دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


التمييزُ
تعريفُ التمييزِ وبيانُ نوعِه وحُكْمُ كلِّ نوعٍ
355- اسمٌ بمعنى مِن مُبِينٌ نَكِرَهْ = يُنْصَبُ تَمييزاً بما قد فَسَّرَهْ
356- كشِبْرٍ ارْضاً وقَفيزُ بُرًّا = ومَنَوَيْنِ عَسَلاً وتَمْراً
التمييزُ: اسمٌ نَكِرَةٌ بمعنى (مَن) لبيانِ ما قَبْلَه مِن إبهامٍ.
نحوُ: اشتريتُ رَطلاً عَسلاً فـ (عَسلاً) تمييزٌ لأنه اسمٌ بدليلِ تَنوينِه، وهو نَكِرَةٌ مُتَضَمِّنٌ معنى (مِن) التي للبيانِ أيْ: مِن العسَلِ، وبَيَّنَ ما قَبْلَه مِن إبهامٍ لأنَّ قولَك: اشتَرَيْتُ رَطْلاً فيه إبهامٌ؛ لأنَّ السامعَ لا يَفهمُ ما تريدُ بالرطْلِ هل تُريدُ عَسلاً أو تَمراً أو سَمْناً.. وذلك لأنَّ الرطْلَ اسمٌ يَصْلُحُ لأنْ تُرادَ به هذه الأشياءُ وغيرُها، فإذا قُلتَ: (عَسَلاً) زالَ الإبهامُ وفُهِمَ المرادُ؛ لأنك مَيَّزْتَ له (الرطْلَ) وبَيَّنْتَ المقصودَ به؛ ولذلك يُسَمَّى لفْظُ (عَسَلاً) تَمييزاً، والاسمُ المبهَمُ (مُمَيِّزاً).
وإذا قلتَ: طابَ المكانُ، نَجِدُ أنَّ في الجملةِ إبهاماً، ولكنَّه لا يَقَعُ على كلمةٍ واحدةٍ ـ كما في المثالِ السابقِ، وإنما يَنْصَبُّ على الجملةِ كلِّها، وهو نِسبةُ الطِّيبِ إلى المكانِ، إذ لا نَدْرِي ما المرادُ به؟ أهو هَوَاؤُه أمْ ماؤُه أمْ تُرْبَتُه؟ فإذا قلنا: طابَ المكانُ هَواءً، تَعَيَّنَ المرادُ واتَّضَحَت النِّسبةُ؛ ولذلك يُسَمَّى لفْظُ (هواءً) تَمييزاً لأنه أَزالَ إبهاماً في نِسبةِ الطِّيبِ إلى المكانِ.
وخَرَجَ بقَوْلِنا: نَكِرَةٌ:، نحوُ: هذا الرجُلُ طاهِرٌ قَلْبُه، فـ (قَلْبُه) وإنْ بَيَّنَ إبهامَ ما قَبْلَه، لكنه ليس بتمييزٍ؛ لأنه مَعْرِفَةٌ فهو منصوبٌ على التشبيهِ بالمفعولِ به كما سيأتي إنْ شاءَ اللهُ في بابِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ.
وخَرَجَ بقولِنا: بمعنى (مِن) الحالُ فإنه بمعنى (في حالِ كذا) وخرَجَ بقَوْلِنا: بيانُ ما قَبْلَه: اسمُ (لا) النافيةِ للجنْسِ، نحوُ: لا رَجُلَ في الْمَسْجِدِ، فإنه وإنْ كان بمعنى (مِن) لكنها ليستْ للبيانِ بل هي (مِن) الاستغراقيَّةُ.
والتمييزُ نَوعانِ:
الأوَّلُ: تمييزُ المفرَدِ أو تمييزُ الذاتِ، وهو الذي يكونُ مُمَيِّزُه لَفْظاً دالاًّ على العددِ، نحوُ: اشْتَرَيْتُ سِتَّةَ عَشَرَ كِتاباً، أو على الْمِقدارِ وهو إمَّا مِساحة، نحوُ: اشترَيْتُ ذِرَاعاً صُوفاً, أو كَيْلٌ، نحوُ: اشتريْتُ إِرْدَبًّا قَمْحاً، أو وَزْنٌ، نحوُ: اشترَيْتُ رَطْلاً سَمْناً، أو على ما يُشْبِهُ الْمِقدارَ (وهو ما أَجْرَتْهُ العرَبُ مَجْرَى المقادِيرِ لشَبَهِهِ به في مُطْلَقِ الْمِقدارِ وإنْ لم يَكُنْ منها..)، نحوُ: صَبَبْتُ على النَّجَاسَةِ ذَنوباً ماءً، واشتَرَيْتُ نِحْياً سَمْناً، قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِن أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى} فـ (ذَهَباً) تمييزٌ مَنصوبٌ، والممَيَّزُ شَبيهٌ بالْمِقدارِ وهو قولُه (مِلْءُ الأرْضِ).
وقالَ تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فـ (خيراً وشرًّا) مَنصوبانِ على التمييزِ، والممَيَّزُ شبيهٌ بالوزْنِ وليس بوَزْنٍ حقيقةً؛ لأنَّ مِثقالَ الذرةِ ليس نوعاً مِن أنواعِ ما يُوزَنُ به عُرْفاً.
سُمِّيَ هذا النوعُ تمييزَ المفرَدِ لأنه يُزيلُ الإبهامَ مِن كلمةٍ واحدةٍ أو ما هو بِمَنْزِلَتِها، وتمييزَ الذاتِ لأنَّ الغالِبَ في تلك الكَلِماتِ أنها ذَواتٌ مَحسوسةٌ كالإرْدَبِّ والرَّطْلِ والذِّراعِ ونحوِها.
النوعُ الثاني: تمييزُ الجملةِ، وهو الذي يُزيلُ الإبهامَ عن المعنى العامِّ بينَ طَرَفَيْهَا، وهو المعنَى المنسوبُ فيها لشيءٍ مِن الأشياءِ ولذا يُسَمَّى تمييزَ النِّسبةِ.
وهو بِحَسْبِ أصْلِه نَوعانِ:
1- تمييزٌ مُحَوَّلٌ عن الفاعِلِ:، نحوُ: حَسُنَ الشابُّ خُلُقاً، فـ (خُلُقاً) تمييزُ نِسبةٍ لأنه أَزالَ الإبهامَ في نِسبةِ الْحُسْنِ إلى الشابِّ، وهو منقولٌ مِن الفاعلِ، والأصْلُ: حَسُنَ خُلُقُ الشابِّ، ومنه قولُه تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فـ (شَيْباً) تمييزُ نِسبةٍ مُحَوَّلٌ عن الفاعِلِ؛ لأنَّ تقديرَه، واشتَعَلَ شَيْبُ الرأسِ.
2- تمييزٌ مُحَوَّلٌ عن المفعولِ:، نحوُ : وَفَّيْتُ العمالَ أُجُوراً، فـ (أُجُوراً) تَمييزُ نِسبةٍ أزالَ الإبهامَ في نِسبةِ التوفيةِ إلى العُمَّالِ، وهو مَنقولٌ عن المفعولِ والأصْلُ: وَفَّيْتُ أُجورَ العُمَّالِ، ومنه قولُه تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} فـ (عُيوناً) تمييزُ نِسبةٍ مُحَوَّلٌ عن المفعولِ؛ لأنَّ تقديرَه: وفَجَّرْنَا عُيونَ الأرْضِ.
وحُكْمُ التمييزِ النصْبُ ـ غالبا ـ والناصِبُ لِمُبَيِّنِ الاسمِ هو ذلك الاسمُ المبهَمُ كعشرينَ كِتاباً، والناصبُ لِمُبَيِّنِ النسبةِ الْمُسْنَدُ مِن فِعْلٍ أو شِبْهِه، نحوُ: ازدادَ الْمُتَعَلِّمُ أَدَباً، المتعلِّمُ مُستقيمٌ خُلُقاً.
قالَ ابنُ مالكٍ: (اسمٌ بمعنى من.. إلخ) أيْ: أنَّ التمييزَ اسمٌ بمعنى (مِن) يُبَيِّنُ إبهامَ ما قَبْلَه وهو نَكِرَةٌ، منصوبٌ، وناصِبُه هو الشيءُ المبْهَمُ الذي جاءَ التمييزُ لإيضاحِه وإزالةِ إبهامِه، وظاهِرُ هذا أنَّ تَمييزَ النِّسبةِ منصوبٌ بالجملةِ التي جاءَ التمييزُ لإيضاحِ النِّسبةِ فيها.
ثم بَيَّنَ أنواعَ التمييزِ بالأمثلةِ (كشِبْرٍ أرْضاً) للمِساحةِ (وقَفِيزٍ بُرًّا) للكَيْلِ، (ومَنَوَيْنِ عَسلاً وَتَمْراً) للوَزْنِ، و (مَنَوَيْنِ) تَثنيةُ (مَنًا) كعَصَا، وهو مِن مَقادِيرِ الوزْنِ الْمُقَدَّرَةِ في بعضِ الأقطارِ برَطْلَيْنِ.
جَوازُ جَرِّ التمييزِ بالإضافةِ وشَرْطُ ذلك

357- وبعدَ ذي وشِبْهِهِا اجْرُرْه إذا = أَضَفْتَها كمُدِّ حِنْطَةٍ غِذَا
358- والنصْبُ بعدَ ما أُضيفَ وَجَبَا = إن كان مِثلَ مِلءُ الأرضِ ذَهَبَا
تَقَدَّمَ أنَّ حُكْمَ تَمييزِ المفرَدِ النصْبُ، وهذا هو الأَحْسَنُ، وذَكَرَ هنا أنه يَجُوزُ فيما دَلَّ على كَيْلٍ أو مِساحةٍ أو وَزْنٍ وَجْهاً آخَرَ، وهو الْجَرُّ على أنه مُضافٌ إليه، والممَيَّزُ هو المضافُ، تقولُ: شَرِبْتُ رَطْلَ لَبَنٍ، عِنْدِي مِثقالُ ذَهَبٍ، اشترَيْتُ ذِراعَ صُوفٍ.
ويُشترَطُ في ذلك ألاَّ يُضافَ الدالُّ على مِقدارٍ إلى غيرِ التمييزِ، فإنْ أُضيفَ إلى غيرِ التمييزِ وَجَبَ نَصْبُ التمييزِ أو جَرُّه بِمَن، نحوُ: ما في الأرْضِ قَدْرُ راحةٍ ظِلاًّ، ومنه قولُه تعالى: {فَلَن يُقْبَلَ مِن أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} فـ (ذَهَباً) تمييزٌ منصوبٌ؛ لأنَّ الدالَّ على مِقدارٍ، وهو (مِلْءُ) أُضيفَ لغيرِ التمييزِ.
وأمَّا حُكْمُ تمييزِ العَدَدِ، فهو مذكورٌ في بابِ العدَدِ وهذا معنى قولِه: (وبعدَ ذي وشِبْهِها اجْرُرْهُ.. إلخ) فالمرادُ (بذي..) الأشياءُ التي سَبَقَ أنْ عَرَضَ لها أمثلةً في البيتِ السابقِ، وهي الْمِساحةُ، والكَيْلُ، والوزْنُ، فإنَّ التمييزَ بعدَها مجرورٌ بالإضافةِ (كَمُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا) والْمُدُّ: بالضمِّ، كَيْلٌ، وهو رُبُعُ الصاعِ، وقولُه: (غِذَا) بالقصْرِ وأصْلُه (غِذاءً) وهو خبرُ المبتدأِ (مُدُّ) والمرادُ بشِبْهِها كلُّ لفْظٍ عَرَبِيٍّ جرى العُرْفُ على استعمالِه في واحدٍ مِن الثلاثةِ، نحوُ: مِثقالٍ، وذَنوبٍ ونحوِهما.
ثم ذَكَرَ أنَّ الجرَّ بالإضافةِ إنما يكونُ حينَ إضافةِ الْمُمَيَّزِ للتمييزِ مباشَرَةً، فإنْ أُضيفَ لغيرِه وَجَبَ النصْبُ ثم ذَكَرَ المثالَ لذلك.

حكْمُ التمييزِ بعدَ (أفْضَلَ) التفضيلِ


حكْمُ التمييزِ بعدَ التَّعَجُّبِ

359- والفاعلَ الْمعْنَى انْصِبَنْ بأَفْعَلَا = مفَضِّلاً كأنتَ أَعْلَى مَنْزِلاَ
360- وبعدَ كلِّ ما اقْتَضَى تَعَجُّبَا = مَيِّزْ كأَكْرِمْ بأَبِي بكرٍ أَبَا
مِن أنواعِ تمييزِ النِّسْبَةِ التمييزُ الواقِعُ بعدَ أفْعَلَ التفضيلِ والواقِعُ بعدَ ما يُفيدُ التَّعَجُّبَ.
أمَّا الأوَّلُ: فإنْ كان فاعِلاً في المعنى وَجَبَ نصْبُه وإنْ لم يكنْ كذلك وَجَبَ جَرُّه بالإضافةِ.
وعلامَةُ ما هو فاعِلٌ في المعنى: أنْ يَصْلُحَ جَعْلُه فاعلاً بعدَ جَعْلِ أفْعَلَ التفضيلِ فِعْلاً، نحوُ: العالِمُ العامِلُ أرْفَعُ مِن ذوي المالِ قَدْراً فـ (قَدْراً) تمييزٌ يَجِبُ نَصْبُه، وهو فاعلٌ في المعنى، إذ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: العالِمُ العامِلُ ارْتَفَعَ قَدْرُه، ومنه قولُه تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً}.
وعلامةُ ما ليس بفاعِلٍ في المعنى أنْ يكونَ أفعَلَ التفضيلِ بَعْضاَ مِن جِنْسِ التمييزِ، ويُعْرَفُ ذلك بصِحَّةِ حذْفِ أفعلَ التفضيلِ ووَضْعِ لفظِ (بَعْض) موضِعَه، نحوُ: الأنبياءُ ـ عليهم الصلاةُ والسلامُ ـ أصْدَقُ الناسِ فـ (الناسُ) تَمييزٌ يَجِبُ جَرُّه بالإضافةِ لأنه ليس بفاعِلٍ في المعنى: إذ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: الأنبياءُ بعضُ الناسِ.
ويُستثنَى مِن ذلك ما إذا أُضيفَ أفْعَلُ إلى غيرِ التمييزِ؛ فإنه يَجِبُ نَصْبُه حينئذٍ لتَعَذُّرِ إضافةِ أفْعَلَ مَرَّتَيْنِ، نحوُ: العاملُ بعِلْمِه أفْضَلُ الناسِ رَجُلاً.
وأمَّا الواقِعُ بعدَ ما يُفيدُ التعَجُّبَ فإنه يَجِبُ نَصْبُه، سواءٌ في ذلك التعَجُّبُ القِياسيُّ أو السماعيُّ، فالقياسيُّ نحوُ: ما أحسَنَ الصدْقَ خُلُقاً للمسلِمِ، وأحسِنْ بالصدْقِ خُلُقاً للمسلِمِ، والسماعيُّ، نحوُ: للهِ دَرُّه فارِساً وقولُ الشاعرِ:
وحَسْبُكَ داءً أنْ تَبِيتَ ببِطْنَةٍ = وحولَك أَكبادٌ تَحِنُّ إلى القَدِّ
وهذا معنى قولِه: (والفاعلَ المعنى انْصِبَنْ بأَفْعَلَا.. إلخ) أي: انْصِب الفاعلَ في المعنى بـ (أفْعَلَ) مُفَضِّلاً له على غيرِه ثم ذَكَرَ الْمِثالَ.
وقولُه: (وبعدَ كلِّ ما اقْتَضَى تَعَجُّباً مَيِّزْ... إلخ) أي: اذْكُر التمييزَ بعدَ كلِّ ما دَلَّ على تَعَجُّبٍ، وأشارَ بذلك إلى أنه غيرُ خاصٍّ بالصِّيغَتَيْنِ الْمَوْضُوعَتَيْنِ للتَّعَجُّبِ، بل هو شامِلٌ للتعَجُّبِ بهما، وهو القياسيُّ وبغيرِهما، وهو السماعيُّ ثم ذَكَرَ الْمِثالَ:

جوازُ جَرِّ التمييزِ بـ (مِن)


361- واجْرُرْ بِمِن إن شئتَ غيرَ ذي العَدَدْ = والفاعلِ المعنى كطِبْ نفساً تُفَدْ

تَقَدَّمَ أنَّ التمييزَ يَجُوزُ نَصْبُه ويَجوزُ جَرُّهُ بالإضافةِ، نحوُ: اشْتَرَيْتُ رَطْلاً عَسَلاً واشتريتُ رَطْلَ عَسَلٍ، وذكَرَ ـ هنا ـ وَجْهاً ثالثاً وهو جَرُّه بـ (مِن) التي لبيانِ الجنْسِ، نحوُ: بِعْتُ ذِراعاً مِن صُوفٍ، لا أَمْلِكُ شِبْراً مِن أرْضٍ، زَرَعْتُ فَدَّاناً مِن قَمْحٍ.
ويَمْتَنِعُ الجَرُّ بـ (مِن) في ثلاثِ مَسائلَ:
الأوَّلُ: تَمييزُ العَدَدِ كعِشرينَ قَلَماً.
الثانيةُ: ما كان فاعِلاً في المعنى، نحوُ: استقامَ الولَدُ خُلُقاً.
الثالثةُ: التمييزُ المحوَّلُ مِن المفعولِ، نحوُ: غَرَسْتُ الأرضَ شَجَراً وقد اقتصَرَ ابنُ مالِكٍ على الأُولَى والثانيةِ، فقالَ: (واجْرُرْ بِمَن إنْ شِئْتَ غيرَ ذي العَدَدِ.. إلخ) أي: اجْرُرِ التمييزَ بالحرْفِ (مِن) بشَرْطِ ألاَّ يكونَ تمييزَ عددٍ، ولا فاعِلاً في المعنى مِثْلَ: طِبْ نَفْساً تُفَدْ، أيْ: مَن طابَتْ نفْسُه أحَبَّهَ الناسُ وخالَطُوهُ وأَفَادُوه فوائدَ، ومَن خَبُثَتْ نفْسُه فهو بِضِدِّ ذلك، والأصْلُ: لتَطِبْ نفْسُكَ، ثم حُوِّلَ الكلامُ فصارَ الفاعلُ تَمييزاً، فلا يَصِحُّ جَرُّه بـ (مَن) وأشارَ بقولِه: (إنْ شِئْتَ) إلى أنَّ الجرَّ جائزٌ لا واجِبٌ، والذي يَجُوزُ جَرُّه هو تَمييزُ الْمِقدارِ، وتمييزُ النِّسبةِ إذا لم يَكُنْ مُحَوَّلاً، نحوُ: ما أحْسَنَ زيداً رَجُلاً.
حكْمُ تقديمِ التمييزِ على عامِلِه


362- وعامِلَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقاً = والفعلُ ذو التصريفِ نَزْراً سُبِقَا

عامِلُ التمييزِ إمَّا أنْ يكونَ اسماً، نحوُ: اشتَرَيْتُ رَطْلاً سَمْناً، أو فِعْلاً جَامِداً كأفعَلَ في التعَجُّبِ، نحوُ: ما أحسَنَ الصديقَ خُلُقاً، أو فِعْلاً مُتَصَرِّفاً يُؤَدِّي معنى الجامِدِ، نحوُ: كفَى باللهِ شَهيداً، أو فِعلاً متَصَرِّفاً، نحوُ: طابَ خالدٌ نفْساً.
فإنْ كان العامِلُ اسماً أو فِعْلاً جامِداً أو مُتَصَرِّفاً بمعنى الجامِدِ لم يَجُزْ تقديمُ التمييزِ عليه.
أمَّا إنْ كانَ فِعْلاً متَصَرِّفاً فإنه يَجُوزُ تقديمُ التمييزِ عليه عندَ جماعةٍ مِن النُّحاةِ، منهم الكِسائيُّ والمازِنِيُّ والْمُبَرِّدُ، ووافَقَهُم ابنُ مالِكٍ في غيرِ الأَلْفِيَّةِ، وفي الأَلْفِيَّةِ جَعَلَه قليلاً، واستَدَلَّ هؤلاءِ بالسماعِ عن العرَبِ كقولِ الشاعرِ:
أَنَفْساً تَطيبُ بنَيْلِ الْمُنَى = وداعِي الْمَنونِ يُنَادِي جِهَارَا

فقَدَّمَ الشاعرُ التمييزَ (نَفْساً) على عامِلِه (تَطيبُ) وهو فِعْلٌ مُتَصَرِّفٌ، وقولُ الآخَرِ:
ضَيَّعْتُ حَزْمِي في إبعادِيَ الأَمَلاَ = وما ارْعَوَيْتُ وشَيْباً رأسِيَ اشْتَعَلاَ

فقَدَّمَ الشاعِرُ التمييزَ (شَيْباً) على عامِلِه (اشْتَعَلاَ) وهو فعْلٌ مُتَصَرِّفٌ.
وأمَّا الجمهورُ مِن النُّحاةِ وعلى رأسِهم سِيبويهِ: فإنهم يَمنعونَ تقديمَ التمييزِ على عامِلِه، وما وَرَدَ مِن تقديمِه فهو ضَرورةٌ فلا يُقاسُ عليه، وهذا هو المختارُ فإنَّ التمييزَ كالنعْتِ في الإيضاحِ، والنعْتُ لا يَتَقَدَّمُ على عامِلِه فكذلك، ما أَشْبَهَه، وأيضاًَ فالغالِبُ في التمييزِ المنصوبِ بفعْلٍ متَصَرِّفٍ أنْ يكونَ فاعِلاً في الأصْلِ، فلا يُغَيَّرُ عما كان يَسْتَحِقُّ مِن وُجوبِ التأخيرِ.
قالَ ابنُ مالِكٍ: (وعاملَ التمييزِ قَدِّمْ مُطْلَقاً.. إلخ) أيْ: إنَّ عاملَ التمييزِ يَجِبُ تقديمُه (مُطْلَقاً) أيْ: سواءٌ كانَ العاملُ اسماً أو فِعلاً، وإذا كانَ العاملُ فِعْلاً مُتَصَرِّفاً، فقد يَتأخَّرُ هذا العاملُ ويَسْبِقُه التمييزُ وهذا نادِرٌ، والألِفُ في قولِه (سُبِقاً) للإطلاقِ، واللهُ أعْلَمُ.
وإلى هنا انتهى الجزءُ الأوَّلُ، مِن شرْحِ الألفيَّةِ ويَتْلُوهُ ـ إنْ شاءَ اللهُ- الجزءُ الثاني وأَوَّلُه: حروفُ الجرِّ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التمييز

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir