دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1430هـ/15-01-2009م, 08:59 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي شرح البردة (7/7): إن الرسول لسيف يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول



50- إنَّ الرسولَ لسَيْفٌ يُستضاءُ بِهِ = مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسلولُ
51- في فِتيةٍ مِن قُريشٍ قالَ قَائِلُهُم = ببَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
52- زالوا فما زَالَ أَنْكَاسٌ ولا كُشُفٌ = عندَ اللقاءِ ولا مِيلٌ مَعازِيلُ
53- شُمُّ الْعَرانينَ أَبطالٌ لَبُوسُهُمُ = مِن نَسْجِ دَاوُدَ في الْهَيْجَا سَرابِيلُ
54- بِيضٌ سَوَابِغُ قد شُكَّتْ لها حَلَقٌ = كأنه حَلَقُ القَفْعَاءِ مَجْدُولُ
55- لا يَفرَحونَ إذا نَالَتْ رِماحُهمُ = قومًا وليسوا مَجَازِيعًا إذا نِيلُوا
56- يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهم = ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
57- لا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلاَّ في نُحورِهِمُ = وما لهم عن حِياضِ الْمَوْتِ تَهليلُ


  #2  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 08:47 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح الخطيب يحيى بن علي التبريزي

51- إنَّ الرَّسُولَ لَسَيْفٌ يُسْتَضَاءُ بهِ مُهَنَّدٌ منْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ

مُهَنَّدٌ: منسوبٌ إلى الهندِ، يُقَالُ: سيفٌ مُهَنَّدٌ، وَهَنْدُوَانِيٌّ كذلكَ، أيْ: هنديٌّ، وإنَّما جعَلَهُ سيفاً مُخْتَاراً منْ سُيُوفِ اللَّهِ تعالى استعارةً.

52- في عُصْبَةٍ منْ قُرَيْشٍ قالَ قائِلُهُم ببَطْنِ مَكَّةَ لمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا

ويُرْوَى: ( في فِتْيَةٍ ). والعُصْبَةُ: الجماعةُ من الناسِ ما بينَ العَشَرَةِ إلى الأربعينَ، هكذا يقولُ أهلُ اللغةِ، ذَكَرَهُ ( ابنُ دريدٍ ). وقولُهُ: زُولُوا: أرادَ بهِ لِدَارِ الهجرةِ منْ مكَّةَ إلى المدينةِ.

52- زَالُوا فما زالَ أَنْكَاسٌ ولا كُشُفٌ عندَ اللِّقَاءِ ولا مِيلٌ مَعَازِيلُ

أَنْكَاسٌ: جمعُ نَكْسٍ، وهوَ الرجلُ الضعيفُ.
والكُشُفُ: جمعُ أَكْشَفَ، وهوَ الذي لا تُرْسَ ولا سلاحَ معهُ.ومِيلٌ: جمعُ أَمْيَلَ وَمَائِلٍ، وهوَ الكِفْلُ الذي لا يُحْسِنُ الفُرُوسَةَ، أيْ لا يَسْتَوِي في الركوبِ على الفرسِ، قالَ الشاعرُ:

لمْ يَرْكَبُوا الخيلَ إلاَّ بعْدَما هَرِمُوا فَهُمْ ثِقَالٌ على أكْتَافِها مِيلُ

والمَعَازِيلُ: مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أعْزَلُ، إذا لمْ يكُنْ معهُ رمحٌ، ومنهُ السِّمَاكُ الرَّامِحُ والسِّمَاكُ الأعْزَلُ، أيْ زَالُوا منْ بَطْنِ مكَّةَ وما فيهم منْ صِفَةِ هذهِ التي ذكَرَها، بلْ همْ أقوياءُ ذَوُو سلاحٍ، فُرْسَانٌ عندَ اللقاءِ.

53- شُمُّ العَرَانِينِ أبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

شُمٌّ: جمعُ أَشَمَّ وَشَمَّاءَ، وأصْلُ الشَّمَمِ : الارتفاعُ، وأَنْفٌ أَشَمُّ: إذا كانَ فيهِ عُلُوٌّ.
والعَرَانِينُ: الأُنُوفُ، واحِدُها : عِرْنِينٌ.
والأَبْطَالُ: جمعُ بَطَلٍ، وهوَ الذي يَبْطُلُ عندَهُ الدماءُ، ولا يُدْرَكُ عِنْدَهُ الثَّأْرُ، ويُقَالُ: الذينَ تَبْطُلُ فيهم الحِيَلُ فلا يُوصَلُ إليهم.
واللَّبُوسُ: ما يُلْبَسُ من السلاحِ، ونسجُ دَاوُدَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ الدِّرْعُ. والسَّرَابِيلُ: جمعُ سِرْبَالٍ، أيْ: لَبُوسُهُمْ سَرَابيلُ منْ نَسْجِ داودَ.

54- بِيضٌ سَوَابِغُ قدْ شُكَّتْ لها حَلَقٌ كأنَّها حَلَقُ القَفْعَاءِ مَجْدُولُ

بيضٌ: جمعُ أبيضَ وبيضاءَ، يعني بها الدروعَ. والسوابغُ: جمعُ سابغةٍ، وهيَ التامَّةُ من الدروعِ وغيرِها. وقولُهُ: ( قدْ شُكَّتْ)، ويُرْوَى: سُكَّتْ، بالسينِ غيرِ مُعجمةٍ.فَمَنْ رَوَى بالشينِ فإنَّهُ أرادَ : إِدْخَالَ حَلَقَةٍ في حَلَقَةٍ، وإنَّما يكونُ ذلكَ في الدُّرُوعِ المُضَاعفةِ، وأَصْلُ الشكِّ إدخالُ الشيءِ في الشيءِ، يُقَالُ: شَكَّهُ بالرمحِ وبالسهمِ إذا جمعَ بينَ الشيئَيْنِ بالرمحِ أو السهمِ.ومنْ رَوى بالسينِ فهوَ من الضيقِ، وأصْلُ السَّككِ الضيقُ، كأنَّهُ ضايقَ بينَ حَلَقِ الدِّرعِ، ومنهُ : أُذُنٌ سَكَّاءُ، قالُوا: هيَ التي لا يَبِينُ لها نِتُوٌّ كآذانِ الطيرِ، قالَ النَّابِغَةُ يصفُ قَطَاةً:

حَذَّاءُ مُدْبِرَةً سَكْتَاءُ مُقْبِلَةً للماءِ في النَّحْرِ منها نَوْطَةٌ عَجَبُ

وقالُوا: هيَ الصِّفَةُ منْ قولِهِم: اسْتَكَّتِ الأُذُنُ إذا اشْتَدَّتْ. والقَفْعَاءُ : نبتٌ ينبسطُ على وجهِ الأرضِ لهُ حَلَقٌ كحَلَقِ الدروعِ. والمَجْدُولُ: المُحْكَمُ الصَّنْعَةِ.

55- لا يَفْرَحُونَ إذا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْماً وَلَيْسُوا مَجَازِيعاً إذا نِيلُوا

أيْ: إذا غَلَبُوا لا يفرحونَ، وإذا غُلِبُوا لا يجزعونَ، كأنَّهُ أَلَمَّ بقَوْلِهِ تعالى: { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، يصِفُهُم بالصبرِ على الشدَّةِ وقلَّةِ الاكتراثِ بما ينالونَ من الأعداءِ. والمَجَازِيعُ جمعُ مِجْزَاعٍ، وهوَ الكثيرُ الجَزَعِ؛ أي: الخوفِ.

56- يَمْشُونَ مشيَ الجِمَالِ الزُّهْرِ تَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إذا غَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ

الزُّهْرُ: البيضُ، جمعُأزْهَرَ وزَهْراء ،وتَعْصِمُهُم: تَمْنَعُهُم، ومنهُ قولُهُ تعالى: { سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}. وقولُهُ ( عَرَّدَ )؛ أيْ: قَرَّ، ومنهُ قولُ سُوَيْدِ ابنِ كُرَاعَ العَسْكَلِيِّ، وكُرَاعُ اسمُ أُمِّهِ فلا ينصرفُ، واسمُ أبيهِ عُمَيْرٌ:

إذا عَرَضَتْ دَاوِيَّةٌ مُدْلَهِمَّةٌ وغَرَّدَ حَادِيها فَرَيْنَ بِهَا فِلْقَا

أيْ: عَمِلْنَ بها دَاهِيَةً.
وقولُهُ: ( وَغَرَّدَ ) بالغينِ مُعجمةً؛ أيْ: طَرِبَ.
والتَّنَابِيلُ: جمعُ تِنْبَالٍ، وهوَ القصيرُ، وهوَ أحدُ ما جاءَ من الأسماءِ على ( وَزْنِ ) تِفْعَالٍ.

57- لا يَقَعُ الطَّعْنُ إلاَّ في نُحُورِهِمُ وما لهمْ عنْ حياضِ الموتِ تَهْلِيلُ

يعني أنَّهُم لا ينهزمونَ فيقعُ الطَّعْنُ في ظُهُورِهِمْ، وإنَّما يُقْدِمُونَ إقداماً في الحروبِ، فيقعُ الطعنُ إذا قَدِمُوا في نُحُورِهِم، ويُقَالُ: هَلَّلَ عنْ كذا وكذا، إذا نَكَصَ عنهُ وتأَخَّرَ، يقولُ: هُمْ شُجْعَانٌ ليسَ لَهُمْ تأخُّرٌ عنْ حياضِ الموتِ إذا تَأَخَّرَ غيرُهم عنها ونَكَصَ.تَمَّت القصيدةُ.
قالَ كعبُ بنُ زُهَيْرٍ: فلَمَّا خَتَمْتُ القصيدةَ رَمَى عَلَيَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بُرْدَةً كانتْ عليهِ، فلَمَّا كانَ زمانُ معاويَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ بعثَ إلى كعبِ بنِ زُهَيْرٍ: ( بِعْنَا بُرْدَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعشَرةِ آلافٍ )، فَوَجَّهَ إليهِ الجوابَ: ( ما كُنْتُ لأُوثِرَ بثوبِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أحداً). فلمَّا ماتَ كعبٌ بعثَ معاويَةُ إلى أَوْلادِهِ بعشرينَ ألفاً، وأخذَ منهم البُرْدَةَ وهيَ البُرْدَةُ التي عندَ السلاطينِ إلى عصْرِنا هذا. واللَّهُ أعلمُ.
تَمَّتْ بحمدِ اللَّهِ ، وصلَّى اللَّهُ على سيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحْبِهِ وَسَلَّمَ.

  #3  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:10 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري

إِنَّ الرَّسُـــولَ لَسَــيْفٌ يُسْــتَضَـاءُ بِـهِ مُــهَنَّـدٌ مِنْ سُــيُوفِ اللهِ مَـسْــلُــولُ
مُهَنَّدٌ: مَنْسُوبٌ إلى الهِنْدِ، وجَعَلَه سيفاً على سبيلِ الاسْتِعَارَةِ.

فِـي عُصْــبَةٍ مِنْ قُـرَيْـشٍ قَـالَ قَائِـلُـهُمْ بِبَــطْنِ مَــكَّةَ لَــمَّـا أَسْـلَمُـوا زُولُــوا
العُصْبَةُ: مِن العَشَرَةِ إلى الأَرْبَعِينَ. وزُولُوا: مِن زَالَ يَزُولُ زَوَالاً، والمُرادُ به: الهِجْرَةُ مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ.

زَالُــوا فَـمَا زَالَ أَنْــكَاسٌ وَلاَ كُـشُــفٌ عِنْـدَ اللِّـقَاءِ وَلاَ مِيـــلٌ مَــعَـازِيـــلُ
أنكاسٌ: جَمْعُ نَكْسٍ، وهو الضعيفُ من الرجالِ. والكُشُفُ: جمعُ أَكْشَفَ وهو الذي لا تُرْسَ مَعَه. ومِيلٌ: جمعُ أَمْيَلَ، وهو الذي لا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ. ومَعَازِيلُ: جمعُ مِعْزَالٍ، وهو الذي إذا وَقَعَ صَوْتٌ مضَى بلا سلاحٍ. ويُقالُ: رجلٌ أَعْزَلُ، إذا كانَ لا سلاحَ معَه.

شـُـمُّ الْعَـرَانِيـــنِ أَبْـطَالٌ لَبُــوسُـهُمُ مِنْ نَسْــجِ دَاودَ فِــي الهَيْــجَا سَــرَابِيــلُ
"شُمُّ": جَمْعُ أَشَمَّ، وشَمَّاءَ. والعَرَانِينِ: الأُنوفُ، واحِدُها عِرْنِينٌ. ويُقالُ: أَنْفٌ أَشَمُّ إِذَا كانَ فِيهِ ارْتِفَاعٌ. ويُقالُ: إنَّ فيه لَشَمَماً، والشَّمَمُ: الارْتِفَاعُ. والأبطالُ: جَمْعُ بَطَلٍ، وهو الذي تَبْطُلُ عندَه الدِّماءُ، وقيلَ: هو الذي تَبْطُلُ عندَه الحِيَلُ. ولَبُوسُهُم: لِبَاسُهُم، قال اللهُ تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} – أي: لِبَاسٍ لَكُمْ -. ونَسْجِ دَاودَ: الدُّرُوعُ. والهَيْجَاءُ: الحَرْبُ، وهي ممدودةٌ, وإنما قَصَرَها للضرورةِ. وقيلَ: فيها لغتانِ: المَدُّ والقَصْرُ. وسَرَابِيلُ: جَمْعُ سِرْبَالٍ، وهو ما لَبِسَه مِن قَمِيصٍ أو دِرْعٍ، قالَ اللهُ تَعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}.

بِيضٌ سَوَابِغُ قَــدْ شُــكَّـتْ لَـهَا حَـلَـقٌ كَأَنَّـهَا حَــلَقُ القَفْعَــاءِ مَـجْدُولُ
بِيضٌ: جَمْعُ أَبْيَضَ وبَيْضَاءَ، وكانَ القياسُ أن يَجْمَعَ على فُعْلٍ بضمِّ الفاءِ كأسودَ وسُودٍ، وأَحْمَرَ وحُمْرٍ، إلا أنه أبدَلَ مِن الضمَّةِ كَسرةً؛ فقالَ: بِيضٌ لمكانِ الباءِ. وسَوَابِغُ: جمعُ سَابِغَةٍ، وهي الدِّرْعُ التامَّةُ.

وشُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ: أي: أُدْخِلَ بعضُها في بعضٍ. و"القَفْعَاءِ": نَبْتٌ له (حَلَقٌ) مثلُ حَلَقِ الدُّرُوعِ. "مَجْدُولُ": مُحْكَمٌ.
لاَ يَـفْرَحُـونَ إِذَا نَـالَـتْ رِمَـاحُــهُمُ قَـوْمـاً وَلَيْــسُوا مَجَـازِيــعاً إِذَا نِيـــلُوا
مجازِيعُ: جَمْعُ مِجْزَاعٍ, وهو الكثيرُ الجَزَعِ. وصَرَفَ " مَجَازِيعَ " وإنْ كانَ يَنْبَغِي أن يكونَ غيرَ مصروفٍ لضرورةِ الشعرِ، وصَرْفُ ما لا يَنْصَرِفُ للضرورةِ جائِزٌ بإجماعِ النَّحْوِيِّينَ. واخْتَلَفُوا في تركِ صرفِ ما يَنْصَرِفُ، فأباه البَصْرِيُّونَ، وأجَازَه الكُوفِيُّونَ.

المعنى: أنهم لا يَفْرَحُونَ إذا غَلَبُوا؛ لِقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِم بما يُصِيبُونَ مِن الأعداءِ، ولا يَجْزَعُون إذَا غُلِبُوا؛ لصَبْرِهِم على الشِّدَّةِ والبلاءِ.
لاَ يَــقَـعُ الطَّـعْـنُ إِلاَّ فِـي نُـحُورِهِـمُ ومَا لَــهُمْ عَـنْ حِيَـاضِ الـمَـوْتِ تَــهْلِيـلُ
حِياضِ الموتِ: مَوَارِدُه، وجَعَلَ له حِيَاضاًً على سبيلِ الاسْتِعَارَةِ. وتَهْلِيلُ: تَفْعِيلٌ، مِن هَلَّلَ الرجلُ: إذا تَأَخَّرَ ونَكِصَ.

والمعْنَى: أَنَّهم يُقْدِمُونَ ولا يَنْهَزِمُونَ؛ فيَقَعَ الطعْنُ في نُحُورِهم، لا في ظُهُورِهم.
ورُوِيَ أن عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلامُ كانَ دِرْعُهُ صَدْراً بلا ظَهْرٍ، فقيلَ له: لو احْتَرَزْتَ مِن ظَهْرِكَ؟ فقالَ: إذا هَلَكْتُ مِن ظَهْرِي فلا وَأَلْتُ. أي: لا نَجَوْتُ، ومِنه المَوْئِلُ: المَلْجَأُ،قال تعالى: {لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاَ}. أي: مَلْجأً.
يَـمْشُـونَ مَشْـيَ الْجِـمَالِ الزُّهْـرِ يَعْصِـمُهُمْ ضَـرْبٌ إِذَا عَـرَّدَ السُّــودُ التَّـنَابِـيــلُ
الزُّهْرِ: البيضُ، جمعُ أَزْهَرَ وزَهْرَاءَ. ويَعْصِمُهُمْ: يَمْنَعُهُمْ، ومِنه قوْلُه تعالى: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}. أي: يَمْنَعُنِي. وعَـرَّدَ: فَرَّ، قالَ الشاعرُ:

ومِقْــدَامٌ إذَا الأبـطـالُ حَــامَــتْ وعَــرَّدَ عَــن حَـلِيــلَتِـه الخَــلِيـلُ
والتنابِيلُ: القِصَارُ، جَمْعُ تِنْبَالٍ بكسرِ التاءِ، وهو أحدُ ما جاءَ على تِفْعَالٍ. وفي هذا البيتِ تَعْرِيضٌ بالأنصارِ؛ لِغِلْظَتِهِم عليه.

جاءَ في الحديثِ: أنه لَمَّا بَلَغَ إنشادُه هذه القصيدةِ إلى قَوْلِهِ:
لاَ يَــقَـعُ الطَّـعْـنُ إِلاَّ فِـي نُـحُورِهِـمُ وَمَا لَــهُمْ عَـنْ حِيـاضِ الْـمَـوْتِ تَــهْلِيـلُ
نَظَرَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى مَن كانَ بِحَضْرَتِهِ مِن قريشٍ كأنه يُومِئُ إليهم أنِ اسْمَعُوا. فلمَّا قالَ:

يَـمْشُـونَ مَشْـيَ الجِـمَالِ الزُّهْـرِ يَعْصِـمُهُمْ ضَـرْبٌ إِذَا عَـرَّدَ السُّــودُ التَّـنَابِـيــلُ
فعَرَّضَ بالأنصارِ, أَنْكَرَتْ قريشٌ عليهم وقالوا: لم تَمْدَحْنَا إِذْ هَجَوْتَهُم. ولم يَقْبَلُوا ذلك مِنه، فمَدَحَهم وقالَ:

مَنْ سَــرَّهُ كَـرَمُ الحَيَـاةِ فَـلاَ يَـــزَالُ فِي مِـقْنَـبٍ مِن صَـــالِـحِ الأَنْصَــــارِ
الْبَـاذِلِــينَ نُـفُـوسَــهُمْ وَدِمَـاءَهُـمْ يَــوْمَ الْـهَيـَـاجِ وسَــطْـوَةِ الجَــبَّـارِ
يَـتَـطَهَّـرُونَ كَأَنَّــهُ نُـسُـكٌ لَــهُمْ بِـــدِمَاءِ مَـنْ عَــلِقُــوا مِنَ الْكُـفَّـــارِ
فكَسَاهُ الرسولُ -صَلَوَاتُ اللهُ عليه- بُرْدَتَهُ، واشْتَرَاهَا مُعَاوِيَةُ بنُ أبي سُفْيَانَ مِن آلِ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ بعدَه بمالٍ كثيرٍ، وهي الآنَ معَ الخلفاءِ مِن بَنِي العبَّاسِ، رِضْوَانُ اللهِ عليهم أَجْمَعِينَ.

وهذانِ البيتانِ بنُسْـخَةٍ بعدَ: " ضَـخْمٌ مُـقَلَّدُهَا ".
غَلْــبَاءُ وَجْنَـاءُ عُـلْـكُومٌ مُــذَكَّرَةٌ فِـي دَفِّــهِا سَــعَـةٌ قُـدَّامَهَا مِيــلُ
غلباءُ وَجْنَاءُ: عَنَى بالغلباءِ الغليظةَ الرقبةِ. والوَجْنَاءِ العظيمةَ الوَجْنَتَيْنِ. وقُدَّامَها مِيلُ: يَصِفُها بطولِ العُنُقِ.

وَجِــلْدُهَا مِن أَطُــومٍ لا يُـؤَيِّسُــهُ طِـلْحٌ بِضَـاحِيَــةِ الْمَتْنَــيْنِ مَــهْـزُولُ
الأَطُومُ: الزَّرَافَةُ، يَصِفُ جِلْدَها بالمَلاسَةِ، والتَّأْيِيسُ: التدليلُ. والطِّلْحُ: القُرَادُ. وضَاحِيَةِ الْمَتنْيَنْ: ما بَرَزَ للشَّمْسِ مِنه. كأنَّه مِن قَوْلِهم: ضَحَى يَضْحَى إِذَا بَرَزَ للشمسِ، أي: لِمَلاسَةِ جِلْدِها لا يَثْبُتُ عليها قُرَادٌ.

والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَوَاتُه على سَيِّدِنا محمدٍ وآلِه الطَّاهِرِينَ، وكانَ الفَرَاغُ مِنَ " السَّبْعِ الطِّوَالِ " ومِنْ "بَانَتْ سُعَادُ " يومَ الأحدِ في ثامِنٍ وعِشْرِينَ خَلَتْ مِن ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ إِحْدَى وثلاثونَ وسِتُّمِائَةٍ.

  #4  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:34 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

إِنَّ الرَّسُــولَ لَسَـيْفٌ يُسْتَضَــاءُ بِـهِ مـُهَــنَّدٌ مِن سُــيوفِ اللَّهِ مَسْـلُـولُ
مُهَنَّدٌ: مَنْسُوبٌ إِلَى الهِنْدِ، وكَذَلِكَ الهِنْدِيُّ والهِنْدَوَانِيُّ والهِنْدِيَّةُ أَفْضَلُ سُيوفِ العَرَبِ.
وقَوْلُه: "يُسْتَضَاءُ بِهِ" مَعْنَاهُ يـُهْتَدَى بِهِ إِلَى الحَقِّ. ومِن سُيوفِ اللَّهِ: أي: مِن حُجَجِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِه، يَهْتَدِي بِهِ المُؤْمِنُ، ويَكُونُ حُجَّةً عَلَى الكَافِرِ، يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِه تَعَالَى: {لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ}. مَسْلُولُ: أي: قَائِمٌ بأَمْرِ اللَّهِ، ظَاهِرُ الحُجَّةِ، وَاضِحُ الدَّلالَةِ.
ويُرْوَى أَنَّ كَعْباً أَنْشَدَ: " مِن سُيوفِ الهِنْدِ". فَقَالَ النَّبِيُّ –عَلَيْهِ السَّلامُ-: مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ.
فـِي فِتْـيةٍ مِنْ قُـرَيْشٍ قَـالَ قَائِـلُهُمْ ببـَطْنِ مَـكَّـةَ لَـمَّـا أَسْـلَمُوا: زُولُوا
الفِتْيَةُ: الفِتْيَانُ والفُتُوُّ كُلُّه جَمْعُ فَتًى، والفَتَى: السَّخِيُّ الكَرِيمُ. يُقَالُ فَتًى بَيِّنُ الفُتُوَّةِ، فالفَتَى هو الكَرِيمُ وإِنْ كَانَ شَيْخاً. و"مِن قُرَيْشٍ" صِفَةُ فِتْيَةٍ، وكَذَا " قَالَ قَائِلُهُم". ولَمَّا ظَرْفٌ. و"أَسْلَمُوا" خُفِضَ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ. و"زُولُوا" مَفْعُولُ " قَالَ قَائِلُهُم" أي: أَحَدُهُم، يَعْنِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ. و"زُولُوا": انْتَقِلُوا مِن مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ, يَعْنِي الهِجْرَةَ.
"فِي فِتْيَةٍ" مُتَعَلِّقٌ بِـ مَسْلُولُ، أي: حُجَّةُ النُّبُوَّةِ قَائِمَةٌ فيهم وهم يَضْرِبونَ بها، ويَذُبُّونَ عَنْ حَوْزَتِهَا، ويَرْفَعُون مَنَارَهَا، ويُشْهِرُونَ شِعَـارَهَا.
زَالُــوا فَمَا زَالَ أَنْــكَاسٌ ولا كُشـُفٌ عِــنْدَ اللِّقَـاءِ وَلا مِيـــلٌ مـَعَازِيــلُ
أَنْكَاسٌ: جَمْعُ نَكْسٍ، وهو الرَّجُلُ الضَّعِيفُ المَهِينُ، شـُبِّهَ بالنَّكْسِ مِن السِّهَامِ وهو الذي انْكَسَرَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ، والنَّكْسُ: المُتَوخِّرُ في الحَرْبِ، والكُشُفُ: جَمْعُ أَكْشَفَ، وهو الذي لا تُرْسَ مَعَهُ، والمِيلُ: جَمْعُ أَمْيَلَ وهو الذي لا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ، ولا يَسْتَقِرُّ عَلَى السَّرْجِ. والأَمْيَلُ: هو الكِفْلُ، قَالَ الشَّاعِرُ يَذُمُّ قَوْماً:
لـَمْ يـَرْكَبُوا الخَيـْلَ إِلاَّ بَـعْدَ مَا هَرِمُوا فَـهُمْ ثـِقالٌ علَـى أَكْـفَـالِهَا مِيـــلُ
والمَعازِيلُ: جَمْعُ مِعزَالٍ وهو الذي لا سَلاحَ مَعَهُ. والمَشْهُورُ رَجُلٌ عُزُلٌ، ومنه السِّماكُ الأَعْزَلُ إِذْ لا رُمْحَ مَعَه, كَمَا للسِّمَاكِ الرَّامِحِ.يَقُولُ: زَالُوا عَنْ مَكَّةَ فَمَا زَالَ عَنْهَا أَنْكَاسٌ، أي: لم يَخْرُجُوا عَنْهَا ذُلاًّ ولا فَرَقاً، بَلْ طَاعَةً لأَمْرِ اللَّهِ تعَالَى.
شـُمُّ العَـرَانِينِ أَبْـطَالٌ لَبـُوسـُـهُمُ مِن نَسْــجِ دَاوُوُدَ فِي الهَـيـْـجَا سـَرَابِيـلُ
الشُمُّ: جَمْعُ أَشَمَّ، وهو الذي في أَنْفِه عُـلُوٌّ في قَصَبَتِه مَعَ اسْتِواءِ أَعْلاهُ، فإِنْ كَانَ فِي القَصَبَةِ احْدِيْدَابٌ فهو القَنَا. وأَصْلُ الشَّمَمِ الارْتِفَاعُ. والعَرَانِينَ: الأُنُوفُ. والأَنْفُ الأَشَمُّ: دَلِيلُ السُّؤْدَدِ. ويُقَالُ جَبَلٌ أَشَمُّ إِذَا كَانَ طَوِيلَ الرَّأْسِ. والأَبْطَالُ: جَمْعُ بَطَلٍ وهو الذي تَبْطُلُ عِنْدَه الدِّمَاءُ، أو يَبْطُلُ مَعَهُ الحِيَلُ.
"وشُمُّ العَرَانِينِ " رَفْعٌ بأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، أي: هُمْ شُمُّ العَرَانِينِ. ولَبُوسُهُم: هِيَ الدُّرُوعُ الَّتِي يَتَّخِذُونَها للُبْسٍ في الحَرْبِ. "مِنْ نَسْجِ دَاوُوُدَ"؛ لأَنَّهُ صَانِعُهَا. وسَرَابِيلُ: جَمْعُ سـِرْبَالٍ, وهو القَمِيصُ، أي: لُبُوسُهُم سَرَابِيلُ مِن نَسْجِ دَاوُودَ.
بِيـضٌ سـَـوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حـَلَقٌ كَأَنـَّهَا حـَلَقُ القَفْــعَاءِ مَــجْدُولُ
