مقدمة تفسير ابن كثير
يمكن تقسيم المقدمة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مقدمة المصنف.
القسم الثاني: كتاب فضائل القرآن.
القسم الثالث: مقدمة يسيرة قبل البدء بالتفسير ضمنها بعض علوم القرآن.
المقصد العام: بيان بعض فضائل القرآن الكريم قبل البدء بالتفسير ليكون ذلك باعثا على حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه، والتمهيد للتفسير.
أولا: مقاصد مقدمة ابن كثير:
- بيان أهمية تعلم كتاب الله تعالى وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه، ووجوب تبليغ العلم على أهل العلم.
قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}
- بيان أصح طرق التفسير وهي:
- تفسير القرآن بالقرآن. قال ابن كثير رحمه الله: "ما أُجمل في مكان فإنه فسر في موضع آخر" يعني من القرآن الكريم.
- تفسير السنة بالسنة. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}
- التفسير بأقوال الصحابة. قال ابن كثير: "فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح" قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته)
- التفسير بأقوال التابعين. قال سفيان الثوري: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به)
- بيان حرمة تفسير القرآن بمجرد الرأي، وتحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به.
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)).
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم.)
- بيان أن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد في جهله.
قال ابن عباس رضي الله عنه: (التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله)
ثانيا: مقاصد كتاب فضائل القرآن:
- بيان فضل القرآن ببيان أنه مهيمن وأمين على كل كتاب قبله.
قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}، قال ابن عباس: (المهيمن الأمين القرآن، أمين على كل كتاب قبله).
- بيان فضل القرآن ببيان شرف مكان وزمان ابتداء نزوله.
جاء في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام، أقام بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا
عن ابن عباس قال: (أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا})
- بيان فضل القرآن بذكر فضل الملك الموكل بتبليغ الوحي، وهو جبريل عليه السلام.
قال تعالى: {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين}
- بيان فضيلة معجزة القرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء، وعلى كل كتاب أنزل ، لعموم رسالته ولدوامه إلى قيام الساعة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)).
- بيان عناية الله تعالى برسوله وإكرامه، حيث جعل الوحي متتابعا عليه ولم يقطعه عنه.
عن ابن شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.
- بيان نزول القرآن بلسان قريش والعرب.
قال تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
- بيان فضل القرآن بحفظ الله تعالى لكتابه من الضياع والتحريف والاختلاف عليه وذلك من خلال جمع القرآن في:
العهد النبوي:
ثبت في الصحيحين عن أنس قال: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار؛ أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. فقيل له: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي.
خلافة أبي بكر الصديق:
جاء في صحيح البخاري أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر -مقتل أهل اليمامة- فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه ...)الحديث.
خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه:
جاء عند البخاري أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان …) الحديث.
- بيان فضل القرآن بنزوله على سبعة أحرف، أي: سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة عند أكثر أهل العلم، ولها معاني أخرى عند بعض العلماء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
- بيان فضل القرآن في ترتيب سوره وآياته:
فذكر جواز قراءة السور على أي ترتيب كان، ففي الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران. وقالت عائشة رضي الله عنها لرجل من العراق: (وما يضرك أيه قرأت قبل) الحديث، أما ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أملت رضي الله عنها آي السور للسائل في الحديث السابق.
- بيان فضل القرآن بذكر معارضة جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه مرتين، ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا.
عن فاطمة، رضي الله عنها: (أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي).
- بيان فضل القرآن بذكر حرص عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على جمعه، وعلى قراءته غضا كما أنزل، والعلم به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-: (والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه).
- بيان فضل القرآن بذكر نزول السكينة والملائكة عند قراءته.
قال تعالى: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}، جاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده.
في الحديث المشهور الصحيح: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
- بيان فضل القرآن بذكر أنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم وتركته.
قال طلحة بن مصرف: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل".
عن عبد العزيز بن رفيع قال: "دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين".
- بيان فضل القرآن على سائر الكلام باقترانه بطيب الرائحة وجودا وعدما، وبجعل أمة الإسلام - ببركته وشرفه - خير أمة أخرجت للناس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله))
- بيان فضل القرآن بذكر فضل التغني به.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن))، ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها
- بيان فضل القرآن ببيان أن صاحب القرآن في غبطة وهو حسن الحال، واستحباب تغبيطه بذلك.
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)).
- بيان فضل القرآن ببيان أن خير الناس من تعلم القرآن وعلمه، فجمع بين النفع القاصر والمتعدي.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).
- بيان فضل القرآن ببيان فضل قراءته عن ظهر غيب، وحرص الصحابة رضوان الله عليهم على إدامة النظر فيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: ((فما معك من القرآن؟)). قال: معي سورة كذا وكذا، لسور عددها. قال: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)). قال: نعم. قال: ((اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن)).
عن ابن مسعود قال: (أديموا النظر في المصحف.)، وعن ابن عباس، عن عمر: (أنه كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه)
- بيان فضل القرآن بذكر حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاهده لئلا يعرضه حافظه للنسيان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها)).
- بيان فضل القرآن ببيان استحباب أو وجوب تعليمه الصبيان.
قال ابن عباس: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم).
- بيان فضل القرآن ببيان أن من الأدب معه أن لا يقول: نسيت آية كذا، وترك إضافة ذلك إلى الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس ما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي))
- بيان فضل القرآن ببيان استحباب ترتيل القراءة والترسل فيها من غير هذرمة ولا سرعة مفرطة، بل بتأمل وتفكر.
قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}، {ورتل القرآن ترتيلا}.
- بيان فضل القرآن ببيان التحذير من الغلو فيه، أو الجفاء عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث)). [قال ابن كثير: قد ترخص جماعة من السلف في تلاوة القرآن في أقل من ذلك؛ منهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه]
- بيان فضل القرآن ببيان التحذير من المراءاة بتلاوته التي هي من أعظم القرب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)).
- بيان فضل القرآن ببيان حض النبي صلى الله عليه وسلم أمته على تلاوته إذا كانت القلوب مجتمعة على تلاوته، متفكرة فيه، متدبرة له، لا في حال شغلها وملالها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).
- بيان فضل القرآن ببيان فضل تلاوته وفضل أهله.
قال عليه الصلاة والسلام: ((يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه))، ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))
ثالثا: مقصد المقدمة اليسيرة: التمهيد للتفسير ببيان السور المكية والمدنية، وعدد آيات القرآن الكريم، وحروفه، وبيان معنى السورة والآية، والاختلاف في أصل اشتقاق كل منهما ونحو ذلك.