24/759 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن النَّجْشِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْهُ)؛ أَيْ: ابْنِ عُمَرَ، (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن النَّجْشِ): بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
النَّجْشُ لُغَةً: تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُصَادَ، وَفِي الشَّرْعِ: الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ، لا لِيَشْتَرِيَهَا، بَلْ لِيَغُرَّ بِذَلِكَ غَيْرَهُ. وَسَمَّى النَّاجِشَ فِي السِّلْعَةِ نَاجِشاً؛ لأَنَّهُ يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِيهَا، وَيَرْفَعُ ثَمَنَهَا.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاجِشَ عَاصٍ بِفِعْلِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ، إلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَقُولُونَ بِفَسَادِهِ إنْ كَانَ مُوَاطَأَةً مِن الْبَائِعِ أَوْ مِنْهُ.
وَقَالَت الْمَالِكِيَّةُ: يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَادَوِيَّةِ قِيَاساً عَلَى الْمُصَرَّاةِ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالُوا: لأَنَّ النَّهْيَ عَائِدٌ إلَى أَمْرٍ مُفَارِقٍ لِلْبَيْعِ، وَهُوَ قَصْدُ الْخِدَاعِ، فَلَمْ يَقْتَضِ الْفَسَادَ.
وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَن ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ، أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا كَانَت الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فَوْقَ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً رَأَى سِلْعَةً تُبَاعُ بِدُونِ قِيمَتِهَا، فَزَادَ فِيهَا لِتَنْتَهِيَ إلَى قِيمَتِهَا، لَمْ يَكُنْ نَاجِشاً عَاصِياً، بَلْ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ.
قَالُوا: لأَنَّ ذَلِكَ مِن النَّصِيحَةِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ النَّصِيحَةَ تَحْصُلُ بِغَيْرِ إيهَامِ أَنَّهُ يُرِيدُ الشِّرَاءَ، وَأَمَّا مَعَ هَذَا فَهُوَ خِدَاعٌ وَغَرَرٌ.
أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}، قَالَ: أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ وَحَلَفَ بِاللَّهِ: لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ، فَنَزَلَتْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِباً خَائِنٌ. فَجَعَلَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى مَنْ أَخْبَرَ بِأَكْثَرَ مِمَّن اشْتَرَى بِهِ أَنَّهُ نَاجِشٌ لِمُشَارَكَتِهِ لِمَنْ يَزِيدُ فِي السِّلْعَةِ، وَهُوَ لا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فِي ضَرَرِ الْغَيْرِ، فَاشْتَرَكَا فِي الْحُكْمِ لِذَلِكَ، وَحَيْثُ كَانَ النَّاجِشُ غَيْرَ الْبَائِعِ فَقَدْ يَكُونُ آكِلَ رِباً إذَا جَعَلَ لهُ الْبَائِعُ جُعْلاً.