قولُه تعالى: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} المعنى: أنه ليس الأمْرُ كما يَظُنُّونَ ويَتَوَهَّمُونَ، ويَستَعْمِلُون ذلك إذا بَلَغَتِ النفْسُ التَّرَاقِيَ، والتراقِي جَمْعُ تَرْقُوَةٍ، وهو مُقَدَّمُ الحلْقِ الْمُتَّصِلُ بالصدْرِ، وهو مَوْضِعُ الْحَشْرَجَةِ، ذكَرَه أبو عيسى.
وقولُه: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} أيْ: هل مِن طَبيبٍ يَشْفِي ويُدَاوِي. قالَ قَتادةُ: وقيلَ معناه: أنَّ الملائكةَ يَقولونَ مَن يَرْقَى برُوحِه؟ أيْ: تَصْعَدُ ملائكةُ الرحمةِ أو مَلائكةُ العذابِ.
وقولُه: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} قَرأَ ابنُ عَبَّاسٍ: (وأَيْقَنَ أنه الفِراقُ)، وهو صَحيحٌ عنه، وهو المعنَى.
وقولُه: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} أي: اتَّصَلَتْ شِدَّةُ الدنيا بشِدَّةِ الآخِرةِ, وقيلَ: يَجتمِعُ عليه كَرْبُ الموتِ وهَوْلُ الْمُطَّلَعِ، قالَ الضحَّاكُ: هو في أمْرٍ عظيمٍ، الناسُ يُجَهِّزُونَ بَدنَه، والملائكةُ يُجَهِّزونَ رُوحَه، وعن الحسَنِ: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} أيْ: في الكَفَنِ، وهو الساقُ المعروفُ، وعلى القولِ الأوَّلِ الساقُ بمعنى الشِّدَّةِ، وقد ذَكَرْنا مِن قَبلُ.
وقولُه: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} أي: السَّوْقُ فإنه يُساقُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النارِ، بأَمْرِ اللهِ تعالى.
قولُه تعالى: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} معناه: فلا صَدَّقَ الكافِرُ ولا صَلَّى. معناه: لم يُصَدِّقِ الكافرُ ولم يُصَلِّ. قالَ الْمُفَسِّرونَ: نَزلتِ الآيةُ في أبي جَهْلِ بنِ هِشامٍ.
قولُه: {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أيْ: كَذَّبَ بآياتِ اللهِ، وأَعْرَضَ عن الْحَقِّ.
وقولُه: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} أيْ: يَتَبَخْتَرُ. ومِشيةُ الْمُطَيْطَاءِ هي مِشيةُ التَّبَخْتُرِ. وقيلَ: هو أنْ يُوَلِّيَ مطَاؤُه، والْمَطَا الظهرُ، وفي بعضِ التفاسير: أنه مِشيةُ بني مَخزومٍ. وقيلَ: التَّمَطِّي: هو التَّمَدُّدُ مِن كَسَلٍ أو مَرَضٍ، فأمَّا مِن المرَضِ فهو غيرُ مَذمومٍ، وأمَّا مِن الكسَلِ إذا كان تَثَاقُلاً عن الحقِّ فهو مَذمومٌ.
وقولُه: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} اختلَفَ القولُ في هذه اللفْظَةِ، فأَحَدُ الأقوالِ: أنَّ معناها: الوَيْلُ لك ثم الوَيْلُ لك، والثاني: معناها: وَلِيَكَ الْمَكروهُ وقَارَبَ مِنك، وهذا قولُ قَتادةَ وجماعةٍ.
والقولُ الثالثُ: الذمُّ أَوْلَى لك، ثم طُرِحَتْ لفْظُ الذمِّ للاستغناءِ عنها ولأنَّه مَعلومٌ، ذَكَرَه عَلِيُّ بنُ عيسى, وفي التفسيرِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَ أبا جهْلٍ وهو يَخْرُجُ مِن بابِ بَنِي مَخزومٍ يَتبَخْتَرُ، فأخَذَ بيدِه وهَزَّهُ مَرَّةً أو مَرَّتينِ، ثم قالَ له: ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)).
فأَخْبَرَ اللهُ تعالى في القرآنِ قولَ الرسولِ على ما قالَ، وهذا قولٌ حسَنٌ؛ لأنَّ (أَوْلَى) في لغةِ العرَبِ بمعنى كادَ و هَمَّ، ولفْظَةُ (كادَ) بالْخَلْقِ أَلْيَقُ، فهو حِكايةٌ مِن اللهِ تعالى لقوْلِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَنْشَدُوا في كلمةِ (أَوْلَى) قولَ الخنساءِ.
هَمَمْتُ بنَفْسِيَ بعضَ الْهُمُومِ فأَوْلَى لنَفْسِيَ أَوْلَى لَهَا
سأَحْمِلُ نفْسِي على آلَةٍ فإِمَّا عليها وإِمَّا لَهَا
آلةٍ، أيْ: حالةٍ.