وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّالِثُ: وَهُمْ أَهْلُ التَّجْهِيلِ: فَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ المُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ وَأَتْبَاعِ السَّلَفِ. يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّسُولَ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمْ يَعْرِفُ مَعَانِيَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَلا جِبْرِيلُ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الآيَاتِ، وَلا السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ عَرَفُوا ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ: إِنَّ مَعْنَاهَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ، مَعَ أَنَّ الرَّسُولَ تَكَلَّمَ بِهَذَا ابْتِدَاءً، فَعَلَى قَوْلِهِمْ تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ.
وَهَؤُلاءِ يَظُنُّونَ أَنَّهُم اتَّبَعُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ } [آلُ عِمْرَانَ: 7 ] فَإِنَّه وَقْفَ أكثّرُ السَّلَفِ عَلَى قَوْلِهِ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ } [آلُ عِمْرَانَ: 7 ] وَهُوَ وَقْفٌ صَحِيحٌ، لكنْ لمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَعْنَى الكَلامِ وَتَفْسِيرِهِ، وَبَيْنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي انْفَرَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَظَنُّوا أَنَّ التَّأْوِيلَ المذكورَ فِي كَلامِ اللَّهِ هُوَ التَّأْوِيلُ المَذْكُورُ فِي كَلامِ المُتَأَخِّرِينَ، وَغَلَطُوا فِي ذَلِكَ.