885- وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما ـ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفرداتُ الحديثِ:
- لَوْ أَنَّ: "لَوْ" هذه للتمَنِّي فلا تَحْتَاجُ إلى الجوابِ عندَ مُحَقِّقِي النَّحْويِّينَ.
- أَهْلَهُ: جَمْعُه أَهْلُونَ، وأهْلُ الرجُلِ قرابتُه، قالَ تعالى: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45] والمرادُ هنا من أهْلِه: زوجتُه.
- جَنِّبْنَا: مِن جَنَّبَ الشَّيْءَ يُجَنِّبُه تَجْنِيباً: إذا أَبْعَدَه منه.
- الشَّيْطَانَ: وَزْنُه فَيْعَالٌ مِن شَطَنَ، فالنونُ أصليةٌ على الصحيحِ، والشيطانُ معروفٌ، وكلُّ عاتٍ مُتمرِّدٍ من الإنسِ والجنِّ والدوابِّ: شيطانٌ.
- مَا رَزَقْتَنَا: مِن الرِّزْقِ، وجَمْعُه أرزاقٌ، والرِّزْقُ بكسرِ الراءِ: الاسمُ، وبفتحِ الراءِ المَصْدَرُ، والرزْقُ في كلامِ العَرَبِ: الحَظُّ، قالَ تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82] أي: حَظَّكُمْ مِن هذا الأمرِ، والرزقُ عامٌّ لكلِّ ما يُنْتَفَعُ به؛ ولذا يُقالُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي زَوْجَةً صالحةً، والمرادُ هنا: الوَلَدُ الناشِئُ من هذا الجِماعِ.
- لَمْ يَضُرَّهُ: بفتحِ الراءِ، والضَّرَرُ هنا عامٌّ للدينيِّ والبدنيِّ.
* ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- يُبَيِّنُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في هذا الحديثِ سُنَّةً من آدابِ الجِماعِ، وهو أنَّه يَنْبَغِي للرجُلِ إذا أرادَ جِمَاعَ زوجتِه أنْ يَقولَ: بِسْمِ اللهِ. فإنَّ اسْمَ اللهِ تعالى يُحِلُّ البَرَكَةَ والخَيْرَ فيما تُقْدِمُ عليهِ، وتَرْكُ اسمِ اللهِ يَجْعَلُ الشيءَ ناقصاً مَبْتُوراً.
2- أَمَّا الذِّكْرُ الثاني عندَ الجِماعِ فهو أنْ يَقولَ: ((اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا)). فهذا الدعاءُ المُبارَكُ وتلك الاستعاذَةُ، من شأنِها إذا قَبِلَها اللهُ تعالى ((فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ))، ويَبْقَى مَحْفوظاً مَصُوناً من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
قالَتِ المرأةُ الصالحةُ امرأةُ عِمْرَانَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران].
قالَ تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37].
3- أسبابُ العِصْمَةِمن الشيطانِ كثيرةٌ منها الحِسِّيُّ، ومنها المَعْنَوِيُّ: فهذا الدعاءُ من الوِقايةِ المَعنويَّةِ من الشيطانِ ونَزَغَاتِه، فإذا وُجِدَ معَه أيضاً الأسبابُ الأُخْرَى، وانتَفَتِ الموانِعُ، وُجِدَ المُسَبَّبُ الذي رُتِّبَ عليه، وهو العِصْمَةُ من الشيطانِ، وإنْلَمْ تُوجَدِ الأسبابُ، أو وُجِدَ ولكن حَصَلَ معَها الموانِعُ، لم يَقَعِ المُسَبَّبُ.
4- غَالِبُ أعمالِ الإنسانِ وعَاداتِه لها أذكارٌ، من دُخولِ المَنزلِ، والخُروجِ منه، والأكْلِ، والشُّرْبِ، والفَراغِ منهما، وعندَ النومِ، والاستيقاظِ، وغيرِ ذلك من التصَرُّفاتِ، فيَنْبَغِي للإنسانِ ألاَّ يُهْمِلَ هذه الأذكارَ؛ ليكونَ مِنَ {الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ}.
5- أَفْضَلُ ما يُحَصِّنُ بهِ الإنسانُ نَفْسَه من عَدُوِّه الشيطانِ هو ذِكْرُ اللهِ تعالى، الذي منه الأورادُ الشرعيةُ، من كتابِ اللهِ ومما صَحَّ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
6- الذِّكْرُ المذكورُ ليسَ واجباً، وإنما هو مُسْتَحَبٌّ عندَ هذه الحالةِ، وسِياقُ الحديثِ يَدُلُّ على هذا.
7- وفيهِ دَلِيلٌ على أنَّ الشَّيْطَانَ لا يُفارِقُ ابنَ آدَمَ، بل يُلازِمُه، ويُتابِعُ أعمالَه، ليَجِدَ الفُرْصَةَ في إغوائِه وإضلالِه ما اسْتَطَاعَ، ولكنَّ الفَطِنَ هو الذي لا يَدَعُ فُرْصَةً له؛ وذلك باستحضارِ ذِكْرِ اللهِ.