دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 12:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صلاة المسافر والمريض (6/10) [من رخص السفر جمع الصلوات]


وعن أَنَسٍ: كَانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قبلَ أن تَزيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فجَمَعَ بَيْنَهما، فإن زَاغَت الشَّمْسُ قبلَ أن يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وفي روايَةِ الحاكمِ في (الأربعينَ). بإسنادٍ صحيحٍ: صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ. ولأَبِي نُعيمٍ في (مُستَخْرَجِ مسلِمٍ).: كَانَ إِذَا كَانَ في سَفَرٍ، فزَالَت الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ جَميعًا، ثُمَّ ارْتَحَلَ.
وعن مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ خَرَجْنَا+ مع رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في غَزوةِ تَبوكَ فكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ والْعَصْرَ جَميعًا، والْمَغْرِبَ والْعِشَاءَ جَميعًا. رواهُ مسلِمٌ.
وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِةِ بُرُدٍ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ)). رواهُ الدارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ، والصحيحُ أنه مَوقوفٌ. كذا أَخَرَجَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ.


  #2  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 02:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


9/407- وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ فِي سَفَرِهِ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَت الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ فِي الأَرْبَعِينَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ. وَلأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ: كَانَ إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ، فَزَالَت الشَّمْسُ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ.
(وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ارْتَحَلَ فِي سَفَرِهِ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ)؛ أيْ: قَبْلَ الزَّوَالِ، (أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَت الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ)؛ أيْ: وَحْدَهُ، وَلا يَضُمُّ إلَيْهِ الْعَصْرَ، (ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ تَأْخِيراً، وَدَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا تَقْدِيماً؛ لِقَوْلِهِ: صَلَّى الظُّهْرَ؛ إذْ لَوْ جَازَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ لَضَمَّ إلَيْهِ الْعَصْرَ، وَهَذَا الْفِعْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَصِّصُ أَحَادِيثَ التَّوْقِيتِ الَّتِي مَضَتْ.
وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ؛ فَذَهَبَت الْهَادَوِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ، ويُرْوَى عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، إلَى جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ تَقْدِيماً وَتَأْخِيراً؛ عَمَلاً بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي التَّأْخِيرِ وَبِمَا يَأْتِي فِي التَّقْدِيمِ.
وَعَن الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ جَمْعُ التَّأْخِيرِ فَقَطْ؛ عَمَلاً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ.
وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْجَمْعُ لا تَقْدِيماً وَلا تَأْخِيراً لِلْمُسَافِرِ، وَتَأَوَّلُوا مَا وَرَدَ مِنْ جَمْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ جَمْعٌ صُورِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَقَدَّمَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَمِثْلُهُ الْعِشَاءُ.
وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ، وَإِنْ تَمَشَّى لَهُمْ هَذَا فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ، لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ فِي الأَرْبَعِينَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ)؛ أيْ: إذَا زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الْفَرِيضَتَيْنِ مَعاً ثُمَّ رَكِبَ؛ فَإِنَّهَا أَفَادَتْ ثُبُوتَ جَمْعِ التَّقْدِيمِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجَمْعُ الصُّورِيُّ.
(وَ) مِثْلُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي (لأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ)؛ أيْ: فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
(كَانَ)؛ أَي: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَت الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ)؛ فَقَدْ أَفَادَتْ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ وَأَبِي نُعَيْمٍ ثُبُوتَ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَيْضاً، وَهُمَا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ كَمَا قَالَ الْمُصَنَّفِ، إلاَّ أَنَّهُ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَحَ فِيهَا وَجَعَلَهَا مَوْضُوعَةً، وَهُوَ الْحَاكِمُ؛ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِوَضْعِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلامَ الْحَاكِمِ فِي بَيَانِ وَضْعِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ رَدَّهُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ.
وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَيْهِ وَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى رَدِّهِ لِكَلامِ الْحَاكِمِ، وَيُؤَيِّدُ صِحَّتَهُ قَوْلُهُ:
10/408- وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، إلاَّ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِجَمْعِ التَّأْخِيرِ لا غَيْرَ، أَوْ لَهُ وَلِجَمْعِ التَّقْدِيمِ. وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى أَنْ يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعاً، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ عَجَّلَ الْعَصْرَ إلَى الظُّهْرِ وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً.
فَهُوَ كَالتَّفْصِيلِ لِمُجْمَلِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، إلاَّ أَنَّهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ: إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ، ولا نَعْرِفُ أَحَداً رَوَاهُ عَن اللَّيْثِ غَيْرَهُ، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثُ مُعَاذٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. انْتَهَى.
إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَجَمْعُ التَّقْدِيمِ فِي ثُبُوتِ رِوَايَتِهِ مَقَالٌ، إلاَّ رِوَايَةَ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ؛ فَإِنَّهُ لا مَقَالَ فِيهَا.
وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلى أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ؛ لِثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِهِ، لا جَمْعُ التَّقْدِيمِ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ.
ثُمَّ إنَّهُ قَد اخْتُلِفَ فِي الأَفْضَلِ لِلْمُسَافِرِ: هَل الْجَمْعُ أَو التَّوْقِيتُ؟
فَقَالَت الشَّافِعِيَّةُ: تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَنْ لَهُ عُذْرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ) أنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ رَاتِباً فِي سَفَرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، وَلا يَجْمَعُ حَالَ نُزُولِهِ أَيْضاً، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْمَعُ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَإِذَا سَارَ عَقِيبَ الصَّلاةِ كَمَا فِي أَحَادِيثِ تَبُوكَ، وَأَمَّا جَمْعُهُ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهُ إلاَّ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ؛ لأَجْلِ اتِّصَالِ الْوُقُوفِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَشَيْخُنَا، وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ تَمَامِ النُّسُكِ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ سَبَبَ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ السَّفَرُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ.
وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ، فَقَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ ذِكْرِ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ فِيهِ: إنَّهُ ذَهَبَ أَكْثَرُ الأَئِمَّةِ إلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ لِمَا تَقَدَّمَ مِن الأَحَادِيثِ الْمُبَيِّنَةِ لأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَلِمَا تَوَاتَرَ مِنْ مُحَافَظَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَوْقَاتِهَا، حَتَّى قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلاَّ صَلاتَيْنِ؛ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ -أَيْ: بِمُزْدَلِفَةَ- بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ. قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
فَلا يَصِحُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيِّنٍ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَتَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْهَما تَحَكُّمٌ، فَوَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِن الْبَقَاءِ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَدِيثِ الأَوْقَاتِ لِلْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، وَتَخْصِيصُ الْمُسَافِرِ لِثُبُوتِ الْمُخَصَّصِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْحَاسِمُ.
وَأَمَّا مَا يُرْوَى مِن الآثَارِ عَن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَغَيْرُ حُجَّةٍ؛ إذْ لِلاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ مَسْرَحٌ، وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْجَمْعِ الصُّورِيِّ.
وَاسْتَحْسَنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمَاجُشُونِ وَالطَّحَاوِيُّ، وَقَوَّاهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - رَاوِي الْحَدِيثِ - عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَدْرَى بِالْمُرَادِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ أَبُو الشَّعْثَاءِ بِذَلِكَ.
وَأَقُولُ: إنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِن الرَّاوِي، وَاَلَّذِي يُقَالُ فِيهِ: أَدْرَى بِمَا رَوَى، إنَّمَا يَجْرِي في تَفْسِيرِهِ لِلَّفْظِةِ مَثَلاً. عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى نَظَراً؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)) يَرُدُّ عُمُومَهَا. نَعَمْ، يَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ؛ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ النَّسَائِيُّ فِي أَصْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلَفْظُهُ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِياً جَمْعاً وَسَبْعاً جَمْعاً، أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ.