"بِيضٌ سَوَابِغُ" صِفَةٌ لـ سَرَابِيلُ. وبِيضٌ: مَجْلُوَّةٌ, وهو لَوْنُ الحَدِيدِ. والسَّوَابِغُ: الطِّوَالُ الصَّافِيَةُ. وشُكَّتْ: أُدْخِلَ حَلَقُهَا بَعْضُهَا في بَعْضٍ، وإِنَّما يَكُونُ ذَلِكَ في الدُّرُوعِ المُضَاعَفَةِ، وأَصْلُ الشَّكِّ إِدْخَالُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ، يُقَالُ [شَكَّهُ] بالرُّمْحِ. ويُرْوَى "سـُكَّتْ" بالسِّينِ المُهْمَلَةِ, ومَعْنَاهُ "ضُيِّقَتْ"، يُرِيدُ أَنَّ حَلَقَ الدُّرُوعِ مُضَايَقٌ بَيْنَها. والقَفْعَاءُ:شَجَرَةٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ كحَلَقِ الدُّرُوعِ. والمَجْدُولُ: المُحْكَمُ [الصَّنْعَةِ].
و"قَدْ شُكَّتْ" جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لـ "سَرَابِيلُ". و"كَأَنَّهَا حَلَقُ القَفْعَاءِ" صِفَةٌ, "حَلَقُ" و"مَجْدُولُ" صِفَةٌ أُخْرَى، وذَكَرَه عَلَى المَعْنَى, ويَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى لَبُوسِهِم أي: هو مَجْدُولٌ.
لا يَفْـرَحُونَ إِذَا نَالَتْ رِمَاحُــهُمُ قَـوْماً، وَلَيْــسُوا مَجَـازِيـعـاً إِذَا نِيــلُوا
يَصِفُهُم بالشَّجَاعَةِ، وكِبَرِ الهِمَّةِ، وشِدَّةِ الصَّبْرِ والاحْتِمَالِ، وقِلَّةِ المُبَالاةِ بالمَصَائِبِ، وعَدَمِ الاكْتِرَاثِ لَهَا، فإِذَا ظَفَرُوا وغَلَبُوا لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهم فَرَحٌ، وإِذَا غُلِبُوا لَمْ يَجْزَعُوا ولَمْ يَعُرَّهُم هَلَعٌ ولا رَجْفَةٌ. والمَجَازِيعُ: جَمْعُ مِجْزَاعٍ، وهو الذي يَكْثُرُ مِنْهُ الجَزَعُ.
لا يَقَـعُ الطَّـعْنُ إِلاَّ في نـُـحُورِهُمُ وَمَا لَـهُمْ عَـنْ حِيـاضِ المَــوْتِ تَهْــلِيلُ
هَذَا يَتَّصِلُ بِمَا سَبَقَ فِي تَكْمِيلِ شَجَاعَتِهِم، وهو أَنَّهُم لا يُولُّونَ الأَدْبارَ فَلا يَنَالُ عُدُوُّهُم مِنْهم إلاَّ نُحورَهُم، وما لهم عن حِياضِ الموتِ نُكُوصٌ ولا تَأَخُّرٌ، أي: لا يَنْهَزِمُونَ أَصْلاً، فكَيْفَ يَصِلُ الطَّعْنُ إِلَى ظُهُورِهِم. يُقَالُ هَلَّلَ عَنْ كَذَا: إِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ. والمَوْتُ يُسْتَعَارُ لَهُ الحَوْضُ، والكَأْسُ، والمشرعُ، والمَنْهَلُ، فإِنَّ النَّاسَ يَشْرَبُونَهُ، ويَرِدُونَهُ، ويَذُوقُونَهُ، ويَتَجَرَّعُونَه.
يَمْشُــونَ مَشْيَ الجِـمَالِ الـزُّهْرِ يَعْصِمُهُم ضَــرْبٌ إِذَا عَـرَّدَ السـُّـودُ التَّـنَـابِيـلُ
يَصِفُهُم بامْتِدَادِ القَامَاتِ، وعِظَمِ الخَلْقِ، وبَيَاضِ البَشَرَةِ والرِّفْقِ فِي المَشْيِ، وتَجَنُّبِ السُّرْعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الهَوَجِ والطَّيْشِ، وهذه المِشْيَةُ تَدُلُّ عَلَى الوَقَارِ والسُّؤْدَدِ، وهِيَ مِشْيَةُ الرُّؤَسَاءِ والسَّادَاتِ. والزُّهْرِ: جَمْعُ أَزْهَرَ وهو الأَبْيَضُ. يَعْنِي أَنَّهم سَادَاتٌ لا عَبِيدٌ, ولا مِن الأَعْرَابِ والأَطْرَافِ، فإِنَّ سَادَاتَ مَكَّةَ الغَالِبُ عَلَيْهِم اللَّوْنُ الأَزْهَرُ. و"مَشْيَ الجِمَالِ" صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ. ويَعْصِمُهُم ضَرْبٌ: يَمْنَعُهُم ويَحْمِيهِم، مِن قَوْلِه سُبحانَهُ وتعالَى: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ}. أي: يَمْنَعُنِي. وعَرَّدَ وهَلَّلَ وفَرَّ بِمَعْنًى. والسُّودُ: جَمْعُ أَسْوَدَ. والتَّنَابِيلُ: جَمْعُ تِنْبَالٍ. وهو القَصِيرُ وهو أَحَدُ مَا جَاءَ عَلَى تِفْعَالٍ كالتِّقْصَارِ.
وقَوْلُه "يَعْصِمُهُم" فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ. ومَعْنَى يَعْصِمُهُم ضَرْبٌ: يَحْمِيهِم ضَرْبُهُم أَعْدَاءَهُم أي: ضَرْبُهُم يَكُفُّ الأَعْدَاءَ عَنْهُم، وهم في تلك الحَالِ يَتَهادَوْنُ ولا تَطِيشُ أَحْلامُهم.
وَلا وَصْفَ بالشَّجَاعَةِ أَكْمَلُ مِن أَنْ يَمْشُوا فِي الحَرْبِ رُوَيْداً، ويَضْرِبُوا الأَعْنَاقَ بِلا طَيْشٍ ولا خـُرْقٍ، بَلْ مَعَ وَقَارٍ، وثُبُوتِ جَأْشٍ، ورَزَانَةِ حصاةٍ، وحُضُورِ رَوِيَّةٍ، وأَنَاةٍ، ومَعْرِفَةٍ بمواقعِ الطَّعْنِ والضَّرْبِ، وجَوْدَةٍ بحُسْنِ المُخَاتَلَةِ وانْتِهَازِ الفُرْصَةِ، ولطافَةِ المتاقاتِ والمُحَاذَرَةِ.
بهذا القَدْرِ كَافٍ، واللَّهُ –سبحانه- كَافِيكَ، وخَاطِرُكَ غَارِمٌ مَا فَاتَ خَاطِرِي، وعِلْمُكَ مُسْتَدْرِكٌ مَا فَاتَ فِيهِ قَلَمِي، وبإِحْسَانِكَ تَشْكُرُ عُجَالَتِي، وبرَوِيَّتِكَ تُفَصِّلُ مَا أَجْمَلَتْهُ بدَاهَتِي. فأَعْذَبُ قَوْلِي مَا سَمَحَتْ بِهِ المَلَكَةُ رَهْواً، وجَاءَتِ القَرِيحَةُ بِهِ سَهْواً، وخَلِيَ عَنْ بشَاشَةِ التَّصَنُّعِ، وسَمَاجَةِ السَّرْقِ والتَّتَبُّعِ، وبَعُدَ عَن غُنَّةِ المُتَعاطِي وقُصُورِ المتطاولِ، وتَرَفَّعَ عـن لُكْنَةِ المُتَفَاصِـحِ وهَجْنَةِ المُتَشَادِقِ، وتَنَزَّهَ عَنْ تَرْقِيعِ الخَلِقِ، وتَلْفِيقِ غَيْرِ مُتَّفِقٍ، أعاذنا اللَّهُ وإِيَّاكَ مِن كَلامٍ الصَّمْتُ مِنْهُ أَسْلَمُ، ومن نـُطقٍ الخَرَسُ منه أَفْضَلُ. والحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ المُؤَرَّخُ بِهِجْرَتِه، المُخْتَتَمُ بدَعْوَتِه، وعَلَى آلِهِ وعِتْرَتِه. انْتَهَى
وإِنْ تَـجِـدْ عَيْــباً فسُـدَّ الخَـللاَ [قـَدْ] جَـلَّ مَن لا عَيْـبَ فِيـهِ وعَــلاَ

  #5  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 07:20 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ:
50- إنَّ الرسولَ لَسَيْفٌ يُستضاءُ بِهِ = مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللهِ مَسلولُ
قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: اشتقاقُ السيفِ مِن قولِهم: سافَ مالُه، أي: هَلَكَ؛ لأنَّ السيفَ سَببُ الهلاكِ، وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ المعروفَ: أَسافَ الرجُلُ يَسِيفُ، أي: أَهْلَكَ مالَه، وسافَ المالُ يَسوفُ بالواوِ، أي: هَلَكَ. حكاهُ يَعقوبُ، وحَكَى أيضًا: رَماهُ اللهُ بالسَّوافِ بالفَتْحِ، أي: بالهلاكِ، وحَكَاهُ الأَصْمَعِيُّ: بالسُّوافِ بالضَّمِّ، واتَّفَقَا على الواوِ، ويُقالُ: مُهَنَّدٌ، وهِنْدَوَانِيٌّ، أي: مَنسوبٌ إلى الْهِنْدِ، وسيوفُ الْهِنْدِ أَفضلُ السيوفِ.
ويُستضاءُ به: معناه: يُهْتَدَى به إلى الْحَقِّ، ويُرْوَى: لَنُورٌ يُستضاءُ به، وهو حَسَنٌ، قالَ التِّبريزيُّ: إنما جَعَلَه سَيفًا استعارةً . انتهى. وهذا في اصطلاحِ البيانِيِّينَ إنما يُسَمَّى تَشبيهًا مُؤَكِّدًا، لا استعارةً؛ إذ شَرْطُ الاستعارةِ عندَهم طَيُّ الْمُشَبَّهِ، ويُرْوَى أنَّ كَعبًا رَضِيَ اللهُ عنه أَنْشَدَ: مِن سيوفِ الهندِ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( مِن سُيوفِ اللهِ )).
قالَ رَحِمَه اللهُ:
51- في فِتيةٍ من قُريشٍ قالَ قائلُهم = ببَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
"في فِتيةٍ": خَبَرٌ آخَرُ أو مُتَعَلِّقٌ بِمَسلولُ، والفِتيةُ والفِتيانُ والفُتُوُّ والْفُتِيُّ -بضَمِّ أوَّلِه وبِكَسْرِ أَوَّلِه كالعِصِي والعُصِيِّ - جَمْعُ فَتًى، والأَوَّلانِ في كِتابِ اللهِ تعالى: { قَالَ لِفَتَاهُ }, { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ } والثالثُ شاذٌّ؛ لأنَّ أَصْلَه فَتُؤْتِي على فَعُولٍ، فكانَ حَقُّهُم أن يُبْدِلُوا واوَه يَاءً، ويُدْغِمُوها في الياءِ، ومنه قولُ جُذَيْمَةَ: ( البحر المديد )
مِن فُتُوٍّ أنا رَابِئُهُمْ = مِن كَلالِ غَزْوَةٍ مَاتُوا
ونَظيرُه في الشذوذِ قولُهم، في الْمَصدَرِ والْمُفْرَدِ: الفَتِيُّ، وهو السَّخِيُّ الكريمُ، وإن كان شَيْخًا، ويُرْوَى: في عُصْبَةٍ، وهي الجماعةُ مِن الناسِ ما بينَ العَشرةِ والأربعينَ، والظرْفُ والجملةُ الفِعْلِيَّةُ صِفتانِ لفِتيةٍ أو لعُصْبَةٍ، وهذا القائلُ عمرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه.
وزُولُوا: انْتَقِلُوا مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ، يعني بذلك الْهِجرةَ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
52- زَالُوا فما زَالَ أَنكاسٌ ولا كُشُفٌ = عندَ اللقاءِ ولا مِيلٌ مَعازِيلُ
زالَ هذه تَامَّةٌ، معناه: ذَهَبُوا وانْتَقَلُوا، وهي التي بُنِيَ منها الأَمْرُ في البيتِ السابقِ، ومُضارِعُها: يَزولُ، وقد اجْتَمَعَ الماضي والْمُضارِعُ في قولِه تعالى: { إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ } أي: ما يُمْسِكُهما مِن أَحَدٍ، وأَمَّا الناقِصَةُ فهي: زالَ يَزالُ، ولا تَقَعُ إلا بعدَ نَفْيٍ أو نَهْيٍ، نحوَ: { وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } وقولِ الشاعرِ: ( البحر الخفيف )
صاحَ شَمِّرْ وَلَا تَزَلْ ذَاكِرَ الموتِ = فنِسيانُه ضَلالٌ مُبينُ
والأنكاسُ: جَمْعُ نِكْسٍ بكَسْرِ النونِ، وهو الرجُلُ الضعيفُ الْمَهينُ، شُبِّهَ بالنِّكْسِ مِن السِّهامِ، وهو الذي انْكَسَرَ فَوْقَهُ، فجَعَلَ أَعلاهُ أَسْفَلَه.
والكُشُفُ بضَمَّتَيْنِ: جَمْعُ أَكْشَفَ، وهو الذي لا تُرْسَ معه في الْحَرْبِ.
والْمِيلُ: جَمْعُ أَميلَ، وله مَعنيانِ:
أحدُهما: الذي لا سَيْفَ معهُ.
والثاني: الذي لا يُحْسِنُ الرُّكوبَ، ولا يَسْتَقِرُّ على السَّرْجِ، قالَ جَريرٌ يَهْجُو قومًا: ( البحر البسيط )
لم يَرْكَبُوا الخيلَ إلا بَعْدَما هَرِمُوا = فَهُمْ ثِقالٌ على أَكفالِها مِيلُ
ومَن يُجَوِّزْ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ على مَعنَيَيْهِ أو مَعانيهِ دُفعةً، جازَ عِندَه هنا الْحَمْلُ على الْمَعنيينِ معًا، ووَزْنُ " مِيلُ " فُعْلٌ بضَمِّ أَوَّلِه، والكَسرةُ عارِضَةٌ لتَسْلَمَ الياءُ , ومِثلُه: عِيسٌ وبِيضٌ.
والْمَعازِيلُ: جمْعُ مِعزالٍ، وهو الذي لا سِلاحَ معَه، والمشهورُ رَجُلٌ أَعْزَلُ، قالَ: ( البحر الطويل ).
ولكنَّ مَن لم يَلْقَ أَمْرًا يَنُوبُهُ = بِعُدَّتِه يَنْزِلْ به وهو أَعْزَلُ
والأصلُ: ولكنه، أي: ولكنَّ الشأنَ، فحَذَفَه، وقالوا لأَحَدِ السِّماكينِ في السماءِ: السِّماكُ الأعزَلُ؛ لأنَّه لا رُمْحَ معه، كما للسِّماكِ الرامحِ , وما أَحْسَنَ قولَ الْمَعَرِّيِّ: ( البحر الكامل )
لا تَطْلُبَنَّ بغيرِ حَظٍّ رُتبةً = قَلَمُ البليغِ بغيرِ حَظٍّ مِغْزَلُ
سَكَنَ السِّماكانِ السماءَ كِلاهُمَا = هذا له رُمْحٌ وهذا أَعْزَلُ
ويَجوزُ أن يكونَ جَمْعًا لِمِعزالٍ، وهو الضَّعيفُ الأَحْمَقُ، والمعنى: زالوا مِن بَطْنِ مَكَّةَ , وليس فيهم مَن هذه صِفتُه , بل هم أَقوياءُ ذَوُو سِلاحٍ فُرسانٌ عندَ اللقاءِ.
قالَ:
53- شُمُّ العَرانينِ أبطالٌ لَبُوسُهُمُ = مِن نَسْجِ دَاوُدَ في الْهَيْجَا سَرابيلُ
الشُّمُّ: جَمْعُ أَشَمَّ، وهو الذي في قَصَبَةِ أَنْفِه عُلُوٌّ مع استواءِ أَعْلَاهُ، والْمَصْدَرُ: الشَّمَمُ، وأَصْلُه: الارتفاعُ مُطْلَقًا.
والعَرانينُ: جَمْعُ عِرنينٍ، وهو الأَنْفُ.
والأبطالُ: جَمْعُ بَطَلٍ، وهو الذي تَبْطُلُ عِندَه الدِّماءُ، وتَذْهَبُ هَدَرًا، ولا يُدْرَكُ عندَه بالثأرِ، وقيلَ: الذي تَبْطُلُ فيه الْحِيَلُ، فلا يُوصَلُ إليه.
واللَّبوسُ بفَتْحِ اللامِ: ما يُلْبَسُ مِن السلاحِ.
والنَّسْجُ: المنسوجُ.
ودَاودُ: النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ، ومَنسوجُه الدُّروعُ.
والسرابيلُ: جَمْعُ سِربالٍ، والظرْفُ صِفةٌ لسَرابيلَ قُدِّمَ عليه، فانْتَصَبَ على الحالِ.

  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 07:29 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي ( تابع ) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

54- بِيضٌ سَوابِغُ قد شُكَّتْ لها حَلَقٌ = كأنه حَلَقُ القَفعاءِ مَجدولُ
بِيضٌ سَوابِغُ: صِفتانِ لسَرابيلَ، ومَعْنَى "بِيضٌ": مَجْلُوَّةٌ صافيةٌ، ومعنى سَوابغُ: طِوالٌ تَامَّةٌ، ومُفرَدُهما: أَبيضُ وسَابِغٌ؛ لأنَّ السِّربالَ مُذَكَّرٌ، " وفاعلٌ " يُجْمَعُ على " فَواعِلَ " في مَسائلَ: منها أن يكونَ صِفةً لِمَا لا يَعْقِلُ كقولِه:
لنا قَمَرَاها والنجومُ الطوالِعُ .
وأَصْلُ الشكِّ: إدخالٌ في الشيءِ، ومنه قولُ عَنترةَ:
فشَكَكْتُ بالرُّمْحِ الطويلِ ثِيابَهُ .
والمرادُ به هنا: إدخالُ بعضِ الْحَلَقِ في بعضٍ، وإنما يكونُ ذلك في الدُّروعِ الْمُضَاعَفَةِ، ويُرْوَى: سُكَّتْ بالسينِ الْمُهْمَلَةِ، أي: ضُيِّقَتْ، يعني: أن حَلَقَ الدُّروعِ قد ضُويِقَ بينَها، والسكَكُ: الضِّيقُ، ومنه أُذُنٌ سَكَّاءُ، وهي الضَّيِّقَةُ، مِن قولِهم: اسْتَكَّت الأُذُنُ: إذا اسْتَدَّتْ، وقيلَ: إنما الأُذُنُ السَّكَّاءُ التي لا يَبينُ لها نُتوءٌ كأُذُنِ الطيرِ، والجملةُ الفِعليَّةُ صِفةٌ ثالثةٌ لسَرابيلَ، والاسمِيَّةُ صِفةٌ لِحَلَقٍ.
والْحَلَقُ بفَتحتينِ: جَمْعُ حَلْقَةٍ بالإسكانِ، على غيرِ قِياسٍ، هذا هو الصحيحُ، وخالَفَ الأصمعيُّ في الْجَمْعِ، فقالَ: حِلَقٌ بكَسْرِ الحاءِ، كبَذْرَةٍ وبِذَرٍ، قَصْعَةٍ وقِصَعٍ، خالَفَ أبو عمرٍو في الْمُفْرَدِ، فقالَ: حَلَقَةٌ بالفَتْحِ، وقال أبو عمرٍو الشيبانيُّ: ليس في الكلامِ حَلَقَةٌ بالتحريكِ إلا جَمْعُ حالِقٍ.
والقَفعاءُ بقَافٍ بعدَها فاءٌ بعدَها عينٌ مُهْمَلَةٌ: شجَرٌ يَنْبَسِطُ على وَجْهِ الأرضِ يُشَبَّهُ به حَلَقُ الدُّروعِ.
والْمَجدولُ: الْمُحْكَمُ الصَّنْعَةِ، وفيه تَقديمُ الوَصْفِ بالجملةِ على الوَصْفِ الْمُفْرَدِ، وهو جائزٌ فَصيحٌ، ومنه قولُه تعالى: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } هذا هو الصحيحُ.
قال:

55- لا يَفْرَحُونَ إذا نَالَتْ رِمَاحُهُمُ = قَومًا وليسوا مَجازيعًا إذا نِيلُوا
يقولُ: إذا ظَفِرُوا بعَدُوِّهِم، لم يَظْهَرْ عليهم الفَرَحُ، وإذا ظَهَرَ عليهم العَدُوُّ لم يَحْصُلْ لهم الْجَزَعُ، يَصِفُهُم بالشجاعةِ، وكِبَرِ الْهِمَّةِ، وشِدَّةِ الصَّبْرِ، وقِلَّةِ الْمُبَالاةِ بالْخُطوبِ.
والْمَجازِيعُ: جَمْعُ مِجزاعٍ، وهو الكثيرُ الْجَزَعِ، وصَرَفَه للضرورةِ قالَ:

56- يَمشونَ مَشْيَ الْجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ = ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التنابيلُ
يَصِفُهُم بامتدادِ القامَةِ، وعِظَمِ الْخَلْقِ، وبَياضِ البَشَرةِ، والرِّفْقِ في الْمَشْيِ، وذلك دَليلٌ على الوَقارِ والسُّؤْدَدِ.
والزُّهْرُ: جَمْعُ أَزْهَرَ، وهو الأَبْيَضُ يعني: أنهم سَاداتٌ لا عَبيدٌ، وعَرَبٌ لا أَعرابٌ.
ومَشْيٌ مَصدَرٌ مُبَيِّنٌ للنَّوْعِ، وهو في الأَصْلِ نائِبٌ عن صِفةِ مَصْدَرٍ محذوفٍ، أي: مَشْيًا مِثْلَ مَشْيِ الْجِمالِ.
ويَعْصِمُ: يَمنَعُ، ومنه قولُه تعالى: { سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } والجملةُ حالٌ، والمعنى: يَحْمِيهِم عن أعدائِهم، ويَكُفُّهُم عنهم ضَرْبٌ.
وعَرَّدَ مُهمَلةُ الأحرُفِ، أي: فَرَّ وأَعْرَضَ، قالَ التِّبريزيُّ: ومَن رَوَى " غَرَّدَ " يعني بالْغَيْنِ الْمُعجمَةِ، أَرادَ: طُرُبٌ . انتهى . ولا مَعْنَى لهذه الروايةِ.
والسُّودُ: جَمْعُ أَسودَ, والتنابيلُ: القِصارُ، والْمُفْرَدُ: تِنبالٌ، والتاءُ فيه زَائدةٌ، وهو أَحَدُ ما جاءَ في الأسماءِ على " تِفعالٍ " بالكَسْرِ، كالتِّمساحِ، والأكثَرُ تِمْسَحٌ بالقَصْرِ، والتِّبراكِ والتِّعشارِ لِمَوْضِعَيْنِ، والتِّلقاءِ والتِّقصارِ للقِلادةِ الشَّبيهةِ بالْمِخْنَقَةِ، ويُقالُ: تِقصارُه أيضًا، وجَمْعُها تَقاصيرُ، وإذا كان التفعالُ مَصْدَرًا، فهو بفَتْحِ الأَوَّلِ لا غَيرُ، كالتَّحوالِ والتَّطرافِ، إلا كَلمتينِ: التِّبيانَ والتِّلقاءَ، قالَ اللهُ تعالى: { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } ويَقولُ: تِلقاءَ , أي: لِقاءَ، وأمَّا قولُه تعالى: { تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ } فهو مِن بابِ الأسماءِ، وانتصابُه على الظَّرْفِيَّةِ، وقد خُطِّئَ مَن يُنْشِدُ قولَه طَرْفَةَ بنِ العَبدِ ( البحر الطويل )
وما زالَ تِشرَابِي الخمورَ ولَذَّتِي = وبَيْعِي وإنفاقِي طَريقِي ومَتْلَدِي
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
57- لا يَقَعُ الطعْنُ إلا في نُحورِهِمُ = وما لهم عن حِياضِ الموتِ تَهليلُ
وَصَفَهم بأنهم لا يَنْهَزِمُون، فيَقَعُ الطعنُ في ظُهورِهم، بل يُقْدِمونَ على أعدائِهم، فيَقَعُ الطعْنُ في نُحورِهم، رُوِيَ أنه لَمَّا أَنْشَدَ هذا البيتَ، نَظَرَ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى مَن كانَ بِحَضْرَتِه مِن قُريشٍ كأنه يُومِئُ إليهم أن اسْمَعُوا. ومِثلُ هذا البيتِ قولُ الْحُصَيْنِ بنِ الْحُمامِ : ( البحر الطويل )
تَأَخَّرْتُ أَسْتَبْقِي الحياةَ فلم أَجِدْ = لنفسي حياةً مِثلَ أن أَتَقَدَّمَا
فلَسْنَا على الأعقابِ تَدْمَى كُلُومُنَا = ولكن على أقدامِنا يَقْطُرُ الدِّمَا
نُفَلِّقُ هامًا مِن رِجالٍ أَعِزَّةٍ = علينا وهم كانوا أَعَقَّ وأَظْلَمَا
ويُرْوَى تَقْطُرُ بالْمُثَنَّاةِ مِن فوقُ.
ويُرْوَى: تَقْطُرُ بالْمُثَنَّاةِ مِن فوقُ , فالدَّمُ إمَّا مَفعولٌ به؛ لأنَّه يُقالُ: قَطَرَ الدمُ وقَطَرَ به، والمعنى: تَقْطُرُ الكُلومُ الدَّمَ، "وما" تَمييزٌ على أنَّ الأَلِفَ واللامَ زائدةٌ كقولِه: ( البحر الطويل )

رأيتُك لَمَّا أن عَرَفْتَ وُجوهَنا = صَدَدْتَ وطِبْتَ النفْسَ يا قَيْسُ عن عَمْرِو
ويُرْوَى بالْمُثَنَّاةِ مِن أَسْفَلَ، فالدِّماءُ فاعلٌ اسْتَعْمَلَه مَقصورًا، وهو الأَصْلُ فيه، وعليه قِيلَ في التَّثْنِيَةِ، دَمَيَانِ، قالَ: ( البحر الوافر )
فلو أنَّا على حَجَرٍ ذُبِحْنَا = جَرَى الدَّمَيَانِ بالخبَرِ اليَقينِ
ولكنَّ الاستعمالَ الكثيرَ بِحَذْفِ لامِه في الإفرادِ والتَّثنيةِ.
تَهليلٌ: مَصْدَرُ هَلَّلَ عن الشيءِ: إذا تَأَخَّرَ عنه، يَقولُ: لا يَتَأَخَّرُونَ عن حِياضِ الموتِ إذا تَأَخَّرَ غيرُهم عنها ونَكَصَ، "وعن": مُتَعَلِّقَةٌ بالتهليلِ إن كان مَصْدَرًا، وقد مَضَى القولُ في ذلك غيرَ مَرَّةٍ.
وهذا آخِرُ ما لَخَّصْتُه في شَرْحِ هذه القَصيدةِ الْمُبارَكَةِ، وقد تَطَفَّلْتُ بشرْحِها على كَرَمِ الممدوحِ بها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبه أَسْتَشْفِعُ إلى رَبِّي أن يُصْلِحَ قَلْبِي ، ويَغفِرَ ذَنْبِي ، ويُنْجِحَ قَصْدِي، ويُوَفِّرَ مِن إحسانِه جَدِّي وأن يَغفِرَ زَلَّتِي، ويُصْلِحَ لي في ذُرِّيَّتِي، وأن يَفْعَلَ ذلك بجَميعِ أهلي وأَحِبَّائِي بِمَنِّه وكَرَمِه، آمينَ، والحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ ، وصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِه وصَحبِه وسَلَّمَ تَسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يومِ الدِّينِ.
آمينَ .
تَمَّتْ بِحَمْدِ اللهِ .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir