دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > النكاح والطلاق والرضاع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 04:45 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الرضاع

كِتَـابُ الرِّضَـاعِ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ في بِنْتِ حَمْزَةَ، ((لاَ تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِن الرَّضَاعَ مَا يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِن الرَّضَاعَةِ)) .
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا قالَت: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِن الْوِلاَدَةِ)) .
وعنهَا قالَتْ : (( إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ، اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، بَعْدَما أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لا آَذَنُ لَهُ، حتَّى أَسْتَأْذِنَ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَإِنَّ أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرأَةُ أَبي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فقالَ: ((ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ)) .
قالَ عروةُ بنُ الزُّبيرِ: فَبِذَلِكَ كانَتْ عَائِشَةُ تقُولُ: حَرِّمُوا مِن الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ .
وفي لفظٍ : (( اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فقالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي، وأَنَا عَمُّكِ ؟ فَقلتُ: وكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ ؟ فقالَ: ((صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ)) : أَىْ : افْتَقَرْتِ، والْعَرَبُ تَدْعُو عَلَى الرَّجُلِ وَلا تُرِيدُ وقوعَ الأمرِ بهِ .
وعنهَا رَضِيَ اللهُ عنهَا قالَتْ : (( دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: وَعِنْدِي رَجُلٌ، فقالَ: ((يا عائِشَةُ، مَنْ هَذَا ؟)) قُلْتُ: أخِي مِن الرَّضَاعَةِ، فقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؟ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِن المَجَاعَةِ)) .
عن عقبةَ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قالَ : (( تَزَوَّجَتُ أُمَّ يَحْيى بنْتَ أَبي إِهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، قَالَ: فأَعْرَضَ عَنِّي، قالَ: فَتَنَحَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فقالَ: ((وَكَيْفَ ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا)) .
عن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: (( خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ –يَعنِي مِن مَكَّةَ- فَتَبِعَتْهُم ابْنَةُ حَمْزَةَ، تُنَادِي: يا عمُّ ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، فَاحْتَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فقالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ لِخَالَتِهَا، وَقالَ: ((الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)) وَقالَ لِعَلِيٍّ: ((أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ)) وَقالَ لجعْفَرٍ: ((أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي)) وقالَ لِزَيْدٍ: ((أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا)) .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الأول: تصحيح الرواية)

حديثُ عُقْبَةَ بنِ الحارثِ في الرَّضَاعِ هو من أَفْرادِ البخاريِّ ولم يُخرِّجْه مسلِمٌ بل لم يُخَرِّجْ في صحيحِه عن عُقْبَةَ بنِ الحارثِ شيئاً .
حديثُ البَرَاءِ بنِ عازبٍ قالَ : خرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْنِى من مكَّةَ فاتَّبَعَتْهُم ابنةُ حمزةَ .. الحديثُ.
هذا الحديثُ بهذا السِّياقِ من أَفْرادِ البخاريِّ وكذا عَزَاه إليه البَيْهَقِيُّ في سُنَنِه وعبدُ الحقِّ في ( الْجَمْعِ بينَ الصحيحين ) والْمَزِّيُّ في (الأطرافِ ) ووَقَعَ لصاحبِ الْمُنْتَقَى ولابنِ الأثيرِ في ( جامِعِ الأصولِ ) أنه من المتَّفَقِ عليه ومُرَادُهما قِصَّةُ صلْحِ الحديبيةِ منه والمُصنِّفُ اختَصَرَه والبخاريُّ ذكَرَه في موضِعَين من صحيحه مطَوَّلاً .

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتابُ الرَّضَاعِ

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ والعشرونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بِنْتِ حَمْزَةَ: ((لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِن الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِن الرَّضَاعَةِ)).

الْحَدِيثُ السَّادِسُ والعشرونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهَا قالَت: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِن الْوِلَادَةِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: ما يُثْبِتُهُ الرَّضَاعُ من المَحْرَمِيَّةِ، ومنها النِّكَاحُ، وأنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ ما ثَبَتَ في النسبِ.
الثَّانِيَةُ: الذينَ تَنْتَشِرُ فيهم المَحْرَمِيَّةُ في الرَّضَاعِ، هم الرَّضِيعُ وفروعُهُ أولادُهُ وأولادُهُم، وهوَ يكونُ لأبوَيْهِ من الرضاعِ كأحدِ أولادِ النسبِ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ والعشرونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وعنهَا قالَتْ: ((إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ، اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، بَعْدَما أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا آذَنُ لَهُ، حتَّى أَسْتَأْذِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرأَةُ أَبي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فقالَ: ((ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ)).
قالَ عروةُ بنُ الزُّبيرِ: فَبِذَلِكَ كانَتْ عَائِشَةُ تقُولُ: حَرِّمُوا مِن الرَّضَاعةِ مَا يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ.
وفي لفظٍ: ((اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فقالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي، وأَنَا عَمُّكِ؟ فَقلتُ: وكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالَ: ((صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ)). أَى: افْتَقَرْتِ، والْعَرَبُ تَدْعُو عَلَى الرَّجُلِ وَلا تُرِيدُ وقوعَ الأمرِ بهِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: ثبوتُ حُكْمِ الرضاعِ من الزوجِ صاحبِ اللَّبَنِ وأقاربِهِ.
الثَّانِيَةُ: وُجُوبُ حِجَابِ النساءِ من الرجالِ غيرِ المَحَارِمِ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ والعشرونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وعنهَا قالَتْ: ((دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَعِنْدِي رَجُلٌ، فقالَ: ((يا عائِشَةُ، مَنْ هَذَا؟)) قُلْتُ: أخِي مِن الرَّضَاعَةِ، فقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؟ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِن المَجَاعَةِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: غيرةُ الرجلِ على أهلِهِ ومَحَارِمِهِ منْ مُخَالَطَةِ الأجانبِ.
الثَّانِيَةُ: إذا أَحَسَّ الرجلُ منْ مَحَارِمِهِ ما يَرِيبُهُ، فعَلَيْهِ التَّثَبُّتُ قبلَ الإنكارِ.
الثَّالِثَةُ: التَّثَبُّتُ منْ صِحَّةِ الرضاعِ المُحَرِّمِ وَضَبْطُهُ.
الرَّابِعَةُ: أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ الرضاعُ في وقتِ تَغَذِّي الرَّضِيعِ باللَّبَنِ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ والعشرونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ عقبةَ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، قالَ: ((تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيى بنْتَ أَبي إِهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فأَعْرَضَ عَنِّي، قالَ: فَتَنَحَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فقالَ: ((وَكَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى أنَّهُ إذا ثَبَتَ الرَّضَاعُ المُحَرِّمِ بينَ الزوجَيْنِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا.
الثَّانِيَةُ: ثبوتُ الرَّضَاعِ وأحكامِهِ بشهادةِ امرأةٍ واحدةٍ.
الثَّالِثَةُ: قَبُولُ شهادةِ الرقيقِ إذا كانَ عَدْلًا، ولا بُدَّ في الشهودِ كُلِّهِم من العدالةِ.
الرَّابِعَةُ: أنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لا يُوجِبُ حَدًّا ولا تَعْزِيرًا، وصاحبُهُ مَعْذُورٌ عنْ حدِّ الدنيا وعذابِ الآخرةِ.

الْحَدِيثُ الثلاثونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –يَعنِي مِنْ مَكَّةَ- فَتَبِعَتْهُم ابْنَةُ حَمْزَةَ، تُنَادِي: يا عمُّ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، فَاحْتَمَلَها، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فقالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقالَ: ((الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)) وَقالَ لِعَلِيٍّ: ((أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ)) وَقالَ لجعْفَرٍ: ((أَشْبَهْتَ خَلَقِي وَخُلُقِي)) وقالَ لِزَيْدٍ: ((أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (دُونَكِ). بكسرِ الكافِ، خطابٌ لأُنْثَى أيْ: خُذِيهَا.
قَوْلُهُ: (خَلَقِي). بفتحِ الخاءِ واللَّامِ، الصِّفَاتُ الظَّاهِرَةُ.
قَوْلُهُ: (خُلُقِي). بِضَمِّ الخاءِ واللَّامِ، الصِّفَاتُ البَاطِنَةُ.
قَوْلُهُ: (مَوْلَانَا). أيْ عَتِيقُنَا، فالمَوْلَى يُطْلَقُ على المُعْتِقِ والعَتِيقِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: ثُبُوتُ الحَضَانَةِ لِحَقِّ الصغيرِ والمَعْتُوهِ حِفْظًا وصيانَةً لهُ وقِيَامًا بِشُؤُونِهِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ للعَصَبَةِ من الرجالِ حَقًّا في الحضانةِ ما لم يُوجَدْ مَنْ هوَ أَحَقُّ مِنْهُم.
الثَّالِثَةُ: تَقْدِيمُ الأمِّ في الحضانةِ لكمالِ شَفَقَتِهَا، وبعدَهَا الخالةُ، فهيَ بِمَنْزِلَتِهَا.
الرَّابِعَةُ: أنَّ المرأةَ المُزَوَّجَةَ لا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا إذا رَضِيَ زَوْجُهَا بِقِيَامِهَا بالحضانةِ.
الْخَامِسَةُ: حُسْنُ خُلُقِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِكْمَتُهُ حيثُ أَرْضَى كلَّ المُنَازِعِينَ.

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كِتابُ الرَّضَاعِ(151)
الحَديثُ السابِعُ والعِشْرُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
327- عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بِنْتِ حَمْزَةَ: ((لا تَحِلُّ لي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ)).

الحَديثُ الثامِنُ والعِشْرُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
328- عن عائِشَةَ رضي اللهُ عَنْها قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْـرُمُ مِنْ الْـوِلاَدَةِ))(152).
الحَديثُ التاسِعُ والعِشْرُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
329- وعنها قالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، بَعْدَما أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فقُلْتُ: وَاللهِ لا آَذَنُ لَهُ، حَتَّى أَسْتَأْذِنَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإِنَّ أَخَا أَبي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، ولَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرأَةُ أَبي القُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ. فقال : ((ائْذَنِي لَهُ؛ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ)) .
قالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كانَتْ عَائِشَةُ تقُولُ : حَرِّمُوا مِنَ الرِّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
وفي لَفْظٍ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فقالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي، وأَنَا عَمُّكِ ؟ فَقُلْتُ: ((كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي، بِلَبَنِ أَخِي. قالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقالَ:((صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ)).

تَرِبَتْ: أَي: افْتَقَرَتْ, والعَرَبُ تَدْعُو على الرجُلِ، ولا تُرِيدُ وُقُوعَ الأمْرِ بِهِ(153).

الحَديثُ الثلَاثُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
330- وعنها رضي اللهُ عنها قالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُـولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِنْدِي رَجُـلٌ، فقالَ: ((يا عائِشَـةُ, مَنْ هَذَا ؟)) قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ. فقالَ:((يا عائِشَةُ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ ؟ فإِنَّما الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ))(154).
الحَديثُ الحادِي والثلَاثُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
331- عن عُقْبَةَ بْنِ الحارِثِ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيى بنْتَ أَبي إِهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ, فقالَت: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: فأَعْرَضَ عَنِّي، قالَ: فَتَنْحَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ، فقالَ:((وَكَيْفَ ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُما))(155).
الحَديثُ الثانِي والثلَاثُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
332- عن البَرَاءِ بْنِ عازِبٍ رضي اللهُ عنهُما قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعنِي مِنْ مَكَّةَ - فَتَبِعَتْهُم ابْنَةُ حَمْزَةَ، تُنَادِي : يا عمِّ. فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَال لِفَاطِمَةَ : دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ. فَاحْتَمَلَتْها، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَجَعْفَرٌ، وَزَيْدٌ، فقالَ عَلِيٌّ : أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي. وَقَال جَعْفَرٌ : ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقالَ زَيْدٌ : بِنْتُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقالَ :((الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)). وَقالَ لِعَلِيٍّ :((أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ)). وَقال لجعْفَرٍ: ((أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي)). وقال لِزَيْدٍ :((أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا))(156).
________________
(151) الرَّضاعُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وكَسْرِها، مَصْدَرُ: رَضَعَ الثَّدْيَ, إذا مَصَّهُ.
وتَعْرِيفُهُ شَرْعًا: مَصُّ لَبَنٍ ثابِتٍ عن حَمْلٍ، أو شُرْبُهُ.
وحُكْمُ الرَّضاعِ ثابِتٌ بالكِتابِ، والسنَّةِ، والإجْماعِ، ونُصُوصُهُ مَشْهُورَةٌ.
والأحْكامُ المُتَرَتِّبَةُ على الرَّضاعِ: تَحْرِيمُ النِّكاحِ، وإباحَةُ النظَرِ، والخَلْوَةِ، والمَحْرَمِيَّةِ في السَّفَرِ، لا وُجوبُ النفَقَةِ والتوارَثُ، ووِلَايَةُ النكاحِ.
وحِكْمَةُ هذه المَحْرَمِيَّةِ والصِّلَةِ، ظاهِرَةٌ فإنَّهُ حِينَ تَغَذَّى بِلَبَنِ هذه المَرْأَةِ، نَبَتَ لَحْمُهُ عليه، فكانَ كالنَّسَب ِلهُ مِنها.
ولِذا كَرِهَ العُلَماءُ اسْتِرْضاعَ الكافِرَةِ، والفاسِقَةِ، وسَيِّئَةِ الخُلُقِ, أو مَنْ بها مَرَضٌ مُعْدٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلى الوَلَدِ.
واسْتَحَبُّوا أنْ يَخْتارَ المُرْضِعَةَ الحَسَنَةَ الخُلُقِ والخَلْقِ ؛ فإنَّ الرَّضاعَ يُغيِّرُ الطِّباعَ.
والأحْسَنُ أنَّهُ لا يُرْضِعُهُ إلَّا أُمُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ وأَمْرَى وأحْسَنُ عَاقِبَةً، مِن اخْتلاطِ المَحارِمِ، التي رُبَّما تُوقِعُ في مَشاكِلَ زَوْجِيَّةٍ,
وقَدْ حَثَّ الأطِبَّاءُ على لَبَنِ الأُمِّ ، لا سِيَّما في الأشْهُرِ الأُوَلِ.
وقَدْ ظَهَرَتْ لَنا حِكْمَةُ اللهِ الكَوْنِيَّةُ، حِينَ جَعَلَ غِذاءَ الطِّفْلِ مِن لَبَنِ أُمِّهِ، بالتجارِبِ، وبِتقارِيرِ الأطِبَّاءِ ونَصائِحِهِمْ . واللهُ حَكِيمٌ عَليمٌ.

(152) المَعْنى الإجْمالِيُّ:
رَغِبَ عَلِىُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رضي اللهُ عنه مِن النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِما حَمْزَةَ.
فَأَخْبَرَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَنَّها لا تَحِلُّ لهُ؛ لِأنَّها بِنْتُ أَخيهِ مِن الرَّضاعَةِ.
فإنَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعَمَّهُ حَمْزَةَ رَضَعا مِن ((ثُوَيْبَةَ))، وهِي مَوْلَاةٌ لِأبِي لَهَبٍ، فَصارَ أَخاهُ مِن الرَّضاعَةِ، فَيكونُ عَمَّ ابْنَتِهِ، ويَحْرُمُ بِسَبَبِ الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِثْلُهُ مِن الوِلَادَةِ.
ما يُسْتَفادُ مِن الحَديثِ:
1- ما يَثْبُتُ في الرَّضاعِ مِن المَحْرَمِيَّةِ، ومِنْها تَحْرِيمُ النِّكاحِ.
2- أنَّهُ يَثْبُتُ فيهِ مِثْلُ ما يَثْبُتُ في النسَبِ,
فَكُلُّ امْرَأَةٍ حُرِّمَتْ نَسَبًا، حُرِّمَتْ مَن تُماثِلُها رَضاعًا.
3- الذينَ تَنْتَشِرُ فيهِمْ المَحْرَمِيَّةُ مِن أَجْلِ الرَّضاعِ، هُم المُرْتَضِعُ وفُرُوعُهُ؛ أبْناؤُهُ وبَناتُهُ ونَسْلُهُمْ.
أمَّا أَصُولُهُ مِن أَبٍ ، وأُمٍّ ، وآبائِهِمْ ، فلا يَدْخُلونَ في المَحْرَمِيَّةِ.
وكذلكَ حَوَاشِيهِ مِن إِخْوَةٍ وأخَواتٍ، وأعْمامٍ، وعَمَّاتٍ، وأَخْوَالٍ، وخالَاتٍ، كُلُّ هَؤلاءِ غَيْرُ داخِلينَ في حُكْمِهِ.
والرَّضِيعُ يَكونُ كَأَحَدِ أَوْلَادِ المُرْضِعَةِ، فَتَكُونُ أَمَّهُ، وصاحِبُ اللبَنِ أَباهُ، وأوْلَادُهُما إِخْوَتَهُ وأَخَواتِهِ، وآباؤُهُ مِنْهُما - وإنْ عَلَوْا - أَجْدَادَهِ ، وأعْمامُهُما، وعَمَّاتُهُما، وأخْوالُهُما، وخَالَاتُهُما، أَعْمامَهُ، وأخْوَالَهُ، وإخْوانُهُما، وأَخَوَاتُهُما، أَعْمامَهُ وعَمَّاتِهِ، وأَخْوالَهُ، وخَالَاتِهِ.

(153) الغَرِيبُ:
أَفْلَحَ: بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، بَعْدَها فَاءٌ سَاكِنَةٌ، ثُمَّ لامٌ ، ثُمَّ حاءٌ مُهْمَلَةٌ، غَيْرَ مُنَوَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لا يَنْصَرِفُ.
القُعَيْسِ: بِقافٍ مَضْمُومَةٍ، ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، فَياءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ، فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ.
عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ : أنَّ اسْمَهُ وَائِلُ بْنُ أَفْلَحَ الأشْعَرِيُّ
آذَنَ لَهُ : بِالمَدِّ.
بَعْدَما أُنْزِلَ الحِجابُ: كانَ النِّساءُ في صَدْرِ الإسْلَامِ يَسْفِرْنَ بَعْدَ أعْقَابِ الجاهِلِّيِةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى آيةَ الحِجابِ (يَأيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِأَّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ) الآيَةَ. سَنَةَ خَمْسٍ، فاحْتَجَبْنَ عن الرِّجالِ.
والجِلْبابُ : هُوَ المِلْحَفَةُ , مِثْلُ (العَبَاءَةِ ).
تَرِبَتْ يَمِينُكَ: يَعْنِى: لَصِقَتْ بالتُّرابِ مِن الفَقْرِ، دُعاءٌ تَقولُهُ العَرَبُ، ولا تُريدُ المَقْصُودَ مِنْهُ.
المَعْنى الإجْمَالِيُّ :
اسْتَرْضَعَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها مِن زَوْجَةِ أبي القُعَيْسِ،
وبَعْدَما أَمَرَ اللهُ تعالى نِساءَ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَناتِهِ، ونِساءَ المُؤمِنينَ بالحِجابِ عن الرجالِ الأجانِبِ جاءَ أَخُو والِدِ عائِشَةَ مِن الرَّضاعَةِ، يَسْتَأْذِنُ عليها بالدُّخُولِ، فَأَبَتْ أنْ تَأْذَنَ لهُ؛ لِأَنَّ التي أرْضَعَتْها زَوْجَةُ أَبِي القُعَيْسِ، لَا هُوَ.
واللَّبَنُ للمَرْأَةِ, لَا للرَّجُلِ، فيما تَظُنُّ.
فَدَخَلَ عليها رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأَخْبَرَتْهُ الخبرَ، فقالَ : (ائْذَنِي لهُ؛ فإنَّهُ عَمُّكِ). فَعَلِمَتْ عائِشَةُ رضي اللهُ عنها أنَّ اللَّبَنَ الذِي يُرْتَضَعُ، إنَّما هُوَ مِن أَثَرِ ماءِ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ,
فكانَتْ بَعْدَ هذا تقولُ: حَرِّمُوا مِن الرَّضاعِ ما يَحْرُمُ مِن النَّسَبِ.
ما يُسْتَفَادُ مِن الحَديثِ:
1- فيهِ دَليلٌ على ثُبوتِ حُكْمِ الرَّضاعِ مِن زَوْجِ المُرْضِعَةِ وأقارِبِهِ؛ لِأَّنَهُ صاحِبُ اللَّبَنِ، فإنَّ اللَّبَنَ تَسَبَّبَ عن مائِهِ وماءِ المَرْأَةِ جَميعًا،
فَوَجَبَ أنْ يَكونَ الرَّضاعُ مِنهُما، وتَنْتَشِرُ الحُرْمَةُ مِن قِبَلِهمَا سَوَاءً.
وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ مِن الصحابَةِ، والتابِعينَ، وأَهْلِ الحَديثِ، وأصْحابِ المَذاهِبِ، خِلافًا لِطائِفَةٍ قَليلَةٍ يَرَوْنَ أنَّ الحُرْمَةَ لَا تُنْشَرُ إلَّا مِن قِبَلِ المَرْأَةِ فَقَطْ، وهُوَ رَدٌّ للنصُوصِ الصَّحِيحَةِ.
2- فيهِ دَليلٌ على وُجوبِ احْتِجابِ النساءِ مِن الرجالِ غَيْرِ المَحارِمِ معَ صَريحِ القُرآنِ في ذلكَ، فَقَدْ كانَ التعَذُّرُ في أَوَّلِ الإسْلامِ فَبَقِيَ على عادَةِ الجاهِلِيَّةِ حتَّى حُرِّمَ سَنَةَ خَمْسٍ مِن الهِجْرَةِ، وهَكَذا جَميعُ الشرائِعِ الإسْلَامِيَّةِ لم يُلْزَمِ الناسُ بها دُفْعَةً واحِدَةً، أوْ في سَنَةٍ واحِدَةٍ، وإنَّما تَنْزِلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، يَسْتَدْرِجُ بها الشارِعُ الحَكيمُ الناسَ لِتَخِفَّ عليهِم، فَيَقومُوا بها, واللهُ حَكيمٌ في شَرْعِهِ، عَليمٌ بِأَحْوالِ خَلْقِهِ.
وما يَفُوهُ بهِ دُعاةُ السُّفُورِ ممَّن لاَ حظَّ لهُم مِن عِلْمٍ، ولَا نَصيبَ لَهُم مِن فِكْرٍ، ولا وازِعَ لَهُم مِن ضَميرٍ وخُلُقٍ، مع كَوْنِهِمْ لم يُفَكِّروا فيما يَجُرُّهُ مِن المَفاسِدِ والعَواقِبِ الوَخيمَةِ، لم يَسْتَنِدوا فيهِ إلى نَقْلٍ صَحيحٍ، ولَا على عَقْلٍ واعٍ، ولا على ذَوْقٍ مُسْتَقيمٍ.
وإلَّا فإنَّ السُّفُورَ هُوَ أَوَّلُ الشَّرِّ، وهُوَ السبَبُ في اخْتِلاطِ الجِنْسَيْنِ الذي جَرَّ المصائِبَ، وهَتَكَ الأعْراضَ، وأفْسَدَ البُيوتَ، وفَرَّقَ الأُسَرَ، وسَبَّبَ الخِياناتِ.
والذينَ أَباحُوهُ - وهُمْ قِلَّةٌ - لا يَسْتَنِدونَ إلى دَليلٍ، ولو رَأَوْا ما صارَ إليهِ الناسُ، وما آلَ إليهِ أَمْرُ البلادِ التي تَدَرَّجَتْ إلى الشرِّ بإباحَتِهِ، لَتَمَنَّوا الرجُوعَ إلى أجْداثِهِمْ .
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فإنَّا للهِ، وإنَّا إليهِ راجِعُونَ.
اللَّهُمَّ بَصِّرْ عِبادَكَ في أَمْرِ دِينِهِمْ، وأعِدْهُمْ إلى حَظيرَتِهِ، يا سَميعَ الدُّعاءِ.
(154) المَعْنى الإجْمالِيُّ:
دَخَلَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عائِشَةَ، فَوَجَدَ عِنْدَها أَخاها مِن الرَّضاعَةِ ـ وهُوَ لا يَعْلَمُ عنهُ ـ فَتَغَيَّرَ وجْهُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؛ كَرَاهَةً لِتِلْكَ الحالِ، وغَيْرَةً على مَحارِمِهِ,
فَعَلِمَت السبَبَ الذي غَيَّرَ وجْهَهُ، فَأَخْبَرَتْهُ أنَّهُ أَخُوها مِن الرَّضاعَةِ.
فقالَ : يا عائِشَةُ، انْظُرْنَ وتَثبَّتْنَ في الرَّضاعَةِ؛ فإنَّ مِنها ما لَا يُسَبِّبُ المَحْرَمِيَّةَ، فلابُدَّ مِن رَضاعَةٍ يَنْبُتُ عَلَيْها اللَّحْمُ، وتَشْتَدُّ بِها العِظامُ، وذَلكَ أنْ تَكُونَ مِن المَجاعَةِ، حِينَ يَكونُ الطفْلُ مُحْتاجًا إلى اللَّبَنِ ، فَلا يَتَقَوَّتُ بِغَيْرِهِ، فَيَكونُ حِينَئذٍ كالجُزْءِ مِن المُرْضِعَةِ، فَيَصِيرُ كَأَحَدِ أَوْلَادِها، فَتَثْبُتُ المَحْرَمِيَّةُ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحَديثِ:
1- غَيْرَةُ الرجُلِ على أَهْلِهِ ومَحارِمِهِ، مِن مُخالَطَةِ الأجانِبِ.
2- إذا أَحَسَّ الرجُلُ مِن أَهْلِهِ ما يَرِيبُهُ فَعَليهِ التثَبُّتُ قَبْلَ الإنْكارِ.
3- التثَبُّتُ مِن صِحَّةِ الرَّضاعِ المُحَرِّمِ وضَبْطُهُ.
فَهُناكَ رَضاعٌ لا يُحَرِّمُ، كَأَنْ لا يُصادِفَ وَقْتَ الرَّضاعِ المُحَرِّمِ.
4- أنَّهُ لابُدَّ أنْ يَكُونَ الرَّضاعُ في وَقْتِ الحاجَةِ إلى تَغْذِيَتِهِ؛ فإنَّ الرَّضاعَةَ مِن المَجاعَةِ، ويأْتِي تَحْديدُ ذلكَ عَدَدًا ووقْتًا، والخِلافُ فيهِ إنْ شاءَ اللهُ.
5- والحِكْمَةُ في كَوْنِ الرَّضاعِ المُحَرِّمِ هُوَ ما كانَ مِن المَجاعَةِ؛ لِأنَّهُ حِينَ يَتَغَذَّى بِلَبَنِها مُحْتاجًا إليهِ، يَشِبُّ عليه لَحْمُهُ، وتَقْوَى عِظامُهُ، فَيَكُونُ كالجُزْءِ مِنها، فَيَصيرُ كَوَلَدٍ لها، تَغَذَّى في بَطْنِها، وصارَ بِضْعَةً مِنها.
اخْتِلافُ العُلَماءِ:
اخْتَلَفَ العُلَماءُ في قَدْرِ الرَّضاعِ المُحَرِّمِ،
فَذَهَبَ طائِفَةٌ مِن السَّلَفِ والخَلَفِ إلى أنَّ قَليلَ الرَّضاعِ وكَثيرَهُ يُحَرِّمُ، وهُوَ مَرْوِيٌّ عن عَلِيٍّ، وابْنِ عَبَّاسٍ، وهُوَ قَوْلُ سَعيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، والحَسَنِ البَصْرِيِّ، والزُّهْرِيِّ، وقَتَادَةَ، والأَوْزَاعيِّ، والثَّوْرِيِّ.
وهُوَ مَذْهَبُ مالِكٍ، وأبِي حَنِيفَةَ، وحُجَّتُهُمْ أنَّ اللهَ سُبْحانه وتعالى عَلَّقَ التحْرِيمَ باسْمِ (الرَّضاعَةِ)، وكَذلكَ ((القُرْآنُ )) أَطْلَقَها، ولم يُقَيِّدْها بِشَيْءٍ، فَحَيْثُ وُجِدَ اسْمُها وُجِدَ حُكْمُها.
وذَهَبَتْ طائِفَةٌ أُخْرى إلى أنَّهُ لا يَثْبُتُ التحْرِيمُ بِأَقَلَّ مِن ثَلاثِ رَضَعَاتٍ. وهذا قَوْلُ أبي ثَوْرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، ودَاودَ.
وحُجَّةُ هَؤلاءِ ما ثَبَتَ عن النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهُ قالَ :((لا يُحَرِّمُ المَصَّةُ ولا المَصَّتانِ )) رَواهُ مُسْلِمٌ.
فمَفْهُومُ الحَديثِ: أنَّ ما زادَ على المَصَّتَيْنِ يَثْبُتُ بِهِ التحْرِيمُ، وهُوَ الثَّلاثُ فَصاعِدًا.
وذَهَبَتْ طائِفَةٌ ثالِثَةٌ إلى أنَّهُ لَا يَثْبُتُ بأقَلَّ مِن خَمْسِ رَضَعَاتٍ.
وهذا قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وعَطَاءٍ، وطَاوسٍ. وهُوَ مَذْهَبُ الأئِمَّةِ الشافِعِيِّ، وأَحْمَدَ، وابْنِ حَزْمٍ.
ودَليلُ هُؤلاءِ، ما ثَبَتَ في صَحِيحِ ((مُسْلِمٍ )), عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالَتْ :(( كانَ فِيما أُنْزِلَ مِن القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعْلوماتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلوماتٍ، فَتُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهِيَ فيما يُقْرَأُ مِن القُرْآنِ )).
وما جاءَ في صَحيحِ ((مُسْلِمٍ)) أيْضًا في قِصَّةِ سَهْلَةَ زَوْجَةِ أبي حُذَيْفَةَ، حِينَما قالَتْ: [ إنَّا كُنَّا نَرَى سالِمًا وَلَدًا، وكانَ يأْوِي مَعِي، ومعَ أبِي حُذَيْفَةَ، في بَيْتٍ واحِدٍ, ويَرانِي فَضْلِي، وقدْ أَنْزَلَ اللهُ فيهِم ما قدْ عَلِمْتَ، فَكَيْفَ تَرَى فيهِ؟.
فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أَرْضِعِيهِ)). فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعاتٍ، فكانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِها مِن الرَّضاعَةِ].
وأَجابَتْ هذه الطائِفَةُ، عن أَدِلَّةِ الطائِفَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فقالَتْ :
وأمَّا مَن يَرَوْنَ أنَّ قَليلَهُ وكَثيرَهُ يُحَرِّمُ، فَجوابُهُمْ الحَديثُ الصحيحُ المُتَقَدِّمُ: [لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ ولا المَصَّتانِ ].
وأمَّا جَوَابُ أصْحابِ الثلاثِ، فَهُوَ أنَّ دَليلَهُمْ مَفْهُومٌ، والمَنْطوقُ مُقَدَّمٌ عليهِ، والعَمَلُ بأَحادِيثِ الرَّضَعاتِ الخَمْسِ، إعْمالٌ لِلأَحاديثِ كُلِّها.
فائِدَةٌ: الرضعةُ التي يَحْصُلُ بها العددُ ومِقدارُها.
ما هِيَ الرَّضْعَةُ التي يَحْصُلُ بها العَدَدُ، وما مِقْدارُها؟
الشارِعُ ذَكَرَ الرَّضْعَةَ, وأطْلَقَها إلى ما يَعْرِفُهُ الناسُ، ويَعُدُّونَهُ رَضْعَةً، والرَّضْعَةُ مَعْناها المَرَّةُ مِن الرَّضَعاتِ، كالْأَكْلَةِ مِن الأَكَلاتِ، والشَّرْبَةِ مِن الشَّرَباتِ.
والناسُ لا يَعُدُّونَ الأكْلَةَ إلَّا الوَجْبَةَ التامَّةَ, سَوَاءٌ تَخَلَّلَها قِيامٌ، أو اشْتِغالٌ يَسيرٌ، أو قَطَعَها لِعارِضٍ، ثُمَّ رَجَعَ إليها؛ لِأَنَّهُ لم يُكْمِلْها، فهكذا الرَّضْعَةُ.
فالصحيحُ أنَّها لا تُحْسَبُ رَضْعَةً إلَّا ما رَضَعَهُ الصبِيُّ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عارِضٍ، ولا شاغِلٍ، بلْ عن طِيبِ نَفْسٍ وَرِيٍّ.
وهُوَ مَذْهَبُ الشافِعِيِّ، وهِيَ الروَايَةُ الثانِيَةُ عن الإمامِ أَحْمَدَ، ونَصَرَها ((ابْنُ القَيِّمِ)) في ((الهَدْيِ))، واخْتارَها شَيْخُنا ((عَبْدُ الرَّحْمَنِ آلُ سَعْدِيٍّ)).
أمَّا إذا نَقَلَتْهُ المُرْضِعَةُ مِن ثَدْيٍ إلى ثَدْيٍ، أوْ جاءَهُ ما يُلْهِيهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ، أو نَحْوَ ذَلكَ، فالصحيحُ أنَّ هذه المَصَّةَ لا تُعَدُّ رَضْعَةً .
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في وقْتِ الرَّضاعِ الذي يَتَعَلَّقُ بهِ التحْرِيمُ، ولَهُمْ في ذلكَ أقوالٌ، ولَكِن التي تَصْلُحُ للبَحْثِ، والمُناقَشَةِ، ويَسْتَنِدُ إلى الأدِلَّةِ، أرْبَعَةُ مَذاهِبَ هِيَ:
الأوَّلُ: أنَّ الرَّضاعَ المُعْتَبَرَ هُوَ ما كانَ في الحَوْلَيْنِ فَقَطْ.
الثانِي : هُوَ ما كانَ في الصِّغَرِ، ولمْ يُقَدِّروهُ بِزَمانٍ.
الثالِثُ: أنَّ الرَّضاعَ يُحَرِّمُ، ولو كانَ للكَبيرِ البالِغِ، أو الشيْخِ.
الرابِعُ: أنَّ الرَّضاعَ لا يكُونُ مُحَرِّمًا إلَّا ما كانَ في الصِّغَرِ، إلَّا إذا دَعَت الحاجَةُ إلى رِضاعِ الكَبيرِ، الذي لا يُسْتَغْنَى عن دُخُولِهِ، ويَشُقُّ الاحْتِجابُ مِنهُ.
فَذَهَبَ إلى الأوَّلِ الشافِعِيُّ، وأَحْمَدُ، وصاحِبا أبِي حَنِيفَةَ؛ أبو يُوسُفَ، ومُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ, وصَحَّ عن عُمَرَ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وأَبي هُرَيْرَةَ، وابْنِ عَبَّاسٍ، وابْنِ عُمَرَ. ورُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ، وهُوَ قَولُ سُفْيَانَ، وإسْحاقَ، وابْنِ المُنْذِرِ.
واسْتَدَلُّوا على ذلكَ بقولِهِ تعالى : (* وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فَجَعَلَ تَمامَ الرَّضاعَةِ حَوْلَيْنِ، فلا حُكْمَ لِما بَعْدَهُما، فلا يَتَعَلَّقُ بهِ تَحْريمٌ.
وحَديثِ: [إنَّما الرَّضاعَةُ مِن المَجاعَةِ] المُتَقَدِّمِ، ومُدَّةُ المَجاعَةِ هِيَ ما كانَ في الحَوْلَيْنِ.
وما رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ صَحيحٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ: [لا رِضاعَ إلَّا ما كانَ في الحَوْلَيْنِ].
وفي سُنَنِ أبي دَاوُدَ, مِن حَديثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: [لَا يَحْرُمُ مِن الرَّضاعِ إلَّا ما أَنْبَتَ اللَّحْمَ، وأنْشَزَ العَظْمَ ].
ورضاعُ الكَبيرِ لا يُنْبِتُ اللَّحْمَ، ولا يُنْشِزُ العَظْمَ.
وذَهَبَ إلى القولِ الثانِي أزْوَاجُ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَلَا عائِشَةَ.
ورُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ، وابْنِ المُسَيِّبِ، واخْتارَهُ شَيْخُ الإسْلامِ ((ابْنُ تَيْمِيَّةَ)), ودَليلُ هَؤلاءِ ما في الصحيحَيْنِ أنَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: (( إنَّما الرَّضاعَةُ مِن المَجاعَةِ)). فَيَقْتَضِي عُمُومُهُ أنَّ ما دامَ الطِّفْلُ غِذَاؤُهُ اللَّبَنُ، أنَّ ذلكَ الرَّضاعَ مُحَرِّمٌ، وهُوَ نَظَرٌ جَيِّدٌ، ومَأْخَذُهُ قَوِيٌّ.
وذَهَبَ إلى القولِ الثالِثِ طائِفَةٌ مِن السلَفِ والخَلَفِ، مِنهم عائِشَةُ، ويُرْوَى عن عَلِيٍّ، وعُرْوَةَ، وعَطَاءٍ، وقالَ بهِ ((اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ))، و((دَاوُدُ))، و((ابْنُ حَزْمٍ))، ونَصَرَهُ في كِتابِهِ [المُحَلَّى]، ورَدَّ حُجَجَ المُخالِفِينَ.
وكانَتْ عائِشَةُ إذا أَحَبَّتْ أنْ يَدْخُلَ عليها أَحَدٌ مِن الرجالِ، أَمَرَتْ أُخْتَها أُمَّ كُلْثُومٍ، أو بَناتِ أَخِيها فَأَرْضَعَتْهُ.
ودَليلُ هَؤْلاءِ ما صَحَّ عن النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [ أنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ, إنَّ سالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مَعَنَا في بَيْتِنَا، وقدْ بَلَغَ ما يَبْلُغُ الرجالُ. فقالَ :((أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلْيهِ )). فكانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِها مِن الرَّضاعَةِ ]. رَواهُ مُسْلِمٌ.
وهذا حَديثٌ صَحيحٌ لَيْسَ في ثُبوتِهِ كَلامٌ، ولَكِنَّ أصْحابَ القَوْلِ بالحَوْلَيْنِ يُجِيبونَ عنهُ بِأَحَدِ جَوابَيْنِ.
الأوَّلُ: أنَّهُ مَنْسوخٌ، ولَكِنْ دَعْوَى النَّسْخِ تَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ التارِيخِ بَيْنَ النُّصوصِ، ولَيْسَ هُناكَ عِلْمٌ بالمُتَقدِّمِ مِنها والمُتَأَخِّرِ.
ولو كانَ مَنْسُوخًا لَقالَهُ الذينَ يُحَاجُّونَ عائِشَةَ في هذه المَسْأَلَةِ، ويُناظِرُونَها مِن أزْوَاجِ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغَيْرِهِنَّ.
الجَوابُ الثانِي: دَعْوَى الخُصوصِيَّةِ، فَيَرَوْنَ هذه رُخْصَةً خاصَّةً لِسالِمٍ وسَهْلَةَ، ولَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ.
وتَخْريجُ هذا المَسْلَكِ لَهُمْ أنَّهُمْ يَقولونَ: جاءَتْ سَهْلَةُ شَاكِيَةً مُتَحَرِّجَةً مِن الإثْمِ والضِّيقِ لَمَّا نَزَلَتْ((آيةُ الحِجابِ)) فَرَخَّصَ لَها النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَأنَّهُ اسْتَثْناها عن عُمومِ الحُكْمِ.
قالوا : ويَتَعَيَّنُ هذا المَسْلَكُ، وإلَّا لَزِمَنا أَحَدُ مَسْلَكَيْنِ، إمَّا نَسْخُ هذا الحَديثِ بالأحادِيثِ الدالَّةِ على اعْتِبارِ الصِّغَرِ في التحْريمِ، أو نَسْخُها بهِ.
ولا يُمْكِنُ هذا ؛ لِأَنَّنا لا نَعْلَمُ تاريخَ السابِقِ مِنها واللَّاحِقِ, وبهذا المَسْلَكِ نَتَمَكَّنُ مِن العَمَلِ بالأحادِيثِ كُلِّها، فَيكونُ هذا الحَديثُ خاصًّا بـ((سالِمٍ))، و((سَهْلَةَ))، وسائِرُ الأحادِيثِ لعامَّةِ الأُمَّةِ.
وذَهَبَ إلى القولِ الرابِعِ, ((وهُوَ أنَّ تَأْييدَ رِضاعِ الكَبيرِ رُخْصَةٌ عامَّةٌ لِكُلِّ مَن هُوَ فى مِثْلِ حالِ ((سَهْلَةَ))، شَيْخُ الإسْلامِ ((ابْنُ تَيْمِيَّةَ)), وجَعَلَهُ تَوَسُّطًا بينَ الأدِلَّةِ، وجَمْعًا بَيْنَهُما، حيثُ إنَّ النسْخَ لا يُمْكِنُ بينَ هذه النُّصوصِ، لِعَدَمِ العِلْمِ بالتارِيخِ.
والخُصُوصِيَّةُ لـ((سالِمٍ)) وحْدَهُ لم تَثْبُتْ، فَتَكونُ خُصُوصِيَّةً في مِثْلِ مَنْ هُوَ في حالِ ((سالِمٍ )) وزَوْجِ أبي حُذَيْفَةَ، حيثُ يَشُقُّ الاحْتِجابُ عَنْهُ، ولا يُسْتَغْنَى عن دُخولِهِ، والخَلْوَةِ بهِ.
ورَجَّحَ هذا المَسْلَكَ ((ابْنُ القَيِّمِ)) في الهَدْىِ , فقالَ : وهذا أَوْلَى مِن النَّسْخِ ، ودَعْوى الخُصوصِيَّةِ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وأقْرَبُ إلى العَمَلِ بجَميعِ الأحادِيثِ مِن الجانِبَيْنِ، وقَواعِدُ الشَّرْعِ تَشْهَدُ لهُ. واللهُ المُوَفِّقُ.

(155) المَعْنى الإجْمالِيُّ:
تَزَوَّجَ ((عُقْبَةُ بْنُ الحارِثِ)) أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أبي إِهابٍ، فَجاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فأَخْبَرَتْهُ أنَّها قدْ أَرْضَعَتْهُ، وأَرْضَعَتْ زَوْجَهُ، وأنَّهُما أَخَوانِ مِن الرَّضاعَةِ،
فَذَكَرَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَوْلَها، وأنَّها كاذِبَةٌ في دَعْوَاها.
فقالَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـ مُنْكِرًا عليهِ رَغْبَتَهُ في البَقاءِ مَعَها ـ مَعَ شَهادَةِ هذه الأَمَةِ : ((كَيْفَ لكَ بذلكَ، وقدْ قالَتْ هذه المَرْأَةُ ما قالَتْ، وشَهِدَتْ بِما عَلِمَتْ؟)).
ما يُسْتَفادُ مِن الحَديثِ:
1- أنَّهُ إذا ثَبَتَ الرَّضاعُ المُحَرِّمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ انْفَسَخَ نِكاحُهُما.
2- أنَّ الرَّضاعَ يَثْبُتُ، وتَتَرَتَّبُ أَحْكامُهُ بِشَهادَةِ امْرَأَةٍ واحِدَةٍ، ويأَتِي الخِلافُ في ذلكَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
3- وفيهِ إثْباتُ القاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ العَامَّةِ، وهِيَ : ((يَثْبُتُ تَبَعًا ما لا يَثْبُتُ اسْتِقْلَالًا ))، ووَجْهُهُ أنَّ شَهادَةَ المَرْأَةِ لَا تَكْفِي في فَسْخِ النكاحِ وفي الطلَاقِ، فإذا شَهِدَتْ بالرَّضاعِ ثَبَتَ حُكْمُهُ، فَيَثْبُتُ فَسْخُ النكاحِ تَبَعًا لهُ.
4- قَبولُ شَهادَةِ الرقِيقِ إذا كانَ عَدْلًا؛ لقولِهِ ((أَمَةٌ)). ولابُدَّ في الشُّهُودِ كُلِّهِم مِن العَدالَةِ، وانْتِفاءِ التُّهْمَةِ.
5- الإنْكارُ على مَن حاوَلَ البقاءَ على المُحَرَّماتِ، ولو يَجْعَلُهُ تَأْوِيلًا.
6- أنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لا يُوجِبُ شَيْئًا، وصاحِبُهُ مَعْذُورٌ عن حدِّ الدُّنْيا وعَذابِ الآخِرَةِ؛ لِأنَّ العِلْمَ شَرْطٌ في إقامَةِ الحُدودِ، ووعِيدُ اللهِ على العامِدينَ .
اخْتِلافُ العُلَماءِ:
اخْتَلَفَ العُلَماءُ في شَهادَةِ ثُبوتِ الرَّضاعِ.
فَذَهَبَ الشافِعِيُّ، وعَطَاءٌ إلى أنَّهُ لابُدَّ مِن أَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأتَيْنِ في مَنْزِلَةِ الرجُلِ الواحِدِ.
وذَهَبَ مالِكٌ، والحَكَمُ إلى أنَّهُ لا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ أَكْمَلُ شَهادَةً، ومع هذا لَا يُقْبَلُ في الشَّهادَةِ إلَّا رَجُلانِ.
وذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى أنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا رَجُلانِ، أو رَجُلٌ وامْرَأَتانِ.
لقولِهِ تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) والجُمْهُورُ على عَدَمِ العَمَلِ بهذا الحَديثِ، وحَمَلُوهُ على أنَّهُ مِن بابِ الوَرَعِ، وأنَّ النَّهْيَ فيه للتَّنْزِيهِ.
وذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ، وهُوَ مِن مُفْرَدَاتِهِ عن الأئِمَّةِ الثلاثَةِ إلى أنَّهُ يُكْتَفَى لِثُبوتِ الرَّضاعِ بِشَهادَةِ امْرَأَةٍ مَرْضِيَّةٍ, وقدْ نُقِلَ عن عُثْمانَ، وابْنِ عَبَّاسٍ.
وقالَ بهذا القولِ طَاوسٌ، والحَسَنُ، والزُّهْرِيُّ، والأَوْزَاعِيُّ، وإسْحاقُ.
ودَليلُ هذا القولِ، حَديثُ البابِ الذي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ، وهُوَ دَليلٌ واضِحٌ صَحيحٌ. واللهُ المُوَفِّقُ.
فائِدَةٌ:
يَنْبَغِي حِفْظُ الرَّضاعِ وضَبْطُهُ في حِينِهِ، وكِتابَتُهُ.
فَيَحْفَظُ مَن رَضَعَ مِنْهُ وَلَدُهُ، ومَن شارَكَهُ في الرَّضاعِ، ومَن رَضَعَ مِن لَبَنِهِ، ويُبَيِّنُ مِقْدارَ الرَّضاعِ، ووقْتَهُ، حتَّى لا تَقَعَ المُشْكِلاتُ بَعْدَ النكاحِ، فَيَحْصُلُ التفَرُّقُ والنَّدَمُ، وتَشَتُّتُ الأوْلَادِ، والأَسَفُ على الماضِي، وغَيْرُ ذلكَ مِن المَفاسِدِ الكَثيرةِ.
(156) الغَرِيبُ:
دُونَكِ : بِكَسْرِ الكافِ، خِطابٌ لِأُنْثَى، وهُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَنْقُولٍ مِن الظَّرْفِ، بِمَعْنى: خُذِيهَا.
وقالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أخِي: البِنْتُ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وزَيْدٌ مِن قَبيلَةِ كَلْبٍ. فَمُرادُهُ إذًا الأُخُوَّةُ الإسْلَامِيَّةُ، التي آخاها النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينَ المُهاجِرينَ، حِينَ هاجَروا إلى المَدينَةِ.
خَلْقي : بِفَتْحِ الخاءِ وإسْكانِ اللَّامِ، والمُرادُ بِهِ الصِّفاتُ الظَّاهِرَةُ.
وخُلُقِي : بِضَمِّ الخاءِ واللَّامِ، والمُرادُ به الصفاتُ الباطِنَةُ.
ومَوْلَانا : أَيْ: عَتِيقُنَا، فالمَوْلَى يُطْلَقُ على السَّيِّدِ، فيكُونُ مَوْلَى مَن أَعْلَى، ويُطْلَقُ على العَتِيقِ، فَيكونَ مَوْلَى مَن أَسْفَلَ.
المَعْنى الإجْمالِيُّ:
لمَّا فَرَغَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن ((عُمْرَةِ القَضاءِ)) في السَّنَةِ السابِعَةِ، وخَرَجُوا مِن مَكَّةَ تَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، تُنادِي :يا عَمِّ, يا عَمِّ . فَتَناوَلَها ابْنُ عَمِّها عَلِيُّ بْنُ أبي طالِبٍ رضي اللهُ عنهُ، فَأَخَذَ بِيَدِها، وقالَ لِزَوْجِهِ فاطِمَةَ: خُذي ابْنَةَ عَمِّكِ. فاحْتَمَلَتْها.
فاخْتَصَمَ في الأحَقِّيَّةِ بِحَضانَتِها ثلاثَةٌ:
1- عَلِيٌّ 2- وأَخوهُ جَعْفَرٌ 3- وزَيْدُ بْنُ حارِثَةَ الكَلْبِيُّ مَوْلَى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، وكُلٌّ مِنْهُمْ أَدْلَى بِحُجَّتِهِ لِاسْتِحْقاقِ الحَضانَةِ.
فقالَ عَلِيٌّ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، فَأَنا أَحَقُّ بِها.
وقالَ جَعْفَرٌ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وخالَتُها زَوْجَتِي.
وقالَ زَيْدٌ: هِيَ بِنْتُ أَخِي الذي عَقَدَ بَيْنِي وبَيْنَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُؤَاخاةً، يَثْبُتُ بها التوارُثُ والتَّناصُرُ، فَأَنا أَحَقُّ بِها.
فَحَكَمَ النبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِما أَرْضَى قُلُوبَهُمْ، وطَيَّبَ خَواطِرَهُمْ.
فَقَضَى بالبِنْتِ للخَالَةِ؛ لِأَنَّها بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ في الحُنُوِّ والشَّفَقَةِ، وكانَتْ عِنْدَ جَعْفَرٍ.
وقالَ لِعَلِيٍّ : ((أَنْتَ مِنِّي, وأَنَا مِنْكَ )). وكَفَى بِهذا فَخْرًا وفَضْلًا.
وقالَ لِجَعْفَرٍ: ((أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي )). فَأَنْتَ مِثْلِى بالأخْلاقِ الظاهِرَةِ والصُّورَةِ، ومِثْلِى في الأخْلَاقِ الحَميدَةِ الباطِنَةِ، مِن الحِلْمِ، والكَرَمِ، واللُّطْفِ وغَيْرِها، وكَفَى بهذِهِ سُرُورًا. فقَدْ طَيَّبَ خاطِرَهُ؛ لِأَنَّ الحُكْمَ بالحَضانَةِ لهُ مِن أَجْلِ زَوْجِهِ، وهِيَ خَالَةُ المَحْضونَةِ، لَا مِن أَجْلِهِ هُوَ.
وقالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونا في الإسْلَامِ، ومَوْلَانا، ومَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ.
فَكُلٌّ مِنْهُمْ رَضِيَ واغْتَبَطَ بهذا الفَضْلِ العَظيمِ.
ما يُسْتَفادُ مِن الحَديثِ:
1- ثُبُوتُ الحَضانَةِ لِحَقِّ الصَّغيرِ، والمَعْتُوهِ ؛ لِحِفْظِهِ، وصِيانَتِهِ والقيامِ بِشُؤُونِهِ، وهِيَ مِن رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِخَلْقِهِ.
2- أنَّ العَصَبَةَ مِن الرجالِ لَهُمْ أَصْلٌ في الحَضانَةِ ما لم يُوجَدْ مَن هُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ، حَيْثُ أَقَرَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلًّا مِنْ عَلِيٍّ، وجَعْفَرٍ في ادِّعائِهِ حَضَانَةَ ابْنَةِ عَمِّهِ، ولم يُنْكِرْ عَلَيْهِما.
3- أنَّ الأُمَّ مُقَدَّمَةٌ في الحَضانَةِ على كُلِّ أَحَدٍ، فإنَّهُ لم يُعْطِها الخَالَةَ في هذه القِصَّةِ إلَّا لِأَنَّها ((بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ ))؛ لِكَمالِ شَفَقَتِها وبِرِّها.
4- أنَّ الخَالَةَ تَلِي الأُمَّ في الحَضَانَةِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَتِها في الْحُنُوِّ والشَّفَقَةِ.
5- أنَّ الأَصْلَ في الحَضانَةِ هُوَ طَلَبُ تَحَقُّقِ الشَّفَقَةِ والرَّحْمةِ لهذا العَاجِزِ القاصِرِ، وهذا مِن رَحْمَة اللهِ تعالى ورأْفَتِهِ بالعاجِزِينَ والمُنْقَطِعِينَ، إذْ هَيَّأَ لَهُم القُلوبَ الرَّحِيمَةَ.
6- أنَّ المَرْأَةَ المُزَوَّجَةَ لا تَسْقُطُ حَضَانَتُها إذا رَضِيَ زَوْجُها بِقِيامِها بالحَضَانَةِ؛ لِأَنَّها لم تَسْقُطْ عَنْها إلَّا لِأَجْلِ التفَرُّغِ لِحُقوقِ الزَّوْجِ، والقِيامِ بِبَيْتِهِ وشُؤُونِهِ، فإذا رَضِيَ بِقيامِها بالحَضانَةِ، فَهِيَ باقِيَةٌ على حَقِّها مِنها.
وبهذا يَحْصُلُ التوْفِيقُ بَيْنَ قَضاءِ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحَضانَةِ لِجَعْفَرٍ، وبَيْنَ قَوْلِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِلمَرْأَةِ المُطَلَّقَةِ, حِينَ نازَعَها مُطَلِّقُها في ابْنِهِما : ((أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ ما لم تُنْكَحِي )). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبو دَاوُدَ.
7- حُسْنُ خُلُقِ النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولُطْفُه؛ إذْ حَكَمَ لِوَاحِدٍ مِن الثلاثَةِ. وأَرْضَاهُمْ جَميعًا بما طَيَّبَ أَنْفُسَهُمْ، وأَرْضَى ضَمائِرَهُمْ، فَراحوا مَسْرورِينَ مُغْتَبِطينَ، فَصَلَواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ، وعلى آلهِ وصَحْبِهِ أجْمَعينَ.
قالَ شَيْخُ الإسْلَامِ: فَكُلُّ مَن قَدَّمْناهُ مِن الأبَوَيْنِ إنَّما نُقَدِّمُهُ إذا حَصَلَ بِهِ مَصْلَحَتُها (أي البِنْتُ)، أو انْدَفَعَتْ بهِ مَفْسَدَتُهَا، فأمَّا مع وجُودِ فَسادِ أَمْرِها مع أَحَدِهِما، فالآخَرُ أَوْلَى بها بِلا رَيْبٍ، حتَّى الصَّغِيرُ إذا اخْتارَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، وقَدَّمْنَاهُ إنَّما نُقَدِّمُهُ بِشَرْطِ حُصُولِ مَصْلَحَتِهِ وزَوَالِ مَفْسَدَتِهِ، فإنَّهُ ضَعِيفُ العَقْلِ قَدْ يَخْتارُ أَحَدَهُما؛ لِكَوْنِهِ يُوافِقُ هَواهُ الفاسِدَ، ويَكونُ الصبِيُّ مَقْصِدُهُ مُعاشَرَةُ الأشْرَارِ، وتَرْكُ ما يَنْفَعُهُ مِن العِلْم،ِ والدِّينِ، والأَدَبِ، والصناعَةِ، فَيَخْتَارُ مِن أَبَوَيْهِ مَن يَحْصُلُ لهُ مَعَهُ ما يَهْوَاهُ، ومَتى كانَ الأمْرُ كذلكَ فلا رَيْبَ أنَّهُ لا يُمَكَّنُ مَن يَفْسُدُ مَعَهُ حالُهُ.
ولَيْسَ هذا الحَقُّ مِن جِنْسِ المِيراثِ الذي يَحْصُلُ بالقَرابَةِ، والنكاحِ، والوِلَايَةِ، بلْ هُوَ من جِنْسِ (الوِلَايَةِ ) وِلَايَةِ النكاحِ، والمالِ التي لابُدَّ فيها مِن القُدْرَةِ على الواجِبِ، وفِعْلِهِ بِحَسبِ الإمْكانِ, وممَّا يَنْبَغِي أنْ يُعْلَمَ أنَّ الشارِعَ لَيْسَ لهُ نَصٌّ عامٌّ في تَقْدِيمِ أَحَدِ الأبَوَيْنِ مُطْلَقًا، ولا تَخْييرِ أَحَدِ الأبَوَيْنِ مُطْلَقًا، والعُلَماءُ مُتَّفِقونَ على أنَّهُ لا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُما مُطْلَقًا، بلْ مَعَ العُدْوانِ والتفْرِيطِ لا يُقَدَّمُ مَنْ يَكُونُ كذلِكَ على البَرِّ العَادِلِ المُحْسِنِ القائِمِ بالواجِبِ. واللهُ أعْلَمُ.
ثُمَّ قالَ رَحِمَهُ اللهُ: إذا تَزَوَّجَت الأُمُّ فَلا حَضَانَةَ لها، ومَن حَضَنَت الطِّفْلَ، ولمْ تَكُن الحَضانَةُ لَها، وطالَبَتْ بالنفَقَةِ لم يَكُنْ لَها ذلكَ فإنَّها ظالِمَةٌ بالحَضانَةِ، فَلا تَسْتَحِقُّ المُطالَبَةَ بالنفَقَةِ.
وقالَ الصَّنْعانِيُّ: لمْ يَتَكَلَّمِ الشارِحُ, (أي: ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ) على التلْفِيقِ بَيْنَ حَديثِ البابِ، والحُكْمِ بالحَضانَةِ للخَالَةِ، وبَيْنَ حَديثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, أنَّ امْرَأَةً قالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ ابْنِي هذا كانَ بَطْنِي لهُ وِعاءً، وثَدْيِي لهُ سِقاءً، وحِجْرِي لهُ حِواءً، وإنَّ أَباهُ طَلَّقَني، وأَرادَ أنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فقالَ لها رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ((أَنْتِ أَحَقُّ بهِ ما لَمْ تُنْكَحِي )). أَخْرَجَهُ أبو دَاوُدَ.
وقالَ ابْنُ القَيِّمِ: إنَّهُ حَديثٌ احْتَاجَ الناسُ فيهِ إلى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، ولم يَجِدُوا بُدًّا مِن الاحْتِجاجِ بهِ، ولَيْسَ عن النبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَديثٌ في سُقوطِ الحَضانَةِ بالتزْوِيجِ غَيْرُ هذا، وقَدْ ذَهَبَ إليهِ الأئِمَّةُ الأرْبَعَةُ وغَيْرُهُمْ.
ووَجْهُ المُعارَضَةِ أنَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَكَمَ بابْنَةِ حَمْزَةَ لِخَالَتِها، هِيَ مُتَزَوِّجَةٌ بِجَعْفَرٍ، ولم يَقُلْ: إنَّها سَقَطَتْ حَضَانَتُها بِتَزْوِيجِها، وجُمِعَ بَيْنَهُما بِأنَّ الزَّوْجَ إِذَا رَضِيَ بأنَّ امْرَأَتَهُ تَحْضُنُ مَن لها حَقٌّ في حَضانَتِهِ بَقِيَ حَقُّها ثابِتًا في حَضانَةِ مَن يَسْتَحِقُّ حَضانَتَهُ، وها هُنا قدْ كانَ الزَّوْجُ، وهُوَ جَعْفَرٌ، هُوَ المُطالَبَ في حَقِّ حَضانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ لِخَالَتِها، فَهُوَ رِضًا مِنْهُ وزِيادَةٌ. قيلَ: وكَأَنَّ وجْهَ سُقُوطِ حَقِّ المَرْأَةِ في الحَضانَةِ إذا تَزَوَّجَتْ هُوَ شُغْلُها بِحَقِّ الزَّوْجِ عن الحَضانَةِ، فإذا رَضِيَ الزَّوْجُ بَقِيَ حَقُّها ثابِتًا لِعَدَمِ المُقْتَضِي سُقُوطَ حَقِّها في الحَضانَةِ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

كِتَابُ الرَّضَاعِ
332- الحديثُ الأوَّلُ: عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ في بِنْتِ حَمْزَةَ: "لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ".
صريحُهُ: يدُلُّ على أنَّ بِنْتَ الأَخِ من الرَّضاعَةِ حرامٌ، وقولُـهُ عليهِ السَّلامُ: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسبِ"، الحرامُ من النَّسبِ سْبعٌ: الأُمَّهاتُ، والبناتُ، والأخواتُ، والعمَّاتُ، والْخالاتُ، وبناتُ الأخِ، وبنَاتُ الأخْتِ. فَيَحْرمُنَ بِالرَّضَاعِ كما يَحْرُمْنَ من النَّسبِ. فأُمُّكَ كلُّ منْ أرْضَعَتْكَ، أوْ أَرْضعَتْ منْ أرضعَتْكَ، أوْ أرضعَتْ من ولَدتْكَ بواسطةٍ أو بغيرِ واسِطةٍ، وكذلكَ كلُّ امرأةٍ ولَدَتْ الْمُرْضِعَةَ والْفَحْلَ. وكلُّ امرأةٍ أرضعَتْ بِلبَنِكَ، أَوْ أَرْضَعَتْهَا امرأةٌ ولَدَتْهَا، أوْ أَرْضَعَتْ بِلبنِ مَن ولدَتْهُ، فهِيَ بنتُكَ. وكذِلكَ بناتُها من النَّسبِ والرَّضاعِ. وكلُّ امرأةٍ أرْضَعَتْهَا أمُّكَ، أو أُرْضِعَتْ بِلَبنِ أبيكَ فهيَ أُخْتُكَ، وكذلكَ كلُّ امرأةٍ ولدَتْهَا المُرضِعَةُ أو الفَحْلُ، فَأَخواتُ الفَحْلِ والمُرْضعةِ، وأخواتُ من وَلَدَتْهُمَا من النَّسبِ والرَّضاعِ: عمَّاتُكَ وخَالاتُكَ، وكذلكَ كلُّ امرأةٍ أرضعَتْهَا واحدةٌ من جدَّاتِكَ، أو أُرْضِعَتْ بِلَبنِ واحدٍ من أجدادِكَ من النَّسبِ أو الرِّضاعِ،وبناتُ أولادِ الْمُرْضِعَةِ والفَحْلِ فى الرَّضاعِ والنَّسبِ: بناتُ أخيكَ وأختِكَ. وكذلِكَ كلُّ أنْثَى أرْضَعَتْهَا أُخْتُكَ أوْ أُرْضِعَتْ بِلَبَنِ أُخْتِكَ، وبَناتُها، وبَناتُ أولادِها من الرَّضاعِ والنَّسبِ: بناتُ أُخْتِكَ، وبناتُ كلِّ ذَكَرٍ أرضعَتْهُ أُمُّكَ أو أُرْضِعَ بِلَبَنِ أخيكَ أوْ أُخْتِكَ، وبناتُ أولادِهنَّ من الرَّضاعِ والنَّسبِ: بناتُ أخِيكَ. وبناتُ كلِّ امرأةٍ أَرْضَعَتْهَا أمُّكَ أو أُرْضِعَتْ بِلبَنِ أبيكَ، وبناتُ أولادِهَا من النَّسبِ والرَّضاعِ: بناتُ أُخْتِكَ.
وقد استثْنى الفُقهاءُ من هذا العُمُومِ -أَعنِي قولَـهُ عليهِ السَّلامُ: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ"- أربعَ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ من النَّسبِ، ولا يحرُمْنَ من الرَّضاعِ. الأُولَى: أُمُّ أخِيكَ، وأُمُّ أُختِكَ من النَّسبِ: هيَ أّمُكَ، أو زوجـةُ أبيكَ، وكلاهُمَا حـرامٌ. ولوْ أَرضَعَتْ أجنبيَّةٌ أخاكَ أو أختَكَ لم تَحْـُرمْ. الثانيةُ: أمُّ نَافِلَتِكَ: إمَّا بِنْتُكَ، أو زوجةُ ابنِكَ، وهُمَا حرامٌ، وفى الرَّضاعِ: قدْ لا تكونُ بنْتًا ولا زوجةَ ابنٍ، بأنْ تُرضِعَ أجنبيَّةٌ نَافِلَتَكَ. الثَّالثَةُ: جدَّةُ ولدِكَ من النَّسبِ: إِمَّا أُمُّكَ، أو أُمُّ زوجتِكَ، وهُمَا حَرامَانِ، وفى الرَّضاعةِ قدْ لا تكونُ أُمًّا ولا أُمَّ زوجَةٍ، كما إذَا أَرْضَعَتْ أجنبيَّةٌ ولدَكَ، فأمُّها جدَّةُ ولدِكَ، وليسَتْ بأُمِّكَ، ولا أُمَّ زوجتِكَ، الرَّابعةُ: أُخْتُ وَلَدِكَ من النَّسَبِ: حرامٌ؛ لأنَّها إمَّا بِنْتُكَ أو ربيبَتُكَ، ولو أرضعَتْ أجنبيَّةٌ ولدَكَ، فبِنتُها أُخْتُ وَلدِكَ، وليَستْ ببِنْتٍ ولا رَبِيبةٍ. فهذهِ الأربعُ مُسْتَثْنَيَاتٌ من عُمومِ قَولِنَا: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ".
وأمَّا أُخْتُ الأَخِ: فلا تَحْرمُ منَ النَّسبِ، ولا من الرَّضاعِ، وصورتُهُ: أن يكونَ لكَ أخٌ من أبٍ وأُخْتٍ من أُمٍّ، فيجوزُ لأخيكَ من الأبِ نِكاحُ أُخْتِكَ من الأُمِّ، وهِيَ أختُ أخِيهِ. وصورتُهُ من الرَّضَاعِ: امرأةٌ أرضعَتْكَ وأرضعَتْ صغيرةً أجنبِيَّةً مِنكَ، يجوزُ لأخيكَ نِكاحُهَا، وهيَ أُخْتُكَ.
وفى معْنَى هذا الحدِيثِ: حديثُ عَائِشَةَ الَّذِي بعدَهُ، وهوَ قولُـهُ عليهِ السَّلامُ: "إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ ما يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ"، وهوَ:
333 - الحديثُ الثَّاني: عنْ عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها قالتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: "إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ".
334 - وعنْها قالتْ: "إِنَّ أَفْلَحَ -أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ- اسْتَأْذَنَ عَلَىَّ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وَسَلَّمَ، فإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: "ائْذَنِي لَهُ؛ فإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ".
قَالَ عُرْوَةُ: "فَبِذَلِكَ كانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ".
335 - وفى لفظٍ: "اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فقالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي، وَأَنَا عَمُّكِ؟ فقلتُ: كَيْفَ ذلِكَ؟ قالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، قالتْ: فَسَأَلْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ؟ فقالَ: “صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ تَرِبَتْ يَمينُكِ" ،أي افْتَقَرَتْ، وَالْعَرَبُ تَدْعُو عَلَى الرَّجُلِ وَلا تُرِيدُ وُقُوعَ الأمْرِ بِهِ.
336 - وعنْهَا رضيَ اللَّهُ عنْهَا قالتْ: "دَخَلَ عَلَيَّ رسـولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ فقالَ: يا عَائِشَةُ، مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فقالَ: يا عائشةُ: "انْظُرْنَ مَنْ إِخْوانُكُنَّ؛ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ". "انْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ" نوعٌ منَ التّعريضِ؛ لِخَشْيَةِ أنْ تكونَ رضاعةُ ذلكَ الشَّخـصِ وقعتْ فى حالِ الكِبَرِ؛ وفيهِ دليلٌ على أنَّ كلِمَةَ "إنَّما" للحَصْرِ؛ لأنَّ المقْصودَ حصْرُ الرَّضاعةِ الْمُحرِّمةِ فى المجاعَةِ، لا مجرَّدُ إثباتِ الرَّضاعةِ فى زمنِ المجاعةِ.
337 - الحديثُ الثَّالثُ: عن عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رضيَ اللَّهُ عْنهُ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيى بِنْتَ أبِي إِهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذلِكَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ، قَالَ: فأَعْرَضَ عَنِّي، قالَ: فَتَنَحَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ، قالَ: كَيْفَ، وقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُما؟!"
من النَّاسِ مَنْ قالَ: إِنَّهُ تُقْبَلُ شهادةُ المُرْضِعةِ وحدَها فى الرَّضاعِ، أخْذًا بظاهرِ هذا الحديثِ، ولا بُدَّ فِيهِ معَ ذلكَ أيْضًا -إذا أجْريْناهُ على ظاهِرِهِ- مِن قَبولِ شهادةِ الأَمَةِ، ومْنُهمْ مَن لم يَقْبَلْ ذلِكَ، وحمَلَ هذا الحديثَ على الورَعِ. وُيشعِرُ بهِ قولُـهُ عليهِ السلامُ: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟!" والورَعُ فى مثلِ هذا مُتَأَكَّدٌ.
"وعُقْبَةُ بنُ الحارثِ" هوَ أَبُو سِرْوَعَةَ -بكَسْرِ السينِ المهمَلةِ وسُكونِ الرَّاءِ وفتحِ الواوِ والعَيْنِ الْمُهْمَلةِ- واللَّهُ أعلمُ.
338 - الحديثُ الرَّابعُ: عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضيَ اللَّهُ عنْهُ قالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ -يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ- فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي: يَا عَمُّ، فَتَنَاولَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُوَنَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، فَاحْتَمَلَتْهَا. فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدٌ، فقالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وقالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وقالَ زَيْدٌ: ابنةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ لِخَالَتِهَا وقالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ". وقالَ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ". وقالَ لجعْفَـرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي". وقالَ لِزَيْدٍ: “أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا".
الحديثُ أصـْلٌ فى بابِ الحضَانَةِ، وصـريحٌ فى أنَّ الخالةَ فيها كالأُمِّ عندَ عَدمِ الأُمِّ. وقـولُـهُ عليهِ السَّلامُ: "الخالةُ بِمَنْزِلةِ الأُمِّ" سِياقُ الحديثِ يدلُّ على أنَّها بمنزلَتِها فى الحضَانَةِ. وقد يَسْتَدِلُّ بإطِلاقِهِ أصحابُ التَّنزيلِ على تنزيلِها منزلَةَ الأمِّ فى الميراثِ، إلا أنَّ الأوَّلَ أقْوَى؛ فإنَّ السِّياقَ طريقٌ إلى بيانِ الْمُجْمَلاتِ، وتعيينِ الْمُحْتَمَلاتِ، وتنزيلِ الكلامِ على المقصودِ منْهُ. وفهمُ ذلكَ قاعدةٌ كبيرةٌ من قواعدِ أُصولِ الفِقْهِ. ولَمْ أرَ مَن تعرَّضَ لها فى أُصولِ الفقْهِ بالكلامِ عليْها وتقريرِ قاعِدَتِها مُطَوَّلةً إلا بعضَ المتأخِّرينَ مِمَّن أدْرَكْنَا أصْحَابَهُمْ. وهيَ قاعدةٌ متعيِّنةٌ على النَّاظِرِ، وإنْ كانتْ ذاتَ شَغَبٍ على الْمَنَاظِرِ.
والَّذي قالَهُ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ لِهؤلاءِ الجماعةِ من الكلامِ المُطَيِّبِ لقُلُوبِهمْ مِن حُسْنِ أخلاقِهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ.
ولعلَّكَ تقولُ: أمَّا ما ذكرَهُ لِعَلِيٍّ وزيدٍ، فقد ظهرَتْ مُنَاسبَتُهُ؛ لأنَّ حرمانَهُمَا من مُرَادِهمَا مُناسِبٌ لِجَبْرِهِمَا بذِكْرِ ما يُطيِّبُ قلوبَهمَا. وأمَّا جعفرٌ، فإنَّهُ حصَلَ لَهُ مُرَادُهُ مِن أخْذِ الصَّبِيَّةِ، فكيفَ ناسبَ ذلكَ جَبْرَهُ بما قِيلَ لَهُ؟
فَيُجَابُ عنْ ذلكَ بأنَّ الصَّبِيَّةَ استحقَّتْها الخَالَةُ، والحُكْمُ بها لجعفَرٍ بسببِ الخالةِ لا بسببِ نْفسِهِ. فهوَ فى الحقيقةِ غيرُ محكُومٍ لهُ بِصِفَتِهِ؛ فناسَبَ ذلكَ جْبرَهُ بما قيلَ لَهُ.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 11:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

المتن: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: كتاب الرضاع:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: (لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة).
وعنها قالت: إن أفلح – أخا أبي القعيس – استأذن علي بعدما أنزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن له حتى أستأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته! فقال: (ائذني له؛ فإنه عمك، تربت يمينك).
قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب.
وفي لفظ: استأذن علي أفلح فلم آذن له. فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟! فقالت: وكيف ذلك؟ قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، فقالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (صدق أفلح؛ ائذني له تربت يمينك).
الشرح: الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه،
أما بعد:
هذه الأحاديث فيما يتعلق بالرضاعة، والرضاعة هي: مص الطفل الثدي أو ما يقوم مقام ذلك في حال الحولين، قبل أن يفطم.
حكمها حكم النسب، في التحريم والخلوة، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) وأصله في كتاب الله عز وجل, قال الله سبحانه في المحرمات: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) فذكر سبحانه الصنفين: الأمهات، والأخوات، وجاءت السنة بالأصناف الأخرى: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فيدخل في ذلك البنات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت وزوجة الأب، وزوجة الجد، وزوجة الابن، وزوجة أبناء البنين وزوجة أبناء البنات كلهم داخلون في الرضاعة, كالنسب ولهذا لما قيل له صلى الله عليه وسلم: (ألا تنكح ابنة حمزة – بنت عمه حمزة بن عبد المطلب -) قال: (إنها ابنة أخي من الرضاعة؛ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) عمه حمزة كان أخا له من الرضاع، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن ابنته لا تحل له؛ لأنها ابنة أخيه من الرضاعة.
وهكذا حديث عائشة في قصة أفلح – أخي أبي القعيس.
كانت عائشة ارتضعت من زوجة أبي القعيس، فاستأذن عليها أخوه – عمها – وهو أفلح، فلم تأذن له، ولم تظن أن هذا الرضاع يؤثر، قالت: إنما أرضعتني امرأة أبي القعيس، ولم يرضعني الرجل، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الرضاعة كالنسب، وأن أبا القعيس يكون أبا لها من الرضاعة، وأن أخاه أفلح يكون عما لها من الرضاعة كالنسب، فدل ذلك على أن الرضاع يُحَرِّم من جهة الفحل ومن جهة الأنثى، فالفحل هو الزوج يكون أبا، وآباؤه أجداد، وإخوته أعمام، وأخواته عمات، وأمه جدة، وأخواته خالات، كالنسب، وهكذا المرأة؛ تكون أماُ للرضيع وإخوتها من الذكور والإناث أخوال وخالات للرضيع إلخ كالنسب، (ولهذا قال: ائذني له فإنه عمك تربت يمينك).
وبذلك يظهر معنى (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وإذا سُقي اللبن في الرضاعة – من لبن المرأة – فهو كالرضاع، كالذي ارتضعه، إذا سقي خمس مرات كل مرة تصل إلى جوفه كالرضاعة، وهكذا إذا حلبت في فمه ولم يمصه لعلة من العلل، حتى كمَّلت خمس رضعات.
المقصود أنه إذا وصل اللبن إليه من المرأة في حال الحولين خمس مرات فأكثر كل مرة مستقلة، يصل فيها اللبن إلى الجوف يكون له حكم الرضاع، إذا بلغ خمساً فأكثر في حال الحولين، تكون أما له، وصاحب اللبن الزوج أو السيد أبا له والفروع بعضها من الآباء من الإخوة وغيرهم، كالنسب سواء.
وفق الله الجميع وصلى الله على نبينا محمد.
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب الرضاع:
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم
-وعندي رجل – فقال: (يا عائشة! من هذا) قلت أخي من الرضاعة فقال: (يا عائشة! انظرن من إخوانكن؛ فإنما الرضاعة من المجاعة).
وعن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أَمةٌ سوداء فقالت: قد أرضعتكما. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: فأعرض عني, قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، فقال: (وكيف وقد زعمتْ أن قد أرضَعْتُكما).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم –يعني من مكة – فتبعتهم ابنة حمزة، تنادي: يا عم! يا عم فتناولها علي، فأخذ بيدها وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فاحتملتها. فاختصم فيها علي وجعفر وزيد فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي. وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم). وقال لعلي: (أنت مني وأنا منك وقال لجعفر: (أشبهت خَلْقي وخُلُقي). وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا).
الشرح: الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالرضاع، تقدم أن الرضاع كالنسب فيما يتعلق بالمحرمية والخلوة بالمرأة والسفر بها ونحو ذلك، كالنسب كما قال صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) في حق الرجل والمرأة جميعا، من جهة الرجل، ومن جهة المرأة.
في هذا الحديث حديث عائشة أن النبي رأى عندها رجلا فقال: (من هذا يا عائشة!)، قالت أخي من الرضاعة. فقال: (يا عائشة! انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) أي إنما الرضاعة تعتبر من المجاعة، في حال حاجة الطفل إلى الرضاعة وذلك في حال الحولين فإذا جاوز الحولين فقد استغنى عن الرضاعة, وصار في الغالب يأكل ويعيش بغير الرضاعة ولهذا في الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في حولين) وفي اللفظ الآخر: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام).
الرضاع الشرعي الذي يحصل به التحريم هو ما كان في الحولين قبل أن يفطم لهذا الحديث الصحيح: (إنما الرضاعة من المجاعة) والحديثين السابقين: (لا رضاع إلا في حولين)، (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام).
والواجب التثبت في الرضاع وألا يتساهل الرجل والمرأة في ذلك إلا بعد ثبوت الرضاع، والتأكد من وجوده وهو الرضاع الشرعي، الذي يحصل به التحريم، وذلك بأمرين، أحدهما: أن يكون في الحولين، والأمر الثاني: أن يكون خمس رضعات فأكثر.
فلا يتم الرضاع، ولا يحصل به التحريم، ولا تثبت به الأحكام الشرعية إلا بالأمرين: كل رضعة يحصل فيها وصول اللبن إلى الجوف – جوف الطفل – لقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة: (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه) وفي حديث عائشة: (كان فيما أنزل على عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن) فلا بد من خمس رضعات، وقال لامرأة أبي حذيفة في قصة سالم (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه) وقال: (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان) فلا بد من خمس معلومة أو أكثر.
وحديث عقبة بن الحارث أبو سروعة أنه تزوج امرأة يقال لها أم يحيى ابنة أبي إهاب، فجاءته امرأة سوداء فقالت: قد أرضعتكما.
والأحاديث المجملة في الرضاع تفسر بالأحاديث المفصلة، لأن السنة يفسر بعضها بعضا، كالقرآن يفسر بعضه بعضا.
والحديث الثالث: حديث البراء بن عازب في قصة ابنة حمزة، لما خرج من مكة عام عمرة القضاء، سنة سبع من الهجرة، تبعته ابنة حمزة في مكة، حمزة بن عبد المطلب، عم النبي عليه الصلاة والسلام، تنادي يا عم يا عم! تريد أن يأخذوها، فأخذها علي وسلمها لفاطمة وقال: دونك ابنة عمك، ثم اختصموا في حضانتها؛ من يتولاها.
فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي.
وقال جعفر: أنا أحق بها، وخالتها تحتي.
وقال زيد بن حارثة: هي ابنة أخي.
فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: (الخالة بمنزلة الأم). وقال لعلي: (أنت مني، وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خَلْقي وخُلُقي). وقال لزيد: (أنت أخونا ومولانا).
فطيب نفوسهم بالكلمات الطيبة عليه الصلاة والسلام، وحكم بها لخالتها, فدل على أن الخالة في الحضانة مقدمة على أولاد العم؛ لأنها بمنزلة الأم، فهي أولى بحضانة البنت الصغيرة، حتى تبلغ، فهي أولى بها وأرأف بها وأعطف عليها من بني عمها وأضمن عليها أيضا، ولهذا قال الخالة بمنزلة الأم.
وفي هذا فضل علي وجعفر وزيد – رضي الله عنهم – فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لعلي: (أنت مني وأنا منك) هو ابن عمه وأخوه في الإسلام، وقال لجعفر: (أشبهت خَلْقي وخُلُقي) هو ابن عمه أيضا ومن خيرة الناس في الإسلام، وهو أخو علي، وأكبر من علي، وقال لزيد بن حارثة – مولى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه عتيقه -: (أنت أخونا ومولانا) فخاطبهم بهذه الكلمات الطيبة، التي ترفع من شأنهم، وتطيب نفوسهم، وأعطى الحكم لأهله، حكم بالحق لأهله عليه الصلاة والسلام وفق الله الجميع وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 05:12 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

كتاب الرضاع

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: ((لا تحل لي , يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب , وهي ابنة أخي من الرضاعة)) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الرضاع يحرم ما يحرم من الولادة)) .
وعنها قالت: إن أفلح أخا أبي القعيصاستأذن علي بعدما أنزل الحجاب , فقلت: والله لاآذنله حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فإن أخا أبي القعيص ليس هو أرضعني ، ولكني أرضعتني امرأة أبي القعيص, فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتله: يا رسول الله , إن الرجل ليس هو أرضعني ولكني أرضعتنيامرأته فقال: ((ائذنيله؛ فإنه عمك تربت يمنك)) , قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب .
وفي لفظ: استأذن علي أفلح فلم آذنله , فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك , فقلت: كيف ذلك ؟ قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي . فقالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((صدق أفلح , ائذني له تربت يمينك)) . أي:افتقرت . والعرب تدعوا على الرجل ولا تريد وقوع الأمر به .
وعنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي رجل , فقال:((يا عائشة من هذا)) قلت: أخي من الرضاعة . فقال: ((يا عائشة , انظرن من إخوانكن , فإنما الرضاعة من المجاعة , اعرفن من إخوانكن)) .
الشيخ: بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه .
يراد بالرضاعة هنا: آثار الرضاع الذي ذكر في قول الله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} أي ماذا تحرم الرضاعة وما لا تحرم . وليس المراد البحث في كيفية الرضاعة , رضاع المرأة ولدها المذكور في قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} , فإن ذلك مقصود منه كيف ترضع المرأة ولدها , ومتى تفطمه ونحو ذلك ، وأما هذا ففي إرضاع المرأة غير ولدها , وكيف يكون أثر هذا الرضاع .
فذكر في تعريف الرضاع المحرِّم: أنه امتصاص الصبي ، أو الطفل , لبنا ثاب عن حمل ، وهو في الحولين , امتصاص مَن دون الحولين لبنا ثاب عن حمل . وقولهم: امتصاص هذا على وجه الأغلب ، وإلا فلو شرب اللبن شربا دون امتصاص وهو دون الحولين لحصل له التأثير والتحريم , فيحرم ولو كان شربا أو نحو ذلك , وهكذا لو أُدخل مع أنفه ووصل إلى جوفه وتغذى به حصل بذلك الرضاع .
ثم الجمهور على أنه لا يحرِّم إلا إذا كان في الحولين , إذا كان الرضاع في الحولين , ويستدلون بما في حديث عائشة هذا الأخير , وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الرضاعة من المجاعة)) المجاعة معناها الجوع , يعني الرضاع المحرم هو الذي يدفع الجوع , يرتفع به الجوع ويحصل به الشبع , هذا هو الرضاع المحرِّم . نوجله إلى بعد الأذان .
نقول: في هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة:((لا تحل لي ؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة)). ابنة حمزة هذه قتل أبوها وهي صغيرة في مكة ، ثم في عمرة القضية سنة سبع أخذوها معهم إلى المدينة ، وكفلها ابن عم أبيها أو ابن عمها وهو جعفر عند خالتها أو بقيت عند خالتها . يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما عرضوها عليه وقيل له تزوجها قال: ((لا تحل لي))؛ وذلك لأن حمزة رضع من ثويبة ، وثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم , فلذلك أصبح أخا حمزة من الرضاع .
فهذا دليل واضح على أنه ولو حصل الرضاع من امرأة أجنبية , أرضعت اثنين , أصبحا أخوين من الرضاع , فهذه ثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وليست أمه , وأرضعت حمزة وليست أمه , ولكن اجتمعا في أنهما أخوان منها , فصار الرضاع الذي من امرأة أجنبية أصبح محرِّما . وبطريق الأولى إذا كان الرضاع من أم احدهما , فإن حليمة السعدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أصبحت أمه , وأولادها الذين ولدتهم أو أرضعتهم يعتبرون أيضا إخوة له .
ويكون هذا التحريم يختص بالراضع , ولا يتعدى إلى إخوته , فلذلك لم يتعدى إلى إخوة حمزة كالعباس وأبي طالب؛ فإن كلا منهما ولو كان أخا لحمزة بن عبد المطلب فإنه يعتبر يعني ليس بأخ , الأخوَّة اختصت بالراضع الذي هو حمزة . وتكون الرضاعة أيضا مؤثرة في أقارب الزوج ، يكون الزوج أبا للرضيع , وأقاربه محارم للرضيع , كما في قصة عائشة ذكرت عائشة أن امرأة أبي القعيص أرضعتها , هلكت المرأة وهلك أبو القعيص ،وجاء أخوه واسمه أفلح واستأذن على عائشة ، وطلب أن تأذنله , فامتنعت وقالت: بعيد , كيف آذن له وهو لم يرضعني ولم ترضعني امرأته وإنما أرضعتني امرأة أخيهفأخبرها بأنه عمها وقال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي, أن اللبن تسبب من أخية , فصار أخوه الذي هو صاحب اللبن أبا لعائشة , وزوجة أبو القعيص المرضعة أما لعائشة ، وأخو القعيص , أخوه الذي هو أفلح عما لعائشة , وأولاد أبي القعيص أخوة لعائشة من الرضاعة .
هذا يبين أن الرضاعة تتعدى إلى أقارب المرضعة , وإلى أقارب زوج المرضعة ، ولا تتعدى كما ذكرنا إلى أقارب الرضيع , فأخوة عائشة لم يؤثر فيهم رضاعها من امرأة أبي القعيص , فأخوها عبد الرحمن لم يكن ابنا لأبي القعيص ،وكذلك أخوها محمد وأختها أسماء ونحوهم , اختصت الرضاعة والتحريم والتأثير بالراضعة التي هي عائشة , فلما أنه استأذن عليها استغربت وقالت: كيف آذن له وهو بعيد , لم يرضعني هو ولم ترضعنيامرأته ، ليست امرأته هي التي أرضعتني, وإنما هو أخوه , وليس هو الذي أرضعني , فلما قال لها: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي , أقر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم , وجعل ذلك مبررا لكونها تأذنله ويدخل عليها ويسلم عليها ؛ لأنه أصبح عمها . وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((ائذني له ؛ فإنه عمك تربت يمينك)) .
كلمة تربت يمينك ذكر المؤلف أنه لا يقصد بها حقيقة الدعاء , وإنما يقصد بذلك التوبيخ لعدم الفهمِ ، أو لعدم التذكر . وأما ما ذكر من قوله: ((إنما الرضاعة من المجاعة)) , فيدل على أن الرضاعة التي تحرِّم هي التي تكون في الصغر ، والتي يندفع بها الجوع ، إذا رضع الطفل من المرأة اندفع جوعه ، وشبع ، وحصل له غذاء ، ونبت بذلك الرضاع لحمه ، ونشز عظمه ، فيصبح كأنه (غير مسموع) من لبن تلك المرأة ، نبت على لبنها لحمُه ، فينسب إليها ، ويكون ابنا لها من الرضاع .
وقد اختلف في هذا ، فذهب بعض الصحابة – كعائشة - إلى أنه يحرِّم رضاع الكبير ، واستدلوا بقصة سهلة امرأة أبي حذيفة ، فإن أبا حذيفة كان له مولى ، يقال له: سالم ، فجاءت امرأة أبي حذيفة ، وقالت: يا رسول الله إن سالما بلغ مبلغ الرجال ، وإنه يشق علي التحجب ، فقال: ((أرضعيه لتحرمي عليه)) . وقد كان رجلا قد نبتت لحيته ، فأرضعته خمس رضعات ؛ ليكون محرما لها .
ولكن الجمهور على أن هذا من خصائص سهلة ، وأنه لا يحل لغيرها أن ترضع كبيرا فتحرم عليه ، وما ذاك إلا لضرورة حصلت لها ؛ وذلك لأن الرضاع مع الكبير لا يتغذى به بدنه ، ولا ينبت عليه لحمه ، ولا ينبت عليه عظمه ، وأيضا فإن الله تعالى قد حدد الرضاع في قوله تعالى: {وفصاله في عامين} , وفي قوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فالرضاع حدد بحولين ، يعني بسنتين , فلا يمكن أن يزاد على السنتين ، الزيادة عليهما زيادة في غير محلها ، الصبي إذا تم السنتين اكتفى بما يعطى من الأكل ونحوه ، واستطاع أن يأكل ، وأن يمضغ الطعام ، ويتغذى به ، فلذلك لا حاجة إلى الرضاع بعد الحولين ، فإذا أرضع بعد الحولين أو بعد الفطام ، فهذا الرضاع لا يؤثر ولا يحرم ، هذا هو القول الصحيح .
وقصة سالم مولى أبي حذيفة من خصوصيات امرأته التي هي سهلة ، ولو خالف في ذلك من خالف . وذهب بعضهم إلى أنه إذا اضطرت المرأة إلى رجل لا تجد بدا من الكشف له , وأن يكون محرما لها جاز لها أن ترضعه ، كما حصل ذلك لهذه المرأة ، التي هي امرأة أبي حذيفة .
واستدل الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا رضاع إلا ما كان في الحولين ..أو لا رضاع إلا ماكان قبل الفطام)) , وكذلك في قوله: ((انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة)) الرضاعة يعني الرضاعة المحرمة ، والتي يكون لها تأثير ، هي من المجاعة ، وفي حديث آخر أنه عليه السلام قال: ((لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء , وحصل به الغذاء, أو إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) , فالرضاع الذي في الصغر هو الذي ينشز العظم ، يعني ينبت به العظم ويكبر ، إنشاز العظام يعني نموها ونباتها ، كما في قوله: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} يعني ننميها وننبتها ، وكذلك قوله: ((أنبت اللحم)) يعني نبت اللحم على العظم بذلك الرضاع . فهذا هو الذي يحرم .
عرف بذلك أن الرضاع من جملة ما بحث فيه العلماء ؛ لأن الله تعالى ذكره بقوله: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فلما كان له حكم صار لا بد من بحث فيما يحل فيه وفيما يحرم ، والبحث فيه مشهور , وأدلته واضحة ، جاءت متنوعة في هذه الأحاديث ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب . فقالوا: كل قريب من النسب يحرم مثله من الرضاع ، فزوج المرأة يسمى أبا من الرضاع ، وأولاد المرضعة يسمون إخوة من الرضاع ، وإخوان المرضعة أخوال الرضيع ، وأخواتها خالات الرضيع ، وكذلك أقاربها ، وأقارب الزوج ، أقارب الزوج الذين هم إخوته ، يصيرون أعماما , أعماما للرضيع ؛ لأنهم إخوة أبيه , وهكذا بقية الأقارب عملا بهذا الحديث .

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه , أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إيهاب , فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , قال: فأعرض عني , قال: فتنحيت , فذكرت ذلك له , قال: ((وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما)) .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه , قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من مكة - فتبعته ابنة حمزة تنادي: ياعم ، فتناولها علي فأخذ بيدها ، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك ، فاحتملتها ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر ، فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي ، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد: ابنة أخي . فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها , وقال: ((الخالة بمنزلة الأم)) . وقال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) . وقال لجعفر: ((أشبهت خَلْقي وخُلُقي)) . وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)) .
الشيخ: ... وعلى آله وصحبه .
الحديث الأول يتعلق بالرضاع والشهادة فيه ، والحديث الثاني يتعلق بالحضانة وهي كفالة الطفل وتربيته . فأما حديث عقبة ذكر أنه لما تزوج هذه المرأة يقال لها: أم يحيى بنت أبي إيهاب ، جاءت عجوز أمة مملوكة سوداء ، وادعت أنها أرضعت عقبة وأرضعت المرأة التي تزوج , وأنها أصبحت أما لهذا ولهذه ، فيكونان أخوين من الرضاع ، أنكر ذلك عقبة ، ولم يكن قد سمع هذا منها ، واتهمها بأنها تريد الفراق ، تريد أن تفرق بينهما ، فلم يجرأ على أن يرد عليها ، ولكنه ركب راحلته من مكة إلى المدينة ، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وسأله , وذكر له أنها تكذب ، وأنه لا يعرف ذلك من قبل ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أقَّرها على ما تدعي ، وجعل الأمر راجعا إليها ، وقال: ((كيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما ؟)) كيف وقد زعمت ذلك ؟ دعها عنك . فعند ذلك فارقها عقبة ، وتزوجت غيره .
فأخذوا من هذا الحديث: أولا: أن الرضاع يحرِّم ولو لم يكن من أم أحد الولدين ، فإذا رضعت من امرأة ليست أمك ، ورضع منها زيد وليست أمه ، صرت أنت وزيد أخوين من الرضاع ، لا تحل لك بنته ، ولا تحل له بنتك ، مع أنك لست أخا له من النسب ، ولم ترضع من أمه ، ولم يرضع من أمك ، وإنما اجتمعتما في رضاع امرأة أجنبية ، أرضعتك وأرضعته ، أو أرضعتك وأرضعت هذه المرأة .
كذلك يستفاد منه أن الرضاع يرجع فيه إلى المرضعة , إذا ادعت ذلك فإنها تصدق ؛ وذلك لأنه يُورث شبهة ، فإذا ادعت أنها أرضعت هذا فإن هذا الكلام يورث شبهة ، فلأجل ذلك تتجنب الشبهات ؛ لقوله: ((ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)) .
كذلك أيضا لا شك أن هذه المرأة لم يتهمها زيد إلا بتهمة أنها تريد الفراق بينهما ، ولم يذكر أنه جُرِّب عليها كذب ، ولا أنها ذات حسد ، فلعلها لما سمعت بأنه تزوجها خافَتْ أن يكون بينهما شيء من العلاقة مع تحريم الجمع بينهما ، فأبدت ما عندها وأظهرت أنهما ولداها من الرضاع ، أن هذا رضيع وهذه رضيعة ، قُبل قولها وقد عرفت أيضا حد الرضاع, لا بد أنها عرفت أن الرضاع المحرم هو خمس , ولا بد أنها عرفت أن الرضاع المحرم ما كان في الحولين ، وأنها ما أقدمت على أنهما ولداها من الرضاع إلا وقد عرفت الحكم وتيقنت، فيقبل قولها .
يقول العلماء: إذا ادعت امرأة أنها أرضعت هذين الزوجين: هذه المرأة وزوجها ، قبل قولها ، ولو كانت واحدة ؛ أخذا من هذه القصة . وإذا كانت كاذبة فكما قال تعالى: {وإن يكن كاذبا فعليه كذبه} , وتكون إذا كانت كاذبة تستحق العقوبة في الآخرة ، وربما تعجل لها العقوبة في الدنيا ، إذا فرقت بين زوجين وهي كاذبة أن تصيبها دعوة مظلوم ، إذا كانت كاذبة . وقد يعرف كذبها بقرائن ، ولكن لا يعمل بالقرائن ، بل يعمل بقولها ؛ اتقاء للشبهات .
روي عن ابن عباس أنه قال: إن كانت كاذبة لم تتم السنة ..أو لا تتم حتى يبيض ثدياها ، يعني عقوبة لها ، أنها يصيبها في ثدييها برص ، يكون سببا في عدم قبول أحد لثديها أو نحو ذلك . وهذا وإن لم يكن مطردا ، لكن قد يكون واقعا في بعض الأحيان .
أما الحديث الثاني يتعلق بقصة ابنة حمزة ، وقد تقدم أن عليا عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكن أخبر بأنها لا تحل له ؛ لأن حمزة أخوه من الرضاعة ، رضع هو وحمزة من ثويبة مولاة أبي لهب ، فهذا حكم ، وهو أنها ابنة أخيه من الرضاع ، ومع ذلك لم يطالب بحضانتها . لما قتل حمزة رضي الله عنه سنة ثلاث من الهجرة في وقعة أحد ، كانت ابنته عمارة في مكة ، وكانت صغيرة مع أمها , ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه مكة في سنة سبع (عمرة القضية) ، وخرجوا من مكة ، تبعتهم ابنة حمزة تنادي تقول: ياعم ، ياعم ؛ وذلك لأنها قد كبرت عن سن الحضانة , قاربت العشر ، أو تجاوزت عشرة سنين ، أو نحوها ، فأرادت أن تكون مع أهلها بدل ما كانت مع أمها ، وأمها وأخوالها لا يزالون مشركين .
والحاصل أنها لما تبعتهم ، أركبها علي رضي الله عنه مع زوجته فاطمة على بعيرها ، وقال: دونك ابنة عمك ، وذهبوا بها إلى المدينة ، فطلب كفالتها هؤلا الثلاثة ، كل منهم يريد أن تكون تحت كفالته ؛ ليأخذ أجرها لكونها يتيمة ، فعلي رضي الله عنه يقول: هي بنت عمي ، فإن عمَّه حمزة , وهو عم جعفر وعم النبي صلى الله عليه وسلم , وفاطمة ابنة ابن عمها ، فكأنه يقول: أدلي بقرابتي لها وقرابة امرأتي . أما جعفر فأدلى أيضا بحجتين: وهو أنها بنت عمه ، وأن زوجتَه خالتها: أخت أمها ، وزوجته هي أسماء بنت عميس ، ثم طلبها أيضا جعفر ، وكذلك طلبها مولاهما زيد بن حارثة ، وكان قد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة ، فقال: ابنة أخي ، يعني أخي بالمؤاخاة . ولكنَّه صلى الله عليه وسلم جعلها تحت كفالةِ خالتِها وكفالة ابن عمها ، وهو جعفر ، وقال: ((الخالة بمنزلة الأم)) .
ثم معروف أنَّ الكفالةَ هنا إنما هي النفقةُ ، وإلا فالحضانة قد ذهبَ وقتها ، الحضانة إنما تكون لمن قبل سبع سنينَ ، وأما من فوق سبع سنين فإنه لا يحتاج إلى حضانة ، ولكنْ لما كانت يتيمة ، أراد كل من هؤلاء الثلاثة أن يحظى بكفالتها ، وبالنفقة عليها .
ثم قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) ، يعني أنت لك الفضل ولك القرابة ؛ القرابة لكونه ابن عم ، والقرابة لكونه صهرا ، والقرابة لكونه قديم الإسلام ، ولكونه قديم الهجرة . كذلك قوله لجعفر: ((أشبهت خَلقي وخُلقي)) ، هذا أيضا فضل عظيم لجعفر رضي الله عنه . كذلك قوله لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)) ، أرضى كل واحد منهم بهذا الأمر .
وبكل حال فهذا دليل على تنافس الصحابة رضي الله عنهم في فعل الخير , ومسابقتهم إليه ، وأن كلا منهم يحرص على أن يكون من السابقين إلى الخيرات ، وأن يكون من الذين يحظون بالأجر في كفالة اليتيم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين)) أي في الجنة أنا وكافل اليتيم ، يعني بعضنا يكون مع بعض في الجنة ، فأشار بأصبعية السبابة والتي تليها ، وفرق بينهما شيئا . وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى ، وبمراعاتهم , ونهى عن إضرارهم ، وقال: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الرضاع, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir