دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:31 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كان وأخواتها

كانَ وأخواتُها

تَرْفَعُ كانَ المبْتَدَااسْمًا والْخَبَرْ = تَنْصِبُهُ ككانَ سَيِّدًا عُمَرْ
كانَ ظَلَّ باتَ أَضْحَى أَصْبَحَا = أَمْسَى وصارَ ليسَ زالَ بَرِحَا
فَتِئَ وانْفَكَّ وهذهِ الأَرْبَعَةْ= لشِبْهِ نَفْيٍ أوْ لنَفْيٍ مُتْبَعَةْ
ومثلُ كانَ دامَ مَسْبُوقًا بِمَا = كأَعْطِ ما دُمْتَ مُصِيبًا دِرْهَمَا
وغيرُ ماضٍ مِثلَهُ قدْ عَمِلَا = إنْ كانَ غيرُ الماضِي منهُ استُعْمِلَا


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

كانَ وَأَخَوَاتُهَا
تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْماً وَالْخَبَرْ = تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّداً عُمَرْ ([1])
ككَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبَحَا = أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا ([2])
فَتِئَ وَانْفَكَّ وَهَذِي الأَرْبَعَهْ = لِشِبْهِ نَفْيٍ أَوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ ([3])
ومثلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِـ(مَا) = كَأَعْطِ مَا دُمْتَ مُصِيبًا دِرْهَمَا ([4])
لَمَّا فَرَغَ مِن الكلامِ على المبتدأِ والخبرِ شَرَعَ في ذِكْرِ نواسِخِ الابتداءِ، وهي قِسمانِ: أفعالٌ وحروفٌ؛ فالأفعالُ كانَ وأَخَوَاتُها، وأفعالُ المُقارَبَةِ، وظَنَّ وأَخَوَاتُها، والحروفُ ما وأَخَوَاتُها، ولا التي لِنَفْيِ الجِنْسِ، وإنَّ وأَخَوَاتُها.
فبَدَأَ المُصَنِّفُ بذِكْرِ كانَ وأَخَوَاتِها، وكلُّها أفعالٌ اتِّفَاقاً إلاَّ ليسَ؛ فذَهَبَ الجمهورُ إلى أنها فِعْلٌ، وذَهَبَ الفَارِسِيُّ في أحدِ قَوْلَيْهِ وأبو بَكْرِ بنُ شُقَيْرٍ- في أحدِ قَوْلَيْهِ- إلى أنها حرفٌ ([5]).
وهي تَرْفَعُ المبتدأَ وتَنْصِبُ خبرَه ويُسَمَّى المرفوعُ بها اسماً لها، والمنصوبُ بها خبراً لها.
وهذه الأفعالُ قِسمانِ: منها ما يَعْمَلُ هذا العملَ بلا شرطٍ، وهي كانَ وظَلَّ وباتَ وأَضْحَى وأَصْبَحَ وأَمْسَى وصارَ وليسَ، ومنها ما لا يَعْمَلُ هذا العملَ إلاَّ بشرطٍ، وهو قِسمانِ:
أحدُهما: ما يُشْتَرَطُ في عملِه أنْ يَسْبِقَه نفيٌ لفظاً أو تقديراً أو شِبْهُ نَفْيٍ، وهو أربعةٌ: زَالَ وبَرِحَ وفَتِئَ وانْفَكَّ، فمثالُ النفيِ لفظاً: (ما زالَ زَيْدٌ قَائماً)، ومثالُه تقديراً قولُه تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}؛ أي: لا تَفْتَأُ، ولا يُحْذَفُ النافي معَها إلاَّ بعدَ القَسَمِ؛ كالآيةِ الكريمةِ، وقد شَذَّ الحذفُ بدونِ القَسَمِ؛ كقولِ الشاعِرِ:
60- وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي = بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَطِقاً مُجِيداً ([6])
أي: لا أَبْرَحُ مُنْتَطِقاً مُجِيداً؛ أي: صاحبَ نِطاقٍ وجَوَادٍ ما أدامَ اللهُ قَوْمِي، وعَنَى بذلكَ أنه لا يَزَالُ مُسْتَغْنِياً ما بَقِيَ له قومُه، وهذا أحسنُ ما حُمِلَ عليه البيتُ.
ومثالُ شِبْهِ النفيِ، والمرادُ به النهيُ؛ كقولِكَ: (لا تَزَلْ قَائِماً)، ومنه قولُه:
61- صاحِ شَمِّرْ وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ الْمَوْ = تِ فَنِسْيَانُهُ ضَلاَلٌ مُبِينُ ([7])
والدعاءُ كقَوْلِكَ: (لاَ يَزَالُ اللهُ مُحْسِناً إليكَ)، وقولِ الشاعِرِ:
62- أَلاَ يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيَّ على الْبِلَى = ولا زالَ مُنْهَلاًّ بِجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ ([8])
وهذا هو الذي أَشارَ إليه المصنِّفُ بقولِهِ: (وهَذِي الأَرْبَعَة... إلى آخِرِ البيتِ).
القِسْمُ الثاني: ما يُشْتَرَطُ في عَمَلِهِ أنْ يَسْبِقَهُ (ما) المصدريَّةُ الظرفيَّةُ، وهو (دامَ)؛ كقولِكَ: (أَعْطِ ما دُمْتَ مُصِيباً دِرْهَماً)؛ أي: أَعْطِ مُدَّةَ دَوَامِكَ مُصِيباً دِرْهَماً، ومنه قولُه تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}؛ أي: مُدَّةَ دَوَامِي حيًّا، ومعنى (ظَلَّ) اتِّصَافُ المخبَرِ عنه بالخبَرِ نهاراً، ومعنى (باتَ) اتِّصَافُه به ليلاً، و(أَضْحَى) اتصافُه به في الضُّحَى، و(أَصْبَحَ) اتِّصَافُه به في الصباحِ (وأَمْسَى) اتصافُه به في المساءِ.
ومعنى (صارَ) التحوُّلُ من صفةٍ إلى صفةٍ أُخْرَى، ومَعْنَى (ليسَ) النفيُ، وهي عندَ الإطلاقِ لنفيِ الحالِ، نحوُ: (ليسَ زيدٌ قائماً)؛ أي: الآنَ، وعندَ التقييدِ بزمنٍ على حَسَبِهِ، نحوُ: (ليسَ زيدٌ قائماً غداً).
ومعنى زالَ وأَخَوَاتِها ملازمةُ الخبرِ المخبَرَ عنه على حسَبِ ما يَقْتَضِيهِ الحالُ، نحوُ: (ما زالَ زيدٌ ضاحكاً، وما زالَ عمرٌو أَزْرَقَ العَيْنَيْنِ).
ومعنى (دامَ) بَقِيَ واسْتَمَرَّ.
وغيرُ ماضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ = إنْ كانَ غيرُ الماضِ منهُ اسْتُعْمِلاَ ([9])
هذه الأفعالُ على قِسميْنِ ([10]):
أَحَدُهما: ما يَتَصَرَّفُ، وهو ما عدا ليسَ ودامَ.
والثاني: ما لا يَتَصَرَّفُ، وهو ليسَ ودامَ، فنَبَّهَ المصنِّفُ بهذا البيتِ على أنَّ ما يَتَصَرَّفُ مِن هذه الأفعالِ يَعْمَلُ غيرُ الماضي مِنه عَمَلَ الماضِي، وذلك هو المضارِعُ، نحوُ: (يكونُ زيدٌ قائماً)، قالَ اللهُ تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}، والأمرُ نحوُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، وقالَ اللهُ تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً}، واسمُ الفاعلِ نحوُ: (زَيْدٌ كائنٌ أخاكَ)، وقالَ الشاعِرُ:
63- وما كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشَاشَةَ كَائِناً = أَخَاكَ إِذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا ([11])
والمصدَرُ كذلكَ.
واخْتَلَفَ الناسُ في كانَ الناقصةِ: هل لها مصدرٌ أم لا ؟ والصحيحُ أنَّ لها مصدراً، ومنه قولُه:
64- بِبَذْلٍ وحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الْفَتَى = وكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ ([12])
وما لا يَتَصَرَّفُ منها وهو دامَ وليسَ ([13])، وما كانَ النفيُ أو شِبْهُه شرطاً فيه، وهو زالَ وأَخَوَاتُها لا يُسْتَعْمَلُ منه أمرٌ ولا مصدرٌ.

([1]) (تَرْفَعُ) فعلٌ مضارعٌ، (كَانَ) قُصِدَ لفظُه: فاعلُ تَرْفَعُ، (المُبْتَدَا) مفعولٌ به لِتَرْفَعُ، (اسْماً) حالٌ مِن قولِهِ: المُبْتَدَأَ، (وَالْخَبَرِ) الواوُ عاطفةٌ، الخَبَرْ: مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُهُ المذكورُ بعدَه، والتقديرُ: وتَنْصِبُ الخبرَ، (تَنْصِبُهُ) تَنْصِبُ: فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على (كانَ)، والضميرُ البارِزُ المتَّصِلُ مفعولٌ به، والجملةُ مِن تَنْصِبُ وفاعلِهِ ومفعولِه لا مَحَلَّ لها؛ تفسيريَّةٌ، (كَكَانَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرِ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وذلك كائنٌ كقولِكَ، كانَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، (سَيِّداً) خبرُ كانَ مقدَّمٌ، (عُمَر) اسمُها مؤخَّرٌ، مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وسُكِّنَ للوقفِ.
([2]) (ككانَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، و(كانَ) هنا قُصِدَ لَفْظُه، (ظَلَّ) قُصِدَ لفظُه أيضاً: مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (باتَ، أَضْحَى، أَصْبَحَا، أَمْسَى، وصارَ، ليسَ، زالَ، بَرِحَا) كلُّهُنَّ معطوفاتٌ على ظَلَّ بإسقاطِ حرفِ العطفِ ما عدا الخامِسَ.
([3]) (فَتِئَ وانْفَكَّ) معطوفان أيضاًً على (ظَلَّ) بإسقاطِ حرفِ العطفِ في الأوَّلِ، (وَهَذِي) الواوُ للاستئنافِ، ها: حرفُ تنبيهٍ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له من الإعرابِ، وذي: اسمُ إشارةٍ مبتدأٌ، (الأربعة) بَدَلٌ من اسمِ الإشارةِ، أو عطفُ بيانٍ عليه، أو نَعْتٌ له، (لِشِبْهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: (مُتْبَعَه) الآتِي، وشِبْهِ مضافٌ و(نَفْيٍ) مضافٌ إليه، (أوْ) حرفُ عطفٍ، (لنفيٍ) جارٌّ ومجرورٌ معطوفٌ على الجارِّ والمجرورِ السابقِ، (مُتْبَعَهْ) خبرُ المبتدأِ الذي هو اسمُ الإشارةِ.
([4]) (ومثلُ) خبرٌ مُقَدَّمٌ، ومثلُ مضافٌ و(كانَ) قُصِدَ لفظُه: مضافٌ إليه، (دامَ) قُصِدَ لفظُه أيضاًً: مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (مَسْبُوقاً) حالٌ من دامَ، (بِمَا) الباءُ حرفُ جرٍّ، و(ما) قُصِدَ لفظُه مجرورٌ مَحَلاًّ بالباءِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمَسْبُوقاً، (كَأَعْطِ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ كما سَبَقَ مِراراً، أَعْطِ: فعلُ أمرٍ، وفاعِلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجُوباَ تقديرُه أنتَ، ومفعولُه الأوَّلُ محذوفٌ، والتقديرُ: (أَعْطِ المُحْتَاجَ) مثلاً، (مَا) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، (دُمْتَ) دامَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، والتاءُ ضميرُ المخاطَبِ اسمُ دامَ، (مُصِيباً) خبرُ دامَ، (دِرْهَمَا) مفعولٌ ثانٍ لأَعْطِ.
وتلخيصُ البيتِ: ودامَ مثلُ كانَ ـ في العملِ الذي هو رفعُ الاسمِ ونصبُ الخبرِ ـ لكِن في حالةٍ معيَّنَةٍ، وهي حالةُ ما إذا سُبِقَتْ دامَ بما المصدريَّةِ الظرفيَّةِ الواقعةِ في نحوِ قولِكَ: (أَعْطِ المحتاجَ دِرهماً ما دُمْتَ مُصيباً)؛ أي: مُدَّةَ دَوَامِكَ مُصِيباً، والمرادُ: ما دُمْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكونَ مُصِيباً.
([5]) أَوَّلُ مَن ذَهَبَ مِن النُّحاةِ إلى أنَّ (ليسَ) حرفٌ، هو ابنُ السَّرَّاجِ، وتَابَعَه على ذلكَ أبو عليٍّ الفارِسِيُّ في (الحَلَبِيَّاتِ)، وأبو بَكْرِ بنُ شقيرٍ، وجماعةٌ.
واسْتَدَلُّوا على ذلك بدليليْنِ:
الدليلُ الأوَّلُ: أنَّ (ليسَ) أَشْبَهَ الحرفَ مِن وجهيْنِ:
- الوجهُ الأوَّلُ: أنه يَدُلُّ على معنَى يَدُلُّ عليه الحرفُ؛ وذلك لأنَّه يَدُلُّ على النفيِ الذي يَدُلُّ عليه (ما) وغيرُها من حروفِ النفيِ.
- الوجهُ الثاني: أنه جامدٌ لا يَتَصَرَّفُ كما أنَّ الحرفَ جامدٌ لا يَتَصَرَّفُ.
والدليلُ الثاني: أنه خالَفَ سُنَنَ الأفعالِ عامَّةً، وبيانُ ذلك أنَّ الأفعالَ بوجهٍ عامٍّ مُشْتَقَّةٌ مِن المصدرِ للدَّلالةِ على الحَدَثِ دائماً والزمانِ بحَسَبِ الصِّيَغِ المختلِفَةِ، وهذه الكَلِمَةُ لا تَدُلُّ على الحَدَثِ أَصْلاً، وما فيها مِن الدَّلالةِ على الزمانِ مُخَالِفٌ لِمَا في عامَّةِ الأفعالِ؛ فإنَّ عامَّةَ الأفعالِ الماضيةِ تَدُلُّ على الزمانِ الذي انْقَضَى، وهذه الكَلِمَةُ تَدُلُّ على نفيِ الحَدَثِ الذي دَلَّ عليه خَبَرُها في الزمانِ الحاضِرِ، إلى أنْ تقومَ قَرينةٌ تَصْرِفُه إلى الماضي أو المستقبَلِ، فإذا قلتَ: (ليسَ خَلَقَ اللهُ مِثْلَه) فليسَ أداةُ نفيٍ، واسمُها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، وجملةُ الفعلِ الماضِي - وهو خَلَقَ - وفاعلِه في محَلِّ نصبِ خبرِها، وفي هذا المثالِ قرينةٌ ـ وهي كونُ الخبرِ ماضياً ـ على أن المرادَ نفيُ الخلقِ في الماضي، وقولُه تعالى: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} يَشْتَمِلُ على قرينةٍ تَدُلُّ على أنَّ المرادَ نفيُ صرفِه عنهم فيما يُسْتَقْبَلُ من الزمانِ؛ مِن أجلِ ذلكَ كلِّه قالُوا: هي حرفٌ.
ويَرُدُّ ذلك عليهم قَبُولُها علاماتِ الفعلِ، ألا تَرَى أن تاءَ التأنيثِ الساكنةَ تَدْخُلُ عليها، فتقولُ: ليسَتْ هندٌ مُفْلِحَةً، وأنَّ تاءَ الفاعلِ تَدْخُلُ عليها، فتقولُ: لَسْتَ، ولَسْتِ، ولَسْتُمَا، ولَسْتُمْ، ولَسْتُنَّ.
وأمَّا عدمُ دَلالتِها على الحَدَثِ كسائرِ الأفعالِ فإنَّه منازَعٌ فيه؛ لأنَّ المُحَقِّقَ الرَّضِيَّ ذهَبَ إلى أنَّ (ليسَ) دالَّةٌ على حَدَثٍ ـ وهو الانتفاءُ ـ ولَئِنْ سَلَّمْنَا أنها لا تَدُلُّ على حَدَثٍ - كما هو الراجِحُ، بل الصحيحُ عندَ الجمهورِ - فإنا نقولُ: إنَّ عدمَ دَلالتِها على حَدَثٍ ليسَ هو بأصلِ الوضعِ، ولكنَّه طارِئٌ عليها، وعارِضٌ لها بسببِ دَلالتِها على النفيِ، والمعتبَرُ إنما هو الدَّلالةُ بحَسَبِ الوضع وأصلِ اللغةِ، وهي من هذه الجهةِ دالَّةٌ عليه، فلا يَضُرُّها أنْ يَطْرَأَ عليها ذلكَ الطارِئُ فيَمْنَعَها.
([6]) البيتُ لخِدَاشِ بنِ زُهَيْرٍ:
اللغةُ: (مُنْتَطِقاً) قدْ فَسَّرَهُ الشارِحُ العلاَّمَةُ تفسيراً، ويقالُ: جَاء فلانٌ مُنْتَطِقاً فَرَسَه، إذا جَنَّبَهُ؛ أي: جَعَلَه إلى جانبِه ولم يَرْكَبْهُ، وقالَ ابنُ فارسٍ: هذا البيتُ يَحْتَمِلُ أنه أرادَ أنه لا يَزَالُ بجَنْبُ فرساً جَوَاداً. ويَحْتَمِلُ أنه أرادَ أنه يقولُ قولاً مُسْتَجَاداً في الثناءِ على قومِه؛ أي: ناطِقاً، (مُجِيداً) بضمِّ الميمِ: يَجْرِي على المعنييْنِ اللذين ذكَرْناهما في قَوْلِهِ: (مُنْتَطِقاً)، وهو وصفٌ للفرسِ على الأوَّلِ، ووصفٌ لنفسِه على الثاني.
المعنى: يُرِيدُ أنه سَيَبْقَى مَدَى حياتِه فارِساً، أو ناطقاً بمآثِرِ قومِه ذاكراً مَمَادِحَهم؛ لأنَّها كثيرةٌ لا تَفْنَى، وسيكونُ جَيِّدَ الحديثِ عنهم، بارِعَ الثناءِ عليهم؛ لأنَّ صفاتِهم الكريمةَ تُنْطِقُ الألسنةَ بذِكْرِهم.
الإعرابُ: (أَبْرَحُ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، (ما) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، (أَدَامَ) فعلٌ ماضٍ، (اللهُ) فاعلُ أَدَامَ، (قَوْمِي) قوم: مفعولٌ به لأَدَامَ، وقوم مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (بِحَمْدِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: (أَبْرَحُ)، أو هو متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ، والتقديرُ: (أَحْمَدُ بحَمْدِ)، وحمدِ مضافٌ و(اللهِ) مضافٌ إليه، (مُنْتَطِقاً) اسمُ فاعلٍ فِعْلُه انْتَطَقَ، وهو خبرُ (أَبْرَحُ) السابقِ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه، (مُجِيداً) مفعولٌ به لمنتطِقٍ على المعنَى الأوَّلِ، وأصلُه صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، فلَمَّا حُذِفَ الموصوفُ أُقِيمَتِ الصفةُ مُقامَه، وأصلُ الكلامِ: لا أَبْرَحُ جانباً فَرَساً مُجيداً، وهو خبرٌ بعدَ خبرٍ على المعنى الثاني، وكأنه قالَ: لا أبْرَحُ ناطقاً بمحامدِ قومي مُجيداً في ذلك؛ لأنَّ محامِدَهم تُنْطِقُ الألسنةَ بجَيِّدِ المَدْحِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (أَبْرَحُ) حيثُ اسْتَعْمَلَهُ بدونِ نفيٍ أو شِبْهِ نفيٍ، معَ كونِهِ غيرَ مسبوقٍ بالقَسَمِ.
قالَ ابنُ عُصْفُورٍ: وهذا البيتُ فيه خلافٌ بينَ النحْويِّينَ؛ فمِنهم مَن قالَ: إنَّ أداةَ النفيِ مُرَادَةٌ، فكأنه قالَ: (لا أَبْرَحُ). ومنهم مَن قالَ: إن (أَبْرَحُ) غيرُ منفيٍّ، لا في اللفظِ ولا في التقديرِ، والمعنى عندَه: أَزُولُ بحمدِ اللهِ عن أنْ أكونَ مُنْتَطِقاً مُجِيداً؛ أي: صاحِبَ نِطاقٍ وجَوَادٍ؛ لأنَّ قومِي يَكْفُونَنِي هذا. فعلى هذا الوجهِ الأخيرِ في كلامِ ابنِ عُصْفُورٍ لا استشهادَ فيه.
ومثلُ هذا البيتِ قولُ خَلِيفَةَ بنِ برازٍ:
تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيـ = ـتَ بهالِكٍ حتَّى تَكُونَهْ
واعْلَمْ أنَّ شروطَ جوازِ حذفِ حرفِ النفيِ مُطلقاً ثلاثةٌ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ هذا الحرفُ (لا) دونَ سائرِ إخوانِه من حروفِ النفيِ.
الثاني: أنْ يكونَ المنفيُّ به مضارعاً؛ كما في الآيةِ، وكما في قولِ امْرِئِ القيْسِ:
فقُلْتُ يَمِينُ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِداً = ولوْ قَطَّعُوا رأسِي لَدَيْكِ وأَوْصَالِي
وقولِ عبدِ اللهِ بنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
واللهِ أَبْرَحُ في مُقَدِّمَةٍ = أُهْدِي الجيوشَ عَلَيَّ شِكَّتِيَهْ
حتَّى أُفَجِّعَهُمْ بِإِخْوَتِهِمْ = وأَسُوقَ نِسْوَتَهُمْ بِنِسْوَتِيَهْ
وقولِ عمرَ بنِ أبي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ:
تاللهِ أَنْسَى حُبَّهَا = حَيَاتَنَا أو أُقْبَرَا

وقولِ نُصَيْبٍ مِن مَرْثِيَّةٍ له في أبي بكرِ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ مَرْوَانَ:
تاللهِ أَنْسَى مُصِيبَتِي أبداً = مَا أَسْمَعَتْنِي حَنِينَهَا الإِبِلُ
الثالثُ: أنْ يكونَ ذلك في القَسَمِ؛ كما في الآيةِ الكريمةِ مِن سورةِ يُوسُفَ، وبيتِ امرِئِ القيسِ، وبيتِ عبدِ اللهِ بنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ، وبيتِ عُمَرَ، وبيتِ نُصَيْبٍ، وشَذَّ الحذفُ بدونِ القَسَمِ؛ كما في بيتِ خِدَاشٍ، وبيتِ خَليفةَ بنِ برازٍ.
([7]) البيتُ مِن الشواهدِ التي لا يُعْرَفُ قَائِلُها.
المعنى: يا صَاحِبِي اجْتَهِدْ واسْتَعِدَّ للموتِ، ولا تَنْسَ ذِكْرَهُ؛ فإنَّ نِسْيَانَه ضلالٌ ظاهِرٌ.
الإعرابُ: (صاحِ) مُنَادًى حُذِفَتْ منه ياءُ النداءِ، وهو مُرَخَّمٌ تَرْخِيماً غيرَ قِيَاسِيٍّ؛ لأنَّه نَكِرَةٌ، والقياسُ ألاَّ يُرَخَّمَ مما ليسَ آخِرُه تاءً إلاَّ العَلَمُ، (شَمِّرْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (ولا) الواوُ عاطفةٌ، لا: ناهيةٌ، (تَزَلْ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ مجزومٌ بحرفِ النهيِ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (ذَاكِرَ) خبرُ تَزَلْ، وذاكِرَ مضافٌ و(الموتِ) مضافٌ إليه، (فَنِسْيَانُهُ) الفاءُ: حرفٌ دالٌّ على التعليلِ، نِسيانُ: مبتدأٌ، ونسيانُ مضافٌ والهاءُ العائدةُ إلى الموتِ مضافٌ إليه، (ضَلاَلٌ) خبرُ المبتدأِ، (مُبِينُ) نعتٌ لضَلالٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ الموتِ)؛ حيثُ أَجْرَى فيه مضارِعَ (زالَ) مُجْرَى (كانَ) في العملِ؛ لكونِها مسبوقةً بحرفِ النهيِ، والنهيُ شَبِيهٌ بالنفيِ.
([8]) البيتُ لذِي الرُّمَّةِ غَيْلاَنَ بنِ عُقْبَةَ، يَقُولُه في صاحِبَتِه مَيَّةَ.
اللغةُ: (البِلَى) مِن بَلِيَ الثوبُ يَبْلَى ـ على وزنِ رَضِيَ يَرْضَى ـ أي: خَلِقَ وَرَثَّ، (مُنْهَلاًّ) مُنْسَكِباً مُنْصَبًّا، (جَرْعَائِكِ) الجَرْعَاءُ: رملةٌ مستَوِيَةٌ لا تُنْبِتُ شيئاً، (القَطْرُ) المَطَرُ.
المعنى: يَدْعُو لدارِ حَبِيبَتِه بأنْ تدومَ لها السلامةُ على مَرِّ الزمانِ مِن طواراقِ الحَدَثَانِ، وأنْ يدومَ نزولُ المطرِ بساحَتِها، وكَنَّى بنزولِ الأمطارِ عن الخِصْبِ والنَّماءِ بما يَسْتَتْبِعُ مِن رَفَاهِيَةِ أَهْلِها، وإقامَتِهم في رُبُوعِها، وعدمِ المهاجرةِ منها لانتجاعِ الغيثِ والكَلَأِ.
الإعرابُ: (أَلاَ) أداةُ استفتاحٍ وتنبيهٍ، (يَا) حرفُ نِداءٍ، والمنادَى محذوفٌ، والتقديرُ: (يَا دَارَ مَيَّةَ)، (اسْلَمِي) فعلُ أمرٍ مقصودٌ منه الدعاءُ، وياءُ المؤنَّثةِ المخاطَبَةِ فاعلٌ، (يا دارَ) يا: حرفُ نداءٍ، ودارَ: منادًى منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، ودارَ مضافٌ و(مَيَّ) مضافٌ إليه، (عَلى البِلَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْلَمِي، (ولا) الواوُ حرفُ عطفٍ، لا: حرفُ دُعاءٍ، (زَالَ) فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ، (مُنْهَلاًّ) خبرُ زالَ مُقَدَّمٌ، (بجَرْعَائِكِ) الجارُّ والمجرورُ متعلِقٌ بقولِهِ: (مُنْهَلاًّ)، وجرعاء مضافٌ وضميرُ المخاطبَةِ مضافٌ إليه، (القَطْرُ) اسمُ زالَ مُؤَخَّرٌ.
الشاهدُ فيه: للنحاةِ في هذا البيتِ شاهدانِ:
الأوَّلُ: في قولِهِ: (يا اسْلَمِي) حيثُ حَذَفَ المنادَى قبلَ فعلِ الأمرِ، فاتَّصَلَ حرفُ النداءِ بالفعلِ لفظاً، ولكنَّ التقديرَ على دخولِ (يا) على المنادَى المقدَّرِ، ولا يَحْسُنُ في مِثْلِ هذا البيتِ أنْ تَجْعَلَ (يا) حرفَ تنبيهٍ؛ لأنَّ (ألا) السابقةَ عليها حرفُ تنبيهٍ، ومن قواعِدِهِم المقرَّرَةِ أنه لا يَتَوَالَى حرفانِ بمعنًى واحدٍ لغيرِ توكيدٍ. ومثلُ هذا البيتِ فيما ذَكَرْنَا قولُ الشَّمَّاخِ:
يقولونَ لي يا احْلِفْ ولستُ بحَالِفٍ = أُخَادِعُهُمْ عَنْهَا لِكَيْمَا أَنَالُهَا
فقدْ أرادَ: يقولونَ لي: يا هذا، احْلِفْ.
ومثلُهُ قوْلُ الأَخْطَلِ:
ألاَ يَا اسْلَمِي يا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَكْرِ = ولا زالَ حَيَّانَا عِدًى آخِرَ الدهْرِ
أرادَ: ألا يا هِنْدُ اسلمي يا هندَ بني بَكْرٍ.
ومثلُه قولُ الآخَرِ:
ألاَ يَا اسْلَمِي ذاتَ الدَّمَالِيجِ والعِقْدِ = وذاتَ الثَّنَايَا الغُرِّ والفَاحِمِ الجَعْدِ
أرادَ: ألا يا ذاتَ الدَّمَالِيجِ، اسْلَمِي ذاتَ الدماليجِ... إلخ.
ومثلُ الأمرِ الدعاءُ؛ كما في قوْلِ الفَرَزْدَقِ:
يا أَرْغَمَ اللهُ أَنْفاً أَنْتَ حَامِلُهُ = يَا ذا الخَنَى ومَقَالِ الزُّورِ والخَطَلِ
يُريدُ: يا هذا، أَرْغمَ اللهُ أنفاً... إلخ.
ومثلُه قولُ الآخَرِ:
يا لَعْنَةُ اللهِ والأقوامِ كُلِّهِمُ = والصالحينَ على سِمْعَانَ مِنْ جَارِ
فيمَن رَوَاهُ برفعِ (لعنةُ اللهِ).
والشاهدُ الثاني: في قولِهِ: (ولا زالَ... إلخ) حيثُ أَجْرَى (زالَ) مُجْرَى (كانَ) في رَفْعِهَا الاسمَ ونصبِ الخبر؛ لتقدُّمِ (لا) الدُّعَائِيَّةِ عليها، والدعاءُ شِبْهُ النفيِ.
([9]) (وغيرُ) مبتدأٌ، وغيرُ مضافٌ و(ماضٍ) مضافٌ إليه، (مِثْلَه) مثلَ: حالٌ مُقَدَّمٌ على صَاحِبِها، وصاحبُها هو فاعلُ (عَمِلَ) الآتي، ومثلَ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، ومثلَ من الألفاظِ المُتَوَغِّلَةِ في الإبهامِ، فلا تُفِيدُها الإضافةُ تَعْرِيفاً؛ فلهذا وَقَعَتْ حالاً، (قَدْ) حرفُ تحقيقٍ، (عَمِلاَ) عَمِلَ: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى غيرِ الماضِي، والجملةُ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (إِنْ) شرطيَّةٌ، (كانَ) فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، فعلُ الشرطِ، (غَيْرُ) اسمُ كانَ، وغيرُ مضافٌ و(الماضِ) مضافٌ إليه، (منهُ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باسْتُعْمِلاَ، (اسْتُعْمِلاَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى غيرِ الماضي، والجملةُ في محلِّ نصبِ خبرِ كانَ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه الكلامُ، والتقديرُ: إنْ كانَ غيرُ الماضي مُسْتَعْمَلاً فإنَّه يَعْمَلُ مُشابهاً الماضِيَ.
([10])هي على قِسْمَيْنِ إجمالاً، ولكنَّها على ثلاثةِ أقسامٍ تَفْصِيلاً:
الأوَّلُ: ما لا يَتَصَرَّفُ أصلاً، فلم يأتِ مِنه إلاَّ الماضي، وهو فِعلانِ: ليسَ، ودامَ، فإنْ قلتَ: فإنَّه قد سُمِعَ: يَدُومُ، ودُمْ، ودائِمٌ، ودَوَامٌ. قلتُ: هذه تَصَرُّفَاتُ دامَ التامَّةِ التي تَرْفَعُ فاعلاً فقطْ، والكلامُ إنما هو في دامَ الناقصةِ التي تَرْفَعُ الاسمَ وتنصِبُ الخبرَ.
الثاني: ما يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفاً ناقصاً؛ بأنْ يكونَ المستعمَلُ منه الماضِيَ والمضارِعَ واسمَ الفاعلِ، وهو أربعةُ أفعالٍ: زَالَ، وفَتِئَ، وبَرِحَ، وانْفَكَّ.
الثالثُ: ما يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفاً تامًّا؛ بأنْ تَجِيءَ منه أنواعُ الفعلِ الثلاثةُ: الماضي، والمضارِعُ، والأمرُ، ويَجِيءَ منه المصدرُ واسمُ الفاعلِ، وهو الباقي، وقد اخْتَلَفَ النُّحاةُ في مجيءِ اسمِ المفعولِ من القِسمِ الثالثِ؛ فمَنَعَه قومٌ منهم أبو عليٍّ الفَارِسِيُّ، فقد سَأَلَهُ تِلميذُه ابنُ جِنِّيٍّ عن قولِ سِيبَوَيْهِ: =(مَكُونٌ فيه) فقالَ: ما كلُّ داءٍ يُعَالِجُه الطبيبُ. وأجازَه غيرُ أبي عَلِيٍّ، فاحْفَظْ ذلك.
([11]) البيتُ من الشواهدِ التي لم نَقِفْ لها على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (يُبْدِي) يُظْهِرُ، (البَشاشةَ) طلاقَةَُ الوجهِ، (تُلْفِهِ) تَجِدْهُ، (مُنْجِداً) مُسَاعِداً.
المعنى: ليسَ كلُّ أحدٍ يَلْقَاكَ بوجهٍ ضاحِكٍ أخاكَ الذي تَرْكَنُ إليه، وتَعْتَمِدُ في حاجَتِكَ عليه، وإنما أخوكَ هو الذي تَجِدُهُ عَوْناً لكَ عندَ الحاجةِ.
الإعرابُ: (ما) نافيةٌ تَعْمَلُ عملَ ليسَ، (كُلُّ) اسْمُها، وكلُّ مضافٌ و(مَن) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه، (يُبْدِي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (مَن)، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (البَشَاشَةَ) مفعولٌ به ليُبْدِي، (كائناً) خبرُ ما النافيةِ، وهو اسمُ فاعلٍ متصرِّفٌ مِن كانَ الناقصةِ، واسمُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى كلُّ، (أَخَاكَ) أخَا: خبرُ كائنٍ منصوبٌ بالألفِ نيابةً عن الفتحةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وأخا مضافٌ، والكافُ مضافٌ إليه، (إِذَا) ظرفٌ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ، (لم) حرفُ نفيٍ وجزمٍ، (تُلْفِهِ) تُلْفِ: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، والهاءُ مفعولٌ أوَّلُ لِتُلْفِي، (لكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (مُنْجِدَا) الآتي، (مُنْجِدَا) مفعولٌ ثانٍ لتُلْفِي، وقالَ العَيْنِيُّ: هو حالٌ. وذلك مبنيٌّ على أن (ظَنَّ) وأَخَوَاتِها تَنْصِبُ مفعولاً واحداً، وهو رأيٌ ضعيفٌ لبعضِ النُّحاةِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (كائناً أخاكَ)؛ فإنَّ (كائناً) اسمُ فاعلٍ من كانَ الناقصةِ، وقد عَمِلَ عَمَلَها، فرَفَعَ اسماً ونصَبَ خبراً، أمَّا الاسمُ فهو ضميرٌ مستترٌ فيه، وأمَّا الخبرُ فهو قولُه: (أخاكَ) على ما بَيَّنَّاهُ في إعرابِ البيتِ.
([12]) وهذا البيتُ أيضاً من الشواهدِ التي لم يَنْسُبُوها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (بَذْلٍ) عطاءٍ، (سَادَ) من السِّيادةِ، وهي الرِّفْعَةُ وعِظَمُ الشأنِ.
المعنى: أنَّ الرجلَ يَسُودُ في قومِه ويَنْبُهُ ذِكْرُهُ في عَشِيرَتِهِ ببَذْلِ المالِ والحِلْمِ، وهو يَسِيرٌ عليكَ إنْ أَرَدْتَ أنْ تكونَ ذلك الرجلَ.
الإعرابُ: (بِبَذْلٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بسادَ، (وحِلْمٍ) معطوفٌ على بَذْلٍ، (سادَ) فعلٌ ماضٍ، (في قومِهِ) الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ أيضاً بسَادَ، وقومِ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (الْفَتَى) فاعلُ سادَ، (وكَوْنُكَ) كونُ: مبتدأٌ، وهو مصدرُ كانَ الناقصةِ، فمِن حيثُ كونُه مبتدأً يَحْتَاجُ إلى خبرٍ، وهو قولُه: (يَسِيرُ) الآتي، ومن حيثُ كونُه مصدرَ كانَ الناقصةِ يَحتاجُ إلى اسمٍ وخبرٍ، فأمَّا اسمُه فالكافُ المتَّصِلَةُ به، فلهذه الكافِ محلاَّنِ: أَحَدُهما جَرٌّ بالإضافةِ، والثاني رفعٌ على أنها الاسمُ، وأمَّا خَبَرُها فقولُه: (إِيَّاهُ)، وقولُه: (عليكَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَسِيرُ، وقولُه: (يَسِيرُ) هو خبرُ المبتدأِ، على ما تَقَدَّمَ ذِكْرُه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وكَوْنُكَ إِيَّاهُ)؛ حيثُ اسْتَعْمَلَ مصدرَ كانَ الناقصةِ، وأَجْرَاهُ مُجْرَاها في رفعِ الاسمِ ونصبِ الخبرِ. وقد بَيَّنْتُ لكَ اسمَه وخَبَرَه في إعرابِ البيتِ.
فهذا الشاهدُ يَدُلُّ على شَيْئَيْنِ:
أَوَّلُهُما: أنَّ (كانَ) الناقصةَ قد جاءَ لها مصدرٌ في كلامِ العربِ، فهو ردٌّ على مَن قالَ: لا مصدرَ لها.
وثانيهما: أنَّ غيرَ الماضي من هذه الأفعالِ ـ سواءٌ أكانَ اسماً، أم كانَ فعلاً غيرَ ماضٍ ـ يَعْمَلُ العملَ الذي يَعْمَلُه الفعلُ الماضِي، وهو رفعُ الاسمِ ونصبُ الخبرِ.
([13]) رَجَّحَ العلاَّمَةُ الصَّبَّانُ أنَّ دامَ الناقصةَ لها مصدرٌ، ودليلُه على ذلكَ شيئانِ:
الأوَّلُ: أنها تُسْتَعْمَلُ أَلْبَتَّةَ صِلَةً لِمَا المصدريَّةِ الظرفيَّةِ، ووجهُ الاستدلالِ بهذا الوجهِ أنَّ ما المصدريَّةَ معَ صِلَتِها تَسْتَوْجِبُ التقديرَ بمَصْدَرٍ، فاسْتِعْمَالُهُمْ هذا الفعلَ بعدَ (ما) يُشِيرُ إلى أنهم يَعْتَقِدُونَ أن لها مَصْدراً.
والثاني: أنَّ العلماءَ جَرَوْا على تقديرِ ما دامَ في نحوِ قولِه تعالى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} بقَوْلِهِم: مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا، ولو أننا الْتَزَمْنَا أنَّ هذا مصدرٌ لدامَ التامَّةِ، أو أنَّ العلماءَ اخْتَرَعُوا في هذا التقديرِ مصدراً لم يَرِدْ عن العربِ، لَكُنَّا بذلك جائِرِينَ مُسِيئِينَ بمَن قامَ على العربيَّةِ وحَفِظَها الظنَّ كلَّ الإساءةِ، فلَزِمَ أنْ يكونَ هذا المصدرُ مصدرَ الناقصةِ، فتَتِمَّ الدَّعْوَى.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

هذا بابُ الأفعالِ الداخِلَةِ على المُبتدأِ والخَبَرِ
فتَرْفَعُ المبتدأَ تشبيهاً بالفاعلِ، ويُسَمَّى اسمَهَا، وتَنْصُبُ خَبَرَه تَشْبِيهاً بالمفعُولِ، ويُسَمَّى خبرَها ([1])، وهي ثلاثةُ أقسامٍ:
أحدُها: ما يَعْمَلُ هذا العملَ مُطلقاً، وهو ثَمَانِيَةً: كانَ، وهي أُمُّ البابِ، وأَمْسَى، وأَصْبَحَ، وأَضْحَى، وظَلَّ، وبَاتَ، وصَارَ، ولَيْسَ، نحوُ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}([2]).
الثانِي: ما يَعْمَلُه بشَرْطِ أن يَتَقَدَّمَه نَفْيٌ أو نَهْيٌ أو دُعاءٌ، وهو أربعةٌ: زالَ مَاضِي يَزَالُ، وبَرِحَ، وفَتِئَ، وانفَكَّ، مِثَالُها بعدَ النفيِ: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} ([3])، {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} ([4])، ومِنه {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} ([5])، وقولُه:

80 - فَقُلْتُ يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداً
إذ الأصلُ لا تَفْتَأُ ولا أَبْرَحُ، ومثالُها بعدَ النهيِ قولُه:
81 - صَاحِ شَمِّرْ وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ المَوْتِ
ومثالُها بعدَ الدعاءِ قولُه:
82 - وَلاَ زَالَ مُنْهَلاًّ بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ
وقَيَّدْتُ زالَ بماضِي يَزَالُ احتِرَازاً مِن زَالَ ماضِي يَزِيلُ، فإنَّه فعلٌ تامٌ مُتَعَدٍّ إلى مفعولٍ، ومعنَاه مَازَ، تقُولُ: (زِلْ ضَأْنَكَ عَنْ مَعْزِكَ)، ومَصْدَرُه الزَّيْلُ، ومِن ماضِي يَزُولُ، فإنَّهُ فعلٌ تامٌّ قاصرٌ، ومعنَاهُ الانتقَالُ، ومنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا} ([6])، ومصدرُه الزوَالُ.
الثالثُ: ما يَعْمَلُ بشرطِ تَقَدُّمِ (ما) المصدريَّةِ الظرفيَّةِ، وهو دَامَ ([7])، نحوُ: {مَا دُمْتُ حَيًّا} ([8])؛ أي: مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا ([9])، وسُمِّيَت (ما) هذه مَصْدريَّةً؛ لأنَّها تُقَدَّرُ بالمَصْدَرِ، وهو الدوامُ، وسُمِّيَت ظرفيَّةً لنِيَابَتِها عن الظرفِ، وهو المُدَّةُ.
فصلٌ: وهذه الأفعالُ في التصَرُّفِ ثلاثةُ أقسامٍ:
1 - ما لا يَتَصَرَّفُ بحالٍ، وهو (ليسَ) باتِّفَاقٍ، و(دامَ) عندَ الفَرَّاءِ وكثيرٍ مِن المتأخِرِّينَ.
2 - وما يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفاً ناقصاً، وهو (زَالَ) وأخوَاتُها، فإنَّها لا يُسْتَعْمَلُ منها أمرٌ ولا مصدرٌ، و(دَامَ) عندَ الأقدَمِينَ، فإنَّهم أَثْبَتُوا لها مُضَارِعاً ([10]).
3 - وما يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفاً تامًّا، وهو الباقِي.
وللتصاريفِ في هذَينِ القسمَيْنِ ما للماضِي مِن العَمَلِ، فالمُضارعُ نحوُ: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} ([11])، والأمرُ نحوُ: {كُونُوا حِجَارَةً} ([12])، والمصدرُ كقولِه:
83 - وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ
واسمُ الفاعلِ، كقولِه:
84 - وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشَاشَةَ كَائِناً = أَخَاكَ..........
وقولِه:
85 - قَضَى اللَّهُ يَا أَسْمَاءُ أَنْ لَسْتُ زَائِلاً = أُحِبُّكِ..........


([1]) يُشترَطُ في الاسمِ الذي يُرَادُ إِدخالُ كانَ عليه خَمْسَةُ شُروطٍ:
الأوَّلُ: ألاَّ يَكُونَ مِمَّا يَلْزَمُ تَصَدُّرُه؛ أي: وُقُوعُه في صدرِ الجُملةِ، وذلك كأسماءِ الشرطِ، ويُسْتَثْنَى مِن ذلك ضميرُ الشأنِ، فإنَّهُ مِمَّا لَزِمَ الصدارَةَ ولكنَّهُ يَقَعُ اسماً لكانَ، وكَثِيرٌ مِن العُلماءِ يُخَرِّجُ على ذلك قولَ الشاعرِ:
إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ = وَآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
فيَقُولُ: اسمُ كَانَ ضميرُ شَأْنٍ محذوفٌ، والنَّاسُ مُبتدأٌ، ونِصْفَانِ خَبَرُ المُبتدأِ، والجملةُ مِن المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ نَصبٍ خَبَرُ كَانَ، وذَهَبَ الكِسَائِيُّ في هذا البيتِ إلى أنَّ (كَانَ) مُلْغَاةً لا عَمَلَ لها، وما بَعْدَها مُبتدأٌ وخَبَرٌ، وتَبِعَهُ على هذا التخريجِ ابنُ الطَّرَاوَةِ.
الشرطُ الثانِي: ألاَّ يَكُونَ ذلك الاسمُ في حالِ ابتدائِيَّتِه وَاجِبَ الحذفِ، كالضميرِ المُخبَرِ عنه بنَعْتٍ مَقطوعٍ عَن منعوتِه لمُجَرَّدِ المَدْحِ.
الثالثُ: ألاَّ يَكُونَ مُلازِماً لعدمِ التصَرُّفِ، نَعْنِي بذلك أنْ يَكُونَ مُلازِماً للوُقُوعِ في مَوْقِعٍ واحدٍ مِن مواقِعِ الإعرابِ، نحوُ (طُوبَى) مِن قولِك: (طُوبَى للمُؤْمِنِينَ) فهذا مِمَّا لَزِمَ أنْ يَقَعَ مُبتدأً، ونحوُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) فهذا مِمَّا لَزِمَ أن يَقَعَ مَصْدَراً.
الرَّابِعُ: ألاَّ يَكُونَ مِمَّا يَلْزَمُ الابتداءَ بنَفْسِه، نحوُ (أَقَلُّ رَجُلٍ يَفْعَلُ ذلك إلاَّ زَيْداً) وهذا الشرطُ قد ذَكَرَهُ العُلماءُ استِقْلالاً، وإن كانَ الاستغناءُ عنه بالذي قبلَه.
الخامِسُ: ألاَّ يَكُونَ مِمَّا لَزِمَ الابتداءَ بواسِطَةٍ، وذلك مثلُ مَصحُوبِ إِذَا الفُجَائِيَّةِ، نحوُ قولِك: (خَرَجْتُ فإِذَا زَيْدٌ بالبابِ).
ويُشْتَرَطُ في خبرِ (كان) ألاَّ يَكُونَ جُملةً طَلَبِيَّةً، حتَّى عند الجمهورِ الذينَ يُجَوِّزُونَ وُقوعَ الجُملةِ الطلبِيَّةِ خبراً عَن المبتدأِ مِن غيرِ تقديرٍ.
وهذا الذي ذَكَرَه المُؤَلِّفُ مِن أنَّها تَرْفَعُ وتَنْصِبُ هو مَذْهَبُ جُمهورِ البَصْرِيِّينَ، وذَهَبَ جُمهورُ الكُوفِيِّينَ إلى أنَّها لم تَعْمَلْ في الاسمِ، وإنَّمَا هو مَرفوعٌ بما كانَ مَرْفُوعاً به قبلَ دُخُولِها عليه، ومعَ اتِّفَاقِ الجميعِ على أنَّها نَصَبَت الخَبَرَ اختَلَفُوا في نَصْبِِه، فقَالَ الكُوفِيُّونَ: نَصَبَتْهُ على الحالِ تَشْبِيهاً بالفعلِ القَاصِرِ في نَحْوِ (ذَهَبَ زَيْدٌ مُسْرِعاً) وقالَ الفَرَّاءُ: نَصَبَتْهُ علَى أنَّهُ شَبِيهٌ بالحالِ، وقَالَ البَصْرِيُّونَ: إِنَّا رَأَيْنَا هَذا الخَبَرَ يَجِيءُ ضَمِيراً ويَجِيءُ مَعْرِفَةً ويَجِيءُ جَامِداً، ورَأَيْنَاهُ لا يُسْتَغْنَى عنه، فلا يُمْكِنُ أن يُعَدَّ حَالاً ولا مُشَبَّهاً به؛ لأنَّ الأصلَ في الحالِ أن يَكُونَ نَكِرَةً، وأن يَكُونَ مُسْتَغْنًى عنه.
( [2]) سورة الفرقان، الآية: 54.
( [3]) سورة هود، الآية: 118.
( [4]) سورة طه، الآية: 91.
( [5]) سورة يوسف، الآية: 85.
80 - هذا صدرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وعَجُزُه قولُه:
وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي
وهذا البيتُ لامْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، مِن قصيدةٍ له تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَطْلَعِها مُسْتَشْهَداً به في بابِ الموصولِ (ش 49)، وتَقَدَّمَ مِن قبلِ ذلك ذِكْرُ بَيْتٍ مِن أَبْيَاتِها، واستُشْهِدَ به في الكلامِ على جَمْعِ المُؤَنَّثِ السالِمِ. (ش 18).
اللغةُ: (يَمِينُ اللَّهِ): يُرْوَى مَرْفُوعاً ومَنصُوباً، وستَعْرِفُ وَجْهَ الرِّوَايَتَيْنِ في إعرابِ البيتِ، (أَبْرَحُ قَاعِداً) أَرَادَ لا أَبْرَحُ، وستَعْرِفُ وَجْهَه في بيانِ الاستشهادِ بالبيتِ، ومعنَاهُ أنَّه سيَبْقَى قَاعِداً معَها يَجْتَلِي مَحَاسِنَها ويَتَمَتَّعُ بطَلْعَتِهَا، (أَوْصَالِي) جَمْعُ وِصْلٍ - بكسرِ الواوِ وسكونِ الصادِ المُهملةِ - وهو كُلُّ عَظْمٍ يُفْصَلُ مِن الآخَرِ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ غَيْلانُ بنُ عُقْبَةَ:
إِذَا ابْنَ أَبِي مُوسَى بِلاَلاً بَلَغْتِهِ = فَقَامَ بِفَأْسٍ بَيْنَ وَصْلَيْكِ جَازِرُ
المَعْنَى: يَحْلِفُ لمَحبُوبَتِه على أنَّه مُقِيمٌ معَها لا يُفَارِقُها، وأنَّه يَسْتَهِينُ في سَبِيلِ ذلك بما يَكُونُ مِن أهلِها مِمَّا يَنْشَأُ عَن الغِيرَةِ وحِفْظِ الحُرَمِ.
الإعرابُ: (فَقُلْتُ) فِعْلٌ ماضٍ، وتاءُ المتكلِّمِ فَاعِلُه، (يَمِينُ) يُرْوَى بالرفعِ وبالنصبِ، فأمَّا الرفعُ فعَلَى أنه مبتدأٌ حُذِفَ خبرُه، والتقديرُ: يَمِينُ اللَّهِ قَسَمِي، أو عَلَيَّ يَمِينُ اللَّهِ، وأمَّا النصبُ فعَلَى أحدِ وَجهَيْنِ:
أوَّلُهُما: أن يَكُونَ أَصْلُ الكَلامِ: بيَمِينِ اللَّهِ، فحَذَفَ حرفَ الجَرِّ، فانتَصَبَ الاسمُ المَجرُورُ، وهذا هو الذي يُقَالُ له: مَنصوبٌ بنَزْعِ الخَافِضِ.
ثانِيهُما: أن يَكُونَ مَفْعُولاً مُطْلَقاً حُذِفَ عَامِلُه، وتقديرُ الكلامِ: أُقْسِمُ يَمِينَ اللَّهِ، فالمحذوفُ مِن مَعْنَى المَذكورِ، ذَكَرَ هذَيْنِ الوَجْهَيْنِ جَمَاعةٌ مِنْهُم الوزيرُ أَبُو بَكْرٍ شَارِحُ دِيوانِ امْرِئِ القَيْسِ، وعلى كُلِّ حالٍ يَمِينُ مُضَافٌ و(اللَّهِ) مُضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، (أَبْرَحُ) فعلٌ مُضارعٌ نَاقصٌ يَرْفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخبرَ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنا، (قَاعِداً) خبرُ أَبْرَحُ ، (ولَوْ) الوَاوُ عاطفةٌ على محذوفٍ، لو حَرْفُ شرطٍ غيرُ جازمٍ، (قَطَعُوا) قَطَعَ: فِعْلٌ ماضٍ، وواوُ الجماعةِ فاعِلُه، (رَأْسِي) رأسِ مفعولٌ به لقَطَعَ، وهو مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (لَدَيْكِ) لَدَى ظرفُ مكانٍ متعلِّقٌ بقَطَعَ، وهو مضافٌ وضميرُ المُخاطَبَةِ مُضافٌ إليه، (وأَوْصَالِي) الواوُ حرفُ عطفٍ، أَوْصَالِ: مَعطوفٌ على رَأْسِي، وهو مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مُضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (أَبْرَحُ قَاعِداً) حيثُ أَعْمَلَ الشاعِرُ (أَبْرَحُ) - وهو مُضَارِعُ بَرِحَ - عَمَلَ كانَ، معَ أنَّه ليسَ معَه في اللفظِ حرفُ نَفْيٍ، بسَبَبِ أنَّ حرفَ النفيِ مُقَدَّرٌ قبلَه؛ أي: لا أَبْرَحُ قَاعِداً.
ومِثلُ هذا الشاهدِ قولُ الآخَرِ، وإنْ كانَ الفِعْلُ مَاضِياً:
لَعَمْرُ أَبِي دَهْمَاءَ زَالَتْ عَزِيزَةً = عَلَى قَوْمِهَا مَا فَتَّلَ الزَّنْدَ قَادِحُ
ونظيرُه قولُ النابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:
فَقَالَتْ: يَمِينُ اللَّهِ أَفْعَلُ، إِنَّنِي = رَأَيْتُكَ مَسْحُوراً يَمِينُكَ فَاجِرَهْ
يُرِيدُ فقَالَت: يَمِينُ اللَّهِ قَسَمِي لا أَفْعَلُ ما ذَكَرْتَ.
وقالَ سُحَيْمٌ الحَبَشِيُّ عبدُ بَنِي الحَسْحَاسِ:
وَقَدْ أَقْسَمْتُ بِاللَّهِ يَجْمَعُ بَيْنَنَا = هَوًى أَبَداً حَتَّى تَحَوَّلَ أَمْرَدَا
وقَالَتْ لَيْلَى الأَخْيِلِيَّةُ تَرْثِي تَوْبَةَ بنَ الحُمَيِّرِ:
أَقْسَمْتُ أَبْكِي بَعْدَ تَوْبَةَ هَالِكاً = وَأَحْفِلُ مَنْ دَارَتْ عَلَيْهِ الدَّوَائِرُ
وإنَّمَا يَكْثُرُ حذفُ (لا) النافيةِ دُونَ أخَوَاتِهَا بعدَ القَسَمِ إنْ كانَ الفِعْلُ المَنْفِيُّ مُضَارِعاً، كالآيةِ الكريمةِ وبيتِ امْرِئِ القَيْسِ، فإنْ لم يَتَقَدَّمِ القَسَمُ كانَ الحذفُ شَاذًّا، وذلك كما قالَ خِدَاشُ بنُ زُهَيْرٍ:
وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي = بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَطِقاً مُجِيدَا
وكقولِ خَلِيفَةَ بنِ برَازٍ:
تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيـ = ـتَ بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ
أرادَ خِدَاشٌ (لاَ أَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي)، وأَرَادَ خَلِيفَةُ (لاَ تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيتَ)، فحَذَفَ كُلٌّ مِنهما حرفَ النفيِ ولم يَتَقَدَّمْ قَسَمٌ.
ثُمَّ إِنَّ النفيَ الذي يَقَعُ قبلَ هذه الأفعالِ قد يَكُونُ بحرفِ النفيِ كما وَرَدَ في الآيتَيْنِ الكريمتَينِ اللتَينِ تَلاهُما المؤلِّفُ، وقد يَكُونُ باسمٍ دَالٍّ على النفيِ، نحوُ قولِ الشاعرِ:
غَيْرُ مُنْفَكٍّ أَسِيرُ هَوًى = كُلُّ وَانٍ لَيْسَ يَعْتَبِرُ
وقد يَكُونُ بالفِعْلِ المَوضُوعِ للنفيِ، نحوُ قولِ الآخَرِ:
لَيْسَ يَنْفَكُّ ذَا غِنًى وَاعْتِزَازٍ = كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٌّ قَنُوعُ
وقد يَكُونُ بالفعلِ المُستعمَلِ في النفْيِ وإن لم يَكُنْ مَوضُوعاً له، وذلك مِثلُ قولِ الشاعرِ:
قَلَّمَا يَبْرَحُ اللَّبِيبُ إِلَى مَا = يُورِثُ الحَمْدَ دَاعِياً أَوْ مُجِيبَا
فإنَّ (قَلَّمَا) في هذا المَوضِعِ وشِبْهِهِ دَالِّةٌ على النفيِ لا التقلِيلِ.
81 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن الخفيفِ، وهو بكَمَالِهِ:
صَاحِ شَمِّرْ، وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ المَوْ = تِ، فَنِسْيَانُهُ ضَلاَلٌ مُبِينُ
والبيتُ مِن الشواهدِ التي لا يُعْرَفُ قَائِلُها.
المَعْنَى: يَا صَاحِبِي اجْتَهِدْ، واسْتَعِدَّ للمَوْتِ، ولا تَنْسَ ذِكْرَه؛ فإنَّ نِسيَانَه ضَلالٌ ظَاهرٌ.
الإعرابُ: (صَاحِ) مُنَادًى حُذِفَ منه ياءُ النداءِ، وهو مُرَخَّمٌ تَرْخِيماً غيرَ قِيَاسِيٍّ. (شَمِّرْ) فِعلُ أَمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنت، (ولا) نَاهِيةٌ (تَزَلْ) فعلٌ مضارعٌ ناقصٌ مجزومٌ بحرفِ النهيِ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنت، (ذَاكِرَ) خبرُ تَزَلْ، وهو مُضَافٌ، و(الموتِ) مضافٌ إليه، (فَنِسْيَانُه) نِسْيَانُ مبتدأٌ، وهو مُضافٌ، والهاءُ العائدةُ إلى الموتِ مُضافٌ إليه، (ضَلالٌ) خبرُ المبتدأِ (مُبِينُ) نَعتٌ لضَلالٍ.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (وَلاَ تَزَلْ ذَاكِرَ المَوْتِ) حيثُ أَجْرَى فيه مُضَارِعَ زَالَ مُجْرَى (كانَ) في العملِ لكونِهَا مَسُبوقةً بحرفِ النهيِ، وهو شِبْهُ النَّفْيِ، وذلك مِن قِبَلِ أنَّ مَن يَنْهَى عَن فِعْلِ شَيءٍ مِن الأشياءِ إِنَّمَا يَقْصِدُ عدمَ حُصولِ هذا الفعلِ، وعَدَمُ حُصُولِه هو مَعْنَى النفيِ.
82 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصدرُه قولُه:
أَلاَ يَا اسْلَمِيْ يَا دَارَ مَيٍّ عَلَى البِلَى
والبيتُ لذِي الرُّمَّةِ غَيْلانَ بنِ عُقْبَةَ، يَقُولُه في صاحِبَتِه مَيَّةَ.
اللغةُ: (البِلَى) مِن بَلِيَ الثَّوْبُ يَبْلَى - علَى وَزْنِ رَضِيَ يَرْضَى - أي: خَلُقَ ورَثَّ، (مُنْهَلاًّ) مُنْسَكِباً مُنْصَبًّا، (جَرْعَائِكِ) الجَرْعَاءُ رَمْلَةٌ مُستويةٌ لا تُنْبِتُ شَيْئاً ، (القَطْرُ) المَطَرُ.
المَعْنَى: يَدْعُو لدارِ حبيبَتِه مَيَّ بأن تَدُومَ لها السلامةُ على مَرِّ الزمانِ، مِن طَارِقَاتِ الحَدَثَانِ، وأن يَدُومَ نُزُولُ الأمطارِ بسَاحَاتِهَا، وكَنَّى بنُزُولِ الأمطارِ عَن الخِصْبِ والنمَاءِ، وطَلَبَ ذلك؛ لأنَّهما يَسْتَتْبِعَانِ إقامةَ أَحِبَّائِه فيها.
الإعرابُ: (ألاَ) أداةُ استفتاحٍ وتنبيهٍ، (يَا) حَرْفُ نِدَاءٍ، والمُنَادَى مَحذوفٌ، والتقديرُ: يَا دَارَ مَيَّةَ اسْلَمِي، (اسْلَمِي) فعلُ أمرٍ مَقصودٌ منه الدعاءُ، ويَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ فَاعِلٌ. (يَا دَارَ) يَا: حرفُ نداءٍ، ودارَ مُنَادًى مَنصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، ودارَ مضافٌ، و(مَيَّ) مضافٌ إليه، (ولاَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، لا: حَرْفُ دُعاءٍ، (زَالَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، (مُنْهَلاًّ) خبرُ زَالَ مُقَدَّماً، (بِجَرْعَائِكِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُنْهَلاًّ)، وَجَرْعَاءُ مُضافٌ والكافُ مُضافٌ إليه. (القَطْرُ) اسمُ زَالَ مُؤَخَّراً.
الشاهدُ فيه: للنُّحَاةِ في هذا البيتِ شَاهِدَانِ:
الأوًل في قوله: (يا اسلمي) حيثُ حَذَفَ المُنَادَى قَبْلَ فِعْلِ الأمرِ فاتَّصَلَ حرفُ النِّدَاءِ بالفعلِ لفظاً، ولكنَّ التقديرَ على دُخولِ (يا) على المُنَادَى المُقَدَّرِ، ولا يَحْسُنُ في مثلِ هذا البيتِ أن تَجْعَلَ (يا) حرفَ تنبيهٍ؛ لأنَّ (أَلاَ) السابقةَ عليها حرفُ تنبيهٍ، ومِن قواعِدِهم المُقَرَّرَةِ أنَّه لا يَتَوَالَى حَرْفَانِ بمَعْنًى واحدٍ لغيرِ توكيدٍ، ومثلُ هذا البيتِ في ذلك قولُ الشَّمَّاخِ:
يَقُولُونَ لِي: يَا احْلِفْ، وَلَسْتُ بِحَالِفٍ = أُخَادِعُهُمْ عَنْهَا لِكَيْمَا أَنَالَهَا
فقَد أَرَادَ: يَقُولُونَ لِي: يَا هذا احْلِفْ. ومِثلُه قولُ الأَخْطَلِ:
أَلاَ يَا اسْلَمِيْ يَا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَكْرِ = وَلاَ زَالَ حَيَّانَا عِدًى آخِرَ الدَّهْرِ
أَرَادَ: يَا هِنْدَ بَنِي بَكْرٍ اسْلَمِي. ومِثْلُه قولُ الآخَرِ:
أَلاَ يَا اسْلَمِي ذَاتَ الدَّمَالِيجِ وَالعِقْدِ = وَذَاتَ الثَّنَايَا الغُرِّ والفَاحِمِ الجَعْدِ
أَرَادَ: أَلاَ يَا ذَاتَ الدَّمَالِيجِ اسْلَمِي ذَاتَ الدَّمَالِيجِ - إلخ، ومِثلُ ذلك في كلامِهم كثيرٌ جدًّا.
والشاهدُ الثانِي في قولِه: (وَلاَ أَزَالُ - إلخ) حيثُ أُجْرِيَ (زَالَ) مُجْرَى (كَانَ) في رَفْعِها الاسمَ ونصبِها الخبرَ، لتقَدُّمِ (لا) الدُّعَائِيَّةِ عليها، والدُّعَاءُ شِبْهُ النَّفْيِ؛ لأنَّ دُعَاءَكَ بحُصولِ الشيءِ دَليلٌ على أنَّه غيرُ حَاصلٍ في وقتِ الدُّعَاءِ، وهذا مَعْنَى النفيِ، هذا ما ظَهَرَ لي، وأَرْجُو أن يَكُونَ صَواباً.
([6]) سورة فاطر، الآية: 41.
([7]) قد وَرَدَت (دَامَ) غيرَ مسبوقةٍ بما، وبعدَها اسمانِ أوَّلُهما مرفوعٌ وثانِيهُما منصوبٌ، وذلك في قولِ الشاعِرِ:
دُمْتَ الحَمِيدَ، فَمَا تَنْفَكُّ مُنْتَصِراً = عَلَى العِدَى فِي سَبِيلِ المَجْدِ وَالكَرَمِ
وهذا البيتُ يَحْتَاجُ إلى نَظَرٍ؛ لأنَّك لو قَدَّرْتَ (دَامَ) تَامَّةً غيرَ مُحتاجةٍ إلى تَقَدُّمِ (ما) عليها، وجَعَلْتَ ضميرَ المُخَاطَبِ فَاعِلاً، و(الحَمِيدَ) حَالاً، وَرَدَ عليك أنَّ (الحَمِيدَ) مُعَرَّفَةٌ بالألفِ واللامِ، والحالُ لا يَكُونُ إلا نَكِرَةً في المَذْهَبِ البَصْرِيِّ المَنصُورِ، وإنْ جَعَلْتَ (دَامَ) نَاقِصَةً وَرَدَ عليك أنَّهُ لم تَتَقَدَّمْهَا (مَا)، وهو شرطٌ في عملِها في الاسمِ والخبرِ، وإذا كانَ لا مَنَاصَ مِن ارتِكَابِ أحدِ الأمرَينِ فإنَّنَا نَخْتَارُ أن تَكُونَ (دَامَ) في هذا البيتِ تَامَّةً، ونَدَّعِي أنَّ (أَلْ) في قولِه: (الحَمِيدَ) ليسَت مَعْرِفَةً، وإنَّمَا هي زَائِدَةٌ.
([8]) سورة مريم، الآية: 31.
([9]) التعبيرُ بمُدَّةٍ إِشَارَةٌ إلى دَلالَةِ (ما) على الظرفِيَّةِ، والتعبيرُ بدَوَامٍ إشارةٌ إلى دَلالَتِها على المصدرِيَّةِ، ولو كَانَت (ما) مَصْدَرِيَّةً غيرَ ظرفِيَّةٍِ، أو لم تَكُنْ مَذْكُورَةً في الكلامِ لم تَنْصِبْ (دَامَ) الخبرَ، فإن وُجِدَ بعدَ مَرفُوعِها اسمٌ منصوبٌ فهو حالٌ، نحوُ (دُمْتَ عَزِيزاً).
ولا يَلْزَمُ مِن تَقَدُّمِ (ما) الظرفيَّةِ المصدرِيَّةِ على دامَ أن تَعْمَلَ في الاسمِ والخبرِ، مِن قِبَلِ أنَّ تَقَدُّمَ (ما) هذه شرطٌ لعملِها، ولا يَلْزَمُ مِن وُجودِ الشرطِ وجودُ المشروطِ، ألا تَرَى أنَّه وَقَعَ في أَفْصَحِ كَلامٍ وهو القُرآنُ الكريمُ قولُه تعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} فلم يُؤْتَ معَها باسمٍ منصوبٍ أَصْلاً، واعْلَمْ أنَّ (ما) كُلَّمَا كَانَت ظَرفيَّةً فهي مَصدرِيَّةٌ، ولكنْ لا يَلْزَمُ مِن كونِها مَصدرِيَّةً أن تَكُونَ ظرفِيَّةً.
([10]) رَجَّحَ العَلاَّمَةُ الصَّبَّانُ أنَّ دَامَ الناقِصَةَ لها مَصدرٌ، ودَلِيلُه على ذلك شيئَانِ:
الأوَّلُ: أنَّها تُستَعْمَلُ أَلبَتَّةَ صِلَةً لِمَا المصدرِيَّةِ الظرفِيَّةِ.
والثانِي: أنَّ العلماءَ جَرَوْا على تقدِيرِ ما دَامَ في نحوِ قولِه تعَالَى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} بقَوْلِه: مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا. ولو أنَّنَا التَزَمْنَا أنَّ هذا مصدرٌ لِدَامَ التَّامَّةِ، أو أنَّ العلماءَ اختَرَعُوا في هذا التقديرِ مَصْدَراً لم يَرِدْ عَن العربِ، لَكُنَّا بذلك جَائِرِينَ، مُسيئِينَ الظنَّ بمَن قَامَ على العربِيَّةِ وحِفْظِها غايَةَ الإساءَةِ، فلَزِمَ أن يَكُونَ هذا المصدرُ مَصْدَرَ النَّاقِصَةِ فتَتِمُّ الدَّعْوَى.
([11]) سورة مريم، الآية: 20.
([12]) سورة الإسراء، الآية: 50.
83 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصدرُه قولُه:
بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الفَتَى
وهذا البيتُ - أَيْضاً - مِن الشواهدِ التي لم يَنْسُبُوهَا إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (بَذْلٍ) عطَاءٍ، (سَادَ) مِن السيَادَةِ، وهي الرِّفْعَةُ وعِظَمُ الشأنِ.
المَعْنَى: إِنَّ الرجلَ يَسُودُ في قَومِه، ويَنْبُهُ ذِكْرُه في عشيرَتِهِ ببَذْلِ المالِ والحِلْمِ، وهو يَسِيرٌ عليك إذا أَرَدْتَ أن تَكُونَ هذا الرَّجُلَ.
الإعرابُ: (بِبَذْلٍ) جَارٌّ ومجرورً مُتعلِّقٌ بسَادَ، (وحِلْمٍ) معطوفٌ على بَذْلٍ، (سَادَ) فِعْلٌ ماضٍ، (فِي قَوْمِهِ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ أَيْضاً بسَادَ، وقَوْمِ مُضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ على الفَتَى وإن تَأَخَّرَ لَفْظاً مُضافٌ إليه، (الفَتَى) فَاعِلُ سَادَ (وَكَوْنُكَ) الواوُ عاطفةٌ، وكَوْنُ مُبتدأٌ، وهو مَصْدَرُ كَانَ الناقِصَةِ يَحْتَاجُ إلى اسمٍ وخبرٍ، فأمَّا اسمُه فالكافُ المُتَّصِلَةُ به، فلهذه الكافِ مَحِلاَّنِ:
أحدُهُما: جَرٌّ بالإضافَةِ.
والثانِي: رَفْعٌ على أنَّها الاسمُ، وأمَّا خبرُه فقَولُه: (إِيَّاهُ). وقولُه: (عَلَيْكَ) جَارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بيسيرٍ، وقولُه: (يَسِيرُ) هو خبرُ المبتدأِ على ما تَقَدَّمَ ذِكْرُه.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ) حيثُ أَجْرَى مَصْدَرَ كَانَ الناقِصَةِ مُجْرَاهَا في رَفعِ الاسمِ ونصبِ الخبرِ، وقد تَبَيَّنْتَ اسمَه وخَبَرَه في إعرابِ البيتِ.
84 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن الطويلِ، وهو بكمَالِه:
وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشَاشَةَ كَائِناً = أَخَاكَ، إِذَا لَمْ تَلْفَهُ لَكَ مُنْجِدَا
والبيتُ مِن الشواهدِ التي لم نَقِفْ لها على نسبةٍ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (يُبْدِي) يُظْهِرُ، (البَشَاشَةَ) طَلاقَةُ الوجهِ، (تَلْفَهُ) تَجِدْهُ، (مُنْجِداً) مُسَاعِداً.
الإعرابُ: (ما) نَافِيَةٌ تَعْمَلُ عملَ ليسَ، (كُلُّ) اسمُها، وهو مضافٌ، و(مَن) اسمٌ مَوصولٌ مضافٌ إليه، (يُبْدِي) فِعلٌ مُضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ على (مَن)، والجُملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ. (البَشَاشَةَ) مَفعولٌ به ليُبْدِي، (كَائِناً) خبرُ مَا النافيةِ، وهو اسمُ فَاعلٍ مُتَصَرِّفٌ مِن كَانَ الناقِصَةِ، واسمُه ضميرٌ مُستترٌ فيه. (أَخَاكَ) أَخَا خبرُ كَائِنٍ مَنصوبٌ بالألفِ؛ لأنَّه مِن الأسماءِ الستَّةِ، وأَخَا مُضافٌ، والكافُ مضافٌ إليه. (إِذَا) ظَرفٌ تَضَمَّنَ مَعْنَى الشرطِ، (لَمْ) حَرْفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ، (تَلْفَهُ) تَلْفَ: فعلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بلم، وفاعِلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنت، والهاءُ مفعولٌ أوَّلُ، (لَكَ) جَارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بقَوْلِه: مُنْجِدَا الآتِي، (مُنْجِدَا) مفعولٌ ثانٍ لتُلْفِي، وقالَ العَيْنِيُّ: هو حالٌ، وذلك مبنيٌّ على أنَّ (ظَنَّ) وأخوَاتِهَا تَنْصِبُ مَفْعُولاً وَاحِداً، وهو مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (كَائِناً أَخَاكَ) فإنَّ (كَائِناً) اسمُ فاعلٍ مِن مَصْدَرِ كَانَ النَّاقِصَةِ وقد عَمِلَ عَمَلَها فرَفَعَ اسماً ونَصَبَ خَبَراً، أمَّا الاسمُ فهو ضميرٌ مُستترٌ، وأمَّا الخبرُ فهو قولُه: (أَخَاكَ) على ما بَيَّنَّاهُ في إعرابِ البيتِ.
85 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن الطويلِ، وهو بكَمَالِه هكَذا:
قَضَى اللَّهُ يَا أَسْمَاءُ أَنْ لَسْتُ زَائِلاً = أُحِبُّكِ حَتَّى يُغْمِضَ الجَفْنَ مُغْمِضُ
وهذا البيتُ مُستَهَلُّ كَلِمَةٍ للحُسَيْنِ بنِ مَطِيرِ بنِ مُكَمِّلٍ، مَوْلَى بَنِي أَسَدِ بنِ خُزَيْمَةَ، وهو مِن مُخَضْرَمِي الدولتَينِ، مَدَحَ بَنِي أُمَيَّةَ وبَنِي العَبَّاسِ، وكانَ شَاعِراً رَاجِزاً، مُقَدَّماً في الشِّعْرِ والرَّجَزِ جَمِيعاً، وكانَ كَلامُه يُشْبِهُ كَلامَ أهلِ البادِيَةِ. (وانْظُرْ زَهْرَ الآدابِ ص 1006 بتحقِيقِنَا).
اللغةُ: (قَضَى اللَّهُ) حَكَمَ وقَدَّرَ، أو هَيَّأَ الأسبابَ، (أَسْمَاءُ) اسمُ محبوبَتِه، والنُّحَاةُ يَخْتَلِفُونَ في وَزْنِ هذه الكَلِمَةِ، فمِنْهُم مَن يَذْهَبُ إلى أنَّ وَزْنَها أَفْعَالٌ وأنَّها مَنقُولَةٌ مِن جمعِ اسمٍ، ومِنهُم مَن يَذْهَبُ إلى أنَّ وَزْنَها فَعْلاءُ، وأنَّها مِن الوَسَامَةِ، وأَصْلُها وَسْمَاءُ ، فقُلِبَت الواوُ هَمْزَةً كما قُلِبَت في (أَنَاةٍ) وأَصْلُها (وَنَاةٌ) مِن الوَنَى وهو الفُتُورُ. (حَتَّى يُغْمِضَ الجَفْنَ مُغْمِضُ) يُغْمِضُ مُضَارِعُ أَغْمَضَ، وتَقُولُ: أَغْمَضَ فُلانٌ عَيْنَ فُلانٍ، إذا أَطْبَقَ جَفْنَيْهِ أحدَهُما على الآخَرِ، ومُغْمِضٌ اسمُ فَاعلٍ مِن ذلك الفِعْلِ، وهذه العبارةُ كِنَايَةً عَن المَوْتِ وانتِهَاءِ الحياةِ، فإنَّ فِعْلَ ذلك إنَّما يَحْدُثُ بعدَ مُفارقَةِ الإنسانِ هذه الحياةَ.
المَعْنَى: يَقُولُ لمَحْبُوبَتِه: إنَّهُ قَدْ قُدِّرَ عليَّ أنْ أَبْقَى على حُبِّكِ، مُسْتَمْسِكاً به - رَغْمَ ما تَصْنَعِينَهُ معِي مِن الهجرِ والقطيعةِ، ورَغْمَ ما أُكَابِدُ فيه مِن اللَّوعَةِ والصَّبَابَةِ - إلى أنْ أُفَارِقَ هذه الحياةَ على هذا الحُبِّ.
الإعرابُ: (قَضَى) فِعْلٌ ماضٍ. (اللَّهُ) فاعلٌ. (يا) حرفُ نداءٍ، (أَسْمَاءُ) مُنَادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، (أَنْ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ مُخَفَّفٌ مِن أَنَّ المُشَدَّدَةِ، واسمُه ضميرُ شأنٍ محذوفٌ. (لَسْتُ) ليسَ: فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، وتاءُ المتكَلِّمِ اسمُه، (زَائِلاً) خبرُ لَيْسَ، وهو اسمُ فاعلٍ مِن زَالَ الناقِصَةِ، واسمُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه، (أُحِبُّكِ) أُحِبُّ: فعلٌ مضارعٌ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، وضميرُ المُخاطَبَةِ مَفعولٌ به، وجملةُ الفِعْلِ المُضارعِ وفَاعِلِه ومَفعولِه في مَحَلِّ نَصْبٍ خَبَرُ زَائِلٍ، وجُملةُ لَيْسَ واسمِها وخبرِها في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ أَن المُخَفَّفَةِ مِن الثقيلةِ، (حَتَّى) حرفُ غايةٍ وجرٍّ، (يُغْمِضَ) فعلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بأن المُضمرةِ بعدَ حَتَّى، (الجَفْنَ) مَفعولٌ به ليُغْمِضَ. (مُغْمِضُ) فاعِلُ يُغْمِضَ، وأن المُضمرَةُ معَ معمُولِها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بحَتَّى، والجارُّ والمجرورُ مُتعلِّقٌ بأُحِبُّ، والتقديرُ: أُحِبُّكِ إلى إِغْمَاضِ مُغْمِضٍ الجَفْنَ.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (زَائِلاً أُحِبُّكِ) حيثُ أَعْمَلَ اسمَ الفاعلِ المأخوذَ مِن مصدرِ الفعلِ الناقصِ عَمَلَ فِعْلِه، فرَفَعَ به الاسمَ ونَصَبَ به الخَبَرَ، أمَّا اسمُ الفاعلِ فهو قَولُه: (زَائِلاً) وفِعلُه الناقصُ هو (زَالَ) وقد أَعْمَلَه في اسمٍ وخبرٍ، فأمَّا اسمُه فهو الضميرُ المُستتِرُ فيه، وأمَّا خبرُه فهو جُملةُ (أُحِبُّكِ).
ومِن الطرائفِ في هذا البيتِ أنَّه قد تَدَاخَلَتْ فيه ثَلاثُ نَوَاسِخَ:
أوَّلُها: (أَن) المُخَفَّفَةُ مِن الثقيلةِ.
وثَانِيهَا: (لَيْسَ).
وثَالِثُها: (زَائِلاً) الذي هو مَحَلُّ الاستشهادِ هنا، وليسَ يَعْسُرُ عليك - بعدَ الذي قَرَّرْنَاهُ في إعرابِ البيتِ - أنْ تَعْرِفَ تَدَاخُلَها، وأنْ تُدْرِكَ مَعْمُولَي كُلِّ وَاحدٍ مِن هذه النواسِخِ الثلاثَةِ، فتَفَطَّنْ، واللَّهُ سُبْحَانَه المَسْؤُولُ أن يُرْشِدَك ويُوَفِّقَك.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

كَانَ وَأَخَوَاتُهَا
[أَقْسَامُ هذه الأفعالِ وَمَعَانِيهَا وشُرُوطُهَا]:


143 - تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا اسْمًا وَالخَبَرْ = تَنْصِبُهُ كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ
144 - كَكَانَ ظَلَّ بَاتَ أَضْحَى أَصْبَحَا = أَمْسَى وَصَارَ لَيْسَ زَالَ بَرِحَا
145 - فَتِئَ وَانْفَكَّ وَهَذِي الأَرْبَعَهْ = لِشِبْهِ نَفْيٍ أَوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ
146 - وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقًا بِـ"مَا" = كَأَعْطِ مَا دُمْتَ مُصِيبًا دِرْهَمًا
(تَرْفَعُ كَانَ المُبْتَدَا) إذا دخلتْ عليهِ ويُسَمَّى (اسْمًا) لها وقالَ الكُوفِيُّونَ: هو باقٍ على رفعِهِ الأوَّلِ و(الخَبَرْ * تَنْصِبُهُ) باتِّفَاقٍ ويُسمَّى خبرَهَا (كَكَانَ سَيِّدًا عُمَرْ) فـ"عُمَرُ": اسمُ كانَ و"سَيِّدًا": خبرُهَا.
و(كَكَانَ) في ذلك (ظَلَّ) ومعنَاهَا: اتِّصَافُ المُخْبَرِ عنهُ بالخبرِ نَهَارًا و(بَاتَ) ومعنَاهَا اتِّصافُهُ بهِ لَيْلًا و(أَضْحَى) ومعنَاهَا اتِّصَافُهُ بهِ في الضُّحَي و(أَصْبَحَا) ومعنَاهَا اتِّصافُهُ بهِ في الصباحِ و(أَمْسَى) ومعنَاهَا اتِّصافُهُ بهِ في المساءِ و(صَارَ) ومعنَاهَا التحَوُّلُ مِنْ صِفَةٍ إلى صِفَةٍ و(لَيْسَ) ومعنَاهَا النفْيُ وهي عندَ الإطلاقِ لنفيِ الحالِ وعندَ التقْيِيدِ بِزَمَنٍ بِحَسَبِهِ و(زَالَ) ماضِي يَزَالُ و(بَرِحَا) و(فَتِئَ, وَانْفَكَّ) ومعنى الأربعةِ مُلازَمَةُ الخبرِ المُخْبَرَ عنهُ على ما يَقتضِيهِ الحالُ نحوُ: "مَا زَالَ زَيْدٌ ضَاحِكًا" و"مَا بَرِحَ عَمْرٌو أَزْرَقَ العَيْنَيْنِ".
وكُلُّ هذه الأفعالِ ما عَدَا الأربعةَ الأخيرةَ – تَعملُ بلا شرطٍ (وهَذِي الأَرْبَعَهْ) الأخيرةُ لا تَعملُ إلا بشَرْطِ كَوْنِهَا (لِشِبْهِ نَفْيٍ) والمرادُ بهِ النهْيُ والدعاءُ (أوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ) سواءٌ كانَ النفْيُ لفظًا نحوَ: "مَا زَالَ زَيْدٌ قَائِمًا" {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}. وَ{لَنْ نَبْرَحَ عليهِ عَاكِفِينَ}. وقولِهِ [مِنَ الخَفِيفِ]:
169 - لَيْسَ يَنْفَكُّ ذَا غِنًى وَاعْتِزَازِ = كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٍّ قَنُوعِ
أوْ تَقْدِيرًا نحوُ {تَاللهِ تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
170 - فَقُلْتُ: يَمِينَ اللهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا = وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي

وَلا يُحذَفُ النافِي مَعَها قِياسًا إلا في القَسَمِ؛ كما رَأَيْتَ، وَشَذَّ قولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:

171 - وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي = بِحَمْدِ اللهِ مُنْتَطِقًا مُجِيدًا
أي: لا أبْرَحُ ومثالُ النهْيِ قولُهُ [مِنَ المُنْسَرِحِ]:
172 - صَاحِ شَمِّرْ وَلَا َتَزَلْ ذَاكِرَ المَوْ = تَ فَنِسْيَانُهُ ضَلَالٌ مُبِينُ
ومِثالُ الدعاءِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيَّ عَلَى البِلَى = وَلَا زَالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ
(وَمِثْلُ كَانَ) في العملِ المذكورِ (دَامَ مَسْبُوقًا بِمَا) المصدريةِ الظرْفِيَّةِ (كَأَعْطِ مَا دُمْتَ مُصِيبًا دِرْهَمًا) أيْ: مُدَّةَ دَوَامِكَ مُصِيبًا.
تنبيهٌ: مِثلُ (صَارَ) في العملِ ما وافَقَهَا في المعنَى مِنَ الأفعالِ وذلك عَشَرَةٌ وهي: آضَ ورَجَعَ وعَادَ واسْتَحَالَ وقَعَدَ وحَارَ وارْتَدَّ وتَحَوَّلَ وغَدَا ورَاحَ؛ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
وفي الحديثِ ((لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَارًا)) وقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
174 - وَكَانَ مُضِلِّي مَنْ هُدِيتُ بِرُشْدِهِ = فَلِلَّهِ مُغْوٍ عَادَ بِالرُّشْدِ آمِرًا
وفي الحديثِ ((فَاسْتَحَالَتْ غَرَبًا)) ومِنْ كَلَامِ العَرَبِ:
"أَرْهَفَ شَفْرَتَهُ حَتَّى قَعَدَتْ كَأَنَّهَا حَرْبَةً".
وقالَ بعضُهُمْ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
175 - وَمَا المَرْءُ إِلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ = يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
وقالَ اللهُ تعالى: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}.
وقالَ امرؤُ القَيْسِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
176 - وَبُدِّلْتُ قُرْحًا دَامِيًا بَعْدَ صِحَّةٍ = فَيَا لَكِ مِنْ نُعْمَى تَحَوَّلْنَ أَبْؤُسَا
وفي الحديثِ ((لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)) وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ بَعْضِهِمْ: "مَا جَاءَتْ حَاجَتَُكَ" بالنصْبِ والرَّفْعِ، بمعنَي: ما صارَتْ فالنصْبُ على أنَّ "ما" استفهامِيَّةٌ مبتدَأ وفي "جاءَتْ" ضميرٌ يعودُ إلى "ما" وأُدْخِلَ التأنيثُ على "ما" لِأنَّها هي الحاجةُ وذلك الضميرُ هو اسمُ "جَاءَتْ" و"حَاجَتَُكَ" خبرٌ والتقديرُ: أَيَّةَ حاجةٍ صارتْ حاجَتَكَ وعلى الرفْعِ "حاجتُكَ" اسم جاءَتْ و"ما" خبرُهَا.
وقدِ استُعْمِلَ "كَانَ" و"ظَلَّ" و"أَضْحَى" و"أَصْبَحَ" و"أَمْسَى" بمعنَى "صَارَ" كثيرًا نحوُ {وَفُتِّحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا وَسُيِّرَتِ الجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
177 - بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالمَطِيُّ كَأَنَّهَا = قَطَا الحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخًا بُيُوضُهَا
ونحوُ {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} وقولِهِ [مِنَ الخَفِيفِ]:
178 - ثُمَّ أَضْحَوْا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جَفَّ = فَأَلْوَتْ بِهِ الصَّبَا والدَّبُورُ
وقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
179 - فَأَصْبَحُوا قَدْ أَعَادَ اللهُ نِعْمَتَهُمْ = إِذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإِذْ مَا مِثْلُهُمْ بَشَرُ
وقولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
180 - أَمْسَتْ خَلَاءً وَأَمْسَى أَهْلُهَا احْتَمَلُوا = أَخْنَى عَلَيْهَا الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ
قالَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ "بَاتَ" تَرِدُ أيضًا بمعنَى "صَارَ" ولا حُجَّةَ لهُ على ذلك ولا لِمَنْ وافَقَهُ.
147 - وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلُهُ قَدْ عَمِلَا = إِنْ كَانَ غَيْرُ المَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلَا
(وَغَيْرُ مَاضٍ) وهو المضارعُ والأمُر واسمُ الفاعلِ والمصدرُ (مثْلُهُ) أيْ: مثلُ الماضي (قَدْ عَمِلَا) العملَ المذكورَ (إنْ كانَ غيرُ الماضِ منهُ استُعْمِلَا) يعنِى أنَّ ما تَصَرَّفَ مِنْ هذه الأفعالِ يَعْمَلُ غيرُ الماضِي منهُ عملَ الماضِي وهي في ذلك على ثلاثةِ أقسامٍ:
قِسْمٌ لا يتصَرَّفُ بحالٍ وهو "لَيْسَ" باتِّفاقٍ و"دَامَ" على الصحيحِ.
وقِسْمٌ يتصَرَّفُ تصَرُّفًا ناقِصًا وهو "زَالَ" وأخَوَاتُهَا؛ فإنَّهُ لا يُستعملُ منها الأمرُ ولا المصدرُ.
وقِسْمٌ يتصَرَّفُ تصرُّفًا تامًّا وهو باقِيهَا فالمضارعُ نحوُ {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} والأمرُ نحوُ {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} والمصدرُ؛ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
181 - بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الفَتَى = وَكَوْنُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ
واسمُ الفاعلِ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
182 - وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشَاشَةَ كَائِنًا = أَخَاكَ إِذَا لَمْ تَلْفَهُ لَكَ مُنْجِدًا
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:

183 - قَضَى اللهُ يَا أَسْمَاءُ أَنْ لَسْتُ زَائِلًا = أُحِبُّكِ حَتَّى يُغْمِضَ الجَفْنَ مُغْمِضُ


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

كانَ وأَخَوَاتُها

عَمَلُ (كانَ) وأَخَوَاتِها وما يُشْتَرَطُ لذلك:

143- تَرْفَعُ كانَ المبْتَدَا اسْماً والْخَبَرْ = تَنْصِبُهُ ككانَ سَيِّداً عُمَرْ
144- ككان ظَلَّ باتَ أَضْحَى أَصْبَحَا = أَمْسَى وصارَ ليسَ زالَ بَرِحَا
145- فَتِئَ وانْفَكَّ وهذِي الأَرْبَعَهْ = لِشِبْهِ نَفْيٍ أو لِنَفْيٍ مُتْبَعَهْ
146- ومثلُ كانَ دامَ مَسْبُوقاً بِمَا = كأَعْطِ ما دُمْتَ مُصِيباً دِرْهَمَا
لَمَّا فَرَغَ ابنُ مالِكٍ رَحِمَه اللَّهُ مِن الكلامِ على المُبْتَدَأِ والخبرِ؛ شَرَعَ في ذِكْرِ نواسخِ الابتداءِ، وهي سِتَّةٌ: ثلاثةٌ منها أفعالٌ، وهي: كانَ وأَخَوَاتُها، وأفعالُ المقارَبَةِ، وَظَنَّ وأَخَوَاتُها، وثلاثةٌ منها حُروفٌ، وهي: ما وأَخَوَاتُها، وإنَّ وأَخَوَاتُها، ولا النافيةُ للجنْسِ، ولكلِّ نَوْعٍ بابٌ مُسْتَقِلٌّ.
وتَسمِيَتُها بالنواسخِ؛ لأَنَّ النسخَ في اللغةِ يُطْلَقُ على الإزالةِ، وهذه الأفعالُ والحروفُ تُزِيلُ حُكْمَ المُبْتَدَأِ والخبَرِ وتُغَيِّرُه.
فكانَ وأخواتُها تَرْفَعُ المُبْتَدَأَ، ويُسَمَّى اسْمَها، وتَنْصِبُ الخبرَ ويُسَمَّى خَبَرَها، وقد ذَكَرَ ابنُ مالِكٍ ثلاثةَ عشَرَ فِعْلاً، وهي مِن حيثُ العمَلُ ثلاثةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: ما يَعْمَلُ هذا العملَ بلا شرْطٍ، وهو ثمانيةُ أفعالٍ بترتيبِ ابنِ مالِكٍ، وهي: كانَ، ظَلَّ، باتَ، أضْحَى، أصْبَحَ، أمْسَى، صارَ، ليسَ، نحوُ: ليسَ التَّقْتِيرُ محموداً، قالَ تعالى: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}، فـ (كَانَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ يَرْفَعُ الاسمَ ويَنْصِبُ الخبرَ، (رَبُّكَ) اسْمُها مرفوعٌ، والكافُ مُضافٌ إليه، (قَدِيراً) خَبَرُها منصوبٌ بالفَتحةِ.
الثاني: ما يَعْمَلُ بشَرْطِ أنْ يَتَقَدَّمَه نفْيٌ أو نَهْيٌ أو دُعاءٌ، وهو أربعةٌ: زالَ - التي مُضَارِعُها يَزالُ- وبَرِحَ، وفَتِئَ، وانْفَكَّ، فمِثالُ النفيِ: لا زالَ البرْدُ قَارِساً، قالَ تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، وقالَ تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}، وقد يكونُ النفيُ مُقَدَّراً؛ كقولِه تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}؛ أيْ: لا تَفْتَأُ.
ومِثالُ النهيِ: لا تَزَلْ مُحْسِناً ما عِشْتَ، قالَ الشاعرُ:
صاحِ شَمِّرْ ولا تَزَلْ ذَاكِرَ الْمَوْ = تِ فنِسْيَانُهُ ضَلالٌ مُبِينُ

ومِثالُ الدعاءِ: لا زالَ بيتُكم مَعموراً بطاعةِ اللَّهِ.
القِسْمُ الثالثُ: ما يَعْمَلُ بشَرْطِ أنْ تَسْبِقَه (ما) المصْدَرِيَّةُ الظرفيَّةُ، ومعنى الْمَصدريَّةِ أنها تُقَدَّرُ بالمصدَرِ، وهو (الدوامُ والظرفيَّةُ؛ لنِيَابَتِها عن الظرْفِ، وهو (الْمُدَّةُ)، وهذا القِسْمُ خاصٌّ بـ (دامَ)، نحوُ: لا أصْحَبُكَ ما دُمْتَ مُنْحَرِفاً، قالَ تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}؛ أيْ: مُدَّةَ دَوامِي حَيًّا.
وهذا معنَى قولِه: (تَرْفَعُ كانَ المُبْتَدَا.. إلخ)؛ أيْ: تَرفَعُ (كانَ) المُبْتَدَأَ حالةَ كونِه اسْماً لها، والخبرَ تَنصِبُه، (ككانَ سَيِّداً عُمَرْ)؛ أيْ: كانَ عمرُ سَيِّداً، ثُمَّ ذَكَرَ أَخَوَاتِ (كانَ) وأنَّ الأربعةَ الأخيرةَ في الترتيبِ تَتْبَعُ نَفْياً أو شِبْهَ نفيٍ ومعنى تَتْبَعُه؛ أيْ: تَلِيهِ وتَقَعُ بعدَه، ثم بَيَّنَ أنَّ الفعلَ (دامَ) في العملِ مِثلُ (كانَ) في عَمَلِها بشَرْطِ أنْ يَسْبِقَهُ (ما الْمَصدريَّةُ الظرفيَّةُ)، ولم يَذْكُرْ أنها (مَصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ)؛ لضِيقِ الوزْنِ الشعريِّ، فاكْتَفَى بالمِثالِ: (أعْطِ مادُمْتَ مُصيباً دِرهمَا)؛ أيْ: مُدَّةَ دوامِكَ مُصيباً الدِّرهمَ أو مُصيباً المحتاجَ.
أمَّا معاني هذه الأفعالِ:
فـ (كانَ): يُفِيدُ اتِّصافَ الاسمِ بالخبرِ في الماضي، إمَّا معَ الانقطاعِ، نحوُ: كانَ الجَوُّ صَحْواً، وإمَّا معَ الاستمرارِ، نحوُ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}.
و(ظَلَّ) يُفيدُ اتِّصافَ الاسمِ بالخبرِ في جميعِ النهارِ غالباً، نحوُ: ظَلَّ الجوُّ معْتَدِلاً، وقد تكونُ بمعنَى (صارَ) عندَ وُجودِ قَرينةٍ؛ كقولِهِ تعالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا}.
و(باتَ) يُفيدُ اتِّصافَ الاسمِ بالخبرِ في وقتِ البَيَاتِ، وهو الليلُ، نحوُ: باتَ الحارِسُ سَاهِراً.
و(أَضْحَى): يُفيدُ اتِّصافَ الاسمِ بالخبرِ في وقتِ الضُّحَى، نحوُ: أَضْحَى الطالِبُ نَشيطاً.
وتُستعمَلُ كثيراً بمعنَى (صارَ)، نحوُ: أضْحَى الهاتِفُ ضروريًّا في هذا العصْرِ.
و(أصْبَحَ) يُفيدُ اتِّصافَ الاسمِ بالخبرِ في وقتِ الصباحِ، نحوُ: أصبَحَ الساهرُ مُتْعَباً.
وتُستعمَلُ كثيراً بمعنَى (صارَ) عندَ وجودِ قرينةٍ، نحوُ: أَصْبَحَ النِّفْطُ دِعامةَ الصناعةِ.
و(أَمْسَى) يُفيدُ اتِّصَافَ الاسمِ بالخبرِ في وقْتِ المساءِ، نحوُ: أَمْسَى الجَوُّ بارِداً.
و(صارَ) يُفِيدُ تَحَوُّلَ الاسمِ مِن حالتِه إلى الحالةِ التي يَدُلُّ عليها الخبرُ، نحوُ: صارَ الحديدُ باباً.
و(ليسَ): يُفِيدُ نَفْيَ الخبرِ عن الاسمِ في الزمنِ الحالِيِّ عندَ الإطلاقِ، نحوُ: ليسَتِ المَكْتَبَةُ مفْتُوحَةً.
فإنْ وُجِدَ قَرينةٌ تَدُلُّ على أنَّ النفيَ واقِعٌ في الزمَنِ الماضي أو المستقبَلِ وَجَبَ الأخْذُ بها، نحوُ: ليسَ المَطَرُ نازِلاً أمْسِ، ونحوُ: ليسَ الضَّيْفُ مسَافِراً غَداً.
وقد يكونُ المرادُ مِنها نَفْيَ الحُكْمِ نَفْياً مُجَرَّداً مِن الزمَنِ، نحوُ: ليسَ العِلْمُ سَهْلاً.
وأمَّا (ما زالَ، وما بَرِحَ، وما فَتِئَ، وما انْفَكَّ) فهذه الأربعةُ تَدُلُّ على ملازَمَةِ الخبرِ للاسمِ مُلازَمَةً مُستمِرَّةً لا تَنقطِعُ، أو مُستمِرَّةً إلى وقتِ الكلامِ، ثم تَنقطِعُ بعدَ وقتٍ طويلٍ أو قصيرٍ.
فالأوَّلُ نحوُ: ما زالَ الأدَبُ حِلْيَةَ طالِبِ العلْمِ، ومِثالُ الثاني: لا يَزالُ الخطيبُ مُتَكَلِّماً، ما فَتِئَ صالِحٌ مُنْكِراً.
وأمَّا (دامَ) فتُفِيدُ معَ مَعمُولَيْهَا استمرارَ المعنَى الذي قَبْلَها مُدَّةً مُحَدَّدَةً، هي مُدَّةُ ثُبُوتِ معنَى خَبَرِها، لا اسْمِها، نحوُ: لا أَصْحَبُكَ ما دُمْتَ مُقَصِّراً، فنَفْيُ الصُّحبةِ يَدُومُ بدَوامِ وقْتٍ مُعَيَّنٍ مُحَدَّدٍ، وهو: مُدَّةُ التَّقصيرِ.


تصريفُ الأفعالِ الناقِصَةِ
147- وغيرُ ماضٍ مِثلَه قدْ عَمِلاَ = إنْ كانَ غيرُ الماضِي منه استُعْمِلاَ

النسْخُ في هذا البابِ - وهو رفْعُ المُبْتَدَأِ ونَصْبُ الخبرِ - ليسَ مقصوراً على الأفعالِ الماضيَةِ المتقَدِّمِ ذِكْرُها، بل يَشْمَلُها، وما قد يكونُ لِمَصَادِرِها مِن الْمُشْتَقَّاتِ؛ وذلك أنَّ أفعالَ هذا البابِ ثلاثةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: جامِدٌ؛ أيْ: لا يَتَصَرَّفُ مُطْلَقاً، ولا يُوجَدُ له غيرُ الماضِي - وهو فِعْلانِ: (ليسَ) اتِّفاقاً، و(دامَ) في أشْهَرِ الآراءِ.
الثاني: ما يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفاً ناقِصاً، فليسَ لها إلاَّ الماضِي والمُضَارِعُ واسمُ الفاعِلِ، وهذا القِسْمُ هو الأربعةُ المسبوقةُ بالنفيِ أو شَبَهِهِ، وهي: (زالَ، بَرِحَ، فَتِئَ، انْفَكَّ)، فالماضي منها تَقَدَّمَتْ أمْثِلَتُه، والمُضَارِعُ كقولِه تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، وقولِه تعالى: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ}، وقولِه تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}، واسمُ الفاعلِ نحوُ: لَسْتَ زائلاً صديقَكَ.
الثالثُ: ما يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفاً شِبْهَ كاملٍ؛ فله الماضِي والمُضَارِعُ والأمرُ والمصدَرُ واسمُ الفاعلِ، دونَ اسمِ المفعولِ وباقي الْمُشْتَقَّاتِ، وهو سبعةٌ: كانَ، ظلَّ، باتَ، أضْحَى، أصْبَحَ، أمْسَى، صارَ.
فمِثالُ المُضَارِعِ قولُه تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}، ومِثالُ الأمْرِ قولُه تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، ومِثالُ اسمِ الفاعلِ قولُ الشاعرِ:

وما كلُّ مَن يُبْدِي البَشاشةَ كائناً = أخاكَ إذا لَمْ تُلْفِهِ لكَ مُنْجِدَا
ومِثالُ المصْدَرِ قولُ الشاعِرِ:
ببَذْلٍ وحِلْمٍ سادَ في قَوْمِه الْفَتَى = وكونُكَ إيَّاهُ عليكَ يَسِيرُ
وهذا معنى قولِه: (وغيرُ ماضٍ مِثْلَه قد عَمِلاَ...)؛ أيْ: أنَّ غيرَ الماضِي - إنْ وُجِدَ واستُعْمِلَ- يَعْمَلُ عَمَلَ الماضي، وذلك كالمُضَارِعِ والأمْرِ وما يُوجَدُ مِن الْمُشْتَقَّاتِ الأُخْرَى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
وأخواتها, كان

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir