باب ضبط اختلاف الروايات والعمل في ذلك
قالَ القاضِي عِيَاض بن مُوسى بن عِيَاض اليَحْصُبي (ت: 544هـ): (هذا مما يضطر إلى إتقانه ومعرفته وتمييزه وإلا تسودت الصحف وأخلطت الروايات ولم يحل صاحبها بطائل وأولى ذلك أن يكون الأم على رواية مختصة ثم ما كانت من زيارة الأخرى ألحقت أو من نقص أعلم عليها أو من خلاف خرج في الحواشي وأعلم على ذلك كله بعلامة صاحبه من أسمه أو حرف منه للاختصار لا سيما مع كثرة الخلاف والعلامات وإن اقتصر على أن تكون الرواية الملحقة بالحمرة , فقد عمل ذلك كثير من الأشياخ وأهل الضبط كأبي ذر الهروي وأبي الحسن القابسي وغيرهما فما أثبت لهذه الرواية كتبته بالحمرة وما نقص منهما مما ثبت للأخرى حوق بها عليه ,وقد يقتصر بعض المشايخ على مجرد التخريج والتحويق والشق لإحدي الروايتين ويكل الأمر إلى ذكره وما عقده مع نفسه من ذلك, وقد رأيت أبا محمد الأصيلي التزم ذلك في كثير من كتابه في صحيح البخاري الذي بخطه وما وقع فيه علي أبي زيد المروزي وقيد فيه روايته ,ورواية أبي أحمد الجرجاني الذي عليها أصل كتابه فما سقط لأبي زيد ولم يروه عنه شق عليه بخطه أو حوق عليه ,وما سقط لهما معا شق عليه بخطين ليظهر سقوطه لهما ,وما اختلفا فيه أثبت عليه اسم صاحبه ,ولا يغفل المهتبل بهذا عند كثرة العلامات واختلاف الروايات تقييد ذلك أول دفتره أو على ظهر جزئه أو آخره والتعريف بكل علامة لمن هذه ؛لئلا ينسى وضع تلك العلامات مع طول الزمن وكبر السن واختلال الذكر فتختلط عليه روايته ويتشكل عليه ضبطه ,ومن الصواب ألا يتساهل الناظر في ذلك ولا يهمله فربما احتاج إن أفلح إلى تخريج حديث أو تصنيف كتاب فلا يأتي به على رواية من يسنده إليه إن لم يهتبل بذلك فيكون من جملة أصناف الكاذبين .
والناس مختلفون في إتقان هذا الباب اختلافا يتباين ولأهل الأندلس فيه يد ليست لغيرهم وكان إمام وقتنا في بلادنا في هذا الشأن الحافظ أبو علي الجياني شيخنا رحمه الله من أتقن الناس بالكتب وأضبطهم لها وأقومهم لحروفها وأفرسهم ببيان مشكل أسانيدها ومتونها وأعانه على ذلك ما كان عنده
من الأدب وإتقانه ما احتاج إليه من ذلك على شيخه الشيخ أبي مروان ابن سراج اللغوي آخر أئمة هذا الشأن وصحبته للحافظ أبي عمر بن عبد البر آخر أئمة الأندلس في الحديث وأخذه عنه وتقييده عليه وكثرة مطالعته ,وناهيك من إتقانه لكتابه الذي ألفه على مشكل رجال الصحيحين ,وكان قرينه وكنيه شيخنا القاضي الشهيد عارفا بما يجب من ذلك جدا لكنه لم يهتبل بكتبه اهتباله ,
وكان القاضي أبو الوليد الكناني ممن أتقن ربما تكلف في الإصلاح والتقويم بعض ما نعى عليه.[الإلماع: ؟؟]