الباب الرابع: الفرائض، والمواريث
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها والحث على تعلمها:
علم الفرائض من أهم العلوم، فيجب على المسلمين الاهتمام به والتفقه فيه؛ لأن الحاجة ماسة إليه.
ويسمى هذا العلم بالفرائض جمع فريضة، مأخوذة من الفرض وهو التقدير، كما قال تعالى: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] أي قدرتم.
والفرض في الشرع: نصيب مقدر شرعاً لمستحقه. وعلم الفرائض: هو العلم بالمواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها.
والمواريث: جمع ميراث، وهو الحق المخلّف عن الميت المنقول إلى الوارث.
ويجب على المسلم أن يهتم بشأن المواريث، ولا يتصرف فيها تصرفاً يغيرها عن وضعها الشرعي، فيورث غير الوارث أو يحرم الوارث من جميع حقوقه أو بعضها، فيعرض نفسه بذلك لسخط الله، وعقابه.
المسألة الثانية: الحقوق المتعلقة بالتركة وأسباب الميراث وموانعه:
1 - حقوق التركة: التركة هي ما يتركه الميت من الأموال النقدية، والعينية، والحقوق. ويتعلق بتركة الميت أربعة حقوق:
1 - مؤنة تجهيزه من ثمن كفن، وحنوط وأجرة دفن وغسل وغير ذلك.
2 - قضاء الديون، وديون الله مقدمة كالزكاة، وصدقة الفطر، والكفارة، والنذر، ثم ديون الآدميين.
3 - إخراج الوصايا بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل.
4 - الإرث، فيقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته القسمة الشرعية.
والإرث: هو انتقال مال الميت من بعده إلى حيٍّ، حسبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلّى اللّه عليه وسلّم .
وقد يتعلق بالتركة حق للغير حال الحياة، وهي الحقوق العينية، كحق البائع في تسلم المبيع، وحق الراهن في المرهون، فهي تقدم على تجهيز الميت؛ لتعلقها بعين المال قبل صيرورته تركةً.
2 - أسباب الإرث: أسباب الإرث ثلاثة، وهي:
الأول: النكاح، وهو عقد الزوجية الصحيح بشاهدين وولي، ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة، لعموم قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} [النساء: 12].
الثاني: النسب، أي القرابة من الميت، وهي: الاتصال العضوي بين إنسان وآخرين بولادة قريبة أو بعيدة، وتشمل الأصول، والفروع، والحواشي.
فالأصول: هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور، والفروع: هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا، والحواشي: هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا، والأعمام وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا.
الثالث: الولاء، وهو رابطة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، ولا يرث العتيق معتقه بالإجماع، فانحصرت أسباب الإرث في اثنين: النسب، والزواج الصحيح.
3 - موانع الإرث: موانع الإرث ثلاثة:
1 - القتل: اتفق العلماء على أن القتل العمد المحرم مانع من الميراث، فمن قتل مورثه ظلماً لا يرثه؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (ليس للقاتل من الميراث شيء).
2 - الرّق: فلا يرث العبد قريبه؛ لأنه إذا ورث شيئاً فسيكون لسيده دونه، وهو كذلك لا يورّث؛ لأنه لا ملك له.
3 - اختلاف الدين بين المورث والوارث: فإن ذلك مانع من الميراث؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر).
المسألة الثالثة: أقسام الورثة:
الورثة على قسمين: ذكور، وإناث.
فالوارثون من الذكور عشرة:
1 - 2 - الابن وابنه وإن نزل، لقوله تعالى: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين}[النساء: 11].
3 - 4 - الأب وأبوه وإن علا، كأبي الأب وأبي الجد؛ لقوله تعالى: {ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولدٌ} [النساء: 11]. والجد أب وقد أعطاه النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - السدس.
5 - الأخ من أي الجهات كان، سواء أكان شقيقاً أو لأب أو لأم؛ لقوله تعالى: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولدٌ} [النساء: 176]. وقال تعالى: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس} [النساء: 12].
6 - ابن الأخ لغير أم، أما ابن الأخ لأم فلا يرث؛ لأنه من ذوي الأرحام.
7 - 8 - العم وابن العم من أبيه شقيقاً أو لأب، لا لأم فإنه من ذوي الأرحام.
9 - الزوج؛ لقوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} [النساء: 12].
10 - المعتق أو من يحل محله؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (الولاء لحمةٌ كلحمة النسب). وقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إنما الولاء لمن أعتق).
أما الوارثات من النساء فسبع:
1 - 2 - البنت وبنت الابن وان نزل أبوها لمحض الذكور؛ لقوله تعالى: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين فإن كنّ نساءً فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدةً فلها النّصف} [النساء: 11].
3 - الأم؛ لقوله تعالى: {ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السّدس ممّا ترك إن كان له ولدٌ فإن لم يكن له ولدٌ وورثه أبواه فلأمّه الثّلث فإن كان له إخوةٌ فلأمّه السّدس}[النساء: 11].
4 - الجدة؛ وقد فرض لها النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - السدس؛ لحديث بريدة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس، إذا لم يكن دونها أم) ، فهي ترث، بشرط عدم وجود الأم.
5 - الأخت؛ من أي الجهات كانت شقيقة أو لأب أو لأم، لقوله تعالى: {وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو أختٌ فلكلّ واحدٍ منهما السّدس} [النساء: 12]. وقال تعالى: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصف} [النساء: 176]. وقوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين فلهما الثّلثان ممّا ترك} [النساء: 176].
6 - الزوجة؛ لقوله تعالى: {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم} [النساء: 12].
7 - المعتقة؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إنما الولاء لمن أعتق).
المسألة الرابعة: أقسام الورثة باعتبار الإرث:
القسم الأول: من يرث بالفرض -أي النصيب المقدر- فقط، وهم سبعة: الزوجان، والجدتان، والأم، وولداها.
القسم الثاني: من يرث بالتعصيب -أي بلا تقدير- فقط، وهم اثنا عشر: الابن وابنه، والأخ الشقيق وابنه، والأخ لأب وابنه، والعم الشقيق وابنه، والعم لأب وابنه، والمعتق والمعتقة.
القسم الثالث: من يرث بالتعصيب تارة، وبالفرض أخرى، ويجمع بينهما، وهما: الأب والجد.
القسم الرابع: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب أخرى، ولا يجمع بينهما، وهم: أصحاب النصف، ما عدا الزوج، وأصحاب الثلثين.
وجملة أصحاب الفروض واحد وعشرون:
والفروض المعينة لأصحاب الفروض ستة، هي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
• أولاً: أصحاب النصف وهم خمسة:
1 - الزوج: عند عدم الفرع الوارث ذكر أو أنثى من الزوج أو من غيره.
2 - البنت: عند انفرادها عمن يشاركها من أخواتها، وانفرادها عمن يعصبها من إخوتها.
3 - بنت ابن: عند عدم المشارك والمعصب، والفرع الوارث.
4 - الأخ الشقيق: عند عدم المعصب والمشارك والفرع الوارث، والأصل الوارث.
5 - الأخت لأب: عند عدم المعصب والمشارك والفرع الوارث، والأصل الوارث والأخ الشقيق والأخت الشقيقة.
• ثانياً: أصحاب الربع وهم اثنان:
1 - الزوج: يستحقه عند وجود الفرع الوارث.
2 - الزوجة: تستحقه عند عدم الفرع الوارث.
• ثالثاً: أصحاب الثمن: الزوجة فأكثر، عند وجود الفرع الوارث.
• رابعاً: أصحاب الثلثين أربعة وهم:
1 - البنات: عند عدم المعصب، وهو ابن الميت لصلبه في حالة كونهن اثنتين فأكثر، كونهن جمعاً.
2 - بنات الابن: عند عدم المعصب وهو ابن الابن، وعدم الفرع الوارث، وهو الابن، وأن يكن اثنتين فأكثر.
3 - الأخوات الشقائق: أن يكن اثنتين فأكثر وعدم المعصب لهما وهو الأخ الشقيق فأكثر، وعدم الفرع الوارث، وهم الأولاد وأولاد البنين.
4 - الأخوات لأب: أن يكن اثنتين فأكثر، عند عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأشقاء والشقائق.
• خامساً: أصحاب الثلث اثنان وهم:
1 - الأم: تستحقه عند عدم الفرع الوارث وعدم الجمع من الأخوة والأخوات.
2 - الأخوة لأم: أن يكونوا اثنين فأكثر، وعدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين، وعدم الأصل الوارث من الذكور وهما الأب والجد.
• سادساً: أصحاب السدس سبعة وهم:
1 - الأب: عند وجود الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين.
2 - الجد: عند وجود الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين.
3 - الأم: عند وجود الفرع الوارث وعند وجود الجمع من الأخوة.
4 - الجدة: عند عدم وجود الأم.
5 - بنت الابن: عند عدم المعصب وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منها، سوى صاحبة النصف، فإنها لا تأخذ السدس إلا معها.
6 - الأخت لأب: عند عدم المعصب وهو أخوها، وأن تكون مع أخت شقيقة وارثة للنصف فرضاً.
7 - الأخ أو الأخت لأم: عند عدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارثين، وأن يكون منفرداً.
المسألة الخامسة: في التعصيب:
العصبة: هم الذين يرثون بلا تقدير؛ لأن العاصب إذا انفرد حاز جميع المال، وإذا كان معه صاحب فرض أخذ ما بقي بعد الفرض.
لقول النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجلٍ ذكرٍ).
يعني: أقرب رجل.
والعصبة على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
1 - العصبة بالنفس: هم الابن وابنه وإن نزل، والأب والجد من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق والأخ لأب وابناهما من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق والأخ لأب وابناهما وإن نزلا، والعم الشقيق والعم لأب وإن علوا وابناهما وإن نزلا، والمعتق والمعتقة، فمن انفرد منهم حاز جميع المال، وإذا كانوا مع أصحاب الفروض يأخذون ما بقي، وإن لم يبق شيء أسقطوا.
2 - العصبة بالغير: وهم البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة والأخت لأب، كل واحدة منهن مع أخيها، وتزيد بنت الابن بأنه يعصبها ابن ابن في درجتها مطلقاً أخوها أو ابن عمها وابن الابن الذي هو أنزل منها إذا احتاجت إليه. ومن عداهم من الذكور لا ترث أخواتهم معهم شيئاً كأبناء الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام.
3 - العصبة مع الغير: وهم الأخوات الشقيقات مع البنات وبنات الابن، وإذا اجتمع عاصبان فأكثر، فإن اتحدا في الجهة والقوة والدرجة اشتركا في الميراث كالأبناء والأخوة، وإن اختلفا في الجهة يقدم الأقوى كالابن والأب، وإن اتحدا في الجهة واختلفا في الدرجة يقدم الأقرب درجة، كالابن مع ابن الابن، وإن اتحدا في الجهة والدرجة، واختلفا في القوة، فيقدم الأقوى، كالأخ الشقيق مع الأخ لأب.
المسألة السادسة: الحجب:
الحجب هو: المنع من كل الميراث أو بعضه لوجود شخص آخر أحق منه.
وهو على قسمين:
1 - حجب الأوصاف: ويكون فيمن اتصف بأحد موانع الإرث: الرّق، أو القتل، أو اختلاف الدين، فمن اتصف بواحدة من هذه الأوصاف لم يرث ووجوده كالعدم، ويدخل على جميع الورثة.
2 - حجب الأشخاص: وينصرف إليه اسم الحجب عند الإطلاق. وهو على قسمين:
الأول: حجب الحرمان: وهو منع شخص معين من الإرث بالكلية، ويدخل على جميع الورثة ما عدا ستة: الأب والأم، والزوج والزوجة، والابن والبنت.
الثاني: حجب نقصان: وهو منعه من إرث أكثر إلى إرث أقل.
وسبب هذا الحجب: وجود شخص أحق منه، ولذلك سمّي حجب الأشخاص. وهو سبعة أنواع:
1 - انتقال من فرض إلى فرض أقل منه، وهذا في حق من له فرضان، كالزوجين، والأم، وبنت الابن، والأخت لأب.
2 - الانتقال من فرض إلى تعصيب، وهذا في حق ذوات النصف والثلثين، إذا كان معهن من يعصبهن.
3 - انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه، وهذا في حق الأب والجد من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض.
4 - انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، وهو في حق الأخت الشقيقة أو لأب، فإن لهما مع أخيهما أقل مما لهما مع البنت أو بنت الابن.
5 - المزاحمة في الفرض، كازدحام الزوجين في الربع والجدات في السدس.
6 - المزاحمة في التعصيب، كازدحام العصبات في المال أو فيما أبقت الفروض.
7 - المزاحمة في العول في حق ذوي الفروض في الأصول التي يدخلها العول.
وعلى هذا نقول: إن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة والأصول، لا يحجبهم إلا الأصول، والفروع لا تحجبهم إلا فروع أعلى منهم، والحواشي تحجبهم الأصول والفروع والحواشي.
المسألة السابعة: في ذوي الأرحام:
ذوو الأرحام: هم كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة، وهم على أربعة أصناف:
1 - من ينتمي إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات البنين، وإن نزلوا.
2 - من ينتمي إليهم الميت، وهم الأجداد الساقطون والجدات السواقط، وإن علوا.
3 - من ينتمي إلى أبوي الميت، وهم أولاد الأخوات وبنات الأخوة وأولاد الأخوة لأم ومن يدلي بهم، وإن نزلوا.
4 - من ينتمي إلى أجداد الميت وجداته، وهم الأعمام للأم والعمات مطلقاً وبنات الأعمام مطلقاً والأخوال وإن تباعدوا وأولادهم، وإن نزلوا. ودليل توريثهم قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه}[الأنفال: 75]. وقال - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (الخال وارث من لا وارث له). وكيفية توريثهم أن ينزل كل واحد منهم منزلة من أدلى به، فيجعل له نصيبه. والله أعلم). [الفقه الميسر: 289]