دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 10:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب شروطه وما نهي عنه منه (14/34) [النهي عن بيع الغرر]


وعنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ بيعِ الْحَصاةِ، وعنْ بيعِ الْغَرَرِ. رواهُ مسلمٌ.

  #2  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 01:46 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


17/752 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
اشْتَمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صُورَتَيْنِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ:
الأُولَى: بَيْعُ الْحَصَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ بَيْعِ الْحَصَاةِ، قِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: ارْمِ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ، فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِدِرْهَمٍ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ أَرْضِهِ قَدْرَ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ رَمْيَةُ الْحَصَاةِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا وَيَقُولُ لِي: بِعَدَدِ مَا خَرَجَ فِي الْقَبْضَةِ مِن الشَّيْءِ الْمَبِيعِ، أَوْ يَبِيعُهُ سِلْعَةً وَيَقْبِضُ عَلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا وَيَقُولُ لِي: بِكُلِّ حَصَاةٍ دِرْهَمٌ.
وَقِيلَ: أَنْ يُمْسِكَ أَحَدُهُمَا حَصَاةً بِيَدِهِ وَيَقُولُ: أَيُّ وَقْتٍ سَقَطَت الْحَصَاةُ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ.
وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَعْتَرِضَ الْقَطِيعَ مِن الْغَنَمِ فَيَأْخُذَ حَصَاةً وَيَقُولُ: أَيُّ شَاةٍ أَصَابَتْهَا فَهِيَ لَكَ بِكَذَا. وَكُلُّ هَذِهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْغَرَرِ؛ لِمَا فِي الثَّمَنِ أَو الْمَبِيعِ مِن الْجَهَالَةِ، وَلَفْظُ الْغَرَرِ يَشْمَلُهَا، وَإِنَّمَا أُفْرِدَتْ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مِمَّا يَبْتَاعُهَا الْجَاهِلِيَّةُ، فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، وَأُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْحَصَاةِ؛ لِلْمُلابَسَةِ لاعْتِبَارِ الْحَصَاةِ فِيهِ.
وَالثَّانِيَةُ: بَيْعُ الْغَرَرِ؛ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى: مَغْرُورٍ بهِ، اسْمُ مَفْعُولٍ، وَإِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَيْهِ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى الْمَفْعُولِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ هَذَا، وَمَعْنَاهُ: الْخِدَاعُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ لا رِضَا بِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ، فَيَكُونُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَيَتَحَقَّقُ فِي صُوَرٍ؛ إمَّا بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ كَبَيْعِ الْعَبْدِ الآبِقِ وَالْفَرَسِ النَّافِرِ، أَوْ بِكَوْنِهِ مَعْدُوماً أَوْ مَجْهُولاً أَوْ لا يَتِمُّ مِلْكُ الْبَائِعِ لَهُ؛ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الصُّوَرِ.
وَقَدْ يُحْتَمَلُ بَعْضُ الْغَرَرِ فَيَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ إذَا دَعَتْ إلَيْهِ الْحَاجَةُ؛ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ، وَكَبَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَرَ حَشْوَهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ شَهْراً، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ ثَلاثِينَ يَوْماً أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَعَلَى دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِم الْمَاءَ وَقَدْرِ مُكْثِهِمْ، وَعَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ من السِّقَاءِ بِالْعِوَضِ مَعَ الْجَهَالَةِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا كُتُبُ الْفُرُوعِ.

  #3  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 01:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


676- وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عَنْ بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
-بَيْعِ الحَصَاةِ: بفَتْحِ الحاءِ، وَاحِدُ الحَصَى، من بابِ إِضْافَةِ المَصْدَرِ إلى نَوْعِهِ، ولَيْسَ من إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى مَفْعولِهِ، وصِفَةُ بَيْعِ الحَصَاةِ هو أَنْ يَقُولَ البَائِعُ للمُشْترِي: ارْمِ هذهِ الحَصَاةَ، فأيُّ ثَوْبٍ تَقَعُ عليهِ فعليكَ بكذا. أو أَنْ يَبِيعَهُ مِن أَرْضِهِ مَا انْتَهَى إِليهِ رَمْيُ الحَصَاةِ.
-الغَرَرِ: بفتحتَيْنِ، مِن إِضَافَةِ المَصْدَرِ إلى نَوْعِهِ، من: غَرَّ يَغِرُّ بالكَسْرِ، هو الخَطَرُ.
قالَ ابْنُ عَرَفَةَ: بَيْعُ الغَرَرِ ما كانَ ظَاهِرُهُ يُغَرِّرُ، وبَاطِنُهُ مَجْهولٌ، فهو مَجْهولُ العَاقِبَةِ، وقَدْ يَكُونُ جَهْلُ عَاقِبَتِهِ إِمَّا لعَدَمِهِ؛ كبيعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وإِمَّا للعَجْزِ عنه كالجَمَلِ الشَّارِدِ، أو المَجْهُولِ المُطْلَقِ، أو المُعَيَّنِ المَجْهولِ قَدْرُهُ أو جِنْسُهُ أو صِفَتُهُ، فالغَرَرُ يَجْمَعُ وُجوهاً كَثِيرةً مِن المَخاطِرِ، وأصْلُ الغَرَرِ: النُّقْصانُ، من قَوْلِ العَرَبِ: غَارَتِ النَّاقَةُ: إذا نَقَصَ لَبَنُها، وغارَتِ البِئْرُ: إِذَا قَلَّ مَاؤُها.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-النهْيُ عن بيعِ الحَصَاةِ، مِمَّا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وعَدَمَ صِحَّتِهِ.
2-للعَرَبِ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْواعٌ من صُورِ البيعِ يَتَّخِذُونَها في أسْوَاقِهم، وأكثرُها مِمَّا يُغْبَنُ فيهِ البائِعُ أو المُشْتَرِي؛ ولذا حَرَّمَها الإسلامُ، فمنها بَيْعُ الحَصَاةِ، وله صُوَرٌ منها:
-أَنْ يَقُولَ البَائِعُ للمُشْتَرِي: ارْمِ هذهِ الحَصَاةَ، فعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فهو لكَ بكذا.
أنْ يَقُولَ البَائِعُ: إذا رَمَيْتَ هذا الثَّوْبَ بالحَصَاةِ فهو مُبَاعٌ منكَ بكذا. فيَجْعَلُ الرَّمْيَ بالحَصَاةِ نَفْسَهُ بَيْعاً.
-أنْ يَعْتَرِضَ القَطِيعَ مِن الغَنَمِ - مَثَلاً - فيَأْخُذَ حَصَاةً، ويَقُولَ: أيَّ شَاةٍ أصَابَتْهَا فَهِي لَكَ بكذا.
-أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ على أنَّكَ بالخِيارِ إلى أنْ أرْمِيَ بهذهِ الحَصَاةِ، فإِذَا نَبَذْتُها وَجَبَ البَيْعُ.
-أَوْ أَنْ يَبِيعَهُ مِن أَرْضِهِ قَدْرَ ما انْتَهَتْ إليهِ رَمْيَةُ الحَصَاةِ.
وهكذا مِن الصُّوَرِ المُتَعدِّدَةِ، وكُلُّها بُيوعاتٌ جاهِلِيَّةٌ، فيها غَرَرٌ ومُخَاطَرَةٌ وجَهَالَةٌ؛ لذا جَاءَ الإسلامُ بتَحْرِيمِها.
3-الحديثُ يُفِيدُ النهْيَ عن بيعِ الغَرَرِ، والنهْيُ يَقْتَضِي التحْرِيمَ، كما يَقْتضِي فسادَ العَقْدِ.
4-الغَرَرُ: هو ما لا تُعْلَمُ عَاقِبَتُهُ مِن الخَطَرِ، مِمَّا طُوِيَ عَنْكَ عِلْمُهُ، وخَفِيَ عليكَ أَمْرُهُ.
5-قَدْ جَاءَ النهْيُ عن الغَرَرِ في أحاديثَ كَثِيرَةٍ.
6-قالَ النَّوَوِيُّ: النهْيُ عن بَيْعِ الغَرَرِ أصْلٌ عظيمٌ من أصولِ كتابِ البُيوعِ، ويَدْخُلُ فيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ؛ كبيعِ العَبْدِ الآبِقِ، والمَعْدُومِ، والمَجْهُولِ، وما لا يُقْدَرُ علَى تَسْلِيمِهِ، وما لا يَتِمُّ مِلْكُ البَائِعِ عليهِ، وبَيْعِ السَّمَكِ في الماءِ الكثيرِ، واللَّبَنِ في الضَّرْعِ، وبَيْعِ الحَمْلِ في البَطْنِ، وبَيْعِ ثَوْبٍ من الأثوابِ، وشَاةٍ من الشِّياهِ، ونَظَائِرِ ذلك، وكلُّ ذلكَ بَاطِلٌ، لأنَّهُ غَرَرٌ كَبِيرٌ من غَيْرِ حَاجَةٍ.
7- قالَ شيخُ الإسلامِ: وأمَّا الغَرَرُ: فالأصْلُ في ذلك أنَّ اللَّهَ حَرَّمَ في كِتابِهِ أكْلَ أمْوَالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ، وهذا يَعُمُّ كُلَّ مَا يُؤْكَلُ بالبَاطِلِ، والنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الغَرَرِ، والغَرَرُ هو المَجْهُولُ العَاقِبَةِ، فمِن أنواعِهِ:
-بَيْعُ حَبَلِ الحَبَلَةِ.
-بَيْعُ المَلاقِيحِ.
-بَيْعُ المَضَامِينِ.
-بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاحِهَا.
-بَيْعُ المُلامَسَةِ والمُنَابَذَةِ.
ونحوُ ذلك مِن أنواعِهِ وصُورِهِ.
والغَرَرُ ثَلاثَةُ أنواعٍ:
-بَيْعُ المَعْدومِ؛ كحَبَلِ الحَبَلَةِ.
-بَيْعُ المَعْجُوزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ؛ كالجَمَلِ الشَّارِدِ.
-بَيْعُ المَجْهولِ المُطْلَقِ، أو المَجْهُولِ الجِنْسِ، أو المَجْهُولِ القَدْرِ.
قالَ النَّوَوِيُّ: واعْلَمْ أنَّ بَيْعَ المُلامَسةِ، وبَيْعَ المُنابَذَةِ، وبَيْعَ حَبَلِ الحَبَلَةِ، وبَيْعَ الحَصَاةِ، وأَشْبَاهَها مِن البُيوعِ التي جاءَ فيها نُصوصٌ خَاصَّةٌ، هي دَاخِلَةٌ في النهْيِ عن بَيْعِ الغَرَرِ، ولكنْ أُفْرِدَتْ بالذِّكْرِ ونُهِيَ عنها لكَوْنِها مِن بِيَاعَاتِ الجَاهِلِيَّةِ المشهورةِ.
وقالَ الشيخُ عبدُ الرحْمَنِ السِّعْدِيُّ: ثَبَتَ بالكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ المُسلمِينَ تَحْرِيمُ المَيْسِرِ، وهو نوعانِ:
الأَوَّلُ: المُغالَبَاتُ والرِّهَانُ، فهذا كُلُّهُ حَرَامٌ، لم يُبِحْ منه الشارِعُ إلاَّ ما كانَ مُعِيناً على طَاعَتِهِ، والجهادِ في سَبيلِهِ، بأخْذِ العِوَضِ على مُسابَقَةِ الخَيْلِ، والرِّكَابِ، والسِّهامِ.
الثاني: المَيْسِرُ في المُعاملاتِ، وقَدْ نَهَى النبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن بَيْعِ الغَرَرِ، وهذا شَامِلٌ للبَيْعِ بأنواعِهِ، والإجاراتِ، فالشَّيْءُ الذي يُشَكُّ في حُصولِهِ، أو تُجْهَلُ حَالُهُ وصِفَاتُهُ المَقْصُودَةُ دَاخِلٌ في الغَرَرِ؛ لأنَّ أحَدَ العاقِدَيْنِ إِمَّا أَنْ يَغْنَمَ أو يَغْرَمَ، فهذا خَطَرٌ كالرِّهَانِ.
ولأجْلِ هذهِ القاعدةِ اشْتَرَطَ الفُقَهاءُ في البيعِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلوماً، والمُثَمَّنُ مَعْلوماً؛ لأنَّ جَهَالَةَ أحَدِهما دَاخِلَةٌ في الغَرَرِ.


فوائِدُ:
الأُولَى: ما تَدْعُو الحاجَةُ إليه من الغَرَرِ:
قالَ شيخُ الإسلامِ: رَخَّصَ الشارِعُ فيما تَدْعُو الحاجَةُ إليه من الغَرَرِ؛ كبيعِ العَقَارِ بأسَاسَاتِهِ، والحيوانِ الحامِلِ، والثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاحِها، وبَيْعِ مَا المَقْصودُ مِنْهُ مُغَيَّبٌ في الأَرْضِ كالبَصَلِ والفِجْلِ ونَحْوِهما قبلَ قَلْعِهِ.
وتَخْتَلِفُ مَشارِبُ الفُقهاءِ في هذا:
فأبو حَنِيفَةَ والشافِعِيُّ أشَدُّ الناسِ قَوْلاً في الغَرَرِ، وأُصولُ الشافِعِيِّ المُحَرِّمَةُ أَكْثَرُ مِن أُصولِ أَبِي حَنِيفَةَ.
أمَّا مَالِكٌ فمَذْهَبُهُ أحْسَنُ المَذَاهَبِ في هذا؛ فإنَّهُ يُجَوِّزُ بَيْعَ هذه الأَشْياءِ وجَمِيعِ مَا تَدْعُو الحاجَةُ إليه، أو يَقِلُّ غَرَرُهُ، فيُجَوِّزُ بَيْعَ المقاثي جُمْلَةً، وبَيْعَ المُغَيَّباتِ في الأَرْضِ؛ كالجَزَرِ والفِجْلِ والبَصَلِ، ونحوِ ذلك، وأحمدُ قَرِيبٌ منه في ذلك.
والناسُ مُحْتاجُونَ إلى هذهِ البُيوعِ، والشارِعُ لا يُحَرِّمُ ما يَحْتاجُ الناسُ إليهِ مِن البَيْعِ، لأجْلِ نَوْعٍ مِنَ الغَرَرِ.
وهو أصَحُّ الأقوالِ، وعليهِ يَدُلُّ غالِبُ مُعاملاتِ السَّلَفِ، ولا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ في مَعاشِهِم إِلاَّ به.
وكلُّ مَن شَدَّدَ في تَحْريمِ ما يَعْتَقِدُهُ غَرَراً؛ فإنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَضْطَرَّ إلى إِجَازَةِ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ؛ فإِمَّا أنْ يَخْرُجَ عن مَذْهَبِهِ الذي يُقَلِّدُهُ في هذهِ المَسْأَلَةِ، وإمَّا أَنْ يَحْتَالَ، ومَفْسَدَةُ التَّحْرِيمِ لا تَزُولُ بالحِيلَةِ.
الثانيةُ: التأمِينُ التِّجارِيُّ:
تعريفُهُ: هو عَقْدٌ يُلْزَمُ فيهِ أحَدُ الطَّرَفَيْنِ وهو " المُؤَمِّنُ " أنْ يُؤَدِّيَ إلى الطَّرَفِ الآخَرِ وهو " المُؤَمَّنِ لَهُ " عِوَضاً مَادِّيًّا يُتَّفَقُ عليهِ، يُدْفَعُ عندَ وُقوعِ الخَطَرِ، وتَحَقُّقِ الخَسارَةِ المُبَيَّنَةِ في العَقْدِ، وذلك نَظِيرُ رَسْمٍ يُسَمَّى قِسْطَ التَّأْمِينِ، يَدْفَعُهُ المُؤَمَّنُ لَهُ حَسْبَ ما يَنُصُّ عليها عقدُ التأمينِ، إذًا فالمتعاقدانِ هما:
-المُؤَمِّنُ: شَرِكَةٌ أو هَيْئَةٌ
-المُؤَمَّنُ لَهُ: دَافِعُ أقْساطِ التأمينِ.

حُكْمُهُ:
قالَ الشيخُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْراهيمَ آلُ الشَّيْخِ: التأمينُ مُخالِفٌ للشريعةِ الإسلامِيَّةِ؛ لِمَا يَشْتَمِلُ عليهِ مِن أُمورٍ هي:
1-غَرَرٌ وجَهالَةٌ ومُخاطَرَةٌ، مِمَّا يَكُونُ مِن قِبَلِ أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ.
2-يُشْبِهُ المَيْسِرَ؛ لأنَّهُ يَسْتَلْزِمُ المُقامَرَةَ.
وبالجُمْلَةِ.. فكُلُّ مَن تَأَمَّلَ هذا العَقْدَ وَجَدَهُ لا يَنْطَبِقُ على شَيْءٍ مِن العُقودِ الشرعيَّةِ، ولا عِبْرَةَ بتَراضِي الطَّرَفَيْنِ، ولكنَّ العِبْرَةَ بتَراضِيهِما إذا كَانَتْ مُعامَلَتُهما قَائِمَةً على أَسَاسٍ مِن العَدَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ.



قَرَارُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ بشَأْنِ التَّأْمِينِ التِّجَارِيِّ:
أصْدَرَ مَجْلِسُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ قَرَاراً عَنِ التَّأْمِينِ التِّجَارِيِّ برَقْمِ ( 55 ) وتاريخِ 4/4/1397هـ مُطَوَّلاً، لا يَتَّسِعُ المَقامُ لنَقْلِهِ كُلِّهِ؛ ولذا أَكْتَفِي بنَقْلِ فقَرَاتٍ منه، وللقَارِئِ الرُّجوعُ إليه، جاءَ فيه ما يلي:
أوَّلاً: عَقْدُ التَّأْمِينِ التِّجارِيِّ من عُقودِ المُعاوَضَاتِ المَالِيَّةِ الاجتماعِيَّةِ المُشْتَمِلَةِ على الغَرَرِ الفاحِشِ، وقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن بَيْعِ الغَرَرِ.
ثانياً: هو ضَرْبٌ مِن ضُروبِ المُقامرةِ؛ لِمَا فِيهِ مِن المُخَاطَرَةِ في مُعاوَضَاتٍ مَالِيَّةٍ، ومن الغُرْمِ بِلاَ جِنَايَةٍ، ومن الغُنْمِ بِلاَ مُقابِلٍ، أو مُقابَلٍ غَيْرِ مُكَافِئٍ.
ثالثاً: من الرِّهَانِ المُحَرَّمِ الَّذي لَمْ يُبَحْ منه إلاَّ ما فيهِ نُصْرَةٌ للإسلامِ، وقَدْ حَصَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الرِّهَانَ في الخُفِّ والحَافِرِ والنَّصْلِ، ولَيْسَ التأمينُ من ذلك. اهـ مُلَخَّصاً.

قَرَارُ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بشأنِ التأمِينِ التِّجارِيِّ:
جَاءَ فيه:
إِنَّ عَقْدَ التأمِينِ التِّجارِيِّ ذِي القِسْطِ الثَّابِتِ، الذي تَتَعامَلُ به شَرِكاتُ التأمِينِ التجارِيِّ، عَقْدٌ فيهِ غَرَرٌ كبيرٌ مُفْسِدٌ للعَقْدِ؛ ولذا فهو حَرَامٌ شَرْعاً.

قَرَارُ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ بشَأْنِ التأمِينِ بشَتَّى صُورَهِ وأشْكَالِهِ:
الحمدُ لِلَّهِ، والصَّلاةُ والسلامُ على رَسُولِ اللَّهِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنِ اهْتَدَى بهُدَاهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فإِنَّ المَجْمَعَ الفِقْهِيَّ الإسلاميَّ قَدْ نَظَرَ في مَوْضوعِ التأمِينِ بأنواعِهِ المُخْتَلِفَةِ، بعدَما اطَّلَعَ على كَثيرٍ مِمَّا كَتَبَهُ العُلماءُ في ذلكَ، وبعدَما اطَّلَعَ أيضاً على مَا قَرَّرَهُ مَجْلِسُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ في المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعودِيَّةِ في دَوْرَتِهِ العَاشِرَةِ المُنْعَقِدَةِ بمدينةِ الرِّياضِ، بتاريخِ 4/4/1397هـ من التحريمِ للتأمينِ بأنواعِه.
وبعدَ الدِّراسَةِ الوَافِيَةِ وتَدَاوُلِ الرَّأْيِ في ذلك، قَرَّرَ المَجْلِسُ بالأكْثَرِيَّةِ تَحْرِيمَ التأمينِ بجَميعِ أنواعِهِ، سَواءٌ كانَ على النَّفْسِ، أو البَضَائِعِ التِّجارِيَّةِ، أو غَيْرِ ذلك من الأموالِ.
كما قَرَّرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ بالإِجْماعِ المُوافقَةَ على قَرَارِ مَجْلِسِ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ، مِن جَوازِ التَّأْمِينِ التعاوُنِيِّ بَدَلاً مِن التَّأْمِينِ التِّجَارِيِّ المُحَرَّمِ، والمُنَوَّهِ عَنْهُ آنِفاً، وعُهِدَ بصياغَةِ القَرَارِ إلى لَجْنَةٍ خَاصَّةٍ.
تَقْرِيرُ اللجنةِ المُكلَّفَةِ بإعدادِ قَرارِ مَجْلسِ المَجْمَعِ حولَ التأمينِ:
بناءً على قرارِ مَجْلسِ المَجْمَعِ المُتَّخَذِ بجَلْسَةِ الأَرْبعَاءِ 14 شعبانَ 1398هـ المُتَضَمِّنِ تَكْلِيفَ كُلٍّ مِن أصحابِ الفضيلةِ: الشيخِ عبدِ العزيزِ بنِ بَازٍ، والشيخِ مُحَمَّدٍ محمودٍ الصَّوَّافِ، والشيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ السبيلِ، بصياغَةِ قرارِ مَجْلِسِ المَجْمَعِ حولَ التأمِينِ بشَتَّى أَنْوَاعِهِ وأشْكَالِهِ.
وعليهِ فقَدْ حَضَرَتِ اللجنةُ المُشارُ إليها، وبعدَ المُداوَلَةِ أقَرَّتْ ما يلي:
الحمدُ لِلَّهِ، والصلاةُ والسلامُ على رَسُولِ اللَّهِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنِ اهْتَدَى بهُداهُ.
أمَّا بَعْدُ:
فإنَّ المَجْمَعَ الفِقْهِيَّ الإِسْلامِيَّ في دَوْرَتِهِ الأُولَى المُنْعقِدَةِ في 10/شعبانَ/1398هـ بمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ بمَقَرِّ رَابِطَةِ العالَمِ الإسْلامِيِّ، نَظَرَ في مَوْضوعِ التأمينِ بأنْواعِهِ، بعدَما اطَّلَعَ على كثيرٍ مِمَّا كَتَبَهُ العلماءُ في ذلك، وبعدَما اطَّلَعَ أيضاً على ما قَرَّرَهُ مجلسُ هيئةِ كِبارِ العلماءِ في المَمْلكةِ العَرَبيَّةِ السُّعودِيَّةِ في دَوْرَتِهِ العاشِرَةِ بمَدينَةِ الرِّياضِ بتاريخِ 4/4/1397هـ بقرارِهِ رَقْمِ ( 55 ) من التحريمِ للتأمِينِ التِّجَارِيِّ، بأنواعِهِ.
وبعدَ الدِّارسَةِ الوَافِيَةِ وتَدَاوُلِ الرَّأْيِ في ذلكَ قَرَّرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ بالإجماعِ - عدا فضيلةِ الشيخِ مُصْطَفَى الزَّرْقَا - تحريمَ التأمينِ التِّجارِيِّ بجميعِ أنواعِهِ، سواءٌ كانَ على النَّفْسِ، أو البَضَائِعِ التِّجاريَّةِ، أو غيرِ ذلك؛ للأدِلَّةِ الآتيةِ:
الأَوَّلُ: عَقْدُ التَّأْمِينِ التِّجَارِيِّ من عُقودِ المُعاوَضَاتِ المَالِيَّةِ الاحْتِمالِيَّةِ، المُشْتَمِلَةِ علَى الغَرَرِ الفَاحِشِ؛ لأنَّ المُسْتَأْمِنَ لا يَسْتطِيعُ أَنْ يَعْرِفَ - وَقْتَ العَقْدِ - مِقْدارَ مَا يُعْطِي أو يَأْخُذُ، فقَدْ يَدْفَعُ قِسْطاً أَوْ قِسْطَيْنِ، ثُمَّ تَقَعُ الكَارِثَةُ، فيَسْتَحِقُّ ما التَزَمَ بهِ المُؤَمِّنُ، وقَدْ لا تَقَعُ الكَارِثَةُ أَصْلاً، فيَدْفَعُ جَمِيعَ الأَقْسَاطِ، ولا يَأْخُذُ شَيْئاً، وكذلكَ المُؤَمِّنُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَدِّدَ ما يُعْطِي ويَأْخُذُ، بالنِّسْبَةِ لكلِّ عَقْدٍ بمُفرَدِهِ، وقدْ وَرَدَ في الحديثِ الصحيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ النَّهْيُ عن بَيْعِ الغَرَرِ.
الثاني: عَقْدُ التَّأْمِينِ التِّجارِيِّ ضَرْبٌ من ضُروبِ المُقامَرَةِ؛ لِمَا فيهِ من المُخَاطَرَةِ في مُعاوَضَاتٍ مَالِيَّةٍ، ومِن الغُرْمِ بِلا جِنَايَةٍ أو تَسَبُّبٍ فيها، ومِن الغُنْمِ بلا مُقابِلٍ، أو مُقَابَلٍ غَيْرِ مُكَافِئٍ؛ فإنَّ المُسْتَأْمِنَ قَدْ يَدْفَعُ قِسْطاً مِن التأمِينِ ثُمَّ يَقَعُ الحَادِثُ فيَغْرَمُ المُؤَمِّنُ كُلَّ مَبْلَغِ التأمِينِ، وقَدْ لا يَقَعُ الخَطَرُ ومَعَ ذلك يَغْنَمُ المُؤَمِّنُ أقساطَ التأمينِ بلا مُقابِلٍ، وإذا اسْتَحْكمَتْ فيهِ الجَهالةُ كانَ قِماراً، ودَخَلَ في عُمومِ النهْيِ عن المَيْسِرِ في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] والآيةِ بعدَها.
الثالِثُ: عَقْدُ التأمينِ التجاريِّ يَشْتَمِلُ على رِبَا الفَضْلِ والنَّسْءِ، فإِنَّ الشَّرِكَةَ إذا دَفَعَتْ للمُسْتَأْمِنِ، أو لوَرَثَتِهِ، أو للمُستَفيدِ أكْثَرَ مِمَّا دَفَعَهُ من النُّقودِ لها فهو رِبَا فَضْلٍ، والمُؤَمِّنُ يَدْفَعُ ذلكَ للمُسْتَأْمِنِ بعدَ مُدَّةٍ فيَكُونُ رِبَا نَسْءٍ، وإذا دَفَعَتِ الشركةُ للمُسْتَأْمِنِ مثلَ ما دَفَعَهُ لها يَكُونُ رِبَا نَسْءٍ فَقَطْ، وكِلاهُما مُحَرَّمٌ بالنَّصِّ والإِجْماعِ.
الرابِعُ: عَقْدُ التأمينِ التجاريِّ من الرِّهانِ المُحَرَّمَةِ؛ لأنَّ كُلاًّ منها فيهِ جَهَالَةٌ وغَرَرٌ ومُقامَرَةٌ، ولَمْ يُبِحِ الشَّرْعُ من الرِّهانِ إلاَّ ما فيه نُصْرَةٌ للإسلامِ، وظُهورٌ لأعلامِهِ بالحُجَّةِ والسِّنانِ، وقدْ حَصَرَ النبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ رُخْصَةَ الرِّهانِ بعِوَضٍ في ثلاثةٍ بقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ))، ولَيْسَ التأمينُ من ذلك ولا شَبِيهاً به، فكانَ مُحَرَّماً.
الخامِسُ: عَقْدُ التأمينِ التجاريِّ فيه أخْذُ مالِ الغيرِ بلا مُقابِلٍ، وأخْذٌ بلا مُقابِلٍ في عُقودِ المُعاوَضَاتِ التجاريَّةِ مُحَرَّمٌ؛ لدُخولِهِ في عُمومِ النهْيِ في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
السادِسُ: في عَقْدِ التأمينِ التجاريِّ الإلزامُ بما لا يَلْزَمُ شَرْعاً، فإِنَّ المُؤَمِّنَ لَمْ يَحْدُثِ الخَطَرُ منه، ولَمْ يَتَسَبَّبْ فِي حُدُوثِهِ، وإِنَّما كَانَ منه مُجَرَّدُ التعاقُدِ معَ المُسْتَأْمِنِ على ضَمانِ الخَطَرِ على تَقْديرِ وقوعِهِ، مُقابِلَ مَبْلَغٍ يَدْفَعُهُ المُسْتَأْمِنُ له، والمُؤَمِّنُ لَمْ يَبْذُلْ عَمَلاً للمُسْتَأْمِنِ، فكانَ حَرَاماً.
وأمَّا ما اسْتَدَلَّ به المُبيحُونَ للتَّأْمِينِ التجارِيِّ مُطْلقاً، أو في بَعْضِ أنواعِهِ، فالجوابُ عنه ما يلي:
( أ ) الاستدلالُ بالاستصلاحِ غيرُ صحيحٍ، فإنَّ المَصالِحَ في الشريعةِ الإسلاميَّةِ ثلاثةُ أقْسَامٍ:
قِسْمٌ شَهِدَ الشرعُ باعتبارِهِ، فهو حُجَّةٌ.
وقِسْمٌ سَكَتَ عنه الشَّرْعُ فلَمْ يَشْهَدْ له بإلغاءٍ ولا اعتبارٍ، فهو مَصْلَحَةٌ مُرْسَلَةٌ، وهذا مَحَلُّ اجتهادِ المُجْتَهِدِينَ.
والقِسْمُ الثالِثُ: ما شَهِدَ الشَّرْعُ بإلغائِهِ.
وعُقودُ التأمينِ التجاريِّ فيها جَهالَةٌ وغَرَرٌ وقِمارٌ ورِبًا، فكانَتْ مِمَّا شَهِدَتِ الشَّرِيعَةُ بإلغائِهِ؛ لغَلَبَةِ جَانِبِ المَفْسَدَةِ فيه على جانبِ المَصْلَحَةِ.
( ب ) الإباحةُ الأصليَّةُ لا تَصْلُحُ دَلِيلاً هنا؛ لأنَّ عُقودَ التأمِينِ التجارِيِّ قامَتِ الأَدِلَّةُ على مُناقَضَتِها لأدِلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، والعَمَلُ بالإباحةِ الأصْليَّةِ مشروطٌ بعدَمِ الناقِلِ عنها، وقدْ وُجِدَ، فبَطَلَ الاستدلالُ بها.
( ج ) " الضَّرُوراتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ " لا يَصِحُّ الاستدلالُ به هنا، فإنَّ ما أباحَهُ اللَّهُ مِن طُرُقِ كَسْبِ الطَّيِّباتِ أكْثَرُ أضْعافاً مُضاعَفَةً مِمَّا حَرَّمَهُ عليهم، فلَيْسَ هناكَ ضَرُورَةٌ مُعْتبَرَةٌ شَرْعاً تُلْجِئُ إلى ما حَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ من التأمِينِ.
( د ) لا يَصِحُّ الاستدلالُ بالعُرْفِ، فإنَّ العُرْفَ ليسَ من أَدِلَّةِ تَشْرِيعِ الأحكامِ، وإِنَّما يُبْنَى عليهِ في تَطْبيقِ الأحكامِ، وفَهْمِ المُرادِ من ألفاظِ النُّصوصِ، ومن عِبارَاتِ الناسِ في أيْمَانِهم، وتَدَاعِيهِم، وأخبارِهم، وسائرِ ما يُحْتَاجُ إلى تحديدِ المَقْصودِ منه من الأفعالِ والأقوالِ، فلا تَأْثِيرَ له فيما تَبَيَّنَ أمْرُهُ وتَعَيَّنَ المقصودُ منه، وقد دَلَّتْ الأدلةُ دلالةً واضحةً على منعِ التأمينِ، فلا اعتبارَ به معَها.
( هـ) الاستدلالُ بأنَّ عُقودَ التأمينِ التجاريِّ من عُقودِ المُضاربةِ، أو في مَعناها، غيرُ صَحيحٍ، فإنَّ رَأْسَ المالِ في المُضاربةِ لَمْ يَخْرُجْ عن مِلْكِ صاحِبِهِ، وما يَدْفَعُهُ المُستَأْمِنُ يَخْرُجُ بعقدِ التأمينِ من مِلْكِهِ إلى مِلْكِ الشركةِ حَسْبَما يَقْضِي بهِ نِظَامُ التأمينِ، وإنَّ رَأْسَ مالِ المُضاربةِ يَسْتَحِقُّهُ وَرَثَةُ مَالِكِهِ عندَ مَوْتِهِ.
وفي التأمينِ قدْ يَسْتَحِقُّ الوَرَثَةُ نِظاماً مَبْلَغَ التَّأْمِينِ، ولو لَمْ يَدْفَعْ مُوَرِّثُهم إِلاَّ قِسْطاً واحداً، وقد لا يَسْتحِقُّونَ شَيْئاً إِذَا جُعِلَ المُسْتَفِيدُ سِوَى المُستَأْمِنِ ووَرَثَتِهِ، وإنَّ الرِّبْحَ في المُضارَبَةِ يَكُونُ بينَ الشريكَيْنِ نَسِباً مِئَوِيَّةً مَثَلاً، بخِلافِ التأمينِ، فرِبْحُ رأسِ المالِ وخَسارَتُهُ للشَّرِكَةِ، وليْسَ للمُسْتأمِنِ إلاَّ مبلغُ التأمِينِ، أو مَبْلَغٌ غَيْرُ مُحَدَّدٍ.
( و) قياسُ عقودِ التأمينِ علَى " وَلاءِ المُوالاةِ " عندَ مَن يَقُولُ بهِ، غيرُ صَحِيحٍ، فإنَّهُ قياسٌ معَ الفارِقِ، ومِن الفُروقِ بينَهما: أنَّ عُقودَ التأمينِ هَدَفُها الربْحُ المادِّيُّ المَشُوبُ بالغَرَرِ والقِمارِ وفَاحِشِ الجَهَالَةِ، بخِلافِ عَقْدِ ولاءِ المُوالاةِ، فالقَصْدُ الأوَّلُ فيه التآخِي في الإسلامِ والتناصُرُ والتعاوُنُ في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، وسائِرِ الأحوالِ، وما يَكُونُ من كَسْبٍ مَادِّيٍّ فالقَصْدُ إليه بالتَّبَعِ.
( ز ) قياسُ عَقْدِ التأمينِ التجاريِّ على " الوَعْدِ المُلْزِمِ " عندَ مَن يَقُولُ بهِ، لا يَصِحُّ، لأنَّهُ قِياسٌ معَ الفارقِ، ومن الفُروقِ: أنَّ الوَعْدَ بقَرْضٍ أو إعارةٍ أو تَحَمُّلِ خَسَارَةٍ مَثَلاً، مِن بَابِ المَعْرُوفِ المَحْضِ، فكانَ الوَفَاءُ بهِ وَاجِباً، أو مِن مَكَارِمِ الأخلاقِ، بخِلافِ عُقودِ التأمينِ، فإنَّها مُعاوَضَةٌ تِجاريَّةٌ بَاعِثُها الرِّبْحُ المادِّيُّ، فلا يُغْتَفَرُ فيها ما يُغْتَفَرُ في التبَرُّعاتِ من الجَهالَةِ والغَرَرِ.
( ح ) قياسُ عقودِ التأمينِ التجاريِّ على " ضَمانِ المَجْهولِ وضَمَانِ ما لَمْ يَجِبْ " قِياسٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّهُ قِيَاسٌ معَ الفَارِقِ أيضاً، ومن الفُروقِ: أنَّ الضَّمَانَ نَوْعٌ مِن التبَرُّعِ يُقْصَدُ بهِ الإحسانُ المَحْضُ، بخلافِ التأمينِ فإنَّهُ عَقْدُ مُعاوَضَةٍ تجاريَّةٍ يُقْصَدُ منها أوَّلاً الكَسْبُ المَادِّيُّ، فإنْ تَرَتَّبَ عليهِ مَعْروفٌ فهو تابِعٌ غَيْرُ مَقْصودٍ إليه، والأحكامُ يُرَاعَى فيها الأصْلُ لا التَّابِعُ، ما دَامَ تَابِعاً غيرَ مَقْصودٍ إليه.
( ط ) قياسُ عُقودِ التأمينِ التجاريِّ على " ضَمانِ خَطَرِ الطَّرِيقِ " لا يَصِحُّ، فإنَّهُ قِياسٌ معَ الفارِقِ، كما سَبَقَ في الدليلِ قبلَهُ.
( ي ) قياسُ عُقودِ التأمينِ التجارِيِّ على " نِظَامِ التقاعُدِ " غَيْرُ صَحِيحٍ، فإنَّهُ قِيَاسٌ معَ الفارقِ أيضاً؛ لأنَّ ما يُعْطَى من التقاعُدِ حقٌّ التَزَمَ بهِ وَلِيُّ الأمْرِ باعتبارِهِ مَسْؤُولاً عن رَعِيَّتِهِ، ورَاعَى فِي صَرْفِهِ مَا قَامَ بِهِ المُوَظَّفُ مِن خِدْمَةِ الأُمَّةِ، ووَضَعَ له نِظاماً راعَى فيهِ مَصْلَحَةَ أقْرَبِ الناسِ إلى المُوَظَّفِ، ونَظَرَ إلى مَظِنَّةِ الحَاجَةِ فيهم، فلَيْسَ نِظَامُ التقاعُدِ مِن بابِ المعاوضاتِ المالِيَّةِ بينَ الدولةِ ومُوظَّفِيها، وعلى هذا لا شَبَهَ بينَهُ وبينَ التأمينِ الذي هو مِن عُقودِ المُعاوضاتِ الماليَّةِ التجاريَّةِ، التي يُقْصَدُ بها استغلالُ الشركاتِ للمُسْتَأْمِنِينَ، والكَسْبُ مِن وَرَائِهِم بطُرُقٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ؛ لأنَّ ما يُعْطَى في حَالَةِ التقاعُدِ يُعْتَبَرُ حَقًّا الْتُزِمَ به مِن حُكوماتٍ مَسْؤُولَةٍ عن رَعِيَّتِها، وتَصْرِفُها لمَن قامَ بخِدْمَةِ الأُمَّةِ كِفَاءً لمَعْروفِهِ، وتعاوُناً معَهُ جزاءَ تَعاوُنِهِ معَها ببَدَنِهِ وفِكْرِهِ، وقَطْعِ الكثيرِ مِن فَرَاغِهِ في سَبِيلِ النُّهوضِ معَها بالأُمَّةِ.
( ك ) قياسُ نِظَامِ التَّأْمِينِ التجاريِّ وعُقودِهِ على نِظَامِ " العَاقِلَةِ" لا يَصِحُّ، فإنَّهُ قِياسٌ معَ الفارِقِ، ومن الفُروقِ: أنَّ الأصْلَ في تَحَمُّلِ العَاقِلَةِ لدِيَةِ الخَطَأِ وشِبْهِ العَمْدِ ما بينَهما وبينَ المُقَاتِلِ خَطَأً أو شِبْهَ العَمْدِ من الرَّحِمِ والقَرَابَةِ التي تَدْعُو إلى النُّصْرَةِ، والتواصُلِ، والتعاوُنِ، وإسداءِ المَعْرُوفِ، ولو دُونَ مُقابِلٍ، وعُقودُ التأمِينِ التجاريَّةِ استغلاليَّةٌ تَقُومُ على مُعاوَضَاتٍ مَالِيَّةٍ مَحْضَةٍ، لا تَمُتُّ إلى عَاطِفَةِ الإحسانِ وبواعِثِ المعروفِ بصِلَةٍ.
( ل ) قِيَاسُ عُقودِ التَّأْمِينِ التِّجارِيِّ علَى " عُقودِ الحِرَاسَةِ " غَيْرُ صَحِيحٍ، لأنَّهُ قِيَاسٌ معَ الفَارِقِ أَيْضاً، ومِن الفُرُوقِ: أنَّ الأمَانَ لَيْسَ مَحَلاًّ للعَقْدِ في المَسْألتَيْنِ، وإِنَّما مَحَلُّهُ في التأمينِ الأقْسَاطُ ومَبْلَغُ التَّأْمِينِ، وفي الحِرَاسَةِ الأُجْرَةُ وعَمَلُ الحَارِسِ، أمَّا الأَمَانُ فغَايَةٌ ونتيجةٌ وإِلاَّ لَمَا اسْتَحَقَّ الحَارِسُ الأُجْرَةَ عندَ ضَياعِ المَحْرُوسِ.
( م ) قِياسُ التَّأْمِينِ على " الإِيدَاعِ" لا يَصِحُّ؛ لأنَّهُ قِيَاسٌ معَ الفارقِ أيضاً، فإنَّ الأُجْرَةَ في الإيداعِ عِوَضٌ عن قِيامِ الأَمِينِ بحِفْظِ شَيْءٍ في حَوْزَتِهِ يَحُوطُهُ، بخِلافِ التأمِينِ فإنَّ مَا يَدْفَعُهُ المُسْتَأْمِنُ لا يُقَابِلُهُ عَمَلٌ مِنَ المُؤَمِّنِ ويَعُودُ إلى المُسْتَأْمِنِ بمَنْفَعَةٍ، إِنَّمَا هو ضمانُ الأَمْنِ والطُّمَأْنِينَةِ، وشَرْطُ العِوَضِ عن الضَّمَانِ لا يَصِحُّ، بل هو مُفْسِدٌ للعَقْدِ، وإِنْ جُعِلَ مَبْلَغُ التَّأْمِينِ في مُقابَلَةِ الأقساطِ كانَ مُعاوضةً تِجاريَّةً جُهِلَ فيها مَبْلَغُ التَّأْمِينِ أو زَمَنُهُ، فاخْتَلَفَ عن عَقْدِ الإيداعِ بأَجْرٍ.
( ن ) قِياسُ التأمينِ على ما عُرِفَ بـ" قَضِيَّةِ تُجَّارِ البَزِّ معَ الحَاكَةِ" لا يَصِحُّ، والفَرْقُ بينَهما أنَّ المَقِيسَ عليهِ مِن التأمينِ التعاوُنِيِّ وهو تَعاوُنٌ مَحْضٌ، والمَقِيسُ تَأْمِينٌ تِجارِيٌّ وهو مُعاوَضَاتٌ تِجَارِيَّةٌ، فلا يَصِحُّ القِيَاسُ.
كما قَرَّرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ بالإِجْماعِ المُوافَقَةَ على قَرَارِ مَجْلِسِ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ في المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعودِيَّةِ رَقْمِ ( 51 ) وتاريخِ 4/4، / 1397هـ من جوازِ التأمينِ التعاوُنِيِّ بَدَلاً عن التأمينِ التِّجارِيِّ المُحَرَّمِ والمُنَوَّهِ عنه آنفاً للأدِلَّةِ الآتيةِ:
الأوَّلُ: أنَّ التَّأْمِينَ التعاوُنِيَّ من عُقودِ التبَرُّعِ التي يُقْصَدُ بها أصَالَةً التعاوُنُ على تَفْتيتِ الأخطارِ، والاشتراكِ في تَحمُّلِ المَسْؤوليَّةِ عندَ نُزولِ الكَوارِثِ؛ وذلك عن طَريقِ إسهامِ أشخاصٍ بمَبالِغَ نَقْدِيَّةٍ تُخَصَّصُ لتَعْويضِ مَن يُصيبُهُ الضَّرَرُ، فجَمَاعَةُ التأمينِ التعاوُنِيِّ لا يَسْتهدِفونَ تِجارةً ولا رِبْحاً مِن أموالِ غيرِهم، وإِنَّما يَقْصِدونَ تَوزِيعَ الأخطارِ بينَهم والتعاوُنَ على تَحمُّلِ الضَّرَرِ.
الثاني: خُلُوُّ التأمينِ التعاوُنِيِّ من الرِّبَا بنَوْعَيْهِ: رِبَا الفَضْلِ ورِبَا النَّسْءِ، فلَيْسَ عُقودُ المُساهِمِينَ رَبَوِيَّةً، ولا يَسْتغِلُّونَ ما جُمِعَ من الأقساطِ في مُعاملاتٍ رَبَوِيَّةٍ.
الثالِثُ: أنَّهُ لا يَضُرُّ جَهْلُ المُساهمِينَ في التأمينِ التعاوُنِيِّ بتَحْديدِ ما يَعُودُ عليهم مِن النَّفْعِ؛ لأنَّهم مُتَبَرِّعُونَ، فلا مُخاطَرَةَ، ولا غَرَرَ، ولا مُقامَرَةَ، بخِلافِ التأمينِ التِّجارِيِّ فإنَّهُ عَقْدُ مُعاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تِجارِيَّةٍ.
الرَّابِعُ: قِيَامُ جَماعَةٍ مِن المُساهمِينَ أو مَن يُمَثِّلُهم باستثمارِ ما جُمِعَ من الأقساطِ لتَحْقِيقِ الغَرَضِ الذي مِن أجْلِهِ أُنْشِئَ هذا التعاوُنُ، سَواءٌ كانَ القِيامُ بذلك تَبَرُّعاً أو مُقابِلَ أجْرٍ مُعَيَّنٍ، ورَأَى المَجْلِسُ أنْ يَكُونَ التأمِينُ التَّعاوُنِيُّ على شَكْلِ شَرِكَةِ تأمينٍ تَعاوُنِيَّةٍ مُخْتَلِطَةٍ للأُمورِ الآتيةِ:
( أ ) الالتزامُ بالفِكْرِ الاقتصادِيِّ الإسلاميِّ الذي يَتْرُكُ للأفرادِ مَسْؤوليَّةَ القِيامِ بمُخْتلَفِ المَشْروعاتِ الاقْتِصادِيَّةِ، ولا يَأْتِي دَوْرُ الدولةِ إِلاَّ كعُنْصُرٍ مُكَمِّلٍ لِمَا عَجَزَ الأفْرَادُ عن القيامِ به، وكدَوْرٍ مُوَجِّهٍ ورَقِيبٍ؛ لضَمَانِ نَجَاحِ هذهِ المَشْروعاتِ وسَلامَةِ عَمَلِيَّاتِها.
( ب ) الالتزامُ بالفِكْرِ التعاوُنِيِّ التَّأْمِينِيِّ الذي بمُقْتضاهُ يَسْتَقِلُّ المُتعاوِنونَ بالمَشْروعِ كُلِّهِ مِن حَيْثُ تَشْغِيلُهُ، ومِن حَيْثُ الجهازُ التنفيذيُّ، ومَسْؤولِيَّةُ إدارةِ المشروعِ.
( ج ) تَدْريبُ الأهالي على مُباشَرَةِ التأمينِ التعاوُنِيِّ، وإيجادِ المُبادَراتِ الفَرْدِيَّةِ، والاستفادةِ من البواعثِ الشَّخْصيَّةِ، فلا شَكَّ أنَّ مُشارَكَتَهُ الأهالِيَ في الإدارةِ تَجْعَلُهم أكثرَ حِرْصاً ويَقَظَةً على تَجنُّبِ وُقوعِ المخاطِرِ التي يَدَفْعُونَ مُجتَمِعينَ تَكْلِفَةَ تَعْوِيضِها، مِمَّا يُحَقِّقُ بالتالي مَصْلَحَةً لهم في إنجاحِ التأمينِ التعاوُنِيِّ؛ إذْ إنَّ تَجَنُّبَ المَخاطِرِ يَعُودُ عليهم بأقساطٍ أقَلَّ في المُسْتَقْبَلِ، كما أنَّ وُقوعَها قَدْ يُحَمِّلُهم أقساطاً أكبرَ في المستقبلِ.
( د ) أنَّ صُورةَ الشركةِ المُخْتلَطَةِ لا يَجْعَلُ التَّأْمِينَ كما لَوْ كَانَ هِبَةً أو مِنْحَةً من الدَّوْلَةِ للمُسْتَفِيدِينَ منه، بل بمُشارَكَةٍ منها معَهم فقَطْ؛ لحِمَايَتِهم ومُسانَدَتِهم باعتبارِهم هم أصحابَ المَصْلَحَةِ الفِعْلِيَّةِ، وهذا مَوْقِفٌ أكْثَرُ إيجابِيَّةٍ ليَشْعُرَ معَهُ المُتعاوِنونَ بدَوْرِ الدولةِ، ولا يُعْفِيهِم في نَفْسِ الوَقْتِ من المَسؤوليَّةِ.
ويَرَى المجلسُ أنْ يُراعَى في وَضْعِ الموادِّ التفصيلِيَّةِ للعمَلِ بالتأمينِ التعاوُنِيِّ الأُسُسَ الآتيةَ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ لمُنظَّمةِ التأمينِ التعاوُنِيِّ مَرْكَزٌ له فُروعٌ في كافَّةِ المُدُنِ، وأنْ يَكُونَ بالمُنظَّمةِ أقسامٌ تَتَوَزَّعُ بحَسَبِ الأخْطَارِ المُرادِ تَغْطِيتُها، وبحَسَبِ مُخْتَلَفِ فِئَاتِ ومِهَنِ المُتعاوِنِينَ، كأنْ يَكُونَ هناكَ قِسْمٌ للتأمينِ الصحِّيِّ، وثانٍ للتأمينِ ضِدَّ العَجْزِ والشَّيْخُوخَةِ.. إلخ.
أو يَكُونَ هناكَ قِسْمٌ لتأمينِ الباعَةِ المُتجَوِّلِينَ، وآخَرُ للتُّجَّارِ، وثالِثٌ للطَّلَبةِ، ورابِعٌ لأصحابِ المِهَنِ الحُرَّةِ كالمُهندِسِينَ والأطِبَّاءِ والمُحامِينَ.. إلخ.
الثاني: أنْ تَكُونَ مُنظَّمةُ التأمينِ التعاوُنِيِّ على دَرَجَةٍ كبيرةٍ من المُرونَةِ والبُعْدِ عن الأساليبِ المُعَقَّدَةِ.
الثالِثُ: أَنْ يَكُونَ للمُنَظَّمَةِ مَجْلِسٌ أعْلَى يُقرِّرُ خُطَطَ العَمَلِ، ويَقْتَرِحُ ما يَلْزَمُها من لوائحَ وقراراتٍ تَكُونُ نَافِذَةً إذا اتَّفَقَتْ معَ قَواعِدِ الشَّرِيعَةِ.
الرابِعُ: يُمَثِّلُ الحُكومةَ في هذا المَجْلِسِ عَدَدٌ تَخْتَارُهُ مِن الأَعْضاءِ، ويُمَثِّلُ المُساهِمِينَ مَن يَخْتارُونَهُ ليَكُونُوا أعضاءً في المجلسِ؛ ليُساعِدَ ذلك على إشرافِ الحكومةِ عليها، واطْمِئْنانِها على سلامةِ سَيْرِها، وحِفْظِها من التلاعُبِ والفَشَلِ.
الخامِسُ: إذا تَجَاوَزَتِ المَخَاطِرُ مَوارِدَ الصُّنْدوقِ بما قَدْ يَسْتَلْزِمُ زِيادَةَ الأقساطِ فتَقُومُ الدولةُ والمُشْترِكُونَ بتحَمُّلِ هذهِ الزيادةِ.
ويُؤَيِّدُ مَجْلِسُ المَجْمَعِ الفقهيِّ ما اقْتَرَحَهُ مَجْلِسُ هيئةِ كبارِ العلماءِ في قَرَارِهِ المَذْكُورِ بأنْ يَتَوَلَّى وَضْعَ المَوادِّ التفصيلِيَّةِ لهذهِ الشركةِ التعاوُنِيَّةِ جَمَاعةٌ من الخُبَراءِ المُخْتَصِّينَ في هذا الشَّأْنِ.
واللَّهُ وَلِيُّ التوفيقِ، وصَلَّى اللَّهُ وسَلَّمَ علَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ.

والمَجالِسُ الثَّلاثَةُ كُلُّها أجازَتْ البَدِيلَ الشَّرْعِيَّ، وهو التأمينُ التعاوُنِيُّ.
فعِبارَةُ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ المُنْبَثِقَةُ من مُنَظَّمَةِ المُؤْتَمَرِ الإسلامِيِّ هي:
إنَّ العَقْدَ البَدِيلَ الذي يَحْتَرِمُ أُصولَ التعامُلِ الإسلامِيِّ، هو عَقْدُ التأمينِ التعاوُنِيِّ القَائِمِ علَى أسَاسِ التبَرُّعِ والتعاوُنِ.
قرارُ هَيْئَةِ كِبارِ العُلماءِ بشَأْنِ التَّأْمِينِ التَّعَاوُنِيِّ:
إنَّ التأمِينَ التعاوُنِيَّ من عُقودِ التبَرُّعاتِ التي يُقْصَدُ بها أصالةً التعاوُنُ على تَفْتيتِ الأخطارِ، والاشتراكِ في تحَمُّلِ المَسؤوليَّةِ عندَ نزولِ الكَوارِثِ، وذلك عن طَريقِ إِسْهامِ أشخاصٍ بمَبالِغَ نَقْدِيَّةٍ، تُخَصَّصُ لتعويضِ مَن يُصيبُهُ ضَرَرٌ، وإمكانُ الاكتفاءِ بهِ عن التأمينِ التِّجارِيِّ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, شروطه

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir