سؤال رتييل : ذُكر في الشرح للشيخ ابن عثيمين رحمة الله تعالى:
اقتباس:
ولهذا ينبغي للانسان ان لا يلقي العلم لا بين الطلبة وبين عامة الناس الا وهم متشوقون له , حتى يكون كالغيث أصاب أرضا يابسة ، وأما أن يفرض نفسه فهذا أمر لا ينبغي
|
-السؤال هل المراد بالعلم هنا الدروس العلمية ، أم تعم حتى القاء الكلمات في الاماكن العامة ونحوه ؟
جواب الشيخ عبد العزيز الداخل : مثل هذه الكلمات التي تصدر عن بعض العلماء والتي قد يمر مثلها كثير يحسن بطالب العلم أن يفهمها وفق السياق والمقصد الذي أراده ذلك العالم ، ولا يحمل الكلام على عمومه المطلق
فعبارات العلماء ليست كنصوص الكتاب والسنة، بل يأتي بعضها يشعر بالعموم وهم لا يريدون العموم المطلق وإنما يريدون بعض الأحوال دون بعضها.
وللتفصيل في هذه المسألة نقول إن بيان العلم له أحوال:
- فمنه ما هو واجب وجوباً عينيا ، كمن يسأل عن علم وهو يعلم جواب السؤال
فإنه يجب عليه بيان ذلك العلم وعدم كتمانه وفي السنن من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة ).
وكذلك إذا دعت الحاجة للبيان فلا يجوز تأخير البيان عن وقته كأن يرى منكراً يستطيع إنكاره
فيجب عليه أن ينكره ، وإنكار المنكر نوع من أنواع بيان العلم.
وكأن يرى حاجة لبيان حكم شرعي يحتاج صاحبه لبيانه فلا يجوز له تأخير البيان عن وقته.
ونحو ذلك من الأمثلة.
وكأن يتكلم صاحب باطل بباطله ويحتج له فيجب على من كان لديه علم بالحق أن يبين الحق وينصره ولا يكتم ما عنده من العلم.
- ومن البيان ما هو واجب وجوباً كفائياً بحيث إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الجميع ، كالدعوة إلى الله تعالى وتعليم العلم النافع ونحو ذلك .
- ومن البيان ما هو مستحب يثاب عليه من يبينه بقصد صالح كبيان بعض لطائف العلم ونحوها من العلم غير الواجب.
وكذلك إذا قام بالدعوة والتعليم من يكفي بقي الحكم لغيرهم على الاستحباب.
فهذه أحكام بيان العلم من حيث الجملة ، وأما تفاصيل ذلك فلها أحوال بحسب نوع العلم المراد بيانه وحال المتكلم والسامع وأسلوب الخطاب
فبعض المسائل الدقيقة لا يناسب ذكرها لمن لا يفهمها ، بل ورد النهي عن ذلك ففي صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه موقوفا: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله)
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
- وبعض الأمور ينبغي أن يراعى فيها أحوال المستمعين ففي صحيح البخاري أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يُذَكِّرُ الناس في كل خميس ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم ؟
قال : أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم ، وإني أتخولكم بالموعظة ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها ، مخافة السآمة علينا.
فكثرة المواعظ ربما تجلب السآمة فينصرف الناس عن استماع المواعظ جملة
فينبغي للواعظ أن يتخول الناس بالموعظة ولا يدئبها عليهم ويكثر عليهم لئلا يملهم منها، فيضعف أثر المواعظ في النفوس.
وكذلك التكلم ببعض المسائل العلمية عند من لا يعرف قدرها فيه ابتذال للعلم لا ينبغي ، بل ربما عرَّض صاحبه للتندر والتهكم أو اللامبالاة لضعف معرفة الحاضرين بقدرها ونفعها.
لذلك ينبغي لطالب العلم أن يراعي الأحوال في ذلك.
وهذا كله بخلاف البيان الواجب الذي لا يجوز كتمانه كما تقدم ذكره.