اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سليم سيدهوم
هل يصح قول من لا يريد استماع النصيحة: من يحتاج إلى النصيحة لا يعطيها؟ وهل وردت هذه العبارة في كتب أهل العلم؟
بارك الله فيكم.
|
هذا قول باطل لا يصحّ، وهو في معنى قول القائل، من عمل منكراً ؛ فلا يصح أن يُنكر المنكر، وهذا خطأ وضلال مبين، بل الواجب على العبد أن يتّقي الله ما استطاع ، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم ؛ كما ثبت في الحديث الصحيح أن الدين النصيحة، وفسّرت بذلك.
ولو كان من وقع في معصية يحتاج معها إلى نصيحة توقّف عن نصح غيره لانتشر الفساد الكبير في الأرض؛ والناصح لا يُشترط له العصمة من الوقوع في بعض الذنوب وما يحتاج معه إلى نصيحة؛ لكن يجب عليه أن يتوب إلى الله إذا وقع في شيء من تلك المعاصي حتى لو كانت كبيرة من الكبائر، فالتوبة تجب ما قبلها، والله تعالى يفرح بتوبة عبده، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}.
ويجب أن لا يمنعنه وقوعه في الذنب من مواصلة الدعوة ونصيحة غيره، وقد أنشد بعض الصالحين:
لو لم يعظ في الناس مـن هـو مذنـب.......فمن يعظ العاصين بعد محمد
وقيل للحسن البصري: إن فلاناً لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وقال سعيد بن جبير: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر، قال مالك: وصدق! ومن ذا الذي ليس فيه شيء).
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: (فَكُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجة لهم فيها. والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه).ا.هـ.
وهو كلام صحيح مسدد، لأن الذي يتركُ المعروف ولا يأمر به عند وجوب الأمر به يكون قد ارتكب معصيتين، وكذلك الذي يفعل المنكر ولا ينكره قد وقع في معصيتين: معصية فعل المنكر، ومعصية ترك الإنكار.
لكنه إذا قام بالدعوة والإنكار كان ذلك سبباً معيناً له على امتثال ما يأمر به من المعروف وواجتناب ما ينهى عنه من المنكر، ولا سيما إذا تضرع لله تعالى أن ينجيه مما وقع فيه من المخالفة، وبذل أسباب الإقلاع عن الذنب، وأكثر من الاستغفار، فإنه يرجى له أن يوفق للتوبة النصوح.
والخلاصة أن التقصير في العمل لا يبرر التقصير في الدعوة، وليس ذلك لأحد بعذر في ترك الدعوة إذا علم وجوبها عليه، ومن وجّهت إليه النّصيحة فإنّ من الكبر أن يردّ النصحية بمثل هذا الردّ، بل يجب عليه قبول النصيحة ممن جاء بها ما دامت حقّا، ولو كانت من مخالف.