668- وعن أَبِي الزُّبَيْرِ قالَ: سَأَلْتُ جَابِراً عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ، فقَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ والنَّسائِيُّ، وزَادَ: إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ.
درجةُ الحديثِ:
زِيَادَةُ النَّسائِيِّ ضَعَّفَها الإمامُ أَحْمَدَ، واسْتَنْكَرَها النَّسائِيُّ، وضَعَّفَها النَّوَوِيُّ والسيوطِيُّ، ونَقَلاَ اتِّفَاقَ المُحَدِّثِينَ على ذلك.
مُفْرَداتُ الحديثِ:
- السِّنَّورِ: بكسرِ السِّينِ المُهْملَةِ وتَشْدِيدِ النُّونِ، هو الهِرُّ والقِطُّ، وهو حَيَوانٌ أَلِيفٌ مِن الفَصِيلَةِ السِّنَّورِيَّةِ ورُتْبَةِ اللَّوَاحِمِ، والأُنْثَى سِنَّوْرَةٌ، جَمْعُه سَنَانِيرُ.
- الكَلْبِ: كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ، وغَلَبَ على هذا النابِحُ, بل صَارَتْ حَقِيقَةً لُغوِيَّةً فيه لا تَحْتَمِلُ غَيْرَه، الجَمْعُ: أَكْلُبٌ وكِلابٌ، والأُنْثَى كَلْبَةٌ، وجَمْعُها كِلابٌ وكَلْبَاتٌ.
- زَجَرَ عَنْ ذَلِكَ: يُقالُ: زَجَرَهُ يَزْجُرُه زَجْراً: مَنَعَه ونَهاهُ عنه، وأمَرَه بالكَفِّ عن بيعِه، والانتفاعِ بثمنِه بعُنْفٍ وشِدَّةٍ.
- صَيْدٍ: صَادَ الطَّيْرَ وغَيْرَه يَصِيدُه صَيْداً واصْطَادَهُ: اقْتَنَصَهُ وأَمْسَكَهُ بمَشَقَّةٍ، فالطَّيْرُ مَصِيدٌ، والرجُلُ صَائِدٌ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-يَدُلُّ الحديثُ على النهْيِ عن بَيْعِ السِّنَّوْرِ، وتحريمِ ثَمَنِه وإنْ جَازَ اقْتِناؤُه لغَيْرِ حَاجَةٍ، لعَدَمِ النهْيِ عن ذلك، ولِمَا في الصحيحَيْنِ: ((أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ)).
ولأنَّها طاهِرَةٌ في الحَياةِ، وهذا مَذْهَبُ طائفةٍ من العلماءِ، ومنهم الحنابلةُ، إذْ صِحَّةُ البيعِ إِنَّما تَكُونُ في عَيْنٍ مَالِيَّةٍ، والسِّنَّورُ لَيْسَ بمَالٍ.
وذهَبَ الجُمهورُ إلى جَوازِ بَيْعِه، وحَمَلُوا الحديثَ على التَّنْزِيهِ ومَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وأنَّ هذا مِمَّا اعْتَادَ النَّاسُ هِبَتَه وإِعَارَتَهُ والسماحَةَ فيه، ولكنَّه خِلافُ الظَّاهِرِ؛ لأنَّ النهْيَ يَقْتَضِي التحريمَ، ففيهِ زَجْرٌ، وهو أبْلَغُ من النهْيِ، وتكونُ العِلَّةُ في تحريمِ بيعِه لعَدَمِ النفْعِ المقصودِ فيه.
2-يَدُلُّ الحديثُ على تحريمِ ثَمَنِ الكلبِ وتحريمِ بَيْعِه؛ لِمَا في الصحيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أبي مَسْعودٍ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ثَمَنِ الكَلْبِ)، والنصُّ على تَحْرِيمِ ثَمَنِه يَدُلُّ باللُّزومِ على تَحْريمِ بَيْعِه؛ لأنَّه نَجِسُ العَيْنِ, ولا يُنْتَفَعُ به إلاَّ لحَاجَةٍ.
3-الحديثُ الذي في الصحيحَيْنِ عامٌّ، ولكنْ عندَ النَّسائِيِّ زيادةٌ تقَدَّمَ حُكْمُها وأنَّها ضَعِيفَةٌ: ((إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ)).
ومِن أَجْلِ هذهِ الزِّيادةِ اخْتَلَفَ العُلماءُ في جَوازِ بَيْعِه.
فذَهَبَ الجُمهورُ ـ ومنهم الإمامانِ: الشافِعِيُّ وأَحْمَدُ ـ إلى تَحْرِيمِ بيعِه، وإنْ كانَ كَلْبَ صَيْدٍ، أو زَرْعٍ، أو مَاشِيَةٍ، ويُبَاحُ اقْتِنَاؤُه لهذهِ الحاجةِ معَ تَحْرِيمِ بَيْعِه وثَمَنِه؛ لأنَّ الأصْلَ في النهْيِ أنَّه للتَّحْرِيمِ.
قالَ الخَطَّابِيُّ: جَوازُ الانتفاعِ بالشيءِ إذا كانَ لأَجْلِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَكُنْ يَدُلُّ على جَوازِ بَيْعِه، كالمَيْتَةِ يَجُوزُ الانتفاعُ بها للمُضْطَرِّ ولا يَجُوزُ بَيْعُها، وذَهَبَ أبو حَنِيفَةَ إلى جَوازِ بَيْعِه مُطْلقاً، سَوَاءٌ جَازَ اقْتِناؤُهُ، أو لا.
وقالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ وإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَا أُبِيحَ مِن الكِلابِ فبيعُه جَائِزٌ، ومَا حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ منها فبَيْعُه مُحَرَّمٌ.