17/752 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
اشْتَمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صُورَتَيْنِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ:
الأُولَى: بَيْعُ الْحَصَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ بَيْعِ الْحَصَاةِ، قِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: ارْمِ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ، فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِدِرْهَمٍ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَرْضِهِ قَدْرَ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ رَمْيَةُ الْحَصَاةِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا وَيَقُولُ لِي: بِعَدَدِ مَا خَرَجَ فِي الْقَبْضَةِ مِن الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ يَبِيعُهُ سِلْعَةً وَيَقْبِضُ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا وَيَقُولُ لِي: بِكُلِّ حَصَاةٍ دِرْهَمٌ.
وَقِيلَ: أَنْ يُمْسِكَ أَحَدُهُمَا حَصَاةً بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّ وَقْتٍ سَقَطَت الْحَصَاةُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ.
وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَعْتَرِضَ الْقَطِيعَ مِن الْغَنَمِ فَيَأْخُذَ حَصَاةً وَيَقُولُ: أَيُّ شَاةٍ أَصَابَتْهَا فَهِيَ لَكَ بِكَذَا. وَكُلُّ هَذِهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْغَرَرِ؛ لِمَا فِي الثَّمَنِ أَو الْمَبِيعِ مِن الْجَهَالَةِ، وَلَفْظُ الْغَرَرِ يَشْمَلُهَا، وَإِنَّمَا أُفْرِدَتْ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مِمَّا يَبْتَاعُهَا الْجَاهِلِيَّةُ، فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، وَأُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَاةِ؛ لِلْمُلابَسَةِ لاعْتِبَارِ الْحَصَاةِ فِيهِ.
وَالثَّانِيَةُ: بَيْعُ الْغَرَرِ؛ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى: مَغْرُورٍ بهِ، اسْمُ مَفْعُولٍ، وَإِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَيْهِ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمَفْعُولِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا، وَمَعْنَاهُ: الْخِدَاعُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ لا رِضَا بِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ، فَيَكُونُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَيَتَحَقَّقُ فِي صُوَرٍ؛ إمَّا بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الآبِقِ وَالْفَرَسِ النَّافِرِ، أَوْ بِكَوْنِهِ مَعْدُوماً أَوْ مَجْهُولاً أَوْ لا يَتِمُّ مِلْكُ الْبَائِعِ لَهُ؛ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الصُّوَرِ.
وَقَدْ يُحْتَمَلُ بَعْضُ الْغَرَرِ فَيَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ إذَا دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ؛ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ، وَكَبَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَرَ حَشْوَهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ شَهْراً، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ ثَلاثِينَ يَوْماً أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَعَلَى دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِم الْمَاءَ وَقَدْرِ مُكْثِهِمْ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ من السِّقَاءِ بِالْعِوَضِ مَعَ الْجَهَالَةِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا كُتُبُ الْفُرُوعِ.