناس، وهذا ليس متجهاً ولا معارضا للقاعدة؛ لأن المخلوق صار الولد في حقه كمالاً لحاجته إليه، فهو يستكثر بالولد، ويستقوي به لحاجته إليه؛ لأنه قد ينتفع منه بأنواع الانتفاع، ولهذا.. والولد في حق المخلوق نقص، ولهذا ينفى عن الله جل وعلا وليس كمالاً، كما قد يظن.

المقصود أن هذه العبارات: القياس التمثيلي، والقياس الشمولي، وقياس الأولى، من عبارات المناطقة أصحاب المنطق وعلم الكلام، ولا يصح استعمالها عند أهل السنة والجماعة إلا في قياس الأولى دون غيره.

سؤال: ذكر أحد طلبة العلم أن التوراة والإنجيل والزبور ليست كلها محرفة، بل أغلبها، لذا اختلف العلماء في مس الجنب لها، ويجوز الحلف بها؛ لأنها من كلام من كلام الله، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته. السؤال: هل هذا الكلام صحيح؟ وهل يجوز الحلف بالتوراة والإنجيل والزبور، أرجو التوضيح؟
جواب: أولاً: التوراة والإنجيل والزبور التي أنزلت على موسى وعيسى وداود هذه كلام الله جلا وعلا، لكن هذا المنزل على هؤلاء الأنبياء الموجود الآن لا يتقين أنه ذلك المنزل، بل قد يكون الموجود اختلط به كلام الله جل وعلا وكلام علمائهم، وزيادات باطلة من التحريفات، والعلماء اختلفوا هل وقع التحريف في هذه الكتب من جهة المعنى، أو من جهة الألفاظ؟ يعني هل حذفت بعض الأشياء وأبدلت بأخرى وحرفت بنقص، بحذف، ثم زيادة أشياء من كلام الناس؟ أم كان التحريف في المعنى فقط؟

فهم حرفوا من جهة المعنى مع بقاء الأصل، على ثلاثة أقوال لأهل العلم، والصواب منها أن التوراة والإنجيل فيها وفيها، فيها ما هو من كلام الله، وفيها ما هو من إضافات الناس الباطلة، وفيها ما حرف لفظه، وفيها ما حرف معناه، اجتمعت فيها كل أنواع التحريف: تحريف اللفظ، وتحريف المعنى، وترك الأحكام، وهذا له تفاصيل في محلها.

سؤال: ما المراد بالغل في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سررٍ متقابلين}؟
جواب: الغل هو الحقد والضغينة، التي (كلام غير مسموع) النفس والفؤاد، وأصل هذه المادة في اللغة مادة غل لما يكون متخللاً لشيء، ولهذا قيل: الغُل الذّي تُغل به الرقبة {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} سمي غلاً (غير مسموع)؛ لأنه يتخلل الرقبة)، والرقبة تتغلله، وهو يتخلل أيضاً الرقبة يحيط بها، وكذلك يقال للماء الذي يجري بين السواقي من هذه المادة, ويسمى الغليل وأشباه ذلك، فالمقصود أن هذه المادة تدور على التخلل وعلى التسلل، فلهذا الحقد والضغينة إذا كانت متسللة في النفس، محيطة بها سميت غلا، كما قال هنا: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، ويدعوا أهل الإيمان: {ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} فأهل الجنة ليس في قلوبهم غل، ولا حسد، ولا ضغينة، بل هم أحباب متآخون.

سؤال: ما حكم التقليد في مسائل الأصول والفروع؟
جواب: هذه مسألة طويلة.

سؤال: ما حكم من نسي قراءة الفاتحة في الصلاة حال الجهر أو السر؟
جواب: ليس عليه شيء، وإذن ينتبه المرات القادمة أن يقرأها.

سؤال: شخص فاتته الصلاة فصلى بزوجته، هل تكون صلاتهما جماعة فتكون أفضل من صلاته وحده بسبع وعشرين درجة؟
جواب: الجواب نعم، صلاة المرءُ في جماعة ولو معه واحد مكلف هذه تعتبر صلاة جماعة؛ لأن الجماعة في هذا المقام اثنان فصاعداً، فإذا فاتته الصلاة في المسجد أو مع جماعة فإنه يصلي بأهله.

سؤال: ما هو الفرق بين معجزات الأنبياء ومعجزة القرآن؟
جواب: هذا سبق أن ذكرنا الكلام عليه.نعم.

القارئ: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى عن الحدود، والغايات والأركان، والأعضاء، والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.

الشيخ: نعم يا قائد.

القارئ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
قال الإمام أبو جعفر (غير مسموع) بن محمد الطحاوي رحمه الله تعالى:
ومن لم يتوقَ النفي والتشبيه ذل، ولم يصب التنزيه؛ فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى عن الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.

الشيخ: الحمد لله، وبعد.., قال رحمه الله: "ومن لم يتوقَ النفي والتشبيه ذل، ولم يصب التنزيه"، "ومن لم يتوق النفي والتشبيه ذل ولم يصب التنزيه" هذه العبارة مقررة لقاعدة عامة من قواعد أهل السنة والجماعة، أن صفات الرب جل وعلا يجب ألا يسلط عليها النفي، ولا أن يعتقد فيها التشبيه، بل يجب على المسلم في إثباته للصفات أن يتوقى نفيها بدرجاته، وأن يتوقى التشبيه، فلا يثبت مشبهاً، ولا ينفي معطلاً.

قال: "ذل ولم يصب التنزيه؛ لأنه ليس على الطريق الحق، فكل من تعرض للصفات بنفي أو بتشبيه فإنه ليس بموحد" قال: "لم يصب التنزيه"، يعني: لم يصب التوحيد وتنزيه الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، وهذا الأصل معلومٌ في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة، منها قول الله جل وعلا: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد}، وقال سبحانه: {هل تعلم له سمياً}، وقال أيضاً جل وعلا: {وله المثل الأعلى} سبحانه وتعالى، وهذه وأمثالها له المثل الأعلى يعني له النعت الأعلى والوصف الأعلى، و {هل تعلم له سمياً} يعني: يساميه، يماثله، يشابهه في كمال أسمائه، وما تضمنته من الصفات، فهو سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

إذا تبين لك هذا المعنى العام لهذه الجملة، فإن قوله: "النفي والتشبيه والتنزيه" هذه ثلاثة ألفاظ تحتاج إلى شرح، أما الأولى، وهي النفي، فالنفي يشمل أشياء: الأول: أن ينفي صفات الله جل وعلا كلها، أو أن ينفي أكثرها، أو أن ينفي بعضاً منها، فالذين نفوا كل الصفات هم الجهمية، والذين نفوا أكثر الصفات هم المعتزلة، والكلابية والأشاعرة والماتريدية, والذين نفوا بعض الصفات طوائف كثيرون من المفسرين ومن شرَّاح الأحاديث، يغلطون فيثبتون في موضع، ويناقضون أنفسهم (غير مسموع) في موضوع آخر.

فإذن النفي من جهة أصله فيه هذه الدرجات (غير مسموع) بعض الصفات فأكثر ما يغلط فيه من غلط من المفسرين وشراح الحديث في الصفات، التي هي من (غير مسموع) صفات الأفعال، وهذه يعني الصفات الاختيارية مثل الرضا، والغضب، والنزول، والمقت، والأسف، وأشباه ذلك من الصفات، الصفات الاختيارية، قل من ينهج فيها منهج السلف الصالح؛ وذلك لأن الباب بابٌ واحد في الصفات الذاتية وفي الصفات الفعلية.

