دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 08:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صلاة الخوف كيفيتها وهيئتها


بابُ صَلَاة الخوْفِ
عن صالحِ بنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مع رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ ذاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أنَّ طائفةً صَلَّتْ معه وطائفةً وُجَاهَ العَدُوِّ، فصَلَّى بالذين معه رَكعةً، ثُمَّ ثَبَتَ قائمًا وأَتَمُّوا لأنفسِهم ثُمَّ انْصَرَفوا فصَفُّوا وُجَاهَ العَدُوِّ، وجاءَتِ الطائفةُ الأُخْرَى فصَلَّى بهم الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ ثُمَّ ثَبَتَ جالسًا وأَتَمُّوا لأَنْفُسِهم، ثُمَّ سَلَّمَ بهم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظُ مسلِمٍ. ووَقَعَ في (الْمَعْرِفَةِ) لابْنِ مَنْدَهْ، عن صالحِ بنِ خَوَّاتٍ، عن أبيه.
وعن ابنِ عمرَ قالَ: غَزَوْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فوَازَيْنَا العدُوَّ فصَافَفْنَاهم، فقامَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بنا، فقامَتْ طَائفةٌ معه وأَقبلَتْ طَائفةٌ عَلَى العَدُوِّ، ورَكَعَ بِمَن معه وسَجَدَ سَجدتينِ ثُمَّ انْصَرَفوا مكَانَ الطائفةِ التي لم تُصَلِّ فجَاءُوا فرَكَعَ بهم رَكعةً وسَجَدَ سَجدتينِ ثُمَّ سَلَّمَ، فقامَ كلُّ واحدٍ منهم فرَكَعَ لنفسِهِ رَكعةً وسَجَدَ سَجدتينِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظُ البخاريِّ.
وعن جابرٍ قالَ: شَهِدْتُ مع رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فصَفَّنَا صَفَّيْنِ، صَفٌّ خَلْفَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ والعَدُوُّ بَيْنَنا وبَيْنَ الْقِبْلَةِ فكَبَّرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ ورَكَعْنَا جَميعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكوعِ ورَفَعْنَا جَميعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بالسجودِ والصفُّ الذي يَلِيهِ، وقامَ الصفُّ المؤَخَّرُ في نَحْرِ العَدُوِّ، فلمَّا قَضَى السُّجودَ قامَ الصفُّ الذي يَلِيهِ. فذَكَرَ الحديثَ. وفي روايَةٍ: ثُمَّ سَجَدَ وسَجَدَ معه الصفُّ الأَوَّلُ، فلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصفُّ الثاني، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصفُّ الأَوَّلُ وتَقَدَّمَ الثاني. فذَكَرَ مِثلَه. وفي آخِرِه: ثُمَّ سَلَّمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وسَلَّمْنَا جميعًا. رواهُ مسلِمٌ.
ولأبي دَاوُدَ عمِّ أبي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ مِثْلُه، وزادَ: أنها كَانَتْ بعُسْفَانَ.
وللنَّسائيِّ مِن وَجْهٍ آخَرَ، عن جابرٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَلَّى بطائفةٍ مِن أصحابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بآخِرينَ أيضًا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ.
ومِثلُهُ لأبي دَاوُدَ، عن أبي بَكْرَةَ.
وعن حُذيفةَ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بهؤلاءِ رَكعةً، وبهؤلاءِ رَكعةً، ولم يَقْضُوا. رواهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ والنَّسائيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
ومِثلُهُ عندَ ابنِ خُزَيْمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ.
وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ)). رواهُ الْبَزَّارُ بإسنادٍ ضعيفٍ.
وعنه مَرفوعًا: ((لَيْسَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَهْوٌ)). أَخَرَجَهُ الدارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ.


  #2  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 08:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بابُ صَلاةِ الخَوْفِ

1/443 - عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ.
فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِماً، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَت الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِم الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِساً، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَوَقَعَ فِي (الْمَعْرِفَةِ) لابْنِ مَنْدَهْ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ.
(عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ): بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ فَمُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ؛ الأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ، تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ سَمِعَ جَمَاعَةً مِن الصَّحَابَةِ، (عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، فَصَرَّحَ بِمَنْ حَدَّثَهُ فِي الرِّوَايَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَبْهَمَهُ كَمَا هُنَا. (يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ): بِكَسْرِ الرَّاءِ فَقَافٌ مُخَفَّفَةٌ آخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، هُوَ مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ، سُمِّيَت الْغَزَاةُ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ أَقْدَامَهُمْ نُقِبَتْ فَلَفُّوا عَلَيْهَا الْخِرَقَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الأُولَى فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ مِن الْهِجْرَةِ.
(صَلاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ): بِكَسْرِ الْوَاوِ فَجِيمٌ، مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ.
(فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِماً، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا)، فِي مُسْلِمٍ: فَصَفُّوا بِالْفَاءِ، (وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَت الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِم الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِساً، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. وَوَقَعَ فِي الْمَعْرِفَةِ) كِتَابٌ (لابْنِ مَنْدَهْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ فَدَالٌ مُهْمَلَةٌ؛ إمَامٌ كَبِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
(عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ أَبِيهِ)؛ أَيْ: خَوَّاتٍ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ، فَذَكَرَ الْمُبْهَمَ، وأَنَّهُ أَبُوهُ، وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ مَنْ ذَكَرْنَاهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْغَزَاةَ كَانَتْ فِي الرَّابِعَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي، وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ عنهم.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا؛ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حَبَسُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَصَلاَّهُنَّ جَمِيعاً، وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلاةِ الْخَوْفِ، وَالْخَنْدَقُ بَعْدَ ذَاتِ الرِّقَاعِ سَنَةَ خَمْسٍ.
قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوَّلَ صَلاةٍ صَلاَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَوْفِ بِعُسْفَانَ، وَلا خِلافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ عُسْفَانَ كَانَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَعُلِمَ أَنَّهَا بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَبَعْدَ عُسْفَانَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا وَهْمُ أَهْلِ السِّيَرِ، انْتَهَى.
وَمَنْ يَحْتَجُّ بِتَقْدِيمِ شَرْعِيَّتِهَا عَلَى الْخَنْدَقِ عَلَى رِوَايَةِ أَهْلِ السِّيَرِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لا تُصَلَّى صَلاةُ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ؛ وَلِذَا لَمْ يُصَلِّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْحَدِيثِ فِي كَيْفِيَّةِ صَلاتِهَا وَاضِحَةٌ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهَا جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ وَمِن الآلِ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا فِي الثُّنَائِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ ثُلاثِيَّةً انْتَظَرَ فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، وَتُتِمُّ الطَّائِفَةُ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ، وَكَذَلِكَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا تُصَلَّى صَلاةُ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ، وَيَنْتَظِرُ فِي التَّشَهُّدِ أَيْضاً. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ مُطَابِقٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ الْجَلِيلُ؛ لِقَوْلِهِ: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}.
وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْمُعْتَادِ مِن الصَّلاةِ فِي تَقْلِيلِ الأَفْعَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلصَّلاةِ وَلِمُتَابَعَةِ الإِمَامِ.
2/444 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَاهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاؤُوا فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُما قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ): بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ؛ أَيْ: جِهَةَ، (نَجْدٍ) نَجْدٌ: كُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ بِلادِ الْعَرَبِ، (فَوَازَيْنَا): بِالزَّايِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ؛ قَابَلْنَا، (الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَاهُمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا) فِي الْمَغَازِي مِن الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا صَلاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ: " فَصَلَّى لَنَا " بِاللاَّمِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: أَيْ لأَجْلِنَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةً بِالْمُوَحَّدَةِ، وَفِيهِ: (يُصَلِّي) بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، (فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا)؛ أَي: الَّذِينَ صَلُّوا مَعَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا أَتَوْا بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَلا سَلَّمُوا مِنْ صَلاتِهِمْ، (مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاؤُوا فَرَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ).
قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ تَخْتَلِف الطُّرُقُ عَن ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى التَّعَاقُبِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَإِلاَّ اسْتَلْزَمَ تَضْيِيعَ الْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَإِفْرَادَ الإِمَامِ وَحْدَهُ، وَيُرَجِّحُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلاءِ؛ أَي: الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَصَلُّوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلُّوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا. انْتَهَى.
وَالطَّائِفَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، حَتَّى عَلَى الْوَاحِدِ، حَتَّى لَوْ كَانُوا ثَلاثَةً جَازَ لِلإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ بِوَاحِدٍ وَالثَّالِثُ يَحْرُسُ ثُمَّ يُصَلِّيَ مَعَ الإِمَامِ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ جَمَاعَةُ الْخَوْفِ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ وَالَتْ بينَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَت الطَّائِفَةُ الأُولَى بَعْدَهَا، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ.


3/445- وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ؛ صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى السُّجُودَ قَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، وَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَفِي أَوَاخِرِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعاً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ؛ صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ)؛ أَيْ: انْحَدَرَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ مِنْ دُونِ تَأْكِيدٍ؛ لأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْفَصْلُ، (وَأَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى السُّجُودَ قَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ).
تَمَامُهُ: انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعاً.
ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّراً فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعاً.
وَقَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ. انْتَهَى لَفْظُ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ): هِيَ فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وَفِيهَا تَعْيِينُ الْقَوْمِ الَّذِينَ حَارَبُوهُمْ، وَلَفْظُهَا: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْماً مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالاً شَدِيداً، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وَقَالُوا إنَّهَا سَتَأْتِيهِمْ صَلاةٌ هِيَ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِن الأُولَى، فَلَمَّا حَضَرَت الْعَصْرُ.. إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ، فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي. فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قَالَ: فَقَامُوا مَقَامَ الأَوَّلِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا، وَرَكَعَ وَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ وَقَامَ الثَّانِي، فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي جَلَسُوا جَمِيعاً.
وَفِي أَوَاخِرِهِ: ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعاً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يُخَالِفُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا تُمْكِنُ الْحِرَاسَةُ مَعَ دُخُولِهِمْ جَمِيعاً فِي الصَّلاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحِرَاسَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي حَالِ السُّجُودِ فَقَطْ، فَيُتَابِعُونَ الإِمَامَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَيَحْرُسُ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي حَالِ السَّجْدَتَيْنِ بِأَنْ يَتْرُكُوا الْمُتَابَعَةَ لِلإِمَامِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ عِنْدَ قِيَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، وَيَتَقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ إلَى مَحَلِّ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ، وَيَتَأَخَّرُ الْمُقَدَّمُ لِيُتَابِعَ الْمُؤَخَّرُ الإِمَامَ فِي السَّجْدَتَيْنِ الأَخِيرَتَيْنِ، فَيَصِحُّ مَعَ كُلٍّ مِن الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَابَعَةُ فِي سَجْدَتَيْنِ.
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ أَنَّهَا لا تَكُونُ الْحِرَاسَةُ إلاَّ حَالَ السُّجُودِ فَقَطْ دُونَ حَالِ الرُّكُوعِ؛ لأَنَّ حَالَ الرُّكُوعِ لا يَمْتَنِعُ مَعَهُ إدْرَاكُ أَحْوَالِ الْعَدُوِّ. وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ لا تُوَافِقُ ظَاهِرَ الآيَةِ، وَلا تُوَافِقُ الرِّوَايَةَ الأُولَى عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، وَلا رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهَا تَخْتَلِفُ الصِّفَاتُ بِاخْتِلافِ الأَحْوَالِ.
4/446 - وَلأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، وَزَادَ: إنَّهَا كَانَتْ بِعُسْفَانَ.
(وَلأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ) مِثْلُهُ؛ أَيْ: مِثْلُ رِوَايَةِ جَابِرٍ هَذِهِ، (وَزَادَ) تَعْيِينُ مَحَلِّ الصَّلاةِ (أَنَّهَا كَانَتْ بِعُسْفَانَ): بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَفَاءٌ آخِرُهُ نُونٌ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.


5/447 - وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِآخَرِينَ أيضاً رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ.
(وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ) غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ مُسْلِمٌ، (عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِآخَرِينَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ) فَصَلَّى بِإِحْدَاهُمَا فَرْضاً وَبِالأُخْرَى نَفْلاً لَهُ.
وَعَمِلَ بِهَذَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لا يَصِحُّ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُفْتَرِضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، وَلا دَلِيلَ عَلَى النَّسْخِ.
6/448- وَمِثْلُهُ لأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
(وَمِثْلُهُ لأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ)، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَالْقَوْمُ ثَلاثاً ثَلاثاً.


7/449 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ بِهَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ بِهَؤُلاءِ رَكْعَةً وَبِهَؤُلاءِ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ). وَمِثْلُهُ:
8/450 - عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
( عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ) وَهَذِهِ الصَّلاةُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ صَلاَّهَا حُذَيْفَةُبِطَبَرِسْتَانَ، وَكَانَ الأَمِيرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، فَصَلَّى بِهِمْ هَذِهِ الصَّلاةَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَن ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ زَيْدٌ: فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ.
وَأَخْرَجَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعاً، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً. وَأَخَذَ بِهَذَا عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ، فَقَالُوا: يُصَلِّي فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ رَكْعَةً يُومِئُ إيمَاءً.
وَكَانَ إِسْحَاقُ يَقُولُ: تُجْزِئُكَ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ تُومِئُ لَهَا إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ، فَإِنْ لَمْ فَتَكْبِيرَةٌ؛ لأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ.


9/451- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَلاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ)). رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ).
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَّهَا بِذِي قَرَدٍ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: لا يَثْبُتُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حَقِّ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَقَدْ قَالَ بِهِ الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ بِهِ مِن الصَّحَابَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ خَمْسَ كَيْفِيَّاتٍ لِصَلاةِ الْخَوْفِ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ثَمَانِي كَيْفِيَّاتٍ؛ مِنْهَا هَذِهِ الْخَمْسُ، وَزَادَ ثَلاثاً. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: قَدْ رُوِيَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ كَيْفِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْكَيْفِيَّةَ الْوَارِدَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِقُوَّةِ الإِسْنَادِ، وَمُوَافَقَةِ الأُصُولِ فِي أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لا يُتِمُّ صَلاتَهُ قَبْلَ الإِمَامِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهاً.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ، أَصَحُّهَا سِتَّ عَشْرَةَ رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً. وَقَالَ النَّوَوِيُّ نَحْوَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْهَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ بَيَّنَهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَزَادَ وَجْهاً، فَصَارَتْ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَدَاخَلَ. وَقَالَ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ: صَلاَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ مَرَّاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: صَلاَّهَا أَرْبَعاً وَعِشْرِينَ مَرَّةً، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: صَلاَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَحَرَّى مَا هُوَ الأَحْوَطُ لِلصَّلاةِ وَالأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ، فَهِيَ عَلَى اخْتِلافِ صُورَتِهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى. انْتَهَى.
10/452 - وَعَنْهُ مَرْفُوعاً: ((لَيْسَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ سَهْوٌ)). أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
(وَعَنْهُ)؛ أَي ابْنِ عُمَرَ، (مَرْفُوعاً: لَيْسَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ سَهْوٌ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ)، وَهُوَ مَعَ هَذَا مَوْقُوفٌ، قِيلَ: وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِن الْعُلَمَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ شُرِطَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ شُرُوطٌ؛ مِنْهَا السَّفَرُ، فَاشْتَرَطَهُ جَمَاعَةٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} الآيَةَ، وَلأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّهَا فِي الْحَضَرِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لا يُشْتَرَطُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ}؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ}، فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّقْيِيدِ بِالضَّرْبِ فِي الأَرْضِ، وَلَعَلَّ الأَوَّلِينَ يَجْعَلُونَهُ مُقَيَّداً بِالضَّرْبِ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ الضَّرْبُ فِي الأَرْضِ. وَالْكَلامُ مُسْتَوْفًى فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ آخَرَ الْوَقْتِ؛ لأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ صَلاةِ الأَمْنِ، لا تُجْزِئُ إلاَّ عِنْدَ الْيَأْسِ مِن الْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لِلْقَائِلِينَ بِذَلِكَ، وَهُم الْهَادَوِيَّةُ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ: تُجْزِئُ أَوَّلَ الْوَقْتِ؛ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الأَوْقَاتِ.
وَمِنْهَا حَمْلُ السِّلاحِ حَالَ الصَّلاةِ، اشْتَرَطَهُ دَاوُدُ، فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ إلاَّ بِحَمْلِهِ، وَلا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، وَأَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّاصِرُ؛ لِلأَمْرِ بِهِ فِي الآيَةِ، وَلَهُمْ فِي السِّلاحِ تَفَاصِيلُ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِنْهَا أَنْ لا يَكُونَ الْقِتَالُ مُحَرَّماً، سَوَاءٌ كَانَ وَاجِباً عَيْناً أَوْ كِفَايَةً. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي مَطْلُوباً لِلْعَدُوِّ لا طَالِباً؛ لأَنَّهُ إذَا كَانَ طَالِباً أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلاةِ تَامَّةً، أَوْ يَكُونَ خَاشِياً لِكَرِّ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ.
وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْفُرُوعِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَحْوَالِ شَرْعِيَّتِهَا، وَلَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ فِي الشَّرْطِيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْعِيَّةَ هَذِهِ الصَّلاةِ مِنْ أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ.


  #3  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 08:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بابُ صلاةِ الخوفِ

* مُقَدِّمَةٌ
الخوْفُ: نَقِيضُ الأَمْنِ، ولصلاةِ الخوْفِ هيئاتٌ وحالاتٌ خاصَّةٌ، لا تُغْتَفَرُ في حالِ الأَمْنِ، وتَختلفُ هَيْئَاتُها وحالاتُها وصِفاتُها بِحَالِ العَدُوِّ، مِنْ قُرْبِهِ أوْ بُعْدِهِ، ومِنْ شِدَّةِ الخوْفِ أوْ خِفَّتِهِ، ومِن الْجِهَةِ التي هوَ فيها.
وليسَ للخوْفِ تأثيرٌ في عددِ رَكْعاتِ الصلاةِ على الرَّاجحِ.
وسِرُّ شَرْعِها - واللَّهُ أَعْلَمُ- أمرانِ:
أحدُهما: التيسيرُ على هذهِ الأُمَّةِ.
والثاني: المحافَظَةُ على أداءِ الصلاةِ في وَقْتِها.
وصلاةُ الخوفِ ثابتةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وعندَ جُمهورِ الفُقهاءِ.
فأمَّا الكتابُ فقولُهُ تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الآيَةَ. [النساء: 102].
وأمَّا السُّنَّةُ: فقدْ ثَبَتَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ صَلَّى صَلاةَ الخوفِ في أَرْبَعةِ مَواضعَ؛ هيَ: بَطْنُ نَخلةَ، وعُسْفَانُ، وذِي قَرَدٍ، وذاتُ الرِّقاعِ، وسَيَأْتِي تحديدُ أماكنِها في شرْحِ الأحاديثِ إنَْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
اتَّفَقَ الفقهاءُ على أَمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ يَجوزُ للغُزاةِ أنْ يُصَلُّوها بإِمامَيْنِ، كلُّ طائفةٍ بإمامٍ.
الثاني: إذا اشتَدَّ الخوفُ، وتَعذرَّت الجماعةُ، فَلَهُم صلاتُها فُرَادَى في خَنَادِقِهم وموَاقِفِهم، ومَهْمَا حَصَلَ منهم مِنْ حركةٍ وَعَدْوٍ واستدبارٍ للقِبلةِ، فهوَ مَعْفُوٌّ عنهُ، ويَركعونَ ويَسْجُدُونَ إِيماءً.
أمَّا صلاتُها جماعةً بإمامٍ واحدٍ فتَجوزُ في كلِّ صفةٍ صَحَّت عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وقدْ جاءَت الأخبارُ بأنَّها ستَّةَ عشرَ نَوعاً، والمشهورُ مِنْ ذلكَ سِتُّ أوْ سبْعُ صفاتٍ، أجازَها كلَّها الإمامُ أحمدُ، واختارَ منها حديثَ سهْلِ بن أبي حَثْمَةَ الأنصاريِّ الأَوْسِيِّ السَّاعِدِيِّ؛ لأنَّهُ أَشْبَهُ بما جاءَ في الكتابِ، ولأنَّهُ أَحْوَطُ للصلاةِ، وأحوَطُ أيضاً في حالةِ الحربِ، وأَتْقَى للعدوِّ، وأقَلُّ في الحركةِ والأفعالِ.
ونَستفيدُ مِنْ مَشروعيَّةِ صلاةِ الخوفِ كُلِّها بصفاتِها الخفيفةِ والثقيلةِ أَمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: عِظَمُ أمْرِ الصلاةِ، وشدَّةُ الاهتمامِ بها، والحرْصُ على أدائِها في وَقْتِها؛ فإنَّهُ لم يُعْذَر المسلِمُ في أَدَائِها حتَّى في هذهِ الحالِ التي يَشْتَدُّ فيها القِتالُ، ويَختلِطُ المسلمونَ فيها بعَدُوِّهم، ويَشْتَبِكُونَ بالسلاحِ الأبيضِ، فإذا بَلَغَ الأمْرُ هذا الْمَبلَغَ بالاهتمامِ بالصلاةِ، فكيفَ يَتساهَلُ بها ويُفَوِّتُها الوَادِعُونَ في بُيوتِهم وفُرُشِهم؟! إِنَّ هذا شيءٌ عَجيبٌ غريبٌ.
الثاني: عِظَمُ الْجِهادِ في سبيلِ اللَّهِ، وأَهَمِّيَّتُهُ والقيامُ بهِ، حتَّى بَلَغَ أنَّهُ سُومِحَ لأَجْلِهِ بالإخلالِ بالصلاةِ المفروضةِ، وترْكِ الكثيرِ مِنْ أركانِها، والإتيانِ بما يُنَافِيها مِن الكرِّ والفرِّ، واستدبارِ القِبلةِ، وتَرْكِ الركوعِ والسجودِ والقُعودِ وغيرِ ذلكَ في الصلاةِ، كُلُّ ذلكَ لأجْلِ القِيامِ بأمْرِ الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ؛ لإعلاءِ كلمةِ اللَّهِ، ونَشْرِ دِينِهِ، وبَثِّ دَعوتِهِ.
وما أصابَ المسلمينَ مِن الذُّلِّ والْمَهانةِ والْحَقارةِ إلاَّ بتَرْكِهم الجهادَ في سبيلِ اللَّهِ، ورُكُونِهم إلى الدُّنيا والدَّعَةِ والإخلادِ إلى الأرضِ، يُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا، واللَّهُ يُرِيدُ الآخرةَ، واللَّهُ عزيزٌ حكيمٌ.
387- عنْ صالحِ بنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى معَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَوْمَ ذاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ الْخَوْفِ، أنَّ طائفةً صَلَّتْ مَعَهُ، وطائفةً وِجَاهَ العَدُوِّ، فصَلَّى بالذينَ معهُ رَكعةً، ثمَّ ثَبَتَ قائماً، وأَتَمُّوا لأنفسِهم، ثمَّ انْصَرَفوا فصَفُّوا وِجَاهَ العَدُوِّ، وجاءَت الطائفةُ الأُخْرَى فصَلَّى بهم الرَّكْعَةَ التي بَقِيَتْ، ثمَّ ثَبَتَ جالساً، وأَتَمُّوا لأَنْفُسِهم، ثمَّ سَلَّمَ بهم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظُ مسلِمٍ. ووَقَعَ في الْمَعْرِفَةِ لابْنِ مَنْدَهٍ عنْ صالحِ بنِ خَوَّاتٍ عنْ أبيهِ.
* مُفْرَدَاتُ الحديثِ:
- خَوَّاتٍ: بفَتْحِ الخاءِ وتشديدِ الواوِ، هوَ صالحُ بنُ خَوَّاتٍ، مِن التابعينَ المشهورينَ.
- ذاتِ الرِّقاعِ: صاحبةُ الرِّقاعِ، بكسرِ الراءِ وفتْحِ القافِ المخفَّفَةِ ثمَّ أَلِفٍ، وآخرُهُ عينٌ مُهْمَلَةٌ، جَمْعُ: الرُّقْعَةِ مِن الجلْدِ أوْ نحوِها، وهيَ غزوةٌ مِنْ غزواتِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قِبَلَ نجْدٍ إلى غَطَفَانَ، وسُمِّيَتْ ذاتَ الرِّقاعِ؛ لأنَّهُ يَوْمَها أُصيبَ الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وهم حُفاةٌ، مِنْ خُشونَةِ الأرضِ، فلَفُّوا على أقدامِهم رِقَاعاً.
- صلاةَ الخوفِ: مِنْ خافَ يَخافُ خَوْفاً وخِيفةً ومَخافةً، وهوَ ضِدُّ الأمْنِ. والخوفُ لُغَةً: تَوَقُّعُ مكروهٍ عنْ أَمارةٍ مَظْنُونَةٍ أوْ معلومةٍ.
والمرادُ هنا: حُكْمُ صلاةِ الخوفِ حالَ كونِ الْمُصَلِّينَ رِجالاً ورُكباناً، حَسَبَ حالةِ العدُوِّ وجِهَتِهِ.
وأُضِيفَت الصلاةُ إلى الخوْفِ مِنْ بابِ إضافةِ الشيءِ إلى سَبَبِهِ، باعتبارِهِ خاصًّا بها، لا باعتبارِ أصْلِ الْمَشروعيَّةِ؛ لأنَّ الصلواتِ الخمْسَ مَشروعةٌ بدُونِ خَوْفٍ.
- طَائِفَةً: يُقالُ: طافَ بالشيءِ يَطوفُ طَوْفاً وطَوَافاً: استدارَ بهِ، والطائفةُ: الجماعةُ مِن الناسِ.
قالَ في الْمِصباحِ: وأَقَلُّها ثلاثةٌ، ورُبَّمَا أُطْلِقَتْ على الواحِدِ والاثنَيْنِ.
وقالَ في المحيطِ: الطائفةُ مُؤَنَّثُ: الطائِفِ، أو الواحدُ فصَاعِداً إلى الأَلْفِ، جَمْعُها: طَوائِفُ، قالَ تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]. قالَ ابنُ عبَّاسٍ: الواحدُ فما فَوْقَهُ.
وقالَ في الكُلِّيَّاتِ: الطائفةُ إذا أُرِيدَ بها الجمْعُ فجَمْعُ: طائِفٍ، وإذا أُريدَ بها الواحدُ فيَصِحُّ أنْ تكونَ جَمْعاً، وكُنِّيَ بهِ عن الواحدِ.
- وِجاهَ: مُثَلَّثَةُ الواوِ، هوَ مَصْدَرُ: وَاجَهَ؛ أيْ: تِلْقَاءَهُ وما يُوَاجِهُهُ، وقَعَدَ وِجَاهَهُ؛ أيْ: مُسْتَقْبِلاً لهُ.
- العَدُوِّ: ضِدُّ الوَلِيِّ والصَّدِيقِ، للواحدِ والجمْعِ، والذكَرِ والأُنْثَى، وقدْ يُثَنَّى ويُجْمَعُ ويُؤَنَّثُ، جَمْعُهُ: أعداءٌ.
- ثَبَتَ: قالَ في الْمِصباحِ: ثَبَتَ الشيءُ ثُبوتاً: دامَ واسْتَقَرَّ، فهوَ ثابتٌ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- هذا هوَ حديثُ سهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ الأنصاريِّ، الذي اختارَهُ الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَشْبَهُ بكتابِ اللَّهِ، وأحوَطُ لِجُنْدِ اللَّهِ، وأَسْلَمُ للصلاةِ مِن الأفعالِ، وهذهِ صلاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بذاتِ الرِّقاعِ، وهيَ أحَدُ الأوجهِ الستَّةِ المشهورةِ.
2- غزوةُ ذاتِ الرِّقاعِ سُمِّيَتْ بذلكَ؛ لأنَّ أرْجُلَ الصحابةِ نُقِبَتْ مِن الحَفَاءِ، فلَفُّوا عليها الْخِرَقَ والرِّقاعَ، وأمَّا مَكَانُها فيُقالُ لهُ: بَطْنُ نَخلةَ، اسمُ مَوْضِعٍ شَرْقَ شمالِ المدينةِ الْمُنَوَّرَةِ بمسافةِ (100) كِيلُو مترٍ عندَ قَريَةِ الحناكِيَّةِ، غَزَا فيها قبيلةَ غَطَفَانَ، جماعةَ عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنٍ الفَزَارِيِّ، ويُقَالُ: إنَّهُم قبيلةُ مَطِيرٍ المعروفةُ الآنَ.
3- مشروعيَّةُ الصلاةِ على هذهِ الكيفيَّةِ المُفَصَّلَةِ في الحديثِ:
ذلكَ أنَّ العدُوَّ في هذهِ الغزوةِ في غيرِ جِهةِ القِبلةِ، فهنا يُقَسِّمُ الإمامُ الْجُنْدَ طائفتيْنِ: طائفةً تُصَلِّي معهُ، وأُخْرَى تَحْرُسُ المسلمينَ عنْ هُجومِ العَدُوِّ، فيُصَلِّي بالطائفةِ الأُولَى، ثمَّ يُتِمُّونَ لأنْفُسِهم ويُسَلِّمُونَ، ثمَّ يَذهبونَ يَحْرُسُونَ، وتَأتِي الطائفةُ الثانيَةُ، فيُصَلِّي بهم الإمامُ الركعةَ الثانيَةَ في الثنائيَّةِ، والركعتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ في الرُّباعِيَّةِ، والثالثةَ في الْمَغْرِبِ، ويُتِمُّونَ صلاتَهم، ويَنتظِرُهم الإمامُ في التشَهُّدِ، ثمَّ يُسَلِّمُ بهم.
وفي هذا الوجهِ حَصَلَ العدْلُ بينَ الطائفتَيْنِ؛ فإنَّ الأُولَى أدْرَكَتْ معَ الإمامِ تَكبيرةَ الإحرامِ، وأمَّا الطائفةُ الثانيَةُ فأَدْرَكَتْ معهُ التسليمَ.
4- صلاةُ الخوْفِ على هذا الوجهِ إنْ كانت الفجْرَ، أوْ كانَ الإمامُ يَقْصُرُ الصلاةَ؛ فإنَّهُ يُصَلِّي بالطائفةِ الأُولَى ركعةً واحدةً، ويَبْقَى الإمامُ قائماً في الركعةِ الثانيَةِ، ويُتِمُّونَ لأنفُسِهم ويُسَلِّمُونَ، ثمَّ يَذهبونَ للحراسةِ، وإنْ كانت المغرِبَ أوْ رُباعيَّةً صَلَّى بالأُولَى ركعتيْنِ، ثمَّ أَتَمُّوا لأنْفُسِهم وسَلَّمُوا، وذَهَبُوا للحراسةِ.
أمَّا الطائفةُ الثانيَةُ: فإنَّها لَمَّا كانت الأُولَى في الحراسةِ، جاءتْ فصَلَّى بهم الإمامُ ما بَقِيَ مِن الصلاةِ، ثمَّ جَلَسَ للتَّشَهُّدِ، وأَتَمُّوا لأنفُسِهم حتَّى يَلْحَقُوا في التَّشَهُّدِ، فإذا تشَهَّدُوا سَلَّمَ بهم.
5- جوازُ الانتظارِ في صُلْبِ الصلاةِ للمَصْلَحَةِ.
6- وُجُوبُ أخْذِ الْحَيْطَةِ والحذَرِ مِن العدُوِّ، قالَ تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71].
7- ما كابَدَهُ الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عنهم في سبيلِ نُصرةِ الإسلامِ، وإعلاءِ كلمةِ اللَّهِ، والجهادِ في سبيلِهِ، ممَّا صارَ لهُ أَكْبَرَ الأَثَرِ في انتشارِ الإسلامِ، ودخولِ الناسِ فيهِ أَفْوَاجاً، حتَّى عَمَّ الإسلامُ أقطارَ المعمورةِ، وصارَ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ، فرَضِيَ اللَّهُ عنهم وأَرْضَاهُم، ورَزَقَ المسلمينَ الاقتداءَ بهم، واحتذاءَ أفْعَالِهم، حتَّى يُعِيدُوا عِزَّ الإسلامِ ومَنْعَتَهُ وقُوَّتَهُ، إنَّهُ القادرُ على ذلكَ، وصلَّى اللَّهُ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.
8- مَشْرُوعِيَّةُ صَلاةِ الخوْفِ عندَ سَبَبِها، حَضَراً أوْ سَفَراً، تَخْفِيفاً على الأُمَّةِ، ومعونةً لهم على الجهادِ، وأداءً للصلاةِ في جماعةٍ، وفي وَقْتِها الْمُحَدَّدِ.
9- أنَّ الحركةَ الكثيرةَ لِمَصْلَحَةِ الصلاةِ أوْ للغَزْوِ لا تُبْطِلُ الصلاةَ.
10- الحرْصُ الشديدُ على الإتيانِ بالصلاةِ في وَقْتِها معَ الجماعةِ؛ فقدْ سَمَحَ بأدائِها على هذهِ الكيفيَّةِ؛ مُحافَظَةً على ذلكَ.
11- فيهِ أكْبَرُ دليلٍ على أهَمِّيَّةِ الصلاةِ قي وَقْتِها، والصلاةِ جماعةً؛ فقدْ تُرِكَ لأجْلِ المحافَظَةِ على الوقتِ والجماعةِ كَثِيرٌ مِن الأركانِ والواجباتِ الهامَّةِ، واغْتُفِرَتْ فيها الحركةُ والذهابُ والإِيَابُ، فكيفَ بعدَ هذا نَتساهَلُ بالوقتِ أو الجماعةِ في حالةِ الأَمْنِ والدَّعَةِ؟! إنَّ هذا لَمِنَ العَجَبِ، ومِنْ عَدَمِ التَّفَقُّهِ في الدِّينِ.
12- الصَّلاةُ بالغُزَاةِ على هذهِ الكيفيَّةِ كُلُّها لِمَأْمُومِينَ مُتساوِينَ في الصلاةِ معَ قائدِهم، والحرْصُ على العدْلِ بينَهم في أداءِ الصلاةِ، فيها فائدةٌ كُبْرَى؛ فإنَّها تُشْعِرُهم بأنَّهُم أُمَّةٌ واحدةٌ، وأنَّهُم يَدٌ واحدةٌ، ممَّا يَجْمَعُ كَلِمَتَهم، ويُوَحِّدُ صَفَّهُم، ويُؤَلِّفُ قلوبَهم، ويُشْعِرُهم بالوَحدةِ التامَّةِ، ولِهَذَا اغْتُفِرَ فيها كثيرٌ مِن المخالَفاتِ في أفعالِ الصلاةِ.
388- وعن ابنِ عمرَ قالَ: غَزَوْتُ معَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فوَازَيْنَا العدُوَّ فصَافَفْنَاهم، فقامَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بنا، فقامَتْ طَائفةٌ معهُ، وأَقبلَتْ طَائفةٌ عَلَى العَدُوِّ، ورَكَعَ بِمَنْ معَهُ وسَجَدَ سَجدتَيْنِ، ثمَّ انْصَرَفوا مكَانَ الطائفةِ التي لم تُصَلِّ، فجَاؤُوا فرَكَعَ بهم رَكعةً، وسَجَدَ سَجدتَيْنِ، ثمَّ سَلَّمَ، فقامَ كلُّ واحدٍ منهم فرَكَعَ لنفسِهِ رَكعةً وسَجَدَ سَجدتَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللفظُ للبخاريِّ.
*مفرداتُ الحديثِ:
- قِبَلَ نَجْدٍ: بكَسرِ القافِ وفتْحِ الباءِ؛ أيْ: جِهَةَ نَجْدٍ.
- نَجْدٍ: بفَتْحِ النونِ وسكونِ الجيمِ، وآخِرُهُ دالٌ مُهْمَلَةٌ، هيَ لُغَةً: كلُّ ما ارْتَفَعَ مِن الأرضِ، وَحَدُّها: مِنْ سُفوحِ جِبالِ السَّرَواتِ الشرقيَّةِ إلى أطرافِ العراقِ.
- فوَازَيْنَا العدُوَّ: بالزايِ بَعْدَها مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ؛ أيْ: قابَلْنَا العَدُوَّ وحاذَيْنَاهُ، وقدْ تُبْدَلُ الواوُ همزةً، فيُقالُ: إِزَاءَ.
- العدُوَّ: هوَ للمُذَكَّرِ والمؤنَّثِ، والواحدِ والجمْعِ، ويُجْمَعُ على: عِدًى وأعداءٍ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- الصفةُ الثانيَةُ مِنْ صلاةِ الخوْفِ، أحَدُ الأوْجُهِ الستَّةِ المشهورةِ، وحديثُها هذا في الصحيحَيْنِ، ورَاوِيهَا أحَدُ الغُزاةِ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
2- صِفةُ هذهِ الصلاةِ أنْ يَجَعْلَ الإمامُ الناسَ طائفتَيْنِ: طائفةً تَحْرُسُ تِجاهَ العَدُوِّ، وطائفةً تُصَلِّي معَهُ، فيُصَلِّي بالطائفةِ الأُولَى ركعةً وسَجدتَيْنِ، ثمَّ تَمْضِي إلى جِهةِ العدُوِّ للحِراسةِ، بدونِ إتمامِ صلاتِهم.
ثمَّ تَأْتِي الطائفةُ الثانيَةُ، فيُصَلِّي بهم الإمامُ ركعةً وسَجدتَيْنِ، ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ وَحْدَهُ لتمامِ صلاتِهِ، ثمَّ تَعودُ هذهِ الطائفةُ إلى مكانِ حراستِها بدونِ سلامٍ، ثمَّ تأتي الطائفةُ الأُولَى إلى مكانِها الأوَّلِ، وتُصَلِّي في مكانِها؛ تَقْلِيلاً للمَشْيِ، فتُتِمُّ صلاتَها وَحْدَهَا، ثمَّ تأتِي الطائفةُ الثانيَةُ فتُتِمُّ صلاتَها وَحْدَها؛ لأنَّهُم لم يَدْخُلوا معَ الإمامِ في أوَّلِ الصلاةِ.
3- وهذهِ الصفةُ تَنَقُّلاَّتُها وحركاتُها كثيرةٌ، وليسَ فيها تمامُ الاقتداءِ بالإمامِ، فالصِّفَةُ الأُولَى أفْضَلُ منها، وقد اختارَ هذهِ الكَيْفِيَّةَ الْحَنَفِيَّةُ.
4- صلاةُ الخوْفِ ليسَ لها تأثيرٌ في إتمامِ الصلاةِ أوْ قَصْرِها، فإنْ كَانُوا في الْحَضَرِ أَتَمُّوا الصلاةَ، وإنْ كانوا في السفَرِ قَصَرُوها، وإنَّما الذي يُؤَثِّرُ فيها شِدَّةُ الخوْفِ، وذلكَ بتَرْكِ بعْضِ شُروطِ الصلاةِ وأركانِها، وكثرةِ الحركةِ بالكَرِّ والفَرِّ، والذهابِ والإيابِ.
5- هذهِ الصفَةُ الثانيَةُ التي مَعَنَا قدْ قُصِرَتْ فيها الصلاةُ، فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ لم يُصَلِّ بكلِّ طائفةٍ إلاَّ ركعةً واحدةً، وكلُّ طائفةٍ صَلَّتْ لنَفْسِها ركعةً واحدةً، وصلَّى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ لنَفْسِهِ ركعتَيْنِ.
389- وعنْ جابرٍ قالَ: شَهِدْتُ معَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ صَلاةَ الْخَوْفِ، فصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صَفٌّ خَلْفَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، والعَدُوُّ بَيْنَنا وبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فكَبَّرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، وَكَبَّرْنَا جَمِيعاً، ثمَّ رَكَعَ ورَكَعْنَا جَميعاً، ثمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِن الرُّكوعِ ورَفَعْنَا جَميعاً، ثمَّ انْحَدَرَ بالسجودِ والصفُّ الذي يَلِيهِ، وقامَ الصفُّ المُؤَخَّرُ في نَحْرِ العَدُوِّ، فلمَّا قَضَى السُّجودَ قامَ الصفَّ الذي يَلِيهِ. فذَكَرَ الحديثَ.
وفي روايَةٍ: ثمَّ سَجَدَ وسَجَدَ معَهُ الصفُّ الأَوَّلُ، فلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصفُّ الثاني، ثمَّ تَأَخَّرَ الصفُّ الأَوَّلُ وتَقَدَّمَ الثاني. فذَكَرَ مِثلَهُ، وفي آخِرِهِ: ثمَّ سَلَّمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وسَلَّمْنَا جميعاً. رواهُ مسلِمٌ.
ولأبي دَاوُدَ عَنْ أبي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ مِثْلُهُ، وزادَ: أنَّها كَانَتْ بعُسْفَانَ.
* مفرداتُ الحديثِ:
- عُسْفَانُ: تَقَدَّمَ تحديدُهُ، وغزوةُ عُسفانَ سَنَةَ سِتٍّ، كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ ومعهُ أصحابُهُ مُحْرِمِينَ في عُمرةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فوَجَدُوا خالدَ بنَ الوليدِ على خَيْلِ المشرِكِينَ بعُسْفَانَ في مِائَتَيْ فارِسٍ، ففاتَهُم الهجومُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ وأصحابِهِ في صلاةِ الظُّهْرِ، فاستَعَدُّوا للَّهجومِ عليهم إذا دَخَلُوا في صلاةِ العصْرِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ صلاةَ الخوْفِ، ففاتَت الفرْصَةُ خالداً، وللَّهِ الحمْدُ. فهذهِ هيَ أوَّلُ صلاةِ خَوْفٍ. ثمَّ إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بدَّلَ الطريقَ فاتَّجَهَ إلى الْحُدَيْبِيَةِ، فوَقَعَ الصلْحُ المشهورُ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- هذا الوجهُ الثالثُ مِنْ صلاةِ الخوْفِ، وهذهِ الصفَةُ: العدُوُّ بينَهم وبينَ القِبلةِ، وكانتْ بعُسفانَ، وهيَ أوَّلُ صلاةِ خَوْفٍ صُلِّيَتْ، ذلكَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ لَمَّا جاءَ إلى مكَّةَ مُعْتَمِراً عُمرةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وعَلِمَ بهِ كُفَّارُ مَكَّةَ، بَعَثُوا خالدَ بنَ الوليدِ في مِائتَيْ فارِسٍ، فصادَفُوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بعُسفانَ، فوَقَفَ في نُحُورِهم يَتَحَيَّنُ الفُرْصَةَ لِيَهْجُمَ عليهم، وصَلَّى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بأصحابِهِ صلاةَ الظهْرِ، وتَأَسَّفَ المشركونَ أنْ لوْ كَانُوا هَجَمُوا عليهم، فانْتَظَروا إلى صلاةِ العصْرِ، فنَزَلَ الوحيُ بِمَشروعيَّةِ صلاةِ الخوفِ، فلم يَكُنْ للمشركينَ فُرصةٌ، وللَّهِ الْحَمْدُ.
2- عُسفانُ: قرْيَةٌ عامرةٌ الآنَ، فيها مدارسُ ومَرَافِقُ حكوميَّةٌ، وتَقَعُ على الطريقِ الْمُسَمَّى الآنَ طريقَ الهجرةِ، الطريقِ السريعِ فيما بينَ مَكَّةَ المُكرَّمَةِ والمدينةِ المنوَّرَةِ، وتَبْعُدُ عنْ مَكَّةَ شَمَالاً بـ(80) كيلو مترٍ.
3- صِفَةُ هذهِ الصلاةِ هيَ أنْ يَصُفَّ الإمامُ الناسَ صَفَّيْنِ فأكثرَ، ويُصَلِّيَ بهم جَمِيعاً ركعةً إلى أنْ يَسْجُدَ، فإذا سَجَدَ الإمامُ سَجَدَ معَهُ الصَّفُّ الأوَّلُ الذي يَلِيهِ، وبَقِيَ الصَّفُّ الثاني قائماً يَحْرُسُ، حتَّى يقومَ الإمامُ إلى الركعةِ الثانيَةِ، فإذا قامَ سَجَدَ الصَّفُ الْمُتَخَلِّفُ، ثمَّ لَحِقُوهُ وهوَ قائمٌ هوَ والصَّفُّ الذي يَلِيهِ.
وفي الركعةِ الثانيَةِ سَجَدَ معَهُ الصَّفُّ الذي حَرَسَ في الركعةِ الأُوَلى، وبَقِيَ الصَّفُّ الآخَرُ قائماً يَحْرُسُ، فإذا جَلَسَ الإمامُ للتشَهُّدِ سَجَدَ الذينَ حَرَسُوا، وتَشَهَّدَ بالطائفتَيْنِ، ثمَّ سَلَّمَ بهم جَمِيعاً.
4- هذهِ صلاةٌ مَقصورةٌ، فلم يُصَلُّوا الرُّباعيَّةَ إلاَّ ركعتَيْنِ، وقدْ خَلَتْ هذهِ الصِّفَةُ مِن التَّنَقُّلاتِ؛ لأنَّ العدُوَّ أَمَامَهم، فالحراسةُ هنا هيَ بقاءُ كلِّ طائفةٍ مَرَّةً قائمةً أمامَ العَدُوِّ، وأُخْتُها تُصَلِّي ركعتَها معَ الإمامِ.
5- يُشْتَرَطُ ألاَّ يُخافَ كَمينٌ للعَدُوِّ يأتي مِنْ خَلْفِ الْمُصَلِّينَ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى يقولُ: {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 102].
6- فيهِ أنَّهُ تَقَدَّمَ الصفُّ الْمُؤَخَّرُ، وتَأَخَّرَ الصفُّ الْمُقَدَّمُ عندَ انتهاءِ كلِّ ركعةٍ للحراسةِ للمُتَأَخِّرَةِ، والإتمامُ للمُتَقَدِّمَةِ، وهذا فيهِ عدْلٌ بينَ الطائفتَيْنِ، وفيهِ قُرْبُ الصفِّ الْمُصَلِّي مِن الإمامِ، وعدَمُ الحائلِ عنهُ، وليسَ هذا مُخِلاًّ بالصلاةِ؛ لأنَّهُ لِمَصْلَحَتِها، ولِمَصْلَحَةِ الحراسةِ.
7- فيهِ ما تَقَدَّمَ أنْ قُلْنَاهُ مِن العِنايَةِ والاهتمامِ بهذَيْنِ الرُّكنَيْنِ العظيميْنِ مِنْ أركانِ الإسلامِ: الصلاةِ المكتوبةِ، والجهادِ الذي هوَ مِن الإسلامِ ذِرْوَتُهُ.
* * *


390- وللنَّسائيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عنْ جابرٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ صَلَّى بطائفةٍ مِنْ أصحابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سَلَّمَ، ثمَّ صَلَّى بِآخَرِينَ أيضاً رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سَلَّمَ.
ومِثلُهُ لأبي دَاوُدَ عنْ أبي بَكْرَةَ.
* دَرَجَةُ الحديثِ:
الحديثُ في البخاريِّ (4125)، ومسلِمٍ (843) بهذا اللفظِ، وزِيَادَةٌ مُفَسِّرَةٌ.
فَعَنْ جابِرٍ قالَ: كُنَّا معَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بذاتِ الرِّقاعِ، وأُقِيمَت الصلاةُ، فصَلَّى بطائفةٍ ركعتيْنِ، ثمَّ تَأَخَّرُوا، وصَلَّى بالطائفةِ الأُخْرَى ركعتيْنِ، فكان للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أرْبَعٌ، وللقومِ رَكعتانِ. متَّفَقٌ عليهِ.
وأمَّا حديثُ أبي بَكْرَةَ، فرَواهُ أبو داوُدَ وابنُ حِبَّانَ والحاكِمُ والدَّارَقُطْنِيُّ، وأعَلَّهُ ابنُ الْقَطَّانِ بأنَّ أبا بَكْرَةَ أسْلَمَ بعْدَ وُقوعِ صلاةِ الخَوْفِ بِمُدَّةٍ.
قالَ الحافِظُ: وهذهِ لَيْسَتْ بعِلَّةٍ؛ فإنَّهُ يكونُ مُرْسَلَ صحَابِيٍّ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- هذا الوجهُ الرابعُ مِنْ صلاةِ الخوْفِ، وقدْ صَلاَّها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في غَزوةِ ذاتِ الرِّقاعِ، فأَصْلُ الحديثِ في الصحيحَيْنِ مِنْ حديثِ جابِرٍ، ولكنْ فيهِ زِيَادَةٌ مفَسِّرَةٌ.
فعنْ جابِرٍ قالَ: كُنَّا معَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بذاتِ الرِّقاعِ، وأُقِيمَت الصلاةُ، فصَلَّى بطائفةٍ ركعتيْنِ، ثمَّ سَلَّم، ثمَّ تَأَخَّرُوا، وصَلَّى بالطائفةِ الأُخْرَى ركعتيْنِ، ثمَّ سلَّمَ، فكانَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أَرْبَعُ ركعاتٍ بسَلامَيْنِ، وللقومِ ركعتانِ.
2- في هذهِ الصِّفةِ الصلاةُ مقصورةٌ، ولكنْ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ الأُولَى فَرْضاً، ثمَّ أعادَها نَفْلاً عَدْلاً بينَ أصحابِهِ.
3- في صلاتِهِ بكُلِّ طائفتيْنِ ركعتيْنِ دَلالةٌ على جَوَازِ صلاةِ المُفْتَرِضِ خلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، كما في قصَّةِ صلاةِ مُعاذٍ بقَوْمِهِ.
4- في الحديثِ دَليلٌ على أنَّ العدْلَ يكونُ حَسَبَ الإمكانِ والطاقةِ؛ فإنَّ الذينَ صَلَّى بهم الفرْضَ أَفْضَلُ مِن الطائفةِ الذينَ صَلَّى بهم وهيَ نافلةٌ، ولكنَّ هذا ما يَمْلِكُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ مِنْ إمكانِ العدْلِ بَيْنَهم.
5- الحديثُ بهذا الوجهِ لا يُعَارِضُ الحديثَ الذي قَبْلَهُ، وإنْ كانَ في غَزْوَةٍ واحدةٍ؛ فإنَّ الصلاةَ تَعَدَّدَتْ في تلكَ الغزوةِ، فتُحْمَلُ هذهِ على فَرْضٍ، والأُخْرَى على فرْضٍ آخَرَ.
* * *


391- وعنْ حُذيفةَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ بهؤلاءِ رَكعةً، وبهؤلاءِ رَكعةً، ولم يَقْضُوا. رواهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ والنَّسائيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
ومِثلُهُ عندَ ابنِ خُزَيْمَةَ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
* درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ، صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقالَ الشَّوْكَانِيُّ في النَّيْلِ: سَكَتَ عنهُ أبو داوُدَ والْمُنْذِرِيُّ والحافِظُ في التلخيصِ، ورجالُ إسنادِهِ رجالُ الصحيحِ، ويَشهَدُ لهُ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ عندَ النَّسائيِّ، وحديثُ جابرٍ عندَ النَّسائيِّ أيضاً، فهذهِ الأحاديثُ تَدُلُّ على أنَّ مِنْ صلاةِ الخوْفِ الاقتصارَ على ركعةٍ لكلِّ طائفةٍ.
* * *
392- وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((صَلاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ)). رواهُ الْبَزَّارُ بإسنادٍ ضعيفٍ.
* درجةُ الحديثِ:
الحديثُ ضعيفٌ، قالَ الشافعيُّ: لا يَثْبُتُ، وضَعَّفَهُ ابنُ حَجَرٍ، وقالَ الْهَيْثَمِيُّ: فيهِ ابنُ الْبَيْلَمَانِيِّ، وهوَ ضعيفٌ، لكنْ تَقَدَّمَ الحديثُ السابقُ كشاهِدٍ صحيحٍ لهُ.
قالَ قي التلخيصِ: قالَ الإمامُ أحمدُ: ما أَعْلَمُ في هذا البابِ حديثاً صحيحاً.
قالَ الأَثْرَمُ: قُلْتُ لأبي عبدِ اللَّهِ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ: تقولُ بالأحاديثِ كُلِّها -أَحَادِيثِ صلاةِ الخوْفِ- أوْ تَختارُ واحداً منها؟ فأجابَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَنْ ذَهَبَ إليها كُلَّها فحَسَنٌ، وأَمَّا حديثُ سهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ فأنا أَختارُهُ.
قالَ في كَشَّافِ القِناعِ: وحديثُ سَهْلٍ الذي أشارَ إليهِ الإمامُ أحمدُ هوَ صلاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بذاتِ الرِّقاعِ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحَدِيثَيْنِ:
1- صِفةُ الصلاةِ بهذا الوجهِ أنَّهُ صَلَّى بطائفةٍ مِنْ أصحابِهِ ركعةً، ثمَّ صَلَّى بالطائفةِ الأُخْرَى ركعةً أُخْرَى.
2- الحديثُ صريحٌ في أنَّهُم صَلَّوْهَا ركعةً، وأنَّهُم لم يَقْضُوا الركعةَ الأُخْرَى.
3- الحديثُ صَحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ وابنُ حِبَّانَ، وسَكَتَ عنهُ أبو داوُدَ، ولا يَسْكُتُ إلاَّ عَمَّا هوَ صالحٌ عندَهُ، وأَخْرَجَهُ الحافظُ في التَّلْخِيصِ، وقالَ: رجالُ إسنادِهِ رجالُ الصحيحِ. ولهُ شاهِدٌ عندَ مُسْلِمٍ (687) عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: "فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلَى لسانِ نَبِيِّكُمْ في الْحَضَرِ أَرْبَعاً، وفي السفَرِ رَكعتيْنِ، وفي الخوْفِ ركعةً. وقالَ بهذا طائفةٌ مِن السلَفِ؛ منهم: الحسَنُ البَصريُّ، وإسحاقُ، وعطاءٌ، وطاوسٌ، ومجاهِدٌ، وقتادةُ، والثوريُّ، ومِن الصحابةِ: ابنُ عبَّاسٍ، وأبو هُريرةَ، وحُذيفةُ.
فهذا الوجهُ مِنْ صلاةِ الخوفِ صارَ الاقتصارُ فيهِ على ركعةٍ لكلِّ طائفةٍ، وللإمامِ ركعتانِ، ولكنَّ جُمهورَ العُلماءِ -ومنهم الأئمَّةُ الأربعةُ- لم يُجِيزُوا هذا الوجهَ، فلا يَرَوْنَ صِحَّةَ هذهِ الصِّفَةِ، وقالُوا: إنَّ الخوْفَ ليسَ لهُ تأثيرٌ في نَقْصِ عددِ الركعاتِ، إلاَّ أنَّ تأويلاتِهم لأحاديثِ هذا الوجهِ مِنْ صلاةِ الخوفِ لَيْسَتْ وَجيهةً، وبَعِيدَةٌ.
4- الحديثُ رَقْمُ (392) يُفَسِّرُ الحديثَ رَقْمَ (391)؛ إذْ صَرَّحَ بأنَّ صلاةَ الخوْفِ ركعةٌ واحدةٌ، تُصَلَّى على أيِّ وجهٍ كانَ، وهذا لا يكونُ إلاَّ عندَ شِدَّةِ الخوْفِ.
وقالَ الْخَطَّابِيُّ: صلاَّها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في أيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ، بأشكالٍ مُتَبَايِنَةٍ، يَتَحَرَّى ما هوَ الأحوَطُ للصلاةِ، والأَبْلَغُ في الحراسةِ، فهيَ على اختلافِ صُوَرِها متَّفِقَةُ المعنى.
5- وقدْ رَجَّحَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ الكيفيَّةَ الواردةَ في حديثِ ابنِ عمرَ؛ لقوَّةِ الإسنادِ، ومُوَافَقَةِ الأصولِ في أنَّ الْمُؤْتَمَّةَ لا تُتِمُّ قَبْلَ الإمامِ.
* فوائدُ:
الأولى: صلاةُ الخوفِ مَشروعةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وأَجْمَعَ الصحابةُ على فِعْلِها، وأَجْمَعَ المسلمونَ على جَوَازِها، فهيَ مشروعةٌ إلى أَبَدِ الدهْرِ، وحكاهُ الوزيرُ إجماعاً.
الثانيَةُ: تَجُوزُ صلاةُ الخوْفِ على جميعِ الأَوْجُهِ الثابتةِ، قالَ الشيخُ: هذا قولُ عامَّةِ السلَفِ، والإمامُ أحمدُ يُجَوِّزُ جميعَ الوارِدِ، ومثلُهُ فُقهاءُ الحديثِ، وحَكاهُ الوزيرُ إجماعاً.
الثالثةُ: قالَ الشيخُ: لا شَكَّ أنَّ صلاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ حالَ الخوْفِ كانتْ ناقصةً عنْ صلاتِهِ حالَ الأمْنِ في الأفعالِ الظاهرةِ.
الرابعةُ: قالَ ابنُ القَيِّمِ: صحَّتْ صلاةُ الخوْفِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في أربعةِ مواضِعَ: ذاتِ الرِّقاعِ، وبطْنِ نَخْلٍ، وعُسفانَ، وذي قَرَدٍ المعروفةِ بغزوةِ الغابةِ.
الخامسةُ: قالَ الزَّرْكَشِيُّ: لا تَسْقُطُ الصلاةُ حالَ المُسَايَفَةِ والْتِحَامِ الحرْبِ بلا نِزَاعٍ، ولا يَجُوزُ تأخيرُها؛ لقولِهِ تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239]؛ أيْ: فَصَلُّوا رجالاً ورُكْبَاناً، يُصَلُّونَ للقِبلةِ وغيرِها، يُومِئُونَ بالركوعِ والسجودِ طاقتَهم.
وقالَ الشيخُ الْمُبَارَكْفُورِيُّ: أمَّا إذا تلاحَمَ الفريقانِ، وأُطْلِقَت البَنادِقُ والْمَدَافِعُ، ودَبَّت الدَّبَّاباتُ والْمُدَرَّعاتُ، وقُذِفَت القنابِلُ بالطائراتِ، فليسَ إذْ ذاكَ صُورةٌ مخصوصةٌ لصلاةِ الخوْفِ، بلْ يُصَلُّوها كيفَ شَاؤُوا، جماعاتٍ ووُحْدَاناً، قِياماً أوْ مُشاةً أوْ رُكْبَاناً.
السادسةُ: ومِثلُ الخائفِ الهاربُ مِنْ عَدُوٍّ، أو الذي يُريدُ أنْ يُدْرِكَ وقتَ الوقوفِ بعَرَفَةَ.
قالَ الشيخُ: إذا لم يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الوقوفِ إلاَّ مِقدارُ ذهابِهِ؛ فإنَّهُ يُصَلِّيهَا صلاةَ خائفٍ، وهوَ ماشٍ أوْ راكبٌ.
السابعةُ: قالَ تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]. اخْتُلِفَ في حُكْمِ حَمْلِ السلاحِ في صلاةِ الخوفِ؛ فقالَ بَعْضُهم: واجبٌ، وقالَ بعضُهم: مُسْتَحَبٌّ. والراجِحُ أنَّ هذا راجِعٌ إلى حالِ الخوفِ.
وأجازَ أهْلُ العلْمِ حَمْلَهُ في هذهِ الحالِ، وإنْ كانَ نَجِساً، للضَّرُورَةِ.
* * *
393- وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مرفوعاً: ((لَيْسَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ سَهْوٌ)). أَخَرَجَهُ الدارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ.
* درجةُ الحديثِ:
الحديثُ ضعيفٌ، ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وابنُ حِبَّانَ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- الحديثُ وَحْدَهُ لا تقومُ بهِ الْحُجَّةُ، فَضْلاً عنْ أنَّهُ يُعَارِضُ أحاديثَ ثابتةً في سجودِ السهْوِ.
2- وعلى فَرْضِ صلاحِيَتِهِ للعمَلِ بهِ؛ فإنَّ صلاةَ الخوفِ لَيْسَتْ هَيْئَتُها كهيئةِ الصلاةِ؛ فقدْ سُومِحَ فيها بتَرْكِ بعضِ أركانِها وشُرُوطِها، فسقوطُ سجودِ السهْوِ أخَفُّ منها، ولأنَّ سجودَ السهْوِ يَجْبُرُ ما تُرِكَ مِن الصلاةِ، وهنا يُتْرَكُ الركْنُ وغيرُهُ عَمْداً ولا يُخِلُّ بالصلاةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صلاة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir