تفسير ابن كثير
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الجنّ وهي مكّيّةٌ.
يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبر قومه: أنّ الجنّ استمعوا القرآن فآمنوا به وصدّقوه وانقادوا له، فقال تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد} أي: إلى السّداد والنّجاح، {فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29] وقد قدّمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقوله: {وأنّه تعالى جدّ ربّنا} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {جدّ ربّنا} أي: فعله وأمره وقدرته.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: جدّ اللّه: آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه.
وروي عن مجاهدٍ وعكرمة: جلال ربّنا. وقال قتادة: تعالى جلاله وعظمته وأمره. وقال السّدّيّ: تعالى أمر ربّنا. وعن أبي الدّرداء، ومجاهدٌ أيضًا وابن جريجٍ: تعالى ذكره. وقال سعيد بن جبيرٍ: {تعالى جدّ ربّنا} أي: تعالى ربّنا.
فأمّا ما رواه ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الجدّ: أبٌ. ولو علمت الجنّ أنّ في الإنس جدًّا ما قالوا: تعالى جدّ ربّنا.
فهذا إسنادٌ جيّدٌ، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام؛ ولعلّه قد سقط شيءٌ، واللّه أعلم. وقوله: {ما اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا} أي: تعالى عن اتّخاذ الصّاحبة والأولاد، أي: قالت الجنّ: تنزّه الرّبّ تعالى جلاله وعظمته، حين أسلموا وآمنوا بالقرآن، عن اتّخاذ الصّاحبة والولد.
ثمّ قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا على اللّه شططًا} قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والسّدّيّ: {سفيهنا} يعنون: إبليس، {شططًا} قال السّدّي، عن أبي مالكٍ: {شططًا} أي: جورًا. وقال ابن زيدٍ: ظلمًا كبيرًا.
ويحتمل أن يكون المراد بقولهم: {سفيهنا} اسم جنسٍ لكلّ من زعم أنّ للّه صاحبةً أو ولدًا. ولهذا قالوا: {وأنّه كان يقول سفيهنا} أي: قبل إسلامه {على اللّه شططًا} أي: باطلًا وزورًا؛ {وأنّا ظننّا أن لن تقول الإنس والجنّ على اللّه كذبًا} أي: ما حسبنا أنّ الإنس والجنّ يتمالئون على الكذب على اللّه في نسبة الصّاحبة والولد إليه. فلمّا سمعنا هذا القرآن وآمنّا به، علمنا أنّهم كانوا يكذبون على اللّه في ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 8/237-239]