باب صلاة العيدين
1/453 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ)). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
(عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَقَالَ بَعْدَ سِيَاقِهِ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّ مَعْنَى هَذَا الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمُعْظَمِ النَّاسِ. انْتَهَى بِلَفْظِهِ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْعِيدَيْنِ الْمُوَافَقَةُ لِلنَّاسِ، وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِمَعْرِفَةِ يَوْمِ الْعِيدِ بِالرُّؤْيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُمْ فِي الصَّلاةِ وَالإِفْطَارِ وَالأُضْحِيَّةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: حَسَنٌ. وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُ كُرَيْبٌ: إنَّهُ صَامَ أَهْلُ الشَّامِ وَمُعَاوِيَةُ بِرُؤْيَةِ الْهِلالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالشَّامِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ آخِرَ الشَّهْرِ، وَأَخْبَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَوَلا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَالنَّاسِ؟ قَالَ: لا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ كُرَيْباً مِمَّنْ رَآهُ، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَيَقِّناً أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ. وَذَهَبَ إلَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ: يَجِبُ مُوَافَقَةُ النَّاسِ، وَإِنْ خَالَفَ يَقِينَ نَفْسِهِ.
وَكَذَا فِي الْحَجِّ؛ لأَنَّهُ وَرَدَ: ((وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تَعْرِفُونَ)). وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالُوا: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي نَفْسِهِ بِمَا تَيَقَّنَهُ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا يُخَالِفُ النَّاسَ؛ فَإِنَّهُ إذَا انْكَشَفَ بَعْدَ الْخَطَأِ فَقَدْ أَجْزَأَهُ مَا فَعَلَ.
قَالُوا: وَتَتَأَخَّرُ الأَيَّامُ فِي حَقِّ مَنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ وَعَمِلَ بِالأَصْلِ، وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ لاخْتِلافِ الْمَطَالِعِ فِي الشَّامِ وَالْحِجَازِ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِداً لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ كُرَيْباً بِالْعَمَلِ بِخِلافِ يَقِينِ نَفْسِهِ، فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لا يَعْمَلُونَ بِذَلِكَ؛ لأَحَدِ الأَمْرَيْنِ.