قال رحمه الله تعالى بعد ما ذكر: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه" وهذا رد على الطائفتين؛ طائفة المؤولة المحرفة، وطائفة المجسمة، المجسمة شبهوا , والمؤولة أو المحرفة نفوا، فهؤلاء نفوا الصفات , والمجسمة مثلوا , فمن كان ممثلاً أو محرفاً فقد زل ولم يصب التنزيه , ولهذا نقول إن وقوله: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه" أن هذا تحذير , حتى للموحد لا يخطر ببالك أن الله جل وعلا في صفته ثم مشابهة بينه وبين صفة الخلق , فكل ما خطر ببالك فالله جل وعلا بخلافه، لا من جهة كمال الصفة، ولا من جهة الكيفية , وإنما نثبت كمال الصفة، الكمال المطلق لكن كيف هذا الكمال، حدود هذا الكمال، لا نستطيع ذلك.
نقف عند هذا، ونكمل إن شاء الله في الدرس القادم، أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يزيدني وإياكم من الهدى والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
سؤال: لو ذكرتم كتباً تكفي طالب اللغة تتحدث عن نشأة اللغات؟
الجواب: نشأة اللغات فيها كتب كثيرة ليست سليمة، يعني لم أر كتاباً سليماً في جملة تفاصيله؛ لأنه لا يخلو كل باحث من من خلفيات عنده ومقررات سابقة تسيطر عليه في بحثه ذاك، لكن من أحسنها أو مما يُطلعك على ذلك كتاب اسمه (مولد اللغة) للشيخ مصطفى الغلاييني، وثم كتب أخرى.
سؤال: أول درس لي في العقيدة هو هذا الدرس الطحاوية , ولم أدرس في الواسطية وغيرها فبماذا تنصحني؟
الجواب: إذا كان هذا أول درس فصعب؛ لأنني راعيت في هذا الشرح من انتقل معنا من الواسطية إلى الطحاوية , لذلك يذكر أشياء فيها مباحث لم تذكر فيما قبل , يعني ما نكرر المعلومات تماماً وإنما نزيد في بعض المسائل.
فأنا أوصي الأخ هذا أول درس له أن يبتدئ من أحد أهل العلم بكتاب (لمعة الاعتقاد) وينتقل منه إلى الواسطية , ثم بعد ذلك ينتقل إلى شرح الطحاوية.
ردا على سؤال غير مسموع: تولدت اللغة من أخرى هل مرة حصلت مواضعة؟ أنت ستصل بك المسألة إلى {وعلم آدم الأسماء كلها} هذا إجابة العلماء اختلفوا هل اللغات توقيفية أو اصطلاحية والصحيح من الأقوال فيها عدة أقوال الصحيح أن الأسماء المطلقة توقيفية , الأسماء اللغوية بدون أن نقول بلغة فلان بلغة العرب أو باللغة السريانية وهكذا، الأسماء مطلقاً هذه توقيفية لقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} أما بعد ذلك التداخل والتوسع فيما (غير مسموع) يوجد برهان واضح.
ـ...............
ـ لا شك اللغة تنمو، اللغة تنمو.
ـ...............
ـ لا تطبيق مثال إذا كان المعنى الكلي موجودا فكل ما يذكر مثال؛ لأن المعنى الكلي يختلف باختلاف الإضافة , مثلاً عندك السمع، السمع هذا.. هذه كلمه عامة , السمع معروف , لو أردت أن تُعبر عن السمع تقول: إدراك المسموعات , واضح؟ وأيضاً فيه إشكال؛ لأنك رجعت بتعريف السمع إلى المسموع , واضح؟ المسموع رجعنا بالمسموع إلى السمع صار فيه دور (غير مسموع) ولذلك لا يصح تعريفاً على طريقة المناطقة وإنما هو تقريب.
إذا قلنا السمع إدراك المسموعات، سمع الإنسان يصح أن يُطلق عليه سمع، سمع البعوضة يصح أن يُطلق عليه سمع، الإنسان في سمعه تلحظ فيه أذن وفيه صماخ وفيه الغضاريف الزائدة , هذه التي يجتمع فيها تتلقى بها , هذا وسيلة حصول السمع لكن البعوضة ما فيها عندها سمع، إذن فالكلية الحاصلة , وهو إدراك المسموع موجود لكن تمام المعنى بالنسبة للإنسان يناسب ذاته، الكيفية مختلفة، ما يناسب البعوضة أو الذبابة من السمع يناسبها بقدرها، آلة السمع عندها مختلفة عن آلة السمع عندنا، البصر في بعض الحيوانات تبصر بأي؟ بالذبذبات , يعني بإرسال أصوات , يعني عندها إحساس آخر , وتقول: إنها تبصر؛ لأنها تدرك المبصرات , إذا جاءت إلى الشيء مالت عنه وهي ليس لها ما تبصر (طيب) كيف؟
إذن كيف الاتصاف بالصفة، كيفية الاتصاف بالصفة هذا لا يجوز أن يُجعل حكماً على المعنى الكلي، فالمعنى الكلي ما يشمل هذه الصفات المشتركة بين الكائنات، بل المعاني المشتركة العامة فهي تأتي في الإنسان تطبيقاً، تأتي يطبقها الإنسان على نفسه , يطبقها على الحيوان , يطبقها بزائد ناقص , وإنما تختلف من حيث كمال المعنى ومن حيث الكيفية , ما مثلت لك , ولهذا قال طائفة من أهل العلم في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}: إن الله جل وعلا نبه على السمع والبصر في هذا لأجل اشتراكه بين كل الكائنات الحية , الكائنات الحية التي لها سمع ولها بصر , ومع ذلك أثبته لنفسه مع قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؛ لأنه موجودا , ووصف الله به نفسه فمعنى ذلك أنه إثبات صفة لا إثبات مشابهة أو كيفية.
سؤال: هل يصح إطلاق لفظ العارف أو قاضي القضاة على العالم؟
الجواب: أما لفظ العارف فلا بأس به , استعمله أئمتنا في بعض كلامهم: قال بعض العارفين، قال فلان العارف بالله، على قلة والأحسن أن يترك، وأما لفظ قاضي القضاة فهو محرم؛ لأن قاضي القضاة هو الرب جل جلاله.
سؤال: ما رأيكم فيمن قال: ليس لله مكان؟
الجواب: هذا باطل , المكان لا يطلق ولا ينفى؛ لأنه ما جاء في الكتاب ولا في السنة , وإنما نقول: الله جل وعلا مستوٍ على عرشه كما وصف به نفسه.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ردا على سؤال غير مسموع: لا ما يلزم، ما يلزم إذا صار فيه في الغيبية، الأمور الغيبية، الأمور الغيبية ما تدخل فيها؛ لأن هذه الأشياء غائبة، وهم أول الغائب , إذا أردت أن تؤول فيكون التأويل على الظاهر، إذا كان الظاهر الكيفية فالتأويل (غير مسموع) إذا كان الظاهر أصل المعنى فيكون التأويل على أصل المعنى إذا كان الظاهر (غير مسموع) فيكون التأويل (غير مسموع) يعني الأشياء متنوعة عندنا كيفية وأصل المعنى (إيش؟) وكمال المعنى إذا كان الدليل فيه (غير مسموع) نتكلم في أي دليل إذا كان الدليل فيه بدون ذكر الإنسان فلا مانع أن يكون للإنسان التأويل الشرعي يعني التأويل هذا الدليل (غير مسموع) هه (غير مسموع) بقرينة؛ لأن هذا المراد في الحقيقة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) معلوم أن الجنة ليست في الأرض وأن الأرض ليست فيها الآن بقعة من الجنة , فإذن روضة من رياض الجنة هذا هناك (وإيش) المراد بها؟ قالوا: هذا المعنى، المعنى روضة ما بين بيتي ومنبري، هذه البقعة لها وضوح كيفية واضحة لنا هذه البقعة ما بين البيت والمنبر كونها روضة من رياض الجنة , لا بد أن يكون ثم تأويل لها , تأويل صحيح لها فسرت بأنها روضة من رياض الجنة , يعني: أنها وسيلة من وسائل أن تكون في الجنة والتعبد فيها وما يجده المؤمن من اليقين, ومن حب النبي عليه الصلاة والسلام. واضح؟
ـ.........................
ـ كيف؟
ـ.........................
ـ ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) ما بين البيت والمنبر هذا (إيش؟) هذا (غير مسموع) واضح؟ روضة من رياض الجنة هذا الحكم.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد (غير مسموع) وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين، أما بعد.., فهذه بعض الأسئلة بين يدي الدرس.
سؤال: ما معنى هذه العبارة: لا يستعمل في العلم الإلهي قياس تمثيلي أو شمولي، وإنما يستعمل قياس الأولى؟
جواب: هذه الأقيسة الثلاثة مستعملة عند المناطقة: قياس التمثيل، وقياس الشمول، وقياس الأولى، والتمثيل والشمول يقتضي الاشتراك في الجنس؛ لأن المثال هو أحد أفراد الجنس، وأما القياس الذي يصح أن يطبق في صفات الله جل وعلا، وفيما يليق به جل جلاله فهو قياس الأولى، يعني: أن يقال: كل كمال في المخلوق فالله جل وعلا أولى به؛ لأن الله سبحانه متصف بصفات الكمال المطلق، وإذا كان في المخلوق نوع كمال يناسبه فالله جل وعلا له الكمال المطلق، مثاله المخلوق الغنى كمال في حقه، يعني عند الناس، وكذلك سلامته؛ سلامته في حكمته وإدراكه، وهذا كمال في حقه، كذلك قدرته كمال في حقه، كذلك سمعه وبصره، وسلامة آلاته، هذا كمال في حقه، وهكذا.
فهذه الصفات التي في المخلوق، التي تكون فيه كمالا فهي تثبت لله جل وعلا؛ لأن الله سبحانه أولى بالكمال، وأولى بنفي النقص عنه جل جلاله، ومن الأمثلة التي تشكل على بعض الناس في هذا الباب هو أن يقال: إن الله جل وعلا نفى عنه الولادة، فقال {لم يلد ولم يولد} فليس له ولد؛ لأنه غير محتاج إليه، والمخلوق الولد في حقه كمال؛ إذ العقيم ليس بكامل عند الناس، وهذا ليس متجهاً ولا معارضا للقاعدة؛ لأن المخلوق صار الولد في حقه كمالاً لحاجته إليه، فهو يستكثر بالولد، ويستقوي به لحاجته إليه؛ لأنه قد ينتفع منه بأنواع الانتفاع، ولهذا.. والولد في حق المخلوق نقص، ولهذا ينفى عن الله جل وعلا وليس كمالاً، كما قد يظن.
المقصود أن هذه العبارات: القياس التمثيلي، والقياس الشمولي، وقياس الأولى، من عبارات المناطقة أصحاب المنطق وعلم الكلام، ولا يصح استعمالها عند أهل السنة والجماعة إلا في قياس الأولى دون غيره.
سؤال: ذكر أحد طلبة العلم أن التوراة والإنجيل والزبور ليست كلها محرفة، بل أغلبها، لذا اختلف العلماء في مس الجنب لها، ويجوز الحلف بها؛ لأنها من كلام من كلام الله، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته. السؤال: هل هذا الكلام صحيح؟ وهل يجوز الحلف بالتوراة والإنجيل والزبور، أرجو التوضيح؟
جواب: أولاً: التوراة والإنجيل والزبور التي أنزلت على موسى وعيسى وداود هذه كلام الله جلا وعلا، لكن هذا المنزل على هؤلاء الأنبياء الموجود الآن لا يتقين أنه ذلك المنزل، بل قد يكون الموجود اختلط به كلام الله جل وعلا وكلام علمائهم، وزيادات باطلة من التحريفات، والعلماء اختلفوا هل وقع التحريف في هذه الكتب من جهة المعنى، أو من جهة الألفاظ؟ يعني هل حذفت بعض الأشياء وأبدلت بأخرى وحرفت بنقص، بحذف، ثم زيادة أشياء من كلام الناس؟ أم كان التحريف في المعنى فقط؟
فهم حرفوا من جهة المعنى مع بقاء الأصل، على ثلاثة أقوال لأهل العلم، والصواب منها أن التوراة والإنجيل فيها وفيها، فيها ما هو من كلام الله، وفيها ما هو من إضافات الناس الباطلة، وفيها ما حرف لفظه، وفيها ما حرف معناه، اجتمعت فيها كل أنواع التحريف: تحريف اللفظ، وتحريف المعنى، وترك الأحكام، وهذا له تفاصيل في محلها.
سؤال: ما المراد بالغل في قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سررٍ متقابلين}؟
جواب: الغل هو الحقد والضغينة، التي (كلام غير مسموع) النفس والفؤاد، وأصل هذه المادة في اللغة مادة غل لما يكون متخللاً لشيء، ولهذا قيل: الغُل الذّي تُغل به الرقبة {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} سمي غلاً (غير مسموع)؛ لأنه يتخلل الرقبة)، والرقبة تتغلله، وهو يتخلل أيضاً الرقبة يحيط بها، وكذلك يقال للماء الذي يجري بين السواقي من هذه المادة, ويسمى الغليل وأشباه ذلك، فالمقصود أن هذه المادة تدور على التخلل وعلى التسلل، فلهذا الحقد والضغينة إذا كانت متسللة في النفس، محيطة بها سميت غلا، كما قال هنا: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، ويدعوا أهل الإيمان: {ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} فأهل الجنة ليس في قلوبهم غل، ولا حسد، ولا ضغينة، بل هم أحباب متآخون.
سؤال: ما حكم التقليد في مسائل الأصول والفروع؟
جواب: هذه مسألة طويلة.
سؤال: ما حكم من نسي قراءة الفاتحة في الصلاة حال الجهر أو السر؟
جواب: ليس عليه شيء، وإذن ينتبه المرات القادمة أن يقرأها.
سؤال: شخص فاتته الصلاة فصلى بزوجته، هل تكون صلاتهما جماعة فتكون أفضل من صلاته وحده بسبع وعشرين درجة؟
جواب: الجواب نعم، صلاة المرءُ في جماعة ولو معه واحد مكلف هذه تعتبر صلاة جماعة؛ لأن الجماعة في هذا المقام اثنان فصاعداً، فإذا فاتته الصلاة في المسجد أو مع جماعة فإنه يصلي بأهله.
سؤال: ما هو الفرق بين معجزات الأنبياء ومعجزة القرآن؟
جواب: هذا سبق أن ذكرنا الكلام عليه.نعم.
القارئ: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى:
فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى عن الحدود، والغايات والأركان، والأعضاء، والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.
الشيخ: نعم يا قائد.
القارئ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
قال الإمام أبو جعفر (غير مسموع) بن محمد الطحاوي رحمه الله تعالى:
ومن لم يتوقَ النفي والتشبيه ذل، ولم يصب التنزيه؛ فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى عن الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.
الشيخ: الحمد لله، وبعد.., قال رحمه الله: "ومن لم يتوقَ النفي والتشبيه ذل، ولم يصب التنزيه"، "ومن لم يتوق النفي والتشبيه ذل ولم يصب التنزيه" هذه العبارة مقررة لقاعدة عامة من قواعد أهل السنة والجماعة، أن صفات الرب جل وعلا يجب ألا يسلط عليها النفي، ولا أن يعتقد فيها التشبيه، بل يجب على المسلم في إثباته للصفات أن يتوقى نفيها بدرجاته، وأن يتوقى التشبيه، فلا يثبت مشبهاً، ولا ينفي معطلاً.
قال: "ذل ولم يصب التنزيه؛ لأنه ليس على الطريق الحق، فكل من تعرض للصفات بنفي أو بتشبيه فإنه ليس بموحد" قال: "لم يصب التنزيه"، يعني: لم يصب التوحيد وتنزيه الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، وهذا الأصل معلومٌ في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة، منها قول الله جل وعلا: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد}، وقال سبحانه: {هل تعلم له سمياً}، وقال أيضاً جل وعلا: {وله المثل الأعلى} سبحانه وتعالى، وهذه وأمثالها له المثل الأعلى يعني له النعت الأعلى والوصف الأعلى، و {هل تعلم له سمياً} يعني: يساميه، يماثله، يشابهه في كمال أسمائه، وما تضمنته من الصفات، فهو سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
إذا تبين لك هذا المعنى العام لهذه الجملة، فإن قوله: "النفي والتشبيه والتنزيه" هذه ثلاثة ألفاظ تحتاج إلى شرح، أما الأولى، وهي النفي، فالنفي يشمل أشياء: الأول: أن ينفي صفات الله جل وعلا كلها، أو أن ينفي أكثرها، أو أن ينفي بعضاً منها، فالذين نفوا كل الصفات هم الجهمية، والذين نفوا أكثر الصفات هم المعتزلة، والكلابية والأشاعرة والماتريدية, والذين نفوا بعض الصفات طوائف كثيرون من المفسرين ومن شرَّاح الأحاديث، يغلطون فيثبتون في موضع، ويناقضون أنفسهم (غير مسموع) في موضوع آخر.
فإذن النفي من جهة أصله فيه هذه الدرجات (غير مسموع) بعض الصفات فأكثر ما يغلط فيه من غلط من المفسرين وشراح الحديث في الصفات، التي هي من (غير مسموع) صفات الأفعال، وهذه يعني الصفات الاختيارية مثل الرضا، والغضب، والنزول، والمقت، والأسف، وأشباه ذلك من الصفات، الصفات الاختيارية، قل من ينهج فيها منهج السلف الصالح؛ وذلك لأن الباب بابٌ واحد في الصفات الذاتية وفي الصفات الفعلية.
المسألة الثانية المتعلقة بكلمة النفي، النفي تارة يتوجه لأصل الصفة، وتارة يتوجه لظاهر الصفة، وتارة يتوجه لكيفية الصفة، وتارة يتوجه إلى معنى الصفة، فهذه مراتب، أما توجهه لأصل الصفة كما ذكرنا ينفي أصلاً اتصاف الله جل وعلا بالسمع، ينفي أصلاً اتصاف الله جل وعلا بالحكمة، ينفي أصلاً اتصاف الله جل وعلا بالعلم، وهكذا.
أما المرتبة الثانية: وهو أن يتوجه النفي للظاهر، فيقولون: تثبت الصفة لكن ظاهرها غير مراد، كيف؟ يقولون: نثبت الاستواء، لكن ليس على ظاهره، فالاستواء له معنى غير المعنى الظاهر المتبادر منه، له معنى آخر، وهؤلاء على فرقتين: منهم من يقول المعنى كيت وكيت، ومنهم من يقول المعنى لا أحد يعلمه، فأما الأولون فهم المؤولة، وأما أصحاب القول الثاني فهم أهل التجهيم، الذين يسميهم العلماء المفوضة، يثبتون لكن يفوضون كل صفة لله جل وعلا لا يعلمون لها معنى، ولا يعلمون لها كيفية، جميع الصفة منفية، يعني منفي العلم بها، مثبتة لكن منفي العلم بها.
وأما المرتبة الثالثة: فالنفي المتجه إلى الكيفية فقط، وهذا النفي الذي يتجه إلى كيفية الصفة، هذا واجب، وهو منهج أهل السنة والجماعة، فإننا ننفي العلم بالكيفية؛ لأن الله سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فنثبت الصفة مع نفينا للكيفية، وهذا المعنى ليس مراداً في قوله: "ومن لم يتوق النفي"، بل هذا نفي واجب، أن ننفي علمنا بالكيفية، فالكيفية لا يعلمها إلا الله جل وعلا كما قال جل جلاله: {وما يعلم تأويله إلا الله} والأخير النفي المتجه إلى المعنى، والنفي المتجه للمعنى هذا يثبت كثيرون الصفة لكن ينفون المعنى، يقولون: ليس لها معنى، ليس لها معنى مطلقاً؟ يقولون: نعم، فاسم الرحيم هو العليم، والرحمة هي العلم، لكن لما تعلقت إرادة الله بالمعين فرحم سمي هذا التعلق رحمة لما تعلقت به قدرة سمي ذلك قدرة... إلى آخره، فيقولون: هي من جهة قيامها بذات الرب جل وعلا شيء واحد، فلذلك ننفي أن يكون لهذه الصفات معاني متعددة.
وهذا يشترك فيه جملة من أصحاب المذاهب المختلفة، فقوله إذن: "ومن لم يتوق النفي)) يدل على أن ترك النفي مطلوب وواجب، وهو ألا ينفى، تنفى أصل الصفات، وألا ينفى الظاهر، وألا ينفى العلم بالمعنى، بل ينفى شيء واحد وهو الكيفية دونما سواها.
قال: "والتشبيه" الثانية كلمة التشبيه، التشبيه مصدر شبهه بغيره تشبيهاً أو شبه الشيء بكذا تشبيهاً، فالتشبيه هو جعل مخلوق مشابهاً لله جل وعلا، أو جعل الله جل جلاله مشابهاً في صفاته للمخلوقات، والتشبيه مراتب أيضاً:
المرتبة الأولى من مراتب التشبيه: التشبيه الكامل، وهو المساوي للتمثيل، التشبيه الكامل، وهو المساوي للتمثيل، يعني أن يقول: يده كيدي، كقول المجسمة، والعياذ بالله، وصورته كصورتي، والعياذ بالله، وأشباه ذلك، فهذا تشبيه كامل، يعني شبه الله جل وعلا بالمخلوق من جهة الصفة في الكيفية وفي المعنى، وهذا كفر بالله جل وعلا {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
والمشبه يعبد صنماً، الممثل يعبد صنماً، تخيل في نفسه صورة للرب جل وعلا فجعلها عليه، وهذا كما قلنا لكم: لا يمكن أن يكون لله جل وعلا في ذاته وصفاته شيء يتخيله العبد أو يتصوره؛ لأنه كل ما خطر ببالك فالله جل وعلا بخلافه، كل ما جاء في بالك فالله سبحانه وتعالى بخلافه؛ لأن المعرفة واستقبال المعارف والإدراكات في الإنسان تأتي شيئاً فشيئاً، فهو أصلاً جاء من غير إدراك، والله جل وعلا جعل له السمع والبصر والفؤاد ليدرك، فإذن كل المدركات في الإنسان مجلوبة له من واقع ما رأى، ومن واقع ما سمع، أو من واقع ما قارن، والشيء الذي لم يره ولم يسمعه وليس ثم ما يقارن به، فكيف تحصل له معرفته؟
ولذلك تجد أن الإنسان لا يمكن أن يتصور شيء ما رآه، أو رأى مثيلاً له، أو رأى ما يقاس عليه، ما يجتمع (وياه) في أشياء، ما يمكن يتصور شيئا لم يره أصلاً أو يرى مثيلاً له، لكن لو رأى ما يقاس عليه ممكن رأى مثيلاً له ممكن، مثلاً تقول: الإنسان الياباني مختلف في صورته عنا، لكن يبقى التخيل العام عندك، مادام إنه إنسان، فهو على هذه الصفة، تقول مثلاً: الخبز في بلد له شكل غريب، لا تتصور أنت هذا الشكل، لكن تعرف الخبز ما هو من حيث الصفة؛ لأنك تعرف أن ذاك سيكون في مادته مشابهاً لهذا الذي عرفته، لو ذكر لك شيئا غريبا مثلاً في بلد من البلاد في بناء مثلاً رأينا بناءً عجيباً، ممكن أن تتصور البناء على نحو ما إذا كنت رأيت شبيهاً له، أو ما يقاس عليه، لكن.. أو مركبات هذا البناء وطريقة البناء وأنها أدوار مثلاً، قال لك مثلاً: مثلث، شرح لك عن الأهرامات من صفتها كذا وكذا يمكن أن تتصور؛ لأنك رأيت مثلا لما رأيت ما يقاس عليه، رأيت ما يمكن أن تعقد مقارنة، فتصل إلى نوع إدراك لذلك، أما الرب جلا جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته فلا يقاس بخلقه، ولم ير مثيلاً له جل جلاله ولا يقارن بشيء.
ولذلك كل ما يخطر في البال إنما هو من جرَّاء إدراكات مختلفة، لا يمكن أن يكون منها حقيقة الرب جل جلاله، ولهذا كل ما خطر في بالك فالله سبحانه وتعالى بخلافه، فإذا استرسل مع هذا وشبه فإنه يعبد صنماً، يعني تخيل في نفسه صورة وهيأ له إلهاً، يكون على نحو ما فعبده، ولهذا قال أئمة السلف: المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، هذا التشبيه الكامل الذي هو التمثيل، وهذا التمثيل أو التشبيه قد يكون في الذات بأجمعها، وقد يكون في صفة من الصفات، قد يقول: الله سبحانه وتعالى مثلي على صفتي والعياذ بالله، وهذا كفر، أو يقول: يده كيدي، وسمعه كسمعي، وعينه كعيني، وأشباه ذلك، وهذا أيضاً كفر بالله جل جلاله.
المرتبة الثانية في التشبيه: أن يكون التشبيه في بعض الصفة لا في الكيفية، ولكن في المعنى، فيقول: الكيفية لا نعلمها، لكن معنى الصفة في الله جل وعلا هو معناها في المخلوق، وهذا أيضاً مما ينبغي تجنبه؛ لأن صفة الرب جلا وعلا معناها في حقه كامل، لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه، وأما في المخلوق فهو فيه الصفة، ولكنها ناقصة تناسب نقص ذاته، فلهذا يقال في مثل هذا: إن الله جل وعلا له الكمال المطلق في صفة السمع، والمخلوق متصف بالسمع، أو تقول: لله سمع وللمخلوق سمع، وليس السمع كالسمع، يعني في أصل المعنى موجود سمع وسمع، لكن في تمام المعنى وكماله مختلف، ليس الاتصاف في الله جل وعلا مثل الاتصاف في المخلوق.
المرتبة الثالثة في التشبيه: تشبيه العكس، تشبيه المخلوق بالخالق والعياذ بالله، وتشبيه المخلوق بالخالق، يعني أن يجعل للمخلوق صفة من صفات الله جل وعلا، مثل أن يغيث، أو أنه يسمع وهو غائب، أو أن له قدرة، أو أن له تصرف في الكون أو أشباه ذلك، وهذا كحال عباد الأصنام، والأوثان، والقبور، وعباد عيسى، والملائكة وعبَّاد الأولياء كلهم، على هذه الصفة، يجعلون للمخلوق بعض صفات الله جل وعلا.
وهذا لا شك أنه تشبيه، وهو في حد ذاته من جهة التشبيه كفر لمن اعتقده، فمن وصف المخلوق بصفة الله جل وعلا من تصريف الكون أو يقولون: فلان من الأولياء له ربع الكون، يتصرف فيه، أوله نصف الكون يتصرف فيه، أو فلان الملك له التصرف في الملكوت بنفسه فيطلب منه، ويستغاث به، ويسأل أو يلجأ إليه، ونحو ذلك من الأموات أو من الغائبين، فكل هذا تشبيه للمخلوق بالخالق، وتمثيل للمخلوق بالخالق، وهو شرك بالله جل جلاله، لهذا لم يطلق أكثر السلف نفي التشبيه، وإنما أطلقوا نفي التمثيل؛ لأن الله جل جلاله قال: {ليس كمثله شيء} ولفظ شبه والتشبيه لم يرد في النفي في الكتاب ولا في السنة فيما أعلم، وإنما ورد لفظ التمثيل {ليس كمثله شيء} وفرق ما بين التمثيل وما بين التشبيه؛ لأن التمثيل معناه المساواة، هذا مثل هذا، يعني يساويه في صفة أو في صفات، أما التشبيه فهو من التشابه، وقد يكون التشابه كاملاً فيكون تمثيلاً، وقد يكون التشابه ناقصاً فيكون في كل المعنى أو في أصل المعنى على نحو ما فصلت لك.
فإذن إذا قيل: لا نشبه فلا يندرج في ذلك إثبات أصل المعنى، يعني التشابه في المعنى؛ لأنه لا يستقيم إثبات الصفات إلا بمشابهة في المعنى، ولكن ليس مشابهة في كل المعنى ولا في الكيفية؛ لأن هذا تمثيل، فلهذا لا يطلق النفي للتشبيه، لا نقول: التشبيه منتفٍ مطلقاً كما يقوله من لا يحسن، بل يقال: التمثيل منتفٍ مطلقاً، أما التشبيه فتقول: التشبيه منتفٍ، الله سبحانه وتعالى لا يماثله شيء، ولا يشابهه شيء، وينصرف هذا النفي لتشبيه الكيفية أو في تمام المعنى في كماله.
قال: "ذل ولم يصب التنزيه" تنزيه يعني تنزيه الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، الذي لم يحذر النفي ولم يحذر التشبيه فإنه يذل، ولن يصيب تنزيه الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، والتنزيه هو التسبيح، فمعنى ذلك أن من نفى أو شبه، فإنه لم يسبح الله جل وعلا كما يليق بجلاله وعظمته؛ لأن معنى سبحان الله تنزيهاً لله، والكون كله يردد سبحان الله وبحمده {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}.
فإذن من الواجب أن ينزه الله جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، فلهذا نقول: إن اتقاء النفي والتشبيه هو طريق التنزيه والتسبيح الحق لله جل وعلا، فالمعتزلة والجهمية والمبتدعة من الأشاعرة والكلابية وسائر الطوائف التي نفت بعض الصفات هؤلاء لم ينزهوا الرب جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته، بل وقعوا في شيء من عدم التنزيه، لذلك قال: "ولم يصب التنزيه" يعني لم ينزه، سواء أكان مراده التنزيه فأخطأ، أو هو في الحقيقة لم ينزه؛ لأنه ما نزه الله جل وعلا عما لا يليق بجلاله وعظمته؛ لأن الله سبحانه له الكمال المطلق في الاتصاف بالصفات، فمن لم يثبت جميع الصفات فلم يثبت الكمال المطلق، فمعناه أنه نقص حمده لله جل وعلا، ومعنى ذلك أنه لم ينزه الله جل جلاله عما لا يليق بجلاله وعظمته.
وهذه الجملة عظيمة من كلام الطحاوي رحمه الله: "ومن لم يتوق النفي والتشبيه" يعني من سائر طوائف الضلال، "ذل ولم يصب التنزيه" وإن زعم أنه ينزه فإنه لم يصب، وهذا يكثر في المعطلة وفى المؤولة، وفي النفاة يقولون: نفينا وأولنا وعطلنا لأجل التنزيه، وهذا يرد عليهم بأنه ما فعلتموه هو وصف لله بالنقائص وليس تنزيهاً للرب سبحانه وتعالى.
ثم علل ذلك بقوله: "فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية" هذا أخذه من قول الله جل وعلا: {قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد}, قوله: {قل هو الله أحد} يعني واحدا في أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله، فليس له شريك في ملكه، وليس له مثيل في صفاته وأفعاله، وليس له ند (كلام غير مسموع) وصمدانيته جل وعلا، ولهذا بعدها جاءت أنواع التوحيد، قال: {قل هو الله أحد. الله الصمد} يعني الذي تصمد إليه المخلوقات بأجمعها في طلب ما ينفعها، ودفع ما يضرها.
فإذن في قوله: {الله الصمد} إثبات توحيد الإلهية، قال: {لم يلد ولم يولد} وهذا فيه إثبات تفرد بالربوبية، قال: {ولم يكن له كفواً أحد} وهذا فيه إثبات توحيد الأسماء والصفات، فلا أحد يكافئه ويماثله، فبذلك هو جل وعلا أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله جل وعلا.
قال: "فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية" يعني: أنه متوحد في صفاته، منعوت بنعوت الفردانية، يعني: أن كل نعت ينعت به الرب جل وعلا على أساس أنه منفرد فيه، فهو سبحانه فرد في أسمائه وصفاته وذاته، فهو سبحانه وتر وفرد وصفاته هو فيها سبحانه فرد فلا يماثله شيء، ولا يشاركه فيها أحد جل جلاله.
إذا تبين لك ذلك فالصفة والنعت هنا عاير بينهما، قال: "موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية"، والصفة والنعت في اللغة متقارب، وهو لم يرد التفريق ما بين الصفة والنعت؛ لأن الله سبحانه له الصفات العلا، وله النعوت العلا، له المثل الأعلى، والصفة والنعت هي المثل في القرآن في قوله: {وله المثل الأعلى} يعني: له النعت والصفة العليا، سبحانه وتعالى، أما المخلوق فله الوصف الأدنى الذي يناسب ذاته الوضيعة الضعيفة المحتاجة، صفات الرب جل وعلا ونعوته تنقسم إلى أقسام باعتبارات مختلفة، فتنقسم إلى قسمين باعتبار قيامها بالرب جل وعلا، تنقسم إلى صفات ذات، وإلى صفات فعل، أما صفات الذات فهي التي لا ينفك ربنا جل وعلا عن الاتصاف بها، لم يزل موصوفاً بها، وهو متصف بها دائماً مثل الوجه، والعينين، واليدين، مثل الرحمة، والسمع، والبصر، فإن الله سبحانه لم يزل ذا وجه وذا سمع وذا بصر سبحانه وتعالى، وكذلك في صفاته الذاتية ومنها صفة الرحمة فالله جل وعلا متصف بصفة الرحمة، وهي ملازمة له سبحانه وتعالى.
القسم الثاني: صفات الأفعال، وصفات الفعل لله جل وعلا يسميها بعض الناس من أهل العلم: الصفات الاختيارية، وهي التي يفعلها ربنا جل وعلا تارة، ولا يفعلها تارة، صفات الفعل هي التي تقوم بالرب جل وعلا بمشيئته وقدرته سبحانه وتعالى، وهذه الصفات التي هي الصفات الاختيارية أول من نفاها بخصوصها الكلابية، وتبعهم على ذلك أبو الحسن الأشعري، يعني ابن كلاب أول من نفاها، ثم تبعه أصحاب، ثم تبعهم أبو الحسن.
من جهة أخرى نقسم الصفات إلى قسمين: إلى صفات جلال، وإلى صفات جمال، وصفات الجلال هي الصفات التي فيها نعت الرب جل وعلا بجلاله وعظمته وقهره وجبروته سبحانه وتعالى، وهى التي تجلب في قلب الموحد الخوف منه سبحانه وتعالى، مثل صفة القوة، القدرة، القهر، الجبروت، وأشباه ذلك، صفات الجلال يعني ما تأملها أجل الله جل وعلا وهابه وخافه سبحانه وتعالى.
القسم الثاني: صفات الجمال، وصفات الجمال هي الصفات التي تبعث في قلب المؤمن (كلام غير مسموع) والأنس به، بلقائه وبمناجاته وبالإنابة إليه، وهذه صفات كثيرة لله جل وعلا مثل صفة الرحمة والرأفة والمغفرة، وقبول التوبة والسلامة، اسم الله السلام والمؤمن وأشباه ذلك.
فإذن صفات العظمة هذه يقال لها: صفات جلال، وصفات ونعوت الرحمة والمحبة يقال لها: صفات جمال، هذا اصطلاح لبعض علماء السنة، وهو اصطلاح صحيح، ولهذا في الختمة التي تنسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رجح طائفة من أهل العلم أن تكون لشيخ الإسلام؛ لورود هذا التقسيم فيها، وهو قوله في أولها: صدق الله العظيم المتوحد بالجلال بكمال الجمال تعظيما وتكبيرا. ولا أعلم من أشهر هذا التقسيم قبل شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني تقسيم الصفات إلى صفات جلال وجمال، وفي هذه الختمة جمل معروفة في الاستعمال عن شيخ الإسلام دون غيره، وابن القيم رحمه الله بحث صفات الجلال والجمال في بعض كتبه.
التقسيم الثالث: الصفات صفات ربوبية وصفات ألوهية، هذا باعتبار التوحيد، يعني رجوع الأسماء والصفات إلى نوعي التوحيد: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فما كان من أفراد الربوبية فهو صفات ربوبية، مثل الملك، والهيمنة، والانتقام، والقدرة، والقوة، والإحاطة، وأشباه ذلك.
والقسم الثاني: صفات الألوهية، وهي التي وحد العبد ربه جل وعلا بها، مثل اسم الإله وما فيه مثل الصمد وأشباه ذلك، مما فيه توجيه من العبد للرب جل جلاله.
قال بعدها: "وتعالى عن الحدود (كلام غير مسموع) الغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات والغايات سبحانه وتعالى.
الـوجـه الـثـانـي
لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، هنا ذكر هذه الألفاظ متابعة لما جرى عليه المتكلمون في زمنه، وهو ذكرها بعد إثبات، فأثبت الصفات ثم نفى، وقاعدة أهل السنة والجماعة أن النفي يكون مجملاً، وأن الإثبات يكون مفصلاً، ففي قوله: "هذا نوع مخالفة لطريقة أهل السنة والجماعة"، لكن كلامه محمول على التنزيه بعد الإثبات، والتنزيه بعد الإثبات يتوسع فيه؛ لأن طريقة أهل البدع أنهم ينزهون أو ينفون بدون إثبات، ينفون مفصلاً ولا يثبتون، ولكن المؤلف أثبت مفصلاً ونفى، وكان في نفيه بعض التفصيل، ولهذا نقول عند الاختيار لا نقول هذا الكلام نقول: تعالى ربنا عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء ونحو ذلك، عند الاختيار لا نقوله؛ وذلك أن هذه الألفاظ يعني كما ذكرت لك السبب الأول أن هذا نفي مفصل، وهو مخالف لطريقة أهل السنة؛ لأن طريقتهم مأخوذة من قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فنفى مجملا وأثبت مفصلا.
الوجه الثاني في هذه الألفاظ: أن هذه الكلمات لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة، ولهذا الذي لم يرد لا يحسن أن ننفيه ولا أن نثبته؛ لأن طريقتنا هو اقتضاء الكتاب والسنة، فلفظ الحد والغاية والركن والأعضاء والأدوات والجهات كل هذه ما جاءت في القرآن ولا في السنة؛ فلذلك لا نثبتها ولا ننفيها، وليس معنى النفي أنها محتملة، إذا قال أهل السنة: لا ننفيها، لا يفهم إن معناها أنه محتملة، لا، ولكن لا ننفيها؛ لأننا لا نتجاوز القرآن والحديث، هذا أمر غيبي، كيف نتجاسر عليه بدون دليل؟! لذلك نقول: لا نثبت إلا بدليل، ولا ننفي إلا بدليل.
فإذن استعمال هذه الألفاظ لا يسوغ، والمؤلف يؤاخذ رحمه الله في استعماله هذه الألفاظ؛ لأنها من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب والسنة، طبعا الحد والغاية متقارب في أن يكون له حد ينتهي إليه اتصافه بالصفات. وفي هذا مبحثان: الأول.. أو مسألتان: الأولى: أن طائفة من العلماء لما ذكروا الاستواء على العرش لله جل وعلا سئلوا بحد، قال: بحد، قالوا: بحد من أئمة أهل السنة كابن المبارك، والثوري، وجماعة من الأئمة، وهذا يوجه بأن استعمالهم لفظ الحد مع أنه لم يأت في الكتاب والسنة لأجل أن يبطلوا دعوى الجهمية في أن الله في كل مكان، وإذا احتاج الموحد لبيان عقيدته في المناظرة إلى كلمات توضح الأمر فإنه لا بأس باستعمالها للمصلحة، لكن لا تثبت عقيدة مستقلة، يعني إذا جاء أحد يقول: ما هي عقيدتك؟ فلا تقل: عقيدتي أن الله مستوٍ على عرشه بحد، إنما نقول: هو جل وعلا مستوٍ على عرشه، إذا احتيج إلى ذلك في مقامه فقد يقال ذلك؛ لأن لفظ بحد يعني أنه ليس مختلطاً بخلقه جل جلاله، فهو سبحانه الحدود والغايات التي تنتهي إليها صفاته كما قال تعالى عنها؛ لأن الله سبحانه ليس لصفاته حد يعلمه البشر، فلا تعالى عن الحدود يعني المعلوم والغايات المعلومة.
المسألة الثانية: يشكل على هذا ما جاء في الحديث الذي رواه مسلم وغيره وهو قوله عليه الصلاة والسلام في وصف الرب جل وعلا: ((حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) فهل معنى ذلك أن البصر محدود بالخلق؟ والجواب عن ذلك: أن هذا إحالة على يعني في قوله: "ما انتهى إليه بصره من خلقه" في أن الإحراق إحراق السبحات لما انتهى إليه البصر، والبصر لا ينتهي لحد، وكذلك الإحراق لا ينتهي لحد، فإذن هو بناء شيء على شيء، فلا يثبت الثاني لأجل ورود الأول، بل الثاني منفي فكذلك الأول، نقول: ليس له حد ما انتهى إليه بصره من خلقه، الله جل وعلا ينفذ بصره في جميع بريته سبحانه وتعالى، وكل ما سواه جل وعلا مخلوق، فإذن بصره ينتهي في جميع مخلوقاته، فإذن لو كشف الحجاب لأحرقت سبحات وجهه كل مخلوقاته.
فإذن هذا ليس فيه إثبات الحد والغاية، وإنما هذا فيه إثبات أنه جل وعلا مطلق في اتصافة بصفاته لا حد آخر، يعني لذلك يثبت بل نقول: هو سبحانه كامل في صفاته.
قال: "والأركان، والأعضاء، والأدوات" هذه الألفاظ الثلاثة.. هذه الألفاظ الثلاث: الركن والعضو والأداة هذه راجعة إلى الصفات الذاتية مثل اليد، القدم، العينان.. العينين، مثل الوجه... إلى آخره، فهذه ينفي أن يكون هذا عضو أو ركن أو أداة أو نحو ذلك؛ لأن هذه الأشياء في المخلوق، فينزه الرب جل وعلا عنها، هذا مراده، وكما ذكرت لك المقرر أن هذه الأشياء لا تقال لا نفياً ولا إثباتا، بل لا نذكر ذلك؛ لأن الله سبحانه أعظم من أن ينفى عنه باستعمال هذه الألفاظ {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
قال: "لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات"، المبتدعات يعني المخلوقات، وقوله: "كسائر المبتدعات" سائر في اللغة تستعمل بمعنى بقية، لذلك قيل لبقية الشراب: سؤر، فكلمة سائر يعني البقية، تقول مثلا: أتاني محمد وسائر الإخوان، يعني وبقية الإخوان، لكن هنا استعملها بمعنى كل، "كسائر المبتدعات" يعني ككل المخلوقات، المخلوقات تحويها الجهات الست، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، الجهات الست ما هي عندهم؟ الجهات الست أمام وخلف ويمين وشمال وأعلى وأسفل، هذه الجهات الست مخلوقة، وهذه مخلوقة لا تحوي الرب جل جلاله بل الله سبحانه وتعالى فوق مخلوقاته، لكن ما من مخلوق من هذه الجهات الست إلا وهو نسبي إضافي ليس مطلقا، فما من شيء إلا وأمامه شيء، وهو أمام شيء وهو يمين شيء وثم شيء آخر يمينه وهكذا، مثل ما نقول: ها نحن الآن أسفل، يعني في أرض المسجد، لكن بالنسبة لمن تحتنا في القبو مثلاً إذا كان في قبو نحن فوق، واحد ساكن في أدوار، الدور الأول فوق الدور الأرضي، فهو أعلى لكن هو بالنسبة للدور للثاني أسفل.
إذن الجهات هذه ليست مطلقة، وإنما هي نسبية، فتقول: يمين، ليس ثم يمين مطلق في حياة المخلوقات، وإنما هو يمين إضافي، لا تقل: شمال مطلق، إنما هو شمال إضافي، أمام مطلق، إنما هو أمام إضافي، يعني نسبي، تنسبه إليه، تنسبه إليك وتنسبه إليه، تقول: أمامي، أمام فلان يمين فلان إلى آخره، ولهذا الجهة جهة العلو إذا نسبتها للمخلوق فثم جهة لنا هي حال، وثم جهة لمن هم في الجهة الثانية من الأرض هي لها حال أخرى، فنحن جهة العلو عندنا فوق، وجهة السفل هم, وهم بالعكس، يعني (اللي) في الجهة الثانية من الأرض.
إذن فجهة العلو وجهة السفل هذه نسبية لك، نقول: هذا أعلى ليس هذا هو العلو المطلق، هذا العلو المنسوب إليه, والذي في الجهة الثانية من الكرة الأرضية، العلو هو المنسوب إليه، إذن فهذه أمور نسبية في الجهات، فإذا أردت فثم شيء واحد فقط وهو العلو المطلق على جميع المخلوقات غير منسوب لطائفة من المخلوقات أو لبعض المخلوقات، وهو علو الرب جل جلاله، إذن فنقول: هذه الجهات الست إذا أريد بها النسبي فنقول: نعم، الله سبحانه وتعالى لا تحويه الجهات النسبية بميمني وفوقي وأمامي وشمالي إلى آخره، لا تحويه، لكن المطلق لا نقول تحوي ولا ما تحوي؛ لأن الله سبحانه (كلام غير مسموع) فوق مخلوقاته، والمخلوقات هذه محتاجة إليه، لكن له العلو المطلق، وسبحانه جل وعلا كلتا يديه يمين، اليمين المطلق ليس النسبي، هو سبحانه وسع كل شيء، واسع سبحانه وتعالى.
فإذا تنتبه إلى أن هذه المخلوقات نسبية وليست مطلقة، فإذن قوله: "لا تحويه الجهات الست" ليس في هذا منحى من منحى أهل البدع في نفي العلو، لا، لكن هذه يعني بها الجهات الست النسبية كسائر المخلوقات، كل مخلوق لابد أن يكون محصور بهذه الجهات يعني أعلى، أسفل، يمين، شمال، والثاني كذلك، والثالث كذلك.
وهذه مسألة تفيدك في كل ما يوصف الرب جل وعلا به، لا نفسه بالمخلوق، اجعله مطلقا، مثلا الآن مسألة النزول ينزل ربنا حيث يبقى ثلث الليل الآخر، أو في النصف الآخر من الليل، أو آخر كل ليلة، على اختلاف الروايات والألفاظ، هذه ثلث الليل، هل هو منسوب لك أو منسوب للزمان المطلق هنا؟ نسبه للزمان المطلق، الذي يدخل فيه الزمان النسبي بالنسبة للمخلوق الواحد، كذلك جهة العلو أنت تدعو ربك جل وعلا إلى أعلى، ونعلم أنه فوقنا سبحانه وتعالى، ومن هو في الجهة الثانية هو فوقه أيضاً وهو في جهة أخرى، نحن مثلاً نتجه كذا وهو في الجهة الثانية من الأرض يتجه عكس الاتجاه، أليس كذلك؟ لكن هذا علو نسبي، وهذا علو نسبى، وإذا أردت العلو المطلق فتأمل قول الله جل وعلا: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة}.
وتأمل أن السماوات السبع الأرض بالنسبة لها صغيرة، والسماوات السبع بالنسبة للكرسي صغيرة، والكرسي بالنسبة للعرش أيضاً كحلقة ألقيت في ترس صغير، فإذن كلها تتلاشى ويبقى الإطلاق في الزمان وفي المكان بما يجعل معه أن تصور العبد لما يوصف الله جل وعلا به نسبياً يجني على نفسه، ويدخل في النفي أو التشبيه، فيجب أن يكون ما يؤمن به الموحد من صفات الله جل وعلا على ما جاء في الكتاب والسنة، وكل ما جاء هو على الإطلاق لا على ما تعرفة أنت من نفسك، والإطلاق اللائق بالله جل وعلا يدخل فيه ما يختص بالمعين من المخلوقين، تبارك ربنا وتعاظم وتقدس سبحانه وتعالى {وسع كل شيء رحمة وعلما} {وكان الله بكل شيء محيطاً} جل جلاله وتقدست أسماؤه.
نقف عند هذا، والأسبوع القادم إن شاء الله من قوله: "والمعراج حق"، وأسأل الله سبحانه أن ينفعنا وإياكم في هذه العقيدة، وأن يجعلنا صالحين مصلحين، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
سؤال: لو قلنا مثلا: المخلوق له ملك، والله سبحانه له ملك (بس) ملك الإنسان مطلق لكن...
الشيخ: ما في ملك للإنسان مطلق.
السائل: لكن ملك الإنسان مقيد على مثلا مسألة ما يملك أن يدعو الأشياء لكن الله مطلق الأشياء فهل هذا صحيح (غير مسموع)؟
الشيخ: ملك الله مطلق الأشياء ملك الإنسان مقيد (غير مسموع).
سؤال: هل الفرد اسم لله؟
جواب: لا، ليس من الأسماء الحسنى الفرد، لكن الإخبار عن الله جل وعلا بأنه فرد موافق لاسم الله الصمد والأحد وأشباه ذلك.
سؤال: قلت: نفي الكيفية واجب، فهل نفي الكيفية هو الواجب أم تفويض الكيفية أم تفويضه؟
جواب: الجواب: أن النفي يعني نفي الكيفية المعقولة، نفي الكيفية، نفي العلم بالكيفية، أما الاتصاف؛ اتصاف الرب جل وعلا بصفاته بكيف، هو سبحانه في صفاته متصف بها بكيف، بكيفية لكن نعلمها؟ لا نعلمها،، فإذن النفي يتوجه إلى العلم بالكيفية لا إلى وجود الكيفية.
سؤال: ذكرت أن صفة الرحمة صفة جمال، فهي اختيارية وذكرت أنها ذاتية؟
جواب: لا، ما ذكرت أن صفة الرحمة اختيارية، تقسيمات غير متساوية، هذه تنتبه لها في العلوم جميعاً،إذا قسمنا الصفات ذاتية وفعلية ثم باعتبار آخر، يعني باعتبار نوعها إلى جلال وجمال، لا،يعني: أن الجلال هي الذاتية، والجمال هي الاختيارية،لا،هذا تقسيم آخر مثلما نقول مثلاً شرك أكبر وأصغر، شرك ظاهر وخفي (غير مسموع) معنى الأكبر والأصغر أن الخفي هو الأصغر،الخفي منه أكبر مثل شرك المنافقين، مثل غلط من غلط تقسيم الكفر إلى كفر أكبر وأصغر، ثم قسم باعتبار آخر إلى كفر اعتقاد وكفر عمل، فظن أن كفر العمل هو الكفر الأصغر، وأن كفر الاعتقاد هو الكفر الأكبر، هذا ليس بصحيح، فمن فهم من كلام ابن القيم رَحمَهُ اللَّهُ في تقسيم الكفر إلى أكبر وأصغر،ثم إلى كفر اعتقاد وكفر عمل، إن العمل هو الأصغر هذا ليس بصحيح، حتى على كلام ابن القيم؛ لأن العمل هذا تقسيم باعتبار المورد،مورده يكون من جهة الاعتقاد،ومورده يكون من جهة العمل، فكفر العمل منه ما هو أكبر،ومنه ما هو أصغر كما نبهنا عليه مرارا، يعني في التقسيمات.
تنتبه.مثل ما يقسم الأصوليون الواجب، مثلاً يقول: الواجب ينقسم إلى (إيش؟) واجب موسع،واجب مضيق (طيب)، ثم يقسمونه باعتبار آخر إلى واجب عيني، وواجب كفائي، ثم يقسمون قسمة ثالثة: إلى واجب معين،واجب مخير، مثال خصال الكفارة.
فإذن هناك التقسيم باعتبارات مختلفة، وإذا علمت التقسيم مع جهة اعتباره فهمت العلم، أما التقسيم هذا مطلقاً بدون أن تفهم جهة اعتبار التقسيم هذا يحدث لبساً.
سؤال: هل الإنسان إذا رأى ربه جل وعلا في المنام تكون الرؤيا صحيحة؟
جواب: مثلما جاء في الحديث الصحيح،أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: رأيت البارحة أو ((رأيت الليلة ربي في أحسن صورة))، يرى المؤمن ربه جل وعلا في صورة إيمانه بالله، فإذا كان إيمانه بالله كاملاً رأى صورة حسنة أحسن الصور، وإذا كان إيمانه بالله ناقصاً رأى صورة تناسب إيمانه،لكن ما يرى في المنام الرب جل وعلا على ما هو عليه جل جلاله.
سؤال: إذا أردت أن أعظ عاصياً.
جواب: هذا يعني تأمل صفات الجلال وصفات الجمال، وتأمل التوحيد، التوحيد كله خير (اللي) يعلم التوحيد ويعلم صفات الرب جل وعلا ويأخذ هذه المباحث من جهة إيمانه، بما وصف الله جل وعلا به نفسه، وإيمانه بأركان الإيمان الستة؛ الملائكة، والإيمان والقدر والكتب والرسل واليوم الآخر، لا شك أنه سيعقبه خشية، وإن أذنب فسيرجع مثلما جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا زنى العبد المؤمن كان الإيمان على رأسة كالظلة، فإن ترك عاوده))؛ لأن الموحد ولو عصى غلبته شهوته على المعصية أخطأ أذنب، فإن إيمانه بربه جل وعلا وتعظيمه لله جل جلاله يوجب عليه الخشية والإنابة والخوف؛ لأن الرب سبحانه مستحق لأن يذل له وأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى. أعانني الله وإياكم على الخير والهدى والتوبة والإنابة.
سؤال: يسأل عن وصف اليمين والشمال لله جل وعلا؟
جواب: الذي جاء في حديث رواه مسلم، وأثبته طائفة من أهل العلم، والصواب عندي عدم إثباته إثبات صفة الشمال لله جل وعلا.
سؤال: ذكرت في هذا الدرس صفة العين مع عدم وروده فما وجه ذلك؟
جواب: كيف صفة العين مع عدم وروده،الله جل وعلا متصف بهذه الصفة، كما قال سبحانه: {فإنك بأعيننا}, وقال سبحانه: {تجري بأعيننا} والجمع هذا يراد به المثنى؛ لأن لغة العرب إذا أضافت المثنى إلى ضمير تثنية،أو ضمير جمع جمعت المثنى كما في قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صفت قلوبكما} مع أن لهما قلبين؛ قلب عائشة وقلب حفصة {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} أصل الكلام: فقد صغى قلباكما، لكن لما كان تثنية تضاف إلى ضمير تثنية أو جمع فيجمع الأول.
وقد ثبتت في حديث ابن مسعود رَضِي اللهُ عَنْهُ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إن الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة أو طافية)) روايتان ((وإن ربكم ليس بأعور)) جل جلاله،العور باللغة هو ذهاب أحد ماله منه اثنان، يعني أحد العينين، هذا العور،عينان ذهبت إحداهما، قيل: عور،فلهذا الدجال وصف بأنه أعور، قال: ((وإن ربكم ليس بأعور)) يعني: لا يشتبه عليكم الدجال،له عين واحدة والله سبحانه ليس بأعور يعني له عينان، ومن قال إن الآية: {تجري بأعيننا} فيها إثبات الأعين لله جل وعلا،فهذا باطل من جهتين:
الجهة الأولى: الإجماع؛ فإن أهل السنة أجمعوا على أن الله موصوف بصفة العينين.
والثاني: أن الأعين مخالفة لقوله: ((وإن ربكم ليس بأعور))؛لأن لفظة أعور في اللغة تدل على ذهاب إحدى العينين، فتكون الإضافة {تجري بأعيننا} هي إضافة مثنى إلى مجموع، فجمع لأجل هذه الإضافة، كما هو مقرر في لسان العرب، يعني في لغة العرب،نكتفي بهذا القدر،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الشيخ: نعم.