13/622 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الوِصَالِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِن المُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: ((وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي)). فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَن الوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْماً، ثُمَّ يَوْماً, ثُمَّ رَأَوُا الهِلالَ، فَقَالَ: ((لَوْ تَأَخَّرَ الهِلالُ لَزِدْتُكُمْ)) كَالمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الوِصَالِ) هُوَ تَرْكُ الفِطْرِ بِالنَّهَارِ وَفِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِالقَصْدِ (فَقَالَ رَجُلٌ مِن المُسْلِمِينَ).
قَالَ المُصَنِّفُ:لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.(فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! فَقَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي. فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَن الوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْماً ثُمَّ يَوْماً ثُمَّ رَأَوُا الهِلالَ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ الهِلالُ لَزِدْتُكُمْ. كَالمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الحَدِيثُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ,وَتَفَرَّدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ,وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الوِصَالِ؛ لأَنَّهُ الأَصْلُ فِي النَّهْيِ.
وَقَدْ أُبِيحَ الوِصَالُ إلَى السَّحَرِ؛لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: ((فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ)) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إمْسَاكَ بَعْضِ اللَّيْلِ مُوَاصَلَةٌ. وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلاًّ لِلصَّوْمِ فَلا يَنْعَقِدُ بِنِيَّتِهِ.
وَفِي الحَدِيثِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الوِصَالَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَد اخْتُلِفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَقِيلَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقاً، وَقِيلَ: مُحَرَّمٌ فِي حَقِّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيُبَاحُ لِمَنْ لا يَشُقُّ عَلَيْهِ. الأَوَّلُ رَأْيُ الأَكْثَرِ لِلنَّهْيِ وَأَصْلُهُ التَّحْرِيمُ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لا يَحْرُمُ. بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاصَلَ بِهِمْ وَلَوْ كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ, فَهُوَ قَرِينَةٌ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ رَحْمَةً لَهُمْ وَتَخْفِيفاً عَنْهُمْ؛ وَلأَنَّهُ قدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ رَجُلٍ مِن الصَّحَابَةِ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الحِجَامَةِ وَالمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا؛ إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ. إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
(وَإِبْقَاءً) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نَهَى.
وَرَوَى البَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الوِصَالِ وَلَيْسَ بِالعَزِيمَةِ.
وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضاً مُوَاصَلَةُ الصَّحَابَةِ,فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بسَنَدٍ صَحِيحٍ, أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِ فَلَوْ فَهِمُوا التَّحْرِيمَ لَمَا فَعَلُوهُ، وَيَدُلُّ لِلْجَوَازِ أَيْضاً مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ السَّكَنِ مَرْفُوعاً: ((إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبِ الصِّيَامَ بِاللَّيْلِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَتَّبِعْنِي وَلا أَجْرَ لَهُ)).
قَالُوا: وَالتَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ النَّصَارَى لا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ؛ فإنه قَدْ عَلَّلَ تَأْخِيرَ الإِفْطَارِ مِن فِعْلِ أَهْلِ الكِتَابِ ولَمْ يَقْتَضِ التَّحْرِيمَ.
وَاعْتَذَرَ الجُمْهُورُ عَنْ مُوَاصَلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّحَابَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَقْرِيعاً لَهُمْ وَتَنْكِيلاً بِهِمْ, وَاحْتُمِلَ جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ النَّهْيِ فِي تَأْكِيدِ زَجْرِهِمْ؛ لأَنَّهُمْ إذَا بَاشَرُوهُ ظَهَرَتْ لَهُمْ حِكْمَةُ النَّهْيِ وَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِن المَلَلِ فِي العِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ وَأَرْجَحُ مِنْ وَظَائِفِ العِبَادَاتِ, وَالأَقْرَبُ مِن الأَقْوَالِ هُوَ التَّفْصِيلُ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟)) اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ, أَيْ: أَيُّكُمْ عَلَى صِفَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْ رَبِّي.
وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: ((يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي)) فَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ, كَانَ يُطْعَمُ وَيُسْقَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَتُعِقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلاً.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ طَعَامِ الجَنَّةِ عَلَى جِهَةِ التَّكْرِيمِ فَإِنَّهُ لا يُنَافِي التَّكْلِيفَ وَلا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ طَعَامِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ: المُرَادُ مَا يُغَذِّيهِ اللَّهُ مِنْ مَعَارِفِهِ, وَمَا يُفِيضُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ, وَقُرَّةُ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ, وَتَنَعُّمُهُ بِحُبِّهِ وَالشَّوْقِ إلَيْهِ, وَتَوَابِعُ ذَلِكَ مِن الأَحْوَالِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ القُلُوبِ وَتَنْعِيمُ الأَرْوَاحِ وَقُرَّةُ العَيْنِ وَبَهْجَةُ النُّفُوسِ، وَلِلْقَلْبِ وَالرُّوحِ بِهَا أَعْظَمُ غِذَاءٍ وَأَجْوَدُهُ وَأَنْفَعُهُ وَقَدْ يُقَوِّي هَذَا الغِذَاءُ حَتَّى يُغْنِيَ عَنْ غِذَاءِ الأَجْسَامِ بُرْهَةً مِن الزَّمَانِ كَمَا قِيلَ:
لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا = عَن الشَّرَابِ وَتُلْهِيهَا عَن الزَّادِ
لَهَا بِوَجْهِكَ نُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ = وَمِنْ حَدِيثِكَ فِي أَعْقَابِهَا حَادِي
وَمَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ أَوْ شَوقٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الجِسْمِ بِغِذَاءِ القَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ كَثِيرٍ مِن الغِذَاءِ الحَيَوَانِيِّ, وَلا سِيَّمَا المَسْرُورُ الفَرْحَانُ الظَّافِرُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ وَتَنَعَّمَ بِقُرْبِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ. وَسَاقَ في هَذَا المَعْنَى وَاخْتَارَ هَذَا الوَجْهَ فِي الإِطْعَامِ وَالإِسْقَاءِ.
وَأَمَّا الوِصَالُ إلَى السَّحَرِ فَقَدْ أَذِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ, كَمَا فِي صحيحِ البُخَارِيِّ من حديثِأَبِي سَعِيدٍ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لا تُوَاصِلُوا, فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ)).
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعاً: ((إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)) فَإِنَّهُ لا يُنَافِي الوِصَالَ؛ لأَنَّ المُرَادَ بِأَفْطَرَ: دَخَلَ فِي وَقْتِ الإِفْطَارِ, لا أَنَّهُ صَارَ مُفْطِراً حَقِيقَةً كَمَا قِيلَ؛ لأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُفْطِراً حَقِيقَةً لَمَا وَرَدَ الحَثُّ عَلَى تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ وَلا النَّهْيُ عَن الوِصَالِ وَلا اسْتَقَامَ الإِذْنُ بِالوِصَالِ إلَى السَّحَرِ.