سُورةُ الْمُزَّمِّلِ
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا * إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
1-{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وهذا الْخِطابُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ كانَ يَتَزَمَّلُ بثِيابِه أوَّلَ ما جاءَهُ جِبريلُ بالوحْيِ خَوْفاً منه، فإنه لَمَّا سَمِعَ صوتَ الْمَلَكِ ونَظَرَ إليه أخَذَتْهُ الرِّعدةُ، فأتى أهْلَه وقالَ: ((زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي)). ثم بعدَ ذلك خُوطِبَ بالنُّبُوَّةِ والرسالةِ وأَنِسَ بجبريلَ.
2-{قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} أيْ: قُمْ للصلاةِ في الليلِ، وصَلِّ الليلَ كُلَّه إلاَّ يَسِيراً منه.
4،3-{نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} كأنه قالَ: قُمْ ثُلُثَيِ الليلِ، أو نِصْفَه أو ثُلُثَهُ. أَخْرَجَ أحمدُ, ومسلِمٌ, عن سعْدِ بنِ هِشامٍ قالَ: قلتُ لعائشةَ: أنْبِئِينِي عن قِيامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قالتْ: ألسْتَ تَقرأُ هذه السورةَ:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قلتُ: بلى. قالتْ: فإنَّ اللهَ افْتَرَضَ قِيامَ الليلِ في أوَّلِ هذه السورةِ فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابُه حَوْلاً، حتى انْتَفَخَتْ أقْدَامُهم، وأَمْسَكَ اللهُ خاتِمَتَها في السماءِ اثْنَيْ عشرَ شَهْراً، ثم أَنزلَ التخفيفَ في آخِرِ هذه السورةِ، فصارَ قِيامُ الليلِ تَطَوُّعاً مِن بعدِ فَرْضِه.
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} أيْ: اقْرَأْهُ على مَهْلٍ مع تَدَبُّرٍ حَرفًا حرْفاً، والترتيلُ هو أنْ يُبَيِّنَ جميعَ الحروفِ ويُوفِيَ حَقَّها مِن الإشباعِ دُونَ تَنَطُّعٍ وَتَقَعُّرٍ في النُّطْقِ.
5-{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} أيْ: سنُوحِي إليكَ القرآنَ، وهو قولٌ ثَقيلٌ فَرائضُه وحُدودُه، وحَلالُه وحَرامُه، لا يَحْمِلُه إلا قلْبٌ مؤيَّدٌ بالتوفيقِ, ونفْسٌ مُزَيَّنَةٌ بالتوحيدِ.
6-{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} يُقالُ لقيامِ الليلِ: ناشئةٌ. إذا كانَ بعدَ نَومٍ، فإذا نِمْتَ مِن أوَّلِ الليلِ ثم قُمتَ فتلكَ الْمَنْشَأَةُ والنشأةُ.
{هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} أثْقَلُ على المصلِّي مِن صلاةِ النهارِ؛ لأنَّ الليلَ للنومِ.
{وَأَقْوَمُ قِيلاً} أيْ: وأَسَدُّ مَقَالاً وأَثْبَتُ قِراءةً، لحضورِ القلْبِ فيها، وأشَدُّ استقامةً؛ لأنَّ الأصواتَ فيها هادئةٌ والدنيا ساكنةٌ.
7-{إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} أيْ: تَصَرُّفاً في حَوَائِجِكَ، وإِقْبَالاً وإِدْبَاراً، وذَهاباً ومَجيئاً، فَصَلِّ بالليلِ.
8-{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} لَيلاً ونَهاراً واستَكْثِرْ مِن ذلك.
{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} أيْ: انقَطِعْ إلى اللهِ انْقِطَاعاً بالاشتغالِ بعِبادتِه، والتماسِ ما عندَه.
9-{فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} أيْ: إذا عَرفتَ أنه المخْتَصُّ بالرُّبوبيَّةِ، فاتَّخِذْه {وَكيلاً}. أيْ: قائماً بأُمُورِكَ، وعَوِّلْ عليه في جميعِها.