الباب الثالث: في القرض
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تعريفه، وأدلة مشروعيته:
القرض: دفع مال لمن ينتفع به ويردًّ بدله.
وهو مشروع، ويدل عليه عموم الآيات القرآنية والأحاديث الدالة على فضل المعاونة، وقضاء حاجة المسلم، وتفريج كربته، وسد فاقته، وأجمع المسلمون على جوازه.
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - استلف من رجلٍ بكراً ، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً ، فقال: (أعطه إياه، إنّ خيار الناس أحسنهم قضاء).
ومن الأدلة على فضله: حديث ابن مسعود أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة).
المسألة الثانية: في شروطه وبعض الأحكام المتعلقة به:
1 - لا يجوز للمسلم أن يقرض أخاه بشرط أن يقرضه بعد ذلك إذا ردّ عليه قرضه؛ لأن المقرض اشترط نفعاً، وكل قرض جرّ منفعة فهو ربا، كأن يسكنه داره مجاناً أو رخيصة، أو يعيره دابته، أو أي شيء آخر، أو غير ذلك من المنافع. فإنّ جماعةً من أصحاب النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أفتوا بما يدل على عدم جواز ذلك، وأجمع الفقهاء على منعه.
2 - أن يكون المقرض جائز التصرف، بالغاً عاقلاً رشيداً، يصح تبرعه.
3 - ليس للمقرض أن يشترط زيادةً في ماله الذي أقرضه؛ لأن ذلك من الربا، فلا يجوز له أخذها، بل يقتصر على المبلغ الذي دفعه للمقترض أولاً.
4 - إذا ردّ المقترض على المقرض أحسن مما أخذ منه، أو أعطاه زيادةً دون شرطٍ أو قصد، صحّ ذلك؛ لأنه تبرع من المقترض وحسن قضاء، ويدل عليه حديث أبي رافع السابق.
5 - أن يكون المقرض مالكاً لما يقرضه، ولا يجوز له أن يقرض ما لا يملك.
6 - من المعاملات الربوية المحرمة: ما تقوم به البنوك في وقتنا الحاضر من عقد قروض بينها وبين ذوي الحاجات، فتدفع لهم مبالغ من المال نظير فائدة محددة تأخذها زيادة على مبلغ القرض، أو يتفق البنك مع المقترض على قيمة القرض، ثم يدفع له البنك أقل من القيمة المتفق عليها، على أن يردها المقترض كاملة، فمثلاً: يطلب المقترض من البنك مبلغ مائة ألف، فيعطي له البنك ثمانين ألفاً، ويشترط عليه أن يردها مائة. وهذا من الربا المحرم أيضاً). [الفقه الميسر: 225-226]