وَالْعَجَبُ مِن النَّوَوِيِّ كَيْفَ ضَعَّفَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَغَفَلَ عَنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ؟! وَالْمُطْلَقُ فِي رِوَايَةٍ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي هَذَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: " أَرَادَ أَنْ لا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ " يُضَعِّفُ هَذَا الْجَمْعَ الصُّورِيَّ؛ لِوُجُودِ الْجَرْحِ فِيهِ -مَدْفُوعٌ بِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ مِن التَّوْقِيتِ؛ إذْ يَكْفِي لِلصَّلاتَيْنِ تَأَهُّبٌ وَاحِدٌ وَقَصْدٌ وَاحِدٌ إلَى الْمَسْجِدِ وَوُضُوءٌ وَاحِدٌ بِحَسَبِ الأَغْلَبِ، بِخِلافِ الْوَقْتَيْنِ؛ فَالْحَرَجُ فِي هَذَا الْجَمْعِ لا شَكَّ أَخَفُّ.
وَأَمَّا قِيَاسُ الْحَاضِرِ عَلَى الْمُسَافِرِ كَمَا قِيلَ فَوَهْمٌ؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأَصْلِ هِيَ السَّفَرُ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ، وَإِلاَّ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَهُوَ كَلامٌ رَصِينٌ، وَقَدْ كُنَّا ذَكَرْنَا مَا يُلاقِيهِ فِي رِسَالَتِنَا (الْيَوَاقِيتِ فِي الْمَوَاقِيتِ) قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى كَلامِ الشَّارِحِ وَجَزَاهُ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ التَّقْدِيمِ فِيهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ كَمَنْ صَلَّى الصَّلاةَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَيَكُونُ حَالُ الْفَاعِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} الآيَةَ مِن ابْتِدَائِهَا، وَهَذِهِ الصَّلاةُ الْمُقَدَّمَةُ لا دَلالَةَ عَلَيْهَا بِمَنْطُوقٍ وَلا مَفْهُومٍ، وَلا عُمُومٍ وَلا خُصُوصٍ.


11/409- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَقْصُرُوا الصَّلاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ)). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. كَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَقْصُرُوا الصَّلاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ)؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، نَسَبَهُ الثَّوْرِيُّ إلَى الْكَذِبِ، وَقَالَ الأَزْدِيُّ: لا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْضاً؛ لأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.
(وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، كَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ)؛ أيْ: مَوْقُوفاً عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لِلاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي التَّحْدِيدِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.


  #3  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 02:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


354 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظَّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي (الأَرْبَعِينَ) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ، ثُمَّ رَكِبَ.
ولأَبِي نُعَيْمٍ فِي (مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ): (كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ، صَلَّى الظَّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً، ثُمَّ ارْتَحَلَ).
ــ
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ)، أَمَّا زِيَادَةُ الْحَاكِمِ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي (الْفَتْحِ) (2/583): هِيَ زِيَادَةٌ غريبةٌ صَحِيحَةُ الإسنادِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ المُنْذِرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالعَلائِيُّ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي نُعَيْمٍ: فَقَدْ صَحَّحَهَا النَّوَوِيُّ، كَمَا فِي (التلخيصِ) (2/49).
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
تَزِيغُ الشَّمْسُ: بِفَتْحِ التَّاءِ فَزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ، آخِرُهُ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ؛ أَيْ: مَالَتْ نَحْوَ الغَرْبِ، بَعْدَ أَنْ تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ.
فَزَالَتِ الشَّمْسُ: مَالَتْ نَحْوَ الغَرْبِ، بَعْدَ أَنْ تَوَسَّطَتْ كَبِدَ السَّمَاءِ.
355 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظَّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعاً، وَالمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
356 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَقْصُرُوا الصَّلاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ)). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، والصحيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، كَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
ــ
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، والصحيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
فَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لأَنَّ فِيهِ إسماعيلَ بْنَ عَيَّاشٍ، وَرِوَايَتُهُ عَن الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ، وَعَبْدُ الوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ مَتْرُوكٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ (3/137) وَضَعَّفَهُ ابْنُ المُلَقِّنِ مَرْفُوعاً، وصَحَّحَهُ مَوْقُوفاً.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
أَرْبَعَةِ بُرُدٍ: بِضَمِّ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، جَمْعُ (بَرِيدٍ)، وَالْبَرِيدُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً، قَالَ العَيْنِيُّ: وَالفَرْسَخُ ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ.
قَالَ مُحَرِّرُهُ: وَالمِيلُ (1600) مِتْرٍ.
عُسْفَانَ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، ثُمَّ فَاءٍ، وَآخِرُهُ نُونٌ، عَلَى وَزْنِ (عُثْمَانَ)، هِيَ قريةٌ عَامِرَةٌ تَقَعُ شمالَ مَكَّةَ عَلَى بُعْدِ (80) كِيلُو، يَمُرُّ بِهَا الطَّرِيقُ السريعُ الذاهبُ والآيبُ منْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفِيهَا إِمَارَةٌ، وَشُرْطَةٌ، وَمَدَارِسُ، وَمُسْتَوْصَفٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ من المَرَافِقِ وَالْخَدَمَاتِ، وَيُحِيطُ بِهَا حِرَارٌ سُودٌ، وَسُكَّانُهَا ـ الآنَ ـ بَنُو بِشْرٍ مِنْ بَنِي عَمْرٍو، مِنْ قبيلةِ حَرْبٍ، وَلَهَا ذِكْرٌ فِي السيرةِ النَّبَوِيَّةِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الأَحَادِيثِ (354، 355، 356):
1 - يَدُلُّ الْحَدِيثُ رَقْمُ (354) عَلَى جوازِ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلاتَيِ الظُّهْرِ والعصرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِي السَّفَرِ.
2 - يَدُلُّ عَلَى جوازِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ، فَكُلٌّ مِنَ الْجَمْعَيْنِ جَائِزٌ.
3 - قَالَ الشَّيْخُ: الْجَمْعُ رُخْصَةٌ عَارِضَةٌ للحاجةِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ إِلاَّ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً، لِذَلِكَ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يَسْتَحِبُّونَ تَرْكَهُ، إِلاَّ عِنْدَ الحاجةِ إِلَيْهِ؛ اقْتِدَاءً بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَوْسَعُ المذاهبِ فِي الْجَمْعِ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ للحاجةِ والشغلِ. وَصَوَّبَ الشَّيْخُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي السفرِ القصيرِ، وَقَالَ: إِنَّ عِلَّةَ الْجَمْعِ الحاجةُ، لا السفرُ، فَلَيْسَ مُعَلَّقاً بِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ للحاجةِ، بِخلافِ القصرِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أيضاً: الصَّوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْمَعْ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ لِمُجَرَّدِ السفرِ، بَلْ لاشْتِغَالِهِ باتِّصَالِ الْوُقُوفِ عَن النزولِ، ولاشْتِغَالِهِ بِالسَّيْرِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ، وهكذا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ عِنْدَ الحاجةِ.
4 - قَالَ الشَّيْخُ: الْجَمْعُ جَائِزٌ فِي الوقتِ المشتركِ، فتارةً فِي أَوَّلِ الوقتِ، وَتَارَةً فِي آخرِهِ، وتارةً يُجْمَعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي وَسَطِ الوَقْتَيْنِ، وَقَدْ يَقَعَانِ معاً فِي آخِرِ وَقْتِ الأُولَى، وَقَدْ تَقَعُ هَذِهِ فِي هَذَا، وَهَذِهِ فِي هَذَا، وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ؛ لأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الوقتَ عِنْدَ الحاجةِ مُشتركٌ، وَالتقديمُ والتوسطُ بِحَسَبِ الحَاجَةِ والمصلحةِ.
5 - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأفضلَ فِي حَقِّ الْجَامِعِ المَعْذُورِ أَنْ يَفْعَلَ الأَرْفَقَ بِهِ، مِنْ جَمْعِ التقديمِ أَو التأخيرِ؛ لأَنَّ الْجَمْعَ لَمْ يُبَحْ إِلاَّ لرفعِ المَشَقَّةِ، فَيَرَى الأَرْفَقَ بِهِ فَيَفْعَلُهُ.
6 - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْجَمْعِ صيرورةُ وَقْتِ إِحْدَى الصلاتَيْنِ وقتاً لِلأُخْرَى، فَلَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا أداءً، والأُخْرَى قَضَاءً فِي جَمْعِ التأخيرِ، وَالأُولَى صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا، وَالثَّانِيَةُ قَبْلَ وَقْتِهَا فِي جَمْعِ التقديمِ، فالصلاةُ قَبْلَ وَقْتِهَا لا تَصِحُّ.
7 - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السفرَ هُوَ أَحَدُ الأعذارِ المُبِيحَةِ لجوازِ الْجَمْعِ.
8 - يَدُلُّ عَلَى جوازِ الْجَمْعِ بَيْنَ صَلاتَي الظَّهْرِ وَالعَصْرِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى جوازِ صَلاتَي المغربِ والعشاءِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَأَطْلَقَ الراوِي الْجَمْعَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ فِي جوازِ جَمْعِ التقديمِ والتأخيرِ، فِيمَا بَيْنَ الظُّهْرِ والعصرِ، وفيما بَيْنَ المغربِ والعشاءِ، وجاءَتْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ (550) تُفَصِّلُهُ وَتُبَيِّنُهُ، بِلَفْظِ: (كَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظَّهْرَ إِلَى أَنْ يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ، يُصَلِّيهِمَا جَمِيعاً، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ، عَجَّلَ العَصْرَ إِلَى الظَّهْرِ، وَصَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعاً).
9 - الحَدِيثُ رَقْمُ (355) يَدُلُّ عَلَى جوازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ والعصرِ وَبَيْنَ المغربِ والعشاءِ، وَلَوْ كَانَ الْجَامِعُ نَازِلاً غَيْرَ مُجِدٍّ فِي السفرِ.
10 - أَمَّا الْحَدِيثُ رَقْمُ (356): فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ لا تُقْصَرُ فِي مسافةٍ تَقِلُّ عَنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، والبريدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، والفرسخُ ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ، والمِيلُ (1600) مِتْرٍ، فَتَكُونُ مَسَافَةُ القصرِ عَلَى التقريبِ حَوَالِيَ (77 كِيلُو)، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الجمهورُ ـ وَمِنْهُم الإِمَامَانِ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ـ إِلَى جَوَازِ جَمْعِ التقديمِ والتأخيرِ، بَيْنَ الظُّهْرِ والعصرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ والعشاءِ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَابْنُ حَزْمٍ إِلَى: جَوَازِ جَمْعِ التأخيرِ دُونَ التقديمِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِهِ مُطْلَقاً، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَمْعاً صُورِيًّا، بِمَعْنَى أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلاةُ الأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَتُقَدَّمَ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، فَتُصَلَّيَانِ جَمِيعاً هَذِهِ فِي آخِرِ الوقتِ، والأُخْرَى فِي أَوَّلِ الوقتِ.
وَذَهَبَ الجمهورُ إِلَى: جوازِ الْجَمْعِ مُطْلَقاً، سَوَاءٌ كَانَ المسافرُ نَازِلاً فِي سَفَرِهِ، أَوْ جَادًّا بِهِ السَّيْرُ.
وَاسْتَدَلُّوا: بِمَا جَاءَ فِي (المُوَطَّأِ) (330) عَنْ مُعَاذٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الصَّلاةَ يَوْماً فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ والعصرَ جَمْعاً، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ).
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتُ الإسنادِ.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي (الأُمِّ)، وَالْبَاجِيُّ فِي (شَرْحِ المُوَطَّأِ): أَنَّ دُخُولَهُ وَخُرُوجَهُ لا يَكُونُ إِلاَّ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ جَادٍّ فِي السَّفَرِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ قَاطِعٌ عَلَى مَنْ قَالَ: لا يُجْمَعُ إِلاَّ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّفَرُ.
وَذَهَبَ ابْنُ القَيِّمِ وَجَمَاعَةٌ إِلَى اخْتِصَاصِ جَوَازِ الْجَمْعِ لِوَقْتِ الحاجةِ، وَهِيَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّفَرُ.
وَدَلِيلُهُمْ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ المغربِ والعشاءِ، وَيَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السيرُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1711)، ومسلمٌ (703)، وَلَكِنْ عِنْدَ الجمهورِ زِيَادَةُ دلالةٍ فِي أَحَادِيثِهَا، والزيادةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، ولأنَّ السَّفَرَ مَوْطِنُ المَشَقَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ نَازِلاً أَوْ سَائِراً؛ لأَنَّ الرُّخْصَةَ تَعُمُّ، وَمَا جُعِلَتْ إِلاَّ للتسهيلِ والتيسيرِ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْجَمْعِ الصُّورِيِّ: فَلا تَنْصُرُهُ السُّنَنُ الصَّحِيحَةُ.
فَوَائِدُ:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: مَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي الْجَمْعِ هُوَ عُذْرُ السَّفَرِ، وَهُنَاكَ أَعْذَارٌ أُخَرُ تُبِيحُ الْجَمْعَ مِنْهَا: الْمَطَرُ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (543): (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ).
وَخَصَّ الْجَمْعَ هُنَا بَيْنَ المغربِ والعشاءِ، دُونَ الظُّهْرِ والعصرِ، وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَمِنْهَا: المَرَضُ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ (705): (أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلا مَطَرٍ وَلا سَفَرٍ).
وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْجَمْعِ للمُسْتَحَاضَةِ، وَهُوَ نوعُ مَرَضٍ.
وَقَدْ جَوَّزَ الْجَمْعَ ـ لِهَذِهِ الأعذارِ وَأَمْثَالِهَا ـ مَالِكٌ وأحمدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالْحَسَنُ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، مِنْهُم الْخَطَّابِيُّ وَالنَّوَوِيُّ.
الفائدةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ الْجَمْعُ:
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: يَوْمَانِ قَاصِدَانِ، يَعْنِي: سِتَّةَ عَشْرَةَ فَرْسَخاً، وَذَلِكَ يُقَارِبُ (77) كِيلُو مِتْرٍ.
أَمَّا مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ وَشَيْخِ الإِسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ القَيِّمِ وَالمُوَفَّقِ فِي (المُغْنِي): فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُعَدُّ سَفَراً يُبَاحُ فِيهِ الْجَمْعُ، وَلا يُقَدَّرُ بِمَسَافَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَنَّ مَا يُرْوَى مِنَ التَّحْدِيدَاتِ لَيْسَ بِثَابِتٍ.
الفائدةُ الثَّالِثَةُ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ تَرْكَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنَ الْجَمْعِ، إِلاَّ فِي جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ المصلحةِ فِيهِمَا، بِخِلافِ القصرِ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَفِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ.
الفائدةُ الرابعةُ: قَالَ فِي (الرَّوْضِ وَحَاشِيَتِهِ): وَإِنْ كَانَ المسافرُ مَلاحاً وَنَحْوَهُ، وَأَهْلُهُ مَعَهُ، وَلا يَنْوِي الإقامةَ بِبَلَدٍ ـ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، أَشْبَهَ المُقِيمَ؛ لأَنَّ سَفَرَهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، والروايةُ الأُخْرَى: يَتَرَخَّصُ، اخْتَارَهَا المُوَفَّقُ وَالشَّيْخُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالا: سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ أَهْلٌ أَوْ لا؛ لأَنَّهُ أَشَقُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ الأَئِمَّةِ الثلاثةِ.
الفائدةُ الخامسةُ: قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: الْجَمْعُ رُخْصَةٌ عَارِضَةٌ للحاجةِ، وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ ـ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ـ يَسْتَحِبُّونَ تَرْكَهُ إِلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَوْسَعُ المذاهبِ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ يَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ للحاجةِ وَالشُّغْلِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صلاة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir