دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > لامية العرب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 05:22 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي شرح لامية العرب (7/10) [وآلف وجه الأرض عند افتراشها ... بأهدأ تنبيه سناسن قحل]


42- وآلَفُ وجهَ الأرضِ عندَ افترَاشِها = بأهْدَأَ تُنْبِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ
43- وأَعْدِلُ منْحُوضاً كأَنَّ فُصُوصَهُ = كِعَابٌ دَحَاهَا لاعبٌ فَهْيَ مُثَّلُ
44- فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أُمُّ قَسْطَلٍ = فما اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْوَلُ
45- طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ = عَقِيرَتُهُ لأَيِّها حُمَّ أوَّلُ
46- تنامُ إذا مانامَ يَقْظَى عُيونُها = حِثَاثاً إلى مكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ
47- وإِلْفُ همومٍ لا تزالُ تعُودُهُ = عِيَادَ الحَمِيِّ الرِّبْعُ أَوْ هِيَ أثْقَلُ
48- إذا وَرَدَتْ أَصْدَرْتُهَا ثمَّ إنَّها = تثُوبُ فتأْتِي منْ تُحَيْتٍ ومِنْ عَلُ


  #2  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:35 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي شرح أبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي


يقولُ: آلَفُ وَجْهَ الأرضِ عندَ نَوْمِي ولا أَنامُ على وِطاءٍ بِمَنْكِبٍ أَهدأَ فيه جنبًا(), وتُنْبِيهِ: تُجْفِيهِ عن الأَرْضِ، أيْ: تَرفعُه, والسَّنَاسِنُ: جَمْعُ سِنْسِنٍ وسِنْسِنَةٍ وهي مَفارِزُ الأضلاعِ في الصُّلْبِ.
والقُحَّلُ: الْيُبَّسُ، واحدُها قَاحِلٌ, ويُرْوَى: بأَهْدَأَ تَثْنِيهِ.

45 - وأَعْدِلُ مَنْحُوضًا كأنَّ فُصوصَه = كِعابٌ دَحَاها لاعبٌ فهْيَ مُثَّلُ

أعْدِلُ: أَنْثَنِي، والْمَنحوضُ: القليلُ النَّحْضِ وهو اللحْمُ.
يُقالُ: نَحَضْتُ العظْمَ نَحْضًا: أَخَذْتُ ما عليه مِن اللحْمِ، وإنما يَعْنِي ذِراعَه ويَدَه.
و"فُصوصَه": فَوَاصِلُ عِظامِه وكلُّ مُلْتَقَى عَظْمَيْنِ فهو فَصٌّ.
ودَحَاهَا: زَجَّ بها، وهو مَأخوذٌ مِن: دَحَوْتُ.
"مُثَّلُ": مُنْبَسِطَةٌ ثَابِتَةٌ.

46 - فإن تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أمُّ قَسْطَلٍ = فَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنفرَى قبلُ أَطْوَلُ

تَبتَئِسْ: مِن البُؤْسِ.
يَقولُ: إنْ أَصَابَتْنِي بِبُؤْسٍ.
أمُّ قَسْطَلٍ: وهي الْمَنِيَّةُ، ويُقالُ: الحرْبُ؛ لأنَّ فيها يَكونُ القَسْطَلَ، وهو الغُبارُ الْمُستطيلُ في السماءِ، وطالَمَا اغْتَبَطَتِ الْمَنِيَّةُ بفِعْلِي في الحرْبِ.
ويُرْوَى: قَصْطَلٍ بالصادِ.

47 - طريدُ جِناياتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَه = عَقيرتُه لأَيِّها جُرَّ أَوَّلُ

تَيَاسَرْنَ, أيْ: تَقَسَّمْنَ لَحْمَه, مِن الْمَيْسِرِ وهو القِمارُ، وقولُه: عَقِيرَتُه.
أيْ: ما عُقِرَ مِن شيءٍ فهو عَقيرتُه، أيْ: لأيِّ شيءٍ جُرَّ أوَّلُ فهو عَقيرتُه، والعَقيرةُ: الناقةُ الْمَنحورةُ لغيرِ عِلَّةٍ للضَّيْفِ أو لأهْلِ الماءِ، ويُروَى: عَقيرتُه اللاتي بها جاءَ أوَّلُ.
ويُروى: اللائِي، مِن قولِه عَزَّ وجَلَّ: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ}.
تَياسَرْنَ: تَقاسَمْنَ.
الْمُياسَرَةُ: الْجَزورُ التي تُنْحَرُ ثم تُقَسَّمُ، والقومُ: الأَيسارُ، والْحملُ: الْمَيْسِرُ، والعَقيرةُ: الصوتُ.

48 - تَبِيتُ إذا ما نَامَ يَقْظَى عيونُها = حِثاثًا إلى مَكروهِه تَتَغَلْغَلُ

ويُروى: تَنامُ إذا ما نامَ، تَنامُ: يَعنِي: الْجِناياتُ، أيْ: يُغِيرُ الطَّالِبُون بها عَنِّي، وهي في نَوْمِها يَقْظَى؛ لأَنِّي أُطْلَبُ بها, وهي تُوَافِينِي حِثاثًا: سَريعةً، وتَتغَلْغَلُ: تَتنَحَّلُ إليه.

49 - وإِلْفُ هُمومٍ لا تَزالُ تَعُودُه = عِيادًا كحُمَّى الرِّبْعِ أو هي أَثقلُ

الْحُمَّى (؟): الْمَحمومُ، يقولُ: تَعتَادُنِي الْهُمومُ كما تَعتادُ الْمَحمومَ حُمَّى الرِّبْعِ فلا تُغِبُّهُ عن وَقْتِها, أو هي أثْقَلُ عَلَيَّ مِن الْحُمَّى.
ويُرْوَى: عِيادًا لِحُمَّى الرِّبْعِ، ويُقالُ: حُمَّى: حُمَّيَاتٌ وجَمْعُ الْجَمْعِ حُمًى.

50 - إذا وَرَدَتْ أَصْدَرْتُها ثم إنها = تَثوبُ فتَأتِي من تُحَيْتٍ ومِن عَلُ

تَثُوبُ: تَرْجِعُ، يَقولُ: إذا وَرَدَتْ عَلَيَّ الهمومُ أمْضَيْتُها ودَفَعْتُها فتَثوبُ إليَّ مِن كلِّ وَجهٍ، أيْ: تَأْتِينِي مِن أَسفَلَ ومِن فوقُ.
و"تُحَيْتٍ": تَصغيرُ تحتَ.
ويُقالُ: أَتيتُه مِن عَلُ ومِن عَلَى ومِن عُلُوٍّ ومِن عالٍ ومِن مَعَالٍ.
ويُرْوَى: مِن تَحيتٍ، مَفتوحٌ، وقالَ: تثيبُ وتَثوبُ واحدٌ.


  #3  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:38 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تفريج الكرب للشيخ: محمد بن القاسم ابن زاكور الفاسي


42- وآلَفُ وجهَ الأرضِ عندَ افترَاشِها = بأهْدَأَ تُنْئِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ
آلَفُهُ ـ بالفتحِ ـ مُضارعُ ألِفْتُهُ، كعَلِمْتُهُ: حَصَلَتْ بيني وبينَهُ أُلْفَةٌ؛ أيْ: مُلاءَمَةٌ. وافتراشُ الأرضِ: اتِّخَاذُها فراشاً، بأنْ يَضْطَجِعَ عليها منْ غيرِ حائلٍ بينَهما. والأَهْدَأُ ـ بالهمزِ ـ اسمُ هَدِئَ كفَرِحَ؛ أي: انْحَنَى، يقالُ: أهدَأَهُ الكِبَرُ. وتُنْئِيهِ مُضارعُ أَنْأَتْهُ: أيْ أبْعَدَتْهُ. ويُرْوَى: (تُثْنِيهِ). والسَّنَاسِنُ جمعُ سِنْسِنٍ وسِنْسِنَةٍ بالكسرِ فيهما: حَرْفُ فَقَارِ الظهرِ هنا. والقُحَّلُ: جمعُ قَاحِلٍ، وهوَ اليَابِسُ.
وصفَ نفسَهُ بالارْتِيَاضِ بالمُقَاساةِ للمَشَقَّاتِ ( 12 / آ ) حتَّى ألِفَهَا فلمْ يجِدْ لها كبيرُ ألمٍ بعدُ، فأخبرَ عنْ نفسِهِ أنْ يفترشَ الأرضَ فيضطجعَ عليها بمَنْكِبٍ مُنْحَنٍ من الكِبَرِ أوْ منْ مُقاساةِ الأهوالِ والشدائدِ، أبْعَدَتْ ذلكَ الأهدأَ عن الأرضِ حروفُ فَقَارِ الظهرِ اليابسةِ من الكبرِ، فلا يجِدُ لقساوةِ الأرضِ ألماً عندَما يفترشُها ليُبْسِ ما يُباشِرُها منْ أضلاعِهِ وفقارِهِ التي أَبْعَدَتْ عن الأرضِ ما يُحِسُّ بها منْ مَنْكِبِهِ.
قولُهُ: (عندَ افتراشِها)، فيهِ إضافةُ المصدرِ إلى المفعولِ بهِ و(بأهدَأَ) مُتَعَلِّقٌ بِـ(افتراشِ)، و(تُنْئِيهِ) نعتٌ لِـ(أهدأَ).
وتقديرُ البيتِ: وآلَفُ وجهَ الأرضِ، أيْ: لا أتالَّمُ بهِ عندَ افتراشِي إيَّاها، أي: اضْطِجَاعِي عليها بمنْكِبٍ أوْ جنْبٍ مُنْحَنٍ مُبْعَدٍ عن الأرضِ بأضلاعٍ يابسةٍ.
وقولُهُ: (وآلَفُ) معطوفٌ على قوْلِهِ: (وأغْدُو) كقولِهِ: (وأشربُ)، وكذا قولُهُ:

43- وأَعْدِلُ منْحُوضاً كأَنَّ فُصُوصَهُ = كِعَابٌ دَحَاهَا لاعبٌ فَهْيَ مُثَّلُ

أَعْدِلُ ـ بالكَسْرِ ـ مُضارِعُ عدَلْتُهُ بالفتحِ؛ أيْ: أقَمْتُهُ، والمنحوضُ: المهزولُ. وموصوفُهُ محذوفٌ؛ أيْ: ذِرَاعاً مَنْحُوضاً. والفُصُوصُ، جمعُ فَصٍّ: وهوَ مُلْتَقَى كُلِّ عظْمَيْنِ. والكِعَابُ، جمعُ كَعْبٍ، وهوَ عَظْمٌ ناشزٌ في كُلِّ جانبي القدمِ. ودَحْوُ الكِعَابِ: الرميُ بها؛ لأنَّ في ذلكَ بَسْطاً لها، الذي هوَ معنى الدَّحْوِ. والمُثَّلُ جمعُ مَاثِلٍ؛ أيْ: مُنْتَصِبٍ.
يقولُ: وأَنْصِبُ ذِرَاعاً مهْزُولاً تُشبهُ مواصِلُ عظامِهِ كِعَاباً رَمَى بها على الأرضِ شخصٌ لاعبٌ بها. فهيَ لأجلِ ذلكَ منتصبةٌ قائمةٌ.
فالغرضُ من التشبيهِ هنا بيانُ مقدارِ هُزَالِ الذراعِ، فإنَّهُ أفادَ أنَّ ذلكَ في الغايَةِ، وإنَّما يَعْدِلُ المنحوضُ لِيَتَوَسَّدَهُ.
والمعنى: أنَّهُ يفترشُ الأرضَ، ويتوسَّدُ ذارعَهُ المهزولَ، كما قالَ غيرُهُ: [ الكامل ]

يا رُبَّ سارٍ باتَ ما توَسَّدَا = إلاَّ ذراعَ العِيسِ أوْ عَظْمَ اليَدَا


44- فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أُمُّ قَسْطَلٍ = فما اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْوَلُ
ابْتَأَسَ: حَزِنَ. والشَّنْفَرَى لَقَبُهُ، واسمُهُ: عمرُو بنُ مالِكٍ الأزْدِيُّ. وأمُّ قَسْطَلٍ، بالسينِ والصادِ أيضاً: كُنْيَةُ الداهيَةِ، وأيُّ داهيَةٍ أعظمُ من الحربِ، ومن الحربِ يتوَلَّدُ الغبارُ: وهوَ القَسْطَلُ. والاغتباطُ: السرورُ.
يقولُ: إنَّهُ مِسْعَرُ حربٍ، ومُنْجِدٌ للدَّوَاهِي ( 12 / ب ) على قتْلِ الأبطالِ، فإنْ ماتَ ابْتَأَسَتْ بهِ الدواهي والحروبُ، وحزِنَتْ عليهِ، كما كانتْ تُسَرُّ بهِ، على أنَّ زمانَ اغْتِبَاطِهَا بهِ أطْوَلُ. وقولُهُ هذا تعزيَةٌ لها، والتعزيَةُ في الحقيقةِ لنفسِهِ.
والمعنى: أنَّهُ إنْ قُدِّرَ مَوْتُهُ وابْتَأَسَ ما ذَكَرَ بهِ، فلمْ يكُنْ ذلكَ إلاَّ بعدَ أنْ أَمَاتَ كثيراً، وَأَوْقَدَ نيرانَ الحروبِ زماناً طويلاً، وفي ذلكَ اغتباطُ الدوَاهِي وسُرُورُها، فلمْ يَفُتْهُ شيءٌ تُحَبُّ لأجْلِهِ الحياةُ؛ إذْ ذاكَ غايَةُ ما كَانُوا يَطْلُبُونَ الحياةَ لهُ، كما قالَ قُطْرِيُّ بنُ الفُجَاءَةِ: [ البسيط ]

فإنْ أَمُتْ حَتْفَ أنْفِي لا أَمُتْ كَمَداً = على الطِّعَانِ وقَصْرُ الْعَاجِزِ الكَمِدِ

ولمْ أقُلْ: لمْ أُسَاقِ الموتَ شارِبَهُ في كأْسِهِ والمَنَايَا شُرَّعٌ وُرُدُ

45- طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ = عَقِيرَتُهُ لأَيِّها حُمَّ أوَّلُ

الطَّرِيدُ: المَطْرُودُ، أي: المُبْعَدُ. وإضافَتُهُ للجناياتِ، جمعُ جنايَةٍ، مجازٌ، بمعنى أنَّها سببُ طَرْدِهِ، والتَّيَاسُرُ: المُقَارعةُ بقِدَاحِ المَيْسِرِ، وهوَ مجازٌ عن الاستحقاقِ، وإسنادُهُ إلى ضميرِ الجِنَايَاتِ مجازٌ أيضاً؛ لأنَّ المُتَيَاسِرَ؛ أيْ: المُسْتَحِقَّ، في الحقيقةِ المَجْنِيُّ عليهم، والجناياتُ سبَبُهُ، ومعَ ذلكَ فهيَ تمثيلٌ لاستحقاقِ المجنِيِّ عليهم دَمَهُ على سبيلِ الاستعارةِ.
وبيانُ ذلكَ أنَّهُ شبَّهَ حالَ نفْسِهِ منْ حيثُ إنَّهُ مطلوبُ الدمِ مَطْلُولُهُ [ بحالِ ] الجَزُورِ المُعَيَّنِ للنحرِ بالمُقَارعةِ عليهِ بالسهامِ المُسَمَّى تَيَاسُراً.
ثُمَّ استعارَ لفظَ المُشَبَّهِ بهِ ـ وهوَ مُرَكَّبٌ ـ للمُشَبَّهِ. وما كانَ مثلَهُ من المجازِ ـ أيْ: مُرَكَّباً ـ سُمِّيَ تمثيلاً على سبيلِ الاستعارةِ، إنْ لوحِظَ فيهِ التشبيهُ كما هنا.
والعَقِيرةُ، بمعنى المَعْقُورةِ، والعقرُ: الجَرْحُ، ويعني بها ذاتَهُ، وحُمَّ: قُدِّرَ. وقولُهُ: (طَرِيدُ جِنَايَاتٍ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أيْ: هوَ مَطْرُودُ جناياتٍ؛ أيْ: مُبْعَدٌ عنْ عشيرَتِهِ بسببِ جناياتِهِ الكثيرةِ التي هيَ سببٌ في استحقاقِ المجنيِّ عليهم ـ وهُمْ كثيرونَ ـ دَمَهُ، كاستحقاقِ الجَزُورِ المُتَيَاسِرُونَ علَيْهَا. فذَاتُهُ لأَجْلِ ذلكَ أوَّلُ الذَّوَاتِ عقْراً لأيِّ الجناياتِ قُدِّرَ.
والمعنى: أنَّهُ بمثابةِ الصَّيْدِ الذي يعْقِرُهُ مَنْ أمْكَنَهُ عقْرَهُ من الطَّالِبِينَ لهُ. فالطَّالِبُونَ لهُ منْ أهلِ الجناياتِ كالمُتَصَيِّدِينَ، فَمَنْ ظَفِرَ بهِ منهم ( 13 / آ ) قتلَهُ إنْ قَدِرَ عليهِ.
وجملةُ (هوَ طَرِيدُ جناياتٍ) مستأنفةٌ لبيانِ حالِهِ، فلا محلَّ لها من الإعرابِ.

46- تنامُ إذا ما نامَ يَقْظَى عُيونُها = حِثَاثاً إلى مكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ

اليَقْظَى: المنتبهةُ، وهيَ أُنْثَى اليَقْظَانِ. والحَثاثُ: بالفتحِ ويُكْسَرُ: الغَمَضُ، كالقَرَارِ. وحكى مالكُ بنُ المُرَحِّلِ في نَظْمِ الفصيحِ خِلافاً في الأفصحِ من الفتحِ والكسرِ ونصُّهُ:
ومثلهُ الحِثَاثُ وهوَ يُفْتَحُ
وقيلَ: إنَّ الكِسْرَ فيهِ أفْصَحُ
ومكروهُهُ: ما يكْرَهُهُ. وتَغَلْغَلُ: أسْرَعَ.
قولُهُ: (يقْظَى عُيُونُها)، فاعلُ (تنَامُ)، وفاعلُ (نامَ) ضميرُ الشَّنْفَرَى، و(حِثَاثاً) منصوبٌ على المفعولِيَّةِ المُطْلَقَةِ لـ (تنَامُ) و(إلى مكْرُوهِهِ) مُتعَلِّقٌ بـ (يتغلغلُ).
والمعنى: تنامُ أعينُ الجناياتِ اليقظى غِمَاضاً إذا ما نامَ هوَ، أيْ: غفَلَ عنها، بمعنى أنَّها لا تغْفُلُ عنهُ لحظةً، وما يُظَنُّ منْ ذلكَ غفلةٌ، فهوَ حيلةٌ ومكرٌ، كمَنْ يُغْمِضُ عينَيْهِ يُرِي الناسَ أنَّهُ نائمٌ، وما بهِ منْ نومٍ، يُرِيدُ انتهازَ الفرصةِ إذا أمْكَنَتْهُ. فهيَ تُسْرِعُ إلى ما هوَ مكْرُوهٌ لهُ، وإنْ رُئِيَتْ ساكنةً. ومِنْ هنا قالُوا: الدَّمُ لا ينَامُ.
وقدْ أفهمَ قولُهُ: ( تنامُ يقْظَى عُيُونُها حِثَاثاً ): أنَّها طالبةٌ لهُ، غيرُ غافلةٍ عنهُ. فجاءَ قولُهُ: ( إلى مكرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ ) مؤَكِّداً لذلكَ، ويُسَمَّى ذلكَ تَذْيِيلاً، وقدْ شرَحْنَاهُ غيرَ مرَّةٍ. فالجملةُ المُؤَكِّدَةُ مضْمُونُها ما قبْلَها ـ منْطُوقاً أوْ مفْهُوماً ـ لا محلَّ لها من الإعرابِ.

47- وإِلْفُ همومٍ لا تزالُ تعُودُهُ = عِيَادَ الحَمِيِّ الرِّبْعُ أَوْ هِيَ أثْقَلُ

الحَمِيُّ: فَعِيلٌ بمعنى مفعولٍ، هوَ الذي أصابَتْهُ الحُمَّى، والرِّبْعُ، بالكسرِ هنا: الحُمَّى التي تخلَّى عنْ صاحِبِها يومَيْنِ، ثُمَّ تغْشَاهُ بعْدَهُما، فيكونُ يوْمُها رَابِعاً ليَوْمِها قبْلَهُ. و(الحَمِيُّ) مجرورٌ بإضافةِ (عِيَادِ) إليهِ، وهوَ مصدرُ عادَ المريضَ يعُودُهُ. والرِّبْعُ بالرفعِ: فاعلُ المصدرِ، ورُوِيَ بنصبِ الحَمِيِّ وجرِّ الرِّبْعِ بإضافةِ المصدرِ المفصولِ من المضافِ إليهِ بالمفعولِ، فيكونُ نظيرَ قولِ اللَّهِ سُبحانَهُ: {قَتْلَ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ}، بنَصْبِ (أَوْلادَهُمْ) بِـ (قَتْلَ)، وجرِّ (شُرَكَائِهِمْ) بإِضَافَتِهِ.
ومعنى البيتِ: هوَ طريدُ جناياتٍ ومُؤَالِفُ همومٍ لا تغيبُ عنهُ غَيْبَةَ انقطاعٍ، فهيَ تترَدَّدُ إليهِ كما تترَدَّدُ حُمَّى الرِّبْعِ إلى المحمومِ، بل الهمومُ أكثرُ ثِقَلاً من الحُمَّى المذكورةِ. ( 13 / ب ).

48- إذا وَرَدَتْ أَصْدَرْتُهَا ثمَّ إنَّها = تثُوبُ فتأْتِي منْ تُحَيْتٍ ومِنْ عَلُ

الوُرودُ: الحضورُ بعدَ الغيبةِ. والإصدارُ: الرَّدُّ.
يقولُ: إذا حَضَرَتَنِي الهُمومُ رَدَدْتُها؛ أَيْ: فرَّجْتُها عنْ نفسي، وهوَّنْتُ أمْرَها عَلَيَّ، ثمَّ إنَّها تثُوبُ, بالمُثَلَّثَةِ؛ أيْ: تعودُ وترجعُ أعظمَ ممَّا أصْدَرْتُهَا، فتَأْتِيني منْ أسفلُ ومنْ فوقُ.


  #4  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:42 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي أعجب العجب لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


وآلَفُ وَجْهَ الأرضِ عندَ افْتِرَاشِها = بأَهدأَ تُنْبِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ

الأهدأُ الشديدُ الثابتُ، و"تُنْبِيهِ" أيْ تَرفعُه وتُبعِدُه، يقالُ: نَبَا عَنِّي, أيْ تَباعَدَ، والسناسِنُ حُروفُ فَقارِ الظَّهْرِ، وهي مَغارِزُ رُؤوسِ الأضلاعِ, و"قُحَّلُ" أيْ جَافَّةٌ يَابِسَةٌ، والْمُنْقَحِلُ الرجُلُ اليابِسُ الْجَلْدُ، السيئُ الحالُ.
والمعنى أَنِّي قد أَلِفْتُ وجْهَ الأرضِ، مع ما أنا فيه مِن الْجَهْدِ وسوءِ الحالِ، وأَلْزَمُ قُوَّتِي على هذه الحالةِ.
و"آلَفُ" مُستأنَفٌ لا مَوْضِعَ له، وهو حكايةُ حالِه، وليس المرادُ أَنِّي سأفعَلُ هذا في المستقبَلِ، فقد لا يَحصُلُ بذلك مدْحٌ، إذ ليس بلازِمٍ، ووجْهُ الأرضِ مفعولٌ به، وليس ظَرْفاً, بل كما تَقولُ: أَلِفْتُ الخيرَ، و"عندَ" فيها لغاتٌ ثلاثٌ، أفْصَحُها عِندَ بكسْرِ العينِ وسكونِ النونِ، وهي ظرْفٌ للزمانِ والمكانِ، وهي هنا ظرْفُ زمانٍ، والتقديرُ: زمانَ افتراشِها، وافتراشُها مصدَرٌ مُضافٌ إلى المفعولِ، تقديرُه: افْتراشِي إيَّاها، كقولِك: عجِبْتُ مِن أكْلِ الخبزِ زيدٍ، أيْ: مِن أكْلِ زيدٍ الخبزَ، ومنه قولُه تعالى: {لاَ يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ} أيْ مِن دُعائِه الخيرَ، و"أهدأَ" صفةٌ لمحذوفٍ، أيْ بِمَنْكِبٍ ثابتٍ، وموْضِعُ "بأهدأَ" حالٌ تقديرُه: أَنامُ مُسْتَلْقِياً، أو مُلْقِياً مَنْكِبِي، وصاحبُ الحالِ الضميرُ في "آلَفُ"، وأهدأُ لا يَنصرِفُ لوزْنِ الفعْلِ والصفةِ، و"تُنْبِيهِ" نَعتٌ لـ "أَهْدَأَ"، أيْ: مرتفِعٌ, ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في "أهدأَ".

وأَعْدِلُ مَنحوضاً كأنَّ فُصوصَهُ = كِعابٌ دَحاها لاعِبٌ فَهْيَ مُثَّلُ

أَعْدِلُ أيْ: أتَوَسَّدُ ذِراعاً، أو أُسَوِّي تحتَ رأسِي ذِارعاً، والمنحوضُ الذي قد ذَهَبَ لحمُه، والفعْلُ منه نُحِضَ، على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، فهو مَنحوضٌ، يُريدُ: أتَوَسَّدُ ذِارعاً قد ذَهَبَ لَحْمُه، وفصوصُه منتهى العظْمِ عندَ الْمِفْصَلِ مِن كلِّ جانبٍ، ودَحاهَا بَسَطَها، و"مُثَّلُ" منْتَصِبَةٌ.
وأَعْدِلُ معطوفٌ على "آلَفُ"، وهي حكايةُ حالِه كما سَبَقَ في "آلَفُ"، و"مَنحوضاً" مفعولُ "أعْدِلُ"، أيْ أتَوَسَّدُ ذِراعاً قَليلَ اللحمِ، وكأنَّ وما عمِلَتْ فيه حالٌ مِن الضميرِ في "مَنحوضاً"، ويَجوزُ جَعْلُه نَعتاً لِـ "مَنحوضاً"، ودَحَاهَا نَعتٌ لكِعابٍ، "فَهْيَ مُثَّلُ" مبتدأٌ وخَبَرٌٍ لا مَوْضِعَ له؛ لأنَّ الفاءَ تَمْنَعُ مِن ذلك.

فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أُمُّ قَسْطَلٍ = لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قبلُ أطْوَلُ

تَبتئسُ تَحْزَنُ وتَكْرَهُ، قالَ حَسَّانُ بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ رَضِيَ اللهُ عنه:
ما يَقْسِمُ اللهُ أَقْبَلْ غيرَ مُبْتَئِسٍ منه وأَقْعُدْ كَريماً خالِيَ البالِ
وأُمُّ قَسْطَلٍ الحربُ، سُمِّيَتْ بذلك لأنَّ الحربَ تُثيرُ القَسْطَلَ, وهو الغبارُ, وتُوَلِّدُه، فلذلك نُسِبَتْ إليه، الغِبْطَةُ حُسْنُ الحالِ، والفعْلُ منه غَبَطْتُهُ أَغْبِطُه غَبْطاً، إذا تَمَنَّيْتَ مثلَ حالِه مِن غيرِ أنْ تُريدَ زَوَالَها, قالَ الشاعرُ:

وبينَما المرءُ في الأحياءِ مُغْتَبِطٌ = إذا هو الرَّمْسُ تَعْفُوهُ الأَعاصيرُ

أيْ مَغبوطٌ في الأحياءِ.
والمعنى: إنْ حَزِنَتِ الحربُ لمفارَقَةِ الشنْفَرَى لها الآنَ فطالَمَا اغتَبَطَتْ به قبلُ، الباءُ للسببيَّةِ، أيْ بسببِ فِراقِ الشنْفَرَى، وجوابُ الشرطِ "لَمَا"، و"لَمَا" هذه جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، وتقديرُه: واللهِ لَمَا اغتَبَطَتْ.
والشرْطُ مُوَطِّئٌ للقَسَمِ، وفي الحقيقةِ القسمُ المقدَّرُ مع جوابِه جوابُ الشرْطِ كقولِك: إنْ جاءَ زيدٌ واللهِ لأُكْرِمَنَّهُ، والذي يَقعُ مِن هذا النمَطِ مُوَطِّئاً للقَسَمِ، يَأتي باللامِ غالِباً، وكأنه لَمَّا حَذَفَ القسَمَ، وموضوعُه لتأكيدِ ما يُخْبَرُ به، أَتَى باللامِ في الشرْطِ للتأكيدِ عِوَضاً مِن الحذْفِ، ومنه قولُه سُبحانَه وتعالى: {وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ} و {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} وقد جاءَ بغيرِ لامٍ قالَ تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ} و"ما" في "لَمَا" يَجوزُ أنْ تكونَ مَصدريَّةً، أيْ لاغتباطِها، ويَجوزُ أنْ تكونَ بمعنى الذي، أي الذي اغتَبَطَتْ به، وعلى كِلاَ الوَجهينِ "ما" مُبتدأٌ، وأطولُ خبرُه، وإذا كانت بمعنى الذي، كان العائدُ مَحذوفاً، تقديرُه: للذي اغْتَبَطَتْ به مِن الشَّنْفَرَى، أو بسببِ الشَّنْفَرَى، و"قبلُ" مَبْنِيَّةٌ لِمَا تَقَدَّمَ.

طَريدَ جِناياتٍ تَياسَرْنَ لَحْمَهُ = عَقيرتُه لأَيِّهَا حُمَّ أوَّلُ

الطريدُ المبعَدُ, و: تَياسَرْنَ لِحْمَهُ، مأخوذٌ مِن: يَسَرَ القومُ الْجَزورَ، إذا اجْتَزَرُوها واقْتَسَمُوها، وعَقيرتُه لَحْمُه، ومنه يُقالُ للرجُلِ الشريفِ: عَقيرةٌ, إذا قُتِلَ.
والمعنى أنَّ الْجِناياتِ أبْعَدَتْهُ، فليتَ شِعرِي بأَيِّها تُؤْخَذُ نفْسُه أوَّلاً.
"طَرِيدَ" خَبَرُ مُبتدأٍ محذوفٍ، تقديرُه الشَّنْفَرَى، وتَياسَرْنَ صفةٌ لِجِناياتٍ, أي: مُقتسَمَةٌ، وعَقيرتُه مُبتدأٌ، ولأَيِّهَا الخبرُ، ويَجوزُ أنْ يكونَ لأيها مَعمولَ حُمَّ، والمجموعُ خبرُ المبتدأِ, ويَجوزُ أنْ يكونَ "حُمَّ" حالاً مِن "أيّ"، والعاملُ وما يَتعلَّقُ به، أي والعائدُ, وهي الهاءُ, ضميرُ الْجِناياتِ، والضميرُ في "حُمَّ" أيضاً عائدٌ إلى الْجِناياتِ، ولم يُؤَنَّثْ حَمْلاً على لفْظِ "أيّ"؛ لأنها بِمَنْزِلَةِ البعْضِ، أيْ بعضِ الْجِناياتِ، وأمَّا أوَّلُ فمَبْنِيٌّ على الضمِّ، وموضِعُه نَصْبٌ، أيْ لأيِّها قُدِّرَتْ أو عُجِّلَتْ أوَّلُ شيءٍ، وبُنِيَتْ على الضمِّ لقَطْعِها عن الإضافةِ، كقَبلُ وبعدُ.
تَنامُ إذا ما نَامَ يَقْظَى عيونُها حِثَاثاً إلى مَكروهِه تَتغلْغَلُ
تَنامُ إشارةٌ إلى الْجِناياتِ، وعَبَّرَ بها عن مُسْتَحِقِّيهَا، يُريدُ أنَّ في حالةِ نومِهم عُيونَهم رَاصدةٌ لي وهم يَتغلغلونَ في طَلَبِ الْمَكيدةِ، تَتغلغَلُ, أي: تَتخَلَّلُ في أمورِ مَضَرَّتِي.
و"ما" زائدةٌ، و"إذا" ظَرْفٌ لـ "تَنامُ"، والضميرُ في "نامَ" للشَّنْفَرَى، ويَقْظَى حالٌ مِن الضميرِ في "تَنامُ"، أيْ تَنامُ مُستيقظةً، وعيونُها مُرتفعةٌ بـ "يَقْظَى" ارتفاعَ الفاعلِ بفعلِه، و"حِثاثاً" حالٌ مِن الضميرِ في "تَتغلغلُ"، أيْ تَتغلغلُ مُسرعةً إلى ما يَكْرَهُ. ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في "تَنامُ": و"تَتغلغلُ" على الوجهِ الآخَرِ حالٌ مِن الضميرِ في "حِثاثاً"، و"إلى" تَتعلَّقُ بـ "تَتغلغلُ"، ويَجوزُ تَعَلُّقُها بـ"حِثاثاً".

وإِلْفُ هُمومٍ ما تَزالُ تَعُودُه = عِياداً كحُمَّى الرِّبْعِ أو هي أثْقَلُ
الرِّبْعُ في الْحُمَّى أنْ تَأخذَ يوماً وتَدَعَ يَومينِ، ثم تَجيءَ في اليومِ الرابعِ، والمعنى أنَّ الهمومَ تَعتادُنِي كما تَعتادُ الْحُمَّى الرِّبْعُ.
وإلْفُ مَعطوفٌ على طَريدِ جِناياتٍ، و"ما تَزالُ تَعودُه" صِفةٌ لِهُمومٍ، أيْ ملازِمَةُ العَوْدِ إليه، وقيلَ: بكونِه صفةَ إلْفٍ، وحَسَّنَ ذلك عَوْدُ الضميرِ في "تَعُودُه" إليه، و"عِياداً" منصوبٌ على المصدَرِ، كما يَقولُ: قامَ قِياماً، وصامَ صِياماً، وقيلَ: مَصدرٌ غيرُ جارٍ؛ لأن مَصدرَ: عادَ يَعودُ عَوْدٌ، وقالَ شيخُنا مُحِبُّ الدِّينِ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوحَه ـ: الأَجْوَدُ أنْ يكونَ اسماً للمَصْدَرِ وليس بِمَصدَرٍ، ويَعمَلُ عمَلَ المصدَرِ، كما عَمِلَ العَطَا عَمَلَ الإعطاءِ. فعلى هذا يكونُ مُضافاً إلى المفعولِ، وهو الْحُمَّى، والرِّبْعُ الفاعلُ. وقولُه: أو هي أَثْقَلُ، يُريدُ بل هي أَثقلُ، يَعنِي أنَّ الهمومَ عندَه أعْظَمُ شَأنًا مِن الْحُمَّى الرِّبْعِ.

إذا وَرَدَتْ أَصْدَرْتُها ثُمَّ إنها = تَثُوبُ فتَأتِي مِن تُحَيْتٍ ومِن عَلُ
وَرَدَتْ بمعنى حَضَرَتْ، والوِرْدُ خِلافُ الصدْرِ. وأَصْدَرْتُها أيْ: رَدَدْتُها, وتَثوبُ تَرْجِعُ.
والمعنى أنها إذا عاوَدَتْنِي, يَعنِي الْهُمومَ، ردَدْتُها ثم تَأتِي مِن كلِّ جِهاتِي لكَثْرَتِها فلا أَستطيعُ رَدَّها.
وإذا ظَرْفٌ، والعاملُ فيها جوابُها, وهو: أَصْدَرْتُها، وموضِعُ "وَرَدَتْ" جَرٌّ بالإضافةِ, والضميرُ في "وَرَدَتْ" و"أَصْدَرْتُها" للهمومِ، وإنما كُسِرَتْ "إنَّ" بَعْدَ "ثم"؛ لأنَّ الكلامَ الأوَّلَ تَمَّ، ثم استَأْنَفَ كلاماً آخَرَ، وكلُّ مَوْضِعٍ وقَعَتْ فيه "إنَّ" وكان مُستَأْنَفاً كَسَرْتَها، فمِن ذلك قولُه عَزَّ مِن قائلٍ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} و"تَثوبُ" خبرُ "إنَّ", والفعلُ بعدَه معطوفٌ عليه، و"تُحَيْتٍ" تَصغيرُ "تَحتَ"، وإنما صَغَّرَه لأنَّ مُرادَه أنها قَريبةٌ مِنِّي لا تَبعدُ إذا أَصْدَرْتُها، و"عَلُ" ظَرْفٌ أيضاً؛ لأنَّ المعنى تَأتِي مِن أسفلَ وأعلى، و"عَلُ" مأخوذٌ مِن العُلُوِّ، يُستعملُ على وُجوهٍ؛ عَلِ بكسْرِ اللامِ، أيْ مِن مكانٍ عالٍ، قالَ امرؤُ القَيْسِ:
كجُلمودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السيْلُ مِن عَلِ
وعَلَ بفتْحِ اللامِ، قالَ أبو النَّجْمِ:
باتَتْ تَنوشُ الْحَوْضَ نَوْشاًَ مِن عَلاَ
وعَلُ بضمِّ اللامِ قالَ الشاعِرُ:
في كِناسٍ ظَاهِرٍ يَسْتُرُهُ = مِن عَلُ الشِّفَّانِ هُدَّابُ الفَنَنْ
و"مِن" لابتداءِ غايةِ الإتيانِ، أيْ ابتداءُ الإتيانِ مِن هذا الْمَوْضِعِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لامية, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir