2/400- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ، وَيَصُومُ وَيُفْطِرُ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، إلاَّ أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ فِعْلِهَا، وَقَالَتْ: إنَّهُ لا يَشُقُّ عَلَيَّ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ، وَيَصُومُ وَيُفْطِرُ) الأَرْبَعَةُ الأَفْعَالُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ؛ أيْ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا. وَهَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرُوَاتُهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ. (ثِقَاتٌ، إلاَّ أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ فِعْلِهَا وَقَالَتْ: إنَّهُ لا يَشُقُّ عَلَيَّ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ).
وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ؛ فَإِنَّ عُرْوَةَ رَوَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ، وَأَنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهَا عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَةٌ لَمْ يَقُلْ عُرْوَةُ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ خِلافُ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ أَيْضاً الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا اعْتَمَرَتْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ حَتَّى إذَا قَدِمَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتْمَمْتُ وَقَصَرْتُ، وَأَفْطَرْتُ وَصُمْتُ. فَقَالَ: ((أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ))، وَمَا عَابَ عَلَيَّ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ رُوِيَ كَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ؛ الأَوَّلُ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَالثَّانِي بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَكَذَلِكَ يُفْطِرُ وَتَصُومُ؛ أيْ: تَأْخُذُ هِيَ بِالْعَزِيمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِتُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ فَتُصَلِّيَ خِلافَ صَلاتِهِمْ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهَا: " إنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلاةِ الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ". فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا تُصَلِّي خِلافَ صَلاتِهِ وَصَلاةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَتَمَّتْ عَائِشَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. انْتَهَى.
هَذَا وَحَدِيثُ الْبَابِ قَد اخْتُلِفَ فِي اتِّصَالِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُ أَدْرَكَ عَائِشَةَ وَهُوَ مُرَاهِقٌ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أُدْخِلَ عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا. وَادَّعَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ ثُبُوتَ سَمَاعِهِ مِنْهَا.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْحَدِيثِ، فَقَالَ فِي (السُّنَنِ): إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَقَالَ فِي (الْعِلَلِ): الْمُرْسَلُ أَشْبَهُ.
هَذَا كَلامُ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَهُ الشَّارِحُ، وَرَاجَعْتُ سُنَنَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فسَاقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ، ثَمَّ فِيهِ الْعَلاءُ بْنُ زُهَيْرٍ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي (الْمِيزَانِ): وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي عَن الثِّقَاتِ مِمَّا لا يُشْبِهُ حَدِيثَ الأَثْبَاتِ. انْتَهَى.
فَبَطَلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُوَافِقِ الأَثْبَاتَ، وَبَطَلَ بِهَذَا ادِّعَاءُ ابْنِ حَزْمٍ جَهَالَتَهُ؛ فَقَدْ عُرِفَ عَيْناً وَحَالاً.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: هَذَا مَا لَفْظُهُ: وَسَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلامِ يَقُولُ: وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى. يُرِيدُ رِوَايَةَ: يَقْصُرُ وَيُتِمُّ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ رُبَاعِيَّةً فِي سَفَرٍ، وَلا صَامَ فِيهِ فَرْضاً.
وقدْ حَقَّقْنَا مَا فِي البَحْثِ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، اخْتَرْنَا فِيهَا أَنَّ القَصْرَ رُخْصَةٌ لا عَزِيمةٌ.