المسألة الثانية المتعلقة بكلمة النفي، النفي تارة يتوجه لأصل الصفة، وتارة يتوجه لظاهر الصفة، وتارة يتوجه لكيفية الصفة، وتارة يتوجه إلى معنى الصفة، فهذه مراتب، أما توجهه لأصل الصفة كما ذكرنا ينفي أصلاً اتصاف الله جل وعلا بالسمع، ينفي أصلاً اتصاف الله جل وعلا بالحكمة، ينفي أصلاً اتصاف الله جل وعلا بالعلم، وهكذا.

أما المرتبة الثانية: وهو أن يتوجه النفي للظاهر، فيقولون: تثبت الصفة لكن ظاهرها غير مراد، كيف؟ يقولون: نثبت الاستواء، لكن ليس على ظاهره، فالاستواء له معنى غير المعنى الظاهر المتبادر منه، له معنى آخر، وهؤلاء على فرقتين: منهم من يقول المعنى كيت وكيت، ومنهم من يقول المعنى لا أحد يعلمه، فأما الأولون فهم المؤولة، وأما أصحاب القول الثاني فهم أهل التجهيم، الذين يسميهم العلماء المفوضة، يثبتون لكن يفوضون كل صفة لله جل وعلا لا يعلمون لها معنى، ولا يعلمون لها كيفية، جميع الصفة منفية، يعني منفي العلم بها، مثبتة لكن منفي العلم بها.

وأما المرتبة الثالثة: فالنفي المتجه إلى الكيفية فقط، وهذا النفي الذي يتجه إلى كيفية الصفة، هذا واجب، وهو منهج أهل السنة والجماعة، فإننا ننفي العلم بالكيفية؛ لأن الله سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فنثبت الصفة مع نفينا للكيفية، وهذا المعنى ليس مراداً في قوله: "ومن لم يتوق النفي"، بل هذا نفي واجب، أن ننفي علمنا بالكيفية، فالكيفية لا يعلمها إلا الله جل وعلا كما قال جل جلاله: {وما يعلم تأويله إلا الله} والأخير النفي المتجه إلى المعنى، والنفي المتجه للمعنى هذا يثبت كثيرون الصفة لكن ينفون المعنى، يقولون: ليس لها معنى، ليس لها معنى مطلقاً؟ يقولون: نعم، فاسم الرحيم هو العليم، والرحمة هي العلم، لكن لما تعلقت إرادة الله بالمعين فرحم سمي هذا التعلق رحمة لما تعلقت به قدرة سمي ذلك قدرة... إلى آخره، فيقولون: هي من جهة قيامها بذات الرب جل وعلا شيء واحد، فلذلك ننفي أن يكون لهذه الصفات معاني متعددة.

وهذا يشترك فيه جملة من أصحاب المذاهب المختلفة، فقوله إذن: "ومن لم يتوق النفي)) يدل على أن ترك النفي مطلوب وواجب، وهو ألا ينفى، تنفى أصل الصفات، وألا ينفى الظاهر، وألا ينفى العلم بالمعنى، بل ينفى شيء واحد وهو الكيفية دونما سواها.

قال: "والتشبيه" الثانية كلمة التشبيه، التشبيه مصدر شبهه بغيره تشبيهاً أو شبه الشيء بكذا تشبيهاً، فالتشبيه هو جعل مخلوق مشابهاً لله جل وعلا، أو جعل الله جل جلاله مشابهاً في صفاته للمخلوقات، والتشبيه مراتب أيضاً:

المرتبة الأولى من مراتب التشبيه: التشبيه الكامل، وهو المساوي للتمثيل، التشبيه الكامل، وهو المساوي للتمثيل، يعني أن يقول: يده كيدي، كقول المجسمة، والعياذ بالله، وصورته كصورتي، والعياذ بالله، وأشباه ذلك، فهذا تشبيه كامل، يعني شبه الله جل وعلا بالمخلوق من جهة الصفة في الكيفية وفي المعنى، وهذا كفر بالله جل وعلا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

والمشبه يعبد صنماً، الممثل يعبد صنماً، تخيل في نفسه صورة للرب جل وعلا فجعلها عليه، وهذا كما قلنا لكم: لا يمكن أن يكون لله جل وعلا في ذاته وصفاته شيء يتخيله العبد أو يتصوره؛ لأنه كل ما خطر ببالك فالله جل وعلا بخلافه، كل ما جاء في بالك فالله سبحانه وتعالى بخلافه؛ لأن المعرفة واستقبال المعارف والإدراكات في الإنسان تأتي شيئاً فشيئاً، فهو أصلاً جاء من غير إدراك، والله جل وعلا جعل له السمع والبصر والفؤاد ليدرك، فإذن كل المدركات في الإنسان مجلوبة له من واقع ما رأى، ومن واقع ما سمع، أو من واقع ما قارن، والشيء الذي لم يره ولم يسمعه وليس ثم ما يقارن به، فكيف تحصل له معرفته؟

ولذلك تجد أن الإنسان لا يمكن أن يتصور شيء ما رآه، أو رأى مثيلاً له، أو رأى ما يقاس عليه، ما يجتمع (وياه) في أشياء، ما يمكن يتصور شيئا لم يره أصلاً أو يرى مثيلاً له، لكن لو رأى ما يقاس عليه ممكن رأى مثيلاً له ممكن، مثلاً تقول: الإنسان الياباني مختلف في صورته عنا، لكن يبقى التخيل العام عندك، مادام إنه إنسان، فهو على هذه الصفة، تقول مثلاً: الخبز في بلد له شكل غريب، لا تتصور أنت هذا الشكل، لكن تعرف الخبز ما هو من حيث الصفة؛ لأنك تعرف أن ذاك سيكون في مادته مشابهاً لهذا الذي عرفته، لو ذكر لك شيئا غريبا مثلاً في بلد من البلاد في بناء مثلاً رأينا بناءً عجيباً، ممكن أن تتصور البناء على نحو ما إذا كنت رأيت شبيهاً له، أو ما يقاس عليه، لكن.. أو مركبات هذا البناء وطريقة البناء وأنها أدوار مثلاً، قال لك مثلاً: مثلث، شرح لك عن الأهرامات من صفتها كذا وكذا يمكن أن تتصور؛ لأنك رأيت مثلا لما رأيت ما يقاس عليه، رأيت ما يمكن أن تعقد مقارنة، فتصل إلى نوع إدراك لذلك، أما الرب جلا جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته فلا يقاس بخلقه، ولم ير مثيلاً له جل جلاله ولا يقارن بشيء.

ولذلك كل ما يخطر في البال إنما هو من جرَّاء إدراكات مختلفة، لا يمكن أن يكون منها حقيقة الرب جل جلاله، ولهذا كل ما خطر في بالك فالله سبحانه وتعالى بخلافه، فإذا استرسل مع هذا وشبه فإنه يعبد صنماً، يعني تخيل في نفسه صورة وهيأ له إلهاً، يكون على نحو ما فعبده، ولهذا قال أئمة السلف: المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، هذا التشبيه الكامل الذي هو التمثيل، وهذا التمثيل أو التشبيه قد يكون في الذات بأجمعها، وقد يكون في صفة من الصفات، قد يقول: الله سبحانه وتعالى مثلي على صفتي والعياذ بالله، وهذا كفر، أو يقول: يده كيدي، وسمعه كسمعي، وعينه كعيني، وأشباه ذلك، وهذا أيضاً كفر بالله جل جلاله.

المرتبة الثانية في التشبيه: أن يكون التشبيه في بعض الصفة لا في الكيفية، ولكن في المعنى، فيقول: الكيفية لا نعلمها، لكن معنى الصفة في الله جل وعلا هو معناها في المخلوق، وهذا أيضاً مما ينبغي تجنبه؛ لأن صفة الرب جلا وعلا معناها في حقه كامل، لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه، وأما في المخلوق فهو فيه الصفة، ولكنها ناقصة تناسب نقص ذاته، فلهذا يقال في مثل هذا: إن الله جل وعلا له الكمال المطلق في صفة السمع، والمخلوق متصف بالسمع، أو تقول: لله سمع وللمخلوق سمع، وليس السمع كالسمع، يعني في أصل المعنى موجود سمع وسمع، لكن في تمام المعنى وكماله مختلف، ليس الاتصاف في الله جل وعلا مثل الاتصاف في المخلوق.

المرتبة الثالثة في التشبيه: تشبيه العكس، تشبيه المخلوق بالخالق والعياذ بالله، وتشبيه المخلوق بالخالق، يعني أن يجعل للمخلوق صفة من صفات الله جل وعلا، مثل أن يغيث، أو أنه يسمع وهو غائب، أو أن له قدرة، أو أن له تصرف في الكون أو أشباه ذلك، وهذا كحال عباد الأصنام، والأوثان، والقبور، وعباد عيسى، والملائكة وعبَّاد الأولياء كلهم، على هذه الصفة، يجعلون للمخلوق بعض صفات الله جل وعلا.

وهذا لا شك أنه تشبيه، وهو في حد ذاته من جهة التشبيه كفر لمن اعتقده، فمن وصف المخلوق بصفة الله جل وعلا من تصريف الكون أو يقولون: فلان من الأولياء له ربع الكون، يتصرف فيه، أوله نصف الكون يتصرف فيه، أو فلان الملك له التصرف في الملكوت بنفسه فيطلب منه، ويستغاث به، ويسأل أو يلجأ إليه، ونحو ذلك من الأموات أو من الغائبين، فكل هذا تشبيه للمخلوق بالخالق، وتمثيل للمخلوق بالخالق، وهو شرك بالله جل جلاله، لهذا لم يطلق أكثر السلف نفي التشبيه، وإنما أطلقوا نفي التمثيل؛ لأن الله جل جلاله قال: {ليس كمثله شيء} ولفظ شبه والتشبيه لم يرد في النفي في الكتاب ولا في السنة فيما أعلم، وإنما ورد لفظ التمثيل {ليس كمثله شيء} وفرق ما بين التمثيل وما بين التشبيه؛ لأن التمثيل معناه المساواة، هذا مثل هذا، يعني يساويه في صفة أو في صفات، أما التشبيه فهو من التشابه، وقد يكون التشابه كاملاً فيكون تمثيلاً، وقد يكون التشابه ناقصاً فيكون في كل المعنى أو في أصل المعنى على نحو ما فصلت لك.

فإذن إذا قيل: لا نشبه فلا يندرج في ذلك إثبات أصل المعنى، يعني التشابه في المعنى؛ لأنه لا يستقيم إثبات الصفات إلا بمشابهة في المعنى، ولكن ليس مشابهة في كل المعنى ولا في الكيفية؛ لأن هذا تمثيل، فلهذا لا يطلق النفي للتشبيه، لا نقول: التشبيه منتفٍ مطلقاً كما يقوله من لا يحسن، بل يقال: التمثيل منتفٍ مطلقاً، أما التشبيه فتقول: التشبيه منتفٍ، الله سبحانه وتعالى لا يماثله شيء، ولا يشابهه شيء، وينصرف هذا النفي لتشبيه الكيفية أو في تمام المعنى في كماله.

قال: "ذل ولم يصب التنزيه" تنزيه يعني تنزيه الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، الذي لم يحذر النفي ولم يحذر التشبيه فإنه يذل، ولن يصيب تنزيه الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، والتنزيه هو التسبيح، فمعنى ذلك أن من نفى أو شبه، فإنه لم يسبح الله جل وعلا كما يليق بجلاله وعظمته؛ لأن معنى سبحان الله تنزيهاً لله، والكون كله يردد سبحان الله وبحمده {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.

فإذن من الواجب أن ينزه الله جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، فلهذا نقول: إن اتقاء النفي والتشبيه هو طريق التنزيه والتسبيح الحق لله جل وعلا، فالمعتزلة والجهمية والمبتدعة من الأشاعرة والكلابية وسائر الطوائف التي نفت بعض الصفات هؤلاء لم ينزهوا الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، بل وقعوا في شيء من عدم التنزيه، لذلك قال: "ولم يصب التنزيه" يعني لم ينزه، سواء أكان مراده التنزيه فأخطأ، أو هو في الحقيقة لم ينزه؛ لأنه ما نزه الله جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته؛ لأن الله سبحانه له الكمال المطلق في الاتصاف بالصفات، فمن لم يثبت جميع الصفات فلم يثبت الكمال المطلق، فمعناه أنه نقص حمده لله جل وعلا، ومعنى ذلك أنه لم ينزه الله جل جلاله عما لا يليق بجلاله وعظمته.

وهذه الجملة عظيمة من كلام الطحاوي رحمه الله: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه" يعني من سائر طوائف الضلال، "ذل ولم يصب التنزيه" وإن زعم أنه ينزه فإنه لم يصب، وهذا يكثر في المعطلة وفى المؤولة، وفي النفاة يقولون: نفينا وأولنا وعطلنا لأجل التنزيه، وهذا يرد عليهم بأنه ما فعلتموه هو وصف لله بالنقائص وليس تنزيهاً للرب سبحانه وتعالى.

ثم علل ذلك بقوله: "فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية" هذا أخذه من قول الله جل وعلا: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد}, قوله: {قل هو الله أحد} يعني واحدا في أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله، فليس له شريك في ملكه، وليس له مثيل في صفاته وأفعاله، وليس له ند (كلام غير مسموع) وصمدانيته جل وعلا، ولهذا بعدها جاءت أنواع التوحيد، قال: {قل هو الله أحد. الله الصمد} يعني الذي تصمد إليه المخلوقات بأجمعها في طلب ما ينفعها، ودفع ما يضرها.

فإذن في قوله: {الله الصمد} إثبات توحيد الإلهية، قال: {لم يلد ولم يولد} وهذا فيه إثبات تفرد بالربوبية، قال: {ولم يكن له كفواً أحد} وهذا فيه إثبات توحيد الأسماء والصفات، فلا أحد يكافئه ويماثله، فبذلك هو جل وعلا أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله جل وعلا.
قال: "فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية" يعني: أنه متوحد في صفاته، منعوت بنعوت الفردانية، يعني: أن كل نعت ينعت به الرب جل وعلا على أساس أنه منفرد فيه، فهو سبحانه فرد في أسمائه وصفاته وذاته، فهو سبحانه وتر وفرد وصفاته هو فيها سبحانه فرد فلا يماثله شيء، ولا يشاركه فيها أحد جل جلاله.

إذا تبين لك ذلك فالصفة والنعت هنا عاير بينهما، قال: "موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية"، والصفة والنعت في اللغة متقارب، وهو لم يرد التفريق ما بين الصفة والنعت؛ لأن الله سبحانه له الصفات العلا، وله النعوت العلا، له المثل الأعلى، والصفة والنعت هي المثل في القرآن في قوله: {وله المثل الأعلى} يعني: له النعت والصفة العليا، سبحانه وتعالى، أما المخلوق فله الوصف الأدنى الذي يناسب ذاته الوضيعة الضعيفة المحتاجة، صفات الرب جل وعلا ونعوته تنقسم إلى أقسام باعتبارات مختلفة، فتنقسم إلى قسمين باعتبار قيامها بالرب جل وعلا، تنقسم إلى صفات ذات، وإلى صفات فعل، أما صفات الذات فهي التي لا ينفك ربنا جل وعلا عن الاتصاف بها، لم يزل موصوفاً بها، وهو متصف بها دائماً مثل الوجه، والعينين، واليدين، مثل الرحمة، والسمع، والبصر، فإن الله سبحانه لم يزل ذا وجه وذا سمع وذا بصر سبحانه وتعالى، وكذلك في صفاته الذاتية ومنها صفة الرحمة فالله جل وعلا متصف بصفة الرحمة، وهي ملازمة له سبحانه وتعالى.

القسم الثاني: صفات الأفعال، وصفات الفعل لله جل وعلا يسميها بعض الناس من أهل العلم: الصفات الاختيارية، وهي التي يفعلها ربنا جل وعلا تارة، ولا يفعلها تارة، صفات الفعل هي التي تقوم بالرب جل وعلا بمشيئته وقدرته سبحانه وتعالى، وهذه الصفات التي هي الصفات الاختيارية أول من نفاها بخصوصها الكلابية، وتبعهم على ذلك أبو الحسن الأشعري، يعني ابن كلاب أول من نفاها، ثم تبعه أصحاب، ثم تبعهم أبو الحسن.
من جهة أخرى نقسم الصفات إلى قسمين: إلى صفات جلال، وإلى صفات جمال، وصفات الجلال هي الصفات التي فيها نعت الرب جل وعلا بجلاله وعظمته وقهره وجبروته سبحانه وتعالى، وهى التي تجلب في قلب الموحد الخوف منه سبحانه وتعالى، مثل صفة القوة، القدرة، القهر، الجبروت، وأشباه ذلك، صفات الجلال يعني ما تأملها أجل الله جل وعلا وهابه وخافه سبحانه وتعالى.

القسم الثاني: صفات الجمال، وصفات الجمال هي الصفات التي تبعث في قلب المؤمن (كلام غير مسموع) والأنس به، بلقائه وبمناجاته وبالإنابة إليه، وهذه صفات كثيرة لله جل وعلا مثل صفة الرحمة والرأفة والمغفرة، وقبول التوبة والسلامة، اسم الله السلام والمؤمن وأشباه ذلك.

فإذن صفات العظمة هذه يقال لها: صفات جلال، وصفات ونعوت الرحمة والمحبة يقال لها: صفات جمال، هذا اصطلاح لبعض علماء السنة، وهو اصطلاح صحيح، ولهذا في الختمة التي تنسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رجح طائفة من أهل العلم أن تكون لشيخ الإسلام؛ لورود هذا التقسيم فيها، وهو قوله في أولها: صدق الله العظيم المتوحد بالجلال بكمال الجمال تعظيما وتكبيرا. ولا أعلم من أشهر هذا التقسيم قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني تقسيم الصفات إلى صفات جلال وجمال، وفي هذه الختمة جمل معروفة في الاستعمال عن شيخ الإسلام دون غيره، وابن القيم رحمه الله بحث صفات الجلال والجمال في بعض كتبه.

التقسيم الثالث: الصفات صفات ربوبية وصفات ألوهية، هذا باعتبار التوحيد، يعني رجوع الأسماء والصفات إلى نوعي التوحيد: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فما كان من أفراد الربوبية فهو صفات ربوبية، مثل الملك، والهيمنة، والانتقام، والقدرة، والقوة، والإحاطة، وأشباه ذلك.

والقسم الثاني: صفات الألوهية، وهي التي وحد العبد ربه جل وعلا بها، مثل اسم الإله وما فيه مثل الصمد وأشباه ذلك، مما فيه توجيه من العبد للرب جل جلاله.

قال بعدها: "وتعالى عن الحدود (كلام غير مسموع) الغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات والغايات سبحانه وتعالى.


الـوجـه الـثـانـي

لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، هنا ذكر هذه الألفاظ متابعة لما جرى عليه المتكلمون في زمنه، وهو ذكرها بعد إثبات، فأثبت الصفات ثم نفى، وقاعدة أهل السنة والجماعة أن النفي يكون مجملاً، وأن الإثبات يكون مفصلاً، ففي قوله: "هذا نوع مخالفة لطريقة أهل السنة والجماعة"، لكن كلامه محمول على التنزيه بعد الإثبات، والتنزيه بعد الإثبات يتوسع فيه؛ لأن طريقة أهل البدع أنهم ينزهون أو ينفون بدون إثبات، ينفون مفصلاً ولا يثبتون، ولكن المؤلف أثبت مفصلاً ونفى، وكان في نفيه بعض التفصيل، ولهذا نقول عند الاختيار لا نقول هذا الكلام نقول: تعالى ربنا عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء ونحو ذلك، عند الاختيار لا نقوله؛ وذلك أن هذه الألفاظ يعني كما ذكرت لك السبب الأول أن هذا نفي مفصل، وهو مخالف لطريقة أهل السنة؛ لأن طريقتهم مأخوذة من قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فنفى مجملا وأثبت مفصلا.

الوجه الثاني في هذه الألفاظ: أن هذه الكلمات لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، ولهذا الذي لم يرد لا يحسن أن ننفيه ولا أن نثبته؛ لأن طريقتنا هو اقتضاء الكتاب والسنة، فلفظ الحد والغاية والركن والأعضاء والأدوات والجهات كل هذه ما جاءت في القرآن ولا في السنة؛ فلذلك لا نثبتها ولا ننفيها، وليس معنى النفي أنها محتملة، إذا قال أهل السنة: لا ننفيها، لا يفهم إن معناها أنه محتملة، لا، ولكن لا ننفيها؛ لأننا لا نتجاوز القرآن والحديث، هذا أمر غيبي، كيف نتجاسر عليه بدون دليل؟! لذلك نقول: لا نثبت إلا بدليل، ولا ننفي إلا بدليل.

فإذن استعمال هذه الألفاظ لا يسوغ، والمؤلف يؤاخذ رحمه الله في استعماله هذه الألفاظ؛ لأنها من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة، طبعا الحد والغاية متقارب في أن يكون له حد ينتهي إليه اتصافه بالصفات. وفي هذا مبحثان: الأول.. أو مسألتان: الأولى: أن طائفة من العلماء لما ذكروا الاستواء على العرش لله جل وعلا سئلوا بحد، قال: بحد، قالوا: بحد من أئمة أهل السنة كابن المبارك، والثوري، وجماعة من الأئمة، وهذا يوجه بأن استعمالهم لفظ الحد مع أنه لم يأت في الكتاب والسنة لأجل أن يبطلوا دعوى الجهمية في أن الله في كل مكان، وإذا احتاج الموحد لبيان عقيدته في المناظرة إلى كلمات توضح الأمر فإنه لا بأس باستعمالها للمصلحة، لكن لا تثبت عقيدة مستقلة، يعني إذا جاء أحد يقول: ما هي عقيدتك؟ فلا تقل: عقيدتي أن الله مستوٍ على عرشه بحد، إنما نقول: هو جل وعلا مستوٍ على عرشه، إذا احتيج إلى ذلك في مقامه فقد يقال ذلك؛ لأن لفظ بحد يعني أنه ليس مختلطاً بخلقه جل جلاله، فهو سبحانه الحدود والغايات التي تنتهي إليها صفاته كما قال تعالى عنها؛ لأن الله سبحانه ليس لصفاته حد يعلمه البشر، فلا تعالى عن الحدود يعني المعلوم والغايات المعلومة.

المسألة الثانية: يشكل على هذا ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيره وهو قوله عليه الصلاة والسلام في وصف الرب جل وعلا: ((حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) فهل معنى ذلك أن البصر محدود بالخلق؟ والجواب عن ذلك: أن هذا إحالة على يعني في قوله: "ما انتهى إليه بصره من خلقه" في أن الإحراق إحراق السبحات لما انتهى إليه البصر، والبصر لا ينتهي لحد، وكذلك الإحراق لا ينتهي لحد، فإذن هو بناء شيء على شيء، فلا يثبت الثاني لأجل ورود الأول، بل الثاني منفي فكذلك الأول، نقول: ليس له حد ما انتهى إليه بصره من خلقه، الله جل وعلا ينفذ بصره في جميع بريته سبحانه وتعالى، وكل ما سواه جل وعلا مخلوق، فإذن بصره ينتهي في جميع مخلوقاته، فإذن لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه كل مخلوقاته.

فإذن هذا ليس فيه إثبات الحد والغاية، وإنما هذا فيه إثبات أنه جل وعلا مطلق في اتصافة بصفاته لا حد آخر، يعني لذلك يثبت بل نقول: هو سبحانه كامل في صفاته.

قال: "والأركان، والأعضاء، والأدوات" هذه الألفاظ الثلاثة.. هذه الألفاظ الثلاث: الركن والعضو والأداة هذه راجعة إلى الصفات الذاتية مثل اليد، القدم، العينان.. العينين، مثل الوجه... إلى آخره، فهذه ينفي أن يكون هذا عضو أو ركن أو أداة أو نحو ذلك؛ لأن هذه الأشياء في المخلوق، فينزه الرب جل وعلا عنها، هذا مراده، وكما ذكرت لك المقرر أن هذه الأشياء لا تقال لا نفياً ولا إثباتا، بل لا نذكر ذلك؛ لأن الله سبحانه أعظم من أن ينفى عنه باستعمال هذه الألفاظ {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

قال: "لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات"، المبتدعات يعني المخلوقات، وقوله: "كسائر المبتدعات" سائر في اللغة تستعمل بمعنى بقية، لذلك قيل لبقية الشراب: سؤر، فكلمة سائر يعني البقية، تقول مثلا: أتاني محمد وسائر الإخوان، يعني وبقية الإخوان، لكن هنا استعملها بمعنى كل، "كسائر المبتدعات" يعني ككل المخلوقات، المخلوقات تحويها الجهات الست، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، الجهات الست ما هي عندهم؟ الجهات الست أمام وخلف ويمين وشمال وأعلى وأسفل، هذه الجهات الست مخلوقة، وهذه مخلوقة لا تحوي الرب جل جلاله بل الله سبحانه وتعالى فوق مخلوقاته، لكن ما من مخلوق من هذه الجهات الست إلا وهو نسبي إضافي ليس مطلقا، فما من شيء إلا وأمامه شيء، وهو أمام شيء وهو يمين شيء وثم شيء آخر يمينه وهكذا، مثل ما نقول: ها نحن الآن أسفل، يعني في أرض المسجد، لكن بالنسبة لمن تحتنا في القبو مثلاً إذا كان في قبو نحن فوق، واحد ساكن في أدوار، الدور الأول فوق الدور الأرضي، فهو أعلى لكن هو بالنسبة للدور للثاني أسفل.

إذن الجهات هذه ليست مطلقة، وإنما هي نسبية، فتقول: يمين، ليس ثم يمين مطلق في حياة المخلوقات، وإنما هو يمين إضافي، لا تقل: شمال مطلق، إنما هو شمال إضافي، أمام مطلق، إنما هو أمام إضافي، يعني نسبي، تنسبه إليه، تنسبه إليك وتنسبه إليه، تقول: أمامي، أمام فلان يمين فلان إلى آخره، ولهذا الجهة جهة العلو إذا نسبتها للمخلوق فثم جهة لنا هي حال، وثم جهة لمن هم في الجهة الثانية من الأرض هي لها حال أخرى، فنحن جهة العلو عندنا فوق، وجهة السفل هم, وهم بالعكس، يعني (اللي) في الجهة الثانية من الأرض.

إذن فجهة العلو وجهة السفل هذه نسبية لك، نقول: هذا أعلى ليس هذا هو العلو المطلق، هذا العلو المنسوب إليه, والذي في الجهة الثانية من الكرة الأرضية، العلو هو المنسوب إليه، إذن فهذه أمور نسبية في الجهات، فإذا أردت فثم شيء واحد فقط وهو العلو المطلق على جميع المخلوقات غير منسوب لطائفة من المخلوقات أو لبعض المخلوقات، وهو علو الرب جل جلاله، إذن فنقول: هذه الجهات الست إذا أريد بها النسبي فنقول: نعم، الله سبحانه وتعالى لا تحويه الجهات النسبية بميمني وفوقي وأمامي وشمالي إلى آخره، لا تحويه، لكن المطلق لا نقول تحوي ولا ما تحوي؛ لأن الله سبحانه (كلام غير مسموع) فوق مخلوقاته، والمخلوقات هذه محتاجة إليه، لكن له العلو المطلق، وسبحانه جل وعلا كلتا يديه يمين، اليمين المطلق ليس النسبي، هو سبحانه وسع كل شيء، واسع سبحانه وتعالى.

فإذا تنتبه إلى أن هذه المخلوقات نسبية وليست مطلقة، فإذن قوله: "لا تحويه الجهات الست" ليس في هذا منحى من منحى أهل البدع في نفي العلو، لا، لكن هذه يعني بها الجهات الست النسبية كسائر المخلوقات، كل مخلوق لابد أن يكون محصور بهذه الجهات يعني أعلى، أسفل، يمين، شمال، والثاني كذلك، والثالث كذلك.

وهذه مسألة تفيدك في كل ما يوصف الرب جل وعلا به، لا نفسه بالمخلوق، اجعله مطلقا، مثلا الآن مسألة النزول ينزل ربنا حيث يبقى ثلث الليل الآخر، أو في النصف الآخر من الليل، أو آخر كل ليلة، على اختلاف الروايات والألفاظ، هذه ثلث الليل، هل هو منسوب لك أو منسوب للزمان المطلق هنا؟ نسبه للزمان المطلق، الذي يدخل فيه الزمان النسبي بالنسبة للمخلوق الواحد، كذلك جهة العلو أنت تدعو ربك جل وعلا إلى أعلى، ونعلم أنه فوقنا سبحانه وتعالى، ومن هو في الجهة الثانية هو فوقه أيضاً وهو في جهة أخرى، نحن مثلاً نتجه كذا وهو في الجهة الثانية من الأرض يتجه عكس الاتجاه، أليس كذلك؟ لكن هذا علو نسبي، وهذا علو نسبى، وإذا أردت العلو المطلق فتأمل قول الله جل وعلا: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة}.

وتأمل أن السماوات السبع الأرض بالنسبة لها صغيرة، والسماوات السبع بالنسبة للكرسي صغيرة، والكرسي بالنسبة للعرش أيضاً كحلقة ألقيت في ترس صغير، فإذن كلها تتلاشى ويبقى الإطلاق في الزمان وفي المكان بما يجعل معه أن تصور العبد لما يوصف الله جل وعلا به نسبياً يجني على نفسه، ويدخل في النفي أو التشبيه، فيجب أن يكون ما يؤمن به الموحد من صفات الله جل وعلا على ما جاء في الكتاب والسنة، وكل ما جاء هو على الإطلاق لا على ما تعرفة أنت من نفسك، والإطلاق اللائق بالله جل وعلا يدخل فيه ما يختص بالمعين من المخلوقين، تبارك ربنا وتعاظم وتقدس سبحانه وتعالى {وسع كل شيء رحمة وعلما} {وكان الله بكل شيء محيطاً} جل جلاله وتقدست أسماؤه.

نقف عند هذا، والأسبوع القادم إن شاء الله من قوله: "والمعراج حق"، وأسأل الله سبحانه أن ينفعنا وإياكم في هذه العقيدة، وأن يجعلنا صالحين مصلحين، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

سؤال: لو قلنا مثلا: المخلوق له ملك، والله سبحانه له ملك (بس) ملك الإنسان مطلق لكن...
الشيخ: ما في ملك للإنسان مطلق.

السائل: لكن ملك الإنسان مقيد على مثلا مسألة ما يملك أن يدعو الأشياء لكن الله مطلق الأشياء فهل هذا صحيح (غير مسموع)؟
الشيخ: ملك الله مطلق الأشياء ملك الإنسان مقيد (غير مسموع).

سؤال: هل الفرد اسم لله؟
جواب: لا، ليس من الأسماء الحسنى الفرد، لكن الإخبار عن الله جل وعلا بأنه فرد موافق لاسم الله الصمد والأحد وأشباه ذلك.

سؤال: قلت: نفي الكيفية واجب، فهل نفي الكيفية هو الواجب أم تفويض الكيفية أم تفويضه؟
جواب: الجواب: أن النفي يعني نفي الكيفية المعقولة، نفي الكيفية، نفي العلم بالكيفية، أما الاتصاف؛ اتصاف الرب جل وعلا بصفاته بكيف، هو سبحانه في صفاته متصف بها بكيف، بكيفية لكن نعلمها؟ لا نعلمها،، فإذن النفي يتوجه إلى العلم بالكيفية لا إلى وجود الكيفية.

سؤال: ذكرت أن صفة الرحمة صفة جمال، فهي اختيارية وذكرت أنها ذاتية؟
جواب: لا، ما ذكرت أن صفة الرحمة اختيارية، تقسيمات غير متساوية، هذه تنتبه لها في العلوم جميعاً،إذا قسمنا الصفات ذاتية وفعلية ثم باعتبار آخر، يعني باعتبار نوعها إلى جلال وجمال، لا،يعني: أن الجلال هي الذاتية، والجمال هي الاختيارية،لا،هذا تقسيم آخر مثلما نقول مثلاً شرك أكبر وأصغر، شرك ظاهر وخفي (غير مسموع) معنى الأكبر والأصغر أن الخفي هو الأصغر،الخفي منه أكبر مثل شرك المنافقين، مثل غلط من غلط تقسيم الكفر إلى كفر أكبر وأصغر، ثم قسم باعتبار آخر إلى كفر اعتقاد وكفر عمل، فظن أن كفر العمل هو الكفر الأصغر، وأن كفر الاعتقاد هو الكفر الأكبر، هذا ليس بصحيح، فمن فهم من كلام ابن القيم رَحمَهُ اللَّهُ في تقسيم الكفر إلى أكبر وأصغر،ثم إلى كفر اعتقاد وكفر عمل، إن العمل هو الأصغر هذا ليس بصحيح، حتى على كلام ابن القيم؛ لأن العمل هذا تقسيم باعتبار المورد،مورده يكون من جهة الاعتقاد،ومورده يكون من جهة العمل، فكفر العمل منه ما هو أكبر،ومنه ما هو أصغر كما نبهنا عليه مرارا، يعني في التقسيمات.

تنتبه.مثل ما يقسم الأصوليون الواجب، مثلاً يقول: الواجب ينقسم إلى (إيش؟) واجب موسع،واجب مضيق (طيب)، ثم يقسمونه باعتبار آخر إلى واجب عيني، وواجب كفائي، ثم يقسمون قسمة ثالثة: إلى واجب معين،واجب مخير، مثال خصال الكفارة.
فإذن هناك التقسيم باعتبارات مختلفة، وإذا علمت التقسيم مع جهة اعتباره فهمت العلم، أما التقسيم هذا مطلقاً بدون أن تفهم جهة اعتبار التقسيم هذا يحدث لبساً.

سؤال: هل الإنسان إذا رأى ربه جل وعلا في المنام تكون الرؤيا صحيحة؟
جواب: مثلما جاء في الحديث الصحيح،أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيت البارحة أو ((رأيت الليلة ربي في أحسن صورة))، يرى المؤمن ربه جل وعلا في صورة إيمانه بالله، فإذا كان إيمانه بالله كاملاً رأى صورة حسنة أحسن الصور، وإذا كان إيمانه بالله ناقصاً رأى صورة تناسب إيمانه،لكن ما يرى في المنام الرب جل وعلا على ما هو عليه جل جلاله.

سؤال: إذا أردت أن أعظ عاصياً.
جواب: هذا يعني تأمل صفات الجلال وصفات الجمال، وتأمل التوحيد، التوحيد كله خير (اللي) يعلم التوحيد ويعلم صفات الرب جل وعلا ويأخذ هذه المباحث من جهة إيمانه، بما وصف الله جل وعلا به نفسه، وإيمانه بأركان الإيمان الستة؛ الملائكة، والإيمان والقدر والكتب والرسل واليوم الآخر، لا شك أنه سيعقبه خشية، وإن أذنب فسيرجع مثلما جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا زنى العبد المؤمن كان الإيمان على رأسة كالظلة، فإن ترك عاوده))؛ لأن الموحد ولو عصى غلبته شهوته على المعصية أخطأ أذنب، فإن إيمانه بربه جل وعلا وتعظيمه لله جل جلاله يوجب عليه الخشية والإنابة والخوف؛ لأن الرب سبحانه مستحق لأن يذل له وأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى. أعانني الله وإياكم على الخير والهدى والتوبة والإنابة.

سؤال: يسأل عن وصف اليمين والشمال لله جل وعلا؟
جواب: الذي جاء في حديث رواه مسلم، وأثبته طائفة من أهل العلم، والصواب عندي عدم إثباته إثبات صفة الشمال لله جل وعلا.

سؤال: ذكرت في هذا الدرس صفة العين مع عدم وروده فما وجه ذلك؟
جواب: كيف صفة العين مع عدم وروده،الله جل وعلا متصف بهذه الصفة، كما قال سبحانه: {فإنك بأعيننا}, وقال سبحانه: {تجري بأعيننا} والجمع هذا يراد به المثنى؛ لأن لغة العرب إذا أضافت المثنى إلى ضمير تثنية،أو ضمير جمع جمعت المثنى كما في قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صفت قلوبكما} مع أن لهما قلبين؛ قلب عائشة وقلب حفصة {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} أصل الكلام: فقد صغى قلباكما، لكن لما كان تثنية تضاف إلى ضمير تثنية أو جمع فيجمع الأول.

وقد ثبتت في حديث ابن مسعود رَضِي اللهُ عَنْهُ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إن الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة أو طافية)) روايتان ((وإن ربكم ليس بأعور)) جل جلاله،العور باللغة هو ذهاب أحد ماله منه اثنان، يعني أحد العينين، هذا العور،عينان ذهبت إحداهما، قيل: عور،فلهذا الدجال وصف بأنه أعور، قال: ((وإن ربكم ليس بأعور)) يعني: لا يشتبه عليكم الدجال،له عين واحدة والله سبحانه ليس بأعور يعني له عينان، ومن قال إن الآية: {تجري بأعيننا} فيها إثبات الأعين لله جل وعلا،فهذا باطل من جهتين:

الجهة الأولى: الإجماع؛ فإن أهل السنة أجمعوا على أن الله موصوف بصفة العينين.
والثاني: أن الأعين مخالفة لقوله: ((وإن ربكم ليس بأعور))؛لأن لفظة أعور في اللغة تدل على ذهاب إحدى العينين، فتكون الإضافة {تجري بأعيننا} هي إضافة مثنى إلى مجموع، فجمع لأجل هذه الإضافة، كما هو مقرر في لسان العرب، يعني في لغة العرب،نكتفي بهذا القدر،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الشيخ: نعم.

  #6  
قديم 5 ربيع الأول 1430هـ/1-03-2009م, 10:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح العقيدة الطحاوية للشيخ: يوسف بن محمد الغفيص (مفرغ)


الجمع بين النفي والإثبات في مذهب السلف
قال المؤلف عليه رحمة الله: [ومن لم يتوق النفي والتشبيه زلَّ ولم يصب التنزيه، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية] . هذه الجملة التي ساقها الطحاوي رحمه الله هي استتمام لتعليقه على توحيد الأسماء والصفات. وقوله: (ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه)، إشارة إلى أن مذهب سلف الأمة مبني على الجمع بين الإثبات والنفي، ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الأسماء والصفات على جهة الإثبات المفصل والمجمل، وذكر سبحانه وتعالى تنزهه عن مشابهة غيره أياً كان هذا الغير. وإن كان المصنف رحمه الله استعمل لفظ النفي مقارباً للفظ التشبيه، إلا أن لفظ النفي أشرف من لفظ التشبيه؛ فإن لفظ التشبيه منفي على الإطلاق وإن لم يصرح بنفيه في القرآن، وإنما صرح في القرآن بنفي التمثيل، ولكن نفي لفظ التشبيه مستعمل في كلام السلف. وأما النفي فإنه معنىً يقابل الإثبات في العربية، ويراد به هنا نفي الصفة، ونفي الصفة مجملاً أو مفصلاً مستعمل في القرآن، فالمجمل كقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] والمفصل كقوله: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] . ولا شك أن مراد أبي جعفر رحمه الله بالنفي هنا النفي الذي تستعمله الجهمية والمعتزلة ومن شاركهم في طريقتهم من متكلمة الصفاتية، فإن هذا النفي هو النفي المذموم عند السلف، والأولى ألا يعبر بالنفي مقابلاً للتشبيه، فإن السلف برآء من طريقة التعطيل والتشبيه والتمثيل، فيكون المقابل على التحقيق لطريقة المشبهة والممثلة هي طريقة المعطلة، إلا أن النفي لصفات النقص مجمع عليه بين السلف، وهم يستعملون في ذلك طريقة القرآن، فلا يفصلون في صفات النفي؛ لأن كل إثبات مفصل في القرآن فإنه يستلزم بضرورة العقل نفي ما يقابله. ولو أن الطحاوي رحمه الله لم يستعمل لفظ النفي واستعمل لفظ التعطيل أو ما يقاربه مما ذم السلف لكان أولى. ......

الكلام عن الفرق بين صفات الله تعالى وصفات مخلوقاته
قال: (فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية). هذه جمل مجملة يتفق المسلمون عليها، فليس أحد من المسلمين ينازع في جمل التوحيد الأولى، ومن نازع فيما هو من جمل التوحيد الكلية فإنه لا يكون مسلماً؛ لأنها من شرط عقد الإسلام، وإن كان لا يلزم من ذلك أن يكون مناط هذه الجمل محققاً عند سائر أهل القبلة، فمن هذه الجمل المتفق عليها: أن الله موصوف بالكمال منزه عن النقص، وعن مشاركة أحد له في كماله. ولكن لا يلزم من هذا الاتفاق المجمل أن يكون هناك تحقيق عند سائر الطوائف للمناط الصحيح لهذه الجملة، فالمعتزلة مثلاً سمت نفي الصفات توحيداً، وصار من أخص أصولهم ومقدمها التوحيد، ويريدون به نفي الصفات. وأيضاً: عدم مشاركة أحد له تعالى في صفات كماله، جملة يتفق المسلمون عليها، وإن كان غلط من غلط من طوائف المشبهة في بعض أحرف هذه المسألة، وقابلهم أهل التعطيل الذين بالغوا في التفريق بين صفاته وصفات خلقه إلى حد التعطيل، وإلا فإن التفريق ثابت بالإجماع. ......

إنكار المعطلة لصفة العلو
الذين عطلوا صفة العلو عن الله سبحانه وتعالى فإنهم يستعملون لتعطيلها طرقاً، فغلاتهم كالمتفلسفة ومن اقتدى بهم من المعتزلة ومتأخري الأشاعرة يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه، وبعض من ينتسب منهم للسنة والجماعة وهو ليس كذلك كمتأخري الأشاعرة يعبرون بنفي الجهة، وهذا تعبير عبَّر به طوائف من المعتزلة. وهذه المقالات ليس لها أثر في دين الرسل، وليس عليها مسحة الأنبياء، ولا يفقه العقل منها إلا الحكم على هذا الموصوف بالعدم، فإن ما لا يكون داخل العالم ولا يكون خارجه لا يكون إلا عدماً، فإذا قالوا: يمتنع أن يكون داخل العالم ويمتنع أن يكون خارجه فهذا هو الممتنع. ولهذا قال شيخ الإسلام وغيره: (إن طريقة هؤلاء أنهم يشبِّهون الباري بالممتنعات؛ لأنهم يقولون: يمتنع أن يكون داخل العالم ويمتنع أن يكون خارجه). ......

خلاصة أدلة منكري العلو
كل دليل ذكره المتفلسفة الإسلاميون -أي: من ينتسبون للإسلام كـابن سينا و ابن رشد وأمثالهم- أو ذكره أئمة الجهمية -كأئمة المعتزلة ونحوهم- أو ذكره المتأخرون من الأشاعرة كـأبي المعالي و محمد بن عمر الرازي و أبي الحسن الآمدي وأمثال هؤلاء، أو ذكره الماتريدية؛ كل دليل ذكره هؤلاء موجباً لنفي العلو من العقل فإنه يرجع إلى دليل واحد وهو: أن إثبات العلو يستلزم إثبات الجهة، والجهة تستلزم التحيُّز، أي: أن يكون الله في مكان معين يحوزه، سواء عبروا عنها بدليل المقابلة، أو استلزام المقابلة، أو استلزام الانطباع، أو كما زعم المعتزلة أن أخص صفات الباري القدم، ولو أثبتنا العلو أثبتنا الجهة، فيلزم أن نكون أثبتنا قديماً آخر مع الله، وهو ما يسميه بعض أئمتهم المتاخرين: دليل الغيرية.

معنى أن الله في السماء
لا شك أن السلف مجمعون على أن الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه، حتى قال أبو حنيفة رحمه الله: (من زعم أن الله في السماء على معنى كون الكرسي في السماء فقد كفر)، ومعنى هذا: أن قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث معاوية بن الحكم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء) ليس المقصود منه أنه في إحدى السماوات السبع أو غيرها من المخلوقات، وقد قال عن كرسيه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}} {[البقرة:255] فكيف بعرشه. وقول المعطلة مبني على أنهم فسروا كلام السلف وظاهر القرآن: أن الله في السماء، بمعنى أنه داخل مخلوق من مخلوقاته سواء السماء السابعة أو غيرها، وليس معنى قول السلف: إن الله في السماء، مساوياً لقولك: إن الملائكة في السماء. بمعنى: أنهم في المكان المخلوق يحيط بهم ويحتاجون إليه، ولا كمعنى قولك: إن بني آدم في الأرض، أي أنهم مستقرون بها محتاجون إليها، فيكون وجودهم مرتبطاً بوجودها؛ لكن معنى كونه في السماء، أي: أنه فوق سماواته.


الرد على منكري علو الله تعالى
لقد ذكر الله تعالى في سبعة مواضع من كتابه استواءه على عرشه، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] والعرش هو سقف المخلوقات، والله فوق عرشه، ولهذا فسَّر السلف الاستواء بالعلو، وإذا كان علياً على عرشه فإن غير العرش من المخلوقات يكون من باب أولى؛ لأن العرش هو سقف المخلوقات وهو أعظمها، فقول السلف هو القول الذي لا يمكن لعاقل -حتى ولو لم يكن مسلماً- إذا استعمل عقله الذي آتاه الله إياه إلا أن يصححه. يقول شيخ الإسلام في (منهاج السنة) و(درء التعارض)، وغيرها: (وأما قولهم: لو كان متصفاً بالعلو لكان في جهة، فإنا نقول: إن لفظ (الجهة) لفظ مجمل حادث، فإن أريد بالجهة الجهة الوجودية -أي: الجهة المخلوقة- فإن الله منزه عن سائر مخلوقاته؛ لأنه بائن عن خلقه، وإن أريد بالجهة معنىً عدمياً، وهو أنه فوق العالم؛ فإن الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه، فوق سماواته، مستو على عرشه). ومن باب الاستطراد يقول رحمه الله: (ومن زعم أن سائر ما يكون موجوداً يلزم أن يكون في جهة مخلوقة فقد غلط، قال: فإن العالم متناهٍ من جهة كونه مخلوقاً، قال: ومعلوم أن سقف العالم ليس في جهة أخرى، وإلا لزم التسلسل، فإذا صح ذلك فيما هو مخلوق على جهة الإمكان العقلي ففي حق الخالق من باب أولى، بل يكون هذا في حقه واجباً، وهو لتنزيهه سبحانه وتعالى عن سائر مخلوقاته). وقد كان الجاهليون فضلاً عن أتباع الرسل إذا ذكروا كونه سبحانه وتعالى في السماء يقصدون أنه في العلو، أي: فوق السماوات. وقد استعمل بعض أئمة المثبتة للعلو كـأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ؛ وأبي الحسن الأشعري دليل العقل على إثبات هذه الصفة، واستعمله أيضاً الإمام أحمد كما نص عليه شيخ الإسلام ، قال: (فإن الإمام أحمد قال لبعض أئمة الجهمية في هذه المسألة: إن الله لما خلق العالم خلقه بائناً عن ذاته، أوحالاً في ذاته؟ ومعلوم أنه لا بد أن يكون بائناً عن ذاته، قال: فإما أن يكون الله فوقنا وإما أن يكون محايزاً لنا وإما أن يكون تحتنا، والله منزَّه عن السفل وعن المشاكلة والمحايزة، فلم يبق من ضرورة العقل إلا أن يقال: إن الله فوق العرش). ولهذا كان من فقهه وأدبه صلى الله عليه وآله وسلم مع ربه لما ذكر الدعاء: (اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، قال: وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) ولم يقل: واحفظني من تحتي. قال شيخ الإسلام : (وهذا من أدب الأنبياء مع ربهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى منزَّه عن السفل، وإن كان محيطاً بكل شيء ولا يخفى عليه شيء؛ فإنه الباطن الذي ليس دونه شيء).

إثبات العلو يلزم منه إثبات سائر الصفات
كل من أثبت صفة العلو فإنه يلزمه عند التحقيق أن يثبت سائر الصفات؛ ولهذا ترى أن أئمة المعطِّلة لما عطَّلوها رتبوا على تعطيلها التعطيل لعامة الصفات، بل يمكن أن يقال: إذا انغلق تعطيل صفة من الصفات على المعتزلة ردوا تعطيلها إلى كون إثباتها يستلزم إثبات العلو، وهو ما يسمونه في كتبهم بالجهة، والجهة عندهم منتفية. ومن مثال ذلك: صفة الرؤية؛ فإنه انغلق عليهم امتناعها من جهة العقل، فلم يجعلوا لمنعها من جهة العقل إلا أن إثباتها يستلزم إثبات الجهة الذي هو إثبات العلو، وهذا ما يسمى عندهم بدليل المقابلة.

السؤال عن الله تعالى بـ(أين)
إن سائر المنكرين لهذه الصفة مجمعون على أنه لا يصح أن يسأل عنه سبحانه بالأين، ويقولون: إن من سأل عنه بأين لزم أن يقوم في عقل الجاهل ما هو من التشبيه. فيقال لهم: إنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد إثبات إيمان الجارية قال لها في أول سؤال: (أين الله؟ فقالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . وقد استوعب محمد بن عمر الرازي سائر الأدلة التي أوردها أئمة الجهمية والمعتزلة وابن سينا وأمثاله، وأوردها بعض أصحابه الذين شاركوه كـأبي المعالي وغيره؛ استوعبها في كتبه المطولة كـ(المطالب العالية)، و(نهاية العقول)، و(أساس التقديس)، وزعم محمد بن عمر الرازي أنه لم يقل بإثبات هذه الصفة إلا الحشوية وأتباع محمد بن كرام المشبهة، وهذا جهل أو كذب، وأحسن أحواله الجهل، فإنه يعلم أن هذا ليس مذهباً مختصاً بهؤلاء وحدهم، وليس هناك طائفة معروفة يقال بأنها الحشوية. وإن كان مراده بذلك المثبتة للصفات، فهذا تشبيه أو استعمال دخل عليه من المعتزلة، بل إنه قال في (أساس التقديس): (ولم يثبت هذه الصفة إلا الحنبلية والكرامية). وأريد بالحنبلية أتباع الإمام أحمد ؛ لأنه يزعم أن إثباتها مختص به، وهذه دعوى قالها الرازي وجماعة حين زعموا أن هذا المذهب الذي قرره شيخ الإسلام وأمثاله هو مذهب مختص بالإمام أحمد ، وبعض هؤلاء يقول: هو مذهب للإمام أحمد وأهل الحديث، حتى لا يضيفوه إلى الشافعي و أبي حنيفة وأمثالهم من الفقهاء وغيرهم. وقد استعمل بعض المفكرين من المعاصرين مثل هذا الكلام، فصار يخصص ما ذكره شيخ الإسلام بطريقة أهل الحديث، ويعني بأهل الحديث: أحمد وأمثاله، ويجعلون الشافعي و أبا حنيفة من الفقهاء. وكل هذه طرق متكلفة، ولا شك أن السلف عُبَّادهم وفقهاؤهم ومحدثوهم، بل وعامة المسلمين على هذه الأصول، ولا يزيغ عنها إلا مخالف لأصولهم وطريقتهم، ومن يكون قد تلقى علمه ودينه عن الأصول الكلامية التي يعلم أنه من الممتنع في العقل فضلاً عن الشرع أن يعلق الإيمان والتوحيد بها. قال شيخ الإسلام في درء التعارض: (ولو كان الناس محتاجين في أصول دينهم إلى غير ما ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما نزل عليه، لما كان هذا القرآن بياناً وهدىً للناس).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأن, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir