قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت: 311هـ): (باب ذكر الدّليل على أنّ قوله عزّ وجلّ {وهو الّذي أحياكم} [الحج: 66] ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ليس ينفي أنّ اللّه عزّ وجلّ يحيي الإنسان أكثر من مرّتين
[التوحيد: 2/879]
على أنّ من ادّعى ممّن أنكر عذاب القبر، وزعم أنّ اللّه لا يحيي أحدًا في القبر قبل يوم القيامة، احتجاجًا بقوله: {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] وهذه الآية من الجنس الّتي قد أعلمت في مواضع من كتبنا في ذكر العدد الّذي لا يكون نفيًا لما زاد على ذلك العدد فافهموه لا تغالطوا قال اللّه عزّ وجلّ: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قال أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها، فأماته اللّه مائة عامٍ ثمّ بعثه} فقد أحيا اللّه عزّ وجلّ هذا العبد مرّتين قبل البعث يوم القيامة وسيبعث يوم القيامة، فهذه الآية تصرّح أنّ اللّه تعالى قد أحيا هذا العبد مرّتين إذ قد أحياه المرّة الثّانية بعد مكثه ميّتًا مائة سنةٍ، وسيحييه يوم القيامة فيبعثه وقال جلّ وعلا: {ألم تر إلى الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثمّ أحياهم} [البقرة: 243] وقد كنت بيّنت في كتابي الأوّل كتاب معاني القرآن أنّ هذا الأمر أمر تكوينٍ، أماتهم اللّه بقوله موتوا لأنّ سياق الآية دالٌ على أنّهم ماتوا والإحياء إنّما كان بعد الإماتة؛ لأنّ قوله عزّ وجلّ: {ثمّ أحياهم} [البقرة: 243] دالٌّ على أنّهم قد كانوا ماتوا فأحياهم اللّه بعد الموت، فهذه الجماعة قد أحياهم اللّه مرّتين، قبل البعث، وسيبعثهم اللّه يوم القيامة أحياءً، فالكتاب دالٌّ على أنّ اللّه يحيي هذه الجماعة مع ما تقدّم من إحياء اللّه إيّاهم ثلاث مرّاتٍ
[التوحيد: 2/880]
لو كان كما ادّعت هؤلاء الجهلة أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يحيي أحدًا في القبر قبل وقت البعث فكيف وقد ثبت في كتاب اللّه وسنن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم خلاف دعواهم الدّاحضة، خبر اللّه عزّ وجلّ أنّ آل فرعون يعرضون على النّار غدوًّا وعشيًّا، وسياق الآية دالٌّ على أنّ النّار إنّما تعرض عليهم غدوًّا وعشيًّا قبل يوم القيامة ومحالٌ أن تعرض النّار على جسدٍ لا روح فيه، ولا يعلم أنّ النّار تعرض عليه، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أخبر أيضًا أنّ النّار تعرض على كلّ ميّتٍ إذا كان من أهلها، كذلك أخبر أنّ الجنّة تعرض على كلّ ميّتٍ غدوًّا وعشيًّا إذا كان من أهلها
[التوحيد: 2/881]
حدّثنا يحيى بن حكيمٍ قال: ثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا مات أحدكم يعرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ، إن كان من أهل النّار، فقالوا: هذا مقعدك حتّى تبعث إليه " قال أبو بكرٍ: قد أمليت طرق هذا الخبر في كتاب الجنائز في أبواب عذاب القبر، وهذا الخبر يبيّن ويوضّح أنّ المقبور يحيا في قبره، ويبيّن ويوضّح أيضًا: أنّ الجنّة والنّار مخلوقتان، لا كما ادّعت الجهميّة أنّهما لم تخلقا بعد ،
[التوحيد: 2/881]
فاسمعوا خبرًا يدلّ على مثل ما دلّت عليه الآي الّتي تلوتها، والبيان أنّ اللّه عزّ وجلّ يحيي المقبور قبل البعث يوم القيامة ممّا لم أكن ذكرته في أبواب عذاب القبر، إذ ليس في الأخبار الّتي أذكرها ذكر العذاب، إنّما فيها ذكر الإحياء في القبر دون ذكر العذاب
[التوحيد: 2/882]
حدّثنا يوسف بن موسى، قال: ثنا جريرٌ، عن سليمان التّيميّ، عن أنسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «مررت على موسى وهو يصلّي في قبره»
[التوحيد: 2/882]