دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 08:56 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي (من) و(ما) و(أل) و(ذا) و(ذات) و(ذوات) الموصولات


ومَنْ ومَا وألْتُساوِي ما ذُكِرْ = وهكذا ذُو عندَ طَيِّئٍ شُهِرْ
وكالتي أيضًا لَدَيْهِمْ ذاتُ = وموضعَ اللَّاتِيأَتَى ذَواتُ
ومِثلُ ما ذا بعدَ ما استفهامِ = أو مَنْ إذالمْ تُلْغَ في الكلامِ


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

ومَن ومَا وألْ تُسَاوِي ما ذُكِرْ = وهكذا (ذُو) عندَ طَيِّئٍ شُهِرْ ([1])
وكالَّتي أيضاً لَدَيْهِمْ ذَاتُ = ومَوْضِعَ اللاَّتِي أَتَى ذَوَاتُ ([2])
أشارَ بقولِه: (تُسَاوِي مَا ذُكِرْ) إلى أنَّ (مَن وما) والألفَ واللامَ تكونُ بلفظٍ واحدٍ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ المفردِ والمثنَّى والمجموعِ، فتقولُ: جاءني مَن قامَ، ومَن قامَتْ، ومَن قاما، ومَن قامَتَا، ومَن قَامُوا، ومَن قُمْنَ، وأَعْجَبَنِي ما رُكِبَ، وما رُكِبَتْ، وما رُكِبَا، وما رُكِبَتَا، وما رُكِبُوا، وما رُكِبْنَ، وجَاءَنِي القائمُ والقائمةُ والقائمانِ والقائمتانِ والقائمونَ والقائماتُ.
وأكثرُ ما تُسْتَعْمَلُ (ما) في غيرِ العاقلِ، وقدْ تُسْتَعْمَلُ في العاقلِ ([3] ومِنه قولُه تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى}، وقولُهم: (سُبحانَ ما سَخَّرَكُنَّ لنا)، و(سبحانَ ما يُسَبِّحُ الرعدُ بحَمْدِهِ).
و(مَن) بالعكسِ، فأكثرُ ما تُسْتَعْمَلُ في العاقلِ، وقد تُسْتَعْمَلُ في غيرِه ([4])؛ كقولِه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، ومِنه قولُ الشاعرِ:
29- بَكَيْتُ عَلَى سِرْبِ القَطَا إِذْ مَرَرْنَ بِي = فقُلْتُ ومِثْلِي بالبكاءِ جَدِيرُ
أَسِرْبَ الْقَطَا هَلْ مَن يُعِيرُ جَنَاحَهُ = لَعَلِّي إِلَى مَن قَدْ هَوِيتُ أَطِيرُ؟ ([5])
وأمَّا الألفُ واللامُ فتكونُ للعاقلِ ولغيرِه، نحوُ: (جَاءَنِي القائمُ والمركوبُ)، واخْتُلِفَ فيها؛ فذَهَبَ قومٌ إلى أنها اسمٌ موصولٌ، وهو الصحيحُ، وقيلَ: إنها حرفٌ موصولٌ. وقيلَ: إنها حرفُ تعريفٍ ولَيْسَتْ مِن الموصوليَّةِ في شيءٍ.
وأمَّا (مَن) و(ما) غيرُ المصدريَّةِ فاسمانِ اتِّفَاقاً، وأمَّا ما المصدريَّةُ فالصحيحُ أنها حرفٌ، وذَهَبَ الأخفشُ إلى أنها اسمٌ.
ولغةُ طَيِّئٍ استعمالُ (ذو) موصولةً، وتكونُ للعاقلِ ولغيرِه، وأشهرُ لغاتِهِم فيها أنها تكونُ بلفظٍ واحدٍ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ، مُفرداً ومثنًّى ومجموعاً ([6])، فتقولُ: (جاءني ذو قامَ، وذو قَامَتْ، وذو قامَا، وذو قَامَتَا، وذو قَامُوا، وذو قُمْنَ)، ومِنهم مَن يقولُ في المفردِ المؤنَّثِ: (جَاءَنِي ذاتُ قامَتْ)، وفي جمعِ المؤنثِ: (جاءني ذَوَاتُ قُمْنَ)، وهو المشارُ إليه بقولِه: (وكالتِي أيضاً... البيتَ).
ومِنهم مَن يُثَنِّيها ويَجْمَعُها فيقولُ: (ذوا وذَوُو) في الرفعِ، و(ذَوَي وذَوِي) في النصبِ والجرِّ، و(ذَوَاتَا) في الرفعِ، و(ذواتَى) في الجرِّ والنصبِ، و(ذَوَاتُ) في الجمعِ، وهي مبنيَّةٌ على الضمِّ، وحَكَى الشيخُ بهاءُ الدينِ بنُ النحَّاسِ أن إعرابَها كإعرابِ جمعِ المؤنَّثِ السالمِ.
والأشهرُ في (ذُو) هذه - أَعْنِي الموصولةَ - أنْ تكونَ مبنيَّةً، ومِنهم مَن يُعْرِبُها بالواوِ رَفعاً، وبالألفِ نصباً، وبالياءِ جرًّا، فيقولُ: (جاءني ذو قامَ، ورَأَيْتُ ذا قامَ، ومَرَرْتُ بذي قامَ)، فتكونُ مثلَ (ذي) بمعنى صاحبٍ، وقد رُوِيَ قولُه:
فإمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهُمْ = فَحَسْبِيَ مِنْ ذِي عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا [4]([7])

بالياءِ على الإعرابِ، وبالواوِ على البناءِ.
وأما (ذاتُ) فالفصيحُ فيها أنْ تكونَ مبنيًّةً على الضمِّ رفعاً ونصباً وجرًّا، مثلَ (ذواتُ)، ومِنهم مَن يُعْرِبُها إعرابَ مُسْلِماتٍ فيَرْفَعُها بالضمَّةِ ويَنْصِبُها ويَجُرُّها بالكسرةِ([8]).
ومِثْلُ ما (ذا) بعدَ ما استفهامِ = أو مَن إذَا لم تُلْغَ في الكلامِ ([9])
يعني: أن (ذا) اخْتُصَّتْ مِن بينِ سائرِ أسماءِ الإشارةِ بأنها تُسْتَعْمَلُ موصولةً، وتكونُ مثلَ (ما) في أنها تُسْتَعْمَلُ بلفظٍ واحدٍ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ، مُفرداً كانَ أو مُثَنًّى أو مجموعاً، فتقولُ: (مَن ذا عندَكَ) و(ماذا عِندَكَ)، سواءٌ كانَ ما عندَه مفرداً مذكراً أو غيرَه.
وشرطُ استعمالِها موصولةً أنْ تكونَ مسبوقةً بـ(ما) أو مَن الاستفهاميتيْنِ، نحوُ: (مَن ذا جاءَكَ، وماذا فَعَلْتَ)، فمَن اسمُ استفهامٍ وهو مبتدأٌ و(ذا) موصولةٌ بمعنى الذي، وهو خبرُ مَن و(جَاءَكَ)، صلةُ الموصولِ، والتقديرُ: (مَن الذي جاءَكَ)، وكذلك (ما) مبتدأٌ وذا موصولٌ بمعنى الذي، وهو خبرُ ما، و(فَعَلْتَ) صِلَتُه، والعائدُ محذوفٌ وتقديرُه (ماذا فَعَلْتَهُ)؛ أي: ما الذي فَعَلْتَه.
واحْتَرَزَ بقولِهِ: (إِذَا لم تُلْغَ في الكلامِ) من أنْ تُجْعَلَ (ما) معَ (ذا)، أو (مَن) معَ (ذا) كلمةً واحدةً للاستفهامِ، نحوُ: (ماذا عندَكَ)؛ أي: أيُّ شيءٍ عندَكَ، وكذلك (مَن ذا عندَكَ)، فماذا مبتدأٌ و(عِندكَ) خبرُه، وكذلك (مَن ذا) مبتدأٌ و(عندَكَ) خبرُه، فذا في هذين الموضعيْنِ مُلغاةٌ؛ لأنَّها جُزءُ كَلِمَةٍ؛ لأنَّ المجموعَ استفهامٌ ([10]).


([1]) (وَمَنْ) مبتدأٌ، (وما وأَلْ) معطوفانِ على مَن، (تُسَاوِي) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ إلى الألفاظِ الثلاثةِ: مَن وما وألْ، والجملةُ مِن تُسَاوِي وفاعلِهِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (ما) اسمٌ موصولٌ مفعولٌ به لقولِهِ: (تُسَاوِي)، وقولُهُ: (ذُكِرْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (ما) الواقعِ مفعولاً به، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صلةُ الموصولِ، (وهكذا) ها: حرفُ تنبيهٍ، كذا: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ صَاحِبُهُ الضميرُ في قولِهِ: (شُهِر) الآتِي، (ذو) مبتدأٌ، (عندَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (شُهِر) الآتِي، وعندَ مضافٌ و(طَيِّئٍ) مضافٌ إليه، (شُهِرْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (ذُو)، والجملةُ من شُهِرَ وفاعلِهِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو (ذو).
([2]) (كالتي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (أيضاًً) مفعولٌ مطلَقٌ فعلُه محذوفٌ، (لَدَيْهِمْ) لَدَى: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بما تَعَلَّقَ به الجارُّ والمجرورُ السابقُ، ولَدَى مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (ذَاتُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (ومَوْضِعَ) منصوبٌ على الظرفيَّةِ المكانيَّةِ، ناصِبُه قولُه: (أَتَى) الآتِي، وموضِعَ مضافٌ و(اللاتي) مضافٌ إليه، (أَتَى ذَوَاتُ) فعلٌ ماضٍ وفاعلُه.
([3]) تُسْتَعْمَلُ (ما) في العاقلِ في ثلاثةِ مواضِعَ: الأَوَّلُ: أنْ يَخْتَلِطَ العاقلُ معَ غيرِ العاقلِ، نحوُ قولُه تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}، فإنَّ (ما) يَتَنَاوَلُ ما فيهما من إنسٍ ومَلَكٍ وجِنٍّ وحَيَوَانٍ وجَمَادٍ؛ بدليلِ قولِهِ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.
والمَوْضِعُ الثاني: أنْ يكونَ أَمْرُه مُبْهَماً على المتكلِّمِ، كقولِكَ وقدْ رَأَيْتَ شَبَحاً مِن بَعِيدٍ: انْظُرْ ما ظَهَرَ لي. وليسَ مِنه قولُه تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً}؛ لأنَّ إِبهامَ ذُكُورَتِه وأُنُوثَتِه لا يُخْرِجُه عن العقلِ، بل استعمالُ (ما) هنا في ما لا يَعْقِلُ؛ لأنَّ الحملَ مُلْحَقٌ بالجمادِ.
والموضِعُ الثالثُ: أنْ يكونَ المرادُ صفاتِ مَن يَعْقِلُ؛ كقولِهِ تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ}، وهذا الموضِعُ هو الذي ذَكَرَه الشارِحُ بالمثالِ الأوَّلِ مِن غَيْرِ بَيَانٍ.
([4]) تُسْتَعْمَلُ (مَن) في غيرِ العاقلِ في ثلاثةِ مواضِعَ:
الأوَّلُ: أنْ يَقْتَرِنَ غيرُ العاقلِ معَ مَن يَعْقِلُ في عمومِ فَصْلٍ بمِن الجارَّةِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}، ومَن المستعملةُ فيما لا يَعْقِلُ مجازٌ مُرسَلٌ عِلاقَتُه المجاورةُ في هذا الموضِعِ.
والمَوْضِعُ الثاني: أنْ يُشَبَّهَ غيرُ العاقلِ بالعاقلِ فيُسْتَعَارَ له لفظُه، نحوُ قولِهِ تعالى: {مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ}، وقولِ الشاعرِ:
* أَسِرْبَ الْقَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ *
وهو الذي اسْتَشْهَدَ به المؤلِّفُ فيما يلي، وسَنَذْكُرُ معَه نظائِرَه، واستعمالُ (مَن) فيما لا يَعْقِلُ حينَئذٍ استعارةٌ؛ لأنَّ العِلاقةَ المُشابهةُ.
والمَوْضِعُ الثالثُ: أنْ يَخْتَلِطَ مَن يَعْقِلُ بما لا يَعْقِلُ، نحوُ قولِ اللهِ تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}، واستعمالُ مَن فيما لا يَعْقِلُ ـ في هذا الموضعِ ـ من بابِ التغليبِ، واعْلَمْ أنَّ الأصلَ تغليبُ مَن يَعْقِلُ على ما لا يَعْقِلُ، وقد يُغَلَّبُ ما لا يَعْقِلُ على مَن يَعْقِلُ لِنُكْتَةٍ، وهذه النُّكَتُ تَخْتَلِفُ باختلافِ الأحوالِ والمقاماتِ.
([5]) هذانِ البيتانِ للعبَّاسِ بنِ الأَحْنَفِ، أحدِ الشعراءِ المُوَلَّدِينَ، وقد جاءَ بهما الشارِحُ تمثيلاً لا اسْتِشْهَاداً، كما يَفْعَلُ المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ ذلك كثيراً، يُمَثِّلُ بشِعْرِ المُتَنَبِّي والبُحْتُرِيِّ وأبي تَمَّامٍ، وقيلَ: قائِلُهما مجنونُ لَيْلَى، وهو مِمَّن يُسْتَشْهَدُ بِشِعْرِهِ، وقد وَجَدْتُ بيتَ الشاهدِ ثابتاً في كلِّ ديوانٍ مِن الديوانيْنِ: ديوانِ المجنونِ، وديوانِ العَبَّاسِ، وذلك مِن خَلْطِ الرُّواةِ.
اللغةُ: (السِّرْبُ) جماعةُ الظِّباءِ والقَطَا ونحوِهما، و(القَطَا) ضَرْبٌ من الطيرِ قريبُ الشبهِ من الحمامِ، (جَدِيرُ) لائقٌ وحَقِيقٌ، (هَوِيتُ) بكسرِ الواوِ؛ أي: أَحْبَبْتُ.
الإعرابُ: (بَكَيْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، (عَلَى سِرْبِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ببَكَيْتُ، وسِرْبِ مضافٌ و(القَطَا) مضافٌ إليه، (إذ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ ببَكَيْتُ، مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ، (مَرَرْنَ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ إذ إليها؛ أي: بَكَيْتُ وقتَ مُرُورِهِنَّ بِي، (بِي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَرَّ، (فقُلْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، (ومِثْلِي) الواوُ للحالِ، مِثْل: مبتدأٌ، سومثل مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (بالبُكاءِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (جَدِيرُ) الآتِي، (جَدِيرُ) خبرُ المبتدأِ، (أَسِرْبَ) الهمزةُ حرفُ نداءٍ، وسِرْبَ: مُنَادًى منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وسِرْبَ مضافٌ و(القطا) مضافٌ إليه، (هَل) استفهاميَّةٌ، (مَنِ) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (يُعِيرُ) فعلٌ مضارعٌ وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى مَن، والجملةُ مِن يُعِيرُ وفاعلِه في محَلِّ رَفْعِ خبرِ المبتدأِ، هكذا قالُوا، وعندي أنَّ جملةَ (يُعِيرُ جَنَاحَهُ) لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ الذي هو مَن، وأمَّا خبرُ المبتدأِ فمحذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: هل الذي يُعِيرُ جَنَاحَه موجودٌ، (جَنَاحَهُ) جَنَاحَ: مفعولٌ بِهِ لِيُعِيرُ، وجناحَ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (لَعَلِّي) لعَلَّ: حرفُ تَرَجٍّ ونَصْبٍ، والياءُ ضميرُ المتكلِّمِ اسْمُها، (إِلَى) حرفُ جرٍّ، (مَن) اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ بإلى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: أَطِيرُ الآتِي، (قَدْ) حرفُ تحقيقٍ، (هَوِيتُ) فعلٌ ماضٍ وفاعلُه، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، والعائدُ محذوفٌ، والتقديرُ: إلى الذي قد هَوِيتُهُ، (أَطِيرُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا، والجملةُ مِن أَطِيرُ وفاعلِه في مَحَلِّ رفعِ خبرِ (لَعَلَّ).
الشاهدُ فيه: قولُه: (أَسِرْبَ الْقَطَا) وقولُه: (مَن يُعِيرُ جَنَاحَهُ)، والنداءُ معناه طَلَبُ إقبالِ مَن تُنَادِيهِ عليك، ولا يُتَصَوَّرُ أنْ تَطْلُبَ الإقبالَ إلا مِن العاقلِ الذي يَفْهَمُ الطلبَ ويَفْهَمُ الإقبالَ، أو الذي تَجْعَلُه بمنزلةِ مَن يَفْهَمُ الطلبَ ويَفْهَمُ الإقبالَ، فلَمَّا تَقَدَّمَ بندائِه اسْتَسَاغَ أنْ يُطْلِقَ عليه اللفظَ الذي لا يُسْتَعْمَلُ بحسَبِ وضعِه إلا في العقلاءِ، وقد تَمَادَى في معاملتِه معاملةَ ذَوِي العقلِ، فاسْتَفْهَمَ منه طالباً أنْ يُعِيرَه جَناحَهُ، والاستفهامُ وطَلَبُ الإعارةِ إنما يُتَصَوَّرُ تَوْجِيهُهما إلى العقلاءِ.
ومثلُ ذلك قولُ امرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ:
أَلاَ عِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي = وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ في العُصُرِ الخَالِي.

([6]) لا فرق بينَ أنْ يكونَ ما اسْتُعْمِلَ فيه (ذو) الموصولةُ عاقلاً أو غيرَ عاقلٍ، فمِن اسْتِعْمَالِها في المفردِ المذكَّرِ العاقلِ قولُ مَنْظُورِ بنِ سُحَيْمٍ الذي يَسْتَشْهِدُ الشارحُ به، وقولُ قوالٍ الطائِيِّ:
فقُولاَ لِهَذَا المَرْءِ ذُو جَاءَ سَاعِياً = هَلُمَّ فَإِنَّ المَشْرَفِيَّ الفرائضُ
يريدُ: فقولا لهذا المرءِ الذي جاءَ ساعياً.
ومِن استعمالِها في المفردِ المؤنَّثِ غيرِ العاقلِ قولُ سِنَانِ بنِ الفَحْلِ الطائيِّ:
فإنَّ الماءَ ماءُ أبي وَجَدِّي = وبِئْرِي ذُو حَفَرْتُ وذُو طَوَيْتُ
يريدُ: وبِئْرِي التي حَفَرْتُها والتي طَوَيْتُها؛ لأنَّ البئرَ مؤنَّثةٌ بدونِ علامةِ تأنيثٍ.
ومن استعمالِها في المفردِ المذكَّرِ غيرِ العاقلِ قولُ قوالٍ الطائيِّ أيضاًً.
أَظُنُّكَ دُونَ الْمَالِ ذُو جِئْتَ طَالِباً = سَتَلْقَاكَ بِيضٌ لِلنُّفُوسِ قَوَابِضُ
([7]) قد مَضَى شرحُ هذا البيتِ في بابِ (المُعْرَبِ والمبنيِّ) (ش رَقْم 4) شرحاً وافياً لا تَحْتَاجُ معَه إلى إعادةِ شيءٍ مِنه هنا، وقد ذَكَرْنَا هناكَ أنَّ المؤلِّفَ سَيُنْشِدُهُ مرَّةً أُخْرَى في بابِ الموصولِ، وأنه سَيَذْكُرُ فيه روايتيْنِ، وقد بَيَّنَّا ثَمَّةَ تَخْرِيجَ كُلِّ واحدةٍ مِنهما، ووجهَ الاستدلالِ بهما.
([8]) قالَ ابنُ مَنْظُورٍ: (قالَ شِمْرٌ: قالَ الفَرَّاءُ: سَمِعْتُ أعرابيًّا يقولُ: بالفضلِ ذو فَضَّلَكُمُ اللهُ به، والكرامةِ ذاتُ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بها. فيَجْعَلُونَ مكانَ الذي ذُو، ومكانَ التي ذاتُ، ويَرْفَعُونَ التاءَ على كلِّ حالٍ، ويَخْلِطُونَ في الاثنيْنِ والجمعِ، وربما قالُوا: هذا ذو تَعْرِفُ، وفي التثنيةِ: هذانِ ذَوَا تَعْرِفُ، وهاتانِ ذَوَا تَعْرِفُ. وأَنْشَدَ الفَرَّاءُ:
* وَبِئْرِي ذُو حَفَرْتُ وذُو طَوَيْتُ *
ومِنهم مَن يُثَنِّي ويَجْمَعُ ويُؤَنِّثُ، فيقولُ: هذانِ ذَوَا قالاَ، وهؤلاءِ ذَوُو قالُوا، وهذه ذاتُ قالَتْ. وأَنْشَدَ:
جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ مَوَارِقِ = ذَوَاتُ يَنْهَضْنَ بِغَيْرِ سَائِقِ
اهـ كلامُ ابنِ منظورٍ، وهو في الأصلِ كلامُ الفَرَّاءِ.
([9]) (ومِثْلُ) خبرٌ مُقَدَّمٌ، ومثلُ مضافٌ و(ما) مضافٌ إليه، (ذا) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، (بَعْدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ مِن ذا، وبعدَ مضافٌ و(مَا) قُصِدَ لفظُه: مضافٌ إليه، وما مضافٌ و(استفهامِ) مضافٌ إليه، (أو) حرفُ عطفٍ، (مَن) معطوفٌ على ما، (إِذَا) ظرفٌ تَضَمَّنَ معنَى الشرطِ، (لم) حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ، (تُلْغَ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، مجزومٌ بلَمْ، وعلامةُ جزمِه حذفُ الألفِ، والفتحةُ قبلَها دليلٌ عليها، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ إلى ذا، والجملةُ في محَلِّ جرٍّ بإضافةِ إذا إليها، وهي فعلُ الشرطِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه الكلامُ، وتقديرُه: ذا مثلُ ما حالَ كَوْنِها بعدَ ما أو مَن الاستفهاميتيْنِ، إذا لم تُلْغَ في الكلامِ فهي كذلكَ، وقولُه: (في الكلامِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (تُلْغَ).
([10]) إذا جَعَلْتَ (ماذا) و(مَن ذا) كَلِمَتَيْنِ فهما مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ التي بعدَهما لا مَحَلَّ لها؛ صِلَةٌ، وإذا جَعَلْتَهُما كَلِمَةً واحدةً ـ بأن تَجْعَلَ ذا زائدةً أو تَجْعَلَها مُرَكَّبَةً معَ ما أو معَ مَن ـ فإذا قُلْتَ: (ماذا فَعَلْتَ؟) فماذا: اسمُ استفهامٍ مفعولٌ مُقَدَّمٌ، وإذا قُلْتَ: (ماذا عندَكَ؟) فماذا: اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، وعندَكَ ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


والمُشْتَرَكُ سِتَّةٌ: مَنْ، وَمَا، وأَيٌّ، وأَلْ، وذُو، وذَا.
فأمَّا (مَن) فإِنَّها تَكُونُ للعالِمِ، نحوَ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}([1])، ولغيرِه في ثَلاثِ مَسَائِلَ:
إحداها: أنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ نحوَ: {مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ}([2])، وقولِه:
48 - أَسِرْبُ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ
وقولِه:
49 - أَلاَ عِمْ صَبَاحاً أَيُّها الطَّلَلُ البَالِي = وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي العَصْرِ الخَالِي
فدُعاءُ الأصنامِ, ونِدَاءُ القَطَا والطَّلَلِ, سَوَّغَ ذلك.
الثانيةُ: أنْ يَجتمِعَ معَ العاقلِ فيما وَقَعَتْ عليهَِن) نحوَ: {كَمَنْ لاَ يَخْلُقُ}([3])؛ لشمولِه الآدَمِيِّينَ والمَلائِكَةَ والأَصْنَامَ، ونحوَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}([4])، ونحوَ: {مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ}([5])، فإنَّه يَشْمَلُ الآدَمِيَّ والطَّائِرَ.
الثالثةُ: أنْ يَقْتَرِنَ بهِ في عُمومٍ فُصِّلَ بـ(مَن)، نحوَ: {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ}(3)، و: َنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}(3)؛ لاقترانِهما بالعاقلِ في عُمومِ {كُلَّ دَابَّةٍ}(3).
وأمَّا (مَا), فإِنَّها لِمَا لا يَعْقِلُ وَحْدَه، نحوَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}([6])، وله معَ العاقلِ، نحوَ: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}([7])، ولأنواعِ مَن يَعْقِلُ، نحوَ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ}([8])، وللمُبْهَمِ أَمْرُهُ؛ كقولِكَ وقد رَأَيْتَ شَبَحاً: انْظُرْ إلى ما ظَهَرَ.
والأربعةُ الباقيةُ للعاقلِ وغيرِه، فأَمَّا (أَيٌّ) فخَالَفَ في مَوْصولِيَّتِها ثَعْلَبٌ، ويَرُدُّه قولُه:
50 - فَسَلِّمْ عَلَى أَيُّهُمْ أَفْضَلُ
ولا تُضافُ لنَكِرَةٍ, خلافًا لابنِ عُصْفورٍ، ولا يعمَلُ فيها إلا مُستقبَلٌ مُتَقَدِّمٌ([9]) نحوَ: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}([10]), خِلافًا للبَصْرِيِّينَ، وسُئِلَ الكِسائِيُّ: لِمَ لا يَجوزُ: أَعْجَبَنِي أَيُّهُم قَامَ؟ فقالَ: أَيٌّ كَذَا خُلِقَتْ([11])، وقد تُؤَنَّثُ وتُثَنَّى وتُجْمَعُ، وهي مُعْرَبَةٌ، فقِيلَ مُطْلقاً، وقالَ سِيبَوَيْهِ: تُبْنَى على الضَمِّ إذا أُضِيفَتْ لَفْظاً, وكانَ صَدْرُ صِلَتِها ضَمِيراً مَحْذوفاً، نحوَ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ}([12])، وقولُه:
عَلَى أَيُّهُمْ أَفْضَلُ([13])
وقد تُعْرَبُ حينَئذٍ, كما رُوِيَتِ الآيةُ بالنصبِ, والبيتُ بالجَرِّ.
وأمَّا (ألْ)، فنحوُ: {إِنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}([14])، ونحوُ: {وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ}([15])، وليستْ مَوْصولاً حَرْفِيًّا, خلافًا للمازِنِيِّ ومَن وَافَقَه، ولا حَرْفَ تَعْريفٍ, خلافًا لأبي الحَسَنِ.
* * *
وأمَّا (ذو) فخَاصَّةٌ بطَيِّئٍ، والمشهورُ بِنَاؤُها، وقد تُعْرَبُ؛ كقولِه:
فَحَسْبِي مِن ذِي عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيَا([16])
فيمَن رَواهُ بالياءِ، والمشهورُ أيضاً إفرادُها وتذكيرُها؛ كقولِه:
51 - وبِئْرِي ذُو حَفَرْتُ وذُو طَوَيْتُ
وقد تُؤَنَّثُ وتُثَنَّى وتُجْمَعُ، حَكاهُ ابنُ السَّرَّاجِ([17])، ونازَعَ في ثُبوتِ ذلك ابنُ مالِكٍ، وكُلُّهم حَكَى (ذاتُ) للمُفْرَدَةِ، و(ذَوَاتُ) لجَمْعِها، مَضْمُومتيْنِ؛ كقولِه: بالفَضْلِ ذُو فَضَّلَكُمُ اللهُ بهِ، والكرامةِ ذَاتُ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بَهْ.(48) وقولِه:
52 - ذَوَاتُ يَنْهَضْنَ بِغَيْرِ سَائِقِ
وحُكِيَإعرابُهما إعرابَ ذاتِ وذَواتِ, بمعنَى: صَاحِبَةٍ وصَاحِبَاتٍ([18]).
وأمَّا (ذا) فشَرْطُ مَوْصولِيَّتِها ثَلاثةُ أُمورٍ:
أحَدُها: أنْ لا تَكُونَ للإشارةِ، نحوَ: (مَن ذَا الذَّاهِبُ؟) و: (ماذا التَّوانِي؟) ([19]).
والثاني: ألاَّ تَكُونَ مُلْغَاةً، وذلكَ بتقديرِها مُرَكَّبَةً معََا) في نحوِ: (مَاذَا صَنَعْتَ؟) ([20])، كما قَدَّرَها كذلك مَن قالَ: (عَمَّاذَا تَسْأَلُ؟) فأثْبَتَ الألِفَ؛ لتَوَسُّطِها، ويَجوزُ الإلغاءُ عندَ الكُوفِيِّينَ وابنِ مالكٍ على وجهٍ آخَرَ، وهو تَقْدِيرُها زائدةً([21]).
والثالِثُ: أنْ يَتَقَدَّمَها استفهامٌ بـ(ما) باتِّفاقٍ، أو بـ(مَن) على الأصَحِّ؛ كقولِ لَبِيدٍ:
53 - أَلاَ تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ
وقولِه:
54 - فَمَن ذَا يُعَزِّي الحَزِينَا
والكُوفِيُّ لا يَشترِطُ(مَا) ولا (مَنْ)، واحتَجَّ بقولِه:
55 - أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
أي: والَّذِي تَحْمِلِينَه طَلِيقٌ، وعندَنا أَنَّ (هَذَا طَلِيقُ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ، و(تَحْمِلِينَ) حالٌ؛ أي: وهذا طَلِيقٌ مَحْمولاً.


([1]) سورة الرعد، الآية: 43.

([2]) سورة الأحقاف، الآية: 5.

48 - هذا صدرُ بيتٍ مِن الطويلِ، وهو مِن بيتٍ آخَرَ سابقٍ عليه هكذا:
بَكَيْتُ عَلَى سِرْبِ القَطَا إِذْ مَرَرْنَ بِي = فَقُلْتُ وَمِثْلِي بِالبُكَاءِ جَدِيرُ:
أَسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ = لَعَلِّي إِلَى مَنْ قَدْ هَوِيْتُ أَطِيرُ
والبيتَانِ للعَبَّاسِ بنِ الأَحْنَفِ، أحدِ الشعراءِ المُوَلِّدِينَ. وقد جَاءَ بهما المؤلِّفُ تمثيلاً لا استشهاداً، كما يَفْعَلُ المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ ذلك كثيراً فيُمَثِّلُ بشِعْرِ المُتَنَبِّيِّ والبُحْتُرِيِّ وأَبِي تَمَّامٍ، وقيلَ: قَائِلُهما مَجْنُونُ لَيْلَى، وهو مِمَّن يُسْتَشْهَدُ بشِعْرِه، وقد وَجَدْتُ بيتَ الشاهدِ ثَابتاً في كُلِّ ديوانٍ مِن الديوانَيْن:ِ ديوانِ المجنونِ، وديوانِ العَبَّاسِ، وذلك مِن خَلْطِ الرواةِ.
اللغةُ: (سِرْبَ) السِّرْبُ جماعةُ الظباءِ والقَطَا ونحوِهما، و(القَطَا) طائرٌ. (جَدِيرُ) لائِقٌ وحَقِيقٌ. (هَوِيتُ) - بكسرِ الواوِ -؛ أي: أَحْبَبْتُ.
الإعرابُ: (بَكَيْتُ) فعلٌ وفاعلٌ. (عَلَى سِرْبِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ببَكَيْتُ، وسِرْبُ مُضافٌ، و(القَطَا) مُضافٌ إليه. (إِذْ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ ببَكْيَتُ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ. (مَرَرْنَ) فعلٌ وفاعلٌ. (بِي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمَرَّ. (فَقُلْتُ) فعلٌ وفاعلٌ. (وَمِثْلِي) الواوُ للحالِ، مثلُ مبتدأٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ مضافٌ إليه. (بالبُكَاءِ) جارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِه: (جديرُ) الآتِي. (جَدِيرُ) خبرُ المُبْتَدَأِ. (أسربُ) الهَمْزَةُ حرفُ نداءٍ، وسِرْبُ مُنَادًى مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وسِرْبُ مضافٌ، و(القَطَا) مضافٌ إليه. (هَلْ) حَرْفُ استفهامٍ. (مَنْ) مُبتدأٌ (يُعِيرُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى مَن، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المبتدأِ. (جَنَاحَهُ) جَنَاحَ مَفعولٌ به ليُعِيرُ، والضميرُ مضافٌ إليه. (لَعَلِّي) لَعَلَّ حرفُ تَرَجٍّ ونصبٍ، والياءُ اسمُها. (إِلَى) حرفُ جَرٍّ. (مَنْ) اسمٌ موصولً مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جَرٍّ بإلى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِه: (أَطِيرُ) الآتِي. (قَدْ) حَرْفُ تحقيقٍ. (هَوِيتُ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، والعائدُ ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنا، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ (لَعَلَّ).
الشاهدُ فيه: قولهُ: (مَن يُعِيرُ) حيثُ استَعْمَلَ (مَن) في غيرِ العاقِلِ، فأَطْلَقَه على القَطَا؛ لأنَّه نادَاهُ أوَّلَ الأمرِ بقَوْلِه: (أَسِرْبَ القَطَا) والنداءُ مَعْنَاه طَلَبُ إقبالِ مَن تُنَادِيهِ عليك، ولا يُتَصَوَّرُ أن تَطْلُبَ الإقبالَ إلا مِن العاقِلِ الذي يَفْهَمُ الطلَبَ ويَفْهَمُ الإقبالَ ويَصْنَعُه، فلَمَّا تَقَدَّمَ بنِدَائِه استَسَاغَ أن يُطْلِقَ عليه اللفظَ الذي لا يُسْتَعْمَلُ إلا في العقلاءِ بحَسَبِ وَضْعِه. ومثلُ ذلك الشاهدُ الذي يَلِي هذا، وهو قولُ امْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ:
أَلاَ عِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالِي = وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي العُصُرِ الخَالِي

49 - هذا بيتٌ مِن الطويلِ، وهو مَطْلَعُ قصيدةٍ لامْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ:
اللغةُ: (عِمْ صَباحاً) هذه إحدَى تحِيَّاتِ العربِ في الجاهِلِيَّةِ، كانُوا يقُولُونَ: عِمْ صَبَاحاً، وعِمْ مساءً، وعِمْ ظلاماً، ويقُولُونَ: انْعِمْ صَباحاً، وانْعِمْ مساءً. وقد اختَلَفُوا في (عِمْ) فقالَ بعضُ أهلِ اللغةِ: هو فعلُ أمرٍ مِن المِثَالِ الواوِيِّ وماضِيهِ وَعَمَ، وقالَ بعضُهم: بل هو مُقْتَطَعٌ مِن (انْعِمْ) بحذفِ همزةِ الوصلِ والنونِ الساكنةِ بعدَها. (الطَّلَلُ) كُلُّ ما بَقِيَ شَاخِصاً مُرتفِعاً مِن آثارِ ديارِ الأحِبَّةِ، وأمَّا ما بَقِيَ فيها لاصِقاً بالأرضِ، فهو الرَّسْمُ. (البَالِي) اسمُ فاعلٍ مِن بَلِيَ الشيءُ يَبْلَى - على مثالِ رَضِيَ يَرْضَى - إذا أصابَه البَلَى. (العُصُرِ) - بضَمَّتَيْنِ - لغةٌ في العَصْرِ بفتحٍ فسكونٍ. (الخالِي) الماضِي.
الإعرابُ: (ألا) أداةُ استفتاحٍ. (عِمْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنت. (صَباحاً) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ بعِمْ. (أَيُّها) أَيُّ مُنَادًى بحرفِ نداءٍ محذوفٍ مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصبٍ، وها حرفُ تنبيهٍ. (الطَّلَلُ) نعتٌ لأيِّ. (البَالِي) نعتٌ للطَّلَلِ. (وَهَلْ) حرفُ استفهامٍ. (يَعِمَنْ) فِعْلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ حرفٌ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له. (مَنْ) اسمٌ موصولٌ فاعلُ (يَعِمَ) مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعٍِ. (كانَ) فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، واسمُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعُودُ على الاسمِ الموصولِ. (في العُصُرِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرُ كانَ. (الخَالِي) نعتٌ للعُصُرِ، والجملةُ مِن كانَ ومَعْمُولَيْهَا لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (مَنْ).
الشاهدُ فيه: قولُه: (يَعِمَنْ مَنْ - إلخ) حيثُ استَعْمَلَ (مَن) الموصولةَ في مَعْنَى المفردِ المُذَكَّرِ غيرِ العاقلِ؛ لأنَّ المُرادَ بها ههنا الطَّلَلُ البالِي، والأصلُ في (مَنْ) أن يَكُونَ استعمالُها في العاقلِ، وإنَّما استُعْمِلَت هنا في غيرِه مَجَازاً، والذي مَهَّدَ لهذا التَجَوُّزِ نداءُ الطَّلَلِ مِن قبلُ في قولِه: (أَيُّها الطَّلَلُ) فإنَّ نداءَه جَعَلَه حينئذٍ بمنزلةِ العقلاءِ؛ إذ لا يُنَادَى ولا يُدْعَى إلا العَاقِلُ؛ لأنَّ الغَرَضَ مِن النداءِ إقبالُ مَن تُنَادِيه عليك، والغرضَ مِن الدعاءِ إجابةُ مَن تَدْعُوه، فتَفَهَّمْ ذلك واحْفَظْه.

([4]) سورة الحج، الآية: 18.

([5]) سورة النور، الآية: 45.

([6]) سورة النحل، الآية: 96.

([7]) سورة الحشر، الآية: 1.

([8]) سورة النساء، الآية: 3.

50 - هذاْ عجُزُ بيتٍ مِن المُتقارِبِ، وصَدْرُه قولُه:
إِذَا مَا لَقِيتَ بَنِي مَالِكٍ
والبيتُ لغَسَّانَ بنِ وَعْلَةَ أحدِ الشعراءِ المُخَضْرَمِينَ مِن بَنِي مُرَّةَ بنِ عَبَّادٍ، وأَنْشَدَه أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ في كتاب (الحروفِ)، وابنُ الأَنْبَارِيِّ في كتابِه (الإنصَافِ)، وقالَ قبلَ إنشادِه: حَكَى أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، عن غَسَّانَ، وهو أحدُ مَن تُؤْخَذُ عنهم اللغةُ مِن العربِ أنَّه أَنْشَدَ وذَكَرَ البَيْتَ.
الإعرابُ: (إِذَا) ظرفٌ تَضَمَّنَ مَعْنَى الشرطِ. (مَا) زائدةٌ. (لَقِيتَ) فعلٌ وفاعلٌ والجملةُ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ (إذا) إليها، وهي جملةُ الشرطِ. (بَنِي) مفعولٌ به للَقِيَ، وبَنِي مضافٌ و(مَالِكٍ) مضافٌ إليه. (فَسَلِّمْ) الفاءُ داخلةٌ على جوابِ الشرطِ، وسَلِّمْ فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُه أنت. (عَلَى) حرفُ جَرٍّ. (أَيُّهُمْ) يُرْوَى بضَمِّ (أَيُّ) وبجَرِّه، وهو اسمٌ موصولٌ على الحالتَيْنِ، فعلَى الضمِّ هو مبنيٌّ، وهو الأكثرُ في مِثْلِ هذه الحالةِ، وعلى الجَرِّ هو مُعْرَبٌ مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، والضميرُ مضافٌ إليه. (أَفْضَلُ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: (هو أَفْضَلُ) وجملةُ المبتدأِ وخبرِه لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (أَيُّهُمْ أَفْضَلُ) حيثُ أتَى بأَيُّ مبنيَّةً على الضمِّ - في الروايةِ المشهورةِ الكثيرةِ - فدَلَّ على أنَّها موصولةٌ؛ لأنَّ غيرَ الموصولةِ مُعربةٌ لا مَبنِيَّةٌ، وإنَّما بُنِيَت هنا لكَوْنِها مضافةً، وقد حُذِفَ صدرُ صِلَتِها وهو المبتدأُ الذي قَدَّرْنَاه في إعرابِ البيتِ، وهذا هو مَذْهَبُ سِيْبَوَيْهِ وجماعةٌ مِن البَصْرِيِّينَ في هذه الكلمةِ: أنَّها تَأْتِي موصولةً وتَكُونُ مَبْنِيَّةً إذا اجتَمَعَ فيها أَمْرَانِ:
أحدُهما: أن تَكُونَ مُضافةً لفظاً.
والثانِي: أن يَكُونَ صَدْرُ صلتِها محذوفاً. وذَهَبَ الخليلُ بنُ أَحْمَدَ ويُونُسُ بنُ حَبِيبٍ - وهما شَيْخَانِ مِن شُيوخِ سِيبَوَيْهِ - إلى أنَّ (أَيًّا) لا تَجِيءُ مَوْصولةً، وهي إمَّا شرطيَّةٌ، وإمَّا استفهامِيَّةٌ. وذَهَبَ جماعةُ الكوفِيِّينَ إلى أنَّها قد تَأْتِي موصولةً، ولكنَّها مُعربةً في جميعِ الأحوالِ أُضِيفَت أو لم تُضَفْ، حُذِفَ صَدْرُ صلتِها أو ذُكِرَ.
وزَعَمَ يُونُسُ بنُ حَبِيبٍ والخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ أنَّ (أَيُّهُم) في هذا البيتِ اسمُ استفهامٍ مَرفوعٌ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه أَفْضَلُ، والجملةُ عندَ الخليلِ مَقُولٌ لقولٍ محذوفٍ يَقَعُ صِفةً لموصوفٍ محذوفٍ، وهذا الموصوفُ هو مجرورُ حرفِ الجَرِّ، وتقديرُ الكلامِ عندَه: فسَلِّمْ على شَخْصٍ مَقُولٍ فيه أَيُّهُم أَفْضَلُ، وفي هذا التقديرِ مِن التكَلُّفِ ما يَبْعَثُنَا على عدمِ الأخذِ بالقولِ الذي استَوْجَبَه.

([9]) اشتَرَطُوا في العاملِ في (أَيِّ) الموصولةِ شرطَيْنِ:
الأوَّلُ: أن يَكُونَ مدلولُه الزمانَ المُستقبَلَ.
والثانِي: أن يُقَدَّمَ عليها في الكلامِ. أمَّا شرطُ الاستقبالِ، فسنَتَكَلَّمُ على تعليلِه في الكلامِ على عبارَةِ الكِسَائِيِّ المشهورةِ: (أَيٌّ كذا خُلِقَتْ)، وأمَّا وجوبُ تقديمِ العامِلِ فيها، فإنَّما أرادُوا به أنْ يَظْهَرَ مِن أوَّلِ الأمرِ فَرْقٌ ما بين الموصولةِ هذه وبينَ الشرطِيَّةِ في نحوِ قولِه تعَالَى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى}، والاستفهامِيَّةِ في نحوِ قولِه سُبْحَانَه: {فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ}، فإنَّك تَعْلَمُ أنَّ أسماءَ الاستفهامِ وأسماءَ الشرطِ لا يَعْمَلُ فيها ما قَبْلَها؛ لأنَّ لها صدرُ الكلامِ، فلو عَمِلَ فيها ما قَبْلَها لصَارَت حَشْواً؛ أي: في وَسَطِ الكلامِ، وذلك يُخَالِفُ وَضْعَها، ولهذا لمَّا كانَ مَذْهبُ الخليلِ (أي) لا تكُونُ مَوصولةً وأنَّها في الآيةِ الكريمةِ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} استفهاميَّةٌ اضطَرَّ إلى أن يُقَدِّرَها مقطوعةً عَمَّا قَبْلَها، وأن يَجْعَلَها مبتدأً، وأن يُقَدِّرَ لِمَا قبلَها معمولاً مَحْذُوفاً، على ما شَرَحْنَاه لك في شرحِ الشاهدِ 5.

([10]) سورة مريم، الآية: 69.

([11]) (خُلِقَتْ) أرادَ أنَّ وَضْعَها على هذا، ووَجَّه ذلك ابنُ السرَّاجِ بأنَّ (أيًّا) وُضِعَت على أنْ تُسْتَعَمَل في مُبهَمٍ، وأنت لو قُلْتَ: (يُعْجِبُنِي أَيُّهُم يَقُومُ) كُنْتَ كأنَّكَ قد قُلْتَ: يُعْجِبُنِي الشخصُ الذي يَقَعُ منه القيامُ المُسْتَقْبَلُ كائِناً مَن كانَ، أمَّا لو قُلْتَ: (يُعْجِبُنِي أَيُّهُمْ قَامَ)، والفعلُ الماضِي يَدُلُّ على حُصُولِ حَدَثِه قبلَ زَمَنِ التكَلُّمِ - فإنَّ المَعْنَى حينئذٍ: يُعْجِبُنِي الشخصُ المُعَيَّنُ الذي وَقَعَ القيامُ منه، فيَكُونُ ذلك مُخَالِفاً لِمَا وُضِعَت أيٌّ على أنْ تُسْتَعْمَلَ فيه، ووَجَّهَ ذلك ابنُ البَاذِشِ بمَا تَوضِيحُه أنَّ الزَّمَانَ المُستقبَلَ لا يُدْرَى مَقْطَعُه -؛ أي: مُنْتَهَاه- ولا مَبْدَؤُه، فهو مُبْهَمٌ تامُّ الإبهامِ، وأمَّا الماضِي والحالُ فإنَّهُما مَحْصُورَانِ لانقطاعِ الماضِي ولحُضورِ الحالِ، والفعلُ الذي لا يَصْلُحُ للدَّلالَةِ على المُستقبَلِ المُبهَمِ هو الفعلُ المضارعُ، فلَمَّا كانَت (أَيٌّ) مَوضُوعةً على أن تَكُونَ مُبْهَمَةً في استعمالِها لم يَصْلُحْ لها المَاضِي وصَلَحَ لها المُضارعُ، وإن اختَلَفَ إبهامُ المضارعِ فإنَّ ذلك لا يَضُرُّنَا؛ لأنَّا لم نَدَّعِ أنَّ إبهامَهُما واحدٌ، وإنَّما ادَّعَيْنَا أنَّ الإبهامَ يُنَاسِبُ الإبهامَ ولا يُنَاسِبُ التعيينِ.

([12]) سورة مريم، الآية: 69.

([13]) قد مَضَى قريباً ذِكْرُ هذا الشاهدِ وبيانُ وجهِ الاستشهادِ به. (وهو الشاهدُ رَقْمُ 50).

([14]) سورة الحديد، الآية: 18.

([15]) سورة الطور، الآية: 5.

([16]) هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصدرُه قولُه:
فَإِمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتَهُمْ

وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ هذا البيتِ مَشرُوحاً في بابِ المُعربِ والمبنيِّ مِن هذا الكتابِ. (وهو الشاهدُ رَقْمُ 7)، وقدَّمْنَا ذِكْرَ قائِلِه والأبْيَاتَ التي تَرْتَبِطُ به في المَعْنَى. ومَكَانُ الاستشهادِ فيه قولُه: (مِنْ ذِي) فيمَن رَوَاهُ بالياءِ، فإنَّهُ يَدُلُّ على أنَّ (ذو) الموصولَةَ قد تَكُونُ مُعْرَبةً إعرابَ (ذي) بمَعْنَى صاحبٍ؛ بالواوِ رَفْعاً، وبالياءِ جَرًّا، وبالألفِ نَصْباً. والذي رَوَاهُ بالياءِ هو أَبُو الفَتْحِ بنُ جِنِّيٍّ في كتابِه (المُحْتَسَبِ)، وهذه الروايةُ التي تَقْتَضِي الإعرابَ مُشْكِلَةٌ؛ لأنَّ سببَ البناءِ - وهو شَبَهُها بالحرفِ شَبَهاً افتقارِيًّا – موجودةٌ= في هذه الكَلِمَةِ ولم يُعَارِضْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَخْتَصُّ بالاسمِ حَتَّى يُرَاعَى هذا المُعَارِضُ فتُعْرَبُ.

51 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الوافرِ، وصدرُه قَوْلُه:
فَإِنَّ المَاءَ مَاءُ أَبِي وَجَدِّي
وهذا البيتُ مِن كَلِمَةٍ لسِنَانِ بنِ الفَحْلِ الطائِيِّ، أَوْرَدَها أَبُو تَمَّامٍ حَبِيبُ بنُ أَوْسٍ الطَائِيُّ في ديوانِ (الحَمَاسَةِ)، وكانَ بَنُو جَرْمٍ مِن طَيِّئٍ وبَنُو هِرَمِ بنِ العَشْرَاءِ مِن فَزَارَةَ قَدْ لَجَّ بهم الخِصامُ في شأنِ ماءٍ مِن مِياهِهم، فتَرَافَعُوا إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الضَّحَّاكِ وَالِي المدينةِ، وكانَ صِهْراً للفَزَارِيِّينَ، فخَشِيَ الطائِيُّونَ أن يَمِيلَ في حُكُومَتِه إلى أَصْهَارِه، فبَرَكَ سِنَانُ بنُ الفَحْلِ أَمامَه وأَنْشَدَ بينَ يدَيْهِ الكَلِمَةَ التي منها بيتُ الشاهِدِ.
اللُّغَةُ: (ذُو حَفَرْتُ) أرادَ التي حَفَرْتُها. (وذُو طَوَيْتُ) أرَادَ التي طَوَيْتُها، وطَيُّ البئرِ: بنَاؤُه بالحجارَةِ.
الإعرابُ: (إِنَّ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ. (المَاءَ) اسمُ إِنَّ. (مَاءُ) خبرُ إِنَّ، وهو مضافٌ، وأبِ مِن (أَبِي) مضافٌ إليه، وأَبٌ مُضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه. (وَجَدِّي) الواوُ عاطفةٌ، وجَدِّ معطوفٌ على أَبِي، وياءُ المتكَلِّمِ مضافٌ إليه. (وَبِئْرِي) الواوُ للاستئنافِ، بِئْرٌ مُبْتَدَأٌ، وهو مضافٌ وياءُ المتكَلِّمِ مضافٌ إليه. (ذُو) خَبَرُ المبتدأِ. (حَفَرْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ذو) الموصولةِ. (وَذُو) الواوُ عاطفةٌ، ذُو معطوفٌ على ذو السابقةِ. (طَوَيْتُ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صلةٌ، وقد حَذَفَ العائِدَ على الموصُولَيْنِ مِن جُمْلَتَيِ الصلةِ، وأصلُ الكلامِ: وَبِئْرِي ذُو حَفَرْتُها وذُو طَوَيْتُهَا، ويجُوزُ أن تكُونَ الواوُ في (وبِئْرِي) عاطفةً، وقد عَطَفَت جُملةَ المبتدأِ والخَبَرِ على جملةِ إِنَّ واسمِها وخبرِها، كما يجُوزُ أن تكُونَ عاطفةً، وقد عَطَفَت (بِئْرِي) على اسمِ إِنَّ، و(ذو حَفَرْتُ) على خَبَرِ إِنَّ، فيَكُونُ مِن العَطْفِ على معمُولَي عَامِلٍ واحدٍ، وهو مِمَّا لا نِزَاعَ في جَوَازِه.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (ذُو حَفَرْتُ وذُو طَوَيْتُ) حيثُ استَعْمَلَ (ذو) في الجملتَيْنِ اسماً موصولاً بمَعْنَى التي، وأَجْرَاهُ على غيرِ العاقلِ؛ لأنَّ المَعْنَى والمقصودَ بذُو في الموضِعَيْنِ البئرُ، والبئرُ مُؤَنَّثَةٌ بغيرِ علامةِ تأنيثٍ، وهي غيرُ عاقلةٍ، وذلك واضحٌ، ومِن استعمالِ ذو في المُفردِ المُذَكَّرِ العَاقِلِ قَوْلُ قَوَّالٍ الطَّائِيِّ:
فَقُولاَ لِهَذَا المَرْءِ ذُو جَاءَ سَاعِياً = هَلُمَّ فَإِنَّ المَشْرَفِيَّ الفَرَائِضُ
يُرِيدُ: فَقُولاَ لهذا المَرْءِ الذي جاءَ ساعياً، ومِن استعمالِ ذو في المُفردِ المُذَكَّرِ غيرِ العاقلِ قَوْلُ قَوَّالٍ هذا أيضاً:
أَظُنُّكَ دُونَ المَالِ ذُو جِئْتَ طَالِباً = سَتَلْقَاكَ بِيضٌ لِلنُّفُوسِ قَوَابِضُ
أرادَ دُونَ المالِ الذي جِئْتَ طَالِبَهُ، ومنه الشاهدُ السابقُ، فإنَّ المُرَادَ: حَسْبِي مِن المالِ الذي عندَهم مَا كَفَانِيَا.

([17]) هذه لغةُ جماعةٍ مِن طَيِّئٍ، يقُولُون في المُفردِ المُذَكَّرِ: (ذو قام)، وفي مُثَنَّاه: (ذَوَا قَامَا)، وفي جَمْعِه: (ذَوُو قامُوا)، وفي المُفْرَدَةِ المُؤَنَّثَةِ: (ذَاتُ قَامَت)، وفي مُثَنَّاها: (ذَوَاتَا قَامَتَا)، وفي جَمْعِها: (ذَوَاتُ قُمْنَ). وقد حَكَى ابنُ السرَّاجِ ذلك عَن جميعِ طَيِّئٍ، ذَكَرَ ذلك في كتابِه (الأُصُولِ)، وتَبِعَه في هذا ابنُ عُصْفُورٍ في كتابِه (المُقَرِّبِ)، ونَازَعَهُما العَلاَّمَةُ ابنُ مَالِكٍ في (شَرْحِ التَّسْهِيلِ) فأَنْكَرَ أنْ تَكُونَ هذه لُغَةَ جميعِ طَيِّئٍ، ولكنَّهُ لا يُنْكِرُ أنَّ بَعْضَ طَيِّئٍ يَقُولُونَ ذلك، ولمَّا كانَت عبارةُ ابنِ هِشَامٍ لا تَنُصُّ على مَوضعِ النزاعِ آثَرْنَا أن نُبَيِّنَه لك.

52 - هذا بيتُ مِن الرَّجَزِ المشطورِ، وقد أَنْشَدَ الفَرَّاءُ هذا البيتَ، ولم يَنْسُبْهُ إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وحَكَاهُ عنه في (اللِّسَانِ) غيرَ منسوبٍ، ونَسَبَه قومٌ مِنهم العَيْنِيُّ إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، والبيتُ موجودٌ في زياداتِ دِيوانِ (أَرَاجِيزِ رُؤْبَةَ)، وقبلَه في روايةِ الجميعِ:
جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ مَوَارِقِ

اللغَةُ: (أَيْنُقٍ) جمعُ ناقةٍ، ولسِيبَوَيْهِ في هذه الكَلِمَةِ مَذْهَبانِ:
أحدُهما: أَصْلُها أَنْوُقٌ - بضَمِّ الواوِ - فقُدِّمَت الواوُ على النونِ فصارَت أَوْنُقاً - بسكُونِ الواوِ - ثُمَّ قُلِبَت الواوُ ياءً للتخفيفِ فصَارَت أَيْنُقاً - على وِزَانِ أَعْفُلٍ - ففي الكَلِمَةِ على هذا الوَجْهِ قلبٌ مَكَانِيٌّ وإعلالٌ بالقلبِ.
والمَذْهَبُ الثانِي: أنَّ أصلَها أَنْوُقٌ - بضَمِّ الواوِ كالأوَّلِ - فحُذِفَت هذه الواوُ، ثُمَّ عُوِّضَ عنها ياءٌ قبلَ الفاءِ التي هي النُّونُ فصَارَت الكَلِمَةُ أَيْنُقاً - على وِزَانِ أَيْفُلٍ -.
ففي الكَلِمَةِ على هذا الوجهِ إعلالٌ بالحذفِ وزيادةُ حرفِ التعويضِ في غيرِ موضعِ المُعَوَّضِ مِن الكَلِمَةِ.
(مَوَارِقِ) أرادَ سَرِيعَاتِ السيرِ، وأصلُ هذه الكَلِمَةِ قولُهم: مَرَقَ السهمُ مِن الرَّمِيَّةِ يَمْرُقُ مُرُوقاً، إذا نَفَذَ وأَسْرَعَ، ويُرْوَى في مكانِه (سَوَابِقِ) جمعُ سابقةٍ. (ذَوَاتُ)؛ أي: اللاتي. (يَنْهَضْنَ) يَقُمْنَ أو يُسْرِعْنَ. (سَائِقِ) اسمُ فاعلٍ مِن السَّوْقِ بفَتْحِ السينِ.
المَعْنَى: يَصِفُ إِبِلاً له بأنَّها مُخْتَارةٌ مُنْتَقَاةٌ، وأنَّه جَمَعَها مِن نُوقٍ سَرِيعاتِ السيرِ لا يَحْتَجْنَ إلى سائِقٍ.
الإعرابُ: (جَمَعْتُها) جَمَعَ فِعْلٌ ماضٍ، وتاءُ المتكَلِّمِ فَاعِلُه، وضميرُ الغائباتِ مفعولٌ به. (مِنْ أَيْنُقٍ) جارٌّ ومجرورٌ متعَلِّقٌ بجَمَعَ. (مَوَارِقِ) صفةٌ لأيْنُقٍ. (ذَوَاتُ) صفةٌ ثانيةٌ لأَيْنُقٍ معَ أنَّ (أَيْنُقٍ) نَكِرَةٌ و(ذَوَاتُ) اسمٌ موصولٌ معرفةٌ، وهذا الإعرابُ جَارٍ على مَذْهَبِ الكوفِيِّينَ الذين يُجَوِّزُونَ تَخَالُفَ النعتِ والمنعوتِ في التعريفِ والتنكيرِ إذا كانَ النعتُ للمَدْحِ أو الذمِّ، وعلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ الذين لا يُجِيزُونَ ذلك يَحْتَمِلُ وُجُوهاً مِن الإعرابِ؛ فإنَّهُ يَجُوزُ أن يكُونَ (ذَوَاتُ) بَدَلاً مِن أَيْنُقٍ، ويَجُوزُ أن يكُونَ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ كأنَّه قالَ: هُنَّ اللواتِي. (يَنْهَضْنَ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصَالِه بنونِ النسوةِ، ونُونُ النسوةِ فاعِلُه، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صلةُ الاسمِ الموصولِ. (بغَيْرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَنْهَضْنَ، وغيرِ مضافٌ، و(سَائِقِ) مُضافٌ إليه.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (ذَوَاتُ يَنْهَضْنَ) حيثُ أَتَى فيه بذَوَاتُ بمَعْنَى اللوَاتِي، وبنَاه على الضمِّ، وصِلَتُه جملةُ (يَنْهَضْنَ بِغَيْرِ سَائِقِ).
هذا وقد أَنْكَرَ بعضُ النحاةِ أن يكُونَ (ذَوَاتُ) في هذا الشاهدِ بمَعْنَى اللوَاتِي، وقالَ: هي بمَعْنَى صَاحِبَاتِ، وأُضِيفَت إلى الفعلِ بتأويلِه بالمصدرِ، وكأنَّه قد قالَ: ذَوَاتُ نُهُوضٍ بغَيْرِ سَائقٍ، كما قالُوا: (اذْهَبْ بذِي تَسْلَمْ) وهم يُرِيدُونَ اذْهَبْ بذِي سَلامَةٍ، وذَوَاتُ على هذا وعلى تسليمِ روايةِ الرفعِ خبرُ مُبتدأٍ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: هُنَّ ذَوَاتُ نُهوضٍ بغَيْرِ سائقٍ، ومعنَاه هُنَّ صاحباتُ سَبْقٍ.

([18]) أمَّا ذاتُ فحَكَى إعرابَها بالحركَاتِ أَبُو حَيَّانَ في (الارتِشَافِ)، وعليه تُرْفَعُ بالضمَّةِ، وتُنْصَبُ بالفتحَةِ، وتُجَرُّ بالكسرَةِ، معَ التنوينِ في الأحوالِ الثلاثةِ؛ إذ لا إِضَافَةَ، وأمَّا ذَوَاتُ فحَكَى إِعْرَابَها بالحرَكاتِ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ الحَلَبِيُّ، وعليه تُرْفَعُ بالضمَّةِ، وتُجَرُّ بالكَسْرَةِ، وتُنْصَبُ بالكسرةِ نِيَابةً عَن الفتحةِ كجمعِ المُؤَنَّثِ، وتُنَوَّنُ في الأحوالِ الثلاثةِ أَيْضاً.

([19]) إنَّما كانَت (ذا) في هذَيْنِ المثالَيْنِ غيرُ موصولةٍ؛ لأنَّ ما بعدَها فيهِمَا اسمٌ مُفردٌ، والاسمُ المُفردُ لا يَصْلُحُ أن يكُونَ صِلةً لغيرِ أل، ومتى لم تَصْلُحْ لأنْ تكُونَ مَوصولةً كَانَت اسمَ إشارةٍ؛ إذ هي لا تكُونُ إلا على أحدِ هذَيْنِ الوجهَيْنِ، فإذا انتَفَى أَحدُهما ثَبَتَ الآخَرُ.

([20]) ههنا فائدةٌ وحاصِلُها: أنَّ (ماذا) التي تَرَكَّبَت فيها (ما) معَ (ذا) وصَارَتَا كَلِمةً واحدةً دَالَّةً على الاستفهامِ؛ هل يَجِبُ لها الصدارَةُ كبقِيَّةِ أسماءِ الاستفهامِ فلا يَعْمَلُ فيها ما قبلَها؟ أم تَمَيَّزَتْ بالتركيبِ عَن بقِيَّةِ أخَوَاتِها وصَارَت بحيثُ يَجُوزُ أن تَتَأَخَّرَ عَن العامِلِ فيها؟
مِن العلماءِ مَن ذَهَبَ إلى أنَّها كبَقِيَّةِ أَخَوَاتِها، وكما كَانَت قبلَ التركيبِ لا يَجُوزُ أن يَعْمَلَ فيها ما قَبْلَها فهي كذلك بعدَ التركيبِ، فكما لا تقُولُ: (صَنَعْتُ ما) لا يجُوزُ أن تقُولَ: (صَنَعْتُ مَاذَا). ومِن العلماءِ مَن قالَ: تَخْتَصُّ (ماذا) مِن بينِ أدَوَاتِ الاستفهامِ بجوَازِ تقديمِ العاملِ فيها عليها، وهو الذي نُرَجِّحُه، ونَسْتَدِلُّ عليه بحديثٍ روَاهُ البَغَوِيُّ في (مَصَابِيحِ السُّنَّةِ). (1/5 بولاق) في إسلامِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، وفيه أنَّ عَمْراً قالَ للنبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِطَ، فقَالَ له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((تَشْتَرِطُ مَاذَا؟))، وبمَا رُوِيَ في حديثِ الإِفْكِ أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها كانَت تقُولُ: (أَقُولُ مَاذَا؟) و(أَفْعَلُ مَاذَا؟)، فاعْرِفْ هذا واحْرِصْ عليه.

([21]) ههنا أَرْبَعَةُ أمورٍ أُحِبُّ أن أُنَبِّهَكَ إليها:
الأوَّلُ: أنَّ المُؤلِّفَ ذَكَرَ لإلغاءِ (ذا) مَعْنَيَيْنِ؛ أحدَهما أن تُرَكَّبَ مع (ما) بحيثُ يَصِيرَانِ كلمةً واحدةً دَالَّةً على الاستفهامِ، والثانِيَ أن تُعْتَبَر (ذا) زَائدةً، و(ما) اسمَ استفهامٍ.
الأمرُ الثانِي: أنَّكَ إذا قُلْتَ: (مَا صَنَعْتَ) واعتَبَرْتَ (ذا) مَوصولةً كَانَت (ما) اسمَ استفهامٍ مبتدأً، و(ذا) اسمٌ موصولٌ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ (صَنَعْتَ) لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةٌ، والعائدُ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: أَيُّ شَيْءٍ الذي صَنَعْتَه، فإن اعتَبَرْتَ (ذا) مُلْغَاةً بالمَعْنَى الأوَّلِ كان (ماذا) اسمَ استفهامٍ مبنيًّا= على السكونِ في مَحَلِّ نصبِ مفعولٍ مُقَدَّمٍ، وصَنَعْتَ فِعْلٌ وفاعلٌ، وكأنَّكَ قُلْتَ: أَيُّ شَيْءٍ صَنَعْتَ، وإن اعتَبَرْتَ (ذا) مُلْغَاةً بالمَعْنَى الثانِي كانَ (ما) وَحْدَهُ اسمَ استفهامٍ مبنيًّا= على السكونِ في مَحَلِّ نصبِ مَفعولٍ مُقَدَّمٍ، و(ذا) زَائِدٌ - والأظهَرُ أنَّه لا يَدُلُّ على شيءٍ ولا مَعْنَى له؛ لأنَّ هذا حُكْمَ الزائدِ.
الأمرُ الثالثُ: أنَّ المؤلِّفَ ذَكَرَ تَرَكُّبَ (ذا) معَ (ما) وزِيَادَةَ (ذا) معَ (ما)، ولم يُصَرِّحْ بأنَّ (ذا) تَرَكَّبَ معَ مَن، كما لم يُصَرِّحْ بأنَّ (ذا) تُزَادُ معَ (مَن)، والذي وَجَدْنَاهُ أنَّ أَبَا البَقَاءِ وأَحْمَدَ بنَ يَحْيَى ثَعْلَباً لا يُجِيزَانِ تَركِيبَ (ذا) معَ مَن، ونَقَلَ عنهما أنَّ التركيبَ خَاصٌّ بذا معَ (ما)، وعَلَّلاَ هذا الحُكْمَ بأنَّ (ما) أَكْثَرُ إِبْهاماً مِن (مَنْ) فيَحْسُنُ فيها أن تُجْعَلَ معَ غيرِها كاسمٍ واحدٍ ليَكُونَ ذلك أَظْهَرَ لمَعْنَاها، هذا مِن جِهَةِ التركيبِ، فأمَّا مِن جِهَةِ الزيادَةِ، فإنَّ الكوفِيِّينَ لا يَأْبَوْنَ القولَ بزِيَادَةِ الأسماءِ، والبَصْرِيِّينَ لا يُجِيزُونَ زيادةَ الأسماءِ، فلو أَنَّنَا اتَّخَذْنَا ذلك أَصْلاً لجَازَ لنا أن نَقُولَ: إنَّ الكُوفِيِّينَ يُجِيزُونَ أن تَكُونَ (ذا) زَائِدَةً معَ (مَن)، وإن لم يُنْقَلْ لنا نَقْلٌ صريحٌ يَدُلُّ على ذلك، ويُقَوِّي ذلك أنَّهُم صَرَّحُوا بزيادةِ (ذا) مع (ما)، كما نَقُولُ: إنَّ البَصْرِيِّينَ لا يُجِيزُونَ ذلك، كما لم يُجِيزُوا زيادَةَ (ذا) معَ (ما).
الأمرُ الرابعُ: أنَّهُ يَدُلُّ على اعتبارِ (ذا) موصولةً أو مُلْغَاةً مَجِيءُ البدلِ بعدَها، فإنْ كانَ البدلُ مَرْفُوعاً كما في بيتِ لَبِيدٍ (الشاهِدُ 53) دَلَّ على أَنَّ (ذا) مَوصولةٌ، وسنُبَيِّنُ لك وَجْهَه في شَرْحِ البيتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وإنْ كانَ البدلُ مَنْصُوباً دَلَّ على إلغاءِ (ذا) واعتبارِ الاستفهامِ مَفْعُولاً مُقَدَّماً.

53 - هذا صدرُ بيتٍ مِن الطويلِ للَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ العَامِرِيِّ، وعَجُزُه قولُه:
أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وَبَاطِلُ
اللغةُ: (يُحَاوِلُ) مِن المُحاوَلَةِ، وهي استعمالُ الحِيلَةِ، وهي الحَذْقُ في تَدْبيرِ الأمورِ وتَقْلِيبِ الفِكْرِ حتَّى يُهْتَدَى إلى المقصودِ. (أَنَحْبٌ) يُطْلَقُ النَّحْبُ - بفَتْحِ النونِ وسكونِ الحاءِ - على عِدَّةِ مَعَانٍ، منها النَّذْرُ، وهو ما يُوجِبُه الإنسانُ على نَفْسِه، فإنْ أُرِيدَ به هنا هذا المَعْنَى كانَ مُرادُه مِن البيتِ أن يَقُولَ: اسْأَلُوا هذا الحَرِيصَ على الدنيَا المُهْتَمَّ بها الذي لا يَدَعُ طَرِيقاً إلا سَلَكَه لبُلُوغِ مَآرِبِه منها عَن هذا الذي هو سَادِرٌ فيه، أهو نَذْرٌ أَوْجَبَه على نَفْسِه فهو دَائِبٌ على العملِ لإنفَاذِه أم هو ضَلالٌ وبَاطِلٌ مِن أَمْرِه؟
الإعرابُ: (ألاَ) أداةُ استفتاحٍ. (تَسْأَلانِ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بثبوتِ النونِ، وألفُ الاثنَيْنِ فاعلٌ. (المَرْءَ) مفعولٌ به. (ما) اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ. (ذَا) اسمٌ موصولٌ بمَعْنَى الذي خَبَرُ المبتدأِ. (يُحَاوِلُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعِلُه ضميرٌ مُستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى المَرْءِ، والجملةُ مِن الفِعْلِ وفاعِلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ (ذا) الموصولةِ، والعائدُ ضميرٌ منصوبٌ بيُحَاوِلُ محذوفٌ؛ أي: ما الذي يُحَاوِلُه. (أَنَحْبٌ) الهمزةُ حرفُ استفهامٍ، نَحْبٌ بدلٌ مِن ما الاستفهامِيَّةِ الواقعةِ مبتدأً، وبَدَلُ المرفوعِ مرفوعٌ. (فَيُقْضَى) الفاءُ حرفُ عطفٍ، يُقْضَى فعلٌ مضارعٌ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ مستترٌ فيه. (أم) حرفُ عطفٍ. (ضَلالٌ) معطوفٌ على نَحْبٍ. (وباطِلُ) معطوفٌ على ضلالٍ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (مَاذَا يُحَاوِلُ) حيثُ استَعْمَلَ (ذا) مَوصولةً بمَعْنَى الذي، وأَخْبَرَ بها عَن (ما) الاستفهامِيَّةِ، وأَتَى لها بصِلَةٍ هي جملةُ (يُحَاوِلُ) على ما بَيَّنَّاهُ في إعرابِ البيتِ.
فإنْ قُلْتَ: فَلِمَ لا يكُونُ (ماذا) اسمَ استفهامٍ، وتكُونُ (ذا) قد أُلْغِيَت لتَرْكِها معَ (ما) حتَّى صَارَتَا كَلِمَةً وَاحدةً؟
قُلْنَا في الجوابِ عن هذا: لو كَانَ الشاعرُ قد رَكَّبَ (ذا) معَ (ما) وصَيَّرَهُما كلمةً واحدةً لكانَ موقِعُ هذه الكَلِمَةِ مِن الإعرابِ مفعولاً به مُقَدَّماً ليُحَاوِلُ، فتَكُونُ منصوبةَ المَحَلِّ، وإنَّهُ ليَمْنَعُ مِن ذلك أنَّه جاءَ بالبدلِ مرفوعاً، فإنَّ رَفْعَ البدلِ يَدُلُّ على أنَّ المُبْدَلَ منه مَرْفُوعٌ، فاتَّضَحَ أنَّ هذا الوَجْهَ لا يَجُوزُ في هذا البيتِ، وكذلك كُلُّ ما جَاءَ على نَهْجِه.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا تَلْتَزِمُونَ أن يَكُونَ (ماذا) مَفْعُولاً به مُقَدَّماً ليُحَاوِلُ؟ وهَلاَّ جَعَلْتُمْ (ماذا) مُبتدأً، وجُمْلَةَ (يُحَاوِلُ) خَبَرَه؟ وعلى هذا يَكُونُ البدلُ مُطَابقاً للمُبْدَلِ منه؟.
قُلْنَا في الجوابِ عن هذا: إنَّا لو جَعَلْنَا (مَاذَا) مبتدأً، وجملةَ (يُحَاوِلُ) خَبَرَه لكانَ الرابطُ بين جملةِ الخبرِ والمبتدأِ مَحْذُوفاً، وحَذْفُ الرابطِ في مثلِ ذلك ضَعيفٌ حتَّى أَبَاهُ سِيْبَوَيْهِ ولم يُجَوِّزْهُ، فلَمَّا لَزِمَ - إذا سِرْنَا على ما أَرَدْتَ أن تَسِيرَ عليه - ارتِكَابُ هذا الوَجْهِ الضعيفِ الذي أَبَاهُ شَيْخُ النحاةِ - لم نَرْتَضِ هذا الوَجْهَ مِن الإعرابِ.
وإذا لم يَصِحَّ هذا الوَجْهُ لهذه العِلَّةِ، ولم يَصِحَّ الوَجْهُ الذي قبلَه للعِلَّةِ التي بَيَّنَّا تَعَيُّنَ أن يكُونَ (ما) غيرَ مُرَكَّبٍ معَ (ذا) وأنَّهُما كَلِمَتَانِ، لا كَلِمَةٌ واحدةٌ، على ما أَوْضَحْنَاهُ في إعرابِ البيتِ.
نَعَمْ لو كانَ ما بعدَ الاستفهامِ منصوباً كما جاءَ في قولِه تعَالَى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً} لكَانَ (ذا) مُرَكَّباً معَ (ما) وكانَ مَجْمُوعُهما مَفْعُولاً مُقَدَّماً. ولو كانَ الفِعْلُ الواقعُ بعدَ (ذا) قد نَصَبَ مفعولَه فقُلْتَ: (مَاذَا يُحَاوِلُه أَنَحْبٌ) لجَازَ أن يكُونَ (ذا) قد رُكِّبَ معَ (ما)، وأنَّهما جميعاً كَلِمَةٌ وَاحدةٌ مُبتدأٌ، والجملةُ بعدَها خبرٌ في مَحَلِّ رفعٍ، فأمَّا والبدلُ مرفوعٌ، والفعلُ غيرُ ناصبٍ للضميرِ، والأصلُ عدمُ التقديرِ، فليسَ إلا ما ذَكَرْنَا.
ومِثلُه قولُ العَلاَءِ بنِ حُذَيْفَةَ الغَنَوِيِّ:
وَمَاذَا عَلَيْكُمْ إِنْ أَطَافَ بِأَرْضِكُمْ = مُطَالِبُ دَيْنٍ أَوْ نَفَتْهُ حُرُوبُ

54 - هذه قطعةٌ مِن عَجُزِ بيتٍ مِن المُتَقَارِبِ، وهو بتَمَامِه:
أَلاَ إِنَّ قَلْبِي لَدَى الظَّاعِنِينَ = حَزِينٌ، فَمَنْ ذَا يُعَزِّي الحَزِينَا؟
وقَد نَسَبَ ابنُ مَالِكٍ هذا البيتَ إلى أُمَيَّةَ بنِ أَبِي عَائِذٍ الهُذَلِيِّ، ونَسَبَه العَيْنِيُّ إلى أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلْتِ، والصوابُ ما قالَه ابنُ مَالِكٍ، فإنَّ البيتَ مَطْلَعُ قصيدةٍ عِدَّتُها 51 بيتاً لأُمَيَّةَ بنِ أَبِي عَائِذٍ الهُذَلِيِّ يَمْدَحُ فيها عَبْدَ العَزِيزِ بنَ مَرْوَانَ، وهي موجودةٌ في (شَرْحِ أشعارِ الهُذَلِيِّينَ) صَنْعَةُ أَبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيِّ. (ص515).
اللغةُ: (الظَّاعِنِينَ) جمعُ ظاعنٍ، وهو اسمُ فاعلٍ مِن ظَعَنَ بمَعْنَى سَارَ، ضِدُّ أَقَامَ، وأَرَادَ بهم أَحْبَابَه الذين فَارَقُوه. (حَزِينٌ) وَصْفٌ مِن الحُزْنِ، وهو انقباضُ النَّفْسِ وانصرافُها عَمَّا يَسُرُّ. (يُعَزِّي) يُسَلِّي ويَبْعَثُ الصبرَ إلى نفسِه، ويقُولُ: عَزَّيْتُه أُعَزِّيهِ تَعْزِيَةً، مثلُ سَلَّيْتُه أُسَلِّيهِ تَسْلِيَةً وَزْناً ومَعْنًى.
المَعْنَى: يَصِفُ نفسَه وما فَعَلَ به فِرَاقُ أحبابِه حيثُ غَادَرُوه كَئِيباً بلا قلبٍ، ثُمَّ سَأَلَ عَمَّنْ يُعَزِّيهِ، فيَقُولُ: إِنَّ قَلْبِي أَسِيرٌ قد استَلَبَه أحبابُنا المُرتَحِلُونَ عَنَّا المُفَارِقُونَ لمَآلِفِنَا ومَرَاتِعِ أُنْسِنا بهم، وإنَّ هذا القلبَ لحزينٌ، فهل له مَن يُسَلِّيهِ عَن أحبابِه؟ والأحْسَنُ أن يَكُونَ الاستفهامُ هنا إِنكارِيًّا بمَعْنَى النفيِ، وكأنَّه قالَ: ليسَ له مَن يُعَزِّيهِ.
الإعرابُ: (ألاَ) أداةُ استفتاحٍ. (إِنَّ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ. (قَلْبِي) قَلْبِ اسمُ إنَّ منصوبٌ بفتحةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكَلِّمِ، وقلبِ مُضافٌ وياءُ= مضافٌ=. و(الظاعنِينَ)= مضافٌ إليه. (حَزِينٌ) خبرٌ ثانٍ لإنَّ. (فمَنْ) اسمُ استفهامٍ مُبتدأٌ. (ذا) اسمٌ موصولٌ بمَعْنَى الذي خَبَرُ المبتدأِ. (يُعَزِّي) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى ذا. (الحَزِينَا) مفعولٌ به ليُعَزِّي، والألفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعِلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ ذا.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (فَمَنْ ذَا يُعَزِّي) حيثُ أَتَى بذا اسماً موصولاً بمَعْنَى الذي بعدَ مَن الاستفهامِيَّةِ، وجاءَ لذا بصِلَةٍ هي جُمْلَةُ (يُعَزِّي الحَزِينَ).

55 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصدرُه قولُه:
عَدَسْ، مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إِمَارَةٌ
والبيتُ ليَزِيدَ بنِ رَبِيعَةَ بنِ مُفَرَّغٍ الحِمْيَرِيِّ، ويُقَالُ: إِنَّ رَبِيعَةَ هو مُفَرَّغٌ نفسُه، وكانَ يَزِيدُ حَلِيفَ قُرَيْشٍ، ولَمَّا وَلِيَ سَعِيدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ خُرَاسَانَ طَلَبَ إلى يَزِيدَ أن يَصْحَبَه، فأَبَى ورَغِبَ في صُحْبَةِ زِيَادِ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، ولكنَّه ما عَتَّمَ أن كَرِهَ البقاءَ معَه، فأَتَى عَبَّادَ بنَ زِيَادٍ في سِجِسْتَانَ فأَقَامَ معَه، ثُمَّ ما لَبِثَ أن هَجَاهُ، فأَخَذَه عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ زِيَادٍ أَخُو عَبَّادٍ فحَبَسَهُ وعَذَّبَه وبَلَغَ ذلك مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ فأَمَرَ بإطلاقِه، وفي ذلك يقُولُ قَصِيدةً مِنها بيتُ الشاهدِ، وبعدَه قولُه:
طَلِيقُ الَّذِي نَجَّى مِنَ الحَبْسِ بَعْدَمَا = تَلاَحَمَ فِي دَرْبٍ عَلَيْكِ مَضِيقُ
ذَرِي أَوْ تَنَاسَيْ مَا لَقِيتُِ فَإِنَّهُ = لِكُلِّ أُنَاسٍ خَبْطَةٌ وَخَرِيقُ
اللغةُ: (عَدَسْ) اسمُ زَجْرٍ للبَغْلِ ليُسْرِعَ، وهو مبنيٌّ على السكونِ، ورُبَّمَا أَعْرَبَه الشاعرُ إذا اضْطُرَّ، ورُبَّمَا سَمَّوا البغلَ نفسَه عَدَساً. (إِمَارَةٌ) حُكْمٌ ووِلايةٌ. (طَلِيقُ) فَعِيلٌ بمَعْنَى مفعولٍ، يُرِيدُ أنَّه قد أُطْلِقَ مِن الأسرِ وأُفْرِجَ عنه فصَارَ حُرًّا، وإذا لم يَكُنْ لعَبَّادٍ حُكْمٌ على البغلِ فلأَنْ لا يكُونَ له حُكمٌ على صاحبِ البغلِ ورَاكِبِه أَوْلَى. (دَرْبٍ) - بفَتْحٍ فسكونٍ - هو بابُ الطريقِ الواسعِ. (مَضِيقُ) هو فاعِلُ تَلاَحَمَ قبلَه. (خَبْطَةٌ) بفَتْحِ الخاءِ وسكونِ الباءِ - هو شيءٌ كالزُّكْمَةِ يَأْخُذُ قبلَ الشتاءِ، وفِعْلُه خُبِطَ - بالبناءِ للمجهولِ -. (خَرِيقُ) هي الريحُ الباردةُ الهَبَّابَةُ الشديدةُ، ويُقَالُ لها: خَرُوقُ - بزِنَةِ صَبُورٍ - أيضاً.
الإعرابُ: (عَدَسْ) اسمُ صوتٍ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (مَا) حرفُ نفيٍ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (لِعَبَّادٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ. (عَلَيْكِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ به الجارُّ والمجرورُ السابقُ. (إِمَارَةٌ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ. (أَمِنْتِ) فِعْلٌ ماضٍ، وتاءُ المخاطَبَةِ فاعلُه. (وهذا) الواوُ واوُ الحالِ، واسمُ الإشارةِ مبتدأٌ. (تَحْمِلِينَ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بثُبُوتِ النونِ، وياءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ فاعلٌ، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعِلِه في مَحَلِّ نصبٍ حالٌ مِن اسمِ الإشارةِ على رَأْيِ سِيْبَوَيْهِ الذي يُجَوِّزُ مَجِيءَ الحالِ مِن المبتدأِ، أو حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَكِنِّ في خَبَرِه عند الجمهورِ. (طَلِيقُ) خبرُ المبتدأِ الذي هو اسمُ الإشارةِ، هذا إعرابُ البَصْرِيِّينَ وهو الذي ارْتَضَاهُ جَمْهَرَةُ النحاةِ المتأخِّرِينَ، وتقديرُ الكلامِ عليه: أَمِنْتُ والحالُ أنَّ هذا طَلِيقٌ حالَ كَوْنِه مَحْمُولاً لك، وستَعْرِفُ في بيانِ الاستشهادِ بالبيتِ إعرابَ الكُوفِيِّينَ له.
الشاهدُ فيه: قولُه: (وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ)؛ فإنَّ الكُوفِيِّينَ ذَهَبُوا إلى أنَّ (ذا) اسمٌ موصولٌ وَقَعَ مُبْتَدَأً، ولم يَمْنَعْهُم اتِّصَالُ حرفِ التنبيهِ به مِن أَنْ يَلْتَزِمُوا مَوصُولِيَّتَه، كما لمْ يَمْنَعْهُم عَدَمُ تقدُّمِ (مَا) أو (مَن) الاستِفْهَامِيَّتَيْنِ مِن التِزَامِ مَوصُولِيَّتِه، وعندَهم أنَّ التقديرَ: والذي تَحْمِلِينَهُ طَلِيقٌ، فذا اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، وجملةُ (تَحْمِلِينَ) لا مَحَلَّ لها صِلةٌ، والعائِدُ ضميرٌ منصوبٌ محذوفٌ، وطليقٌ خبرُ المبتدأِ، وعندَ الكوفِيِّينَ أنَّ جميعَ ما يكُونُ اسمَ إشارةٍ قد يَكُونُ اسمَ موصولٍ، وخَرَّجُوا على ذلك قولَه تعَالَى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} قالُوا: (مَا) اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، و(تِلْكَ) اسمٌ موصولٌ بمَعْنَى التي خَبَرُه. و(بيَمِينِكَ) جَارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ صلةٌ. وخَرَّجُوا عليه أَيْضاً قولَ اللَّهِ جَلَّ شَأْنُه: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}، وقَوْلَه تَبَارَكَت آلاؤُه: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وتقديرُ الآيةِ الأُولَى عندَهم: ثُمَّ أنتُم الذينَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُم، وتقديرُ الثانيةِ عندَهم: هَا أَنْتُم الذينَ جَادَلْتُم عنهم فِي الحياةِ الدُّنْيَا، وكُلُّ ذلك غيرُ مُسَلَّمٍ لهم.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


والمشترَكُ سِتَّةٌ: مِنْ، وما، وأل، وذو، وذا، وأي، على ما سيأتي شرحُهُ، وقد أشارَ إليه بقولِه:
93- وَمَنْ، وَمَا، وَأَلْ تُسَاوِي مَا ذُكِرْ = وَهَكَذَا ذُو عَنْدَ طَيِّئٍ شُهِرْ
(وَمَنْ وَمَا وَأَلْ تُسَاوِي) أَيْ فِي الموصوليَّةِ (ما ذُكِرْ) مِنَ الموصولاتِ (وهكَذَا ذُو عنَدَ طَيِّئٍ شُهِرْ) بهذَا.

فَأَمَّا "مَنْ" فالأصلُ استعمالُها في العالَمِ،ْ وتُستعملُ في غيرِه لعارضِ تشبيهٍ بهِ، كقولِه [من الطويل]:
89- أَسِربَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ = لَعَلِّي إِلَى مَنْ قَدْ هَوَيْتُ أَطِيرُ
وقولِه [من الطويل]:
90- أَلاَ عِمْ صَبَاحًا أَيُّها الطَّلَلُ البَالِي = وَهَلْ يَعِمْنَ مَنْ كَانَ فِي العُصُرِ الخَالِي؟
أو تغليبُه عليه في اختلاطٍ ، نحوُ: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}، أو اقترانُهُ به في عمومِ فصلٍ بِمِنْ، نحوَ: { فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ، وَمَنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}؛ لاقترانِهِ بالعاقلِ في "كلِّ دَابَّةٍ"، وتكونُ بلفظٍ واحدٍ للمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ مفردًا كانَ أو مثنًّى أو مجموعًا، والأكثرُ في ضميرِها اعتبارُ اللفظِ، نحوُ:{ وَمَنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ}، { وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} ويجوزُ اعتبارُ المعنَى، نحوُ:{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}، ومنه قولُه [من الطويل]:
91- تَعَشَّ فَإِنْ عَاهَدْتَنِي لاَتَخُونُنِـي = نَكُنْ مِثْلَ مَنْ – يَا ذِئْبُ- يَصْطَحِبـَـانِ

وأَمَّا "مَا" فَإنَّها لغيرِ العالِمِ، نحو:{ مَاعِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}، وتستعمَلُ في غيرِه قليلاً، إذا اختلَطَ بهِ، نحوُ:{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}، وتستعملُ أيضًا في صِفَاتِ العالِم، نحوُ: { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وحكَى أبو زيدٍ: "سُبْحَانَ مَا يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ"، و"سُبْحَانَ مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا" وقيل: بل هي فيها لذواتِ مَنْ يعقِلُ،وتستعملُ في المبهَمِ أمرُهُ كقولِك- وقد رأيتَ شبَحًا مِنْ بُعْدٍ-: انْظُرْ إلى ما أَرَى، وتكونُ بلفظٍ واحدٍ كَمَنْ.
تنبيهٌ : تقعُ "مَنْ"، و"مَا" موصولتينِ كما مرَّ، واستفهاميَّتين، نحوُ: "مَنْ عندَك؟", و"ما عندَك؟" وشرطيَّتَيْنِ، نحوُ: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ المُهْتَدِي}، و{مَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ}، ونكرتينِ موصوفتينِ، كقولِه [من الطويل]:
92- أَلاَ رُبَّ مَنْ تَغْتَشُّهُ لَكَ نَاصـِح ٌ = وَمُؤْتَمِنٌ بِالغَيْبِ غَيْرُ أَمِيـــــنِ
وقولِه [من الرمل]:
93- رُبَّ مَنْ أَنْضَحَتْ غَيْظًا قَلْبـَهُ = قَدْ تَمَنَّى لِي مَوْتًا لَمْ يُطَـــــعْ
وقولِه [من الطويل]:
94- لِمَا نَافِعٍ يَسْعَى اللَّبِيبُ فَلاَ تَكُنْ = لِشَيءٍ بعيدٍ نَفْعُهُ الدَّهرَ سَاعِيــًا
وقولِه [من الخفيف]:
لاَ تُضِيقَنَّ بِالأُمُورِ فَقَدْ تُكْـ = ـشَفُ غَمَّاؤُهَا بِغَيرِ احْتِيــالِ
95- رُبَّ مَا تَكْرَهُ النفُوسُ مِنَ الأمـ = ــرِ لَهُ فُرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَــالِ
وَمِنْ ذلك فيهما قولُهم: "مررْتُ بمَنْ معجَبٌ لك"، و"بما معجَبٌ لَكَ"، ويكونانِ أيضا نكرتينِ تامَّتَيْنِ: أما "مَنْ" فعَلَى رأي أبي علِيٍّ، زعَمَ أنَّهَا في قولِهِ [من البسيط]:
96- ونِعْمَ مَزْكَأُ مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهُ = ونِعْمَ مَنْ هُوَ فِي سِرٍّ وَإِعـــلانِ
تمييزٌ، والفاعلُ مستَتِرٌ، و "هو" هو المخصوصُ بالمدحِ. وقال غيرُه: "مَنْ"موصولٌ فاعلٌ، وقولُه: "هو" مبتدأٌ خبرُه هو آخرُ محذوفٍ، على حدِّ قولِه: * شعري شعري*.
وأما "ما" فَعَلَىَ رأيِ البصريِّينِ إلا الأخفشَ في نحوِ: "مَا أحسنَ زيدًا"؛ إِذِ المعنَى شيءٌ حسنٌ زيدًا، على ما سيأتِي بيانُهُ في بابِه، وفي بابِ "نِعْمَ وبِئْسَ"، عندَ كثيرٍ مِنَ النحويِّينَ المتأَخِّرِينَ: منهم الزمخشريُّ، نحو: "غسَّلْتُهُ غُسْلاً نِعَمَّا" أي: نِعْم شيئًا؛ فـ "مَا": نُصِبَ على التمييزِ.

وأَمَّا "أل" فَلِلْعَاقِلِ وغيرِه، وما ذكَرَهُ الناظمُ مِنْ أنَّهَا اسمٌ موصولٌ هو مذهبُ الجمهورِ، وذهبَ المازنيُّ إلى أنَّهَا حرفٌ موصولٌ، والأخفشُ إلى أنَّهَا حرفُ تعريفٍ.
والدليلُ على اسميَّتِهَا أشياءُ:
الأَوَّلُ: عودُ الضميرِ عليها في نحوِ: "قَدْ أَفْلَحَ المُتَّقِي رَبَّهُ"، وقالَ المازنِيُّ، عائدٌ على موصوفٍ محذوفٍ، ورُدَّ بأنَّ لحذفِ الموصوفِ مظَانٌّ لا يحُذْفُ في غيرِها إلا لضرورةٍ، وليس هذا منها.
الثاني: استحسانُ خُلُوِّ الصفةِ معها عن الموصوفِ، نحوُ: "جاءَ الكريمُ"، فلولا أنَّهَا اسمٌ موصولٌ قد اعتمدَتِ الصفةُ عليه كما تعتمِدُ على الموصوفِ لقبحِ خلُوِّها عنِ الموصوفِ.
الثالثُ: إعمالُ اسمِ الفاعلِ معها بمعنى المضيِّ، فلولا أنَّهَا موصولةٌ واسمُ الفاعلِ في تأويلِ الفعلِ لكانَ منَعُ اسمِ الفاعلِ حينئذٍ معَها أحقُّ منه بدونِها.
الرابعُ: دخولُها على الفعلِ في نحوِ [من البسيط]:
97- مَا أَنْتَ بِالحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ = وَلَاالأَصِيلُ وَلا ذِي الرأْيِ والجَدَلِ
والمعرفةُ مختصَّةٌ بالاسمِ.
واستدلَّ على حرفيَّتِها بأنَّ العاملَ يتخطَّاهَا، نحو: "مررْتُ بالضارِبِ" فالمجرورُ "ضَارِبٌ"، ولا موضعَ لـ "أل"، ولو كانَتِ اسمًا لكانَ لها موضعِ من الإعراب.
قال الشَّلَوبِينَ: الدليلُ على أنَّ الألفَ واللامَ حرفٌ قولُك: "جاءَ القائمُ" فلو كانت اسمًا لكانت فاعلاً، واستحقَّ "قائمٌ" البناءَ؛ لأنَّهُ على هذا التقديرِ مهملٌ؛ لأنَّهُ صلةٌ، والصلةُ لا يُسَلَّطُ عليها عاملُ الموصولِ.
وأجابَ في (شرحِ التسهيلِ) بأنَّ مقتضَى الدليلِ أن يظهرَ عملُ عاملِ الموصولِ في آخرِ الصلةِ؛ لأنَّ نسبتَها منه نسبةُ عجزِ المركَّبِ منه، لكنْ منَعَ مِنْ ذلك كونُ الصلةِ جملةً، والجملُ لا تتأثَّرُ بالعواملِ، فلما كانت صلةُ الألفِ واللامِ في اللفظِ غيرَ جملةٍِ جِيءَ بها على مقتضَى الدليلِ؛ لعدمِ المانعِ.
انتهى، ويلزمُ في ضميرِ"أل" اعتبارَ المعنى، نحوَ: "الضاربِ"، و"الضاربةِ"، و"الضاربين"، و"الضارباتِ".

وأمَّا ذُو فإنَّها للعاقلِ وغيرِه؛ قالَ الشاعرُ [من المنسرح]:
98- ذَاكَ خَلِيلَي وذُو يُوَاصِلُنِــي = يَرْمِي وَرَائِي بِأَمَسِّهِمْ وامْسَلِمَـْـه
وقالَ الآخرُ [من الطويل]:
99- فَقُولاَ لِهَذَا المَرْءِ ذُو جَاءَ سَاعِيًا = هَلُمَّ فَإِنَّ المشرقيَّ الفَرَائــِـــضُ
وقالَ الآخرُ [من الطويل]:
100- فَإِمَّا كَرِامٌ مُوسِرُونَ لِقِيتَهُـمْ = فَحَسْبِي مِنْ ذُو عِنْدَهُمْ مَا كَفَانِيـَـا
وقال َالآخر [من الوافر]:
101- فَإِنَّ الماءَ مَاءُ أَبِي وَجَــدِّيِ = وَبِئْرِي ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْــتُ
والمشهورُ فيها البناءُ، وأن تكونَ بلفظٍ واحدٍ، كما في الشواهدِ، وبعضُهم يعرِبُها إعرابَ ذي بمعنى صاحبٍ، وقد رُوِيَ بالوجهينِ قولُه [من الطويل]:
فَحَسْبِي مَنْ ذِي عندَهم مَا كفانيا
94- وكالتي أيضا لديهـــم ذات = وموضع اللاتي أتـــى ذوات
(وَكَالتِي أيضًا لديهم) أي: عندَ طيِّئٍ (ذات) أي: بعضُ طيِّئٍ أُلحِقَ بـ "ذُو" تاءُ التأنيثِ مع بقاءِ البناءِ على الضمِّ، حكَى الفراءُ: "بالفضلِ ذُو فضلَّكُمُ اللَّهُ به، والكرامةُ ذاتُ أكرمَكُمْ اللَّهُ بهِ"(ومَوْضِعُ اللاَّتِي أَتَى ذَوَاتَ) جمعًا لـ "ذاتِ"، قال الراجزُ:
102- جمعْتُهَا مِنْ أينقٍ مـُـوَارِقٍ = ذَوَاتَ ينهضنَ بغيرِ سائــــقِ
تنبيهٌ : ظاهرُ كلامِ الناظمِ أنَّهُ إِذَا أُرِيدَ غيرُ معنى "التي" و"اللاتي" يقالُ: "ذو" على الأصلِ؛ وأطلَقَ ابنُ عصفورٍ القولَ في تثنيةِ"ذو" و"ذات" وجمعِهما، قال الناظمُ: وأَظُنُّ أنَّ الحاملَ له على ذلك قولُهم: "ذات" و"ذوات" بمعنى "التي" و"اللاتي"، فأضرَبْتُ عنه لذلك، لكنْ نقلَ الهرويُّ وابن السراجِ عن العربِ ما نقلَه ابنُ عصفورٍ.
95- وَمِثْلُمَا "ذا" بعدَ ما اسْتِفْهَـامِ = أَوْ مِنْ، إِذَا لَمْ تُلْغَ فِي الكلامِ
(ومثلُ ما) الموصلةِ فيما تقدَّمَ من أنَّهَا تُستعملُ بمعنى "الذي" وفروعِه بلفظٍ واحدٍ(ذا) إذا وقعَتْ(بَعْدَ مَا اسْتِفْهَامِ) بِاتِّفَاقٍ(أو) بعدَ(مَنْ) استفهامِ على الأصحِّ، وهذاِذَا لَمْ تُلْغَ) ذا(في الكلامِ) والمرادُ بإلغائِها أن تجعَلَ مع "ما" أو "من" اسمًا واحدًا مستفهَمًا به؛ ويظهرُ أثرُ الأمرينِ في البدلِ منَ اسمِ الاستفهامِ وفي الجوابِ، فتقولُ عندَ جعْلِكَ "ذا" موصولا: "ماذا صنعْتَ؟ أخيرٌ أم شرٌّ؟" بالرفعِ على البدليَّةِ مِنْ "ما" لأنَّهُ مبتدأٌ، و"ذا" وصلَتُهُ خبرٌ، ومثلُه: "مَنْ ذا أكْرَمْتَ؟ أزيدٌ أم عمرٌو؟" قالَ الشاعرُ [من الطويل]:
103- أَلاَ تَسْأَلانِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ = أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطـِــلُ
وتقول عند جعلِهما اسمًا واحدًا: "ماذا صنعَتْ؟ أخيرًا أم شرًّا"، و"من ذا أكرمْتَ؟ أزيدًا أم عمرًا؟" بالنصبِ على البدليَّةِ مِنْ "ماذا" أو "من ذا"؛ لأنَّهُ منصوبٌ بالمفعوليَّةِ مقدَّمٌ، وكذا تفعَلُ في الجوابِ، نحو:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ}؛ قرأَ أبو عمرٍو برفعِ"العفوِ" على جعَلْ "ذا" موصولاً، والباقونَ بالنصبِ على جعلِها ملغاةً، كما في قولِه تعالى: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} فإن لم يتقدَّمْ على "ذا" و"مَنْ" الاستفهاميَّتَانِ لم يجُزْ أن تكونَ موصولةً، وأجازَه الكوفيُّون، تمسُّكًا بقولِه [من الطويل]:
104-عَدَسْ مَا لِعِبَادٍ عليكَ إمــارة ٌ = نَجَوْتِ وهذا تَحْمِلينَ طَلِيـــقُ
وخرَجَ على أنَّ "هذا طليقٌ" جملةٌ اسميةٌ، و"تحملينَ" حالٌ، أي: وهذا طليق ٌمحمولاً.
تنبيهٌ : يُشْتَرَطُ لاستعمالِ"ذا" موصولةً- مع ما سبَقَ- أن لا تكونَ مُشَارًا بها, نحوُ: "مَاذَا التواني"، و"ماذا الوقوفُ"، وسَكَتَ عنه لوضوحِهِ.

  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

الموصولُ المُشْتَرَكُ
93- ومَن وما وألْ تُساوِي ما ذُكِرْ = وهكذا ذُو عندَ طَيِّئٍ شُهِرْ
94- وكالتي أيضاً لديهِمْ ذاتُ = وموضعَ اللاتى أَتَى ذَوَاتُ
هذا القِسْم الثاني مِن الأسماءِ الموصولةِ، وهو الموصولُ المشتَرَكُ، وهو الذي لا يَخْتَصُّ بنوعٍ مُعَيَّنٍ، وإنما يَصْلُحُ للواحدِ وغيرِه دونَ أنْ تَتَغَيَّرَ صِيغتُه، وهو سِتَّةٌ: (مَن، وما، وألْ، وذو الطائيَّةُ، وذا، وأيٌّ).
وهذا بيانُها:
1- مَن: وهي اسمٌ موصولٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ، وهي للعالِمِ؛ كقولِه تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، وتأتي لغيرِه؛ كقولِه تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.
2- ما: وهي اسمٌ موصولٌ مَبْنِيٌّ على السكونِ، وهي لغيرِ العالِمِ؛ كقولِه تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}، وقد تكونُ للعالِمِ وغيرِه؛ كقولِه تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}؛ فإنَّ لفْظَ (ما) يَتناولُ الإنْسَ والجِنَّ والمَلْكَ والحيوانَ والجمادَ.
3- ألْ: وتكونُ للعاقِلِ وغيرِه، تقولُ: أعْجَبَنِي الكاتِبُ، قَرَأْتُ المكتوبَ، وهي اسمٌ موصولٌ على أصَحِّ الأقوالِ، وإعرابُها يَظهَرُ على الصِّفَةِ الصريحةِ المُتَّصِلةِ بها؛ لكونِهما نَزَلاَ مَنْزِلَةَ الكَلِمَةِ الواحدةِ؛ قالَ تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ}، وقالَ تعالى: {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}، فـ (الْمُصَّدِّقِينَ) اسمُ (إنَّ) منصوبٌ بالياءِ، و(المرفوعِ) صِفةٌ مجرورةٌ.
4- ذو: وتُستعمَلُ مَوصولةً عندَ بعضِ القبائلِ العربيَّةِ، ومنها (طَيِّئٌ)، نحوُ: زارَنِي ذو تَعَلَّمَ.
وقد ذَكَرَ ابنُ مالِكٍ فِيها لُغتيْنِ:
الأُولَى: أنْ تكونَ بلفْظٍ واحدٍ للمُفْرَدِ والمُثَنَّى والجَمْعِ المُذَكَّرِ والمؤنَّثِ، ويَتَعَيَّنُ المرادُ بالصِّلةِ، فنقولُ : جاءَ ذو فازَ، وجاءَتْ ذو فازَتْ، وجاءَ ذو فازَا، وذو فازَتَا، وذو فَازُوا، وذو فُزْنَ.
والثانيةُ: إدخالُ بعضِ التغييرِ عليها عندَ استعمالِها للمُفْرَدِ والمؤنَّثِ، فيُقالُ: (ذاتُ) لتكونَ مِثْلَ (التي) في الدَّلالةِ على المُفْرَدَةِ المؤنَّثَةِ، وللجمْعِ المؤنَّثِ: (ذواتٌ)، مِثلُ: (اللاَّتِي).
وأمَّا إعرابُها فالمشهورُ بناؤُها على السكونِ، وأمَّا (ذاتُ) و(ذواتُ) فالمشهورُ بناؤُهما على الضَّمِّ.
وهذا معنَى قولِهِ: (ومَن وما.. إلخ)؛ أي: أنَّ هذه الألفاظَ تُساوِي ما ذَكَرَ مِن الثمانِيَةِ المتقدِّمَةِ في الاستعمالِ؛ أي: تَصْلُحُ لكلِّ ما صَلَحَتْ له، وقد اشْتُهِرَ عندَ الطائِيِّينَ استعمالُ (ذو) موصولةً، مُساويةً في الاستعمالِ للأنواعِ الثمانيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ مِن الطائِيِّينَ مَن إذا أرادَ معنى (التي) قالَ: (ذاتُ)، وإذا أرادَ معنى (اللاتِي) قالَ: (ذواتٌ).
مِن الموصولِ المشتَرَكِ
95- ومِثلُ ما ذا بعدَ ما استفهامِ = أو مَن إذا لم تُلْغَ في الكلامِ
هذا الموصولُ الخامسُ المشترَكُ، وهو: (ذا)، والأصلُ أنها اسمُ إشارةٍ كما تَقَدَّمَ، لكنها قد تُستعملُ موصولةً للعاقِلِ وغيرِه، مُفْرَداً وغيرَ مُفْرَدٍ، وذلك بثلاثةِ شُروطٍ:
الأوَّلُ: ألاَّ تكونَ للإشارةِ، وعلامةُ كونِها للإشارةِ دُخولُها على المُفْرَدِ، نحوُ: مَن ذا الكاتِبُ؟ أيْ: مَن هذا الكاتبُ؟؛ لأَنَّ المُفْرَدَ لا يَصْلُحُ صِلَةً لغيرِ (ألْ) كما سيَأتِي.
الثاني: أنْ تكونَ مَسبوقةً بكَلِمَةِ (ما)، أو (مَن) الاستفهاميَّةِ، نحوُ: ماذا عَمِلْتَ مِن الخيرِ؟ ومَن ذا عِنْدَك؟، ويَغْلِبُ أنْ تكونَ للعاقِلِ بعدَ (مَن)، ولغيرِه بعدَ (ما).
الثالثُ: ألاَّ تكونَ مُلغاةً، ومعنى الإلغاءِ أنْ تُرَكَّبَ (ما) أو (مَن) معَ (ذا) تَركيباً يَجْعَلُهما كَلِمَةً واحدةً في المعنى والإعرابِ، وهذا إلغاءٌ حُكْمِيٌّ لا حقيقيٌّ؛ لأنها موجودةٌ حقيقةً، ولكنَّها اعْتُبِرَتْ جُزْءاً مِن كلِمةٍ استفهاميَّةٍ بعدَ أنْ كانَتْ وَحْدَها كلِمةً مُستَقِلَّةً تُعْرَبُ اسْماً موصولاً، فمَثلاً: ماذا عَمِلْتَ؟ يَصِحُّ اعتبارُها مَوصولةً فتكونُ (ما) مُبتدأً، و(ذا) خبراً، و(عَمِلْتَ) صلَةً، والعائدُ محذوفٌ، ويَصِحُّ إلغاؤُها. والجميعُ اسمُ استفهامٍ مفعولٌ مُقَدَّمٌ.
ويَظهَرُ أثَرُ الاستقلالِ والإلغاءِ في البَدَلِ مثلاً، فلو قُلْتَ: ماذا عَمِلْتَ أخيرٌ أمْ شَرٌّ؟ فهذا دليلٌ على الاستقلالِ؛ لأَنَّ (خَيرٌ) بَدَلٌ مِن (ذا) الواقعةِ خبراً، وبَدَلُ المرفوعِ مرفوعٌ، ولو قُلتَ: أخيراً أمْ شَرًّا؟ لصارَ بَدَلاً مِن (ماذا) الواقعةِ مَفعولاً في مَحَلِّ نصْبٍ، وَبَدَلُ المنصوبِ منصوبٌ، ومِن ذلك قولُه تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً}، فالأحسَنُ اعتبارُ (ماذا) كلمةً واحدةً للاستفهامِ، وهي مفعولٌ مُقَدَّمٌ؛ ليكونَ الجوابُ على وَفْقِ السؤالِ، فإنَّ تقديرَ الجوابِ: (أَنْزَلَ خَيْراً)، ويَجوزُ اعتبارُها موصولةً (ما: مُبتدأٌ، ذا: خبرٌ) لكنْ تَفُوتُ مطابَقَةُ الجوابِ للسؤالِ؛ حيثُ إنَّ السؤالَ جُملةٌ اسْمِيَّةٌ والجوابَ جُملةٌ فِعليَّةٌ.
وهذا معنى قولِه: (ومِثلُ ما (ذا) بعدَ ما استفهامِ) أيْ: أنَّ (ذا) تُشْبِهُ (ما) في أنها صالحةٌ لجميعِ الأنواعِ الثمانيةِ، معَ عَدَمِ تَغَيُّرِ لفْظِها، وذلك بشرْطِ أنْ تَقَعَ بعدَ (ما) التي للاستفهامِ، أو (مَن) التي للاستفهامِ أيضاً، وبشرْطِ ألاَّ تُلْغَى في الكلامِ، ولم يَذْكُرِ الشرْطَ الأوَّلَ؛ إمَّا لضِيقِ النظْمِ أو لوُضوحِه.
أمَّا الموصولُ السادسُ المشترَكُ وهو (أيٌّ) فقد ذَكَرَه ابنُ مالِكٍ بعدَ مَبْحَثِ الصِّلَةِ، ويأتي الكلامُ عليه إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, ولا

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir